نازح من مخيم طولكرم يلتمس الأمان في كنيسة مهجورة

المسار : منذ ثلاث سنوات خلت كنيسة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة من مرتاديها، لكن زائرا غير معتاد طرق بابها قبل 10 شهور، لا بغرض الصلاة أو التعبّد، بل بحثا عن ملجأ بعدما سلبه الاحتلال الإسرائيلي منزله.

نزح الفلسطيني ماجد ياسين (60 عاما) عن منزله في مخيم طولكرم في فبراير/شباط الماضي، ولم يجد وعائلته مكانا للسكن في المدينة وضواحيها، فقرر اللجوء إلى الكنيسة الوحيدة في طولكرم.

يروي ياسين مأساة نزوحه وتشتّت عائلة، قائلا “اجتاح جيش الاحتلال مخيم طولكرم وطردنا من منزلنا كما بقية العائلات، وخرجنا دون أن نحمل شيئا معنا”.

في البداية، اعتقد ياسين وعائلته وجميع النازحين عن المخيم أنها عملية عسكرية ستستمر لأيام ثم ينسحب الاحتلال ويعودون إلى منازلهم، لكن أياما وأسابيع وأشهر مرت دون أن يتمكنوا من ذلك، بل إن المئات منهم دمر الاحتلال منازلهم.

يقول ياسين “فكّرت في طريقة لإيواء عائلتي ولم أجد مكانا، فنقلت زوجتي إلى منزل أهلها في ضاحية ذنابة القريبة، وهِمتُ في المدينة أبحث عن سكن”. وبعد أيام قرر اللجوء إلى كنيسة طولكرم، خاصة بعد عمله فيها لسنوات.

يقول ياسين ” تواصلت مع الأب الذي كان يشرف على الكنيسة سابقا، وطلبت منه الانتقال إليها إلى حين العثور على مأوى آخر يمكنني السكن فيه، ولم يمانع. وها أنا واثنان من أولادي الشبان نسكن في ملحق الكنيسة منذ عشرة شهور”.

لم يكتفِ الاحتلال بتهجير ياسين وأولاده من مخيم طولكرم، وإنما هجّر ابنته وعائلتها من مخيم جنين (شمالا) أيضا، مما شكل ثقلا نفسيا مضاعفا عليه، وزاد من معاناته وألمه.

ومع نهاية الشهر العاشر من عملية الاحتلال العسكرية في مخيمات شمالي الضفة الغربية، تقدّر جهات فلسطينية وأممية مسؤولة عدد النازحين من مخيم طولكرم وحده بقرابة 15 ألفا.

يتذكر ياسين السنوات الثماني التي عمل فيها حارسًا لكنيسة طولكرم الوحيدة، وأعياد الميلاد التي مرّت عليها، وإضاءة شجرة الميلاد فيها، وإقامة القداديس بحضور رجال الدين المسيحيين والزوار من مدن فلسطينية وآخرين من دول العالم.

يذكر “قبل جائحة كورونا، كانت الاحتفالات والصلوات تُقام هنا بشكل اعتيادي وبحضور رسمي، وكان أبناء الطائفة المسيحية يأتون من مدن نابلس وجنين والناصرة للصلاة هنا، ولا سيما أن الكنيسة تُعد معلما أثريا وتاريخيا مهما في طولكرم، وهي الوحيدة في المحافظة كلها، لذا كانت وجهة للزوار والسيّاح”.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، تراجع الوجود الرسمي والحضور الشعبي بالكنيسة بفعل تكرار اقتحامات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة طولكرم ومخيمي “نور شمس” و”طولكرم” للاجئين، إضافة للبلدات التابعة للمحافظة.

وتعقّد الأمر بعد إغلاق الاحتلال مداخل المدينة، ونصب الحواجز حولها، ومنع الزوار وخاصة المسيحيين منهم من أهالي الداخل (فلسطينيو 48) من الدخول إلى المحافظة.

وبُنيت كنيسة طولكرم عام 1830، وتُعرف باسم كنيسة القديس “جاورجيوس”، وتُعتبر إحدى الكنائس الرئيسية في بطركية الروم الأرثوذكس في فلسطين، بحسب وثائق الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من تعدد العائلات المسيحية في طولكرم كعائلات حداد وصباغ وسابا وغيرها، فإن عدد المسيحيين في المحافظة بلغ عند احتلال الضفة الغربية عام 1967 قرابة ألف مسيحي، لكن هذا العدد أخذ في التناقص على مدى السنوات بفعل الأوضاع السياسية والاقتصادية.

واليوم، ينعدم الوجود المسيحي في طولكرم، ويذكر ماجد ياسين أن آخر مواطنيْن مسيحيين، وهما رجل وشقيقته، رحلا قبل سنوات إلى بلدة الزبابدة (أغلبية مسيحية) في محافظة جنين، بعد تعثّر وضعهما الاقتصادي واضطرارهما لإغلاق محل المجوهرات الخاص بهما في المدينة.

يقضي ياسين نهاره في ريّ بعض الأشجار بحديقة الكنيسة وتنظيف ساحتها الصغيرة، في حين يسعى أولاده المقيمون معه لمحاولة كسب رزقهم اليومي والبحث عن عمل.

يقول ياسين “بعد تنظيف الكنيسة وساحتها، أخرج للتنزه في سوق المدينة، ومن ثم أزور زوجتي وبقية أبنائي، وهكذا أقضي نهاري، خاصة بعد أن فقدت عملي منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة قبل عامين”.

وبحسب الرجل، فإن العيش في كنيسة أو مسجد أو في أي مكان آخر “هو تحدٍ كبير وصعب جدا، إذ لا مكان يمكن للشخص أن يرتاح فيه إلا منزله”.

وأجبرت العملية العسكرية التي أطلق الاحتلال عليها اسم “السور الحديدي” في مخيمات نورشمس وطولكرم وجنين شمالي الضفة، والتي بدأت نهاية يناير/كانون ثاني 2025، الأهالي المهجّرين إلى اللجوء إلى أماكن كثيرة بعضها لا يصلح للعيش.

ولا يزال عدد من العائلات النازحة يعيش في عدة مساجد بمدينة طولكرم، وآخرون يعيشون في مدارس، في حين اضطر عدد كبير من العائلات للنزوح إلى منازل أقاربهم في القرى والبلدات المحيطة.

وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فقد هجّر الاحتلال الإسرائيلي خلال العام الجاري 32 ألف فلسطيني من مخيمات شمالي الضفة بذريعة “الأغراض العسكرية”، موضحة أن ذلك يؤدي إلى سيطرة طويلة الأمد لجيش الاحتلال على المخيمات.

في حين اعتبر تقرير لوكالة منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية صدر بأواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن تهجير مخيمات شمالي الضفة الغربية يرتقي إلى “جرائم حرب وتطهير عرقي” في الضفة.

ويتفق المحلل السياسي سليمان بشارات مع تصريح الأونروا، إذ يرى أن إسرائيل تهدف إلى إعادة هيكلة كاملة لمخيمات اللاجئين في الضفة، وجعلها بيئة مختلفة كليا من ناحية جغرافية وسكانية، عبر تهجير أغلبية سكانها، وتحويلها إلى أحياء تتبع المدن القريبة.

ويقول بشارات، في حديث له، إن “كل الحجج الأمنية التي تطرحها إسرائيل لتهجير سكان المخيمات وهدم منازلهم غير حقيقة، ولا يمكن أن تكون مقنعة لأي جهة في العالم”.

Share This Article