بالصور القدس في عام.. تحولات خطيرة وواقع سياسي جديد

المسار الحباري: حرب عدوانية شاملة أعلنها الاحتلال الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى المبارك، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، وهجمة غير مسبوقة طالت كافة مكونات المدينة المقدسة، لتؤسس لحملة إسرائيلية مسعورة نحو تغيير المشهد العربي الأصيل للمدينة.

وبدت ملامح الحرب الإسرائيلية، في تصاعد عمليات القتل والاعتقال والهدم والإبعاد، عدا عن مضاعفة عمليات اقتحام المسجد الأقصى، وزيادة التحريض على حرقه وهدمه، مقابل الترويج لبناء لما يسمى “الهيكل” المزعوم على أنقاضه.

ولم تقف الانتهاكات الإسرائيلية عند ذلك، فالمقدسيون خاضوا منذ السابع من أكتوبر مواجهة ضد صهر الوعي الوطني للأجيال المقدسية، ومحاولات الاحتلال شطب الهوية العربية الإسلامية المسيحية لأهل القدس، مقابل مشهد يهودي مصطنع طارئ على المدينة.

وضمن تغطيتها الخاصة للذكرى السنوية الأولى لمعركة “طوفان الأقصى”، تستعرض “وكالة سند للأنباء” تفاصيل حول واقع القدس وانتهاكات الاحتلال ضدها، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول الفائت وحتى اليوم.

أعداد الشهداء..

قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر 68 فلسطينيا في القدس وضواحيها، فيما تزال تحتجز جثامين 43 شهيدًا، في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام.

ومن بين الشهداء 16 طفلا، إلى جانب السائح التركي حسن سكالانان (34 عامًا) الذي ارتقى برصاص قوات الاحتلال، بعد تنفيذه عملية طعن، في منطقة باب الساهرة بالقدس المحتلة، واحتجز الاحتلال جثمانه.

فيما أشارت إحصائيات محافظة القدس، معززة بأرقام هيئات حقوقية مقدسية، إلى اعتقال نحو 1860 فلسطينيا من القدس وضواحيها منذ السابع من أكتوبر، من بينهم 140 طفلا، و100 سيدة مقدسية.

وفرضت محاكم الاحتلال بحق المعتقلين قرارات مجحفة، تعددت بين إصدار أحكام بالسجن الفعلي، وفرض الحبس المنزلي، إضافة إلى قرارات إبعاد وغرامات مالية باهظة طالت المئات.

كما أصدرت بحق بعض المعتقلين قرارات منع سفر، إلى جانب تمديد اعتقال عدد كبير من المعتقلين لأشهر طويلة، وربما لسنوات دون توجيه تهم واضحة بحقهم.

اقتحامات الأقصى والمخاطر حوله..

سجلت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، عبر سلسلة تقارير دورية، يومية وشهرية ونصف سنوية، اقتحام أكثر من 50 ألف مستوطن يهودي، باحات المسجد الأقصى المبارك، على مدار عام من الحرب.

وتعمد المستوطنون خلال الاقتحامات أداء صلوات توراتية بشكل جماعي، وغنوا ورقصوا وأدوا طقس “السجود الملحمي” بشكل جماعي شبه يومي في ساحات الأقصى، وأدّوا الصلوات للأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية والجنود القتلى، وارتدوا الأزياء التنكرية خلال اقتحامهم المسجد في أيام ما يسمى عيد “المساخر” في نيسان/ ابريل الماضي.

في المقابل، ضيّقت قوات الاحتلال على المصلّين خلال أيام الجمع، وواصلت فرض تقييدات على حرية العبادة ودخول المصلّين إلى الأقصى، ونصبت الحواجز على أبواب المسجد وعلى مداخل وطرقات البلدة القديمة وأحيائها.

وبرزت خطورة الاقتحامات خلال آب/ أغسطس الماضي، ففي 13 آب، والذي تزامن مع ما تسمى ذكرى “خراب الهيكل”، اقتحم 2958 مستوطنًا المسجد الأقصى.

وشارك في الاقتحامات وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير النقب والجليل يتسحاق فاسرولاف، وعضو الكنيست عميت هيلفي، وشاركوا بالصلوات الجماعية والعلنية في الأقصى، وسط ترديد نشيد “شعب إسرائيل حي”، ورفع الأعلام الإسرائيلية.

وفي حينه، صرّح المتطرف “ابن غفير” عن نيته إقامة كنيس يهودي داخل المسجد المبارك، وتنفيذ سياسة تسمح بالصلاة لليهود في المسجد الأقصى بشكل متساو مع المسلمين ودون قيود.

في حين تفاخر عضو الكنيست الأسبق موشيه فيجلين، بتأديته صلاة كاملة في المسجد الأقصى وللمرة الأولى منذ 30 عامًا، واعتبره “تغييرا كبيرا” في طريقة اقتحامات المستوطنين للأقصى.

كما أعلن وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو نيته تخصيص مبلغ مليوني شيكل؛ من أجل تنظيم اقتحامات المستوطنين وإرفاقها بمرشدين يسعون لربط تاريخ الأقصى بـ “الرواية التوراتية” المزعومة حول المسجد.

ويرى مراقبون أنّ حكومة الاحتلال تسعى من خلال هذا القرار إلى فرض مزاعم أنّ المسجد الأقصى جزء من “أرض إسرائيل التاريخية” وبسط سيادتها الكاملة عليه؛ بما يُشكل تغييرًا للواقع القائم في المسجد.

يترافق ذلك مع سعي حثيث من جماعات الهيكل المزعوم، لتحويل الاقتحامات الاستفزازية والطقوس التلمودية العلنية في باحاته لروتين يومي، وصولًا إلى هدفهم المنشود بتخصيص مكان لـ “صلاة اليهود” داخل المسجد ثم تهوديه كاملًا والسيطرة عليه.

وفي سبتمبر/ أيلول 2024، انطلق العمل في مشروع المصعد الكهربائي “مصعد كوتيل” على بعد 200 متر من حائط البراق، الجدار الغربي للمسجد الأقصى، لتسهيل وصول اليهود الذين يعانون من إعاقات حركية إلى ساحة البراق، وبالتالي تسهيل اقتحام الأقصى لمن يرغب بذلك منهم.

وتبلغ تكلفة المشروع 55 مليون شيكل ويشمل بالإضافة إلى المصعد، ممرات تحت الأرض وشارعًا يضم حوانيت تجارية وغرفًا وقاعات في طابق علوي سيُضاف لاحقًا.

عمليات الهدم..

وفي ملف الهدم منذ السابع من أكتوبر في محافظة القدس، فقد بلغت 351 عملية هدم، بما فيها عمليات الهدم الذاتي القسري، لتجنب غرامات تفرضها البلدية الإسرائيلية إن نفذت هي عملية الهدم.

وتذرع الاحتلال بهدم المنازل في القدس وضواحيها بدعوى إقامتها دون ترخيص، رغم ندرة منح موافقة على التراخيص اللازمة لبناء منازل المقدسيين، ضمن سياسة انتقام جماعية بدعم وتسهيل رسمي حيث جرى زيادة ميزانية قسم التفتيش والهدم في بلدية الاحتلال بالقدس بقيمة 3 ملاين شيكل خلال الأشهر الماضية.

وقال الباحث والمختص في شؤون القدس فخري أبو دياب، أنّ حكومة الاحتلال المتطرفة استغلت انشغال العالم بحرب الإبادة في غزة، وقامت بتصعيد عمليات الهدم في القدس على مدار عام كامل، حيث أصبح الحسم الديمغرافي في المدينة أولوية إسرائيلية.

استهدافات شخصيات مقدسية..

وعدا عن كل ما سبق، شهدت القدس عمليات استهداف ممنهجة للشخصيات الوطنية والدينية، عبر الاعتقال أو الإبعاد عن المدينة والتضييق عليها ومنعها من السفر.

واستهدفت سلطات الاحتلال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، إذ طالب وزير داخلية الاحتلال “موشيه أربيل” بسحب الإقامة المقدسية من الشيخ صبري، كما طالب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير شرطة الاحتلال بالتحقيق مع الشيخ صبري، واعتقلته وأفرجت عنه بشرط إبعاده عن المسجد الأقصى.

ورأى رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، أن جرائم الاحتلال بحق القدس المحتلة ومسجدها الأقصى، ما هي إلا امتداد للسياسة الهمجية والإجرامية التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وكافة مدن الضفة الغربية.

واعتبر الهدمي، في حديث له  أن” حكومة الاحتلال تعمل على خلط الأوراق وتفجير الأوضاع من خلال استمرار الحرب على غزة، ومخططات السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى”.

وأضاف أن الأحزاب الدينية الصهيونية تريد أن تستغل هذا الواقع، من أجل مزيد من التقدم باتجاه هدفها ببناء هيكلهم المزعوم مكان المسجد الأقصى.

لكن الهدمي استدرك بالقول، إن الاحتلال يضع في حساباته تفجر الأوضاع في القدس باية لحظة، نتيجة تغلغل المقدسيين مع المحتل في مختلف التفاصيل، وخشيته من “الذئاب المنفردة” التي تنتفض دون موعد لتضرب الاحتلال وتوجعه.

من جانبه قال المحلل السياسي راسم عبيدات، إنّ الاحتلال منذ السابع من اكتوبر، شن حربا شاملة على القدس، في كل مناحي الحياة، وعلى كل المستويات وحاول بسط السيطرة على كل مرافق القدس ومكوناتها.

وبين عبيدات أن أخطر ما فعله الاحتلال محاولة إخراج الأقصى من القدسية الإسلامية الخالصة إلى قدسية مشتركة، عبر سياسة الإحلال الديني، لافتًا أن الهدف الإسرائيلي تحويل المشهد في المدينة إلى مشهد يهودي مصطنع، ثم تحويل الأقصى لمكان يهودي مقدس.

وتابع أنّ أمّارات ذلك ظاهرة في تصريحات “بن غفير” و “الياهو” وغيرهم من المتطرفين، ونشر مقطع مصور يظهر احتراق المسجد الأقصى، محذرًا من تداعيات ومخاطر اقتحامات المستوطنين خلال موسم الأعياد اليهودية الحالي والذي سيكون الأشد على المسجد المبارك.

وطالت الهجمة الإسرائيلية المتصاعدة على القدس قطاع التعليم، حيث هددت بلدية الاحتلال أكثر من مرة بإجراء جولات مفاجئة على مدارس المدينة للتأكد من أنّ إدارتها وزعت المنهاج المحرّف في محاولة لتشويه واختراق وعي الأجيال عن تاريخها وحاضرها، وغرس ثقافة غريبة في عقولها؛ وفق عبيدات.