الصحافة العبرية…الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي للجبهة الديمقراطية

  الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 28/3/2024

غزة المدمرة مرآة لخراب الروح الإسرائيلية

بقلم: ميخائيل سفارد

في صور قطاع غزة المدمر لا توجد ألوان، توجد فقط درجات مختلفة من اللون الرمادي، مزيج من الباطون الذي تم تدميره واقتلاعه وتفجيره وتحطيمه. في الصور الوحيدة لغزة المدمرة، التي تتجرأ وسائل الإعلام الإسرائيلية على بثها، نتاج صور حوامات أو طواقم تصوير دخلت مع قوات الجيش الإسرائيلي وبرعايتها، لا يوجد أشخاص، لا يوجد أطفال وهم يبكون والذين بقوا بدون آباء، لا يوجد نساء يبحثن بيأس عن نبتة برية ربما نبتت في مكان كان ذات يوم شارعاً معبداً من أجل استخدامه كطعام. لا يوجد شيوخ حكم عليهم أن يعيشوا آخر عمرهم في معاناة لا يمكن وصفها وهم محرومون من كل شيء. صور غزة المدمرة صامتة، منغلقة، عنيفة وليس فيها أمل. الصور التي تأتي من غزة تذكرنا بدرسدن ووارسو وابراج التوائم بعد الهجوم الارهابي في 11 ايلول. نفس جماليات الدمار الشامل ليوم القيامة.

الصهيونية مثل أي حركة وطنية مبنية على الاسطورة والرحمة والروح. الصهيونية لها اساطير كثيرة من ابرزها كذبة «ارض بدون شعب لشعب بدون ارض»، الأسطورة المزدوجة للشتات والحنين المستمر لعودة اليهودية، الأرض الخالية التي تنتظر وهي خربة أصحابها. هذه الأسطورة المزدوجة توجه العملية الصهيونية لشعب لاجئين، الذي حول (ويواصل طوال الوقت التحويل) شعبا آخر الى لاجئين. أسطورة الخروج من مصر وأسطورة المكابيين، أسطورة عيد المساخر وأسطورة متسادا، جميعها أجزاء في الأسطورة الكبيرة التي تحكي للإسرائيليين اليهود قصة وجودهم في هذه البلاد. نسيج سردي ينسب لكل العالم نوايا الإبادة الجماعية ضد اليهود، في كل مكان وفي كل زمان («في كل جيل يقومون للقضاء علينا»، مثلما في أسطورة عيد الفصح).

تتطلب الرؤى المستمدة من الأسطورة الإسرائيلية قوة وعناداً يهودياً لا يرحم. «من جاء ليذبحك عليك أن تسبقه وتذبحه بنفسك». إن الرحمة الصهيونية تعزز الأسطورة وتجند الجمهور من اجل التضحية، وتربي على الشك، وتضيق نطاق الاحتمالات الى ثنائية «إما نقتلهم أو سيقتلوننا». والمثال الكلاسيكي على ذلك هو أقوال موشيه ديان (الأسطورة بحد ذاته) في تأبين روعي روتبرغ الذي قتل في ناحل عوز في 1956: «ملايين اليهود الذين تمت إبادتهم لأنه لم تكن لهم ارض، ينظرون إلينا من بين الرماد. تاريخ إسرائيل يأمرنا بالاستيطان وإعداد ارض لشعبنا. ولكن خلف تلم الحدود يثور بحر من الكراهية وامواج الانتقام، في انتظار اليوم الذي سيضعف فيه السلام يقظتنا، وهو اليوم الذي سنستمع فيه الى سفراء النفاق وهم يطلبون منا إلقاء سلاحنا».

الأسطورة والرحمة الصهيونية تسير وراء الوصف الكئيب لبلعام الذي وصف فيه بني إسرائيل، «سنعيش كأمة معزولة لا تهتم بالأغيار»، وسيملون علينا، نحن شعب إسرائيل، أجندة قومية وعسكرية وعرقية.

في المقابل، روح الصهيونية، أي طاقم القيم والرؤى التي يؤمن بها المجتمع الاسرائيلي تتفاخر بأنها تنطوي على تعقيد قيمي. يهودية، لكن ايضا «ديمقراطية». قوة عسكرية، لكن ايضا «طهارة السلاح». استقلالية ذاتية لا تحتمل الاملاءات من الخارج، لكنها «مخلصة لمبادئ وثيقة الامم المتحدة» (مثلما جاء في وثيقة الاستقلال)، وبالطبع تسعى الى السلام. ما معنى تسعى. السعي الى السلام هو اسمنا الأوسط. يمكنني كتابة عشرة مجلدات كبيرة تصف الفجوة الكبيرة بين الروح الإسرائيلية والواقع، لكن طالما أن الروح قائمة والمجتمع مخلص لها فان قوتها الأخلاقية ناجعة، حتى لو أنها غير حاسمة إلا أنها بمثابة وزن مضاد للعامل الذي تمليه الأسطورة والرحمة.

عصر نتنياهو سيعتبر في التاريخ كعصر تم فيه تحطيم مركبات الروح الإسرائيلية حتى آخر مركب فيها. أولا، القيم السلطوية والسياسية: طهارة المعايير، استقلالية جهاز القضاء، حرية التعبير، سلطة القانون على الحكام، كل ذلك تم طحنه في المطحنة التي توجد في مكتب رئيس الحكومة ورئيس الكنيست. لن تسمعوا بعد الآن بنيامين نتنياهو ومن يخدمونه وهم يتحدثون باسم هذه القيم. ثانياً، طهارة السلاح، ربما أنا فوتُّ الفرصة، لكن يبدو لي أنه منذ فترة طويلة أنا لم اسمع تكرار شعار «الجيش الاكثر اخلاقية في العالم»، حتى اكثر المعجبين بالجيش يصعب عليهم في هذه الايام تكرار هذا الشعار بجدية. مجتمع يقوم بتدمير المدن والبلدات والقرى، وقتل حتى الآن 32 ألف شخص معظمهم من المدنيين، وغارق حتى عنقه في التحريض على الإبادة الجماعية بدون أي رد من جهاز إنفاذ القانون، ويحول مليون ونصف شخص الى لاجئين معوزين «يتاجر» (علناً!) بجوعهم ويكتفي بتوبيخ انضباطي لضابط قام على مسؤوليته بتفجير جامعة – هذا المجتمع لم يعد قادرا على التفاخر بأنه يحمل رؤيا «طهارة السلاح». في ظل الألم والغضب المبررين ازاء جرائم حماس المخيفة والتي لا تغتفر فقد نجح اليمين في غرس روح بديلة: «القوي مُحق».

لكن ربما العرض الاكثر وضوحا لتحطم الروح الاسرائيلية هو معاملة الحكومة في اسرائيل ومؤيديها للمخطوفين وابناء عائلاتهم. يصعب التفكير في مبدأ اساسي ومقدس اكثر في المجتمع من مسؤوليته تجاه ابنائه الذين يوجدون في ضائقة. جميعنا تربينا على الادعاء (المشوه والمبالغ فيه بالطبع) بأن «شخصا يقع في الشارع في الخارج لا يتقدم نحوه أي أحد، ولكن في إسرائيل كل الحي يهب لمساعدته». التضامن المتبادل مهم دائما، لكنه حاسم وأكثر بأضعاف عندما يكون مصدر الضائقة التي وقع فيها المواطن يكمن في الفشل الذريع للسلطات، ويكون وليد الإهمال الذي لا يمكن تصوره للمسؤولين عن الدفاع عنه. لذلك، ماذا يمكن أن يكون اكثر أهمية للتكافل الاجتماعي من فدية الاسرى؟ إن تحطيم هذه القيمة هو المقدمة للخيط الأخير الذي يربط اليهود ويحولهم الى مجتمع.

ربما تكون هناك أوضاع لا يمكن فيها تحرير المخطوفين، وربما تكون حالات يكون فيها الثمن الذي يجب دفعه لإطلاق سراحهم يخلق معضلة حقيقية. لكن في حالتنا الثمن ليس هو القصة، بل الدفع بالغيبة الذي يختفي نتنياهو من ورائه، والذي بواسطته يقوم بتعويق الصفقة وباحتمالية عالية أيضا تفكك حكومته. هذه الدفع بالغيبة يتحطم إزاء النظرة المجرمة التي تحظى بها العائلات من الحكومة ومؤيديها. التحريض ضدهم، تهديدهم بأن لا يوجهوا انتقادات لاذعة لرئيس الحكومة، والتعامل معهم كمصدر إزعاج ومجموعة لها مصالح غريبة – إضافة الى طلبهم المبرر، إعادة أعزائهم فوراً. في بازل أسس هرتسل الدولة اليهودية. وفي ميدان المخطوفين الذي بدأ يفرغ بشكل متزايد بدأت تخسر بسرعة آخر قيمها العلنية.

لذلك فان منظر غزة المدمرة ليس فقط توثيقا للواقع في القطاع، بل هو أيضاً تمثيل مناسب لوضع الروح الإسرائيلية، محاكاة تامة مقرفة لروحنا القيمية. ليس فقط غزة بحاجة الى إعادة بناء، أيضاً الروح الإسرائيلية بحاجة الى ذلك، الأمر سيستغرق سنوات كثيرة لترميمهما.

———————————————

هآرتس 8/3/2024

يريدونها نكبة فلسطينية ثانية

بقلم: أسرة التحرير

في الأسابيع الأولى من الحرب، طردت إسرائيل من بيوتهم معظم السكان الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، بحجة أنها هكذا تضمن سلامتهم في وقت الاجتياح البري «المناورة» للجيش الإسرائيلي وحربه ضد «حماس». في الوقت التي يكتظ فيه اللاجئون الجدد في رفح، دمرت إسرائيل قسما كبيرا من مدينة غزة وضواحيها: منازل، محلات، مدارس، جامعات ومؤسسات الحكم. قاطع على طول الحدود، بعرض نحو كيلو متر، اجتاز «كشف» – إزالة المنازل، الطرق والمزروعات – كي تشكل حزاما امنيا مستقبليا يحظر دخول الفلسطينيين إليه. وشق الجيش الإسرائيلي طريقا يبتر القطاع إلى قسمين، وعلى طوله سيقيم ما هو بمثابة معابر حدود بين شمال القطاع وجنوبه.

الفلسطينيون الذين بقوا في شمال القطاع يلتصقون ببيوتهم المدمرة، يتعرضون لخطر الجوع حسب تحذيرات الأمم المتحدة وإسرائيل ترفض أن تنقل اليهم المؤن في المسار القصير، عبر معبر «أيريز» المغلق. في المفاوضات مع «حماس» على وقف النار وعلى تبادل مخطوفين وسجناء رفضت إسرائيل عودة كل اللاجئين إلى شمال القطاع ووافقت فقط على عودة نساء وأطفال في المرحلة الأولى. في إسرائيل، تتصاعد الدعوات لتحويل احتلال شمال القطاع إلى واقع دائم، مثل الوضع في الضفة الغربية، وإقامة مستوطنات لليهود في مكان المدن والقرى الفلسطينية التي دمرت في الحرب. وتشارك في هذه الدعوة، اليوم، أحزاب اليمين المتطرف، «عظمة يهودية» و»الصهيونية الدينية»، وأعضاء كثيرون في كتلة «الليكود». رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي في البداية تحدث ضد استيطان يهودي في غزة، يتحدث الآن عن إقامة طويلة في القطاع، ويعارض كل حكم فلسطيني هناك في «اليوم التالي» للحرب.

إن القرارات بطرد السكان، هدم منازلهم، كشف قاطع الحدود وشق طريق البتر اتخذت في غرف مغلقة، برعاية ضباب الحرب والدعوات للثأر من الفلسطينيين على مذبحة 7 أكتوبر في بلدات الغلاف. وامتنعت الحكومة والجيش عن نشر هذا للجمهور، والمعلومات عن الوضع في المنطقة تأتي من هيئات ووسائل إعلام دولية أو من صور الأقمار الاصطناعية. كلما مر الوقت هكذا تعاظم التخوف من أن النزوح والدمار سيصبحان واقعا دائما – وسكان شمال القطاع سيصبحون لاجئين مثل آبائهم وأجدادهم، لاجئي النكبة في 1948. محظور لهذه الحرب، التي استهدفت إسقاط «حماس» وإعادة المخطوفين إلى إسرائيل – والتي لم تتحقق أهدافها حتى في نهاية اشهر طويلة، ستصبح النكبة الثانية للفلسطينيين. إن مستقبل إسرائيل، امنها ورفاهها تكمن في حياة مشتركة مع الفلسطينيين ومع باقي الدول العربية المجاورة وليس في خلق موجة لاجئين جديدة – ستقسم على الثأر. إن الاحتلال الطويل وإقامة مستوطنات في قطاع غزة سيكونان جريمة حرب وجريمة أخلاقية وسيعمقان فقط النزاع ويحولان إسرائيل إلى دولة منبوذة في العالم كله.

———————————————

معاريف 28/3/2024

لا توجد معـركة أخيرة

بقلم: غور ليش

رئيس دائرة مفهوم الأمن في هيئة الأمن القومي سابقا

مفهوم الأمن الإسرائيلي حتى 6 أكتوبر 2023 كان يقوم على أساس المبدأ الذي ثبته بن غوريون وبموجبه لا يمكن لإسرائيل ان تكون معركة أخيرة. فإسرائيل أصغر من أن تفرض بالقوة على اعدائها انهاء النزاع. انطلاقا من هذا الفهم تطور نهج جولات الحرب وبموجبه تحاول إسرائيل أن تؤجل قدر الإمكان من ناحيتها الحروب، وتستغل الفترة الانتقالية كي تتعزز وتتطوع.

كل الحروب والحملات العسكرية لم تنجح في احداث تغيير أساسي في وضع العداء ضدنا. تغيير أساسي في الوضع نشأ فقط في اعقاب اتفاقات السلام جاءت الهجمة المفاجئة في 7 أكتوبر وسارع كثيرون لان ينسوا الحقيقة البسيطة التي عبر عنها بن غوريون على حد قولهم، نبع الإخفاق الأمني من أننا سمحنا لحماس ان تتعاظم، وانه فقط لو كنا سبقنا وصفينا السنوار لما كنا قد تفاجأنا بزعمهم وقعنا في مفهوم مغلوط، في ادمان على الهدوء، في ضعف عسكري ومدني لو كنا فقط خرجنا الى المعركة الأخيرة على غزة قبل الأوان.

لو كان ممكنا تصفية حماس قبل الأوان، فكيف وصلنا إذن الى الوضع الحالي؟ فإسرائيل حكمت قطاع غزة منذ 1967 ، وقبل وقت طويل من قيام حماس. لعل الخطأ كان الخروج من غزة في فك الارتباط؟ لكن في واقع الامر قبله أيضا كانت عمليات من غزة ونار صواريخ القسام. يحتمل أن يكون اتفاق أوسلو هو مصدر الخطأ، وكان محظورا ان نعطي م.ت.ف غزة. لكن في واقع الامر، أوسلو كان الرد على الانتفاضة الأولى التي تضمنت اضطرابات وإرهاب في غزة. فلماذا إذن لم ننجح في قمع الغزيين قبل ذلك؟

السبب، كما يبدو كان واضحا لبن غوريون مع قيام الدولة إسرائيل لا يمكنها أن تفرض بالقوة على اعدائها انهاء النزاع. ومثلما لم ننجح في الحروب في ردع مصر الى أن اختار السادات السلام، ومثلما لم ننجح في منع الإرهاب وتطور منظمات معادية في لبنان هكذا لم ننجح ابدا في تصفية الإرهاب في الضفة وفي غزة. لا يوجد مرة واحدة والى الابد”. ما كان واضحا في 1950 نسي في 2024

لكن حتى من نسي يرى الوضع الحالي بعد نصف سنة من الحرب. للجيش الإسرائيلي لن تكون ابدا ظروف مريحة لخطوة عسكرية. الشرعية الخارجية والداخلية اتاحت إنجازات استثنائية من ناحية تفكيك بني حماس، لكن هل اقتربنا من تصفية نهائية للتهديد من غزة؟

الادعاء في هذه اللحظة هو انه لا تنقص الا العملية المنهية في رفح. أحقا؟ قوات الجيش الإسرائيلي عادت الى مدينة غزة والى مستشفى الشفاء فقط كي تجدهما غارقين بالمخربين فهل بعد تفكيك كتائب رفح ستختفي حماس حقا مثلما اختفت من شمال القطاع؟

هل الوضع الذي وصلنا اليه لا ينبع الا من نقص التصميم العسكري والسياسي أم أنه وليد مبدأ أساسي اكثر؟ هل حقيقة اننا تعرضنا الى ضربة أليمة كهذه في 7 أكتوبر تزيد بشكل عجيب قوتنا بحيث نتمكن ببساطة من إخفاء العدو في غزة مرة واحدة والى الابد؟

الجيش الإسرائيلي يشارك في التظاهر في أننا في الطريق الى تحقيق المستحيل، وان الخطوة العسكرية يمكنها أن تلغى التهديد من غزة. هل لدى رئيس الأركان خطة عملية لاخفاء التهديد من غزة؟ هل يوجد لديه القوات، العتاد، الاسناد الدولي لتحقيق مثل هذا الهدف؟ واذا كان ليس ممكنا تصفية التهديد بشكل مطلق – فما الذي يمكن تحقيقه، وكيف يحول هذا الإنجاز الى واقع مرض لبلدات الغلاف؟ رئيس الأركان ملزم لنا بجواب على هذه الأسئلة. حتى لو لم يكن دافعنا ابدا اعلى مما هو عليه، فلن يكون ممكنا بعد اليوم قبول اقوال غامضة عن سند قتال الجيش الإسرائيلي ملزم بان يعرض خطة عملية لانهاء الحرب تحت اضطرارات الواقع الإسرائيلي والدولي. حتى لو كان المعنى انه لا ولن يكون “مرة واحدة والى الابد”.

———————————————

هآرتس/ ذي ماركر 28/3/2024

خطوة سموتريش المصرفية… انهيار للسلطة و”أوسلو” أم تمهيد لـ”عِملة دولة فلسطينية”؟

لقد بقي يومان فقط لمنع انفصال البنوك الفلسطينية عن منظومة إسرائيل البنكية. لا يبدو أن الحكومة مستعجلة لفعل شيء بهذا الشأن. وزير المالية، سموتريتش، يصمم على الوصول إلى فصل بنكي كهذا، ومن كان يستطيع وقفه، رئيس الحكومة نتنياهو، لا يسارع إلى عقد الكابنيت السياسي – الأمني لاتخاذ قرار يتجاوز الوزير. إذا لم يتم عقد الكابنيت حتى الجمعة وإذا لم يتم اتخاذ قرار آخر فيه، فستبدأ من الإثنين القادم قطيعة للبنوك الفلسطينية عن المنظومة البنكية في إسرائيل – وعن كل العالم.

بنكا “ديسكونت” و”هبوعليم” هما اللذان يجريان الآن اتصالات البنوك الفلسطينية مع المنظومة البنكية. هما يعملان كبنكين رابطين – أو مراسلين – للبنوك الفلسطينية مع المنظومة المصرفية في إسرائيل وكل العالم المالي. كما هو معروف، يقوم الاقتصاد الفلسطيني على الشيكل، لذا يجب أن تمر علاقته مع العالم عبر بنك إسرائيل المركزي والبنوك الإسرائيلية. في اتفاق أوسلو، التزمت إسرائيل أيضاً بوجود هذه العلاقة البنكية.

لكن هذين البنكين الإسرائيليين يعرضان أنفسهما لمخاطرة كبيرة لأنهما ضامنين للبنوك الفلسطينية، ولأن البنوك الفلسطينية ترفض الامتثال لقواعد حظر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. عملياً، تضع السلطة الفلسطينية العقبات أمام إجراء تفتيش دولي، الذي سيتأكد من عدم ارتكاب البنوك الفلسطينية مخالفة تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب. في ظل غياب هذه الرقابة، وإذا تبين أن البنوك الفلسطينية مولت الإرهاب، فستكون البنوك الإسرائيلية الضامنة معرضة لتقديم دعاوى ضدها، بما في ذلك دعاوى جنائية.

هذا هو السبب الذي من أجله، منذ العام 2009، يريد البنكان وقف العلاقة مع البنوك الفلسطينية، وإسرائيل هي التي توسلت لهما خلال هذه السنين من أجل الاستمرار في ذلك. ولإقناع هذين البنكين على الموافقة على الاستمرار في ذلك، اتخذت الدولة ثلاث خطوات: أولاً، أقامت شركة حكومية باسم شركة المراسلة محدودة الضمان، التي تكون مسؤولة عن العلاقة مع البنوك الفلسطينية. ولكن الشركة لم تبدأ في العمل بعد. ثانياً، تعد الدولة البنكين بالحصانة أمام الدعاوى الجنائية في إسرائيل، ووعدت بالحماية من الدعاوى المدنية التي تقدم ضدهما. مؤخراً بسبب زيادة المخاطرة بتقديم دعاوى بسبب تمويل الإرهاب في أعقاب 7 أكتوبر، طلب البنكان زيادة حجم التغطية المعطاة لهما.

الحماية والتعويض اللذان تعطيهما لهما المحاسب العام في وزارة المالية، سينتهيان الأحد 31 آذار. في الوضع العادي كانت الدولة ستستأنف هذه الحماية وتجري مفاوضات مع البنكين حول ما يتعلق بطلبهما زيادة مبلغ الحماية (التعويض)؛ لكن الدولة لم تبدأ هذه المرة بإجراءات تمديد الحماية. وحسب وضع الأمور الآن، ستنتهي الحماية ولن تجدد الأحد.

انتقام سموتريتش

سبب عدم تمديد التعويض “الحماية”، هو قرار وزير المالية سموتريتش معاقبة الأمريكيين والبنوك الإسرائيلية على تفعيل العقوبات على بعض المستوطنين المتطرفين. ولأن الإدارة اعتبرت المستوطنين المتطرفين إرهابيين، فإن جميع البنوك في العالم الخاضعة لقواعد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب كان عليها وقف نشاطاتهم المالية. هكذا فعلت البنوك في إسرائيل عندما أغلقت حساباتهم. غضب سموتريتش من هذه الخطوة، رغم أن الأمر يتعلق بعدد محدود من الإسرائيليين مقابل آلاف الإرهابيين الفلسطينيين الذين تم تجميد حساباتهم استناداً لنفس السياسة، لذلك قرر القيام بخطوة مقاطعة البنوك الفلسطينية بواسطة وقف الحماية المعطاة لبنكي هبوعليم وديسكونت.

بدون هذه الحماية، يتوقع إعلان هذين البنكين بدءاً من الأسبوع القادم وقف النشاطات مع البنوك الفلسطينية. وقد تكون والتداعيات المالية باهظة: أي شركة إسرائيلية تجري علاقات تجارية مع السلطة الفلسطينية لن تستطيع إيداع الشيكات الفلسطينية أو الحصول على دفعات من البنوك الفلسطينية. يدور الحديث عن إضرار كبير بكل من له علاقات تجارية مع فلسطينيين. ببساطة، لن يحصلوا على الدفعات التي يستحقونها.

والعمال الفلسطينيون الذين حسب قرارات الحكومة يجب أن يحصلوا على رواتبهم عن طريق البنك وليس نقداً، لن يتمكنوا من تسلم رواتبهم في البلاد، ويجب أن يكون الدفع لهم نقداً فقط.

إذا لم يكن هذا كافياً، فسيتم قطع السلطة الفلسطينية نفسها عن العالم المالي وعن اقتصاد إسرائيل – فصل سيؤدي إلى انهيارها. عملياً، قد يتدهور الاقتصاد الفلسطيني إلى مستوى غزة بكبسة زر. التداعيات من ناحية إسرائيل كارثية. انهيار الاقتصاد الفلسطينية والسلطة الفلسطينية يعارض مصلحة إسرائيل، وإن عودة الاقتصاد الفلسطيني إلى الاعتماد على الدفع نقداً فقط في ظل غياب علاقات بنكية، ستفاقم خطر تمويل الإرهاب.

بشكل عام، هي خطوة ستفسرها العالم بأنها خرق لاتفاق أوسلو، ومحاولة متعمدة لتدمير السلطة الفلسطينية. لذلك، يتوقع حدوث تداعيات خطيرة:

أولاً، ربما يؤدي هذا إلى فرض مقاطعة للبنوك الإسرائيلية بذريعة أنها بذلك تتعاون مع الحكومة على تدمير البنوك الفلسطينية. بدلاً من أن تدخل البنوك الفلسطينية إلى حصار، قد تجد البنوك الإسرائيلية نفسها في حصار دولي، وإذا حدث ذلك فسينهار اقتصاد إسرائيل.

ثانياً، إذا ظهرت إسرائيل على أنها خارقة لاتفاق أوسلو وتعمل على تدمير المنظومة المالية الفلسطينية، فسيكون للسلطة الفلسطينية شرعية في إصدار عملة خاصة بها، وتطالب العالم الاعتراف بها. وإذا حدث ذلك، فهي الخطوة الأولى قبيل اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية المستقلة. المعنى، أنه بدلاً من تدمير السلطة الفلسطينية، فقد تكون هذه العملية خطوة أولى لإقامة الدولة الفلسطينية.

الحكومة تقوض مصلحة إسرائيل

الاعتبارات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، جميعها تدعم استمرار العلاقة مع البنوك الفلسطينية، وهذا هو السبب في إغراء إسرائيل بنكي العمال وديسكونت طوال السنين للاستمرار في هذه العلاقة بضمان حماية وتعويض في حالة تقديم أي دعاوى ضدهما. هذا إلى أن جاء سموتريتش الذي يرفض استئناف العلاقات مع البنوك الفلسطينية حتى مقابل مخاطرة بأنها خطوة ستؤدي بشكل معاكس إلى إقامة الدولة الفلسطينية.

التقدير حتى الفترة الأخيرة هو أن الأمريكيين سيتدخلون ويطلبون من نتنياهو تجاوز سموتريتش واتخاذ قرار حول تمديد التعويض والحماية في الكابنت السياسي – الأمني. ولأن نتنياهو منشغل بمقاطعاته الخاصة، فهو الآن يقاطع الإدارة الأمريكية. بناء على ذلك، امتنع نتنياهو حتى الآن الإعلان عن عقد الكابنت وعن طرح موضوع الحماية والتعويض لمناقشته. نأمل عقد الكابنيت في الأيام القريبة القادمة. ولكن لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار حول ذلك.

———————————————

يديعوت أحرونوت 28/3/2024

هل كان “منع الفيتو الأمريكي” متفقاً عليه مع تل أبيب؟

بقلم: سيفر بلوتسكر

تبدو أمريكا مختلفة عن صورتها الإسرائيلية. نعتقد أن الحرب في غزة بكل تداعياتها وتعقيداتها هي على رأس جدول أعمال الخطاب السياسي الأمريكي، وتتسلل إلى عظام المواطن العادي أو على الأقل إلى أبناء وبنات النخب على أنواعها. لكن الواقع على الأقل خارج الجالية اليهودية المنقسمة والقلقة والمكتئبة، لم يعد يتطابق وهذه الصورة. في الأسابيع الأخيرة، دحرت الحرب في غزة من مقدمة الساحة العامة إلى أطرافها، وحتى المقالات الملتهبة لكُتّاب الرأي المتصدرين لم تعد تحظى باهتمام خاص، فما بالك بالتعقيب.

“أمريكا” يقول لي بروفيسور في السياسة في إحدى جامعات الشاطئ الشرقي الأمريكي، “تغرق بسرعة في حملة انتخابات الرئاسة التي تركزت كلها على دونالد ترامب. سيكون خط الجبهة مع أم ضد ترامب. أما ما تبقى فأقل أهمية. الشرق الأوسط ليس مهماً”.

هذا التقدير الواعي ينعكس في التقارير والمداولات على الأزمة الأخيرة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: فهي قليلة وهزيلة وسطحية. عملياً، يكرس لها مساحة إعلامية أقل من التقارير عن انهيار جسم قرب مدينة بالتيمور وعن مناورات البورصة لدى ترامب. “جامعتي” يروي البروفسور، “عصفت قبل شهر باحتجاجات مؤيدة للفلسطينيين وشكاوى طلاب ومحاضرين يهود عن اللاسامية التي ترفع الرأس. كل هذا يخبو الآن. أصبحت المظاهرات هزيلة من حيث المشاركين، وعاد الطلاب إلى قاعات المحاضرات والامتحانات، وانتقل الحديث عن اللاسامية إلى معالجة لجان جمعية داخلية عديمة الأسنان. باختصار، انقضت الموجة”.

هذا لا يعني وجود انعطافة في أوساط الطبقة التي تصمم الرأي العام الأمريكي في صالح حكومة إسرائيل الحالية. العكس هو الصحيح، ثمة يأس تام منها. لكن تبلور معه فهم بأن الصراع على مستقبل أمريكا في تشرين الثاني 2024 لن يحسم في أزقة غزة وفي قرى جنوب لبنان، بل بارتفاع الأجر، ووتيرة الغلاء، ومعدلات العمالة وأعداد المهاجرين غير القانونيين في ثماني حتى عشر ولايات أساسية حيوية للانتصار في الانتخابات.

وفوق كل شيء، سيتركز التصويت على مسألة هل أنتِ وأنتَ مع أم ضد ترامب – وليس مع أو ضد الرئيس الحالي. ويقول محلل سياسي لصحيفة جماهيرية إن “بايدن يلعب في حملة الانتخابات الحالية دور المناهض لترامب، وهذا كل شيء. هو لا يحاكم من مؤيدي الحزب الديمقراطي (الذي هو مرشحه للرئاسة) على خطواته وقراراته وسياسته، بل على قدرته أم عدم قدرته على هزيمة ترامب. عندما يعرض ترامب من قبل الليبراليين كالشر المطلق، فجهد منع عودته إلى كرسي الرئاسة هو كل شيء”.

ثمة محللون وسياسيون في واشنطن العاصمة يؤمنون بأن الأزمة الأمريكية الإسرائيلية الأخيرة تستهدف منذ البداية “خدمة صورة بايدن في أوساط التقدميين، دون التشكيك بدعم قوي له لدى جماهير المقترعين اليهود”. إن رد نتنياهو الغاضب ظاهراً إزاء امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن وعلى مشروع القرار الداعي لـ “وقف نار في فترة رمضان” و”تحرير فوري غير مشروط لكل المخطوفين”، هو أمر خدم الرئيس. وحسب رجل دولة أمريكي، “لولا رد بيبي” لمسّ الامتناع الأمريكي في مجلس الأمن بتأييد دوائر اليسار لبايدن. لكن عندما خرج نتنياهو مزبداً ضده وأجّل موعد زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن، فهو بذلك صنع جميلاً انتخابياً لبايدن إذ عرضه كمقاتل من أجل الفلسطينيين الذين يعانون وينكل بإسرائيل. من يدري، لعله حقاً كان هنا تفاهم هادئ من قبل؟”.

لم يكن هناك تفاهم مسبق، وإن كان فليس مؤكداً أن يحلم نتنياهو في لياليه القاسية بعودة ترامب إلى البيت الأبيض. لعل بايدن بالذات جيد لبيبي، وبالعكس؟ والمؤكد حقاً هو اللجة السوداء التي يغرق فيها الوسط الليبرالي الأمريكي، العمود الفقري للنظام العالمي الديمقراطي. بات اليأس يأكله بملء فم، ويخاف من نتائج الانتخاب التي ستعرض على الشعب الأمريكي في تشرين الثاني القادم، بين شعبوي محتال عديم الكوابح ومحرض ومنكل من جهة، ومعارك سياسي قديم تعب يعد في نظر الكثيرين جداً عجوزاً وليس زعيماً قومياً مؤهلاً لقيادة القوة العظمى الوحيدة في وجه قوى الشر المتعززة من الداخل والخارج. انتخاب من الجحيم.

———————————————

هآرتس 28/3/2024

“لبنان3” تقترب والضفة تشتعل.. وإسرائيليون: جنودنا يقتلون “يومياً” ومخطوفونا تلتهمهم أنفاق غزة.. ماذا يفعل الوزيران في إيلات؟

بقلم: عاموس هرئيل

الحرارة على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية ترتفع، لكن بطريقة تحت مستوى الحرب الشاملة. لو أخبرونا قبل سنة بأن صواريخ ستطلق على الأراضي الإسرائيلية من لبنان لمدة ستة أشهر بشكل متواصل، وأن 60 ألف إسرائيلي من سكان المنطقة الحدودية سيتركون بيوتهم، وأن إسرائيل ستحصي أكثر من 20 قتيلاً، لبنان نحو 350 قتيلاً، لقلنا إنها الحرب. تستمر إسرائيل وحزب الله في تجنب المواجهة الشاملة حتى لو ما زال تغيير ذلك ممكناً.

أحداث الأيام الأخيرة تعكس تصعيداً آخر، إسرائيل تهاجم العمق اللبناني، شمال بيروت وفي البقاع. وعلى مرمى الهدف منظومات مسيرات حزب الله وعدد من بطاريات الدفاع الجوي. يرد حزب الله بكتلة حرجة من القذائف – رشقات تصل إلى 50 قذيفة في اليوم، لكنه لا يخلق معادلة متساوية، مهاجمة في عمق 100 كم داخل إسرائيل، بل يوجه هذه الرشقات نحو الجليل، ومرات لهضبة الجولان.

تبادل إطلاق النار أمس كان أكبر من العادة. سلاح الجو قصف بيتاً يؤوي سبعة نشطاء من منظمة إرهابية إسلامية، الجماعة الإسلامية، والسبعة الذين حسب الجيش كانوا في طريقهم لتنفيذ عملية في مزارع شبعا قتلوا. في الصباح قتل مواطن، عامل في مصنع بـ “كريات شمونة”، بنيران الصواريخ التي أطلقت نحو المدينة. قبل المساء زاد سلاح الجو هجماته، وتم الإبلاغ من لبنان عن قتلى آخرين.

منذ بداية الحرب، فضل حزب الله تجنب إرسال رجاله في محاولة للتسلل إلى أراضي إسرائيل. ألقيت هذه المهمة على منظمات سنية وفلسطينية أصغر – حتى الآن تم صد هذه المهمة بنجاح على يد الجيش الإسرائيلي. حزب الله والمنظمات التي تعمل بتنسيق معه تتعرض لإصابات لا بأس بها، ليس قتلى فقط، بل مهاجمة إسرائيلية ممنهجة لقيادات ومواقع عسكرية ومخازن سلاح على طول الجبهة.

والنتيجة أن معظم رجال الرضوان، قوة النخبة في حزب الله، انسحبوا من القطاع الحدودي. وثمة ظاهرة مشابهة بحجم أصغر، يتم تشخيصها أيضاً في أوساط ألوية الأمن الجاري لحزب الله التي تنتشر في جنوب لبنان. في موازاة ذلك، يهتم الجيش الإسرائيلي ببث أنه يستخلص الدروس من الحرب في قطاع غزة لإعداد قواته لحرب أكثر كثافة في لبنان. جرى في الفترة الأخيرة تدريب على هذا الشأن في المنطقة الشمالية.

العمليات ضد منظومات المسيرات وصواريخ أرض – جو لحزب الله تتم في عمق لبنان، وقد استهدفت تحسين تفوق سلاح الجو العملياتي إذا ما اندلعت حرب شاملة. ولكن جميع هذه العمليات لا توفر أي مخرج من الظروف غير المحتملة التي اضطر فيها سكان منطقة الحدود للمغادرة (عدد مضاعف تقريباً من اللبنانيين تركوا قراهم على الجانب الثاني للحدود).

يبدو أن نقطة الانطلاق المحتملة من الأزمة معروفة. فقد أوضحت الإدارة الأمريكية نيتها استئناف الجهود السياسية للتوصل إلى هدنة على الحدود بين إسرائيل ولبنان في اللحظة التي يعلن فيها عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في القطاع. ولكن الاتصالات حول وقف إطلاق النار وصفقة تبادل في غزة وصلت إلى طريق مسدود، والجمود يؤثر أيضاً على الساحة اللبنانية التي تعتبر ثانوية، لكنها قد تتحول بسهولة إلى الساحة الرئيسية، وأن تؤدي إلى نزيف بقوة أكبر.

الحياة نفسها

منطقة الشمال تثير اهتماماً وقلقاً إزاء تفاقم الحرب، لكنها تعمل بقوة متغيرة حتى في ساحات أخرى. ففي القطاع، قتل أمس جندي من لواء جفعاتي في مواجهة مع مخربين في خان يونس. وفي مدينة غزة يستمر الجيش في فرض حصار مشدد على مستشفى الشفاء الذي يتحصن فيه عشرات المسلحين، بينهم نشطاء كبار. في الضفة الغربية عملت قوة عسكرية كبيرة في مخيم جنين للاجئين وقتلت عدداً من المسلحين. ويعلن الجيش يومياً عن إحباط عمليات واعتقال أعضاء من حماس في أرجاء الضفة الغربية.

كل ذلك لا يزعج الحكومة في التركيز على الحياة نفسها. الشجار الصاخب مع الإدارة الأمريكية والمناورات السياسية المعقدة في محاولة لتأجيل الانفجار بين الليكود والأحزاب الحريدية إزاء تمرير قانون الإعفاء من التجنيد لناخبيهم. وفي القدس يستمر هجوم نشر المعلومات الكاذبة حول التصويت في مجلس الأمن وصفقة المخطوفين. أما مكتب رئيس الحكومة فيقول إن حماس رفضت اقتراح الحل الوسط الأمريكي بخصوص المخطوفين، لأنها استغلت الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة حول امتناع أمريكا عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن. والإدارة الأمريكية نفت ذلك وقالت إن رفض حماس كان قبل التصويت.

أمس، بعد أن ألغى نتنياهو بعثة سياسية إلى واشنطن لمناقشة الخلافات في قضية العملية المخطط لها في رفح، تراجع نتنياهو وطلب إعادة تنسيق الزيارة. وقالت إسرائيل إن الأمريكيين هم الذين طلبوا اللقاء، وواشنطن نفت ذلك. القراء هم الذين سيقررون أي الروايتين أصدق.

الردود حول الأزمة مع واشنطن نشرت من خلال الاتصالات المحمومة مع الحريديم في محاولة لحل أزمتهم. يصعب إدراك كيف يمكن لأبناء عائلات المخطوفين المحتجزين في غزة أو آباء الجنود الذين ما زالوا يقاتلون في غزة وعلى الحدود مع لبنان، الانتقال إلى روتين الحياة على خلفية هذه الأمور. جنود يقتلون تقريباً كل يوم، ومخطوفون يموتون في الأنفاق في غزة، والحكومة تنشغل في ترتيب إعفاء من الخدمة العسكرية لعشرات آلاف الشباب الحريديم (في الواقع مئات الآلاف، حتى نهاية كل الأجيال).

تجمع أمس عدد كاف من المواطنين الغاضبين للتشويش على خطابات وزيرين في مؤتمر العقارات الذي يعقد في إيلات (عقده أمر غريب في هذا الوقت)، كان هذا هو الرد التلقائي الذي واجهه الوزراء في الأسابيع الأولى بعد الفشل الفظيع، الذي يرفض نتنياهو نفسه الاعتراف بالمسؤولية عنه حتى بعد مرور نصف سنة. ربما حان الوقت لاستئناف التقليد.

———————————————

هآرتس 28/3/2024

للعالم: لا أحد يريد الحرب من أجل الحرب.. إلا “أكثر دولة محبة للسلام!”

بقلم: جدعون ليفي

إسرائيل تريد الحرب، المزيد من الحرب، أكبر قدر ممكن، وربما حتى أكثر من ذلك. لقد انتهت أيام طفولتنا التي قالوا لنا فيها إن دولة إسرائيل تريد السلام أكثر من أي شيء آخر. ظهرنا في نظر أنفسنا كمحبين للسلام، شعب كامل، لقد انقضت الأيام التي تفاخرنا فيها أمام كل ضيف من الخارج بأن التحية السائدة عندنا هي “سلام”. هل هناك شعب آخر يقول “سلام” كلما خاطب أحداً؟ نحن، المحبون للسلام. هكذا قالوا لنا وهكذا اعتقدنا. العفو، العرب والمسلمون يقولون أيضاً “سلام”، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قوله لنا. نحن من أكبر المحبين للسلام على وجه الأرض. انظروا ما الذي فعله بنا الأشرار. عندما كنا نظهر في بعثات الشبيبة مع الجاليات اليهودية في أمريكا، كنا نرقص “الهورا” بقمصان مطرزة على أنغام “أغنية السلام” – اليهود المتأثرون كانوا يمسحون دموعهم. أي شعب هذا. أي توق للسلام. نحن نحب السلام، والعرب يسعون للحرب. هذا ما قالوه لنا عندما كنا أطفالاً، وهذا ما قلناه لأنفسها وللعالم، الذي للحظة صدقنا.

إسرائيل تريد الحرب. يقال هذا بصراحة الآن، دون مراوغة وطمس؛ أكبر قدر من الحرب حسب الحكومة، وأكبر قدر من الحرب حسب المعارضة. حتى المزيد من هذه الحرب كما يقول من يحتجون في الميادين، الذين بالتأكيد لا يصرخون بعكس ذلك، لا يريدون سوى وقف الحرب من أجل إطلاق سراح المخطوفين وإقصاء نتنياهو، وبعد ذلك يمكننا العودة إلى ساحات القتل إلى الأبد.

المزيد والمزيد من القتل، المزيد والمزيد من التدمير. شهوة الانتقام والتعطش للدماء مغلفة بأقنعة ومبررات واعتبارات كثيرة، بعضها بعد 7 أكتوبر، الذي أخرجنا من الصندوق. ربما تبدو الصورة معقدة، لكن لا يمكن طمس الحقيقة الخالدة التي تفيد بأن كل العالم يريد إنهاء هذه الحرب، باستثناء دولة واحدة ووحيدة. لم تكتمل كمية الدماء التي تريد سفكها بهدف تدمير حماس، الذي لن يتحقق أبداً. لم يبق إلا التفكير بأن إسرائيل تريد القتل والتدمير في غزة فقط من أجل القتل والتدمير. هذان الهدف.

يمكن القول إنه إذا لم ندمر حماس فسيستمر وضع الحرب إلى الأبد، وهذه بشكل عام حرب من أجل السلام. ولكن لا يمكن تصديق ذلك مع غياب خطة سياسية وراء شهوة الحرب. بقيت الحقيقة المجردة، وهي أن إسرائيل ببساطة تريد الحرب، وكذلك اليسار واليمين والوسط، الجميع.

هذا واقع فظيع. في البداية ألغينا السلام كقيمة وهدف وحلم، والآن حولنا الحرب إلى قيمة يجب النضال من أجلها ضد كل العالم. أقلية أمام أكثرية، سنحارب من أجل حقنا في الحرب. أقلية أمام أكثرية، سنحارب من أجل حقنا في القتل والتدمير بدون تمييز.

التهديد الأكبر على إسرائيل الآن هو وقف الحرب. أين سنذهب؟ حقيقة أن الحرب هي الاختراع الإنساني الأكثر شيطنة، نسيناها. إن قول اصنعوا السلام وليس الحرب، هذا للساذجين والأغبياء. استمرار الحرب هو ما يوحد إسرائيل في علاقة متينة. نحن مستعدون لدفع أي ثمن لمواصلة الحرب، بما في ذلك تدمير علاقاتنا مع الولايات المتحدة، التي هي ليست وبحق محبة معروفة للسلام، والتي حتى هي نفسها تطلب وتقول: كفى.

شهوة الحرب، لا غيرها. لا أحد يفرضها علينا، ولا حتى 7 أكتوبر المخيف، اخترناها من بين كل الشعوب، ونحن من بين دون الشعوب كلها نختار استمرارها، بدون أي معارضة في إسرائيل. يجب دخول رفح ثم بعلبك، بعد ذلك سنعود إلى شمال قطاع غزة لأنه يجب علينا ذلك، بعد ذلك نتجه إلى طهران، لأنه لا خيار آخر.

ما الذي تقترحه؟ الاستسلام؟ التدمير؟ الكارثة؟ إسرائيل تريد المزيد من هذه الحرب. تعتقد أن هذا مسموح لها، وهي تفعله بشكل جيد.

———————————————

 إسرائيل هيوم 28/3/2024

باحثان إسرائيليان: عدم استخدام “الفيتو” يعكس أزمة بين واشنطن وتل أبيب وسيؤثّر سلبا على التطبيع مع السعودية

يستعرض باحثان في معهد دراسات إسرائيلي يميني معاني الأزمة الراهنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويزعمان أن طرفها الآني ليس بنيامين نتنياهو بل إسرائيل، وأن الضغط الأمريكي عليه سيخدمه ويأتي بنتائج معكوسة.

ويقول الباحثان في معهد “مسغاف” للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، غابي سيبوني وكوفي ميخائيل، إنه للمرة الأولى منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر امتنعت الولايات المتحدة عن فرض الفيتو (حق النقض) على اقتراحَي قرارَين طُرحا على مجلس الأمن في الأمم المتحدة للموافقة. ويتابعان: “صحيح أن القرارَين اللذين اتُّخذا غير مُلزمَين لأنهما لم يكونا ضمن البند السابع في وثيقة الأمم المتحدة، الذي يفرض تطبيق القرار عبر فرض العقوبات، لكن في جميع الأحوال، المقصود سابقة خطِيرة وإشكالية في سلوك الولايات المتحدة إزاء الحرب ضد “حماس” عموماً، وإزاء كل ما له علاقة بمنظومة العلاقات مع إسرائيل خصوصاً. علاوةً على ذلك، هناك دول استفادت كثيراً من القرار. لقد أعلن رئيس كولومبيا غوستافو بيترو قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إذا لم تطبّق هذه الأخيرة القرار”.

ويقول الباحثان الإسرائيليان إنه في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تمتنع فيها الولايات المتحدة عن فرض الفيتو على قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل، فقد سبق أن امتنعت عن استخدام الفيتو ضد القرار 2334 ضد المستوطنات، والذي اتُّخذ في كانون الأول/ديسمبر 2016، خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما، لكن هذا جرى في أواخر ولاية رئيس ديموقراطي، وليس في أثناء الحرب. ويضيفان: “عندما نقارن هذا بما حدث، ندرك أن ما جرى هو خطوة أمريكية غير مسبوقة من حيث خطورتها، وهو ما يدل على خطورة الأزمة بين البلدين، وخصوصاً بين الرئيسين”. ويعتقد الباحثان أن الولايات المتحدة قصدت بامتناعها إضعاف إسرائيل وإنضاج الظروف لفرض وقف الحرب بواسطة صفقة تحرير المحتجزين ووقف إطلاق نار مستمر، تتخلله مراحل من وقف النار وإطلاق المحتجزين، بينما الهدف الواضح هو وقف الحرب، حتى لو كان الثمن عدم تحقيق أهدافها كما حددتها الحكومة الإسرائيلية، وأيّدتها الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة قصدت بامتناعها عن استخدام الفيتو فرض وقف الحرب، حتى لو كان الثمن عدم تحقيق أهدافها كما حددتها الحكومة الإسرائيلية، وأيّدتها واشنطن

وطبقا للباحثين الإسرائيليين، فإنه إذا كان هناك مَن يشكك في ماهية قرار امتناع الولايات المتحدة من استخدام الفيتو، وفي دلالاته وإشكالياته، فيكفي أن يستمع إلى ترحيب “حماس” بالقرار، ومجرد هذا الترحيب يدل على أن القرار يصب في مصلحتها، وبواسطته، يمكنها الدفع قدماً بأهدافها، لذلك، هو بالتأكيد قرار سيء بالنسبة إلى إسرائيل، ويُلحق الضرر بمصالحها الحيوية. ويشيران إلى أن هناك مَن يربط القرار الأمريكي باعتبارات داخلية لها علاقة بحملة الانتخابات الرئاسية للرئيس بايدن، وأنه من أجل استرضاء الناخبين المسلمين والتقدميين، وذلك في ضوء وضع بايدن الصعب والانتقادات اللاذعة الموجهة إليه وإلى إدارته بسبب دعمهما إسرائيل. كما يقولان إن هناك مَن يعزو ذلك إلى الاستياء العميق وخيبة الأمل اللتين يشعر بهما الرئيس والإدارة حيال سلوك الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، والمماطلة والامتناع من مناقشة “اليوم التالي للحرب”، وقبل كل شيء، تحدي الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن نفسه. ويرجحّان أن تكون هذه عوامل مؤثرة، لكن يبدو أن هناك أسباباً جوهرية أكثر، تتعلق بالرغبة الأمريكية في تحقيق إنجاز سياسي مهم، قادر على الدفع قدماً برؤيا الهندسة الإقليمية الجديدة المضادة للمحور الإيراني، ومنع توسُّع الحرب إلى حرب إقليمية، وتفادي المواجهة المباشرة مع إيران، وتجنُّب الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، والمشاركة الواسعة من الجنود الأمريكيين في الحرب في الشرق الأوسط.

حجر الزاوية

وقال الباحثان إن حجر الزاوية في هذه الرؤيا، أو الاستراتيجية الأمريكية، هي وقف الحرب في غزة بصورة تتضمن ترميم السلطة الفلسطينية وإعادتها إلى قطاع غزة، والدفع بفكرة الدولتين وفي نظر الأمريكيين، سيسمح وقف الحرب بإنهاء القتال في الشمال ضد حزب الله، والمواجهة مع الحوثيين. ومن هنا يستنتجان: بما أن وقف النار في القطاع هو حجر الأساس في هذه العملية كلها، فإن الولايات المتحدة مستعدة لفرض وقف الحرب على إسرائيل، حتى لو كان الثمن عدم استكمال أهداف الحرب وتفكيك المنظومتين الحكومية والعسكرية لـ”حماس” في قطاع غزة. ويضيفان: “يبدو أن فرضية العمل الأمريكية هي أن “حماس” لن تبقى هي السيد في القطاع بسبب عودة السلطة الفلسطينية، أو جهة من طرفها، إلى قطاع غزة”. وبنظرهما، من المشكوك فيه أن يعتقد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية حقاً أن هناك إمكانية لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وفي إمكانية أن تعمل السلطة كحكومة فعالة في القطاع. وحسب منطق هذين الباحثين الإسرائيليين، يمكن الافتراض أن تأليف حكومة تكنوقراط في السلطة الفلسطينية هو نوع من ذرّ الرماد في العيون، ولن يؤدي إلى الدفع قدماً بإصلاحات مهمة في السلطة الفلسطينية وبناءً على ذلك، من الصعب عدم التعامل مع القرار الأمريكي بشأن عدم استخدام الفيتو على أنه يدل على أمر أعمق، وهو يذكّر بمنع إسرائيل في نهاية حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 من تدمير الجيش المصري الثالث.

عدم استخدام الفيتو يذكّر بمنع إسرائيل في نهاية حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 من تدمير الجيش المصري الثالث

استمرار النزيف

ويمضي الباحثان في استعراض تبعات القرار الأمريكي: “في الحالتين، يبدو أن الدافع واحد، وهو عدم السماح لإسرائيل بتحقيق الانتصار، واستمرار النزيف أعواماً طويلة، وهو ما يعمّق اعتمادها على الولايات المتحدة، ويحدد واقع العلاقة بين المدير والزبون. من المحتمل أننا هنا أمام اعتبار استراتيجي عميق وبارد ووحشي، الغرض منه ضمان المصالح الأمريكية، حتى لو كان الثمن التضحية بمصالح حيوية بالنسبة إلى إسرائيل. وإذا كانت هذه الاعتبارات هي التي توّجه سلوك الولايات المتحدة، فإنه سلوك يدل على عدم فهم عميق لِما يجري في الشرق الأوسط، وسيدفع كثيرون في المنطقة أثمانه الباهظة، بمن فيهم الحلفاء المقربون”. ويقول الباحثان الإسرائيليان، القريبان من رؤية نتنياهو للواقع السياسي، إن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة يشكل ضربة قوية لمحاولات واشنطن الدفع قدماً بالهندسة الإقليمية التي تعتمد على السعودية، وعلى دول اتفاقات أبراهام، ويتساءلان: فإذا تخلت الولايات المتحدة عن حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط، ماذا يجب أن يفهم حلفاؤها الآخرون بشأن التزاماتها حيالهم؟.

قرار عدم استخدام الفيتو يشكل ضربة قوية لمحاولات واشنطن الدفع قدماً بالهندسة الإقليمية التي تعتمد على السعودية، وعلى دول اتفاقات أبراهام

أهداف معكوسة

ويزعم الباحثان أن الولايات المتحدة حاولت تشجيع قيام حلف دفاع ثلاثي مع السعودية وإسرائيل، لكن الآن، وبعد أن أصبح هذا حلماً بعيد المنال، ووضع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مواجهة وضع صعب، وبينما “حماس” توشك على التخلي عن مكانتها كجهة مسيطرة على قطاع غزة، فإن ما جرى مؤخراً نفخ رياحاً قوية في أجنحة محور المقاومة بكافة مكوناته، وخصوصاً زعيمة المحور إيران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإخوان المسلمين وسائر التنظيمات الجهادية. وانسجاما مع مزاعم نتنياهو التي تبين عدم صحتها للقرار الأمريكي، يدعي الباحثان الإسرائيليان أن هناك تأثيرا مباشرا في حوافز “حماس” على الدفع بصفقة المحتجزين: ترى “حماس” أن الضغط يزداد على إسرائيل وكل ما يجب القيام به هو الاستمرار في تأجيل ردها ورفع الثمن. الضغط الأمريكي على إسرائيل من أجل منعها من القيام بعملية في رفح يعطي قيادة “حماس” في القطاع دفعاً قوياً، ويرسّخ الدعم الشعبي والسياسي للحركة، كما يعزز محور المقاومة، ليس فقط في غزة، بل في لبنان، وفي إيران خصوصاً.

كما يزعمان أن الإنجاز الوحيد للأمريكيين هو المسّ برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتعميق الشرخ بينهم وبينه، انطلاقاً من التقدير أن تفاقُم الأزمة يمكن أن يؤدي إلى انتخابات في إسرائيل، وإلى تأليف حكومة أكثر قرباً من الأفكار الأمريكية. ويعتقدان أن واشنطن قد أخطاًت في فهم المجتمع والسياسة في إسرائيل، وهو أمر شديد التعقيد حتى بالنسبة إلينا كإسرائيليين: لقد فشل الأمريكيون في فهم الجدلية الحالية في السياسة الإسرائيلية، وهي أنه إلى جانب النقد اللاذع لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، هناك أيضاً إجماع واسع جداً على أهداف الحرب وضرورة تحقيقها، ومعارضة واسعة جداً لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وعدم ثقة عميقة بالفلسطينيين، وبمشروع حل الدولتين. كما أن أغلبية معارضي نتنياهو تقف ضد التدخل الأمريكي الصارخ في السياسة الإسرائيلية، وضد محاولات فرض وقف الحرب على إسرائيل قبل تحقيق أهدافها. ويخلص هذان الباحثان الإسرائيليان للقول إنه بناءً على ذلك، من المنطقي الافتراض أن الخطوات الأمريكية لن تحقق التغيير المراد في السياسة الإسرائيلية، بل على العكس، ستزيد في التأييد لنتنياهو الذي سيعتبر أنه يدافع عن المصالح الإسرائيلية وعن الكرامة الوطنية من خلال إصراره على تحقيق أهداف الحرب، حتى لو كان الثمن تفاقُم المواجهة مع الإدارة الأمريكية التي يشعر الإسرائيليون أنها تبتعد عن إسرائيل، وعن التأييد الذي أظهرته لأهداف الحرب في الأشهر الأولى، وبأنها لا تتعامل مع إسرائيل على أنها حليفة لها”.

———————————————

إسرائيل هيوم 28/3/2024

مسؤول إسرائيلي: “بعد رفح – لبنان”

بقلم: شيريت افيتان كوهن

ما بدا كجرأة كبيرة من حزب الله، في رشقات من عشرات الصواريخ نحو بلدات ومدن شمال إسرائيل، ففي فهم مسؤولين إسرائيليين كبار، ليس بعد مبررا لحرب برية. ومع ذلك، لأول مرة يقول مصدر إسرائيلي رفيع المستوى إنه بعد رفح ستكون عملية برية في الشمال: “تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم يستوجب حربا برية. هذا ما سنفعله بعد رفح، وليس بالتوازي”.

كلما مر الوقت وبدا أن التصريحات الإسرائيلية عن عملية واجبة في رفح لا تتطابق والواقع، تدعي محافل سابقة في جهاز الأمن بأنه لن يكون ممكنا تنفيذ الخطط الإسرائيلية. بزعمهم، بقدر ما تنزع الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل في الجبهة الدولية، هكذا تتضاءل تدريجيا الاحتمالات لعملية ذات مغزى في رفح.

غير أنه ليس لهذه التوقعات في هذه اللحظة شريك في القيادة السياسية الإسرائيلية. هناك، رئيس الوزراء نتنياهو وكذا وزير الدفاع غالنت، مثل الوزير غانتس، يعودون ويدعون بأنه لا مفر من عملية إسرائيلية في رفح وتصفية باقي كتائب حماس.

العملية في رفح كان يفترض بها أن تضغط حماس بصفة مخطوفين تخفف وضعها، لكن هذا الضغط لم يعطِ ثماره والمنظمة تتمترس في مواقفها.

في إسرائيل يقدرون بأن الأمر يرتبط بشكل مباشر في تراجع الدعم الأميركي لإسرائيل، والإيمان من جانب حماس بأنه بعد قليل سيهزم الضغط الدولي إسرائيل قبل أن تنطلق لتهزم المنظمة ورجالها.

رغم ذلك، من خلف الكواليس تتواصل المحادثات تحت النار، رغم عودة الوفد الإسرائيلي إلى البلاد في بداية الأسبوع. فهل ستنضج إلى صفقة؟

في القيادة السياسية قلقون من فقدان الدعم الأميركي، لكن ليس بثمن إعادة الخطط إلى الجارور. وكما نشر أول من أمس في موقع “إسرائيل اليوم”، في البيت الأبيض يبذلون جهودا منذ الآن لإعادة تنسيق وصول رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي والوزير رون ديرمر إليهم كي يعرضوا عليهما البدائل التي أعدوها لعملية واسعة في رفح.

وأفادت شبكة “ان.بي.سي”، أول من أمس، على لسان مصدر رسمي في الولايات المتحدة، بأن مكتب رئيس الوزراء نتنياهو أبلغ البيت الأبيض رغبته في إعادة تحديد موعد اللقاء الذي ألغاه احتجاجا على امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في الأمم المتحدة، لكن في المكتب سارعوا للنفي: “بخلاف ما نشر، رئيس الوزراء لم يقر سفر الوفد إلى واشنطن”.

مهما يكن من أمر، في البيت الأبيض يفهمون بأنه إلى أن يعرضوا تلك البدائل على رجال نتنياهو، لن يتمكنوا من منع خروج الخطة الإسرائيلية إلى حيز التنفيذ. غالنت، الذي يتواجد في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، تلقى هو الآخر استعراضا. لكن كما يذكر لأجل ربط نتنياهو بالفكرة سيتعين عليهم أن يقنعوا ديرمر وهنغبي أولا.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير “إن الرسالة للولايات المتحدة وللعالم مهمة من ناحيتنا – المرحلة الثالثة ليست نهاية الحرب، ولن يكون ممكنا هزيمة حماس من الجو. هذه أفكار 2006. نحن نعمل في هذه اللحظة في خانيونس والفرقة التي ستنهي العمل في خانيونس ستتوجه بعد ذلك إلى رفح”.

وعلى حد قوله، لن يكون ممكنا إخلاء الناس من رفح والسماح بالعملية العسكرية هناك قبل أن ينهي الجيش مهمته في خانيونس. رغم الضغط الدولي، أضاف “نحن نقوم بالعمل دون ساعة توقف”.

بالنسبة لمسألة محور فيلادلفيا، يبدو أنه في إسرائيل لم يتخذ بعد القرار رغم التنسيقات بين الولايات المتحدة ومصر في الموضوع.

وقالت مصادر في الكابينت إنه توجد بضعة بدائل للعملية في الجانب الجنوبي لضمان وقف التهريب، لكنه لم يتخذ القرار في كيفية العمل بعد. مثل هذا القرار سيتخذ، كما يقولون هناك، فقط بعد أن تنتهي عملية القضاء على كتائب حماس في رفح.

وعلى مسألة الدعم الأميركي، تكرر المصادر المطلعة على سياق اتخاذ القرارات، فتقول: “كان بودنا أن يتواصل الدعم لنا في المؤسسات الدولية، لكن سنعمل حتى من دونه”.

———————————————

 معاريف 28/3/2024

تسونامي أميركي ضد إسرائيل؟ التهديد بوقف المساعدات كذب وكذب

بقلم: أودي تانا

الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة تجري على قدم وساق، وكل حملة انتخابية هي عبارة عن محاولة كل حزب من الأحزاب لكسب الرأي العام.

إن تقسيم الولايات في الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين يترك لدى الطرفين، الرئيس بايدن والرئيس السابق ترامب، الرغبة في إقناع جميع الأطراف، أي أن كل طرف لديه ولايات منافقة له ومن ينافقه. الفائز هو الذي سيكون قادرًا على تحديد الولايات المتساوية. وكجزء من هذا النسيج الدقيق يحاول المرشحان إرضاء الرأي العام الأميركي، وهناك تطرح قضية دولة إسرائيل ومواطنيها مراراً وتكراراً.

إن النظرة العالمية لمعظم الأميركيين مؤيدة لإسرائيل بشكل واضح حيث أن هناك العديد من القيم المشتركة بين البلدين. ليس من قبيل الصدفة أن المرشحين يقربان إسرائيل بيد ويبعدانها باليد الأخرى، وهذا ليس ضد إسرائيل، بل هو ببساطة أسلوب محاولة إرضاء الجميع.

وعلى الرغم من التقارير الأخيرة التي ظهرت عن انفصال واضح بين الرئيس بايدن والرئيس السابق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ، كما ورد، إلا أن هناك العديد من المصالح المشتركة التي تتطلب من أمريكا مواصلة الاتصال الدائم مع إسرائيل.

إن التهديد الديمقراطي المستمر بوقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل من قبل أعضاء متطرفين في الكونجرس هو كذب وكذب لأن هذه المساعدات تساعد بشكل جيد في تطوير الصناعات الأمريكية.

فيما يتعلق بالعلاقات بين جو بايدن ونتنياهو، وبينما ينبغي أن يكون للرئيس بايدن وحكومته علاقة عمل وأبعد من ذلك مع الحكومة الإسرائيلية، فإن ترامب، الذي يتحمّس، يتقاسم المزيد من القيم المشتركة مع نتنياهو وحكومته. ومن الأمثلة على ذلك مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وبعد سنوات رفض فيها الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون نقل السفارة الأميركية إلى القدس، جاء ترامب ووضع السفارة في موقع استراتيجي.

ووجهات النظر العالمية لترامب ونتنياهو متشابهة للغاية، كلاهما ذهبا ضد التيار طوال حياتهما المهنية تقريبًا وفازا.

بدأ نتنياهو مسيرته السياسية من القاع كمندوب لدى الأمم المتحدة، ومر بسلسلة المناصب الكاملة في البرلمان الإسرائيلي وصولاً إلى كرسي رئيس الوزراء، أما ترامب، كما يليق بالقصة الأميركية، بدأ حياته المهنية في عالم الشركات العائلية مما جعله أغنى سياسي في العالم.

من المهم أن نتذكر أن الرئيس السابق ترامب (وكذلك الرئيس بايدن) يستهدفون أصوات عشرات الملايين من الإنجيليين الأمريكيين الذين يدعمون إسرائيل وينتمون تقليديًا أكثر إلى التيار الجمهوري الأقرب أيديولوجيًا إلى القيم الأساسية. للكتاب المقدس وإلى الشخص الذي يمثل هذه القيم بقوة أكبر في إسرائيل وهو بنيامين نتنياهو.

في الأيام التي يتحدث فيها الناس عن تسونامي سياسي أميركي مزعوم ضد إسرائيل، يجب أن نتذكر أنه على الرغم من أن الرئيس الحالي ديمقراطي، فإن نتنياهو تربطه صداقات عميقة معه على الرغم من الخلافات المتكررة.

ويبدو أنه بعد الأسابيع القليلة الماضية التي هاجمت فيها الإدارة إسرائيل مرارا وتكرارا، ليس من المستحيل أن نرى رئيس الوزراء نتنياهو ينطلق لإلقاء كلمة أمام الكونجرس.

ومن يدري، ربما يكون من بين المستمعين في القاعة صديقه الرئيس السابق ترامب، الذي سيحاول استغلال خطاب نتنياهو لتحسين المواقف تجاه دخول السطر الأخير من الحملة الانتخابية.

*الكاتب مستشار استراتيجي ومدير حملة في إسرائيل والخارج، ضابطاً برتبة رائد في الاحتياط ويقوم بكتابة رسالة الدكتوراه في التاريخ والاتصالات

———————————————

ضابط سابق في “المارينز”: غزّة فرضت واقعاً دولياً جديداً.. و”إسرائيل” ستخسر أمام حزب الله

الكاتب والضابط السابق في “المارينز” سكوت ريتر يصرّح بأنّ الأصوات العالمية الداعمة لفلسطين بدأت تتجاوز الأصوات الداعمة لـ”إسرائيل”، مؤكداً أنّ حماس أوجدت دينامية سياسية عالمية لا يمكن لأيّ طرف تجاوزها.

الميادين نت 27 آذار

أكّد الكاتب والضابط السابق في قوات مشاة بحرية الولايات المتحدة “المارينز”، سكوت ريتر، مساء الثلاثاء، أنّه من غير المنطقي من المنظور العسكري أن تشنّ “إسرائيل” حرباً شاملة على لبنان.

وقال ريتر في تصريحاتٍ للميادين ضمن برنامج المسائية إنّ “حزب الله يملك أسلحة مختلفة تكفي لتعطيل القدرات والأنظمة الإسرائيلية”، مرجحاً أن تخسر “إسرائيل” في أيّ حرب ستخوضها ضد حزب الله.

وعن الداخل الإسرائيلي، صرّح ريتر بأنّ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي يتصرّف بأنانية كبيرة، وهو خسر الغطاء القانوني وسيلاحق قضائياً إن غادر السلطة.

وتابع أنّه في واشنطن يفهمون أنّه لا بدّ لهم من الطلاق مع طموحات نتنياهو الذي يضع “إسرائيل” في مسار التهديد، مردفاً أنّ تمسّك واشنطن بعلاقاتها مع “إسرائيل” يُثقل كاهلها وسيجرها إلى خسارة العالم.

وذكر أنّ “البيانات الغامضة للخارجية الأميركية حول الانتهاكات الإسرائيلية تُعدّ تغيراً بعد مسارٍ من عدم التفكير بالحديث عن ذلك أصلاً”.

كما وصف أحداث السابع من أكتوبر ومناعة حماس سياسياً وعسكرياً وشجاعة الشعب الفلسطيني بأنّها بدّلت الأمور عن بكرة أبيها في الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وكذلك فتحت الباب لمناقشة إمكانية إقامة دولة فلسطينية، فبعد السابع من أكتوبر باتت مقاومة الشعب الفلسطيني هي التي تحدد الواقع، والعالم برمته لا بدّ أن يتكيّف مع العالم الجديد.

وعقّب أنّ “حماس أوجدت دينامية سياسية عالمية لا يمكن لأيّ طرف تجاوزها، وإذا واصلت حماس مقاومتها فالاختلافات بين إسرائيل والعالم لن تبقى موسمية بل ستستمر”.

ورأى ريتر بأنّ “الأصوات العالمية الداعمة لفلسطين بدأت تتجاوز الأصوات الداعمة لإسرائيل، مردفاً أنّ “الجنوب العالمي بدأ يُشكّل جزءاً أساسياً من عالمنا وبسبب إسرائيل خسرت أميركا علاقاتها مع هذا الجنوب”.

وفي وقتٍ سابق، اعتبر الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، حمدين صباحي، أنّ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، هو “أهم فصول الصراع العربي الصهيوني”، فهو “يوم الزلزلة للكيان الصهيوني في فكره وجوده”، إذ شكّلت عملية طوفان الأقصى، “فسخاً للعقد بين الزمرة العسكرية الحاكمة في الكيان الصهيوني، ومستوطنيه”، وهذا الفسخ “سيؤدي لاحقاً للهجرة العكسية في الكيان الصهيوني”.

———————————————

الولايات المتحدة والشرق الأوسط.. سياسة الحسابات الخاطئة

ملفان غودمان

27 آذار 23:59

موقع “Counterpunch” يتحدّث عن الحسابات الخاطئة للولايات المتحدة الأميركية في سياستها بالشرق الأوسط، منذ نحو 7 عقود، بما أدى إلى فشل استراتيجي، تمظهر أخيراً في سوء التقدير بما يخصّ الحرب الإسرائيلية على غزة.

تشكل سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مادة لدراسة حيوية عن الحسابات الخاطئة في المجالين السياسي والعسكري التي تؤدي إلى الفشل الاستراتيجي، الذي يلتمسه العالم من مشاهدة الدعم الذي يقدمه الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس حكومة “تل أبيب” بنيامين نتنياهو، مما يجعل الولايات المتحدة متواطئة في حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، وهذا أحدث مثالا على الفشل الأميركي وسوء التقدير.

عموما، أدت ممارسة هذه السياسات المعتمدة على الغطرسة العسكرية والتي كانت مصممة لتحقيق ميزة استراتيجية، إلى نتائج عكسية وإلى حالة من الفوضى في المنطقة وفي الخليج، وشرع أبوابها أمام فرص لحركة دبلوماسية متينة لروسيا والصين.

الحسابات الأميركية الخاطئة في الشرق الأوسط بدأت قبل ما يقرب من 70 عاما، حين عرض وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس آنذاك، دعم بناء سد أسوان في مصر ثم تراجع عنه فجأة، بعد أن خضعت دالاس لضغوط القوى اليمينية الأميركية لوقف الدعم المالي للسد، ما حدا الرئيس المصري جمال عبد الناصر إلى تأميم شركة قناة السويس.

العرض الأميركي لمصر أقلق “إسرائيل”، وأدى إلى زيادة كبيرة في الدعم العسكري الفرنسي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ولاحقا تآمرت كل من باريس ولندن وتل أبيب لغزو سيناء والسيطرة على قناة السويس، “العدوان الثلاثي”، الذي أيضا أدى إلى مضاعفة الحضور السياسي والعسكري السوفييتي في القاهرة.

رحبت مصر بانتقادات ومعارضة الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور لـ”العدوان الثلاثي”، لكن إعلان مبدأ أيزنهاور بعد عام كان انتقادا لناصر وللعلاقات السوفيتية المصرية القوية. أدى مبدأ أيزنهاور إلى دعم “وكالة المخابرات الأميركية المركزية” بشكل سري لمعارضي حكومة القاهرة وزعامة جمال عبد الناصر، فضلا عن عقاب مصر بمقاطعة اقتصادية كانت بمثابة نموذج للعقوبات اللاحقة غير الناجحة في الغالب ضد دول عالم الجنوب مثل كوبا وليبيا، مما فتح فرصا إضافية للنفوذ الدبلوماسي السوفييتي.

لقد خلفت الحروب التي خاضها الرئيسان الأميركيان جورج بوش الأب وجورج دبليو بوش الأبن، عواقب هائلة غير متوقعة، والتي لا تزال تولد مشاكل سياسية وعسكرية للولايات المتحدة في مختلف أنحاء المنطقة. يعتبر معظم النقاد حرب الخليج عام 1990، والمعروفة باسم عاصفة الصحراء، بمثابة نجاح كبير لحماية المصالح الأميركية، ولكن كان من الممكن تجنب الحرب العسكرية، خاصة وأن الرئيس السوفييتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف، قد حصل على موافقة صدام حسين على سحب القوات العراقية من الكويت، لكن الأوان كان قد فات بالنسبة لإدارة بوش التي التزمت باستخدام القوة.

وهذا أدى إلى صعوبات خطيرة لإدارة الرئيس بيل كلينتون في الشرق الأوسط لفترة طويلة من رئاسته التي استمرت لفترتين. علاوة على ذلك، كانت عملية “عاصفة الصحراء” مصدر إلهام لأسامة بن لادن لمهاجمة الولايات المتحدة.

ومن المثير للاهتمام أن بوش الأب ومستشاره للأمن القومي الجنرال برنت سكوكروفت بذلا جهودا جادة لإثناء بوش الابن عن قراره المصيري بالإطاحة بصدام حسين في عام 2003، وتشبيهها بحرب فيتنام باعتبارها أسوأ الحسابات الخاطئة في قرارات أمريكا..

زعم بوش الأب أن استخدام القوة العسكرية الأميركية من الممكن أن يؤدي إلى تمزيق الدولة العراقية والإضرار بتوازن القوى في منطقة الخليج على المدى الطويل، وهو ما حدث بالفعل. ولم يكن لدى الولايات المتحدة حجة حقيقية لشن حرب ضد العراق، لذا فقد اختلقت حجة زائفة حول عدم عن وجود أسلحة دمار شامل، التي ساهم بإعدادها مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت ك “ضربة قاضية” ب “كذبة صريحة”.”

كتب سكوكروفت مقالا لصحيفة “نيويوركر” لتذكير بوش الابن بأن إدارة والده كان لديها أسباب وجيهة لوقف الغزو الأميركي على الحدود العراقية في عام 1991. وخلص سكوكروفت إلى أن الغزو الأميركي من شأنه أن يؤدي إلى حرب أهلية في العراق وسيتطلب تدخلا أميركيا، ووجودا عسكريا لفترة طويلة.

ربما يكون الرئيس بايدن قد ارتكب خطأ في التقدير أكثر من أي رئيسا أميركيا آخر، حين ظن أن الكميات الضخمة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لـ”إسرائيل” ستؤدي إلى تمكين نفوذ الولايات المتحدة على صنع القرار الإسرائيلي وحرفه إلى الاعتدال في سياساته في الضفة الغربية وقطاع غزة.

على هذا لا يوجد سبب يجعل بايدن يتفاجأ بمعارضة بنيامين نتنياهو، والتي شأنها المساس بمصالح الولايات المتحدة العميقة. وفي الماضي والحاضر كثيرا ما حدد نتنياهو توقيت الإعلان عن المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية خلال الزيارات الرسمية للولايات المتحدة، بما في ذلك خلال زيارتين لبايدن نفسه.

ولقد كان خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في عام 2015 أمام جلسة مشتركة للكونغرس ومجلس النواب من أجل عرقلة الاتفاق النووي الإيراني يجب أن يؤدي إلى عواقب، بالحد الأدنى إلى مراجعة الدعم العسكري الأميركي لـ”إسرائيل” وتقليصه. وكان ينبغي لبايدن أيضا أن يعلم أنه لا يمكنه الحصول على الأمرين معاً، في الأولى ينتقد روسيا في أوكرانيا، في حين يكون متواطئا في الحرب الإسرائيلية غير القانونية وغير الأخلاقية في غزة.

حملة نتنياهو الوحشية ضد الفلسطينيين مستمرة، في حين يواصل بايدن تكرار عبارة أهمية “اليوم التالي” للعدوان على غزة، حيث الحاجة الملحة الآن إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي كأولوية قصوى.

قد يبني بايدن حملته لإعادة انتخابه حول دعمه لأوكرانيا، لكن محاولته قد تفشل بسبب شراكته مع نتنياهو في الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.

——————انتهت النشرة——————