المسار: اعتبر محللون أن التسارع اللافت في وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية يعكس انتقال حكومة الاحتلال من سياسة إدارة الصراع إلى فرض وقائع جغرافية وديموغرافية جديدة على الأرض، في إطار مخطط استراتيجي طويل الأمد يستهدف تكريس مشروع “دولة المستوطنين”، مستفيدًا من الغطاء السياسي الأميركي، وحالة العجز الدولي، وغياب ردع عربي فعّال، بما ينذر بتداعيات خطيرة تتجاوز الجغرافيا الفلسطينية إلى الإقليم بأسره.
وقال المحلل السياسي أمجد بشكار إن “وتيرة الاستيطان تشهد تسارعًا غير مسبوق منذ قيام (دولة) الاحتلال واحتلالها لفلسطين”، محذرًا من أن “هذا التمدد قد يتجاوز الأراضي الفلسطينية ليطال مستقبلًا أراضي دول الجوار، وعلى رأسها الأردن وسوريا ولبنان”.
وأوضح بشكار في حديث اليوم السبت، أن “خطة تسريع الاستيطان وُضعت فعليًا عام 2017، ولم يكن السابع من أكتوبر سببًا في إشعالها، بل إن وزير المالية لدى الاحتلال بتسلئيل سموتريتش كان قد طرح ما يُعرف بـ(خطة الحسم) بدلًا من سياسة إدارة الصراع مع الفلسطينيين، واضعًا الاستيطان المتسارع في صلب هذه الرؤية”.
وأشار إلى أن “ما حدث بعد السابع من أكتوبر كان توقفًا نسبيًا ومؤقتًا لبعض الأنشطة الاستيطانية، ليس نتيجة ضغوط سياسية، بل لانشغال (دولة) الاحتلال بالحرب على قطاع غزة، وانخراط المقاومة الفلسطينية في استنزاف قدرات الاحتلال”.
وأضاف بشكار أن “الفلسطينيين، سياسيًا وقياديًا، لم يحققوا مكاسب حقيقية خلال هذه الفترة، إذ بقيت التحركات محصورة في المسار الدولي وتقديم الشكاوى لمجلس الأمن، دون أن تُحدث تغييرًا فعليًا على الأرض”.
وختم بالقول إن “الواقع الحالي يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة من التسارع الاستيطاني غير المسبوق”.
من جانبه، قال المحلل السياسي محمد القيق إن “الاحتلال يعتمد منذ سنوات على ما يُسمّى بـ(منهجية النمو الطبيعي للمستوطنات)، وهي في حقيقتها غطاء لسياسة توسع جغرافي ممنهجة على حساب الفلسطينيين”.
وبين القيق في حديث لـ”قدس برس”، أن “هذا (النمو) لا يتم داخل المستوطنة عموديًا، بل أفقياً، عبر شق طرق التفافية، وإقامة جدران أمنية واستنادية، والاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية”.
وتساءل القيق: كيف يُسمّى هذا توسعًا طبيعيًا، في حين يمنع الاحتلال الفلسطينيين، خصوصًا في القدس ومناطق “ج”، من البناء الأفقي، ويدفعهم قسرًا إلى البناء العمودي أو يحرمهم من البناء أصلًا؟
واعتبر أن “هذه السياسة تهدف إلى خنق الفلسطينيين ديموغرافيًا، وفرض أزمة سكانية دائمة، مقابل تكريس التفوق الجغرافي لصالح المستوطنين”، مؤكدًا أن “ما يجري في الضفة الغربية ليس سوى توسع استيطاني بأسماء ومسميات مختلفة”.
وأكد القيق أن “الرسالة (الإسرائيلية) كانت واضحة منذ سنوات، وعبّر عنها علنًا كل من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”، مشددًا على أن “الأمر لا يتعلق بردود فعل ظرفية أو تطورات ميدانية، بل بمشروع (دولة المستوطنين) في الضفة الغربية”.
وأشار إلى أن “هذا المشروع حظي بموافقة ودعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن ما يجري اليوم ليس مجرد رسائل سياسية، بل تنفيذ عملي لاتفاقات ومخططات موضوعة سلفًا، دون أي اكتراث بردود الفعل العربية أو الدولية”.
وقال وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش الأربعاء الماضي، إن “(إسرائيل) أعطت الموافقة النهائية على بناء 764 وحدة سكنية في ثلاث مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة”.
وأضاف سموتريتش، أنه “منذ بداية توليه منصبه في أواخر عام 2022، وافق (مجلس التخطيط الأعلى الحكومي) على نحو 51 ألف و370 وحدة سكنية في الضفة الغربية”، وهي من الأراضي التي يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولة مستقبلية عليها.
وصدّق مايسمى المجلس السياسي والأمني المصغر لدى الاحتلال (الكابينت)، على طلب سموتريتش تنظيم 19 مستوطنة بالضفة الغربية المحتلة.
وقالت القناة الـ/14/ العبرية أمس الجمعة، إن “التصديق تمّ في جلسة الخميس، وأن بعض هذه المستوطنات جديدة تماما، وبعضها قائم وسيتم تنظيمه”.
وأشارت إلى أن “أبرز المستوطنات القائمة (غانيم) و(كاديم) اللتين تم إخلاؤهما عام 2005، تزامنا مع تفكيك المستوطنات في قطاع غزة”.

