(صور) هآرتس بالعربي : جمعية غامضة أنشأها إسرائيلي–إستوني عملت على تهجير مئات الغزيين من القطاع

آڤي شارف| ليزا روزوڤسكي

تَعرض الجمعيةُ على الغزيين دفع نحو 2,000 دولار مقابل تأمين مقعد لهم على رحلة طيران مُستأجَرة إلى وجهات مثل إندونيسيا وماليزيا وجنوب أفريقيا. حسب موقعها، أُنشِئت الجمعية في ألمانيا ولها مكاتب في القدس الشرقية، لكن تحقيق “هآرتس” كشف أنّ وراءها شركة استشارات مُسجَّلة في إستونيا. وأن هيئة الهجرة الطوعية في وزارة الأمن وجّهت الجمعية إلى “منسّق أعمال الحكومة” لتنسيق خروج السكان.

المسار : خلال الأشهر الأخيرة، غادرت من مطار رامون قرب إيلات عدةُ رحلات طيران مُستأجرة تقلّ مجموعات من عشرات الغزّيين إلى وجهات مختلفة حول العالم. وعلمت صحيفة هآرتس أن خروج هذه المجموعات من غزة نظّمته جمعية غامضة يرد في موقعها أنها “منظمة إنسانية متخصّصة في مساعدة وإنقاذ “مجتمعات إسلامية” من مناطق نزاع”. وتُظهر مراجعة الصحيفة أن وراء الجمعية، التي تحمل اسم المجد، يقف تومر يينار ليند – حامل للجنسيتين الإسرائيلية والإستونية. المجموعة الأخيرة التي خرجت من غزة، وعددها 153 غزّياً، أقلعت إلى نيروبي على متن طائرة مُستأجرة لشركة Fly Yo. وعلمت هآرتس أن الركّاب لم يكونوا يعرفون إلى أي دولة سيسافرون. ومن نيروبي، واصلوا رحلتهم على متن طائرة مستأجرة لشركة الطيران الجنوب–أفريقية Lift، وفي صباح الخميس هبطوا في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا. السلطات هناك منعت نزولهم من الطائرة لأكثر من 12 ساعة، بدعوى أنهم وصلوا من دون الأوراق اللازمة، ومن دون تذكرة عودة، ومن دون ختم خروج من إسرائيل على جوازاتهم. وبعد فحص طويل، وافقت السلطات أخيراً على السماح للغزّيين بدخول البلاد. ووفقاً لشهادات الركّاب، وبينهم عائلات وأطفال صغار، لم يحصلوا خلال ساعات الانتظار على ماء أو طعام، وكانت الظروف داخل الطائرة شديدة القسوة.

سكان قطاع غزّة في مطار جوهانسبرغ الأسبوع الماضي
سكان قطاع غزّة في مطار جوهانسبرغ الأسبوع الماضي צילום: الاستخدام وفق المادة 27 من قانون حقوق المؤلف

في بيان أصدرته سفارة فلسطين في جنوب أفريقيا، زُعِم أن “خروج المجموعة نُظّم بواسطة منظمة غير مُسجَّلة، ومُضلِّلة، استغلّت الوضع الإنساني المأساوي في غزة، وخدعت العائلات، وأخذت منها المال، ونقلتها جوًّا بطريقة غير منظّمة وغير مسؤولة، ثم تخلّت تمامًا عن مسؤوليتها تجاه التعقيدات التي نشأت”. كما حذّرت وزارة الخارجية الفلسطينية سكان غزة قائلة: “لا تقعوا في مصائد تُجّار الدمّ ووكلاء الترحيل”.

ومع ذلك، لا يُعرف سوى القليل عن نشاط هذه الهيئة، التي يرأسها كوبي بليتشْتاين، نائب المدير العام لوزارة الأمن. وبحسب المعلومات المتوفرة لـ”هآرتس”، فإن منظمات أخرى حاولت ترتيب عمليات إجلاء لغزّيين من القطاع وُجّهت هي أيضًا الى وحدة منسق أعمال الحكومة في الأراضي المُحتلة، لكن—وفق ما هو معروف حتى الآن—فإن جهودها لم تنجح.

على موقع جمعية “المجد” يُذكَر أن الجمعية أُنشئت عام 2010 في ألمانيا، وأن لها مكاتب في حيّ الشيخ جرّاح في القدس الشرقية. لكن تحقيق صحيفة “هآرتس” يُظهر أنه لا في ألمانيا ولا في القدس الشرقية توجد جمعية مسجّلة بهذا الاسم، وأن موقعها الإلكتروني أُنشئ فقط في شهر فبراير من هذا العام. الروابط إلى صفحات التواصل الاجتماعي على الموقع لا تقود إلى أي صفحة فعليّة. كذلك، يتباهى الموقع بمساعدة متضرّري زلزال تركيا الكبير عام 2023، وبالعمل مع لاجئي الحرب الأهلية في سوريا — من دون تقديم أي دليل على ذلك.إلى جانب تفاصيل نشاط الجمعية، يعرض الموقع أيضًا بيانات اثنين من “مديري المشاريع”: عدنان من القدس، ومعيّد من غزة. كان معيّد قد نشر في حسابه على إنستغرام صورة تُظهِره وهو يصعد إلى طائرة رومانية غادرت في أيار/مايو نحو إندونيسيا. وكتب في المنشور: “غادرتُ غزة، أرض الحرب والجوع، ولن أعود. ما دام القتل مستمرًّا، والعقول تُباد، والكرامة تُدفن، السلام على غزة، من البعيد”. صحيفة “هآرتس” لم تتمكن من العثور على أي معلومة عن عدنان في الشبكة.

صفحة طلب مغادرة المخصّصة لسكان غزّة على موقع المجد
صفحة طلب مغادرة المخصّصة لسكان غزّة على موقع المجد

على موقع الجمعية لا يظهر أيّ معلومات تعريفية عن القائمين عليها، لكن في نسخة قديمة من الموقع كُشف شعار شركة مسجَّلة في إستونيا باسم Talent Globus. ويعرض أحد صفحات الموقع “شروط الهجرة الطوعية من قطاع غزة”، وفيه يُذكر صراحة أنّ شركة Talent Globus هي الجهة التي تنظّم هذه المجموعات. وبحسب الموقع، تعمل الشركة — على الورق — في مجال الاستشارات وتجنيد القوى العاملة، إلا أنّ الصور المنشورة فيه صور عامة مأخوذة من الإنترنت، ورقم الهاتف غير صحيح، والعناوين المذكورة في إستونيا ولندن وقطر لا يمكن التحقق منها.البحث في سجلّ الشركات الإستوني يُظهر أن Talent Globus أنشأها قبل عام تومر ينار ليند. وبحسب سجلّ الشركات في بريطانيا، أسّس ليند خلال العقد الأخير أربع شركات هناك؛ ثلاث منها توقّفت عن العمل. وتشير وثائق الشركة إلى أنه من مواليد 1989 ويحمل جنسيّة إسرائيلية وإستونية.

الصفحة الشخصية لتومر يينار ليند على LinkedIn
الصفحة الشخصية لتومر يينار ليند على LinkedInצילום: الاستخدام وفق المادة 27 من قانون حقوق المؤلف

في صفحته على لينكدإن ذكر ليند أنه يساعد الغزيين. ومؤخراً أنشأ شركة استشارات جديدة، يُفترض أنها في دبي، لكن حتى رقم الهاتف المعروض في موقعها غير صحيح – ويقود إلى شركة أخرى في دبي. في اتصال أجرته “هآرتس” على رقم هاتفه في لندن، لم ينفِ لِنْد تورطه في تنظيم خروج الغزيين، لكنه رفض توضيح مَن يقف خلف الجمعية. وقال: “لستُ معنيّاً بالتعليق في هذه المرحلة، ربما لاحقاً”.طريقة العملجرى تداول عنوان موقع “المجد” خلال الأشهر الأخيرة على شبكات التواصل في غزة. ويدعو الموقعُ الفلسطينيين الراغبين في مغادرة القطاع إلى تعبئة بياناتهم، وبالفعل قدّم كثيرون طلباً للمغادرة. وعلمت “هآرتس” أنه بعد الحصول على الموافقة الأولية، يتلقى كلّ مرشح للمغادرة تعليمات لتحويل المال إلى الجمعية – بين 1,500 و2,700 دولار. بعد ذلك يُضَمّ المرشح إلى مجموعة واتساب تُرسل فيها التحديثات استعداداً للخروج. ويجري التواصل بين الجمعية والغزيين عبر رسائل واتساب فقط، من رقم هاتفي يبدو إسرائيلياً.المجموعة الأولى، وتضم 57 غزّياً، خرجت من القطاع في 27 أيار. وفي الليلة السابقة تلقّى عشرات الفلسطينيين رسالة واتساب تحوي عنواناً دقيقاً داخل القطاع كان عليهم الوصول إليه. ومن هناك انطلقوا بحافلات إلى معبر كرم أبو سالم. وبعد التفتيش الإسرائيلي خرج الموكب إلى مطار رامون، حيث صعد الغزيون إلى طائرة مستأجرة تابعة لشركة “فلاي ليلي” الرومانية. أقلعت الطائرة إلى بودابست، ومن هناك واصل المسافرون طريقهم إلى إندونيسيا وماليزيا.

امرأة من غزّة توثّق لحظة مغادرتها لقطاع غزة
امرأة من غزّة توثّق لحظة مغادرتها لقطاع غزة

امرأة من غزّة توثّق لحظة مغادرتها لقطاع غزة צילום: الاستخدام وفق المادة 27 من قانون حقوق المؤلف

منذ دخوله البيت الأبيض بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدث عن ترحيل سكان قطاع غزة. وطرح فكرة نقل الفلسطينيين إلى مكان يمكنهم العيش فيه “من دون إزعاج” و”من دون عنف”. وبلغت هذه التصريحات ذروتها في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في شباط الماضي، حين أعلن ترامب أن الولايات المتحدة “ستتولى السيطرة” على غزة وتحولها إلى “ريفييرا”، وأن الفلسطينيين سيُنقلون إلى “منطقة جميلة” “بعيدة قليلاً عن غزة”. وقد قرر المستوى السياسي في إسرائيل تبنّي ما سُمّي آنذاك “خطة ترامب” بحماسة.

امرأة من غزّة توثّق لحظة مغادرتها لقطاع غزة
امرأة من غزّة توثّق لحظة مغادرتها لقطاع غزة

امرأة من غزّة توثّق لحظة مغادرتها لقطاع غزة צילום: الاستخدام وفق المادة 27 من قانون حقوق المؤلف

وبحسب مصدر أمني تحدث مع “هآرتس” قبل عدة أشهر، فمنذ قرار الكابينت في آذار، فإن نسبة قليلة فقط من الغزيين الذين يطلبون مغادرة القطاع تُمنع من ذلك بسبب رفض من الشاباك، بينما كانت حالات الرفض شائعة بكثير قبل ذلك.

Share This Article