الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معهد القدس للاستراتيجية والامن JISS 19/11/2025

يجب ألا تنتهي خطة ترامب بتقسيم دموي لغزة

بقلم: د. هليل بريش

تشير الأحداث منذ نشر خطة ترامب إلى مسيرةٍ تثبيت التقسيم في غزة. يجب على إسرائيل منع هذه النتيجة الدموية بأي ثمن، والمطالبة بتفكيك حماس عسكريًا، كما ورد في الاتفاق، كشرطٍ لإنشاء حكومة محلية وإعادة إعمار غزة.

في مسيرة أوسلو، التي كانت المحاولة الرئيسية لحل النزاع قبل ثلاثين عامًا أو أكثر من نشر خطة ترامب الطموحة، كان مؤيدو الاتفاق يأملون في تقسيم أرض إسرائيل بين الشعبين، حيث توقع بعض الإسرائيليين أن يكون التقسيم لدولتين، بينما رأى آخرون أن الكيان الفلسطيني يجب أن يكون “أقل من دولة”. بالنظر إلى الماضي، بدلًا من التقسيم بين شعبين، إسرائيلي وفلسطيني، أدت هذه المسيرة وتبعاتها إلى انقسام فلسطيني داخلي بين “حكومتين” – حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في يهودا والسامرة – معاديتين لبعضهما البعض.

إن خطة ترامب، الأكثر طموحًا بكثير من مسيرة أوسلو – إذ يؤكد الرئيس مرارًا وتكرارًا أن غزة ومشكلة حماس جزءان صغيران من رؤية أوسع للسلام في الشرق الأوسط – قد تؤدي أيضًا إلى تقسيم حاد في غزة بين إسرائيل وحماس. سيكون هذا تقسيمًا دمويًا لا علاقة له برؤية السلام.

 يجب على إسرائيل بذل كل ما في وسعها لمنع هذه النتيجة.

ثلاثة عوامل قد تؤدي إلى التقسيم

أهمها عدم استعداد أي دولة، في أي إطار دولي، لتولي مهمة نزع سلاح حماس، وهذا هو الشرط الأساسي لاستقرار المنطقة ورسم ملامحها. على العكس تمامًا، نفى الملك عبد الله، عاهل الأردن، بشدة، في مقابلته المهمة مع بي بي سي، إمكانية قيام القوات الأردنية وغيرها بـ”مراقبة” السلام بين الطرفين (بمعنى آخر، فرض السلام). ما الذي قد تكون مستعدة لفعله على أي حال؟ الاكتفاء بحفظ السلام – “لمساعدة الشرطة المحلية الفلسطينية، التي تستعد الأردن ومصر لتدريب أعداد كبيرة منها”. وأضاف أن إنجاز هذه المهمة “سيستغرق وقتا أيضا”.

من المهم الإشارة إلى أن “عهد السلام” بين الجانبين، الذي رفضه الملك نيابةً عن جميع الدول، لا يزال بعيدًا كل البعد عن العمل العسكري النشط لنزع سلاح حماس، أي القضاء على أي احتمال لأن تكون حماس عاملًا سياسيًا أو عسكريًا في مستقبل غزة. تُعزز التصريحات المتكررة من مصر والسعودية تقييم الملك بأن “دوريات مسلحة تجوب شوارع غزة ليست وضعًا ترغب أي دولة في الانخراط فيه”، ناهيك عن نزع سلاح حماس.

في هذه الحالة، من الواضح أن الجيش الإسرائيلي هو وحده القادر على نزع سلاح حماس وتحييدها كعامل سياسي مع مرور الوقت.

السبب الثاني لاحتمالية تحول تقسيم غزة إلى أمر دائم يتعلق بقرارات دونالد ترامب: هل سيرضى الرئيس بوقف إطلاق نار دموي أم بإعادة غزة لتكون منطقة مستقرة ومزدهرة؟ بقدر ما يُحافظ على وقف إطلاق النار، رغم انتهاكات حماس الصارخة، فإنه يُرسّخ واقع حكم حماس وانقسام غزة الدموي بين الجيش الإسرائيلي، الذي يُسيطر على حوالي نصف أراضي القطاع، وحماس، التي تُسيطر على الجزء الغربي من غزة باستثناء أطرافها في الجنوب والشمال، وتُسيطر على الغالبية العظمى من السكان. ما لم يُقضَ على القوة العسكرية لحماس، فإن الهياكل المُزمع إنشاؤها بموجب خطة ترامب – اللجنة التنفيذية المُكوّنة من تكنوقراط فلسطينيين، وقوة استقرار دولية يُفترض أن تُشرف على نزع السلاح، وحتى مقر التفتيش الدولي الذي يرأسه ترامب نفسه – لن تُسهم إلا في ترسيخ التقسيم. من الواضح أن هذه الآليات ستُركّز على المنطقة التي تسيطر عليها حماس، وليس على المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.

كما أن العداء الشديد بين حماس والسلطة الفلسطينية يزيد من فرص إتمام التقسيم. تُعارض السلطة بشدة أي بوادر تقسيم. لذلك، خلال محادثات القاهرة بين الفصائل المعنية بتشكيل لجنة الإدارة التكنوقراطية، اشترط ممثل فتح، العضو في السلطة الفلسطينية، موافقته على تشكيل لجنة الإدارة أن يرأسها رئيس وزراء السلطة الفلسطينية أو مسؤول كبير نيابة عنه. لم تكتفِ حماس برفض الاقتراح رفضًا قاطعًا، بل اتخذت قرارًا مع معظم الفصائل الأخرى التي وافقت على قائمة المرشحين، ومعظمهم من ترشيح حماس. اتهم متحدثون باسم السلطة حماس باتخاذ القرار بعد انتهاء محادثات القاهرة ومغادرة ممثل فتح المدينة. تثبت حماس مرة أخرى، كما فعلت طوال 18 عامًا من محاولات المصالحة بينها وبين السلطة الفلسطينية، أنها تريد السيطرة الحصرية على غزة على أساس القوة العسكرية ليس فقط لمواصلة “المقاومة” ضد إسرائيل، ولكن أيضًا لمنع أي إمكانية للسيطرة على غزة من قبل السلطة الفلسطينية، خوفًا من أن السلطة الفلسطينية ستنتقم من حماس على ما فعلته بأعضاء السلطة الفلسطينية عندما سيطرت حماس على غزة عام 2007. بعبارة أخرى، تنضم الديناميكيات الفلسطينية الداخلية إلى عوامل خارجية مثل قرارات ترامب لترسيخ حقيقة تقسيم غزة.

إسرائيل، التي تخشى، في ظل القيود المذكورة آنفًا، أن تضطر إلى إدارة شؤون سكان قطاع غزة إذا ما اضطرت إلى استخدام القوة لإزاحة حماس من السلطة ونزع سلاحها، وتخشى أيضًا أن يرى جزء من جمهورها الوضع الحالي نهايةً للحرب، ويركز على توسيع اتفاقيات إبراهيم وإعادة الإعمار الاجتماعي والعسكري والاقتصادي، لا ترغب في تغيير الواقع الجديد.

ورغم كل هذا، يجب على إسرائيل مقاومة واقع تقسيم غزة على أساس الخط الأصفر. فهذا التقسيم يعني حربًا دموية منخفضة الشدة، مع إعادة تسليح حماس والفصائل الأخرى، مما سيؤدي في النهاية إلى صراع أوسع وأكثر دموية، تُجبر فيه إسرائيل على احتلال غزة بتكلفة أعلى من حيث الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي وتكاليف اقتصادية باهظة.

ولمنع ذلك، يجب على إسرائيل أن تشترط للانتقال إلى مرحلة بناء هياكل الحكم والسيطرة، وقبل كل شيء إعادة إعمار غزة، نزع سلاح حماس، وفي حال عدم حدوث ذلك، ممارسة حقها في مواصلة الحرب لإتمام المهمة.

——————————————-

هآرتس 19/11/2025

تفوق اسرائيل الجوي لن يختفي، رغم صفقة الطائرات للسعودية

بقلم: عاموس هرئيلِ 

مثلما كان بالإمكان التوقع مسبقا، فان دونالد ترامب أوضح أمس سلم أولوياته. الرئيس الأمريكي لا يرى أي مشكلة في بيع الطائرات القتالية المتقدمة من نوع اف35 للسعودية. على الأقل بصورة علنية هو لا يربط بين صفقة الشراء الكبرى المخطط عقدها وبين اتفاق تطبيع مستقبلي بين السعودية وإسرائيل، وان كان ما زال يجب الاخذ في الحسبان المفاجآت كما هي العادة لدى ترامب.

في نفس الوقت الرئيس مصمم على التقدم في تنفيذ خطته في قطاع غزة. بهذا الشأن هو يحمل معه – حتى بعد المصادقة على خطته في مجلس الامن اول امس – اخبار مختلطة من ناحية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وحتى الآن، مثلما في القضية السعودية، هناك أمور واضحة: ترامب يهتم بالأساس بالمصالح الامريكية، ولا يوجد تشابه بين النتيجة النهائية وبين وعود النصر الكثيرة التي نثرها نتنياهو بخصوص الساحات المختلفة.

ترامب قال امس المفهوم ضمنا بالنسبة لنا: السعوديون هم حلفاء “رائعون”، لذلك هو ينوي بيعهم طائرات اف 35. على الأقل في هذه الاثناء هو لا يذكر في هذا السياق رغبته في التوصل الى اتفاق تطبيع. في هذه المرحلة يبدو ان نتنياهو يحتاج الى ذلك اكثر من الشريك المحتمل، ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي وصل اول امس لزيارة في واشنطن.

الجمهور السعودي توجد له تحفظات شديدة من إسرائيل إزاء افعالها في غزة اثناء الحرب. ابن سلمان سيتعين عليه ان يقرر هل يتجاهل النقد العام في بلاده. يبدو انه يعتقد بانه يستطيع ان يحظى بتحقيق طموحاته من الولايات المتحدة بدون ان يدفع بعملة التطبيع مع إسرائيل. امس قال ابن سلمان بانه سيفحص انضمام بلاده الى اتفاقات إبراهيم فقط في حالة تم ضمان مسار واضح لاقامة دولة فلسطينية، في حين ان ترامب عاد وكرر عدة مرات وعده بان إسرائيل ستكون مسرورة عندما سئل عن صفقة الطائرات.

في كل الحالات صرخات النجدة بشان فقدان التفوق الجوي لإسرائيل في الشرق الأوسط هي مبكرة جدا الى حد ما. قبل خمسة اشهر اثبتت إسرائيل تفوقها الجوي المطلق عندما هاجمت طائراتها بدون ازعاج، طلعة وراء أخرى وخلال 12 يوم، في جميع ارجاء ايران. هذا الإنجاز يرتبط بطائرات اف35 التي حصلت عليها من الولايات المتحدة، لكن بالتأكيد لا يفسر فقط بهذا الامر. لقدرات التخطيط والتنفيذ الموجودة لسلاح الجو الإسرائيلي لا يوجد اليوم معادل في الشرق الأوسط. السعوديون بالتأكيد ليس فقط هم راكبو جمال، كما وصفهم قبل فترة قصيرة باحتقار الوزير بتسلئيل سموتريتش، ولكن سيمر كما يبدو وقت طويل الى ان ينجحون هم أو حتى الاتراك في اغلاق الفجوة المهنية.

صفقة طائرات مشابهة – بين الولايات المتحدة ودولة الامارات بموافقة صامتة من نتنياهو – عقدت في 2020 على خلفية اتفاقات إبراهيم، لكنها لم تتحقق بسبب خوف جهاز الامن الأمريكي من تسريب معلومات حساسة عن الطائرة المتقدمة من الامارات الى الصين. هذه المرة يصعب التصديق بان ترامب سيتنازل على خلفية الهدية الاقتصادية التي يعتقد انها تنتظره الان، اذا وقعت كل الاتفاقات الأمنية والاقتصادية مع السعودية.

ما تحتاجه إسرائيل في الظروف الحالية هو بالأساس تعويض. هذا ما حدث أيضا في السابق في اطار الالتزام القانوني للادارات الامريكية بمبدأ كيو.ام.إي، الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. لقد حصلت على سلاح دقيق ومنظومات قتالية متقدمة، وحصلت على قدرة عالية للوصول الى المعلومات الاستخبارية كتعويض عن تزويد أمريكا بالسلاح لدول لم تعتبر أعداء مباشرين لها. دائما كان لها أيضا ما تقدمه في المقابل. السؤال هو ما هي قدرة المساومة الحالية لنتنياهو امام ترامب. الرئيس في الواقع يمتدح رئيس الحكومة بشكل دائم، وحتى انه تدخل بشكل فظ لصالحه في الإجراءات القانونية ضده، ولكن في هذه العلاقات من الواضح تماما من هو الذي يقول الكلمة الأخيرة.

هذا ينطبق أيضا على قرار الأمم المتحدة بشان تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة. هذه بالضبط الأمور التي حارب نتنياهو وحرض ضدها خلال ثلاثة عقود. كما يبدو، إسرائيل يمكنها ان تكون راضية: صيغة القرار تتضمن نزع سلاح حماس، وبعد العودة المفاجئة للعشرين مخطوف الاحياء (وكل الجثث، باستثناء ثلاثة حتى الآن)، فانه يوجد لها القليل من الموانع لفعل ذلك. ولكن تعمل هنا توجهات لا تتساوق مع الرسائل التي سوقها نتنياهو، وربما أيضا ليس مع المصلحة الإسرائيلية. هذه خطوة رئيسية قبيل تدويل النزاع، واذا نجحت مهمة القوة فمن المرجح انه ستطرح المطالبة بمحاولة تطبيق نموذج مشابه أيضا في الضفة الغربية. صيغة القرار تضع صلاحيات واسعة في يد ترامب، وفي المقابل، لا تبقي أي دور للسلطة الفلسطينية. يوجد خطر من ان فشل امريكي في نشر القوة سيؤدي الى تراجع سريع، بصورة من شانها ان تعقد الوضع. اما بالنسبة للرؤية العبثية لليمين بشان ضم قطاع غزة والضفة الغربية، فيبدو انه حاليا لم يبق منها أي شيء.

في الوقت الذي ينشغل فيه الائتلاف بشن حرب على المستشارة القانونية للحكومة، ويؤجج أنصاره بمؤامرات ضد المدعية العامة العسكرية السابقة، فانه تحدث تطورات مهمة على المستوى الاستراتيجي. من الملح اكثر للوزراء الانسغال بتشكيل لجنة عبثية، التي يفترض انها ستحقق في إخفاقات الحرب، بدلا من فحص تاثيرها على الوضع الإقليمي لإسرائيل. نتنياهو بمناوراته يحقق إنجازات سياسية محددة على الصعيد الداخلي، اما على الصعيد الدولي فقد تتلاشى إنجازات الحرب التي تحققت على حساب خسائر فادحة. ويرتبط هذا بشكل مباشر بتصميم رئيس الحكومة على إطالة الحرب على مدى سنتين مع نشر أوهام في أوساط مؤيديه.

في ذلك القرار المجنون، مهاجمة كبار قادة حماس في قطر في شهر أيلول الماضي، أدى نتنياهو بشكل مباشر الى اتخاذ قرار من قبل ترامب بان يفرض على الطرفين صفقة لانهاء الحرب. بالنسبة للمخطوفين كانت هذه بشرى ممتازة. من ناحية الحكومة وقعت أمور مشجعة اقل: نتنياهو اجبر على الاعتذار علنا امام قطر، وترامب تعهد بحلف دفاع مع القطريين، وهو يفحص فعل ذلك مع السعودية أيضا – في حين ان الاتفاق في غزة يهيء دور حاسم في القطاع لحكومة قطر وحكومة تركيا، الدولتان الأكثر عداء لإسرائيل، ورعاة مخضرمين لحماس وحركة الاخوان المسلمين.

——————————————

هآرتس 19/11/2025

في الشراكة الجديدة لترامب مع ابن سلمان، إسرائيل مجرد مشاهد من المدرج

بقلم: تسفي برئيل

العرض الشرفي الاستثنائي الذي منحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمس، لم يتضمن رقصة السيف، ولكن ابن سلمان شاهد عرض رمزي لطائرات اف35. هذه الطائرات التي هاجمت قبل ستة اشهر فقط منشآت نووية في ايران، لا تمثل قمة القدرة التكنولوجية الامريكية فحسب، بل أصبحت ركيزة أساسية في البنية السياسية الجديدة التي تسعى السعودية والولايات المتحدة الى ارسائها في الشرق الأوسط وخارجه. حتى الان وقعت صفقة الطائرات في شبكة معقدة من الشروط السياسية التي طلبت من السعودية، من بينها تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وان تكون جزء من تحالف حصري مع الولايات المتحدة، وبالتالي، تحييد نفوذ الصين وروسيا ووضع المملكة كلبنة أخرى صلبة في الجدار المناهض لإيران، والاسهام بنصيبها الاقتصادي في تنفيذ خطة ترامب في قطاع غزة.

تصريح ترامب الذي بحسبه سيبيع طائرات اف35 للسعودية بدون ان يرفق بمقولته هذه باقي الشروط، من شانه ان يدل على نيته في تفكيك حزمة الشروط التقليدية الى مكوناتها وإعادة تركيب بنية جديدة. حسب هذه البنية، كل صفقة وكل عملية سياسية أو اقتصادية ستكون مستقلة وغير مرتبطة بالضرورة بسياق إقليمي. مثلا، السعودية ستستطيع شراء الطائرات وتكون معفية من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل اذا لم تقم بالوفاء بالشرط الأساسي الذي وضعته الرياض وهو إقامة الدولة الفلسطينية. ابن سلمان اعلن في الواقع بانه سيكون مستعد للانضمام الى اتفاقات إبراهيم، لكن قرار مجلس الامن الذي صدر امس ما زال بعيد عن الاستجابة لهذا الشرط، والان لا يبدو ان ترامب مستعد لاستخدام أداة الضغط هذه من اجل لي ذراع ولي العهد السعودي.

ترامب بحكم صلاحياته الرئاسية سيتمكن من منح السعودية اتفاقية دفاعية كما منحها لقطر، بغض النظر عن التطبيع أو مشاركتها في إعادة اعمار غزة، أو استعدادها “لتخفيف” علاقاتها مع الصين وروسيا، أو قطع علاقاتها مع ايران. فمن وجهة نظر السعودية، وكما أوضحت الولايات المتحدة، يفترض ان يكون هذا تحالف دفاعي ثنائي، وليس إقليمي. ويهدف هذا التحالف بالأساس الى حماية السعودية من ايران، التي لا تزال تعتبر، رغم علاقاتها الدبلوماسية معها، تهديد قد يتجسد في حالة استئناف الحرب بينها وبين إسرائيل. لذلك فان السعودية ستسعى – كما فعلت في صراعات سابقة بين إسرائيل وايران، حيث طلبت من الولايات المتحدة كبح جماح إسرائيل والامتناع عن مهاجمة ايران بنفسها – الى الحصول على مظلة أمريكية في حال تصرفت إسرائيل مجددا بشكل مستقل. ولكن مشكوك فيه اذا كان ترامب نفسه، الذي لا يتوقف عن تهديد ايران، يرغب في منح السعودية التزام لا لبس فيه بمنع حرب قد تضع المملكة في خط النار، لان هذا الالتزام يساوي تقديم ضمانة امنية أمريكية لإيران نفسها.

ان شبكة المصالح الأمنية للسعودية لا تقتصر فقط على ايران. هي تمتد أيضا بين الرياض وبين دمشق وبيروت وغزة وبغداد، الحوثيون أيضا استأنفوا مؤخرا تهديداتهم بمهاجمة السعودية. كل واحدة من هذه تمثل بؤرة لتهديد محتمل، عسكري أو سياسي، وفي جزء منها إسرائيل من شانها ان تكون الفتيل الذي سيشعل سلسلة التفجيرات. كما يبدو، حسب هذه الرؤية السعودية، التطبيع مع إسرائيل مطلوب كجزء لا يتجزأ من حلف الدفاع لانه سيلزم إسرائيل بالتساوق ليس فقط مع الاملاء الأمريكي، بل أيضا مع المصلحة السعودية. ولكن يبدو، كما اثبت سلوك الرياض اثناء حرب غزة، ان مكانة السعودية “كقوة عظمى إقليمية” تتطلب ارتباطها بالوجدان العربي، الذي ما زال يعتبر القضية الفلسطينية قاسم عربي واسلامي مشترك. لا يمكن للسعودية ان تنفصل عن القضية الفلسطينية وتحافظ على مكانتها كدولة رائدة. يمكن التقدير انه لو عرض ترامب على ابن سلمان حلف دفاع أو مشروع نووي مقابل تنازله عن شرط إقامة دولة فلسطينية، لكان رد ولي العهد الآن مختلف عما كان عليه قبل الحرب – اذ لم يطالب في حينه الا بـ “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين”.

على عكس بنية العلاقة التي تطورت بين ابن سلمان وترامب في ولايته الأولى، حيث تعامل الرئيس الأمريكي مع السعودية كدولة تابعة مستعد لحمايتها مقابل مبلغ مناسب، فقد تعامل ترامب مع السعودية منذ بداية ولايته الثانية كشريك استراتيجي. إضافة الى ذلك عندما يقدم ابن سلمان وعد باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب كركيزة أساسية لعلاقتهما، فانه يخلق توازن جديد من الترابط الأمريكي – السعودي، بحيث تتمتع السعودية فيه بثقل مشابه لثقل الولايات المتحدة.

في هذه البنية تتضاءل مكانة إسرائيل من حليف استراتيجي الى “عنصر تكتيكي” يخضع كليا لاملاءات الإدارة الامريكية. وتشهد سلسلة القرارات وإلغاء القرارات، التي اتخذها ترامب بتاثير من ابن سلمان، على هذا التبادل في الأدوار. لم ينشا تراجعه المذهل عن رؤيته الوهمية لـ “إقامة ريفييرا رائعة في غزة وطرد سكانها الى الجحيم الا بعد انضمام السعودية بكامل القوة الى معارضة مصر والأردن. وكان تبني الرئيس السوري احمد الشرع واحتضانه من قبل الرئيس الأمريكي كـ “هدية شخصية” قدمها لابن سلمان رغم معارضة إسرائيل الصاخبة.

السعودية لم تقف في الواقع في الخط العلني الأول للدول التي توسطت في صفقة الرهائن، الا انها قادت التحركات التي أدت الى وقف اطلاق النار عندما قادت الجهد الدبلوماسي العربي، بالتعاون مع الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، الذي أدى في نهاية المطاف الى اعتراف شامل في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. ينطبق الامر نفسه على “تعديل” مشروع القرار الذي قدمته أمريكا لمجلس الامن، والذي يتضمن “مسار نحو دولة فلسطينية، الذي مثل غيره من القرارات، الزم نتنياهو باتباع المسار الذي مهد له ترامب وابن سلمان، والترحيب بقرار مجلس الامن اول أمس.

ترامب ما زال يلتزم تماما بامن إسرائيل، ولا يقاس هذا الالتزام بكمية السلاح والذخيرة والأموال التي يقدمها لها فقط. ولكن خلافا للادارات الامريكية السابقة، لا يقوم تحالفه مع إسرائيل على قيم مشتركة ولا يثيره كثيرا مصطلح “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. هذا الموقف الذي يقوض ما يعتبر قيم فريدة لإسرائيل، يلغي أيضا تفوقها على دول مثل السعودية، قطر ودولة الامارات. في عهد ترامب ينظر الى الشراكة مع كل هذه الدول بمنظور المصلحة الذاتية، سواء كانت عسكرية أو تجارية.

النتيجة هي ان ابن سلمان، الشخص الذي نسبت له المخابرات الامريكية المسؤولية المباشرة عن قتل الصحافي جمال الخاشقجي في 2018، ومملكته التي وعد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بتحويلها الى “دولة منبوذة”، يحظى بعد سبع سنوات من الغياب عن واشنطن بالاحترام، الذي فقط قلائل حصلوا عليه في البيت الأبيض، في حين ان إسرائيل تتحول الى أداة لتطبيق سياسة أمريكية لا تناسبها بالتحديد.

——————————————-

هآرتس19/11/2025 

الدولة قررت الفصل على اساس ديني بين سكان النقب، وديمونا هي لليهود

بقلم: كيم لاغزيئيل

عندما نتعامل مع اخبار بحجم تاريخي فانه يصعب احيانا متابعة التفاصيل الصغيرة. من السهل ان يغيب عنا مثلا انه في الاسبوع الماضي دولة اسرائيل، بكل مؤسساتها، اعلنت اخيرا عن سياسة الفصل بين اليهود والعرب، وعن حقوق مختلفة لكل قطاع على اساس ديني. هذا كمقدمة لانشاء عشرات البلدات الجديدة في النقب، كلها تقريبا فقط لليهود. وان بعضها سيقام على انقاض قرى بدوية. البدو لا يمكنهم الحصول على قسيمة ارض بديلة في البلدة المستقبلية لانهم عرب. لذلك، هم ايضا لن يعترف بهم كـ “ابناء المكان” – وهو تعريف يعطي اولوية في شراء قسائم في البلدات التي ستقام على حساب بيوتهم.

هذا هو السيناريو، وقد وقع في الاسبوع الماضي عندما رفضت المحكمة العليا الالتماس الذي قدمه 500 بدوي يعيشون في القرية غير المعترف بها رأس جرابة القريبة من ديمونا. وأمرت باخلائهم خلال تسعين يوم. كما يبدو من اجل ان يكون بالامكان اقامة حي في مكانهم. هذا بدون ان يكلف أي أحد من بين مئات المخططين واعضاء اللجان الذين وضعوا وناقشوا الخطة منذ العام 2017، عناء التحدث مع سكان القرية، الذين يعيشون في منطقة ديمونا منذ مئة سنة على الاقل. ايضا لم يفكر أي أحد في تخطيط حي يشملهم ايضا، وليس فقط يشمل اليهود. هذا بدون صلة بان خطة الحي، التي كانت معيبة من اساسها، تم الغاءها في شهر حزيران، وستمر سنوات الى أن يتم بناء الحي، وبالتاكيد ليس تسعين يوم.

الى أين سيتم الاخلاء؟ الى المكان الذي ستقرره سلطة البدو، وهي الجسم المسؤول عن تسوية القرى غير المعترف بها. يبدو انه يكفي أن تتكرم السلطة وتعرض على السكان قطعة ارض أو شقة في ديمونا على سبيل المثال. ولكن لا: حسب لائحة رسمية مكتوبة بوضوح في لوائح مجلس اراضي اسرائيل التي تحدد عمل سلطة البدو، فان البدو سيعيشون مع البدو واليهود يعيشون مع اليهود. ولا يحق لسلطة البدو عرض بديل على سكان رأس جرابة الا اذا كانت قطعة الارض “توجد داخل حدود قرية من قرى البدو”، كما هو منصوص عليه. وهذه تشمل حسب الانظمة رهط، اللقية، تل السبع وقرى بدوية اخرى سيتم بناءها مستقبلا في كل ارجاء النقب. اما ديمونا فهي ليست ضمن هذه البلدات.

الـ 500 مواطن من رأس جرابة ليسوا غزاة، رغم الجهود الكبيرة لسلطة اراضي اسرائيل لعرضهم كذلك. هناك شهادات تاريخية كثيرة، بما في ذلك خرائط بريطانية ووثائق في ارشيفات عثمانية، تثبت ان قرية باسم راس جرابة كانت توجد في النقطة التي يدور الحديث عنها قبل ولادة فكرة بناء مدينة اسمها ديمونا هناك بعشرات السنين. “الارشيفات العثمانية في اسطنبول والارشيفات البريطانية تؤكد أن رأس جرابة كانت توجد في نفس المكان في نهاية العهد العثماني في اسرائيل، وايضا خلال فترة الانتداب البريطاني”، يقول الدكتور منصور نصاصرة، وهو محاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة بن غوريون.

يتبين ان الزراعة في المنطقة كانت مزدهرة حتى في فترة الحكم البريطاني. “الخارطة الواضحة جدا قبل قيام الدولة التي يظهر فيها اسم رأس جرابة، هي من العام 1924، من الارشيف البريطاني في لندن”، قال الدكتور نصاصرة. “يمكن رؤية القرية فيها. وقد قيل فيها بانه يوجد فيها سكان مزارعون يتكونون من عدة قبائل مرتبطة بالمركز التجاري القريب، الذي في حينه كان يوجد في ممشيت، والتي سميت في حينه قرنب. وحتى انه يشار الى ان عدد من الاشخاص من القرية خدموا في مركز الشرطة البريطاني في قرنب”.

ايضا حسب اقواله، الصور الجوية البريطانية تظهر ان المزارعين في محيط القرية كانوا يزرعون القمح والشعير ويسوقون المحاصيل الى غزة، ومن ميناء غزة كان يصل القمح والشعير الى بريطانيا. الدكتور نصاصرة يقول: “البريطانيون اشاروا الى انهم استخدموا هذا القمح لصناعة البيرة في لندن، الامر الذي يعني ان هذه منطقة زراعية مهمة. وحتى بعد العام 1948 فان الخرائط الاسرائيلية تظهر فيها ديمونا تشير الى قرية باسم رأس جرابة. الخرائط الاسرائيلية الاولى اعترفت بان القرية تقع مقابل ديمونا، لانها اعتمدت على الخريطة البريطانية. وكتبوا رأس جرابة باللغة العبرية. البريطانيون يقولون بانهم كانوا هناك، وانه توجد وثائق تشهد على ذلك.

لكن في خرائط اسرائيلية متأخرة اختفت القرية. والان، بمصادقة المحكمة العليا، سيختفي سكانها ايضا، وسيتم نقلهم مثل غرض الى مكان تختاره الدولة. ببساطة، دولة اسرائيل قررت الفصل على اساس ديني بين سكان النقب، وان ديمونا هي لليهود.

هذه فقط البداية. من المقرر بناء اكثر من عشر بلدات جديدة في ارجاء النقب في السنوات القريبة القادمة، وهي في مراحل تخطيط مختلفة. وسيقتضي بناء الكثير منها اخلاء قرى بدوية غير معترف بها، لكن لن يتم ادراج اي قرية منها، الفيلات الواسعة، في قائمة “القرى البدوية”. الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة الان سيتم استبدالهم باليهود، ليس أي يهود، بل اليهود الذين لن تكون لديهم أي مشكلة في اقامة بيوتهم على انقاض بيت شخص آخر لمجرد أنه يؤمن بدين آخر.

هكذا، بدلا من حل مشكلة القرى البدوية غير المعترف بها في النقب اختارت الدولة زيادة اللهب ومحاولة فرض فصل على اساس الدين بين المواطنين. من السذاجة الاعتقاد ان هذا الوعاء لن يفيض، وعندما يفيض فانه سيضر كل سكان النقب، يهود وعرب على حد سواء.

——————————————-

هآرتس 19/11/2025 

نتنياهو يدفع نحو الحسم

بقلم: ليزا روزوفسكي

بقرار مجلس الامن وحده لا يوجد ما من شانه ان يغير الوضع على الأرض. مع ذلك، هذا القرار، الذي يعبر عن دعم خطة ترامب وتشكيل “مجلس السلام” الذي سيدير قطاع غزة، وتمنح صلاحيات لدول انشاء قوة استقرار دولية، التي ستكون خاضعة لمجلس السلام – يشير الى نقاط لا رجعة عنها: أولا، إسرائيل لن تستطيع العودة الى حرب في القطاع بدون مس شديد بعلاقاتها مع إدارة ترامب، التي هي الركيزة الدولية الوحيدة التي بقيت لحكومة نتنياهو. ثانيا، العالم لا ينوي التخلي عن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وببساطة السماح له بأن “يُدار”.

في لقاء إسرائيلي – فلسطيني عقد على أبواب اريحا في الأسبوع الماضي، بمبادرة نشطاء السلام غرشون باسكن وسامر سنجلاوي، قال عيران عتصيون، الذي كان في السابق نائب رئيس مجلس الامن القومي ورئيس قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية، بانه منذ 29 تشرين الثاني (1947) لم يكن هناك تدخل دولي كهذا في شؤون إسرائيل – فلسطين. عتصيون يرى في تدخل جهات دولية في النزاع أمل. المتفائلون جدا بيننا من شانهم ان يمدوا خط تاريخي يخترق عقود: ربما ما لم ينجح في 1947 – إقامة دولتين مستقلتين تعيشان الى جانب بعضهما، بين البحر والنهر، ستحدث نتيجة قرار مجلس الامن الصادر في 17 تشرين الثاني 2025.

التفكير بدولة فلسطينية ربما هو بمثابة كفر بإسرائيل في أيامنا هذه لعدة أسباب، التي بعضها منطقي وبعضها متخيل، ولكنه بصورة واضحة يعتبر امر ضروري جدا في العالم. دبلوماسي غربي تحدث مع “هآرتس” قال بانهم في إسرائيل ارتكبوا خطأ استراتيجي عندما استخفوا طوال اشهر بالمبادرة السعودية – الفرنسية. حسب أقواله فان عدد من الممثلين الإسرائيليين المسؤولين عن الشؤون الخارجية والامن عبروا عن الرضا، أو حتى عن الجهل، فيما يتعلق بهذه الخطوة عندما سئلوا عنها، وغاب عنهم التغيير المهم الذي حدث في موقف السعودية فيما يتعلق بدولة فلسطينية طوال الحرب في قطاع غزة.

حسب انطباع هذا الدبلوماسي فانه اذا كان السعوديون عشية الحرب، حتى في سنتها الأولى، راضون بالقليل فيما يتعلق بحل الدولتين، فان موقفهم ازداد تشددا مع مرور الوقت، وهذا ما لم تلاحظه إسرائيل. هناك نقطة أخرى تجاهلتها إسرائيل، بالنسبة لهذا الدبلوماسي، وهي أن ضعف محور ايران وايران نفسها هو بالتحديد ما قلل من دافع السعودية للتطبيع مع إسرائيل. الدبلوماسي يجادل بان السعودية ربما كانت بحاجة الى إسرائيل كقوة موازنة لإيران القوية، لكنها الان اقل اعتمادا عليها.

من البيان الذي نشره رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على حسابه في “اكس” باللغة الإنجليزية بعد قرار مجلس الامن، يتضح انه حتى لو اغمض اعينه لفترة طويلة امام العمليات الإقليمية والدولية فانه الان يدرك جيدا ان اللعبة تغيرت. “إسرائيل تمد يدها للسلام والازدهار لكل جيرانها، وتدعوهم للتطبيع معها والانضمام الينا من اجل طرد حماس ومؤيديها من المنطقة”، كتب نتنياهو في البيان الذي رحب بقرار مجلس الامن الذي من شانه ان يقيد اكثر خطوات إسرائيل في غزة. ولكن ربما تكون هناك رسالة مهمة اكثر مخفية في الجملة التي بحسبها إسرائيل تتوقع ان تستلم كل جثث المخطوفين “بمساعدة الولايات المتحدة ودول أخرى، التي وقعت على خطة ترامب”. اذا تذكرنا للحظة ان نتنياهو تخلى في الشهر الماضي عن متعة حضور قمة شرم الشيخ، وشكر ترامب فقط على الدعوة، ولم يذكر حتى المستضيف – الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كلف نفسه عناء دعوته – فسندرك التغيير الملحوظ في اللهجة. “من الدول الأخرى التي وقعت على خطة ترامب”، تركيا وقطر. لم يعد هناك ازدراء أو تجاهل من جانب نتنياهو أو عداء صريح، بل طلب للمساعدة.

بيان نتنياهو قفز عمدا عن مسالة الدولة الفلسطينية، التي تذكر رسميا في كل من خطة ترامب وقرار الأمم المتحدة. ويسود صمت مطبق في مكتب رئيس الحكومة بشان الثمن الذي يرغب (أو لا يرغب) في دفعه مقابل أي تقدم نحو التطبيع الذي طال انتظاره مع السعودية، التي يقول انه يمد يده لها. الرسالة الوحيدة التي سمعها الجمهور من نتنياهو هذا الأسبوع حول هذا الموضوع هي تأكيده العلني على ان معارضته لقيام دولة فلسطينية هي “حازمة ومستمرة”.

لكن يوجد تناقض منطقي واضح هنا. فتاييد نتنياهو العلني لخطة ترامب وقرار مجلس الامن الدولي ليسا “نعم ولكن”. فاذا كان نتنياهو عند الإعلان عن خطة العشرين نقطة ووقوفه الى جانب ترامب في البيت الأبيض قد تحدث ايضا عن معارضته لقيام دولة فلسطينية، فانه الان لم يظهر أي تحفظات. لقد تجاهل المسالة ببساطة. فالمسالة واضحة ومطلقة. وفي ظل غياب المعلومات التي تقدمها الحكومة ورئيسها للمراسلين، فلا يسع الجمهور الا ان يخمن ما اذا كانت بالفعل “لكن” مخفية وراء هذا التجاهل، بينما ما يشاهد في العلن هو نعم.

نتنياهو معروف كفنان في التسويف، ولكن يبدو انه هذه المرة، تحت الضغوط الدولية غير المسبوقة، لن يجد صعوبة في “التوافق” بين التاييد المطلق لترامب والرفض المطلق للدولة الفلسطينية، وهو ما يبثه لاعضاء حكومته اليمينية والجمهور الإسرائيلي المرتبك. ويبدو ان قرار مجلس الامن الذي يمهد الطريق لتنفيذ خطة ترامب سيدفعه الى اتخاذ قرار.

——————————————-

إسرائيل اليوم 19/11/2025 

يميل السعوديون الا تكون اتصالات رسمية مع إسرائيل حتى انتهاء الحرب

بقلم: داني زاكن

إن عدم القدرة على التوصل الى توافقات على موعد بدء محادثات مباشرة مع إسرائيل تمهيدا للتطبيع ترجيء الإقرار الأمريكي النهائي لبيع طائرات F35 للسعودية وكذا بضعة بنود في اتفاق الدفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية.

وحسب مصادر في واشنطن، فانه رغم الأجواء الإيجابية في المحادثات والنجاح في الوصول الى توافقات في مواضيع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة وفي مواضيع إقليمية أخرى، فان المسائل الأمنية لم تغلق بعد والاتصالات في هذا الشأن ستتواصل.

بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل عرض السعوديون موقفا عنيدا بموجبه سيكونون مستعدين للبدء في المحادثات فقط مع الانتهاء التام للحرب، من خلال استكمال المرحلة الثانية من خطة ترامب. وكان الجواب الأمريكي ان السعوديين يعطون لحماس مفاتيح التطبيع إذ ان حماس ترفض التقدم في المحادثات ونزع سلاحها، وذلك ضمن أمور أخرى بسبب ضغط ايران على بعض مسؤوليها. هدف ايران هو تقويض أو عرقلة مثل هذا التطبيع الذي يعزز الحلف الإقليمي ضدها.

مطلب ثان طرحه السعوديون هو التثبيت التام للطريق لاقامة دولة فلسطينية. ضمن أمور أخرى قيل ان على إسرائيل أي على نتنياهو أن يقر علنا التعهدات بالنسبة لهذا البند في خطة ترامب وفي قرار مجلس الامن.

وكما كشفنا في “إسرائيل اليوم” ففي الاتصالات المسبقة، أوضحت الرياض بانها لن تتمكن من التوقيع على الانضمام الى اتفاقات إبراهيم والى التطبيع مع الحكومة بتركيبتها الحالية أي مع حزبي اليمين لبتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير.

لا يدور الحديث فقط عن تصريحات النواب من اليمين ضد دولة فلسطينية أو ضد السعودية نفسها، بل أساسا في دفعهم نحو توسيع المستوطنات. ويقول مصدر دبلوماسي سعودي لـ “إسرائيل اليوم” انه واضح للقيادة السعودية بانه في الحكومة الحالية سيصعب على نتنياهو الدفع قدما بالشرط الأساس لتحقيق إقامة الدولة الفلسطينية. السعوديون لا يستبعدون محادثات مع إسرائيل قريبا ولا حتى الوصول الى توافقات في مواضيع مدنية واقتصادية – لكن بدون تطبيع وانضمام رسمي لاتفاقات إبراهيم مع الحكومة الإسرائيلية الحالية.

 محادثات مقابل طائرات

يقول مصدر سياسي عربي ان التقدير السائد هو أن مثل هذه المحادثات الرسمية ستبدأ مع مرحلة نهاية الحرب لكن قبل ذلك ستتواصل محادثات واتصالات غير رسمية بين الدول بل وستتسارع بسبب ضغط ترامب. “نحن نقدر بان في حينه سيعلن عن قبول الطلبات الأمنية السعودية، او معظمها على الأقل”. ويقصد المصدر توريد أنواع متطورة من السلاح بما فيها طائرات الشبح F35.

بالنسبة لمسألة بيع الطائرات المتطورة للسعودية، في إسرائيل لم يعارضوا مبدئيا لكنهم طلبوا امرين من الولايات المتحدة. الأول، تزويد السعوديين بنماذج ليس فيها الأجهزة الأكثر تطورا الموجودة للطائرات. ترامب قال امس انه برأيه يمكن إعطاء السعودية وإسرائيل الأجهزة نفسها، لكن في وزارتي الدفاع والخارجية يعتقدون أنه يجب الإبقاء في هذا الجانب على التفوق النوعي لإسرائيل. كما قال الرئيس الأمريكي ان إسرائيل على علم بكل مسألة بيع الطائرات وهي ستكون راضية جدا من نتائج هذه الخطوة – ستربح في امكان أخرى منها. الطلب الثاني هو الحصول على عناصر امنية معينة وقدرة وصول الى تكنولوجيات ليست موجودة حتى الان الا في الجيش الأمريكي ولم تباع لإسرائيل. هنا يوجد تقدم ما رغم انه لم تلبى كل الطلبات. هذا وانتقد مصدر امني إسرائيلي المستوى السياسي في أنه لم يشرك المستوى الأمني بالصلة في إدارة الاتصالات مع الإدارة كون هذا المستوى كان في الماضي مشاركا في مثل هذه المحادثات.

في الجيش الإسرائيلي بالمناسبة لا يخشون كثيرا من بيع طائرات F35 للسعودية اذ ان التفوق النوعي الإسرائيلي هو في مستويات المشاركة في تكنولوجيات الطائرة مع تكنولوجيات وأجهزة أخرى وخبرات الطيارين الإسرائيليين.

——————————————-

هآرتس 19/11/2025

الانتداب الامريكي

بقلم: جاكي خوري

قرار مجلس الامن الصادر الليلة الماضية يضع القيادة الفلسطينية مرة اخرى في موقف اشكالي. العالم في الواقع يتماهى مع الم الفلسطينيين، لكنه لا يجد عنوان على شكل قيادة وطنية متبلورة، يمكنه معها وضع سياسة. بعد سنتين من الحرب المدمرة في قطاع غزة، وبعد عقدين من الانقسام الفلسطيني الداخلي، فان الصورة التي تظهر بوضوح وكآبة هي انه لا يوجد الان زعيم فلسطيني قادر على تمثيل كل الجمهور، والتاثير على اتخاذ القرارات في الساحة الدولية. فلسطين مرة أخرى توجد تحت الانتداب، هذه المرة انتداب امريكي.

الأعضاء في مجلس الامن في الواقع يطالبون بوقف اطلاق دائم للنار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل حر، ووضع قوة متعددة الجنسيات تكون مسؤولة عن تنفيذ وقف اطلاق النار. ولكن اللغة الدبلوماسية اللطيفة تخفي خلفها عدد من المجاهيل. القرار لا يتضمن جدول زمني لانسحاب إسرائيل من القطاع. والمجلس لم يحدد تاريخ لدخول قوة فلسطينية رسمية الى المنطقة. وبشكل عام، هذا القرار يتجاهل كليا الضفة الغربية ولا يتطرق الى التصعيد واعمال العنف في المنطقة. إضافة الى ذلك لا يوجد في القرار التزام واضح بوقف خطوة الضم، في القطاع او في الضفة الغربية. أيضا الذكر الغامض لحق تقرير المصير للفلسطينيين يواصل الديناميكية المعروفة لتصريحات بدون خطة للتنفيذ ومواصلة الفصل الفعلي بين الضفة والقطاع.

في رام الله رحبوا بالقرار بدون ان يكون لديهم خيار في ذلك، واكدوا على نقاطه الإيجابية: فتح المعابر، حماية السكان المدنيين، منع تهجير سكان القطاع وإعادة اعماره، عمل فعلي لاحياء حل الدولتين. السلطة أعلنت استعدادها لتحمل المسؤولية المدنية والإدارية عن غزة، مع الالتزام باجراء إصلاحات داخلية. ولكن الفجوة بين التطلعات السياسية والازمة الشرعية العميقة للسلطة تزيد الشك بخصوص القدرة على تحمل المسؤولية في القطاع من جهة، ومن الجهة الأخرى الوقوف امام حكومة إسرائيل التي لا يتوقع ان تعطي الفلسطينيين موطيء قدم في القطاع. حماس من ناحيتها رفضت قرار مجلس الامن بذريعة انه يضر بحقوق الفلسطينيين ويخدم اهداف إسرائيل في مواصلة الاحتلال. ولكنهم أيضا في حماس يعرفون انه لا يوجد لهذا الرد وزن في الساحة الدولية.

عمليا، الواقع يؤدي الى وضع فيه إدارة ترامب لديها تفويض لادارة الفترة الانتقالية في قطاع غزة. ترامب يمكن ان ينجح في تثبيت وقف اطلاق النار وتحريك خطوة الاعمار في القطاع. ولكن هذا تفويض هش، يرتبط برغبة الرئيس النرجسي والمتقلب.

إسرائيل التي تدخل الى انتخابات ستمنع أي عملية توجد فيها حتى تلميح سياسي لصالح الفلسطينيين. هكذا فان مصلحة إسرائيل هي الحفاظ على الوضع القائم على الأقل حتى موعد الانتخابات ودحرجة غزة الى الحكومة القادمة. حتى ذلك الحين سيواصل الخصوم السياسيين التشاجر، أيضا في الساحة الفلسطينية: فتح أو حماس، من هو شرعي ومن هو لا، من سيتم تجريده من سلاحه ومن سيقوم باجراء الإصلاحات – بدون أي جواب على السؤال الأساسي المتعلق بالاحتلال.

الصورة الاخذة في التبلور، على الأقل في السنة القادمة، ستكون صورة فيها قطاع غزة مقسم بالفعل – غرب القطاع تحت نفوذ حماس مع قوة دولية محدودة، وتحرك بطيء باتجاه الاعمار، وشرق القطاع تحت سيطرة إسرائيلية وثيقة. هذه الصورة كما يبدو ستتضمن تفعيل آلية إدارة لادارة ذاتية، وتوجيه موارد لاعادة الاعمار وربما نقل سكان “معتدل” من غرب القطاع الى شرقه. في موازاة ذلك الضفة الغربية ستواصل التآكل تحت تصعيد واعتداءات المستوطنين، وترسخ نظام ابرتهايد سيزداد نيره ثقلا.

بسبب ذلك بقيت هناك حقيقة بسيطة بعد الليلة الدبلوماسية. قرار مجلس الامن هو قرار آخر، الذي تنفيذه معلق في الهواء، وبالاساس برغبة رئيس الذي بالنسبة له بيع طائرات اف35 للسعودية يساوي اكثر من كل الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية معا.

——————————————-

معاريف 19/11/2025

قرار مجلس الامن عن غزة، وبيع F35 للسعودية، مؤشران على نظام إقليمي جديد

بقلم: آنا برسكي

تصريح الرئيس دونالد ترامب بان الولايات المتحدة ستبيع للسعودية طائرات الشبح المتطورة من طراز F35 وقع على إسرائيل كرعد في يوم صاف. ليس لانه لم تكن مؤشرات مسبقة بل لان إسرائيل – مثلما يحصل لها بتواتر متزايد – مرة أخرى تجد نفسها في رد فعل على الواقع بدلا من أن تصممه.

تنظر إسرائيل الى الشرق الأوسط مثلما كان، بينما واشنطن والرياض تعملان منذ الان وفقا لقواعد لعب في الشرق الأوسط الجديد. في صيغة محدثة لولاية ترامب الثانية. وبينما يتجادلون عندنا فيما اذا كان “كله الامر ذاته” وهل “في النهاية لن يتخذ الامريكيون خطوة دون أن يسألوننا”، عمليا ترتسم هذه الأيام خريطة جديدة للمنطقة والكثيرون يجلسون منذ الان حولها. وإسرائيل؟ لا تزال تقف على العتبة، مع ملف من التحفظات.

أمام ناظرينا يتحقق ميل واسع ومتواصل: الدول العربية المعتدلة تعمق علاقاتها مع الولايات المتحدة وتكيف نفسها مع مبنى امني إقليمي جديد. وفي الوقت الذي تغرق فيه إسرائيل في أزمات سياسية لا تنتهي وفي جدالات داخلية تركز واشنطن على خططها. ودول مثل السعودية واتحاد الامارات تفهم بان المنطق الإقليمي يتغير- وتموضع نفسها على اقرب ما يكون من مركز النفوذ.

ان بيع طائرات F35 للسعودية ليس صفقة شراء أخرى. هذه خطوة تتسلل الى منطقة كانت محفوظة حتى اليوم لدولة واحدة في المنطقة – إسرائيل. صحيح، ستواصل الولايات المتحدة القسم بانها ستحمي من كل ضر “التفوق العسكري النوعي”، لكن كل خبير أمني يعرف بان هذا التفوق هو مسألة نسبية، لا بوليصة تأمين دون قيد زمني. من اللحظة التي تكون فيها لدولة مجاورة قدرة وصول الى الجيل الخامس من الطائرات القتالية (حتى وان كانت في صيغة ملجومة، كما يحاولون تهدئة الروع في محيط رئيس الوزراء)، فان التفوق الجوي لإسرائيل لم يعد مضمونا منذ الان.

ان حقيقة أن ترامب مستعد لان يتخذ خطوة كهذه تستدعي سؤالا غير مريح: هل لا تزال إسرائيل تعد في واشنطن كذخر استراتيجي لا بديل له، ام كدولة هامة – لكنها ليست بعد اليوم مركز ثقل السياسة الامريكية في المنطقة؟ يحتمل ان في نظر الإدارة الامريكية الحالية، يعد استقرار السعودية، التعاون معها وكبح أي نفوذ إقليمي آخر هام اليوم بقدر لا يقل عن الحماسة المتشددة للحصرية الإسرائيلية في سماء الشرق الأوسط.

تعمل الولايات المتحدة انطلاقا من رؤية استراتيجية شاملة للشرق الأوسط، وليس انطلاقا من زاوية النظر الإسرائيلية فقط – وخسارة الا يكون احد ما في القدس يشخص الفرق. هي تسأل ما هو الربح الحقيقي لها من التدخل في المنطقة، وتجد أجوبة ليس فقط في إسرائيل بل أيضا – وربما حتى بالأساس – في الرياض. بالنسبة لواشنطن فان تسوية طويلة المدى مع السعودية تتضمن سلاحا متطورا، ضمانات امنية وترتيبات اقتصادية وإقليمية كفيلة بان تبدو كعنصر مركزي اكثر من التفضيل التقليدي للحساسيات الإسرائيلية. هكذا يتبين ان قصة الـ F35 ليست فقط قصة طائرات. هذه قصة نظام إقليمي يوجد في مسيرة تغيير سريعة وقصة إسرائيل التي لا تموضع نفسها في مركزها. بدلا من أن تتصدر إسرائيل خطوة تستغل الدينامية الإقليمية الجديدة، تجدها تنجر، تحذر، تنبه – لكنها لا تقرر قواعد اللعب. وبينما يدير آخرون استراتيجية، عندنا يختصون بالتكتيك.

الوضع لا يزال بعيدا عن ان يكون ضائعا. فلا يزال يمكن لإسرائيل أن تؤثر. لكن لهذا الغرض عليها أن تعترف بالواقع المتغير – وان تبدأ بالعمل بما يتناسب مع ذلك. الا تستمر في خوض المفاوضات مع الماضي الذي لم يعد موجودا.

——————————————-

يديعوت احرونوت 19/11/2025

ضربة موجعة لليمين الإسرائيلي، ونجاحٌ مذهل لترامب

بقلم: نداف ايال

لنفترض أن الإدارة الأمريكية اتصلت برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الثامن من أكتوبر وأخبرته بإمكانية إعادة جميع المختطفين. جميعهم. ستلتزم حماس بعدم السيطرة على غزة ونزع سلاحها (باستثناء البنادق، وهذا مجرد تحفظ). سيحصل الجيش الإسرائيلي على نصف القطاع، لكنه سينسحب تدريجيًا منه إلى محيطه، لصالح قوة دولية مُسلحة، وجودها سيُقيّد في الواقع أفعال إسرائيل. سيُشرف على ذلك “مجلس سلام” عالمي، سيصبح فعليًا الوصي المسؤول عن غزة. كجزء من التسوية، ستحصل تركيا وقطر على نفوذ مضاعف وثلاثي في ​​القطاع، وستعود السلطة الفلسطينية إلى دورها في غزة (إذا خضعت للإصلاح)، وسيكون هناك إجماع عالمي على مسار محتمل، ربما، نحو دولة فلسطينية. يبدو الأمر معقدًا للغاية، بالتأكيد.

ماذا كان سيقول نتنياهو؟

يمكنكم الآن تخيل صوته من التلال: “نصرٌ مطلق! لن نتوقف قبل نصرٍ مطلق”.

من السهل جدًا رؤيته يُضيف أنه لن يُضفي الشرعية أبدًا، ولو بعبارات مُخففة، على السلطة الفلسطينية. ومن المُستحيل بالتأكيد إعادة استخدام عبارة “الدولة الفلسطينية” في الساحة السياسية، مباشرةً بعد أن ارتكبت حماس أكبر مذبحة لليهود منذ المحرقة، وخاصةً وهي تُغادر منطقةً أخلتها إسرائيل طواعيةً العام 2005. ففي النهاية، هذه هي أمّ الجوائز للإرهاب. سيُصدم نتنياهو بهذا الاقتراح. ثم سيُرسل مبعوثيه للتنديد بالإدارة الأمريكية.

إذن، إليكم الخبر: هذا بالضبط ما قرره مجلس الأمن. وهذا هو القرار المُلزم للمجتمع الدولي. ليس التصريحات في المؤتمرات الصحفية، ولا التحفظات التي قدّمها نتنياهو للبيت الأبيض. هناك قرار مُلزم قانونًا بشأن غزة. إنه بعيد كل البعد عن أي شيء تحدثت عنه الحكومة اليمينية المتطرفة التي كانت هنا منذ تشكيلها، وخاصة منذ 7 أكتوبر.

 لنكن عادلين: هذا ليس قرارًا يُنشئ دولة فلسطينية. صياغته مُلتوية للغاية. احتمالية مشاركة السلطة الفلسطينية محدودة نسبيًا. علاوة على ذلك، لم تكن هذه الصفقة مطروحة على الطاولة في الماضي. تُوضح المحادثات مع كبار مسؤولي إدارة بايدن وترامب أن حماس، خلافًا لجميع ادعاءات الوسطاء، لم توافق قط على إعادة جميع المخطوفين والقتلى قبل الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. عودتهم إنجازٌ استثنائي، تحقق بفضل الضغط العسكري في قطاع غزة، ويعود الفضل في ذلك بشكل رئيسي إلى الالتزام الشخصي النادر للرئيس ترامب ومبعوثيه. قال مسؤول دولي كبير يتحدث بانتظام مع قادة الحركة مؤخرًا: “حماس منظمة مُنهكة، مُنهكة وفي محنة”.

هناك كذبتان هنا. من الكذب الادعاء بأن الحرب كان من الممكن أن تنتهي في اليوم الأول بنفس الصفقة التي تم التوصل إليها في النهاية. ليس كذبًا إطلاقًا القول إن فرصًا لا تُحصى قد أُضيّعت على طول الطريق، فرص كان من الممكن أن تُنقذ أرواح المخطوفين، وتُنهي الحرب مُبكرًا، وتُنقذ أرواح الفلسطينيين غير المُشاركين في غزة، وبالتالي تُوقف تدهور إسرائيل في العالم.

في الوقت نفسه، من الكذب أيضًا الادعاء بأن هذه النتيجة إنجازٌ رائع لإسرائيل، دبره نتنياهو وديرمر منذ البداية – ونفذه ترامب ببساطة. عليك أن تُخدم نتنياهو عن علم، أو أن تكون ساذجًا جدًا، لتؤمن بنظرية “خطة نتنياهو العبقرية”.

في اليوم نفسه الذي اتُخذ فيه القرار في مجلس الأمن الدولي، أعلن الرئيس الأمريكي أنه سيبيع طائرات إف-35 للسعوديين، رغم معارضة إسرائيل العنيدة. سرعان ما نأى نتنياهو بنفسه عن هذا المجال؛ فلا تقع المسؤولية عليه. ترك المؤسسة الدفاعية تُواجه التداعيات. ليس من الواضح على الإطلاق كيف ستُحافظ إسرائيل على تفوقها النوعي، في حين أن الأتراك والسعوديين سيحصلون على هذه الطائرات.

هذه هي نفس الإدارة الأمريكية التي أعلنت، بعد مغازلة قصيرة جدًا لريفييرا غزة، أنه لن يُطرد أي فلسطيني أو يفقد أرضه في القطاع، وأوضحت قبل أسبوعين فقط أنه لن يكون هناك ضم في يهودا والسامرة أيضًا، وهو خيال قديم لليمين الإسرائيلي.

لا يزال نتنياهو يأمل في بدء عملية تطبيع مع السعوديين. إنه لا يحتاج إلى أي شيء حقيقي، مجرد فرصة جميلة لالتقاط الصور للانتخابات. سيتخذ القرار في النهاية رجل واحد، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ليس هناك شك في أن الإدارة الأمريكية ترغب في رؤية مثل هذه العملية، أو على الأقل بداية احتفالية. ولكن حتى قبل تصريحات ابن سلمان أمس في البيت الأبيض، قال مسؤولون سعوديون الأسبوع الماضي إن وضع إسرائيل في المملكة قد تدهور “بشكل كبير”، وأنه بدون دولة فلسطينية “كشرط حقيقي وملموس” (أي ليس مجرد خطاب فارغ) لا يوجد ما يمكن الحديث عنه. لا جدوى من إضاعة الكلمات حول مدى ثقتهم في نتنياهو. إذا كان هناك تقدم، فلن يحدث إلا كبادرة حسن نية للرئيس ترامب، بفضل أمر ملكي من محمد بن سلمان، ورغمًا عن نتنياهو – وليس بفضله.

 لكن جوهر الأمر هو التطور الدراماتيكي لتدويل الصراع. فلأول مرة، يأمر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإدخال قوة مسلحة إلى الأراضي المحتلة العام 1967 لتكون مثابة حاجز بين إسرائيل والفلسطينيين؛ إنه يُنشئ سلطة سيادية ليست إسرائيل أو السلطة الفلسطينية التي تعمل لصالح إسرائيل. هذا تغيير جوهري تُبادر به إدارة ترامب، ويمكن للمرء أن يكون متفائلًا بشأنه: حتى الآن، تُعتبر ساحة الشرق الأوسط النجاح الأبرز في علاقاته الخارجية.

——————————————-

يديعوت 19/11/2025

من أقصى اليمين إلى قلب الليكود: “فتيان التلال” يرشحون للانتخابات التمهيدية

بقلم: اليشع بن كيمون

في الأسابيع الأخيرة، بدأ “فتيان التلال” بالتأثير على مركز الليكود، وزجّ شخصيات، بعضها مشتبه به سابقًا بجرائم قومية، في العمل السياسي. ويُعرب مسؤولو المستوطنات عن قلقهم: “مجموعة من الفوضويين الذين يُلحقون الضرر بالمستوطنات منذ سنوات، يحاولون السيطرة على مراكز القوة”.

يتزايد الخطاب العام حول العنف الموجه ضد الفلسطينيين في يهودا والسامرة هذه الأيام، حتى أن رئيس الوزراء بدأ يُناقش القضية علنًا. ولم يغب هذا عن أذهان “فتيان التلال”، الذين قرروا عدم قبوله بهدوء.

يسعى “فتيان التلال” مؤخرًا إلى تشكيل قائمة في الانتخابات التمهيدية تُشكل قوة سياسية داخل الليكود، بهدف التأثير على صناع القرار وحشد دعم واسع من أعضاء الكنيست لجماعتهم. تقول الرسالة التي وُزِّعت في التلال على سكان بنيامين: “نحن في التلال نُرشِّح ممثلين لمركز الليكود في فرع بنيامين. منذ سنوات طويلة، نواجه تحديات داخلية وخارجية، ونمنع بأجسادنا الاستيلاء الفلسطيني على بلادنا. ولتحقيق النجاح في هذه المهمة الهامة، نسعى إلى ضم عدد من ممثلي التلال إلى مركز الليكود، للتأثير على أعضاء الكنيست والوزراء”. حتى الآن، لا تزال هذه الخطوة في بداياتها، ويصعب تقدير مدى نجاحها في الانتخابات في الوقت الحالي.

تضم القائمة التي يُرشِّحها سكان التلال شخصيات إشكالية للغاية، بعضهم اعتُقل سابقًا للاشتباه في ارتكابهم جرائم قومية. وتأتي هذه الخطوة الآن على خلفية حدثٍ مفصليٍّ ظلّ طيّ الكتمان لسنوات، ومع إخلاء البؤرة الاستيطانية في غوش عتصيون هذا الأسبوع، انكشف أمره. في الواقع، أعاد الإخلاء فتح الخلاف بين “المؤسسة” ورؤساء المجلس وإدارة المستوطنات والوزير سموتريتش ومجلس “يشع” و”امانا”، وبين “فتيان التلال” وحركة “نحلا”.

في البؤرة الاستيطانية المُخلاة، كان هناك “فتيان التلال” الذين استولوا على المنطقة دون مراعاة أحد، وتصرفوا دون تنسيق. أصبحوا مالكي المنطقة بأنفسهم، رغم أن مجلس غوش عتصيون وإدارة المستوطنات، اللذان أسسهما سموتريتش، يعملان على المضي قدمًا في خطة بناء مئات الوحدات السكنية في المنطقة.

 تجدر الإشارة إلى أن البناء في يهودا والسامرة في أعلى مستوياته على الإطلاق، والمجالس جزء من هذا. مؤيدو قائمة “فتيان التلال” متطرفون للغاية، وقد تم التحقيق معهم واعتقالهم من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) للاشتباه بارتكابهم جريمة قومية. وحتى عند وصولهم إلى مركز الليكود في تل أبيب لتقديم القوائم، احتجزتهم المباحث، واعتُقل أحدهم للاشتباه بقيامه بعمليات “دفع ثمن”.

ستُجرى الانتخابات الأسبوع المقبل، حيث يستهدف “فتيان التلال” فرع الليكود في بنيامين. ستحدد هذه الانتخابات من سينضم إلى مركز الليكود في السنوات القادمة، ومن سيقود فرع الليكود المحلي. يقود يسرائيل غانتس، رئيس مجلس بنيامين، قائمة إلى جانب عضو الكنيست أفيحاي بورون من الليكود، ومعهد متسبيه أريحا الديني، والمقر الوطني لليكود بقيادة شيفاه شتيرن وآخرين. كما ستتنافس قائمة “فتيان التلال” ضدهم. صرح مصدر استيطاني أمس بأن “هناك مجموعة من الفوضويين هنا، دأبوا على الإضرار بالمستوطنة لسنوات، مرارًا وتكرارًا، سواء بالاستيلاء على الأراضي دون محاسبة أو إيذاء الفلسطينيين الأبرياء. والآن يحاولون السيطرة على مراكز السلطة السياسية لمنح هذا السلوك الإجرامي قوة سياسية”.

——————————————-

هآرتس 19/11/2025

مستندة لـ”مقترح ترامب”.. إسرائيل: إصلاحات “بشروطنا” وغزة “بلا سيادة”.. و”إف35 بكل “حماقة”

بقلم: أسرة التحرير

كيف لنا أن نعرف أن مقترحًا مقبولًا لن يُفيد مستقبل إسرائيل ورفاهية سكانها؟ الأمر بسيط للغاية: أن يرحب به نتنياهو. رحّب رئيس الوزراء بمقترح القرار الأمريكي، الذي أقرّه مجلس الأمن أمس، ويُفهم من ذلك أنه لا يتضمن أدنى “تهديد” بإنهاء الاحتلال أو تمهيد طريق حقيقي لإقامة دولة فلسطين.

يتضمن مقترح القرار المذكور نشر قوة دولية لحفظ السلام في غزة، تُعنى بـ”نزع سلاح حماس” وتأمين حدود غزة والعمليات الإنسانية التي ستُجرى هناك؛ وإنشاء “مجلس سلام” يُدير غزة حتى اكتمال إصلاحات السلطة الفلسطينية؛ ومع التقدم في مراحل الخطة، “قد تُهيأ الظروف لمسار مصداق نحو دولة فلسطينية”.

هذه الصيغة “مسار مصداق نحو دولة فلسطينية”، غامضة لدرجة أن حتى نتنياهو، الذي اعتبر محو النضال الفلسطيني “مشروع حياته”، لم يُبدِ أي اهتمام بها. حتى عندما عرض السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الاقتراح في النقاش كفرصة لـ”تقرير المصير الفلسطيني”، بعد أن “تستكمل السلطة الفلسطينية الإصلاحات”، لم يُعجب أحد في الحكومة الإسرائيلية. فهذه “الإصلاحات” من وجهة نظر نتنياهو وأصدقائه، تُعتبر بمثابة مادة خام في يد المُبدع: يُمكن دائمًا إضافة المزيد من الشروط والتحفظات والانتهاكات – حتى يستسلم الجميع ويعودوا إلى الوضع الراهن المألوف والسيئ.

فيما يتعلق بقضية غزة، يُعد هذا الاقتراح غامضًا أيضًا، ومن الصعب رؤيته يُطبق عمليًا. يُخول الاقتراح الدول الأعضاء بإنشاء قوة استقرار دولية تحت القيادة التي يقبلها مجلس السلام؛ هيئة نظرية سيُنشئها ترامب، يفوّضها المجلس صلاحيات واسعة لإدارة القطاع. عمليًا، هذا القرار يُفرِغ غزة من أي سيادة، وينقلها إلى الولايات المتحدة لفترة محدودة زمنيًا، ولكنها غير محدودة. من غير الواضح كيف سيُنفَّذ هذا القرار في ظل غياب جدول زمني لانسحاب الجيش الإسرائيلي، وعدم وجود هدف لدخول قوة فلسطينية بديلة، وعدم وجود نقاش حول الضفة الغربية والتصعيد الخطير فيها. عمليًا، يُحافظ القرار على سياسة “فرّق تسد” التي استخدمتها إسرائيل كذريعة لرفضها.

المفارقة تكمن في أن جميع التحركات التي تدعمها الحكومة الإسرائيلية، أو تُصرّ عليها خلف الكواليس، لا تخدم المصالح العليا للبلاد. ويتجلى ذلك في الصيغة التي تتشكل بشأن الاتفاق الأمريكي مع السعودية: ترامب مستعد لبيع السعوديين طائرات F35، ويطالب المسؤولون الإسرائيليون بشرط عدم إصرار السعوديين على إدراج إشارة مُلزمة لقيام دولة فلسطين. حماقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى: ستفقد إسرائيل تفوقها العسكري مقابل القضاء على مستقبلها.

المفتاح يكمن في يد ترامب: إذا كان مقتنعًا حقًا بأن دولة فلسطين هي الحل الضروري لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأسرها، فعليه إجبار نتنياهو على الاستمرار في وقف إطلاق النار، وربط التطبيع مع السعودية بالاعتراف بفلسطين نحو إنهاء الاحتلال.

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article