
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معاريف 10/3/2025
الفرصة اللبنانية
بقلم: ميخائيل هراري
التطورات في لبنان تبعث على الدوار وتحمل إمكانية دفينة إيجابية، لم تشهد الدولة لها مثيل لسنوات طويلة. هذه التطورات شقت الطريق لانتخاب رئيس جديد وإقامة حكومة جديدة ليست متعلقة بفيتو من جانب حزب الله مثلما كان حتى الان. الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام اطلقا في الأيام الأخيرة رسائل لم نسمع مثلها من قبل. فقد أوضح سلام في خطابه في البرلمان: “نحن نريد دولة قرار الحرب والسلم في يدها، ولا تنتهج عقلية هجومية بل دفاعية”، وأضاف: “سنعمل على تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الى الحدود الدولية التي تقررت في اتفاقات الهدنة في 1949”. وتبعه الرئيس وفي مقابلة واسعة لصحيفة “الشرق الأوسط” شدد قائلا: “قرارات الحرب والسلم ليست بيد الدولة. لن نسمح لاحد بان يقوم بهذه الوظيفة”.
قبل بضعة أيام من ذلك جرت جنازة حسن نصرالله، بعد خمسة اشهر من مقتله. كان يمكن أن نرى فيها انهاء فصل تاريخي في تاريخ المنظمة. مقال نشر في مجلة New Line Magazine بقلم شيعي جسد بشكل مشوق الإحساس بالطائفة الشيعية التي اسماها “كاثوليك العالم الإسلامي”. وصف الكاتب كيف أخذته امه في 1997 حين كان طفلا لمشاهدة زيارة البابا الى لبنان، مثابة تشبيه مع جنازة نصرالله. “قديس” الطائفة الشيعية. وتناول علنا ضعف المنظمة التي فقدت قيادتها وقوتها العسكرية وببعض الاستخفاف بالقيادة الجديدة.
من ناحية إسرائيل، يدور الحديث عن بداية مسير ارادتها منذ سنوات طويلة. قوات الجيش الإسرائيلي انسحبت من لبنان وفقا لاتفاق وقف النار، باستثناء خمس نقاط قرب الحدود. الحذر وعلامات الاستفهام في القدس بشأن قدرة حكومة لبنان على التنفيذ الكامل لقرار 1701، ونزع سلاح حزب الله مفهومة. مع ذلك، فان الرئيس ورئيس الوزراء في لبنان يشخصان لحظة مناسبة ولا يخفيان نيتهما لاستغلالها واستعادة خيوط السيطرة الى ايديهما. وهما يتمتعان بدعم هام من جانب لاعبين خارجيين كالولايات المتحدة، فرنسا والسعودية، ومن جانب الجمهور الغفير الذي ملت نفسه الازمة الاقتصادية الخطيرة ومشاركة لبنان في حروب ليست لها.
ان السياسة الإسرائيلية الواجبة يجب أن تبدي نضجا، طول نفس بل واخذ مخاطر محسوبة، لا تمس بالجهود اللبنانية لاستقرار الدولة. صحيح ان ولاية الحكومة قصيرة جدا، نحو سنة، حتى الانتخابات للبرلمان في 2026، لكن ولاية الرئيس تستمر ست سنوات. الظروف اللبنانية الداخلية والإقليمية توفر مجال مناورة وعمل، وان كان ليس محدودا، للحكم اللبناني. المصاعب كثيرة، لكن هذه إمكانية كامنة هائلة ملزمة إسرائيل بان تسمح باستنفادها. جدير هو الامتناع عن خطوات تحرج الحكم الجديد او الجمهور اللبناني – طيران سلاح الجو في اثناء جنازة نصرالله مثلا لم يكن ضروريا لاجل التذكير بالتفوق العسكري لإسرائيل. الإنجاز العسكري وفر فرصة لانجاز سياسي، خسارة تفويتها.
—————————————-
هآرتس 10/3/2025
ترامب سئم من مماطلة نتنياهو وقرر استبعاده من المفاوضات
بقلم: حاييم لفنسون
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سئم من مماطلة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في المفاوضات لعقد صفقة مع حماس. في البداية هو ومساعدوه استبعدوا حكومة إسرائيل من المفاوضات وتحدثوا مباشرة مع حماس. الآن هم يحاولون التخلص من الوسيط حتى في القناة الداخلية الإسرائيلية، والتحدث مباشرة الى الشعب. المبعوث الخاص لترامب لشؤون المخطوفين، آدم بهلر، طرح مساء أمس على الجمهور في إسرائيل الصورة التي يرفض نتنياهو عرضها – تم تحقيق تقدم في المفاوضات وهناك مخطوفون سيعودون الى البيت. “أنا أقول لمواطني إسرائيل، لا يجب أن تخافوا من أن ينساكم الرئيس الأمريكي”، قال بهلر في مقابلة مع “اخبار 12”. هكذا ببساطة هو قفز عن ماكنة الاعلام.
تصريح بهلر في “سي.ان.ان”، “نحن ولايات متحدة لامريكا ولسنا وكالة لإسرائيل”، يميز الأسلوب غير الدبلوماسي للإدارة الجديدة. تصريح مشابه لممثل في الإدارة السابقة كان سيهز الأرض في إسرائيل. ربما نحن تعودنا على إدارة ترامب، لكننا حتى الآن لم نستوعب. هذه هي بوصلة الولايات المتحدة للصفقات القريبة في الشرق الأوسط، ومن الجدير بنتنياهو أن ينقش هذه الجملة على ذراعه أو على الأقل تعليقها في مكتبه. الأمور سبق وكتبت هنا أكثر من مرة، ونحن سنكررها مرة أخرى – من ناحية ترامب هذا هو تسلسل الأمور: إعادة المخطوفين، انهاء الحرب، وبعد ذلك الصفقة الكبيرة مع السعودية.
حماس استوعبت الرسالة بمساعدة قطر (أو ربما قطر استوعبتها بمساعدة حماس). بهلر قال في مقابلات مع وسائل الاعلام الإسرائيلية بأنهم في حماس مستعدون لصفقة شاملة تشمل وقف اطلاق النار لخمس – عشر سنوات ونزع السلاح والتنازل عن الحكم في القطاع. هذه هي الصورة الكبيرة، حتى لو كان بتسلئيل سموتريتش أوضح اليوم في لوبي “ارض إسرائيل الكاملة” في الكنيست بأن وزارة الدفاع تعمل على إقامة إدارة لتشجيع الهجرة من غزة. مصدر مطلع على مضمون اللقاء بين ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، قال للصحيفة إنه عندما طرح رئيس الحكومة في محادثاته مع ترامب معارضة الحكومة لمواصلة الصفقة، أجاب الرئيس بأنه يجب عليه معرفة كيفية إدارة الائتلاف. مع كل الاحترام، ترامب لن يسمح لسموتريتش بتأخير تنفيذ خطته.
كل الجهود تصب في محادثات يوم الثلاثاء في الدوحة. في إسرائيل يتحدثون عن صفقة في يوم الثلاثاء أو الأربعاء، وأن هناك مخطوفون سيعودون يوم السبت أو الاحد. حتى لو كانت هذه الأفكار هي متفائلة قليلا فان التوجه نفسه واضح. اتباع رئيس الحكومة يحبون وصفه كمن يلعب الشطرنج مع الجميع. عمليا، في هذه الحالة نتنياهو لعب البوكر مع الجميع. القطريون جاءوا وحفروا له نفق تحت السور. الآن هو بدون حماية.
قطر من ناحيتها تأخذ لنفسها المكان الرئيسي على طاولة المفاوضات، وتزيح من هناك المصريين الذين تكرههم. في الدوحة كل شيء محسوب. رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، اجرى مقابلة مع الصحافي المحافظ جدا تاكر كارلسون، المقرب من ايلون ماسك. في خطوة مثيرة للاهتمام آل ثاني تحدث مباشرة الى اليمين الأمريكي العميق. البدلة الغربية التي كان يرتديها اثناء المقابلة مع “اخبار 12” استبدلها في هذه المرة بالعباءة والكوفية. آل ثاني استضاف مجري المقابلة في بيته الخاص، والمحادثة بينهما بدأت بأقوال متملقة قالها كارلسون عن القيم التي عمرها آلاف السنين في قطر. بعد ذلك جاء التباكي المشترك تجاه انتقاد الغرب للامارة.
فيما يتعلق بايران نقل آل ثاني رسائل للانفصاليين من نوع كارلسون. السلام افضل من الحرب. وقد اكثر من مدح ويتكوف في المقابلة، وأشار الى أنهما صديقين الى درجة أن آل ثاني شارك في حفل زفاف نجل ويتكوف قبل عشرة اشهر على الانتخابات الامريكية. “من ينتقده باعتباره أداة قطرية هم اشخاص لا يريدون صفقة”، شرح رئيس الحكومة القطرية. الرسالة واضحة: ويتكوف وآل ثاني يريان الصفقة بنفس المنظار. أيضا رون ديرمر الكبير، مبعوث نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية، لم ينجح في التفريق بينهما.
——————————————
إسرائيل اليوم 10/3/2025
سياسة ترامب ثابتة أم متقبلة؟
بقلم: البروفيسور آفي بار ايلي
الواقع الاستراتيجي الذي يعمل فيه ترامب هو بالتأكيد فوضوي بحد ذاته، وكذا خطواته في أوروبا وفي الشرق الأوسط تبدو للكثيرين متقلبة.
لكن عمليا، تنبع خطواته من منطق ليس جزءاً من النظام السياسي القديم، الذي انهار منذ زمن بعيد. يعزى لها التقلب، فقط لان الناس يحاولون أن يفهموها بتعابير النظام الذي انهار، وهذا الخطأ يعرقل فهم الثبات الذي في سياسته.
في وضع الاضطراب يميل الناس بالذات الى التمسك بما هو معروف، بما سبق الفوضى وبشكل عبثي، لكن مفهوم عاطفيا، لان يفسروا بواسطته الجديد، غير المسبوق – ليحللوا بواسطة “قواعد” قديمة وضعا لم تتضح قواعده بعد.
بمثل هذه الروح، فان محللين غير قليلين يفسرون بواسطة مفاهيم قديمة مناورات إدارة ترامب في أوروبا وفي الشرق الأوسط ويفوتون منطقها.
مثال واحد يوجد في الادعاء الذي يطرح ضد ترامب، بان تنكره لاوروبا يعرضها لتهديد روسي. هذا ادعاء غير محدث أصله في تهديد الشيوعية الروسية على أوروبا الغربية. لنضع جانبا الحق الذي في رغبة ترامب في الغاء طفيلية الأوروبيين التي تعيش في ظل الحماية العسكرية و (الاقتصادية) الأمريكي؛ وفي رغبته في احباط تطلع أوكرانيا لجر الولايات المتحدة الى حرب مباشرة ضد روسيا؛ وعندها، اذا ما نظرنا الى ما يسمى “التهديد الروسي”، سنرى ان روسيا فشلت بشكل ذريع في أوكرانيا. فقد انكشف جيشها في بؤسه. اكثر من ثلاث سنوات وهي ترسل الى الموت مئات الاف الجنود، فقدت عمليا اسطولها في البحر الأسود، مرتزقوها (مظهر آخر من الضعف) كادوا يقومون بانقلاب عسكري وهي “نجحت” في أن تحتل فقط قسما من المقاطعات الناطقة بالروسية في جنوب شرق أوكرانيا وتفقد إقليم كورسيك في روسيا.
روسيا لم تنجح في التغلب على دولة اصغر منها تعد اضعف منها بكثير. وبالتالي ثبت بان التهديد العسكري الروسي على أوروبا اقل دراماتيكيا مما اعتقدوا قبل الحرب. صحيح أنه انكشف أغراض الطغيان الروسي لكن في اطار ذلك أيضا انكشف، بضوء واضح ضعفها وبطنها الطرية في المنطقة غربي موسكو. صعوبة التمسك بتفسيرات قديمة إياها تميز المحاولة لفهم السياسة الامريكية في أوروبا وفي الشرق الأوسط وكأنها تنبع من رغبة في فك الارتباط عن المنطقتين لغرض التركيز على الصراع مع الصين.
لكن اذا كان الصراع بين الولايات المتحدة والصين يتعاظم بالفعل، فان أوروبا بالذات، وبخاصة الطرق اليها، تصبح اكثر أهمية. على هذه الخلفية يمكن أن نرى بانه يوجد ثبات في محاولات ترامب لانهاء الحرب في أوكرانيا في نوع من التعادل وكذا في رغبته في اخضاع ايران ووكيلها في غزة. هو يقترح على روسيا مساعدة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الابتعاد عن الصين وطمس فشلها في أوكرانيا من خلال تجميد الوضع القائم إذ ليس لها امل في النصر. وهو يسعى لان يثبت مصالح اقتصادية أمريكية في أوكرانيا تمنع مسبقا هجوما روسيا. حتى لو أجبرت أوكرانيا على الموافقة، ليس مؤكدا ان روسيا ستسلم بالتعادل الذي هو خسارة في الحرب علميا.
في مثل هذه الحالة يمكن للولايات المتحدة أن تترك الاثنتين تتقاتلا، وأوروبا تتعاظم عسكريا وتأخذ على عاتقها أساس عبء الدعم لاوكرانيا، لانه لا يوجد تهديد روسي عملي على الديمقراطيات الأوروبية. الساحتان في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط مرتبطتان، كما اسلفنا، وكما ألمح – في حقيقة أن المفاوضات الامريكية الروسية تجري في السعودية.
لكن سياسة الولايات المتحدة مختلفة في المنطقتين. هام لها ان تمنع تحول نووي إيراني وتمنع سيطرة صينية أو صينية إيرانية على محور التجارة بين الشرق الأقصى وبين أوروبا عبر الشرق الأوسط. دول الخليج، السعودية، الأردن وإسرائيل، بما في ذلك غزة هي جزء من هذا المحور. إسرائيل هامة، بفضل قوتها وموقعها. وعليه فان المصلحة الامريكية، في فهم ترامب، تستوجب انتصار إسرائيل في الحرب، أي اقتلاع حماس، هجرة الغزيين وتصفية النووي الإيراني. اما أوكرانيا بالمقابل فهي دولة فصل يسعى الامريكيون الى استقرارها بالتعادل وبالاتفاق للتنجيم على المعادن. حرب أوكرانيا تقف في طريق الولايات المتحدة. حرب إسرائيل تخدم مصالحها الحيوية.
——————————————
هآرتس 10/3/2025
الشرطة العسكرية تحقق باستخدام الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين كدروع بشرية في غزة
بقلم: ينيف كوفوفيش
الشرطة العسكرية تحقق في ست حالات أجبرت فيها قوات الجيش الإسرائيلي مواطنين غزيين على أن يكونوا دروع بشرية في عمليات عرضت حياتهم للخطر، خلافا للقانون الدولي. النيابة العسكرية أمرت بالتحقيق قبل بضعة أسابيع في اعقاب تقرير للصليب الأحمر من كانون الثاني، الذي تم تكريسه لهذه الظاهرة. في “هآرتس” نشر للمرة الأولى هذا الاجراء، الذي انتشر في اشهر الحرب، فرض مهمات عسكرية على الغزيين غير المشتبه فيهم بالقتال والذين يسمون “شواش” (خدم، عبيد). الآن يتبين أنه حتى بعد نشر التحقيق في شهر آب تراكمت شهادات حول استمرار استخدام المدنيين، وهي تواصلت حتى كانون الثاني، موعد نشر تقرير الصليب الأحمر.
في شهر آب قالوا في الجيش الإسرائيلي ردا على التحقيق بأنه يتم فحص الموضوع. ولكن التحقيق جرى فقط الآن بعد نشر التقرير والضغط من قبل منظمات ودول في الأشهر الأخيرة، من بينها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن والحكومة البريطانية، التي فحصت هذه الادعاءات. باستثناء الحالات الموثقة في تقرير الصليب الأحمر وشهادات أخرى وصلت الى الشرطة العسكرية فان التحقيق تناول أيضا احداث للجيش الإسرائيلي في ممر نيتساريم التي هي أيضا نشرت في “هآرتس”. من هذه الاحداث يثور الشك بأن قادة كبار في الجيش الإسرائيلي اتبعوا سياسة قتل لا تميز خلافا لقوانين الحرب وميثاق جنيف.
في تقرير الصليب الأحمر الذي نقل الى قائد المنطقة الجنوبية التارك، الجنرال يارون فنكلمان، تم احضار شهادات في التقرير لسكان من غزة طلب منهم استخدامهم كدروع بشرية، أحيانا بالتهديد بأنهم سيتضررون هم وعائلاتهم اذا لم يفعلوا ذلك. بعض الشهادات مدعومة بافلام فيديو وصور حول النشاطات التي طلب من السكان القيام بها. في تسع حالات على الأقل، بين كانون الأول 2023 وكانون الثاني 2025، قرر طاقم التحقيق أن الشهادات موثوقة. في تحقيق “هآرتس” شهد جنود من وحدات مشاة كثيرة بأنهم كانوا شهود على هذه لظاهرة، وفي التقرير قيل إن الوية الناحل، جفعاتي والكوماندو، هي المسؤولة عن معظم الحالات التي فحصت ووجد أنها موثوقة.
في كل الحالات ظهرت صورة مشابهة فيما يتعلق باستخدام المدنيين: الجيش الإسرائيلي قام باعتقالهم لفترة تتراوح بين أيام واسابيع، وتم اجبارهم بالتهديد على المشاركة في العمليات، وتعرضوا للتنكيل الجسدي والنفسي وتم اطلاق سراحهم وعادوا الى غزة. عدد من “الشواش” تم اعتقالهم بعد ذلك ونقلهم الى إسرائيل، آخرون تضرروا في هذه العمليات. حتى الآن من غير المعروف بشكل مؤكد اذا قتل أي أحد منهم. في البداية طلب من المواطنين احراق مبان سكنية، شقق ومخازن. أحيانا تم ارسالهم الى داخل المباني وهي ما تزال مشتعلة والتأكد من أن النار وصلت الى كل المبنى. واذا لم تكن قد انتشرت فان مهمتهم كانت اشعال المكان بالكامل.
استخدام الشواش ازداد مع إطالة الحرب. كلاب كثيرة في وحدة “عوكتس” قتلت، وكلاب أخرى فقدت القدرة العملياتية. جنود في الهندسة الحربية الذين تخصصوا في تفكيك العبوات الناسفة تم نقلهم الى لبنان؛ معدات الهندسة الثقيلة توقفت، وحدث نقص في السائقين المهنيين، كل ذلك استبدله المواطنون الذين اختيروا بصورة عشوائية وفرضت عليهم أيضا مهمة زرع المواد المتفجرة في المباني وفي مراكز حماس التي أراد الجيش تدميرها. أحيانا طلب من “الشواش” التأكد من أنه لا يوجد مخربون أو عبوات ناسفة في انفاق حماس، وفي بعض الحالات، حسب الشهادات، زرعوا مواد متفجرة لتفجير بنى تحتية في غزة، بدون حماية أو معرفة بالعبوات الناسفة.
أيضا تم ارسال المواطنين الى عيادات ومستشفيات ومنشآت إنسانية من اجل الإبلاغ عن مخربين يمكن أن يكونوا فيها. الجيش الإسرائيلي تعود على الباس الشواش الزي الرسمي للطواقم الطبية وادخالهم الى المؤسسات الصحية. “هآرتس” عرفت على الأقل أنه في حالة واحدة اطلقت النار على شاويش من قبل مخربين في مستشفى لأنهم قدروا أنه يتعاون مع الجيش. ولكن، كما قلنا، نحن لا نعرف ما هو مصيره. في حالات أخرى تم ارسال المواطنين لمهمات توثيق وتصوير قبل رسم خارطة للمباني المعدة للهدم. أحيانا هم كانوا المترجمين للجيش الإسرائيلي، ورافقوا القوات التي ترتدي الزي العسكري.
حسب اقوال كل الشواش الذين شهدوا على اعمال الجيش الإسرائيلي فان الجنود هددوهم هم وأبناء عائلاتهم اذا رفضوا التعاون. اثناء تواجدهم في الشقق تم تقييد أيديهم وارجلهم وعصب عيونهم. حسب تقرير الصليب الأحمر فقد تعرض المواطنون للعنف والاهانة، وحتى منع عنهم الغذاء والمياه. المحققون أشاروا الى حالة واحدة تم فيها اطلاق النار على مواطن في ظهره ولكنه لم يقتل، عندما رفض طلب الجنود الدخول الى منشأة تم الشك بأنها مفخخة ويتواجد فيها مسلحون.
ضباط كبار في جهاز الامن عرفوا عن هذه الظاهرة، وأيضا رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية والنيابة العسكرية. “في الجيش الإسرائيلي يعرفون أن الامر لا يتعلق بحادثة تحدث لمرة واحدة لقائد فصيل شاب وغبي، قرر على مسؤوليته أخذ أحد ما”، قال في شهر آب جندي أجريت معه مقابلة من اجل تحقيق “هآرتس”. “هذا حدث على الأقل بمعرفة قائد لواء”. الكثير من المقاتلين طلبوا تفسير لهذه الظاهرة. ولكن حسب قولهم القادة منعوا أي نقاش قيمي. “قالوا إن حياتنا هي أهم من حياتهم. في نهاية المطاف يفضل أن يبقى جنودنا على قيد الحياة، وهم الذين تتفجر بهم العبوة”، قال بعضهم.
في الشهادات ظهر في حينه من حذروا في الميدان من استخدام “الشواش”، قادة وجنود، تم اسكاتهم على الاغلب من قبل القيادة العليا وتم اعتبارهم يزعجون عملية القتال والحفاظ على القوات. أحد الجنود وصف في حينه استخدام فلسطينيين تم احضارهما الى الوحدة. “أحدهم كان في العشرينيات والثاني ابن 16″، قال. “قيل لنا استخدموهما كدروع بشرية”. آخر قال “لا تضربوهم كثيرا لأننا نحتاجهم كي يفتحوا لنا المواقع” (النقاط التي يجب على الجنود الوصول اليها، مثلا بيوت). وحسب قوله، عندما توجه أحد الجنود لسؤال القائد عن ذلك اجابه الأخير “هل أنت لا توافق على أن حياة اصدقاءك أهم من حياتهم؟”.
مؤخرا تحدث أحد الجنود في لواء نظامي للصحيفة عن حالة أخرى كان مشارك فيها لاستخدام شاويش في وحدته. الشواش في بعض الوحدات تتم تسميتهم “منصات”، هم مواطنون غزيون غير مشتبهم فيهم بأي شيء ولا يتم التحقيق معهم، ومن غير الواضح لنا كيف يتم اختيارهم. حسب قوله أحيانا يتم استخدامهم في هذا الدور لاسابيع ويتم نقلهم من وحدة الى أخرى. وهم ينامون في بيت الدرج في مبان لوحدات عسكرية، وعلى الاغلب يتم وضع حارس عليهم. هم يأكلون اذا رمى لهم أحد أي شيء. هم أيضا يخدمون القوات في حمل الأغراض الثقيلة. “هم يتعرضون للعنف بشكل دائم، بالتأكيد عندما يكونون جدد ويجب اخضاعهم. ولكن حتى عندما يكونون قدامى يتعرضون للعنف والاهانة، وفي مرات كثيرة كان ذلك يكون من الضباط، قال. “يمر ضابط في بيت الدرج ويضرب بخوذته على رؤوسهم بشكل عفوي. الجندي الذي سمع شيء أو ثارت اعصابه يمكنه ببساطة التقدم منهم وضربهم بحضور القادة في الميدان. تقريبا كل قوة تمتلك “شاويش” لديها.
الصليب الأحمر رفض الرد.
المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي قال: “الجيش الإسرائيلي يعمل وفقا للقانون الدولي وقيم الجيش. التعليمات في الجيش الإسرائيلي تمنع بوضوح استخدام الدروع البشرية أو اجبار اشخاص على المشاركة بطرق أخرى في مهمات عسكرية. الأوامر والتعليمات في هذا الموضوع تم توضيحها بصورة روتينية للجنود في الميدان اثناء الحرب. الادعاء بحدوث سلوك لا يتطابق مع التعليمات يتم فحصه. في عدد من الحالات تم فتح ملفات تحقيق في الشرطة العسكرية بعد أن ثار الشك باستخدام فلسطينيين في مهمات عسكرية اثناء القتال. التحقيق في هذه الحالات يجري، وبطبيعة الحال لا يمكن تفسيرها”.
——————————————-
معاريف 10/3/2025
في الجيش يرون ان حماس لم تهزم، والمناورة البرية اصبحت ضرورية، ولكن..!
بقلم: افي اشكنازي
يسافر الوفد الإسرائيلي هذا الصباح الى الدوحة في قطر في محاولة للدفع قدما بخطوة مرحلية. وتتجه النية الإسرائيلية الى التقدم في منحى النبضات وتخليص اكبر عدد ممكن من المخطوفين الاحياء. بالتوازي، يصعب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الان ان يحسم في انهاء الحرب بسبب موضوع الحفاظ على الائتلاف والخوف من أن يسقط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الحكومة.
تشير تقارير الجيش الى أن حماس، وعلى ما يبدو بتشجيع إيراني، تعمل على إعادة بناء منظوماتها التي تضررت. صحيح أنها بعيدة جدا عن الاقتراب من قدراتها في 7 أكتوبر، لكنها تعمل بنشاط في عدة اتجاهات. أولا، على المستوى التكتيكي يحاول رجالها خلق عائق ناري، يتضمن زرع عبوات ناسفة والغام في مناطق واسعة في ارجاء القطاع، بهدف تفعيلها عند مناورة الجيش الإسرائيلي في هذه المجالات.
في الأيام الأخيرة، بما في ذلك في حدث أمس لوحظ مخربون يزرعون عبوات ناسفة في عدة مواقع في الشجاعية، في شارع صلاح الدين في غزة وفي حي البرازيل في رفح. هاجم سلاح الجو زارعي العبوات وصفى بعضا منهم. بالتوازي، تنفذ حماس تجنيدا واسعا وتملأ الصفوف. ورافعتها على السكان هي بالطبع المساعدات الإنسانية. هي توزع الخبز والماء ويمكنها أن تجند من تريد.
الخطوة الهامة الأخيرة لحماس هي ترميم قدرة النار والانفاق. صحيح أن هذا ليس بمديات واسعة لكن هذا يحصل. حماس تظهر ثقة بالنفس في الميدان. فهي تحاول الاقتراب من القوات تحت رعاية وقف النار، ترصد القوات، تجمع المعلومات وتستعد.
يوجد الجيش الإسرائيلي الان في المنطقة في وضع مركب. هو في معركة دفاع في اطار وقف نار. هذا الخليط يلزم المقاتلين بان يكونوا متأهبين، يقظين وحادين. في الجيش يفهمون بان خطوة برية أخرى في غزة واجبة الواقع وبان حماس لم تهزم – هي لا تزال صاحبة السيادة في غزة ولا تزال تحوز جيش إرهاب لكن في نفس الوقت تقول محافل في الجيش الإسرائيلي، بان خطوة مناورة قبل إعادة المخطوفين لن تغير الوضع. بمعنى أن احتمال ان تحقق مثل هذه المناورة النتيجة المرغوب فيها لهزيمة حماس وتفكيكها، الى جانب تحرير المخطوفين في نهايتها، يوجد في شك كبير. الى كل هذا ينبغي أن يضاف الرأي العام والتفويض الجماهيري للخطوة في هذا الوقت. مع ذلك، لا يجلس الجيش الإسرائيلي صامتا. وقف النار يتيح له تنفيذ اعمال قوية في بناء القوة بما في ذلك الانتعاش، التأهيل للمقاتلين، التصليح وإعادة الاستخدام للاليات – وبالطبع التسلح. كما أن الأيام القريبة القادمة هي حرجة بالنسبة لمسألة المخطوفين وبالنسبة لمسألة العودة الى المناورة في غزة قريبا.
——————————————-
يديعوت احرونوت 10/3/2025
رئيس الأركان الذي أفشل مهمة عودة المخطوفين
بقلم: عيناب شيف
مع تسلمه مهام منصبه صرح رئيس الأركان بانه “يرى المخطوفين أمام ناظريه”. الفريق ايال زمير لم يقصد المزاح: حسب احد التقارير، فقد قرر ان يعلق في مكتبه صور المخطوفين في غزة. في اللقاء مع عائلات مخطوفين أيضا قال ان اعادتهم هي “واجبي الأسمى وهو في رأس اهتمامي. اذا ما أنهيت منصبي لا سمح الله دون أن اعيد الجميع – أكون فشلت في المهمة”.
لكن خطاب زمير المفعم بالعطف والالتزام في موضوع المخطوفين ثانوي مقارنة باقواله القاطعة في موضوع الحاجة “الى هزيمة حماس” من خلال “ضربة ساحقة”. وكما يمكن لنا أن نفهم من كل مقابلة صحفية منحها الناجون والناجيات من الاسر، فانه حتى ضربة لفظية كهذه وغيرها تترجم عمليا الى تعذيب وتنكيل، فيما أن هجمات الجيش الإسرائيلي كانت هي الامر الذي عرض للخطر المخطوفين اكثر من أي شيء آخر. وبعامة، فان صيغة “فقط الضغط العسكري يعيد المخطوفين” انكشفت المرة تلو الأخرى بعريها. زمير، الذي لم يكن على المريخ في هذا الزمن، بقي على حاله: حسب تحليل رون بن يشاي في هذه الصحيفة، فان رئيس الأركان لا يرى تضاربا بين تقويض حماس وإعادة كل المخطوفين. الهدفان يقفان لديه في رأس سلم الأولويات، وهو مقتنع بان ضغطا عسكريا قويا وسريعا جدا سيؤدي الى تسوية تحقق الهدفين”.
وبالفعل، هذا بالتأكيد إحساس لطيف ان يكون “مقتنعا” رغم أن الواقع اظهر المرة تلو الأخرى بان لا أساس لهذه القناعة. وعليه فلا غرو ان المخطوفين الذين عادوا والعائلات التي لا تزال تنتظر يبدون اقل قناعة بكثير: بعضهم اضطر لان يسافر حتى البيت الأبيض كي يطلب الرحمة على حياة مواطنين إسرائيليين، قيادة دولتهم مستعدة للتضحية بهم. في الإدارة الامريكية أيضا فهموا بان عليهم ان يهتموا بأنفسهم بمواطنيهم الذين علقوا في هذا الجحيم وهم يتحدثون مباشرة مع منظمة إرهابية نكراء. إضافة الى ذلك، فان إسرائيليين واسرائيليات قلقين اقاموا خيمة احتجاج خارج قاعدة الكريا. القاسم المشترك في كل هذا هو عدم ثقة تامة بفكر زمير الذي ينسجم تماما مع الرفض العنيد من جانب الحكومة ورئيسها للوصول الى اتفاق يعيد كل المخطوفين حتى بثمن انهاء الحرب.
بعامة، كما يعطي زمير الانطباع، فانه يبدأ ولايته مع عناق جارف لوعي “هذا وذاك”: استئناف الحرب بقوة زائدة وإعادة المخطوفين على حد سواء؛ تجنيد احتياط مكثف لغرض “هزيمة حماس” ونسب امتثال عالية رغم الشكوك تجاه نوايا الحكم، أيضا. التخوف على سلامة المخطوفين والتآكل الرهيب؛ وكذا فتح لواء دبابات جديد وفي نفس الوقت جيش ليس له من أين يجند المقاتلين. تحويل الخدمة النظامية الى كابوس على نمط روسيا، وكذا ايمان بان المجتمع الإسرائيلي سيندفع الى الابد مع التسوية المشوهة؛ “جيش الشعب” وكذا جيش يحرس مؤمنين على مدخل “قبر الحاخام ايشي” في لبنان، رغم أنه ليس مؤكدا على الاطلاق بان العبقري من عهد الاموريين هو المدفون هناك.
لكن “هذا وذاك” هو احد الأسباب التي جعلتنا نصل الى هذه اللحظة الرهيبة التي يضطر فيها ابطال وبطلات مثل ايلي شرعابي وليري الباغ بان يضعوا جانبا إعادة التأهيل الطويلة والمعقدة التي يحتاجونها جدا، كي يشرحوا للجمهور الغفير بانه لا يوجد “هذا وذاك”. وبدلا من أن يستغل زمير الاجماع الشاذ حوله كي يقول بنفسه الحقيقة دون رتوش ومواجهة التداعيات هو أيضا يسوق اوهاما وكأن بوسعه أن ينجح مع الصيغة الكاذبة إياها. وعليه، فاذا ما تبين مرة أخرى بان الضغط العسكري لا يعيد مخطوفين احياء فليس رئيس الاركان هو من يكون فشل في مهمته: بل سيكون من أفشلها.
——————————————-
يديعوت احرونوت 10/3/2025
المناورة الامريكية والضغط على حماس
بقلم: ايتمار آيخنر
عندما أزاح نتنياهو رئيس الموساد دادي برنياع ورئيس الشباك روني بار عن إدارة المفاوضات على صفقة المخطوفين واستبدلهما بمقربه رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية وعلل ذلك في أن ديرمر يفهم الأمريكيين بشكل أفضل. المقابلات الصحفية التي منحها أمس أدام بوهلر، مبعوث ترامب لشؤون المخطوفين، حطمت هذه الحجة.
في إسرائيل دهشوا من أنه من خلف ظهر إسرائيل، تسكع مبعوث ترامب على مدى أسابيع في الدوحة مع مسؤول حماس خليل الحية. حماس حصلت على ما كان يمكنها أن تحلم به في عهد بايدن: شرعية من ترامب. ديرمر أجرى مكالمة هاتفية صعبة مع بوهلر. فقد اعتقد ديرمر ان الأمريكيين وافقوا على تحرير عدد كبير جدا من المخربين وان هذا سيعطي الإشارة للاتصالات على المرحلة التالية. اما بوهلر فقد دهش لوقاحة ديرمر وتحدث عن ذلك مع جهات مختلفة.
يبدو أن لا ديرمر ولا نتنياهو يفهمان مع من يتعاملا. لترامب توجد خطة وهي ان يحظى بجائزة نوبل. بعد شهر ونصف يعتزم الوصول الى السعودية وحتى ذلك الحين هو ملزم بحل مسألة المخطوفين. جائزة نوبل هامة جدا للرئيس الأمريكي بحيث أنه اذا توصل الى الاستنتاج بان نتنياهو هو عائق فانه سيفعل له ما فعله بزلنسكي. في هذه الاثناء هو ليس هناك بعد. بوهلر عمل بإذن وصلاحيات من ترامب وبتنسيق كامل مع مبعوث الرئيس الى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. حاولت إسرائيل القيام بسياسة فرق تسد بين بوهلر وويتكوف ونزع الشرعية عن بوهلر وكأنه لم يكن تقدم في المحادثات التي اجراها ولم يتحقق اختراق. لكن هذا لم ينجح حقا. فقد كان بوهلر على تنسيق مئة في المئة مع ويتكوف إذ ان كل هدف الخطوة هو اعداد حماس للموافقة على منحاه الذي أساسه تحرير عشرة مخطوفين احياء – نحو نصف عموم المخطوفين الاحياء – وبينهم عيدان الكسندر، المواطن الأمريكي – وذلك مقابل 60 يوما من وقف النار واستئناف المساعدات الإنسانية. ويتكوف يريد أن في هذه الفترة الزمنية يبحث الطرفان بالمرحلة الثانية – تلك التي نتنياهو لا يريد حقا الوصول اليها – وعندها يتحرر باقي المخطوفين الاحياء والاموات.
في إسرائيل لم يحبوا ما قاله بوهلر في المقابلات، واساسا الطريقة التي صور بها زعماء حماس كجماعة لطفاء يمكن الجلوس معهم على فنجان قهوة. أما بوهلر فقد ادعى بان أقواله أخرجت عن سياقها. لكن من مقابلاته يتبين انه يعيش قليلا في فيلم ولا يعرف حقا الإسرائيليين. فقد ادعى بان زعماء حماس عرضوا عليه هدنة خمس حتى عشر سنوات مقابل تحرير كل السجناء. وادعى بان حماس ستوافق على نزع سلاحها والا تكون بعد الان مشاركة في السياسة في غزة. وقالت محافل في إسرائيل ان بوهلر “يعيش في فيلم” لانه لا يوجد أي احتمال لان توافق إسرائيل على هدنة مع حماس بعد 7 أكتوبر. في محادثاته طرح بوهلر طلبا أمريكيا لتحرير عيدان الكسندر وأربعة جثامين أمريكية أخرى. اما حماس فطرحت مطالب مبالغ فيها والمحادثات فشلت. ولكن بوهلر اعترف بان طلب تحرير المخطوفين الأمريكيين كان مثابة ذريعة او تظاهر كي يؤدي الى تحرير كل المخطوفين.
سفير الولايات المتحدة في ولاية ترامب الأولى، ديفيد فريدمان انتقد بشدة قرار بوهلر الحديث المباشر مع حماس. في تغريدة نشرها كتب يقول: “في الأسبوع الأخير، الرئيس ترامب بشكل عبقري عرض على حماس إمكانية شرطية – حرروا كل المخطوفين واستسلموا والا فستبادوا. هذا هو الطريق الوحيد لانهاء الحرب”. “اذا كنت فهمتُ صحيحا مع قاله أدام بوهلر في المقابلات اليوم فانه اتخذ خطوة غير مسبوقة للقاء مع حماس كي ينظر في طريق ثالثة – هل يمكن الوصول الى صفقة بموجبها تكون حماس “مشاركة” في إدارة غزة”، أضاف فريدمان. “صفقة مع حماس هي إضاعة للوقت وهي لن تدوم ابدا. المحاولة للوصول اليها مسيئة لكرامة الولايات المتحدة. يا أدام اعرف انك تنوي الخير – لكن استمع لزعيمك. الخيار يجب ان يبقى شرطيا”.
في هذه الاثناء، بحث الكابنت السياسي الأمني امس التفويض الذي سيعطى لوفد المفاوضات الى الدوحة. على رأس الوفد سيكون م. من الشباك وتحته منسق الاسرى والمفقودين غال هيرش، د. اوفير بلك ومندوبي الموساد والشباك. ويتكوف سيصل الى الدوحة يوم الثلاثاء لحث المباحثات.
——————————————-
هآرتس 10/3/2025
هل يرى ترامب أن طموحات إسرائيل تتعارض مع تكتيكاته وأهدافه في الشرق الأوسط؟
بقلم: تسفي برئيل
المحادثات المباشرة بين آدم بوهلر، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، ورئيس حماس في غزة خليل الحية، أزعجت متخذي القرارات في “القدس” [تل أبيب]، لا سيما نتنياهو ورون ديرمر.. اعتبر بوهلر المحادثات “ناجعة جداً”، ورغم إظهاره تفهماً لموقف إسرائيل التي تعارض المحادثات، فقد أكد في مقابلة مع الـ “سي.إن.إن” بأن “الولايات المتحدة ليست وكيلة لإسرائيل”. نعرف من أقواله أن شيئاً ما لن يحدث خلال بضعة أسابيع”، والمعنى، تحرير جميع المخطوفين وليس من يحملون الجنسية الأمريكية فحسب. يمكن الافتراض بمزيد من المحادثات إذا احتاج الأمر.
سواء أثمرت هذه المحادثات نتائج أم لا، فقد رأت فيها إسرائيل انحرافاً كبيراً عن السياسة الأمريكية التقليدية التي تفيد بعدم إجراء مفاوضات مباشرة مع منظمات إرهابية. ولكن هذا الانحراف ليس موجوداً. في السابق، تحدثت الولايات المتحدة مع م.ت.ف عندما اعتبرت الأخيرة منظمة إرهابية، قبل فترة طويلة من اتفاقات أوسلو، وأجرى مبعوثو ترامب مفاوضات مباشرة مع زعماء طالبان، وحتى إنهم وقعوا اتفاقاً في شباط 2020 حول انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، الذي احترمه الرئيس بايدن. والتقى ممثلون أمريكيون أيضاً مع الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، حتى قبل أن يتوقفوا عن تصنيفه شخصاً إرهابياً، وقبل إزالة جائزة بمبلغ 10 مليون دولار مقابل رأسه. الولايات المتحدة في الحقيقة امتنعت طوال عقود عن إجراء محادثات مباشرة مع حزب الله، ولكن جهات أوروبية رفيعة، من بينها رئيس المخابرات الفرنسية، تحدثت مباشرة مع قادة الحزب للمضي إلى وقف لإطلاق النار. لم ترفع لا واشنطن ولا إسرائيل صوت احتجاج على ذلك.
السذاجة والتوارع وطرقعة اللسان، وأيضاً الخوف من “الشرعية” التي ستحصل عليها حماس بسبب المحادثات المباشرة مع ممثلين أمريكيين، أمور زائدة. المفاوضات غير المباشرة مع حماس، بواسطة “دول وساطة” مثل قطر ومصر، هي بالفعل مفاوضات مباشرة. والالتفاف هو مظهر لا يمكنه إخفاء جوهر التحرك الدبلوماسي. إضافة إلى ذلك، تتحدث إسرائيل مباشرة مع قطر، التي رغم أنها لا تعتبر دولة معادية، فإن إسرائيل تراها دولة تدعم الإرهاب، وتعمل أيضاً بالتنسيق المدني والأمني مع السلطة الفلسطينية، التي حصلت إسرائيلياً، على لقب “سلطة إرهابية لا تختلف عن حماس”.
السؤال الوحيد هو: هل المفاوضات المباشرة مع منظمة إرهابية تدفع قدماً بصفقة المخطوفين وتؤدي إلى اتفاق في غزة؟ هذا هو السؤال الذي وقف أمام ناظري ترامب عندما أوقف الوساطة مع طالبان وتحدث معها مباشرة. هكذا أيضاً شرح بوهلر سبب لقائه مع كبار شخصيات حماس. في مقابلة مع “فوكس نيوز”، قال: “الحوار يعني أن تسمع ما يريده أحد ما، وبعد ذلك تشخص إذا كان هذا مناسباً لما نريده. وبعد ذلك، فحص كيفية تحقيق شيء ما في الوسط بدون إشعال حرب”. الأمر بسيط جداً؛ ففي “الحوار” المباشر لا يتم تجاوز دول الوساطة أو التنازل عن دورها الحيوي في استخدام الضغط على حماس، لأن عليها أن تكون الضامن لكل اتفاق يتوصل إليه، إذا حدث، والمساعدة في تطبيق الخطة العملياتية التي ستخرج من الحوار.
التخوف من أن يزيد مثل هذا الحوار من قوة حماس ويعطيها اعترافاً أمريكياً ودولياً، يبدو من الأفضل أن نذكر بأن إسرائيل هي التي خرقت الاتفاق الذي وقعت عليه، والذي تم التوصل إليه في مفاوضات غير مباشرة. وبهذا، وضعت الولايات المتحدة في وضع لا تساوي فيه ضماناتها الورق الذي كتب عليه الاتفاق. والنتيجة أن الولايات المتحدة تفضل أن تكون طرفاً في المفاوضات، وليس مجرد وسيط يستخدم الضغط. إضافة إلى ذلك، لا يعتبر هذا الحوار بديلاً عن التصريح الذي أصدره ترامب لإسرائيل، “فعل كل ما تريد” لإنهاء “القضية” أو استئناف الحرب في قطاع غزة.
الحوار مع حماس لا يعتبر الإشارة الوحيدة بأن ترامب مستعد لإجراء تغيير في التكتيك الدبلوماسي التقليدي. الرسالة التي أرسلها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، التي طلب فيها الجلوس على طاولة المفاوضات، جاءت مع تهديد غير مخفي، حذر فيه من أن “شيئاً ما سيحدث قريباً”. ولكن مثلما أمام حماس أيضاً في قضية إيران، فإن ترامب الذي يطمح إلى إجراء مفاوضات مباشرة، لا يتنازل عن دول الوساطة: السعودية، قطر، والإمارات، وسلطنة عُمان، وربما روسيا أيضاً. هذه الدول أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العمليات السياسية التي تجريها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه. يكفي التذكير بأن المفاوضات حول الاتفاق النووي الأصلي بدأت بوساطة عُمان، وكانت الكويت الدولة التي توسطت بناء على طلب من أمريكا في عملية المصالحة بين السعودية ومصر والإمارات وبين قطر، وقطر توسطت بين الولايات المتحدة وإيران في المفاوضات التي أدت إلى تحرير أسرى أمريكيين من السجن الإيراني، وكذلك في الاتفاق مع طالبان، والإمارات شريكة أيضاً في جهود الوساطة بين أمريكا وإيران.
بعض هذه الدول شريكة الآن في العملية السياسية التي قد تؤدي إلى المصالحة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي أيضاً مشاركة في الجهود لإنهاء الحرب في أوكرانيا. في هذا الأسبوع، يتوقع أن يصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الرياض، وسيلتقي كبار رجاله مع مبعوثي الرئيس ترامب، من بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو. ليس صدفة اختيار السعودية لاستضافة هذه المباحثات بين البعثة الروسية والبعثة الأمريكية في شباط الماضي. ويتوقع أن تستأنف في هذا الشهر. شبكة العلاقات المزدوجة التي بنتها المملكة في السنوات الأخيرة مع روسيا ومع الولايات المتحدة، حيث تجاهلت العقوبات الأمريكية المفروضة على موسكو، ومن جهة أخرى تنوي استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، والسيطرة على “أوبك”، وعلى أسعار النفط في السوق العالمية، والاعتماد عليها كصراف آلي سيمول إعادة الإعمار في لبنان وسوريا وربما قطاع غزة، والعلاقات العائلية القديمة بين عائلة ترامب ومحمد بن سلمان – كل ذلك حول السعودية، إلى جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حتى لو لم تنفذ حلم التطبيع مع إسرائيل من أجل ترامب.
الإمارات هي الشريكة التجارية الأهم لروسيا في الشرق الأوسط. وهي أيضاً مثل السعودية، تتجاهل العقوبات المفروضة على روسيا. في موازاة ذلك، يوجد للحاكم محمد بن زايد علاقات ودية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي. الأخير وقع على اتفاق تعاون تجاري كبير مع أبو ظبي. الذي يمكن أيضاً أن يساعده في جسر فجوة التمويل بعد أن قرر ترامب وقف المساعدات لكييف.
إسرائيل غير موجودة في نسيج العلاقات هذا. والأخطر أنها قد تعد عبئاً يزعج ترامب في استكمال رسم خارطة العالم الجديد، التي يبدو أنه يخطط لها. في هذه الخارطة، ستكون روسيا حليفة ضد الصين، وستوقع إيران على اتفاق نووي جديد، وستشكل دول الخليج حزام أمان يضمن تحييد الصين وتهديد النووي الإيراني مقابل استثمارات ضخمة. لا يوجد في الواقع يقين من إمكانية تحقق هذه الخارطة، ولكن التوق إلى تحقيقها والخطوات السياسية التي سترافقها تلزم الآن إسرائيل ببناء مكانها في المنطقة. عليها التقرير حول استراتيجية أوسع بكثير من السيطرة على محور فيلادلفيا أو المماطلة في عقد صفقة التبادل.
——————————————-
هآرتس 10/3/2025
الشارع الإسرائيلي في سباق مع الزمن: لنوقف الحرب.. فاستئنافها تضحية بالمخطوفين
بقلم: أسرة التحرير
على خلفية أقوال استعراضية حول استئناف الحرب، بات من الأهمية بمكان إبراز ما ينشأ عن مثل هذه الخطوة، ألا وهو: التضحية بالمخطوفين وموتهم. محظور السماح للحكومة كنس هذه الحقيقة تحت البساط. لا يوجد سيناريو وبموجبه استئناف الحرب، يؤدي إلى تحرير المخطوفين. لذا، فإن تأييد استئناف الحرب مثله كمثل تأييد التضحية بالمخطوفين. ما قالته عيناب تسنغاوكر، التي ابنها متان مخطوف في قطاع غزة، يجب أن تكون بوصلة لكل مواطن ذي ضمير في إسرائيل: “العودة إلى الحرب لن تعيد لنا المخطوفين، بل ستقتلهم”.
لقد سوق تبديل رئيسي الأركان للجمهور على أنه انتقال من وضع امتصاص إلى وضع هجوم، وكأنه يسمح للجيش الإسرائيلي بالانتصار أخيراً. هذا تلاعب مشوه، ينطوي على فهم بأن الجيش الإسرائيلي لم يستخدم حتى الآن قوة ذات مغزى في قطاع غزة. عشرات آلاف القتلى ومشاهد الدمار والقتل في قطاع غزة تشهد خلاف ذلك. التفكير بأن الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم فتاك أكثر (“ستفتح بوابات الجحيم”)، الذي سيكلف إصابة أوسع بحياة المدنيين في قطاع غزة، أمر مخيف. على المعارضة والجمهور إطلاق صوتهم. لن تجدي التلاعبات نفعاً؛ ما كان صحيحاً منذ اليوم الأول للحرب، صحيح بعد سنة وخمسة أشهر: هجوم فتاك كهذا معناه قتل المخطوفين.
رئيس الأركان الوافد، إيال زمير، قال للمستوى السياسي إنه بحاجة لبضعة أسابيع من الاستعدادات كي تكتمل خطته الجديدة لاستئناف الحرب. حسب التقارير، الهدف هجوم عدواني جداً وواسع، يدور الحديث هذه المرة أيضاً عن دحر السكان المدنيين إلى أماكن تؤويهم. وزير الطاقة وعضو الكابنيت إيلي كوهن، وقع أمس على أمر لوقف ضخ الكهرباء إلى قطاع غزة. بعد شهادات المخطوفين الذين عادوا من الأسر، ينبغي لأمر واحد أن يكون واضحاً: كل الأقوال عن مس إنساني، وتجويع، وقطع للكهرباء والماء، معناه استعداد إسرائيلي لتجويع المخطوفين، ومنع الماء عنهم، وإطفاء النور في أقصى نفقهم.
إن أقرباء مخطوفين ونشطاء من أجل إعادتهم أدركوا بوجوب رفع مستوى احتجاجهم. هذا سباق ضد الزمن: لإقناع الجمهور في إسرائيل – ذاك الذي يخرج إلى الجنازات ويبقى معظمه في البيت وقت الحاجة للتجند لإنقاذ الحياة – بأن هذا “إما الآن أو “لا” حتى النهاية”. وبالتوازي، يحاولون الوصول إلى قلب الرئيس الأمريكي ترامب على أمل أن يقف معهم أكثر من حكومة إسرائيل ورئيسها.
“ملزمون بالبقاء في الشوارع لحمل طلب بسيط إلى أصحاب القرار: تنفيذ الاتفاق بالكامل والاعتراض على العودة إلى الحرب”، هتفت تسنغاوكر باسم العائلات. ينبغي الاستجابة لدعوتها والامتثال لها. البدائل واضحة: إما حرب أو مخطوفون.
——————————————-
لماذا تريد “إسرائيل” أن تصبح سوريا دولة فاشلة؟
بقلم: علي باكير
موقع “ميدل إيست آي” ينشر مقالاً يتحدّث عن استراتيجية “إسرائيل” في سوريا التي تهدف إلى إضعاف الحكومة السورية وتفتيتها لصالح احتلال طويل الأمد للأراضي السورية، وخاصة مرتفعات الجولان. ويتناول خطة “إسرائيل” لنزع السلاح من مناطق جنوب دمشق وجعل سوريا دولة فاشلة من خلال تشجيع الطائفية والصراع الداخلي.
كما يتناول النصّ ردود فعل الحكومة السورية تحت قيادة الرئيس السوري أحمد الشرع على نهج “إسرائيل”، وأيضاً الموقف التركي من ذلك.
في احتفال عسكري أقيم مؤخّراً في “إسرائيل”، أدلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصريح استفزازي حول الحكومة السورية الجديدة، موضحاً استراتيجية بلاده بعد سقوط نظام الأسد.
وشدّد في خطابه على ثلاث نقاط رئيسية. أولاً، قال نتنياهو إنّ “إسرائيل” لن تسمح للحكومة السورية الجديدة بنشر قوات جنوب دمشق، داعياً إلى “نزع السلاح الكامل” من تلك المنطقة، وتحديداً محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.
ثانياً، وضع نتنياهو “إسرائيل” في موقف الحامي للأقلية الدرزية، بما يتماشى مع تصريحات وزير الأمن “إسرائيل كاتس الأخيرة حول تعزيز العلاقات مع “السكان الأصدقاء” في جنوب سوريا.
ثالثاً، كرّر نتنياهو التزام “إسرائيل” باحتلال الأراضي السورية، مؤكداً أنّ القوات الإسرائيلية ستبقى “إلى أجل غير مسمّى” في المنطقة العازلة ومنطقة جبل الشيخ.
ويعزّز هذا الموقف أجندة “إسرائيل” المستمرة للتوسّع الإقليمي والاحتلال، وخاصة في مرتفعات الجولان.
ويبدو أنّ الهدف الشامل لنتنياهو هو إضعاف سوريا وتفتيتها بشكل منهجي، وضمان بقائها تحت الاحتلال الإسرائيلي، خالية من حكومة مركزية، وغارقة في الصراع الطائفي.
إنّ بيئة “الفوضى المسيطر عليها” هذه، من شأنها أن تمنع سوريا من التعافي بعد أكثر من عقد من الحرب، وتحوّلها إلى دولة فاشلة، وتمكّن “إسرائيل” بحجة التقليل من أيّ تهديدات محتملة من سوريا الجديدة.
إنّ هذا النهج ليس جديداً. فقد كان عنصراً ثابتاً في السياسة الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة، وتمّ تطبيقه في سياقات ومناطق مختلفة، بما في ذلك لبنان.
إنّ نزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب دمشق من شأنه أن يعيق سلطة الحكومة السورية، مما قد يؤدي إلى إضعاف وجود الدولة. وقد يؤدي هذا إلى تمكين تشكيل ميليشيات محلية مدعومة من “إسرائيل” تدفع باتجاه “دولة داخل الدولة”.
وتهدف استراتيجية “إسرائيل” أيضاً إلى تشجيع الأقليات الأخرى في شمال سوريا على تحدّي الحكومة السورية، وبالتالي تفتيت البلاد، حتى ولو بطريقة فعليّة.
إنّ الإشارة الصريحة إلى الطائفة الدرزية تعكس مبدأ “تحالف الأقليات” الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تشكيل تحالفات مع الأقليات في المنطقة ضدّ الأغلبية السنية. وتعزّز سياسة “فرّق تسد” هذه العداء والشكّ والطائفية، باستخدام الأقليات كوسيلة ضغط لاستفزاز ردود الفعل العنيفة من الأغلبية.
وقد استخدمت “إسرائيل” هذه الاستراتيجية في السابق في لبنان. إنّ “إسرائيل” تحاول الآن أن تفعل الشيء نفسه مع الدروز والكرد والعلويين في سوريا. ولكنّ هذا النهج مدمّر وغير منتج، ويضرّ في نهاية المطاف بالأقليات المعنية وأولئك الذين يسعون إلى التلاعب بها.
إنّ مطالبة نتنياهو بنزع السلاح من جنوب سوريا، إلى جانب زيادة الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية السورية، لم تُثِرْ أيّ استجابة من الدول الغربية أو المجتمع الدولي الأوسع. ويفسّر نتنياهو هذا الافتقار إلى ردّ الفعل على أنه ضوء أخضر لمواصلة مثل هذه السياسات.
ومن جانب الحكومة السورية الجديدة، أدّت الإجراءات الاستفزازية والعدوانية التي اتخذتها “إسرائيل” إلى استجابة متعدّدة الأوجه. فقد نجح الرئيس السوري أحمد الشرع في تحقيق التوازن بين ضبط النفس والتحدّي، وهو النهج الذي تشكّل بفعل عدة عوامل حاسمة، بما في ذلك ضعف موقف سوريا العسكري والاقتصادي والسياسي، وحاجته إلى الحفاظ على الشرعية كزعيم، مع توسيع سيطرة الدولة على جميع الأراضي السورية، وعملية إعادة بناء الأمة.
المقاومة الرمزية
رفض بيان مؤتمر الحوار الوطني السوري في أواخر الشهر الماضي أيّ تنازلات إقليمية، مشيراً إلى “إسرائيل” وجمهور الشرع في الداخل بأنه لن يرضخ لمطالب نتنياهو بنزع السلاح. وطالب البيان بانسحاب “إسرائيل” الفوري وغير المشروط من سوريا، وهو عمل رمزي للمقاومة عزّز سلطة الشرع من دون المخاطرة بمواجهة فورية.
في 26 شباط/فبراير، زار الشرع الأردن والتقى بالملك عبد الله الثاني، الذي أكد دعم عمّان لسيادة سوريا وأدان التوغّلات الإسرائيلية. وتشير الزيارة، وهي ثالث رحلة خارجية يقوم بها الشرع منذ تولّيه السلطة، إلى الجهود الرامية إلى بناء تحالف إقليمي لمواجهة تحرّكات “إسرائيل” دبلوماسياً وليس عسكرياً، خاصةً وأنّ الأردن يشاطر سوريا مخاوفها بشأن استقرار الحدود.
إنّ الاستجابة المنضبطة من جانب الشرع تتغلّب أيضاً على الضغوط الداخلية. فالاحتجاجات في القنيطرة ودرعا والسويداء ضدّ التصريح الأخير لنتنياهو تعكس الغضب الشعبي، ولكن الشرع لم يحشد هذه المشاعر في التحرّك ضدّ “إسرائيل”، حيث لم تنتهِ المحاولات السابقة من قبل الأنظمة الإقليمية بشكل جيد.
وبدلاً من ذلك، ردّ الشرع على استفزازات “إسرائيل” بمزيج من الإدانة اللفظية، والمناشدات من أجل السلام، والمناورات الدبلوماسية، وتجنّب التصعيد مع تأكيد حقّ سوريا في أراضيها. ويجسّد تعهّده السابق بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 هذا النهج.
ولكن في حين أنّ هذا قد يمنح الشرع الدعم الإقليمي والدولي، فإنه قد يؤدي إلى تأكّل شرعيته الداخلية في الأمدين المتوسط والبعيد، ومن غير المرجّح إلى حدّ كبير أن يكون كافياً لردع “إسرائيل”. وتاريخياً، فسّرت “إسرائيل” الدعوات إلى السلام على أنها علامة على الضعف؛ فرصة لملاحقة طموحاتها الإقليمية التوسّعية بقوة.
العمل الجماعي
نظراً للوضع المعقّد في سوريا، فإنّ الردّ على تصرّفات “إسرائيل” يجب أن يكون جماعياً. ويتعيّن على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته، ويتعيّن على الدول العربية أن تعمل معاً، لأنها ستخسر بشكل كبير إذا نجحت “إسرائيل” في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة.
لقد أدانت جامعة الدول العربية والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر، من بين دول أخرى، “إسرائيل” بشدة. والأمر الأكثر أهمية هو أنّ تركيا، وهي قوة إقليمية ذات مصالح كبيرة في سوريا، لديها الكثير لتكسبه من دمشق المستقرة، والكثير لتخسره من العدوان الإسرائيلي على سوريا.
منذ كانون الأول/ديسمبر، ردّت تركيا على تصريحات نتنياهو والعدوان الإسرائيلي بإدانة حادّة. وتأكيداً للسيادة السورية، اتهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان “إسرائيل” بالتوسّع وتقويض السلام والاستقرار “تحت ستار الأمن”.
ومع ذلك، تظلّ تصرّفات أنقرة دبلوماسية ومنضبطة، وتركّز على القضية الكردية في شمال سوريا بدلاً من مواجهة “إسرائيل” بشكل مباشر.
ويبدو أنّ سياسة تركيا في هذا الصدد مقيّدة بعاملين رئيسيين، الأول هو مصير وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية. والثاني هو الاتفاق المتوقّع بين تركيا والرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء التعاون الأميركي مع وحدات حماية الشعب.
ومن غير المرجّح أن تنخرط أنقرة بشكل كبير ضدّ “إسرائيل” حتى يتمّ حلّ هاتين المسألتين، حيث إنّ المواجهة المبكرة قد تأتي بنتائج عكسية مع ترامب والمسؤولين المتشدّدين المؤيّدين لـ “إسرائيل” في واشنطن.
وفي الوقت نفسه، فإنّ تجنّب المواجهة مع “إسرائيل” قد لا يشجّع نتنياهو فحسب، بل قد يقوّض مصداقيّة أنقرة ويحوّل سوريا من فرصة إلى تحدّ خطير لتركيا.
—————–انتهت النشرة—————–