المسار :: تتجه الأنظار في المرحلة الراهنة إلى قمّة مرتقبة تجمع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولاية فلوريدا في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا حيث لا يأتي هذا اللقاء في سياق بروتوكولي، بل في إطار محاولة أمريكية إسرائيلية لإعادة ترتيب المشهد الإقليمي بعد حرب الإبادة على غزة وتعقّد الملفات المفتوحة من فلسطين إلى لبنان وسوريا وصولًا إلى إيران .
التسريبات الدبلوماسية التي تحدثت عن اتصالات مكثفة بين مكتبي نتنياهو وترامب لترتيب لقاء إضافي قريب، تعكس إدراك الطرفين أن المباحثات الجارية لم تُحسم بعد، وأن حجم التناقضات وخاصة في الملف الفلسطيني يتطلب جولات تفاوض إضافية، فالولايات المتحدة رغم انحيازها التاريخي لإسرائيل، تجد نفسها أمام مأزق سياسي وأخلاقي متصاعد بفعل استمرار الحرب على غزة ، وما تخلّفه من تداعيات إقليمية تهدد مصالحها وتحالفاتها .
في ملف غزة يبرز التباين الأوضح بين الجانبين، حيث يدفع ترامب باتجاه إنهاء الحرب والانتقال إلى ما يسميه المرحلة الثانية من خطة السلام، وهي مرحلة تقوم عمليًا على إعادة هندسة القطاع أمنيًا وسياسيًا عبر نزع سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها العسكرية مستندًا إلى صيغة هجينة تشمل دورًا لقوة دولية مدعومة امريكيا، إلى جانب غطاء إقليمي ودولي، إلا أن هذه الطروحات تصطدم برفض إسرائيلي عميق لأي دور فلسطيني بأي صيغة قد تُبقي للفلسطينيين شكلًا من أشكال السيادة أو القرار المستقل
في حين يواصل نتنياهو من جهته سياسة الهروب إلى الأمام، ويُبدي تحفظات علنية على إشراك السلطة الفلسطينية، مستندًا إلى خطاب يركز على ما يسميه ضعفها البنيوي، وانعدام قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية بينما الهدف الحقيقي يتمثل في منع أي مسار سياسي قد يُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني لا مسألة أمنية إدارية .
الطرح الأمريكي المتداول بشأن نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة مطلع العام المقبل، يعكس محاولة لتدويل الاحتلال بصيغة جديدة حيث يُراد لهذه القوات أن تعمل في مناطق جنوب القطاع الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بما يكرس واقع التقسيم الميداني ويمنح إسرائيل أمنًا مجانيًا دون التزام سياسي حقيقي في ظل غياب واضح لتعريف مهام هذه القوات وحدود صلاحياتها ومسؤولياتها القانونية .
على المسار السعودي يسعى ترامب إلى إحياء مشروع التطبيع، بوصفه إنجازًا استراتيجيًا شخصيًا يعوّض إخفاقات السياسة الأمريكية في المنطقة، إلا أن الرهان الأمريكي يصطدم هذه المرة بشروط سعودية أكثر وضوحًا تتعلق بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، و وضع مسار سياسي لاي مفاوضات قادمة، وهو ما يكشف حجم المأزق الإسرائيلي إذ باتت سياسات التوسع والتهويد عائقًا حتى أمام أقرب الحلفاء المحتملين في الإقليم .
أما في الساحة السورية فتستمر المشاورات حول اتفاق أمني طويل الأمد، في ظل مطالبة دمشق بانسحاب القوات الإسرائيلية، ووقف الاعتداءات المتكررة مقابل هواجس إسرائيلية تتعلق بتنامي نفوذ قوى المقاومة، وهو ملف يستخدمه نتنياهو لتبرير استمرار العدوان، وتوسيع نطاق الاشتباك تحت عنوان محاربة الإرهاب .
في الشمال تبدو الجبهة اللبنانية الأقرب نظريًا إلى مسار تفاوضي بفعل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها لبنان غير أن استمرار وجود حزب الله كقوة عسكرية فاعلة يشكل العقدة الأساسية أمام أي تسوية شاملة حيث تصر إسرائيل على مقاربة أمنية بحتة تتجاهل جذور الصراع المرتبطة بالاحتلال والاعتداءات المتواصلة .
ولا يغيب الملف الإيراني عن أجندة اللقاء، إذ يحرص نتنياهو على إعادة طرحه كورقة ضغط دائمة، محاولًا دفع ترامب نحو تشديد القيود على البرامج العسكرية الإيرانية، ودورها الإقليمي في سياق استراتيجية إسرائيلية أوسع، تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة توتر دائم يضمن تفوقها العسكري ويمنع تشكل أي توازن ردع حقيقي .
في المحصلة تعكس قمة فلوريدا المرتقبة حالة انسداد سياسي عميق، حيث تحاول واشنطن إدارة الأزمات دون حل جذري، بينما يواصل نتنياهو سياسة التعطيل والمماطلة، مستفيدًا من الدعم الأمريكي الا محدود، ومن واقع إقليمي مأزوم، الأمر الذي يجعل الحديث عن سلام شامل أقرب إلى وهم سياسي، يُستخدم لشراء الوقت لا لإنهاء الصراع .

