الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

يديعوت أحرنوت 2/6/2024

الجبهة الأساس

بقلم: يوسي يهوشع

في الشمال تجري حرب. ليس قتالا، ليس يوم من المعارك بل حرب حقيقية بدأت في جبهة ثانوية لغزة، حسب تعريف الكابنت الأمني وهيئة الأركان العامة وتصبح بالتدريج اكثر فأكثر هي الأساس، وبالتأكيد في ضوء احتمال التدهور القائم هناك.

في نهاية الأسبوع الأخيرة كانت شديدة: عشرات اطلاقات الصواريخ، بما فيها صواريخ مضادة للدروع ومُسيرات وصلت بعيدا جدا، حتى عكا. مُسيرة كهذه اعترضت، لكنها شغلت صافرة وادخلت الى المجالات المحصنة 50 الف مواطن. مثلما اتفق هذا أيضا مر بهدوء نسبي. يخيل أنها لو كانت موجهة الى المركز لكان موقف وسائل الاعلام والمستوى السياسي مختلفا.

على مدى السنين يخوض زعيم حزب الله حسن نصرالله معركة وعي ضد إسرائيل. وتجري المعركة أساسا في وسائل الاعلام وبالطبع في خطاباته، التي في كل واحد منها يحرص على أن يتناول منشورات تصل من إسرائيل. في هذه الحرب طور استخدام هذه الطريقة: فهو يختار الأهداف حسب حجم النشر الذي ستتلقاه الإصابات. وما هو افضل من هجوم على مواقع للجيش الإسرائيلي. في بداية الحرب اختار الاطلاقات نحو قيادة فرقة الجليل والتي صورت من لبنان ومن إسرائيل أيضا وظهرت بشكل سيء جدا بالنسبة لنا. فتواصل هذا في الصواريخ المضادة للدروع نحو قاعدة المراقبة الجوية في ميرون.

امس، بعد عدد كبير من المحاولات أصاب بصواريخ بركان ثقيلة الوزن قاعدة اللواء “جيبور” قرب كريات شمونا التي يعرفها كل من خدم في حدود الشمال. فضلا عن الضربة للقاعدة وقع ضرر أيضا بسوبرماركت مجاور كان مغلقا بل وبالمجمع التجاري نحمايا. كما تضررت مركبات لكن أحدا لم يصب باذى.  منذ بداية الحرب اطلق حزب الله نحو 340 صاروخا ثقيل الوزن يحمل بين 100 الى 500 كيلوغرام من المواد المتفجرة. هذه قصيرة المدى لكنها تلحق ضررا جسيما. يوم قتالي في الشمال تواصل أيضا بعد ذلك مع اسقاط المُسيرة “هيرمس 900″ في الأراضي اللبنانية. فقد نجح صاروخ ارض – جو لحزب الله للمرة الثانية منذ نشوب الحرب في اسقاط “هيرمس 900″ “كوخاف” باسمها العبري، والتي شوهدت تشتعل الى أن تحطمت. قبل ذلك، في تشرين الثاني وفي شباط، استخدمت مُسيرات من طراز “هيرمس 450“ (“زيك”) –دلالات أخرى على أن حرية العمل الجوية للجيش في لبنان ليست مطلقة، وقدرات حزب الله تحسنت بمساعدة الإيرانيين.

من ناحية الجيش الإسرائيلي، كانت النشاطات في نهاية الاسبوع مكثفة وألحقت ضررا جسيما بحزب الله: مقتل خمسة نشطاء، إصابة الكثيرين، ضرب بنى تحتية عسكرية للمنظمة كمنظومة دفاع جوي. نفذ الجيش الإسرائيلي اكثر من 40 هجوم جوي وبري في نهاية الأسبوع. آخرها كان ليلة امس في منطقة بعلبك. منذ بداية الحرب وقع في الجانب اللبناني اكثر من 420 قتيلا بينهم 330 من رجال حزب الله، لكن هذه الإنجازات التكتيكية لن تعيد سكان الشمال الى بيوتهم.

نصرالله، في كل خطاباته الأخيرة يتحدث عن “الصمود والصبر” المطلوبين لاجل هزيمة إسرائيل. وهو يعرب عن تخوفه من أن “يؤثر” نصر إسرائيلي على المنطقة ويدعو رجاله الى التصرف بحذر خوفا من تصفيتهم. وحسب تقرير في صحيفة “الشرق الأوسط” أصدرت المنظمة تعليمات مرتبة: الامتناع عن الحديث في الهاتف الخلوي، تغيير أماكن التواجد وشقق الاختباء على نحو دائم والامتناع عن التجمهر.

نصرالله يربط نهاية الحرب بوقف الحرب في غزة. ولهذا فان العيون تتطلع الان الى المفاوضات مع حماس. النتائج هناك ستقرر ماذا سيكون في الجبه الشمالية. اقل فأكل من المسؤولين يؤمنون انه سيكون ممكنا انهاء الحرب في الشمال باتفاق. الفهم المتبلور هو أنه اذا ما فشلت المفاوضات في موضوع غزة، فان الدبلوماسية وحدها لن تحل الوضع في الشمال. لن يكون مفر من تشديد الضغط العسكري على حزب الله بشكل كبير بما في ذلك الدخول البري، والا فان السكان لن يتمكنوا من العودة الى بيوتهم لاشهر طويلة أخرى.

لكن كما تعلمنا من الماضي إسرائيل مستعدة لن تدفع اثمانا باهظة كي تشتري الهدوء. اذا ما اعطى اتفاق مع حماس علاوة هدوء في الشمال أيضا، فلعل المستوى السياسي يقتنع بان يقول نعم.

——————————————–

هآرتس 2/6/2024

ربما وسائل الاعلام تتجاهل غزة، لأن الجمهور سيكون مسرورا بالفظائع

بقلم: ديمتري شومسكي

​صديقي المحامي ميخائيل سفارد وجه هنا مؤخرا انتقاد شديد ومبرر لا مثيل له (“هآرتس”، 21/5) لطريقة التغطية المشوهة للحرب في غزة من قبل وسائل اعلام التيار العام في اسرائيل، التي تتجاهل بشكل مطلق موت عشرات آلاف الاطفال والنساء الذين قتلوا في عمليات قصف سلاح الجو الاسرائيلي والمدفعية الاسرائيلية في غزة. عند قراءة هذا المقال اللاذع لسفارد لا يمكن أن لا يطرح سؤال: ما هي اسباب هذا التحيز الشديد لوسائل الاعلام. لماذا قنوات التلفزيون في اسرائيل تمنع بصورة ثابتة عن الجمهور النظر مباشرة في عيون اطفال غزة المليئة بالمعاناة، الايتام والذين يعانون نفسيا وجسديا، وتحطم كل عالمهم نتيجة ما يصعب عدم اعتباره عقاب جماعي على الاعمال الفظيعة في 7 تشرين الاول.

​يبدو أنه كما يعتقد كثيرون ممن ينتقدون وسائل الاعلام في اسرائيل، تجنب عرض ابعاد القتل والمعاناة للمدنيين في غزة، ينبع من الخوف من أن مشاهدة الاسرائيليين لهذه الصور الفظيعة يمكن أن تكسر في قلوبهم الايمان باخلاقية الجيش الاسرائيلي المقدسة، وتثير فيهم التحفظ من سياسة قتاله، الامر الذي يمكن أن يمس بالروح الوطنية اثناء الحرب.

​العقل يقول إن الرد الاسرائيلي السائد على مشاهد القتل للغزيين العاديين في الحرب، التي لم يتم نشرها، كان يمكن أن يكون بالذات نوبة من الفرح الوطني الجماعي، مثل عيد “لاغ بعومر، نسخة رفح”، المنشور المهين لحاخام مستوطنة كفار ادوميم، افيشاي شورشم، الذي رد بسعادة على صور قصف مخيم للنازحين في رفح في الاسبوع الماضي. في نهاية المطاف فان الاسرائيليين غير جيدين وليسوا اسوأ من شعوب اخرى تعيش في نزاع وطني متواصل ودموي.

​الوطنية، التي هي ظاهرة حديثة بمعان كثيرة، تقوم بشكل واضح على أسس قبلية بدائية. الوطنية يتم تخيلها بمفاهيم عائلية حميمية، وبالتالي ليس من الغريب أنه في مواجهة القسوة الوحشية والسادية تجاه ابناء وبنات العائلة القومية، مثل التي شاهدناها في 7 اكتوبر، تنشأ مشاعر انتقام في اوساط العائلة الوطنية، يرافقها الرضى الوطني كلما تحقق الانتقام.

​يجب اضافة الى ذلك جانب آخر، نفسي – وطني محدد، أن ما يميز الصدمة الوطنية التي عاشها الاسرائيليون بسبب 7 تشرين الاول هو جانب يمكن أن يزيد بصورة لا تقاس ابعاد العداء تجاه التجمع الوطني الفلسطيني بشكل عام وتجاه الفلسطينيين في غزة بشكل خاص. غالبية الاسرائيليين لا يعتقدون فقط أن سكان غزة “يستحقون” القتل والدمار لأن كثيرين منهم يؤيدون حماس، بل غالبية الاسرائيليين على قناعة من اعماقهم بأننا لا نستحق بأي شكل ما حدث في 7 تشرين الاول، أو للدقة، جاء من مكان ما. من ناحيتهم كان هذا يمثل اعصار، كارثة طبيعية فجائية، مثل الاسم المناسب جدا لاغنية عيدن غولان في الاورفزيون التي تعكس بشكل اصيل الوضع النفسي الوطني لاسرائيل في هذه الايام.

​الاسرائيليون لا يعترفون بأنه قبل الهجوم القاتل على مواطني اسرائيل في 7 تشرين الاول عاش الفلسطينيون في ظروف القمع ونزع الحريات الاساسية، الانسانية والقومية، على يد اسرائيل (يجب التأكيد: ما لا يمكن تبريره بأي حال من الاحوال أو تطبيع القتل الذي نفذته حماس في 7 تشرين الاول). غالبية الاسرائيليين على قناعة بأن الوضع الاسرائيلي – الفلسطيني الذي كان قبل 7 تشرين الاول كان بالاجمال طبيعي وحتى اكثر من معقول، من ناحية وضع الفلسطينيين. “الاحتلال”، ولا نريد التحدث عن الابرتهايد، هو في نظرهم اختراع لاسامي؛ عمليا، الفلسطينيون الذين يعيشون وراء الخط الاخضر (اختراع آخر لكارهي اسرائيل) يعيشون حسب رأيهم بصورة غير سيئة، بالتأكيد مقارنة مع اخوتهم العرب في سوريا والعراق أو أي دولة عربية اخرى، باستثناء الدول الغنية بالنفط والغاز. حتى في غزة، كما يعتقد الاسرائيليون، كانت للفلسطينيين دولة بكل معنى الكلمة. ولكن رغم كل ذلك هم اختاروا القيام بحملة قتل، خائنة وناكرة للمعروف.

​على خلفية رؤية مشوهة لهذا الواقع فانه ليس من الغريب أن الغضب القومي الاسرائيلي على الفلسطينيين الغزيين وانغلاق اسرائيل تجاه معاناتهم، لا سيما مشاعر السعادة الوطنية التي احيانا تندلع واحيانا يتم كبتها، وازاء انباء متقطعة عن ابعاد الدمار والقتل في غزة، فان السعادة العلنية لكل من يستمع الى ما يحدث في الشارع الاسرائيلي، هذه بالتحديد المميزات الاساسية والشمولية لنظرة اسرائيل الى الحرب الحالية.

​ازاء كل ذلك فانه لن يكون من الخطأ التخمين بأن الرفض لتسليط اضواء الاعلام الاسرائيلي على الضحايا المدنيين لحملة انتقام الجيش الاسرائيلي التي ليس لها هدف استراتيجي في قطاع غزة تنبع في جزء منها من خوف من يشكلون الرأي العام في اسرائيل من اثارة مشاعر السرور المكشوفة والقوية جدا في اوساط الجمهور الواسع في اسرائيل. هذا بالتأكيد لم يكن ليساهم في تحسين صورة اسرائيل في العالم، المحطمة أصلا.

——————————————–

يديعوت 2/6/2024

من ضد الدولتين؟

بقلم: سيفر بلوتسكر

الاعتراف ليس عقابا

حسب الرأي السائد في الدول الأوروبية التي اعترفت مؤخرا بدولة فلسطينية، فان عملية الاعتراف تعاقب إسرائيل على حربها ضد قطاع غزة وتمس بمصالحها الحيوية. ويعزز الانطباع ردود الفعل الغاضبة من جانب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وحتى قادة المعارضة. غير أن هذا تفسير مغلوط: فالاعتراف الدولي المنتشر بـ “دولة فلسطينية” بالذات يخدم المصالح الإسرائيلية الحقيقية، جيد لاستراتيجيتنا الأمنية القومية ويعزز الايمان بعدالة الصهيونية. بالمقابل فانه سيء للغاية لحماس ولفروعها. هو ليس جائزة للارهاب بل، على اقل تقدير، غرامة على الإرهاب. لماذا؟ لانه في بيانات اسبانيا، ايرلندا والنرويج كتب صراحة بانها تعترف بدولة فلسطينية فقط الى جانب دولة إسرائيل، وبشرط أن تعيش معنا “بسلام وأمن”.

وفقا للصهيونية

بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يوجد إذن اعتراف بسيطرة فلسطينية “من النهر وحتى البحر” – توجد صيغة تتوافق ونهج التيار المركزي في الصهيونية، ذاك الذي قبل منذ 1947 مشروع التقسيم ونهج حكومات إسرائيل على اجيالها. بيغن، في اطار اتفاقات السلام مع مصر وقع على وثيقة تعترف بـ “حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني” ووافق على أن يقام في المناطق حكم ذاتي فلسطيني لفترة انتقالية. نتنياهو بنفسه عانق بحماسة خطة السلام لترامب في 2020 والتي في مركزها دولة فلسطين على ارض موازية تقريبا بـ 100 في المئة مساحة المناطق التي احتلت في 1967.

ومن يعارض؟ الفلسطينيون

من بثبات، عناد وضياع يرفض حل الدولتين اللتين تعيشان الواحدة بجانب الأخرى بامن وسلام هم تلك منظمات الإرهاب الفلسطينية التي تغرق بالدم كل مبادرة سياسية تقوم على أساسها. من ناحيتهم لا يوجد الا حل واحد للمواجهة المتواصلة وهو محو إسرائيل وطرد اليهود. اليهم ينضم بشكل دائم المتظاهرون الصاخبون بمؤسسات التعليم العالي وفي المدن الغربية ممن لا يدعون الى تبني حل الدولتين او يلوحون باعلام فلسطين الى جانب اعلام إسرائيل. لو حاول أناس السلام في جامعات رائدة في الولايات المتحدة، بريطانيا، ايرلندا، النرويج واسبانيا مثلا، جمع تواقيع بروفيسورات ونشطاء يشاركون في المظاهرات على نداء في صيغة بيانات الاعتراف الصادرة بالدولة الفلسطينية – فانهم كانوا سيطردون مكللين بالعار كـ “عملاء الحركة الصهيونية”. وبما يتناسب مع ذلك لو كانت لحكومة إسرائيل سياسة خارجية وامن تمليها مصلحة قومية وليس مصلحة ائتلافية، لكانت ردت على بيانات الاعتراف بالدولة الفلسطينية بـ “ايجاب حذر”، تحفظت عن توقيتها لكن رحبت بجوهرها الصهيوني الواضح. غير أن نهج الدولتين يرفضه رفضا باتا المسيحانيون المتطرفون في ائتلاف نتنياهو، ممن يمسكون بها من عنقها.

حلف المتطرفين

معقول ان نتوقع من الخطاب الاستثنائي للرئيس الأمريكي بايدن والذي كشف فيه وتبنى المقترح الإسرائيلي الأخير لصفقة المخطوفين في قطاع غزة ان يجر انتقادا حادا من جانب دوائر اليسار المتطرف، من جانب مؤيدي وعاطفي الإرهاب على انواعهم ومن جانب المسيحانيين في حكومة إسرائيل. حلف المتطرفين على جانبي الطيف الأيديولوجي هو ظاهرة تاريخية معروفة وخطيرة. وتفيد التجربة المريرة بانه في محيط التوتر والقلق يصبحون فجأة هم الأغلبية.

———————————————

  هآرتس 2/6/2024

بايدن طرح على إسرائيل سؤال اليوم التالي، ومن المشكوك فيه أن يتم إطلاق سراح المختطفين طالما لم يتم حل الأمر

بقلم: تسفي برئيل

بينما تنتظر إسرائيل بفارغ الصبر رد وزيري الحرب إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش على الخطوط العريضة التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء السبت، سارعت حماس إلى صياغة رد دبلوماسي يهدف إلى التخلص من المسؤولية عن فشل محتمل. وهو ما سيقدمه الطرف الرافض لمطلبه مباشرة إلى المنظمة، ويدعوها إلى تبني الخطوط العريضة.

جاء في الإعلان الرسمي الصادر عن حماس: “إننا ننظر إلى مضمون إعلان بايدن بشأن وقف إطلاق النار في غزة بشكل إيجابي. ونحن على استعداد للتعاون بشكل إيجابي مع أي اقتراح من شأنه أن يشمل وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وعودة النازحين إلى منازلهم وتبادل الأسرى والرهائن”. ومقارنة بالإعلانات الأخيرة التي نشرتها المنظمة، حتى يوم نشر الخطوط العريضة، لم تحكم حماس هذه المرة بشكل حاسم لأنها ترفض إجراء أي مفاوضات قبل وقف كامل لإطلاق النار. وهذا بالفعل تغيير مقارنة بمواقفها العلنية الأخيرة لكن ليس تغييراً مقارنة بموافقتها على خطط سابقة كانت أيضاً مبنية على خطوات قليلة.

ويعكس ملخص المخطط الذي نشره بايدن المبادئ الأساسية التي توافق عليها إسرائيل، حسب قوله. ويضع المخطط عدة عقبات ثقيلة أمام إسرائيل، وذلك على افتراض نجاح نتنياهو في تحييد العبوات السياسية التي أعدها له شركاؤه في الحكومة من اليمين المتطرف. الأول يتعلق بإدارة القطاع خلال وقف إطلاق النار الأول، الذي ينبغي أن يستمر ستة أسابيع. وخلال هذه الفترة سيتمكن سكان قطاع غزة من العودة إلى منازلهم في شمال القطاع وأيضا إلى أحياء معظم أنحاء رفح التي هجروا منها. من سيتولى إدارة قطاع غزة، وكيف، في هذا الوقت، عندما من المفترض أن تنسحب قوات الجيش الإسرائيلي خارج المناطق المأهولة وتنتشر على طول الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة؟ من سيكون مسؤولاً عن استلام حمولات المساعدات ومرافقتها؟ القوافل وتأمينها وفوق كل ذلك من سينقل المواد الغذائية والدواء من مواقع التخزين إلى مراكز التوزيع المجاورة؟

لا يوجد ردود على كل هذا ما دامت إسرائيل مستمرة في معارضتها الصارمة ورفضها السماح للسلطة الفلسطينية بالاقتراب من غزة، ناهيك عن البدء في إدارة التنظيم المدني للقطاع، وفي غياب حل دولي أو عربي آخر. القوة التي يمكن أن تؤدي هذا الدور. والنتيجة العملية هي أن حماس ستتولى المهمة. ويبدو أنه سيكون قادراً أيضاً على تحقيق ذلك، لأنه بحسب الخطوط العريضة، لن تتمكن قوات الجيش الإسرائيلي من البقاء في المراكز السكانية ومنع الأنشطة المدنية للمنظمة خلال وقف إطلاق النار الأول.

وفي المرحلة الثانية، والتي ستستمر أيضاً نحو ستة أسابيع، ومن المفترض أن يقوم الجيش فيها بالانسحاب الكامل من القطاع – في ظل عدم وجود قوة فلسطينية متفق عليها لتحمل المسؤولية، وهو الواقع الذي تعهدت الحكومة بمنعه في المرحلة الثانية. قد يتم تحديد كافة التكاليف في غزة، والتي بموجبها ستعود حماس إلى السيطرة الكاملة على القطاع. وفي المرحلة الثالثة، والتي ستتم بعد ثلاثة أشهر على الأقل، والتي يكون فيها جميع المختطفين، أحياء وأموات، قد عادوا بالفعل إلى إسرائيل، ستبدأ عملية إعادة تأهيل القطاع، ولكن لا يوجد حتى الآن مخطط تفصيلي لطبيعتها. إعادة التأهيل ووسائل تمويله.

وقبل كل شيء، لطبيعة الحكومة التي ستدير القطاع. ومن الناحية النظرية، ليس لدى حماس أي سبب لمعارضة هذه الخطوط العريضة، التي ترسم في ظاهرها المسار السريع لعودتها إلى السلطة. عليه “فقط” أن يعتني بالضمانات الأميركية الكافية التي تضمن التزام إسرائيل ببنود الاتفاق والتزامها بوقف إطلاق النار وسحب قواتها. ومن وجهة نظر حماس فإن المخطط إذا نجح في كل المطبات فإن نتيجته ستكون مماثلة لتلك التي تحققت بعد أي عملية عسكرية سابقة، والتي بدأت بالتفجيرات والسحق وانتهت بترتيبات وقف إطلاق النار وخطط إعادة التأهيل.

وهذه النتيجة التهديدية لا تخفى عن أعين بايدن، وهو لا يحتاج إلى الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي ليفهم معناه. ولذلك يمكن التقدير أن قراره بنشر الخطوط العريضة لا يهدف فقط إلى خلق صفقة لإطلاق سراح المختطفين، الأمر الذي ربما يشغل ويقلق الرئيس الأميركي أكثر من الحكومة الإسرائيلية، بل لجعل إسرائيل تشغله. استيقظوا وصمموا بشكل عاجل خطة لإدارة غزة في كل مرحلة من مراحل الخطة. وقال “لقد حان الوقت لتنتهي هذه الحرب وليبدأ اليوم التالي”. «اليوم التالي» هو «الخطة الكبيرة» التي تسعى الإدارة الأميركية لتحقيقها، والتي ستتضمن اتفاق تطبيع مع السعودية ومعه الترويج، ولو الإعلان، لحل الدولتين.

يبدو أن إدارة بايدن، التي سبق أن أعلنت عدة مرات أنها لا تعتقد أن إسرائيل ستكون قادرة على الإطاحة بحماس، قد توصلت إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل لا تحتاج فقط إلى البدء في خفض الخسائر – فقد حان الوقت لكي تتحول واشنطن إلى استراتيجية عالمية القضايا، بما في ذلك بناء محور الشرق الأوسط ضد إيران؛ كبح نفوذ الصين، التي أصبحت مؤخراً متورطة أكثر فأكثر في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لقد دفع التهديد العالمي المتمثل في الحرب في أوكرانيا الإدارة بالفعل إلى السماح، بطريقة مشروطة، باستخدام الأسلحة الأميركية ضد أهداف روسية، وليس أقل من ذلك، للوصول إلى الانتخابات الرئاسية بإنجاز سياسي حقيقي. العبث الذي لا يطاق في نظر واشنطن هو أن بايدن وأجندته العالمية يجدان أنفسهما مكبلين بجنون بن جابر وسموترتش بما لا يقل عن نتنياهو.

وفي غياب خطة واقعية “لليوم التالي”، فمن المشكوك فيه أن تكون هناك فرصة لوضع الخطوط العريضة الجديدة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار. لكن هذا يعني أن الحكومة الأميركية لن تتمكن من الاعتماد على نوايا وقدرات الحكومة الإسرائيلية التي أثبتت بالفعل عدم جدواها. وسيكون مطلوباً منه استكمال الخطوة بتغيير سياسته تجاه السلطة الفلسطينية وإعلانها الجهة الشرعية في نظر واشنطن لإدارة القطاع، ووضع ذلك شرطاً وجزءاً لا يتجزأ من المفاوضات التي ستتم. تتم بين حماس وإسرائيل عبر دول الوساطة.

مثل هذا التحرك يتطلب شراكة نشطة من قطر ومصر ودول عربية أخرى، للضغط على حماس للموافقة على دخول السلطة الفلسطينية، وعلى محمود عباس لإعداد الفرق المهنية لبدء العمل. ورغم أن مثل هذه الخطوة الأميركية لا تضمن اندفاع إسرائيل إلى فتح أبواب قطاع غزة أمام مسؤولي السلطة الفلسطينية، إلا أنها ستقلص بشكل كبير مجال المناورة أمامها، على افتراض أن إسرائيل لا تنوي أن تصبح قوة احتلال دائمة للقطاع. قطاع غزة؛ وهذا من شأنه أن يضعها على مسار تصادمي خطير مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، الذي لم يعد يتردد في فرض عقوبات على إسرائيل.

——————————————–

هآرتس 2/6/2024

ضوء في نهاية النفق

بقلم: عاموس هرئيلِ

​خطاب الرئيس الامريكي، جو بايدن، يبدو كمحاولة امريكية شبه اخيرة لوضع اسرائيل وحماس على طريق المفاوضات، على أمل انهاء الحرب في قطاع غزة. غير الواضح في هذه المرحلة هو الى أي درجة كان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يعرف مسبقا، كشريك بدرجة معينة، عن الخطة الامريكية. الرئيس عرض الاقتراح الذي طرحه في خطابه مساء يوم السبت كاقتراح لاسرائيل. ولكن يبدو، كما حدث أكثر من مرة في السابق على طول المفاوضات، أن هناك فجوة بين تفسير امريكا واسرائيل للاقتراح، بالاساس حول مراحل انسحاب الجيش الاسرائيلي من القطاع وحجمه.

​دول الوساطة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، يجب عليها جسر نقاط خلاف حاسمة بين الطرفين. نتنياهو اعلن، حتى بعد الخطاب، بأن الحرب ستستمر حتى بعد استكمال صفقة التبادل. في حين أنه من ناحية رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، فانه لن يوجد اتفاق بدون تعهد بوقف الحرب تماما.

​من غير المعروف حتى الآن ما هو مستوى التنسيق بين دول الوساطة وبين الطرفين قبل الخطاب المفصل لبايدن. هل توجد هنا محاولة لدول الوساطة مع معرفة حماس مسبقا، لفرض اتفاق على اسرائيل؟ أو (هذا يبدو الآن تقدير اقل معقولية) أن نتنياهو بشكل عام معني بالضغط الخارجي، من اجل أن ينزل عن مسار الحرب اللانهائي الذي يعرف في اعماقه أنه لن يستطيع الانتصار فيها؟. في احاطة للمراسلين بعد الخطاف قال مصدر رفيع في الادارة الامريكية بأن الرئيس عرض بالفعل الاقتراح الاخير الذي طرحته اسرائيل في المفاوضات. وقد قال هذا المصدر بأن العبء سينتقل الآن الى حماس من اجل الاثبات بأنها لن تقوم بافشال الصفقة. هذا يبدو كمحاولة للادارة الامريكية لتقييد نتنياهو بالاقوال التي يكتبها ويقولها في الغرف المغلقة. واذا كان هذا بحق اقتراح اسرائيلي فان نتنياهو سيجد صعوبة في شرح الاقتراح لشركائه في اليمين المتطرف. هو يعارض بعض الامور التي قالها بشكل علني حتى الاونة الاخيرة.

​الادارة الامريكية اعدت هنا عملية واسعة. فبعد ساعات على خطاب الرئيس حصل نتنياهو على دعوة رسمية من الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة لالقاء خطاب في الكونغرس. رئيس الحكومة تمنى هذه الدعوة منذ فترة طويلة، والديمقراطيون لم يسارعوا للاستجابة له بسبب طريقة ادارته للحرب. والآن يبدو أنه يوجد خليط من العصي والجزر استهدف جلب اسرائيل الى المشرب.

​توقيت الخطاب، في مساء يوم الجمعة حسب التوقيت الاسرائيلي، أوجد فترة زمنية ليوم، فيها حزبين دينيين شريكين لنتنياهو في اليمين المتطرف لا يمكنهما الرد على هذه الاقوال. مكتب نتنياهو انحرف عن عادته واصدر في مساء يوم السبت بيان كان يصعب منه معرفة بوضوح رد رئيس الحكومة على الاقتراح. قبله هاجم الاقتراح مصدر سياسي غير معروف (هذه المرة لا يوجد يقين بأن الامر يتعلق بنتنياهو نفسه). هذا المصدر قال إن الامر يعتبر انتصار لحماس. أمس ظهرا نشر بيان للمكتب باللغة الانجليزية فقط، وصف كل اقتراح لا يوجد فيه “تدمير كل القدرات العسكرية والسلطوية لحماس” بأنه ليس نقطة للانطلاق. في منتهى السبت مرة اخرى وجد رئيس الحكومة نفسها عالق بين سموتريتش وبن غفير وبين غانتس وايزنكوت. معارضة الجناح اليميني المتطرف في الائتلاف للصفقة واضحة تماما. والاكثر اهمية لهذه المجموعة هو هزيمة حماس، اكبر من اعادة المخطوفين على قيد الحياة. وقف الحرب سينهي احلامها باعادة الاستيطان في غوش قطيف وستقفز عن نافذة الفرص التي في اطارها كانت ترغب في تدمير حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

​قائمة المعسكر الرسمي توجد مع قدم خارج الباب، قبل اسبوع على الموعد النهائي الذي وضته للانسحاب من الحكومة. واذا استجاب نتنياهو لضغط بايدن فهو سيكون بحاجة الى غانتس وايزنكوت في الجناح اليساري في الحكومة. ربما أن اقوال بايدن تدخل رياح في اشرعة الاحتجاج الذي يطالب باعادة المخطوفين وانهاء الحرب. وحسب معظم المشاركين في الاحتجاج فانهم يطالبون ايضا باستقالة الحكومة واجراء انتخابات في الفترة القريبة. حتى الآن كانت تعتمل في الاحتجاج مشاعر الالحاح واليأس. ربما أن بايدن وفر ايضا القليل من الأمل.

الغضب يقلق نتنياهو

​بعض اقوال بايدن تثير ايضا تخوف من الموقف الاسرائيلي. هو يريد انهاء الحرب الآن، لكن كما يظهر ايضا في بيان نتنياهو فان الرئيس لا يبلغ كيف ستتم هزيمة حكم حماس في القطاع، التي لم تؤد عمليات الجيش الاسرائيلي على الارض الى هزيمتها. ادعاء بايدن هو أن اسرائيل يمكنها الاكتفاء بالضرر الذي تسببت به لقدرات حماس العسكرية، الذي لا يسمح لها بتكرار مذبحة 7 اكتوبر. هذا بعيد جدا عما وعد به نتنياهو ناخبيه، حتى لو قلص رئيس الحكومة في الفترة الاخيرة ما يقوله دائما حول تحقيق النصر المطلق.

​في المقابل، توجد على كفة الميزان حياة عشرات المخطوفين. 125 اسرائيلي واجنبي، مدنيون وجنود، ما زالوا محتجزين حتى الآن في القطاع. وحسب تقديرات مختلفة فان نصفهم تقريبا ليسوا الآن على قيد الحياة. من الواضح أن الدمج بين ظروف الاسر وتنكيل حماس وهجمات اسرائيل، كل ذلك يعرض للخطر حياة الباقين. في نهاية الاسبوع نشرت حماس فيلم آخر. في هذه المرة سمع صوت المخطوفة نوعا ارغماني، وهي تتوسل من اجل انقاذ حياتها وحياة زملائها. في كل حساب للافضليات والعيوب في الصفقة التي ربما ستكون واقعية في القريب، يجب اعطاء الاهمية العليا لحياة المخطوفين. فشل الحكومة وجهاز الامن في اهمالهم في يوم المذبحة وعدم اعادتهم فيما بعد، هي جرح لن يلتئم في الوعي العام الاسرائيلي.

​في الاسبوع الماضي قدر رئيس مجلس الامن القومي، تساحي هنغبي، بأن الحرب في القطاع ستستمر لسبعة اشهر اخرى على الاقل. وقبل هدوء العاصفة بسبب اقواله هبت عاصفة جديدة عندما نشرت في “اخبار 12” اقتباس لمحادثة متوترة اجراها مع عائلات المخطوفين. هنغبي حسب شهادة المشاركين في المقابلة، اتهم بعض ممثليهم بالكشف عن مظاهر مأساوية مبالغ فيها، الامر الذي يعتبر اشارة بأنه لن تكون صفقة اخرى باستثناء المرحلة الانسانية التي سيتم فيها اعادة النساء وكبار السن، حتى أنه، حسب اقوال غيل ديكمان، في مقابلة مع “صوت الجيش”، قال “بدون أي تغيير في استطلاعات الرأي العام فان نتنياهو لن يتقدم نحو الصفقة”.

​في هذه الاثناء اعضاء كنيست في المقاعد الخلفية في الائتلاف تطاولوا على عائلات المخطوفين ومؤيدي نتنياهو يهاجمونها جسديا في الشوارع. على خلفية ذلك فانه ليس من الغريب أن الغضب في هيئة الاسرى والمفقودين يزداد. والسؤال هو هل هذا سيكون كاف لربط هذه الامور، على رأسها خطاب بايدن، من اجل اخراج الجمهور من اللامبالاة والعودة الى الشوارع. هذا سيناريو مقلق جدا لنتنياهو. والدليل على ذلك هو تقرير غيدي فايس في يوم الخميس الماضي، الذي بحسبه رئيس الشباك رونين بار رفض مؤخرا ضغط وزراء في الليكود من اجل استخدام الشباك كشرطة سرية ضد حركات الاحتجاج.

——————————————–

معاريف 2/6/2024

رُكل من الخزانة

بقلم: بن كسبيت

شكل الرئيس الامريكي جو بايدن أول أمس المستعرض الرسمي لساعة إسرائيل الأكثر مصيرية منذ قرار بن غوريون قول “نعم” مشروع التقديم واعلانه عن إقامة دولة يهودية في بلاد إسرائيل، هي دولة إسرائيل. لا يمكن التقليل من أهمية هذه اللحظة لمستقبلنا.

لقد أخرج بايدن اول أمس هذه اللحظة الى النور ووضعها تحت الأضواء. فقد تعلم درس اسلافه الذين حاولوا خوض مفاوضات مع نتنياهو واستنزفوا حتى الموت. جر نتنياهو من شعره الى خارج الخزانة التي اعتاد على أن يختبيء بها، كشف المقترح الإسرائيلي (الذي وقع عليه نتنياهو)، أوضح الوضع واكد المعضلة تأكيدا دقيقا وصافيا.

 

الان على نتنياهو أن يختار. ان يأخذ الجائزة الكبرى، الصفقة الجغرافية السياسية التاريخية الكبرى، التي تضع إسرائيل في مركز حلف إقليمي ضد التهديد الحقيقي على وجودها؛ او أن يواصل المراوحة في المكان بين غزة ورفح. أن يسير مع الأمريكيين، السعوديين، الاماراتيين وكل باقي حلفاء المحور المناهض للشيعة؛ او ان يسير مع ايتمار بن غفير، بتسلئيل سموتريتش وفتيان تلالهم وفتى التلال خاصته، المنفي الان في ميامي.

ما العجب في أن نتنياهو كان أول امس حسب التقارير، عصبيا مثلما لم يكن منذ زمن بعيد؟ فبعد أن القى عددا لا يحصى من الكرات في الهواء بتذمر لا بأس به على مدى سنوات جيل، كل شيء يحصل له دفعة واحدة. التسونامي السياسي يأتي محمولا على كيانات فضائية مضافا اليها هزة أرضية أمنية، حريقا سياسيا هائلا (التجنيد، اليوم في العليا)، مضافا اليه حصار متعدد الجنسيات، رئيس امريكي جدي ومصمم وحرب لا تبدو أنها تقترب من نهايتها.

نتنياهو ينظر يمينا، ينظر يسارا، ولا شيء حوله. لا مستشارين نوعيين، لا حلفاء هامين، لا سند يمكن الاعتماد عليه، يعالج في مثل هذه اللحظات بمهنية واتقان كل ما ينبغي أن يعالج. غانتس وايزنكوت في الطريق الى الخارج. بقي بن غفير وسموتريتش. تبقى هو، رون ديرمر ومنظم قلبه. ومع هذا ينبغي له أن ينتصر او على الأقل ان ينجو.

بايدن اعد واجباته البيتية. سمع تجارب هيلاري كلينتون، بل كلينتون، براك أوباما، فهم تكتيك نتنياهو، الذي يطلق دوما اقتراحات ويجري مفاوضات عابثة، يسير فيها شوطا بعيدا دون أن يسير. نتنياهو يبقي دوما على الغموض، مجال النفي، الفاصل بينه وبين اقتراحاته. وبالتالي جاء بايدن وقطع كل هذه الجلبة. ومثلما في حالة المؤامرة الصامتة، ركل نتنياهو الى خارج خزانة الغموض وعرض مقترحه هو نفسه. مقترح نتنياهو. وسأل السؤال البسيط: هل بيبي يؤيد اقتراح نتنياهو؟ نعم أم لا. دون تشويشات عقل او ترهات.

لقد جاء خطاب بايدن لنتنياهو (وكذا لحماس ولغانتس) بمفاجأة. في البداية سجل حرج. نتنياهو وقف منحرجا وزائغ البصر، رمش وتردد. بعد ذلك نشر بيان أول، متردد. في الغداة بيان ثانٍ، متردد اكثر، وكل ما اقتربنا من خروج السبت ودخول البن غفيريين، ازدادت الترددات والشروط والمصاعب، ولكن في السطر الأخير نتنياهو عالق. لغير الاقتباس يؤكد رجاله بانه يوجد بالفعل مقترح إسرائيلي وبايدن بالفعل عرضه. هنا هم يدخلون التحفظات، الشروط، واذا كانت حماس ستبقى في الحكم فهذه ليست نقطة انطلاق وكذا وكذا.

وبالفعل، كل هذا ينبغي ان يبقى لمرافعات العقاب. الان ما يريده بايدن هو جواب بسيط: هل نأخذ بهذا المقترح ام لا؟ فلا يوجد لبايدن وقت. هو الاخر توجد له متطلبات سياسية وهي ملحة جدا. يعرف أن في آب سيخرج القطار من المحطة وهو سيكون عشية الانتخابات. وهو يوضح لنتنياهو ان هذا إما الان والا أبدا.

نتنياهو يتسلى بأمل الا يكون هذا الان بل لاحقا عندما يدخل بايدن الى البيت الأبيض، في كانون الثاني. ماذا سيحصل حسب نتنياهو، حتى كانون الثاني؟ هذا أيضا ما لا يعرفه نتنياهو. المؤكد هو أن عشرات ان لم يكن مئات من الجنود الإسرائيليين الاخرين سيقتلون وسيصابون، ونحن سنبقى على مسافة نحو خطوة من “النصر المطلق”. نتنياهو ليس غبيا. هو يفهم هذا. الموضوع هو أن النصر المطلق لإسرائيل ليس هو ما يهمه بل نصره هو المطلق على طالبي روحه السياسية. وهذه قصة مختلفة تماما.

لا يوجد في غزة نصر مطلق في المدى المنظور للعيان. لا توجد ضربة وانتهينا. غزة ليست ركضا لمسافة 100 متر بل ميراثون مع عوائق. فلئن كان هذا في الضفة يجري منذ 22 سنة، ففي غزة سيجري لمدى لا يقل عن ذلك. وسيتواصل هذا كما اسلفنا بعمل عبثي، طويل، لتجفيف مستنقع الإرهاب وكاسحة العشب. هذا كما يقول بايدن يمكن لإسرائيل أن تواصل عمله. لكن لاجل السير مع الرئيس بايدن يجب انهاء مرحلة القتال الحالية والسير الى صفقة مخطوفين. نتنياهو يعرف انه اذا ما فعل هذا سيخسر الحكومة. نتنياهو لا يريد أن يخسر الحكومة حتى لو خسرنا نحن كلنا الدولة.

توقيت بايدن كان دقيقا، بضع دقائق قبل انسحاب غانتس وآيزنكوت. قبل يوم من خروج السبت ودخول بن غفير وسموتريتش. رد فعل كاتس كان يؤكد المعضلة. اذابقي سيصبح نكتة، اذا خرج سيصبح غير ذي صلة. المشكلة مع غانتس وايزنكوت هي انه باستثناء الاعتبارات السياسية فانهما وطنيان إسرائيليان مستعدان للتضحية كي يصلا بالدولة الى شاطيء الأمان. المشكلة هي ان لدى نتنياهو لا يمكنك ان تعرف اذا كانت الأضواء التي تراها هي شاطيء الأمان، ام غمزات بن غفير وسموتريتش.

لقد عرض بايدن على نتنياهو نصف الكأس المليء وبكلماته قال انه حان الوقت للتوقف على خيالات النصر المطلق والتحلي بالواقعية اخذ افضل الخيارات، تشخيص الفرصة التاريخية وعدم تفويتها.

معضلة نتنياهو هي الأصعب في تاريخها. فهذه المرة لا يمكنه أن يذيبها، يؤجلها، يسوف في الوقت ويستنزف الطرف الاخر. من يستنزف هو نحن وقريبا لن يكون طرف آخر. عليه ان يقرر. هو ليس معتادا على أن يقرر. نتنياهو لا يقرر الا في آخر لحظة.

لقد أوضح الرئيس الأمريكي بانه اذا ما اختارت إسرائيل الرفض فمن ناحيته انتهى الاحتفال ومن الان فصاعدا تتواصل إسرائيل بقواها الذاتية. أمريكا تدعم لكن اقل. الفيتو لن يفرض تلقائيا. كما أن ارساليات الذخيرة ستصل اقل. نتنياهو يأمل ان ينقلب هذا عندما يعود ترامب. من يستمع الى ترامب في الآونة الأخيرة ليس متأكدا. وماذا اذا لم يعد ترامب.

——————————————–

هآرتس 2/6/2024

بايدن تصرف بذكاء لكنه أثبت مرة أخرى انه لا يقرأ نتنياهو على نحو صحيح

بقلم: الون بنكاس

​صديق لي سأل: خطة وقف اطلاق النار – عمليا وقف الحرب – التي عرضها الرئيس الامريكي مساء يوم الجمعة، هل هي وبحق “اقتراح اسرائيلي”، كما عمل الرئيس على تأكيده عدة مرات في الخطاب، أو أنه تفسير موسع من قبل الادارة الامريكية لافكار اسرائيل التي تم تغليفها بورق السوليفان، والتي يمكن نفيها من قبل اسرائيل؟. هذا الصديق هو سناتور من الحلفاء المقربين من الرئيس. “هذا غير واضح بالنسبة لي”، كتب لي بعد خطاب بايدن. لأنه في نهاية المطاف هذا الاقتراح يبدو أن اسرائيل هي التي قدمته، ولكن حماس كانت قد عرضته قبل ثلاثة اسابيع، وبعد ذلك اسرائيل قامت برفضه. اضافة الى ذلك تساءل، بيأس، ما الذي كان يقصده الرئيس؟.

​السؤال ليس افتراضي. اذا كان هذا هو عرض لاسرائيل فانه يناقض جميع التصريحات الاحتفالية لنتنياهو في الاشهر الاخيرة حول “النصر المطلق” والشعارات حول “سندمر”. ولكن هل كان هدف بايدن هو الضغط على اسرائيل، أو توريط نتنياهو بشكل متعمد مع الجنرالات في حكومته وائتلافه. هنا بالفعل يكمن التشديد في الخطاب: مطالبة واضحة ليس فقط لوقف اطلاق النار، بل وقف الحرب. لذلك، يصعب التصديق، بالنسبة لي وبالنسبة للسناتور ايضا، بأن نتنياهو يوافق على هذا الاقتراح. “هذه لحظة حاسمة”، قال بايدن. لماذا لحظة حاسمة بالضبط؟.

​خطاب الرئيس يمكن فحصه من ثلاث زوايا. الاولى هي أنه يطرح سياسة فعلية وادارة ازمة بواسطة خطة تتكون من ثلاث مراحل وجدول زمني واضح. الثانية هي أن هذا اعتراف فعلي بفشل السياسة الامريكية. اسرائيل تجاهلت طلبات الولايات المتحدة واستخفت بخططها السياسية الاقليمية ولم تستجب لطلباتها في موضوع ادارة الحرب في غزة ورفضت جميع الافكار الامريكية لـ “اليوم التالي”. بعد اشهر على القراءة الخاطئة لخطوات نتنياهو وتجاهل سلوكه القومي المتطرف الذي يسعى للمواجهة فان الرئيس الامريكي قام بتغيير الطريق وطلب بالفعل وقف الحرب. الرئيس الامريكي لم يكن عليه أن يكلف نفسه عناء الوقوف وتفسير المراحل في الطريق لوقف النار بين اسرائيل وحماس. وهذا يؤدي الى الزاوية الثالثة السياسية. فبعد مرور 24 ساعة على ادانة دونالد ترامب بـ 34 بند من بنود لائحة الاتهام، بايدن يقف كسياسي ويتحدث عن حل لمواجهة تستمر تقريبا منذ ثمانية اشهر. في موازاة ذلك هو يخلق صفقة تبادل: اذا كان من المهم جدا لنتنياهو القاء خطاب في الكونغرس، فليتفضل أولا ويقوم بانهاء الحرب. هذا مقابل ذلك.

​الخطة تشمل ثلاث مراحل متتالية على الجدول الزمني. المرحلة الاولى وقف لاطلاق النار لمدة ستة اسابيع، وتشمل انسحاب الجيش الاسرائيلي من المناطق المأهولة واطلاق سراح المخطوفين كبار السن والنساء في موازاة اطلاق سراح مئات المخربين والسجناء الفلسطينيين. ايضا لم تذكر النسبة بينهم. في المرحلة الثانية سيتم اطلاق سراح جميع المخطوفين الاحياء وسيتم الاعلان عن “وقف الاعمال العدائية”، وانسحاب اسرائيل من كل القطاع. مشكوك فيه اذا كانت حكومة نتنياهو اصدرت مثل هذه النسخة أو وافقت على هذه المرحلة. في احاطة لوسائل الاعلام فانه سواء الرئيس الامريكي أو “موظف رفيع في البيت الابيض”، لم تتم الاشارة الى الجسم الذي سيملأ الفراغ السياسي ويحكم في القطاع. المرحلة الثالثة هي اعمار القطاع، فترة تستمر 3 – 5 سنوات سيتم فيها اعمار القطاع بدعم امريكي واوروبي و”مؤسسات دولية”.

​في حالة وقف مؤقت لاطلاق النار فانه سيؤدي الى وقف الحرب بشكل كامل، شرح بايدن. وقد حان الوقت لفحص اذا كانت حماس، التي تطلب ذلك، ستوافق على ذلك. يبدو أن الرئيس يستخدم الضغط على حماس. عمليا، لا توجد لديه أداة ضغط كهذه، وعبء الاثبات ملقى بالفعل على اسرائيل.

​في التطرق بالاساس الى وقف اطلاق النار، الذي يعني الانهاء الفعلي للحرب، فان بايدن عزل عامل واحد في الخطة الكبيرة التي عرضها في السابق، في نهاية كانون الثاني، والتي عرضها مرة اخرى في شهر شباط وشهر آذار. نفس هذه الخطة حصلت على لقب “عقيدة بايدن“. هو بشكل متعمد لم يتطرق الى مسألة “من سيحكم غزة؟” بعد انتهاء المرحلة الثانية والثالثة، وهو لم يتطرق الى أي عملية سياسية بين اسرائيل والفلسطينيين مستقبلا، ولم يربط العملية بالتطبيع بين اسرائيل وبين السعودية وقطر، ولم يتحدث عن حلف دفاع اقليمي أو عن “محور استقرار” مناويء لايران. ولكن رغم الجزئية إلا أنه عرض وفصل خطة، اطار ورؤية، سيتعين على اسرائيل أن تتعامل معها.

​سواء كانت هذه خطة اسرائيلية أو تحليل واسع لبايدن لافكار اسرائيل، فان بايدن يعرض خطة واضحة مع اهداف قابلة للتحقق، ويتعهد بدعم امريكا ورعايتها لكل مرحلة. هذا اكثر بكثير مما عمل نتنياهو على عدم عرضه بالضبط خلال ثمانية اشهر، في الوقت الذي يستخف فيه بشكل فظ بالاقتراحات التي جاءت من واشنطن. الذكاء السياسي في اعلان بايدن هو الامتناع عن التحدث عن “الدولة الفلسطينية” والعودة الى ذكر الدعم الامريكي لـ “حل الدولتين” كنتيجة مرغوب فيها للعملية السياسية، التي هي في افضل الحالات غير موجودة، ومشكوك فيه أن تكون موجودة طالما أن حكومة نتنياهو موجودة. هذه خطوة متطورة لأنها تنكر بذلك على نتنياهو صراخ الانكسار وغضبه المقدس على العالم المعادي وامريكا المتوحشة، الذين يحاولون أن يفرضوا عليه الدولة الفلسطينية.

​من جهة اخرى، عدم حكمة بايدن واضح أكثر. فهو مرة اخرى يقرأ بشكل معيب وخاطيء نتنياهو. وهو مرة اخرى استسلم لألاعيبه وتحايله من اجل كسب الوقت. وهو مرة اخرى تجاهل سياسة نتنياهو المتعمدة للتشاجر مع امريكا. وهو مرة اخرى حلل بشكل غير صحيح الهدف الاسمى لنتنياهو: كسب الوقت حتى شهر ايلول القادم، في الوقت الذي تكون فيه الولايات المتحدة في فترة الانتخابات للرئاسة وانتخابات مجلس الشيوخ ومجلس النواب. بايدن لا يدرك أن هدف نتنياهو من ظهوره في الكونغرس هو اضعافه قبل الانتخابات من خلال تحسين مكانته في اسرائيل.

​من المرجح أن خطاب بايدن سيستدعي الرثاء والعواء والتهديد والصخب من قبل المسيحانيين في الائتلاف. نتنياهو، أو “جهة سياسية رفيعة، كما سمى نفسه بتحبب”، سيوضح على الفور اقوال بايدن ويضعها في سياقها الصحيح ويؤكد على النقاط التي لم يتم طرحها في نفس الوقت في بيان الرئيس، مثل هذه فقط افكار. توجد لنا شروط، لن نتراجع عن النصر المطلق، بايدن لم يفهم، شخص ما فسر الامر بشكل غير صحيح، سنواصل حتى النهاية، نحن على بعد خطوة، سندمر حماس، لن نتوقف، بايدن يعطي هدية لحماس. في مثل هذه الظروف فانه يحتمل أن ترفض حماس الخطة، ونتنياهو سيصرخ وبحق “نحن اقترحنا”، وبايدن سيضطر الى التفكير في الخطاب القادم.

——————————————–

هآرتس 2/6/2024

عندما يقول نتنياهو “لا” لبايدن

بقلم: جدعون ليفي

عندما سيقول نتنياهو “لا” لاقتراح الرئيس الامريكي، الذي عرضه مساء يوم الجمعة، فانه في الحقيقة وكأنه يقول إن “اسرائيل، وليس فقط المحكمة الدولية في لاهاي، يجب عليها الاعلان عنه كمجرم حرب”. الرد السلبي على اقتراح الرئيس الامريكي، وهو الاقتراح الافضل الموجود واحتمالية الانقاذ الاخيرة، هو جريمة حرب. في قول “لا” لبايدن فان نتنياهو يقول نعم للمزيد من سفك دماء، عديم الجدوى، الجنود الاسرائيليين، وأكثر من ذلك سفك دماء الغزيين؛ نعم لموت آخر مخطوف في الأسر؛ نعم للابادة الجماعية؛ نعم للحرب في الشمال؛ نعم للاعلان عن اسرائيل كدولة منبوذة. اذا قال نتنياهو “لا” لبايدن، ولا يوجد تأكيد اكثر من ذلك، فهو سيقول نعم لكل ما ذكر أعلاه. من يقول نعم لكل ذلك يجب أن تتم ادانته كمجرم حرب في بلاده، إلا اذا كان جميع من فيها مجرمي حرب.

​بين عشية السبت ومنتهى السبت كان يمكن تسلية النفس بوهم أن نتنياهو سيقول نعم والحرب ستنتهي. اقتراح الرئيس الامريكي، الذي يبدو أنه اقتراح نتنياهو، كان يمكن التفكير بخطة سياسية متزنة من اجل خروج اسرائيل والفلسطينيين من منطقة الكارثة؛ لن تكون هناك أي خطة افضل منها. وقد بشرت هذه بأنها الفرصة الاخيرة لاسرائيل للخروج من هذه الحرب بأقل الاضرار.

​كل يوم سبت يوجد له منتهى. وعندها يخرج الكبار الذين يدعون الى الحرب من مخابئهم. في اختياره عرض خطته في وقت الذروة في اسرائيل العلمانية، عشية السبت، فقد منحنا بايدن لحظة من الأمل، التي انتهت كما بدأت، مع لمعان الكواكب الثلاثة في اسرائيل، كواكب منتهى السبت التي بشرت باستمرار الحرب.

​بايدن توجد له نية حسنة. اسرائيل توجد لها نية شريرة. بايدن يريد السلام واسرائيل تريد الحرب. وحتى أن حماس تريد السلام الآن أكثر من اسرائيل. خلال اشهر الحرب رفضت التصديق بأن مصير نتنياهو السياسي وحده هو الذي يحركه.

​لقد كانت لنتنياهو الذي عرفته، كما اعتقد، اعتبارات اخرى. وبقوله “لا” لبايدن فانه يمحو ما بقي من ارث رجل الدولة الذي تقنع به، هذا اذا بقي شيء كهذا. ارث الاعتدال النسبي، بالاساس ما آمنا به منذ سنوات: أنه بتفعيل الجيش وشن الحرب هو الاكثر حذرا وقياسا لخطواته اكثرمن بين رؤساء الوزراء السابقين في اسرائيل.

​حرب 7 اكتوبر من بدايتها حطمت هذا الايمان. استمرار الحرب الآن سينهي هذا الايمان. استمرار الحرب ليس فقط يعزز التشكيك في نوايا نتنياهو، بل ايضا يعزز التشكيك في شركائه ومن يبتزونه في اليمين. الابادة الجماعية، هذا ما يريدونه. لا توجد طريقة اخرى لوصف شهوة الانتقام والتعطش للدماء، التي لن تعرف الشبع في أي يوم.

​لكن لا يجب انتظار ما سيقولونه. المنشورات التي وزعها الجيش الاسرائيلي أمس في بيت حانون، والتي تطلب من النازحين الذين عادوا الى بيوتهم المدمرة بإعادة اخلائها، هي الرد الحقيقي لاسرائيل على خطة انهاء الحرب للرئيس الامريكي. وهي ايضا تجسد شكل الحرب من الآن فصاعدا: دورات لانهائية من القتل والدمار. بعد رفح سنعود الى البداية، الى الشمال، مثل لعبة المونوبول، ولكن بوحشية. ومن هناك مرة اخرى الى رفح في الجنوب، عبر انقاض جباليا، ثم العودة مرة اخرى، في الوحل الغارق بالدماء.

​إن مطابع الجيش الاسرائيلي لن تتوقف عن طبع المنشورات، وما تبقى من النازحين الفلسطينيين سيتم نقلهم مثل نقل الابقار الى المسلخ، الى حين أن لا يبقى في غزة حجر فوق حجر، أو غصن يمكن جمعه، “مكان لا يوجد فيه خبز أو نار أو ماء/ يوجد فيه فقط رماد” (موشيه تيبنكين).

​بايدن اراد وضع حد لكل ذلك. فهو يريد ذلك منذ زمن. هو يريد ولكنه لا يفعل أي شيء. الخطة التي عرضها أول أمس كان يجب أن يضيف اليها جملة واحدة حازمة: اذا قالت اسرائيل “لا” للخطة فان الولايات المتحدة ستوقف على الفور تزويدها بالسلاح، من الغد. فقط هكذا كان يمكن أن يضع حد للكابوس الذي لا توجد له حتى الآن نهاية.

——————————————–

هآرتس 2/6/2024

الدمار والقتل والجوع في غزة هي هزيمة اسرائيل

بقلم: عميره هاس

​اسرائيل هُزمت وتُهزم، ليس بسبب دخولنا الى الشهر التاسع لهذه الحرب الملعونة، لم يتم تفكيك حماس. لذلك فان الهزيمة سترفرف الى الأبد الى جانب الشمعدان والعلم، لأن زعماء وقادة وجنود اسرائيل قتلوا واصابوا عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين وزرعوا الدمار غير المسبوق في قطاع غزة. لأن سلاح الجو القى بشكل متعمد قنابل على بيوت مليئة بالاطفال والنساء والشيوخ. لأنهم في اسرائيل يؤمنون بأنه لا توجد طريقة اخرى. لأن عائلات كاملة أبيدت.

​دولة اليهود هزمت لأن سياسييها وموظفيها يقومون بتجويع وتعطيش 2.3 مليون شخص، ولأن الامراض الجلدية والالتهابات المعدية في الامعاء انتشرت في القطاع. الديمقراطية الوحيدة في الغابة هزمت لأن جيشها عاد وطرد، وبعد ذلك يجمع مئات آلاف الفلسطينيين في منطقة آخذة في الضيق، واطلقوا عليها منطقة انسانية آمنة، وعندها يقوم بقصفهم. لأن آلاف المعوقين والاطفال الذين ليس لهم مرافقين بالغين، محشورين ويعانون بصورة مضاعفة في هذه المنطقة الانسانية المقصوفة.

​لأن اكوام القمامة آخذة في التراكم هناك، والطريقة الوحيدة للتخلص منها هي احراقها بطريقة غير صحيحة والتسبب بالتسمم. لأن مياه المجاري تتدفق في الشوارع واسراب الذباب تحجب الرؤية. لأنه مع انتهاء الحرب سيعود الناس الى الانقاض المملوءة ببقايا الذخيرة التي لم تنفجر، والارض ستبقى ملوثة بمواد ساحة خطيرة. لأن آلاف، اذا لم يكن أكثر، سيصابون بأمراض مزمنة تؤدي الى الشلل والوفاة بسبب نفس الملوثات والسموم.

​لأن كثير من الطواقم الطبية الشجاعة والمخلصة في القطاع، اطباء، ممرضون، سيارات الاسعاف والطواقم الطبية، وحتى من يؤيدون حماس ومن يحصلون على الرواتب، قتلوا في عمليات القصف. لأن الاطفال والطلاب سيفقدون سنوات دراسية ثمينة. لأن الكتب والارشيفات العامة والشخصية احترقت. لأن كتابات يد لقصص وابحاث فقدت ولوحات اصلية لفناني غزة دفنت واتلفت. لأننا لا نعرف ما الذي ستحدثه الاضرار النفسية لهؤلاء الملايين.

​الهزيمة الى الأبد هي في الواقع الحقيقة التي اوقعتها الدولة التي تعتبر نفسها وريثة ضحايا ابادة الشعب التي اوقعتها المانيا النازية وتسببت بجهنم هذه لتسعة اشهر وما زال الحبل على الجرار. الفشل البنيوي ليس من مجرد حقيقة أن هذا التعريف الصق باسم اسرائيل في الدعوى المدوية التي قدمتها جنوب افريقيا لمحكمة العدل الدولية، بل الفشل يكمن في تصميم غالبية المواطنين في اسرائيل على عدم سماع جرس التحذير الموجود في هذه الدعوى. فقد استمروا في تأييد الحرب حتى بعد تقديم الدعوى في نهاية كانون الاول، وهكذا سمحوا للتحذير بالتحول الى رؤية ما سيحدث والتشكيك في أن يمحى بأدلة وشهادات متراكمة اخرى.

​السقوط هو ليس لعالمية اسرائيل التي اوجدتها كتائب من رجال القانون الذين وجدوا التوازن في كل قنبلة تقتل الاطفال. هم الذين يقدمون الدرع الواقي للقادة، في الواقع الشعار المتكرر “اسرائيل تحترم القانون الدولي وتحرص على عدم المس بالمدنيين”، كلما صدر أمر بطرد السكان وتجميعهم في منطقة صغيرة. قوافل النازحين سيرا على الاقدام أو على عربات أو شاحنات، تتفجر من كثرة ركابها وبسبب الفرشات وكراسي العجلات التي يجلس عليها كبار السن والمعوقين، هي شهادة الرسوب لجهاز التعليم وكليات الحقوق والتاريخ في اسرائيل. الهزيمة هي للغة العبرية: الطرد هو “اخلاء”. الاقتحام العسكري القاتل هو “عملية”. قصف – تسوية بالارض لاحياء كاملة هي “عمل جيد لجنودنا”.

​الوحدة الاسرائيلية هي سبب آخر ودليل على الهزيمة، هي ايضا صفتها المميزة: غالبية الجمهور اليهودي – الاسرائيلي، بما في ذلك معارضي معسكر بنيامين نتنياهو، كانت أسيرة لسحر الحرب الشاملة كرد على المذبحة في 7 تشرين الاول. دون تعلم الدروس من الحروب السابقة بشكل عام، وضد الفلسطينيين بشكل خاص. نعم. مذابح حماس فظيعة، معاناة المخطوفين وعائلاتهم تفوق الكلمات. نعم. تحويل القطاع الى مخزن كبير للسلاح والذخيرة الجاهزة للتشغيل، مع محاكاة ونسخ النموذج الاسرائيلي، هي امور تثير الغضب. ولكن معظم الجمهور اليهودي سمح لغريزة الثأر باعمائه. عدم الرغبة في الاستماع والمعرفة من اجل تجنب الاخطاء هو في جينات الهزيمة. القادة لدينا الذين يعرفون كل شيء لم يستمعوا للمراقبات، لكنهم بالاساس لم يستمعوا للفلسطينيين خلال عشرات السنين، الذين حذروا من أن هذا لا يمكن أن يستمر. بذور الهزيمة تم دفنها ايضا في مجرد انكار المتظاهرين ضد الانقلاب النظامي للحقيقة الرئيسية التي تقول بأنه لا توجد أي احتمالية لأن نكون دولة ديمقراطية بدون انهاء الاحتلال، وأن من قاموا بالانقلاب هم الذين يطمحون الى “هزيمة الفلسطينيين”. بعون الله. الفشل كتب حينئذ، في الايام الاولى حيث أن كل من تجرأ على المطالبة بالانتباه لهذه العلاقة تمت ادانته كخائن أو كمؤيد لحماس. الخونة يخرجون الوطنيين الحقيقيين، لكن الهزيمة هي ايضا هزيمتنا.

——————انتهت النشرة—————-