
تحت رئاسة وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، بدأ مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت نيويورك، مناقشة بند “الأوضاع في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية” وقد افتتحت الجلسة المنعقدة على مستوى وزاري بمشاركة نحو 20 وزير خارجية، بكلمة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي قدم تقريرا عن مدى الالتزام بقراري مجلس الأمن الدولي الأخير 2712 الذي اعتمده مجلس الأمن يوم 15 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي والقرار 2720 الذي اعتمد يوم 22 ديسمبر الماضي. وتطرق الأمين العام للأوضاع الإنسانية في غزة مطالبا بوقف إطلاق نار إنساني لتمكين المنظمات الإنسانية من إيصال المساعدات لجميع أنحاء قطاع غزة، كما طالب بالإفراج الفوري وبدون شروط عن كل الرهائن.
غوتيريش: الوضع الإنساني في غزة مروع، ولا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للفلسطينيين
وقال غوتيريش :”بعد أكثر من 100 يوم من القتال لقد قُتل، حسب ما ورد من التقارير، أكثر من 25 ألف شخص، وجرح أكثر من 60 ألفا معظمهم من النساء والأطفال في العمليات التي تشنها القوات الإسرائيلية. وقد تكثف الهجوم العسكري في الأيام الأخيرة على خان يونس حيث سقط الكثير من الضحايا.
وأكد غوتيريش أن جميع سكان غزة تعرضوا إلى الدمار على نطاق واسع وبسرعة كبيرة غير مسبوقة في في التاريخ الحديث. وقال: “لا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني. إن الوضع الإنساني في غزة مروع. ومع اقتراب فصل الشتاء، يواجه 2.3 مليون فلسطيني في غزة ظروفاً غير إنسانية. الناس في غزة يكافحون من أجل اجتياز يوم آخر دون مأوى أو تدفئة وانهيار المرافق الصحية ونقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب. الجميع في غزة يعانون من الجوع – ربع سكان غزة – أكثر من النصف. أكثر من مليون شخص – يصارعون مع مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي وفي الوقت نفسه، هناك ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص محشورون الآن داخل محافظة رفح”.
وقال:” ينتشر الآن المرض في قطاع غزة بسبب انهيار النظام الصحي. لم يبق إلا 16 مستشفى تعمل جزئيا من أصل 36 مستشفى في غزة. وهذا يعني أن سكان غزة لا يتعرضون للقتل أو الإصابة بسبب الأعمال الوحشية. كما ذكر الأمين العام بسقوط 153 موظفا دوليا من العاملين في المنظمات الإنسانية في غزة وهي أكبر كارثة تتعرض لها المنظمة الدولية”.
وأكد الأمين العام على أن كمية المساعدات التي تدخل غزة غير كافية، وكذلك على ضرورة دخول السلع والبضائع التجارية للقطاع. وشدد على الحاجة الماسة لدخول المزيد من المساعدات من أكثر من نقطة عبور إلى غزة، للحد من الازدحام وتجنب نقاط الاختناق. وشدد على ضرورة استئناف تقديم المساعدات إلى غزة عبر ميناء أسدود. كما شدد على ضرورة تقديم المساعدات إلى مناطق شمال غزة.
وأشار غوتيريش إلى رفض إسرائيل لأكثر من 76 في المئة من طلبات الأمم المتحدة بإدخال الإمدادات المنقذة للحياة.
وأشار، أيضاً، إلى الوضع في الضفة الغربية المحتلة وزيادة هجمات المستوطنين وزيادة وتيرة الاعتقالات التي زادت عن ستة آلاف معتقل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إضافة إلى زيادة عدد الضحايا بشكل يومي الذين يسقطون يوميا، إضافة إلى زيادة هدم المباني ومصادرة الأراضي والمباني المملوكة من الفلسطينيين.
وزير الخارجية الفلسطيني
ومن جهته، قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إن إسرائيل تقصف بشكل عشوائي لم يشهد له العالم مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى الحصار والتشريد القسري على نطاق لم يشهده العالم في تاريخه الحديث وأشار إلى قصف إسرائيل للمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات.
وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يحركه سوى هدف واحد “هو نجاحه السياسي وبقائه في الحكم… على حساب ملايين الفلسطينيين”.
وأضاف المالكي: “أن الكثير من القيادات الإسرائيلية تنكر حقوق الفلسطينيين ولا تعتبرها واقعا سياسيا للتعايش معه بل خطرا ديمغرافيا يحتاج إلى إزالته من خلال القتل أو التهجير أو الإخضاع… هذه هي الخيارات المتاحة، الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو نظام الفصل العنصري”.
وتحدث عن وجود مسارين أمام المجتمع الدولي يبدأ بالحرية للفلسطينيين ويؤدي إلى سلام وأمن مشترك للمنطقة. ومسار ثان يحرم من هذه الحرية ويكتب على منطقتنا المزيد من سفك الدماء والنزاع وقال إن العالم العربي أختار المسار الأول في حين يتباهى نتنياهو بمنعه قيام دولة فلسطينية. كما طالب الوزير الفلسطيني بضرورة قبول فلسطين لعضوية كاملة في الأمم المتحدة وليس فقط كدولة مراقبة.
وقال المالكي إن هناك إجماعا دوليا على إقامة دولتين على تلك الأرض ويجب أن يتم التمسك به قولا وفعلا. لا يمكن أن يكون هناك المزيد من الذرائع للتأخير والعرقلة التي لا نهاية لها فإما الاستمرار في نشر النار أو وقف النار”. وحذر المالكي من أن الوقت ينفد، مشددا على أن هناك خيارين إما نشر النار، أو وقف إطلاق النار
وأكد الوزير الفلسطيني أن وقف إطلاق النار لا غنى عنه لتحقيق ما دعا إليه مجلس الأمن، بما في ذلك حماية المدنيين، والوصول الآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة، وإطلاق سراح الأسرى، ورفض التهجير القسري وتحقيق السلام. واختتم كلمته قائلا: “إن البديل للحرية والعدالة والسلام هو ما يحدث الآن. يجب أن نتأكد من توقف ذلك الآن، ويجب أن نتأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى”.
السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، قال إن إسرائيل انسحبت من غزة قبل 18 عاما، واتهم حماس بتحويل القطاع إلى آلة حرب، وقال إن دعوة البعض إلى وقف دائم لإطلاق النار من شأنه أن يؤدي إلى بقاء حماس في السلطة، مضيفا أن ذلك يعرض إسرائيل لخطر وجودي لأن حماس تسعى إلى إبادة إسرائيل.
وقال السفير الإسرائيلي إن الحرب ستنتهي على الفور إذا سلمت حماس المسؤولين عن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل وإعادة الرهائن، وأضاف: “سندافع عن مستقبلنا”.
وأشار السفير إردان إلى أن امتداد الصراع كان مخططا له، ورفع صورة قال إنها لأسلحة تمت مصادرتها. وأكد أنه بدون إيران، لن يكون لدى الحوثيين أسلحة لاستهداف السفن في البحر الأحمر.
وأضاف أن كل دول المنطقة تأثرت بالفعل بسبب إيران، التي قال إنها لن تتوقف عند أي شيء لبسط هيمنتها مشيرا أيضا إلى أن ألبانيا تعرضت لهجوم إلكتروني إيراني. واختتم حديثه بالقول إنه إذا استمر المجلس في تقديم المساعدات لغزة دون النظر إلى التهديد الإيراني، فسيكون المستقبل مظلما للغاية.
وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف
من جهته، قال وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إن ما يحدث في غزة اليوم يعيد إلى الواجهة أكثر من أي وقت مضى حتمية الإسراع في معالجة جوهر هذا الصراع عبر تجديد وتفعيل التزامنا الجماعي بحل الدولتين الذي التفت حوله المجموعة الدولية كحل عادل ودائم ونهائي.
وأضاف عطاف أن بلاده تجدد مطلب عقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، يتم في إطاره الاتفاق على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بصفة نهائية عبر الاحتكام لقرارات الشرعية الدولية وتفعيل حل الدولتين، تحت الرقابة الصارمة والمتابعة اللصيقة والضمانة الوثيقة للمجتمع الدولي.
وقال عطاف “إنه بعد غزة لا يمكن العودة إلى ما قبل غزة. وبعد غزة لا يمكن إعادة القضية الفلسطينية إلى الأدراج لتبقى حبيسة فيها لأجل آخر غير مسمى، مضيفا أنه “لا يمكن أن نترك هدف السلم والأمن في الشرق الأوسط رهينة للاحتلال الإسرائيلي يتصرف فيه كيفما شاء”.
وأكد عطاف أن الأولوية القصوى تعود لوقف إطلاق النار الذي لا يمر يوم إلا وزاد الرفض والاستياء تجاه المماطلة بشأنه وتجاه المبررات الهشة لعدم إيلائه العناية التي يستحقها وقال إنه لا توجد في الوقت الراهن أهداف تعلو فوق هدف وقف العدوان والإبادة والتشريد والتهجير والتجويع والتدمير والتخريب والتدنيس. وختم وزير الشؤون الخارجية الجزائري كلمته بالقول: “فلتكن غزة درسا لن ننسا
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال إن مجلس الأمن لم يوفر بعد استجابة كافية لإنهاء الصراع واتخاذ خطوات لمنع مزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط “بسبب موقف الولايات المتحدة”، التي قال إنها تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرارات وقف إطلاق النار، الأمر الذي يمنح تفويضا مطلقا لمواصلة العقاب الجماعي للفلسطينيين”.
وسلط لافروف الضوء على المخاوف بشأن التهجير الجماعي للفلسطينيين، والتأثير البيئي للقصف الإسرائيلي على غزة، والنقص الخطير في وصول المساعدات الإنسانية في ظل مخاطر عالية من انتشار الأوبئة، مشيرا إلى أن روسيا أرسلت مئات الأطنان من المساعدات إلى القطاع وتدعم جهود وكالات الأمم المتحدة على الأرض.
لافروف: مجلس الأمن لم يتخذ أي خطوات لمنع المزيد من زعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط بسبب الولايات المتحدة
وقال إن عجز المجلس عن التحرك يعني أن الصراع يتمدد في المنطقة، الأمر الذي يجلب مخاطر جديدة على الأمن الدولي- بما فيها “الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على اليمن والضربات الإسرائيلية على سوريا”.
وفي الوقت نفسه، قال الوزير الروسي إن دعوات الوفود الغربية تركز على المستقبل بدلا من وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق، شدد على ضرورة أن يواصل المجلس الدعوة إلى وقف إطلاق النار. وإلى أن يحدث ذلك، فإن المناقشات حول “المستقبل” لا طائل من ورائها.
وقال إن الفلسطينيين ينبغي أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم. وأضاف “أعتقد أن هذا ما يسميه زملاؤنا الغربيون بالديمقراطية”. وأضاف وزير الخارجية الروسي أنه في كل مرة تتخذ فيها الولايات المتحدة إجراء أحاديا في الشرق الأوسط، فإن مفاوضاتها “المكوكية” المنفصلة تنتهي “بتصعيد أكثر دموية من أي وقت مضى”.
من جانبها، كررت نائبة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، عزرا زيا، رفض بلادها للدعوات المطالبة بنقل الفلسطينيين خارج غزة واللغة اللاإنسانية التي يستخدمها بعض المسؤولين من كافة أطراف الصراع وقالت إنه يجب السماح للمدنيين الفلسطينيين بالعودة طوعا وبأمان إلى ديارهم وبكرامة بمجرد أن تسمح الظروف بذلك.
وقالت السيدة زيا إن حكومتها تواصل حث القادة الإسرائيليين على بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين في غزة، واتخاذ الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني.
وأضافت “إن استمرار حماس في استخدام المدنيين الفلسطينيين والرهائن كدروع بشرية، وتصريحاتها المتكررة التي تؤكد عزمها على تكرار هجمات 7 أكتوبر، تؤكد سبب عدم تمكننا أبداً من العودة إلى واقع ما قبل 7 أكتوبر في غزة”.
وبالانتقال إلى التطورات في المنطقة، قالت السيدة زيا إن الولايات المتحدة حذرت إيران ووكلاء طهران مراراً وتكراراً من الانخراط في “هجمات انتهازية قد تؤدي إلى إثارة صراع أوسع نطاقا” وأدانت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، مشددة على أن الجماعة كانت ستواجه صعوبات في تعقب السفن التجارية وضربها دون دعم إيراني.
وأشارت المسؤولة الأمريكية إلى أن بلادها تسعى إلى حل دبلوماسي على طول الخط الأزرق يسمح للمدنيين في إسرائيل ولبنان بالعودة إلى منازلهم، ودعت إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله.
كما جددت موقف بلادها الداعم لحل الدولتين باعتباره الحل الوحيد لإنهاء العنف، مؤكدة أنه “يتعين على الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، فضلا عن قيادتهما، أن يتخذوا خيارات صعبة” لتحقيق ذلك و بلوغ تطلعاتهم المشروعة.
الأردن
من جهته أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أنه لا يمكن أن يستمر الاحتلال والعنف والحرب في ملازمة منطقتنا. وأكد أن السلام هو الضمان الوحيد لأمن وسلامة إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة برمتها..
وقال الصفدي إن الحلول الجزئية لن تحقق ذلك السلام، قائلا إن الحديث عن توجهات محدودة من شأنها أن تجعل غزة خارج الحل الشامل الذي سينهي أيضا الاحتلال في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة، ببساطة لن ينجح.
وأضاف “لا يمكن أن يقال لسكان غزة إن عليهم أن يتحملوا مرة أخرى العيش في السجن المفتوح الذي صنعته إسرائيل في غزة لعقود من الزمن”.
وقال الوزير الأردني: “إننا نواجه لحظة الحقيقة الحاسمة، مشددا على أنه يتعين على المجتمع الدولي برمته اتخاذ خيار عاجل وهو إما السماح للحكومة الإسرائيلية بالحكم على المنطقة بمزيد من الصراع، أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووضع منطقتنا على طريق لا رجعة فيه نحو السلام.