الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

  افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معاريف 19/5/2024

فشل إستراتيجي جارف بتوقيع رئيس هيئة الأركان

بقلم: حاييم رامون

في خطاب ألقاه خلال الاحتفال الرسمي لبدء مناسبات يوم الذكرى في المبنى، قال رئيس الأركان هرتسي هاليفي الأقوال التالية: «أنا أتحمل المسؤولية عن أن الجيش فشل في مهماته لحماية مواطني دولة إسرائيل في 7 أكتوبر. ثقله على كتفي أحس به في كل يوم، وفي قلبي أفهم معناه جيداً».

رئيس الأركان محق. هو حقاً يتحمل مسؤولية قاسية وأليمة عن قصور 7 أكتوبر. هاليفي مسؤول عن مواصلة إضعاف خطوط الدفاع أمام قطاع غزة، انعدام جاهزية القوات لصد هجمة واسعة من «حماس»، والفشل الاستخباري الهائل لشعبة الاستخبارات «أمان». كما أنه مسؤول عن مواصلة تبني مفهوم «احتواء حماس» ووهم «حماس» مردوعة في الجيش.

صحيح، هاليفي تلقى إرثاً صعباً مقارنة من رؤساء الأركان الذين تولوا المنصب قبله، وأساساً من سلفه أفيف كوخافي. فانعدام جاهزية القوات، وتمسك الجيش بالمعتقد الكاذب بأن «حماس» مردوعة، مسجلان على أسمائهم بقدر لا يقل عن اسم هاليفي، لكن هذا لا ينظف رئيس الأركان الحالي من مسؤوليته.

هكذا مثلاً، في عهد رئيس الأركان السابق أقصي قائد سلاح الجو عن مشاورات مهمة عديدة لاعتبارات غير موضوعية (وشخصية) من جانب كوخافي. لكن هاليفي يتحمل المسؤولية عن أنه لم يغير هذا العنف الفاسد. وذلك لو أن قائد سلاح الجو كان حاضراً في المشاورات التي أجريت في الساعات ما قبل هجمة «حماس» – لكان ممكناً وضع سلاح الجو في حالة تأهب دون أي جهد.

رئيس الأركان قال: إنه يتحمل المسؤولية عن إخفاق 7 أكتوبر، وافتراض أن ليس هناك من يختلف على ذلك. لكن هاليفي لم يشر إلى أنه أيضاً مسؤول مركزي عن الإدارة الفاشلة لحرب السيوف الحديدية. المستوى السياسي، بالتشاور مع رئيس الأركان، حدد أن أهداف الحرب هي تصفية القدرة العسكرية لـ»حماس»، إسقاط حكمها المدني وإعادة المخطوفين. واضح أنه حتى بعد سبعة أشهر على الحرب هذه الأهداف لم تتحقق وبالطريقة التي تدار بها الحرب فإنها لن تتحقق أيضاً. «حماس» لا تزال تحافظ على قدرة عسكرية، والجيش يضطر لأن يحتل من جديد مناطق احتلها في الماضي، عشرات الصواريخ تطلق نحو «سديروت» وبئر السبع، آلاف عديدة من سكان الغلاف لم يعودوا إلى بيوتهم، وأولئك الذين عادوا مرة أخرى يعيشون في خوف من إرهاب «حماس». كما أن الحكم المدني لـ»حماس» يواصل الأداء، ومنظمة الإرهاب تسيطر على الأغلبية الساحقة من المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع.

هاليفي قضى بأن الضغط العسكري هو الذي سيؤدي إلى اتفاق لتحرير المخطوفين، لكنه هو نفسه أمر بتخفيض الضغط العسكري على «حماس» بخلاف وعده.

رئيس الأركان مسؤول عن أنه لم تكن للجيش خطة جاهزة لاحتلال قطاع غزة، رغم أن «حماس» هي العدو الأكثر نشاطاً ضد إسرائيل؟ كما أنه مسؤول عن أن خطة الحرب التي أعدت بارتجال على عجل، لم تستهدف احتلال القطاع. بمعنى أن خطته للحرب لم تستهدف منذ البداية الوصول إلى تصفية قدرة «حماس» العسكرية.

هاليفي عارض إقامة حكم عسكري مؤقت في المناطق التي احتلت. وحتى عندما طلب بنيامين نتنياهو (بتأخير) من منسق أعمال الحكومة في المناطق إعداد خطة لحكم عسكري، كان رئيس الأركان أحد المعارضين المركزيين لذلك (إلى جانب قائد المنطقة الجنوبية ووزير الدفاع) وفي نهاية الأمر تراجع رئيس الوزراء عن طلبه. ولما لم يقم حكم عسكري، نجحت «حماس» في الحفاظ على السيطرة المدنية في القطاع.

رئيس الأركان مسؤول عن القرار لبدء خطوة برية بطيئة وتدريجية في شمال القطاع فقط، بدلاً من الهجوم هجوماً سريعاً على كل عرض القطاع أو على الأقل الهجوم في الشمال وفي الجنوب معاً. كما أنه مسؤول عن القرار لطرد مليون غزي من شمال القطاع إلى جنوبه، دون أن يعطي الرأي في مسألة كيف سيتمكن الجيش في قيادته من العمل في رفح إذا ما فر معظم السكان المدنيون في القطاع إليها.

فهل تريدون أن تعرفوا لماذا اتخذ هاليفي القرار بهجوم بطيء في الشمال وعدم الهجوم على كل عرض القطاع؟ حسب مصدر كبير، اختار رئيس الأركان هجوماً بطيئاً في الشمال فقط «كي يعيد للجيش الإسرائيلي ثقته بالنفس بعد 7 أكتوبر».

الاستقالة فوراً

هذا الأسبوع اتهم رئيس الأركان «الكابينيت» بقوله: «نحن نعمل الآن مرة أخرى في جباليا. طالما لا تكون خطوة سياسية تنتج محفلاً حكومياً ليس «حماس» في القطاع، سيتعين علينا أن نعمل المرة تلو الأخرى هناك وفي أماكن أخرى كي نفكك بنية «حماس». سيكون هذا جهداً عبثياً».

يا هرتسي، أأنت تتجرأ على الشكوى من أننا نضطر للعمل مرة أخرى في جباليا وفي أماكن أخرى احتللناها. هذه هي خطة الحرب التي وضعتها وعرضتها على المستوى السياسي لإقرارها. فهل أنت تحاول التنكر للمسؤولية بأن الخطة التي أعدت في هيئة الأركان تضمنت مرحلة قتال قوي (دون احتلال) وبعدها مرحلة اجتياحات متكررة إلى داخل القطاع وفقاً للحاجة العملياتية الملموسة؟

هكذا مثلاً أفاد نير دبوري في 26 كانون الأول: «في الجيش يفهمون أنهم يقتربون من استنفاد المرحلة الحالية التي يسيطرون فيها عملياً على الأرض ويفككون قدرات «حماس» العسكرية. المرحلة التالية ستكون جراحية أكثر. سيعمل الجيش الإسرائيلي في اجتياحات للمشاة، وفي أعمال من الجو ومن البر. القوات يمكنها أن تعمل حسب المهام، بشكل موضوعي أكثر، وبخطوات فرقية، لوائية أو طاقمية – وفق ما تتطلبه المهمة». يا هرتسي، «الكابينيت» أقر خطتك الحربية. فهل أنت الآن تأتي لتشكو من أن هذه الخطة تلزمنا بأن نحتل المرة تلو الأخرى أماكن سبق أن احتللناها؟

فضلاً عن ذلك، كان هذا هو قرارك إخلاء قوات الجيش من كل منطقة احتلت ما أتاح لـ»حماس» السيطرة من جديد على هذه المناطق. عندما تساءل «الكابينيت» الموسع عن سبب قرارك تخفيف القوات في القطاع أجبت: «ليس عندي ما يكفي من الألوية» – وهذا بعد أن وضعت تحت تصرفك قوة بحجم خمس فرق كي تهزم «حماس». حجم قوات أكثر من ذاك الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي لهزيمة الجيش المصري في حرب الأيام الستة وفي حرب يوم الغفران.

من المهم الإشارة إلى أن الأقوال التي قالها هاليفي تعكس أيضاً واحداً من الشرور المريضة في سلوك رؤساء الأركان على أجيالهم، والذين يعنون بشؤون سياسية وليس عسكرية. فإنماء محفل حكومي كهذا أو ذاك ليس شأن الجيش. بالمقابل إقامة حكم عسكري إسرائيلي هو في مجال صلاحيات رئيس الأركان وكان بوسع هاليفي أن يوصي بذلك المستوى السياسي إذ إنه مثلما هو الطريق الوحيد لتفكيك «حماس» العسكرية هو من خلال إبادتها – هكذا الطريق الوحيد القابل للتنفيذ لإسقاط الحكم المدني لـ»حماس» هو من خلال حكم عسكري.

الأربعاء الماضي، أعلن يوآف غالانت أنه لن يوافق على إقامة حكم عسكري في القطاع. هذا الإعلان يبين كم فقد وزير الدفاع كل تفكر وأصبح ناطقاً بلسان رئيس الأركان في «الكابينيت».

لقد عاد غالانت وتحدث عن «محافل فلسطينية بإسناد دولي ليشكلوا بديلاً سلطوياً لـ»حماس» ليحاول أن يروج له منذ بداية الحرب بسبب معارضة رئيس الأركان ومعارضته لإقامة حكم عسكري إسرائيلي.

بدلاً من اختيار حل فاعل وقابل للتنفيذ، فضل غالانت خدمة إرادات رئيس الأركان والترويج لجملة خطط هاذية ومنقطعة عن الواقع عن الحكم المدني الذي يقام كبديل عن حكم «حماس».

كان يمكن لغالانت أن يعمد إلى خطوة سياسية كانت ستؤدي إلى إسقاط حكم «حماس» وتساعد أيضاً في تحسين مكانة إسرائيل الدولية، لو كان أقنع «الكابينيت» بالإعلان عن حكم عسكري مؤقت وبالتوازي الدعوة لعقد مؤتمر دولي بمشاركة الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة بما فيها السلطة الفلسطينية، حيث تجرى مباحثات عن إقامة الجسم الذي يحل محل الحكم العسكري الإسرائيلي المؤقت (والسيطرة الأمنية في القطاع يجب أن تبقى في أيدي إسرائيل في المستقبل المنظور، مثلما في الضفة).

لكن رغم أن كل خططه تبخرت دون أي إنجاز، وفقط ساعدت «حماس» على مواصلة السيطرة في القطاع، يواصل غالانت الإصرار على ترويج خيالاته وخيالات رئيس الأركان.

كل ما قيل أعلاه لا ينقص بأي شكل من مسؤولية «كابينيت الحرب» برئاسة رئيس الوزراء ووزير الدفاع، الذي أقر كل الخطط التي عرضها عليه رئيس الأركان. أعضاء «كابينيت الحرب» يتحملون مسؤولية جسيمة عن الفشل وعليه فإن رئيس الوزراء ووزير الدفاع (المسؤولَين هما أيضاً عن إخفاق 7 أكتوبر) يجب أن يستقيلا أو للأسف العودة في أقرب وقت ممكن إلى الشعب كي يطلبا ثقته.

سيدي رئيس الأركان، بفضل بطولة وتضحية مقاتلي الجيش (حتى رتبة عميد) حققنا نجاحات تكتيكية مبهرة، لكننا فشلنا فشلاً إستراتيجياً جارفاً في الحرب – وأنت مسؤول عن هذا الفشل. رئيس الأركان هو منصب صعب حتى جداً، وفضلاً عن عبء منصبه، صورته هي أيضاً مصدر التقدير والثقة اللذين يعطيهما الشعب للجيش.

وعليه، فإن ما سأكتبه هنا أقسى من الاحتمال بالنسبة لي أيضاً: رئيس الأركان لا يمكنه أن يكتفي بأقوال عن أخذ المسؤولية، بل عليه أن يستخلص استنتاجات شخصية من الفشل الإستراتيجي في الحرب وبالطبع أيضاً من القصور الأكبر في 7 أكتوبر . للمسؤولية الجسيمة جداً يوجد تعبير واحد – الاستقالة فوراً وإلا كل كلماتك الجميلة عن المسؤولية فارغة من المحتوى.

——————————————–

هآرتس 19/5/2024

الوقائع القاسية تطوّق نتنياهو

بقلم: رفيت هيخت

الحادثة الفظيعة في جباليا، التي قتل فيها خمسة من المظليين بقذائف دبابة هي جزء صغير من الواقع الصادم، لكن أيضاً هي دليل على مكونات كثيرة للكارثة المستمرة التي نحن عالقون فيها. قواتنا تقوم بإطلاق النار على قواتنا، في منطقة تم احتلالها في السابق، وبكابوس سيزيفي يواصل جباية ثمن بالدماء دون أي جدوى. وبتطوير مخيف للتصريح الرائع لمدرب كرة القدم دافيد شفايتسر، «الجميع يخدع الجميع»، يمكن القول إنه هنا في هذا المكان، الجميع يطلقون النار على الجميع.

إسرائيل تتم مهاجمتها من قبل إيران وأذرع إسلامية أصولية. وإسرائيل تحدث ضرراً وقتلاً شديداً في غزة. في الضفة السلطة الفلسطينية ضعيفة. نسبة العمليات في الذروة. المستوطنون يفعلون كل ما يخطر ببالهم. جهاز الأمن يهاجم رئيس الحكومة الذي تحركه الدوافع السياسية. وهو يقوم برد الهجوم في الوقت الذي فيه يلقي عليه كل التهمة والمسؤولية عن كل الإخفاقات. بنيامين نتنياهو يحارب ضد الولايات المتحدة، التي إسرائيل تعتمد عليها. الولايات المتحدة تحارب ضده وتفرض عليه عقوبات متحدية. الساحة الدولية معادية لإسرائيل التي تتدهور بسرعة إلى حالة روسية. الجبهة الداخلية الديموغرافية فيها، يهود العالم، يبدو أنها تعرضت للتهديد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

في داخل كل هذه الفوضى من الجدير التوقف بالذات عند الحرب الداخلية، لأنها ذات التأثير الأكبر على كل المتغيرات. خطوط تطورها وتصاعدها ستحدد وبحق إذا كانت إسرائيل ستبقى على قيد الحياة أم لا.

الاحتكاك الصارخ وغير المسبوق بين المؤسسة الأمنية ورئيس الوزراء، حتى في فترة الحرب، يرفع حرب المعسكرات إلى ذروة جديدة، التي دخلت إلى مرحلة علنية وزادت ليس مع الانقلاب النظامي أو عند صعود اليمين المتطرف أو حكومة التغيير السابقة، بل في 2015 عند إعادة انتخاب نتنياهو وتقديم الملفات الجنائية ضده وبداية رحلته لاغتيال الرسمية الإسرائيلية (دولة إسرائيل) بعد تشخيصها من قبله بأنها تعرض حكمه للخطر.

يوجد قاسم مشترك واحد بين هذه المعسكرات وهو الشعور العميق بالفشل منذ 7 أكتوبر فصاعداً. ولكن هذا القاسم المشترك ليس فقط غير موحد، بل هو يعمل كالوقود لتسريع النزاع. بخصوص الخلافات فإنها غير قابلة للحل أو التسوية. اليمين الكهاني، البيبي والحريدي، يطالب بالترانسفير، وأحياناً حتى أكثر من ذلك. اليسار – الوسط يطالب بوقف الحرب وبلورة حل سياسي ينطوي على تنازلات جغرافية، حتى لو أنه هذه الأثناء من غير الواضح مع من. القلق الحقيقي على مصير المخطوفين والمطالبة بإعادتهم الفورية مشمول في رؤية اليسار والإنسانية، لكن أيضاً هو يستخدم كأداة ضغط لفرض وقف الحرب.

خلال السنين حاول نتنياهو إمساك العصا من الطرفين: خطاب بار إيلان، الوعد بالضم، مصافحة ياسر عرفات وأبو مازن، التقلب في قضية إليئور أزاريا وشرعنة الكهانيين. الوضع الآخذ في تطويقه يثبت أنه لم يعد هناك أي مكان لمواصلة الامتناع عن اتخاذ القرارات أو تأجيلها.

للوهلة الأولى تمثيله المتفوق في الحكومة، والسيناريو الديموغرافي، يبدو أن يد اليمين الكهاني، البيبي والحريدي، هي العليا. ولكن من غير الواضح أن هذا هو الوضع. وعدم جدوى الحرب يتسرب إلى الأجزاء الرخوة في البيبية، التي ما زالت تعرف نفسها بأنها تكره النخب واليساريين، لكنها ليست شريكة في هستيريا استيطان قطاع غزة والاعتماد على حلول خلاصية. في نهاية المطاف هذه المجموعة، التي هي غير نشطة بشكل خاص وعلى الأغلب تفصل نفسها عن المشاركة السياسية، يمكن أن تختار بضاعة المعسكر الليبرالي، لسبب بسيط وهو أنها تطرح حياة أفضل بكثير من الحياة الموجودة في دولة أصولية متخلفة. انظروا إلى شعوب المنطقة، وعلى رأسهم الفلسطينيين الذين يقودهم الآن همجي أصولي حكم عليهم بالقتل والتهجير.

السؤال المطروح الآن هو: ما حجم المعاناة التي سنجتازها في الطريق وإذا كنا سننجح في ذلك؟

——————————————–

 يديعوت أحرونوت 19/5/2024

نتنياهو يتهم الجيش، وغالانت يكشف المستور

بقلم: ناحوم برنياع

خمسة مظليين قتلوا، أول من أمس، في جباليا بنار قواتنا. موت زائد، يجنن العقل، يقع في أحيان قريبة جداً في هذه الحرب. صحيح حتى الأربعاء الماضي في السادسة مساء، موعد المؤتمر الصحافي الذي يعقده يوآف غالانت، موتهم لم يكن سمح بنشره بعد. وبغياب البديل، يبلغ المراسلون عن «معارك ضارية في جباليا». وهم لا يبلغون عن المعارك بين من ومن.

غالانت، بلباس أسود، يدخل إلى الغرفة بخطوة نشطة، مركزاً على مهمته. يقرأ النص الذي أعده مسبقاً، جمل قصيرة وقاطعة، تطلق كالصاروخ إلى هدف العدو. بعد ذلك يكررها المرة تلو الأخرى، كلمة بكلمة. «لا أتهم أحدا»، يقول غالنت رداً على سؤال صحافي، لكن أحداً في الغرفة لا يتشوش، ولا حتى المراسلون من قنوات نتنياهو. يصعب عليّ أن أتحرر من الإحساس من أننا كنا في هذا الموقف: قبل 25 سنة، في 1999، إسحق مردخاي – مثل غالانت، لواء في الاحتياط؛ مثل غالانت، وزير دفاع مُقال – وجه ضربة قاضية لنتنياهو في مواجهة انتخابية في التلفزيون. البث شق الطريق لانتخاب أيهود باراك لرئاسة الوزراء.

لكن في حينه لم نكن في ذروة حرب آخذة في التعقد، حرب اللامَخرج.

توجد بضعة أمور للمواجهة الحالية، وكلها دراماتيكية. الأمر الأول شخصي: فهو مشحون بضغينة متبادلة بشكل شكاك من الاثنين، برواسب شخصية من الماضي وبرواسب شخصية من الحاضر.

المستوى الثاني إستراتيجي: غالانت يطلب أن يُبنى في غزة قطار سلطوي يمكن لإسرائيل أن تتعايش معه. صواريخ ستطلق بين الحين والآخر، كما أن منظمات الإرهاب ستكون لكنها ستعمل سراً، حيال حكم معادٍ واجتياحات للجيش الإسرائيلي. غزة تحت حكم فلسطيني محلي، مرتبط برام الله، هو في نظره أسوأ الشرور.

نتنياهو يرى في كل جسم فلسطيني مؤامرة نهايتها إرهاب. حماستان، فتحستان، دحلانستان – كلهم متشابهون، كلهم نازيون. أحداث 7 أكتوبر لم تغير نهجه الأساس – تطرفت به فقط. «حماس» لا تزال مفضلة في نظره إذ بخلاف «فتح» السلطة، هي لا تهدد مكانة إسرائيل في مؤسسات دولة.

ظاهراً، أربع إمكانيات، ليس أي واحدة منها تنعش القلب: حكم «حماس»؛ أو حكم محلي؛ أو فوضى على نمط الصومال؛ أو عودة الحكم العسكري الإسرائيلي. غالانت يختار المحليين؛ نتنياهو يختار حكماً عسكرياً وعودة إلى غزة. كل واحد وخياره.

لكن ليس في هذا تتلخص الفجوة. نتنياهو لا يستطيع أن يعرض خياره على الجمهور: العودة إلى غزة هي التطلع العلني لسموتريتش وبن غفير، لكنها تتعارض وتوقعات معظم الإسرائيليين، بما في ذلك معظم ناخبي اليمين. فليس هذا ما صلوا له عندما تلقوا الأمر «8»؛ ليس هذا ما حلموا به عندما نقلوا أبناءهم وبناتهم إلى مواقع حشد الجنود. النصر المطلق نعم؛ تصفية «حماس» نعم؛ مع كل الهذر العليل الذي سكب عليهم من رسائل نتنياهو يمكنهم أن يتعايشوا، لكن حكم عسكري في النصيرات؟ في الشاطئ؟ ابني البطل مسؤول عن المجاري في جباليا؟ ليس في مدرستنا.

ليس صحيحاً أنه لم تكن لنتنياهو رؤيا حول اليوم التالي: أخطأت بحقه. كانت له رؤيا، لكنه لم يكن مستعداً ليعرضها على الملأ. لهذا منع القرار ومنع حتى البحث ونشر الكثير من الأكاذيب على الطريق حول كل أنواع التشكيلات الدولية لإدارة غزة التي لم تكن ولم يكن لها أساس. من نسب له تأجيلاً عضالاً، كان محقاً، لكن في هذه الحالة التأجيل لم يكن الأساس. نتنياهو أراد أن يتدحرج إلى العودة لغزة، كأننا نتدحرج، وليس بنية مقصودة – بل بحكم الظروف. لا توجد إستراتيجية خروج لأنه لا يوجد خروج. غالانت كشف الحيلة وقدم بذلك خدمة عظيمة للجمهور. نتنياهو، الذي سارع إلى الرد، لم ينفِ. فهم أنه لا يمكنه أن يعيد هذا الوزير مرة أخرى إلى القمقم.

المستوى الثالث هو الذنب. في 7 أكتوبر يلقي نتنياهو المسؤولية عن الإخفاق الرهيب على كاهل جهاز الأمن – هيئة الأركان، قيادة المنطقة الجنوبية، جهاز الاستخبارات، «الشاباك». إشارته إلى الجيش محقة؛ تنكره الشخصي عن أخذ المسؤولية صادم. وهو خطير على نحو خاص عندما ينتقل البحث إلى مسألة ماذا فعلت دولة إسرائيل منذ 7 أكتوبر. نتنياهو وضع أمام الجيش الإسرائيلي أهدافاً ليست قابلة للتحقيق، وبالتأكيد ليس في خطوة قتالية مركبة. كان هذا مقصوداً.. سجل فشلاً معروفاً مسبقاً. والآن، حين يكون واضحاً للجميع أنه أيضاً من الأهداف لم يتحقق، فإنه يلوم الجيش.

نحن لسنا مذنبين، أنت مذنب، هذا ما يفهم من الأقوال التي أسمعها في المنظومة العسكرية، وهكذا يفهم من أقوال غالانت. لا يوجد في هذه الحرب نصر مطلق. هذا كذب. فرفض بناء واقع لليوم التالي لا يخرب فقط على المستقبل – بل يشوس القتال في الحاضر. «حماس» تملأ الفراغ الناشئ. حضورها يجد تعبيره ليس فقط في السيطرة على توزيع الغذاء والمساعدات الإنسانية بلا أيضاً في استئناف نار الصواريخ والاشتباكات النارية مع جنود الجيش الإسرائيلي. نتنياهو يخرب بمنهجية على الجهد الحربي وعلى تحقيق أهداف الحرب. دم المقاتلين على يديه. دم المخطوفين على يديه.

لائحة الاتهام هذه ليست وثيقة قضائية لكن جماهيرياً هي أخطر من كل ما ادعي به في ملفات 1000، 2000 و 4000. الدافع، يقول غالانت، ليس نقياً من اعتبارات شخصية وحزبية. عندما يأتي هذا الاتهام على لسان وزير دفاع قائم فهو أكثر قسوة بأضعاف.

نتنياهو يرد على هذه الادعاءات بكلمتين: «دون معاذير». وهو يريد أن يقول: أنت يا غالانت، ولأنتم، يا رئيس الأركان وألوية هيئة الأركان، فاشلون في تنفيذ المهمة التي كلفتم بها. وعندما ضاقت عليكم الأحوال جئتم تلاحقوني. أنتم الفشل؛ أنا الضحية.

هو ممنوع عنه أن يهاجم الجيش مباشرة: الجيش مقدس. لكن الآخرين – سموتريتش، بن غفير، البيبيين – يقومون بالعمل نيابة عنه.

——————————————–

هآرتس 19/5/2024

الضفة الغربية من الحكم العسكري إلى “السموتريتشي”.. لـ هاليفي: متى تقرع الجرس؟

بقلم: عكيفا الدار

أعلن رئيس الأركان هرتسي هاليفي “نحن مصممون على استكمال المهمة، رغم معرفتنا الثمن”. عن أي مهمة يتحدث؟ “النصر المطلق”؟ المراوحة الدموية في المكان؟ هل يتفق الجنرال هاليفي مع رئيس الوزراء نتنياهو، الذي يرفض مناقشة “اليوم التالي” للحرب، ربما بالتحديد تأييد موقف وزير الدفاع غالانت، أو أقوال ضابط رفيع لمحلل صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، بأن الطريقة الأفضل للمس بحماس هي تقديم حكومة بديلة في غزة؟

ما هو رأي الشخص الذي يرسل أبناءنا إلى حرب غبية، وما رأيه في خبر ادعاء الجيش بأن غياب العملية السياسية وعدم تحديد أهداف واضحة يضر بإنجازات الحرب العسكرية؟ لإيجاد الجواب، يجب تصفح أرشيف “هآرتس”. في نهاية العام 2015 تسرب للصحيفة بأنه في جلسة الوزراء التي ناقشت “إرهاب الأفراد” الذي اجتاح البلاد، قال هرتسي هاليفي، الذي كان في حينه رئيس الاستخبارات العسكرية، إن دافع الشباب الذين شاركوا في الهجمات داخل إسرائيل والضفة الغربية هو شعورهم بأن ليس لديهم ما يخسرونه. وفي حين، نسب رئيس الحكومة والوزراء ذلك للتحريض، صمم هاليفي على أنه وفي ظل غياب تقدم العملية السياسية، يجد أبو مازن ورجاله صعوبة في التأثير على الشباب المحبطين.

الآن، حيث يبدو مصطلح “العملية السياسية” في أفضل الحالات نكتة وفي أسوئها خيانة، نجد هاليفي واقفاً على رأس الهرم. بدلاً من العملية السياسية، تجري في الضفة عملية لاستبدال الحكم: حسب تقرير نشرته “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي، فإن الضفة الغربية تنتقل منذ 7 أكتوبر من يد القائد العسكري إلى سلطة مشاغبي التلال بقيادة سموتريتش. خلال الأشهر السبعة الأخيرة، تمكنوا من تهجير 1320 فلسطينياً من بيوتهم، نصفهم أطفال، وسرقة قوافل المساعدات التي كانت في الطريق إلى قطاع غزة. وهاليفي يصمت، لم ينبس ببنت شفة حول غياب الحل العسكري والحاجة إلى تسوية سياسية.

كان هناك رئيس أركان قال قبل أربعين سنة تقريباً، في نهاية الانتفاضة الأولى التي اندلعت في 1987، بأنه لا يمكن التغلب على إرهاب الشعب بالوسائل العسكرية. قرر دان شومرون، رئيس الأركان الـ 13، توزيع كتاب الستر هورن بعنوان “حرب وحشية للسلام” (إصدار وزارة الدفاع الإسرائيلية) على أعضاء هيئة الأركان والضباط الكبار، وهو كتاب يصف الحرب الدموية في الجزائر من أجل الاستقلال، التي أوصلت فرنسا إلى شفا حرب أهلية. بعد انتهاء الحرب التي قتل فيها تقريبا 700 ألف مواطن جزائري وأكثر من مليون مستوطن فرنسي، اضطروا لمغادرة بيوتهم، وحصلت الجزائر على الاستقلال. لم يخش شومرون من انتقاد اليمين له على “الانهزامية” وجرأته على الإشارة بأن استيطان اليهود في بلاد الميعاد يشبه المستعمرات الأوروبية في إفريقيا.

يختبئ هاليفي وراء المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، الذي قال في المؤتمر الصحافي في 14/5 بأنه “لا شك أن البديل الحكومي سيولد الضغط على حماس”. وأضاف على الفور بأنه سؤال يجب توجيهه للمستوى السياسي. ولكن ما الذي يجب أن يفعله رئيس الأركان إذا كان المستوى السياسي يتملص من هذا السؤال، في الوقت الذي يقود فيه إسرائيل إلى حرب إقليمية وعزلة دولية؟

شخص ما مضطر إلى إمساك ياقة معطف رئيس الحكومة ليريه بأن الملك عار. هذا الشخص هو رئيس هيئة الأركان. عليه أن يقرع كل الأجراس إلى أن يستيقظ الجمهور. ماذا لدى ليفي ليخسره في الطريق إلى إعادة أغراضه الشخصية، بعد أن لطخت قذارة مصنع السم زيه العسكري.

——————————————–

هآرتس 19/5/2024

للإسرائيليين: الفلسطينيون شعب لا يتكيف مع الاحتلال

بقلم: عميره هاس

غ. “لم نتحدث منذ فترة” (أقول باعتذار، هناك أشخاص كثيرون أريد أن أعرف قبل كل شيء إذا كانوا “على ما يرام”، حتى إنني لا أتمكن من التحدث معهم جميعهم كل يوم. وفي الأسابيع الأخيرة انقطع الاتصال مع كثيرين منهم).

الصديق: “صحيح. كيف حالك؟ (هذا سؤال دائماً ما أرد عليه بتلعثم، كيف يمكن الإجابة عليه وأنا أجلس بأمان في بيت مضاء ومكيف، والأصدقاء يجلسون في خيمة أو بيت نصف مدمر أو شقة مع 18 شخصاً من أبناء العائلة الآخرين).

الصديق: “أنا في القاهرة. لقد تمكنت من الخروج قبل أسبوعين مع عائلتي. بالضبط قبل بضعة أيام من غزو رفح” (فجأة، تذكرت روح الدعابة عنده. ذات مرة، في العام 1994 أو 1995 قمت مع جاره بتجميع شهادات عن الوضع الاقتصادي في غزة. التقينا معه ومع آخرين على الشاطئ. “ماذا تفعلون”، سألنا. “ننتظر جيل الأربعين”، أجابا، كي نحصل على تصاريح للعمل في إسرائيل. في حينه، كانوا يسمحون بالتصاريح لمن بلغ الأربعين).

غ. “من السهل أن تسمع. حدثني قليلاً عن نفسك. كيف حالك؟ (أما أنا، فمن الصعب السؤال مباشرة كيف الحال. لذلك أبحث عن صياغة أقل إلزاماً، أو أقل ارتباطاً بصيغة متفق عليها).

الصديق: “أختي قتلت أول أمس”. غ. “يا للهول، أين؟” (في هذه الأحداث، في ظل الجحيم، يقول الناس بأن نبأ الموت يستقبل بنوع من التخدير. ولكن أفلام الفيديو التي تأتي من غزة والتي لا يرغب معظم الإسرائيليين مشاهدتها، تظهر العكس. الدفء والألم الذي يحمل فيه الآباء أجسام أولادهم، والصراخ الذي يصل عنان السماء بعد أن يتمكنوا من انتشال جثة فتاة من تحت الأنقاض، ووجه الأم الثاكل المغسول بالدموع، والألم الذي كتب فيه الصديق عندما فقد شقيقه قبل أسبوع”.

الصديق: “في مخيم جباليا. أثناء القصف كانت خارج البيت. بعد يوم قتل ابنها. وبعد يوم آخر قتل ابنها الثاني”.

غ. “الولدان؟ هل كانا في البيت؟ أم هما من المقاومة؟”.

الصديق: “من المقاومة”.

غ: “هل كانا هدفاً لصاروخ أم أنهما قتلا أثناء تبادل إطلاق النار؟”.

الصديق: “أعتقد أنهما قتلا في المعارك”.

غ: “هذا شيء مختلف. كان هذا خيارهما، القتال”.

الصديق: “صحيح”.

من النادر سماع أشخاص داخل القطاع عبر الهاتف، الذين قتل قريب لهم في المعارك. أي أنه كان جندياً في جيش حماس. السرعة التي عرف فيها الصديق الذي وصل إلى القاهرة بأن أبناء شقيقته قتلوا، تدل على أن عدداً غير قليل من العائلات تعرف بسرعة نسبية عن أبنائها المسلحين الذين قتلوا، إضافة إلى العائلات الأخرى التي تعيش لفترة طويلة في حالة عدم يقين ولا تعرف إذا كان ابنها على قيد الحياة أم لا. وإذا قتل، فهل دفن أو أن جثمانه تعفن وتحلل في مكان ما. ربما يتردد الناس في مشاركتك عبر الهاتف بهذه الأخبار من داخل القطاع خوفاً من تنصت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية و“الشاباك” عليهم فيحددوا المتحدث كهدف لصاروخ من مسيرة أو تعرضه للاعتقال والتنكيل.

إسرائيل تنشر عن “مخربين” قتلوا. ولكنه ليس التعريف الصحيح لمن يقاتلون على أراضيهم، في غزة، ضد جيش محتل وجنود جيش أجنبي. “مخرب” هو تعريف عام، متعال. وبشكل متعمد، كلمة “مخرب” لا علاقة تاريخية أو اجتماعية أو سياسية لها، وهي تشوش القدرة على الفهم وتحليل الوضع. مادة أخرى في التصورات الفاشلة والمتغطرسة التي أدت إلى 7 أكتوبر. مسلح ضحاياه من الشيوخ والنساء والأطفال، فإن تعريف “قاتل” هو التعريف المناسب له. أما المسلح الذي يقف امام جنود جيش قوي، فهو مقاتل.

بعد سبعة أشهر ونصف على 7 أكتوبر، يتبين أن لدى حماس مخزوناً كبيراً من الشباب المسلحين المستعدين والقادرين على القتال، الذين تدربوا لتصعيب عمليات الاقتحام على الجيش الإسرائيلي. يسهل القول بأنهم غسلوا أدمغة هؤلاء الشباب المسلحين الذين يكرهون اليهود ويريدون رؤية إسرائيل مدمرة. ولكن الأكثر صعوبة ودقة القول بأن لديهم الشجاعة والاستعداد للموت، وأن أسباب الحياة، ليس مجرد البقاء على قيد الحياة، آخذة في التقلص في قطاع غزة، الذي فصلته إسرائيل عن العالم قبل فترة طويلة من الحرب.

القتل الجماعي لأبناء عائلاتهم، بعمليات القصف الإسرائيلية التي قتلت بمصادقة القانونيين في الجيش، 20 – 30 شخصاً من بينهم أطفال ونساء وشيوخ من أجل قتل هدف “مشروع” واحد، هل يعتبر عاملاً رادعاً للشباب الآخرين؟ كم منهم يستنتج بأن عليه الانضمام لجيش حماس؟

فشل عقيدة “النصر المطلق” لا ينبع من دوافع نتنياهو الشخصية ومواصلة الحرب المتوحشة بدون نهاية، إنما هو مرتبط برفض معظم الإسرائيليين الاستيعاب بأن الشعب الفلسطيني المضطهد لا يتكيف وغير مستعد للتكيف مع الاضطهاد، حتى بالنسبة لكثيرين يعارضون الحرب أو يعارضون حماس.

———————————————

معاريف 19/5/2024

هل تحتاج كل من إسرائيل وإيران لرسم خطوط حمراء جديدة لتفادي الحرب الشاملة؟

بقلم: ميخائيل هراري

المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران هي نقطة انعطافة استراتيجية في الشرق الأوسط وما وراءه. الحرب في غزة التي وفرت المحفز لذلك، تركز حولها الانتباه الأساس، في المدى الزمني الفوري على الأقل. لكن هجمة الصواريخ الإيرانية نقلت المواجهة بينهما، الجارية منذ سنين بشكل غير مباشر، إلى المستوى المباشر. ولها معان استراتيجية تلزم الدولتين والأمريكيين وسلسلة من اللاعبين في المنطقة وخارجها لوزن الآثار والخطوات اللازمة لإعادة استقرار ميزان القوى الذي يمنع تصعيداً واسعاً.

ينبغي الاعتراف بأنه تم اجتياز خطوط حمراء وضعها الطرفان بينهما، كانا في إطارها مستعدين لاحتواء حرب الوكلاء التي ميزت المواجهة بينهما، والهجمات الإسرائيلية في سوريا، وسلسلة من الأحداث في إيران نفسها نسبت لإسرائيل، سواء بشكل مسنود أم غير ذلك. والحرب في غزة أكدت قدرة وربما جاهزية الطرفين للتمسك بهذه الخطوط الحمراء. إسرائيل تتصدى لمواجهة متعددة الجبهات، وإيران سعت للضغط على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة أساساً، بوسائل غير مباشرة عبر الحلفاء الذين طورتهم في المنطقة.

المحفز الذي شوش قواعد اللعب هذه، هو كما أسلفنا الحرب في غزة، ولكن وبشكل ملموس أكثر تلك الهجمة المنسوبة لإسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، التي أنشأت سلسلة من علامات الاستفهام حول هذا الحدث: ألم تقدر إسرائيل آثار الهجوم المباشر على منشأة دبلوماسية إيرانية؟ هل فهمت ذلك لكنها عملت؟ ألا يمكن أن تسمح طهران لنفسها باحتواء هجمة من هذا القبيل أم قدرت بأنها ظروف مناسبة لإملاء خطوط حمراء جديدة؟

مهما يكن من أمر، فالمطلوب جهد مكثف لوضع خطوط حمراء جديدة. ينبغي الافتراض بأن “القدس” وطهران تحللان المعاني النابعة عن الهجوم ورد الفعل. في التوقيت المحدد، يمكن إضاءة أربع نقاط أساسية:

الأولى تتعلق بالضرورة الفورية لاستيعاب الحاجة لخطوط حمراء جديدة. سطحياً، يمكن الادعاء بأن المواجهة المباشرة ساعدت في تأكيد الفهم لميزان الردع بين الدولتين. حتى لو كان هكذا، فمطلوب ضمان أن “تتفق” الدولتان على ذلك.

الثانية تفترض خلق “قناة اتصال” إسرائيلية – إيرانية غير مباشرة، لكن مصداقة؛ لمنع سوء تقدير لنوايا الطرفين. ثمة عدد من المرشحين لمثل هذه القناة، مثل عُمان أو قطر، اللتين لهما تجربة طويلة في الدبلوماسية من هذا القبيل.

الثالثة تتعلق بالحرب في غزة. إنهاؤها دون الدخول إلى طريقة عمل ذلك، ضروري لمنع تصعيد يبدو أن لا أحد يريده. للأمريكيين دور حرج في ذلك.

الرابعة تتعلق بالولايات المتحدة. الحرب في غزة والمواجهة الإسرائيلية الإيرانية أضاءتا حقيقة أن واشنطن لن تسمح لنفسها “بتخفيض الوتيرة” في دورها بالمنطقة. لهذا، قد تكون آثار سلبية على منطقتنا وليس أقل أهمية من ذلك بالنسبة لقوى عظمى كالصين وروسيا.

وبالطبع، لم نتناول بعد “الملف النووي” الإيراني والاستنتاجات الممكنة التي قد تستخلصها إيران، لكن حتى هنا في هذه المرحلة.

———————————————

هآرتس 19/5/2024

بعد اطلاعه على “الوثيقة السرية”.. غالانت: نتنياهو وشركاؤه يجرّون إسرائيل إلى الهاوية

بقلم: أسرة التحرير

عقد وزير الدفاع غالانت، الأربعاء، مؤتمراً صحافياً دعا فيه نتنياهو للإعلان بعدم إقامة حكم عسكري في قطاع غزة، والبحث في مسألة “اليوم التالي”. لم تأت أقواله من فراغ؛ فإقامة حكم عسكري في غزة بديل حقيقي يفكر فيه رئيس الوزراء وهو يحظى بتأييد اليمين المتطرف.

عندما أحصى غالانت معاني إقامة حكم عسكري ومدني لإسرائيل في القطاع، وجه أقواله إلى اقتراح على طاولة نتنياهو لإقامة حكم عسكري مؤقت، هو بمثابة حل بديل لحماس. يدور الحديث عن وثيقة كتبها السكرتير العسكري الجديد لنتنياهو، اللواء رومن غوفمان. هذه هي المرة الثانية التي يتخذ فيها غالانت خطوة كهذه: يحذر نتنياهو علناً فيما يكون الجمهور شاهداً عليه. في المرة السابقة، في ذروة الانقلاب النظامي، دعا غالانت لوقف التشريع فوراً بسبب “خطر واضح وفوري” على أمن الدولة. وهكذا قال: “التهديدات حولنا عظيمة، في ساحات بعيدة وقريبة”. أما نتنياهو فحاول قتل الرسول.

هذه المرة يحذر الرسول من الخطة الخطيرة موضع التفكير – لشدة الأسف – بعناية شديدة: “هذا بديل سيئ وخطير على دولة إسرائيل: استراتيجياً، وأمنياً، وعسكرياً”، قال غالانت. “كدولة، نحن أمام تهديد أمني متعدد الساحات بمقدرات معطاة”. حكم عسكري إسرائيلي في غزة سيصبح الجهد الأمني الرئيس لإسرائيل في السنوات التالية على حساب ساحات أخرى. وسيكلف ثمناً وضحايا، ويوقع ثمناً اقتصادياً جسيماً”. وإن كلفة التشغيل، حسب وثيقة أخرى وضعها جهاز الأمن ونشرتها “يديعوت أحرونوت”، تقدر بنحو 20 مليار شيكل في السنة، ومن الناحية العسكرية ستكون حاجة لأربع فرق هجومية وفرقة دفاع، فضلاً عن الحساب الاقتصادي والعسكري هناك مسألة الثمن السياسي الذي لا تقدير له بعد.

ينبغي اجتثاث هذه الفكرة الشوهاء في مهدها. ويجب ألا ننسى وجود خطة مفسدة تختبئ من لاعبين سياسيين أيديولوجيين، وهؤلاء يستخدمون الظروف الأمنية لتحقيق مطامع إقليمية: إلغاء فك الارتباط، والعودة إلى غزة وإقامة مستوطنات يهودية فيها. بن غفير وسموتريتش ورفاقهما في اليمين المتطرف، يريدون جر إسرائيل إلى سيطرة عسكرية ومدنية في القطاع، على أكثر من مليونين من سكانه. لا يمكن توقع شيء من رئيس الوزراء، لأن بقاءه السياسي يفوق كل اعتبار آخر. لكن الوزيرين غانتس وآيزنكوت اللذين يشاركان مخاوف غالانت، يجب أن يضعا حدوداً واضحة أمام هذه السخافة. نتنياهو وشركاؤه المسيحانيون يدهورون إسرائيل من مصيبة إلى مصيبة. لم تعد أي قيمة للأقوال والتصريحات. الهدف الوحيد هو إسقاط الحكومة والتوجه إلى الانتخابات.

———————————————

إسرائيل اليوم 19/5/2024

3 جثث بعد 8 أشهر على الحرب.. لقادة إسرائيل: لماذا تفضلونهم في توابيت؟

بقلم: يوآف ليمور

حملة العثور على جثث المخطوفين أربعة الذين أعيدوا لإسرائيل كانت طويلة ومعقدة، وتضمنت تحقيقاً مع مخربين معتقلين، ومعلومات استخبارية تراكمت، وحقائق على الأرض جمعها الجيش و”الشاباك”، فأتاحت الوصول إلى نفق أخفيت فيه جثامينهم.

شني لوك، الوحيدة التي دار حولها معلومات مؤكدة بقتلها في 7 أكتوبر. شريط تقشعر له الأبدان تظهر فيه جثتها محمولة على “تندر” في ساحات غزة. أما المخطوفون الثلاثة الآخرون فلم تصل أي معلومات عن حالتهم منذ اختطفوا. لم يرهم أحد على قيد الحياة. كانت التقديرات أنهم قتلوا في ذاك السبت، وحاول معهد التشريح تأكيد هذا الآن.

احتجزت الجثث بشكل مرتب في أكياس. يبدو أن حماس استعدت لمطالبة بتسليمهم كجزء من صفقة. يوجد كهؤلاء عشرات في غزة. العدد الدقيق ليس معروفاً. ذكرت إسرائيل حتى الآن أسماء قرابة أربعين مخطوفاً ممن ليسوا على قيد الحياة، وتحدثت الولايات المتحدة عن أعداد أعلى. (نحو 50 في المئة من عموم المخطوفين).

هذا الجهد الاستخباري – العملياتي، لن يعيد الـ 128 مخطوفاً المتبقين. من يدعي ذلك يوهم الجمهور. فلن يعيد كل الموتى: التقدير أن الكثير من الجثث لن يعثر عليها لأنها ألقيت في أثناء فرار السبت الأسود، أو دفنت تحت ركام المباني. وهو بالتأكيد لن يعيد كل الأحياء: ربما تحدث حملات إنقاذ أخرى، لكنها ستكون حلاً موضعياً لا أكثر. من يبحث عن حلول أوسع لن يتفادى العمل على صفقة تعيد عشرات المخطوفين.

حماس تهرب مخطوفين؟

المعضلة تحتدم الآن حول عملية رفح. عمق الجيش الإسرائيلي سيطرته في الأحياء الشرقية من المدينة، وعاد ليدعو اللاجئين لمغادرتها. وحسب بيان وكالة الغوث أمس، فإن 800 ألف لاجئ خرجوا من رفح حتى الآن. إذا كان هذا المعطى دقيقاً، ربما تبقى نحو 600 ألف لاجئ في المدينة، ومغادرتهم حيوية للسماح بحملة ناجعة تقلص خطر إصابة المدنيين الفلسطينيين.

هذه الحملة ستمس بقسم من قدرات حماس في المدينة الجنوبية، لكنها لن تعفي إسرائيل من مواجهة مسألتين مركزيتين تواجههما الآن: الأولى قضية المخطوفين، الذين ستشكل الحملة خطراً على حياتهم. فقد وجهت حماس رجالها لتصفية المخطوفين في أي حالة إنقاذ وهم على قيد الحياة، وهذه التعليمات سبق أن نفذت في عدة حالات. ربما تحاول المنظمة تهريب مخطوفين شمالاً (ربما إلى خان يونس)، بمعنى أنه حتى بعد انتهاء الحملة في رفح، ستبقى إسرائيل مع تساؤل كيف سنعيد المخطوفين إلى الديار – المشكلة التي تواجهها في مناطق أخرى في القطاع أيضاً.

المسألة الثانية هي مستقبل القطاع ومستقبل إسرائيل أمامه. لضرب رفح أهمية تتجاوز القضاء على لواء حماس الخامس والأخير: فهي استراتيجية من ناحية تهريب السلاح وجباية الضرائب على البضائع في معبر رفح. قد تسيطر إسرائيل على المنطقة، لكنها ستحتاج مصر لتغيير الواقع. أبانت الأسابيع الأخيرة عن قطيعة خطيرة بين “القدس” والقاهرة، من الواجب إنهائها. مصر شريك استراتيجي في الجوانب السياسية للسلام، وأساساً في الجوانب الأمنية. لها مصلحة في القضاء على حماس – الفرع الغزي للإخوان المسلمين، عدو الحكم المصري، وعلى إسرائيل إيجاد سبل دمجها في الجهد لتجريد القطاع من السلاح.

توافقات كهذه مع مصر لن تتحقق دون الاهتمام بهوية الحكم المستقبلي في غزة. إسرائيل تتملص من ذلك، وعملياً تخلف حكم حماس. حسب تقديرات مختلفة، راكمت المنظمة في الأشهر الأخيرة أكثر من نصف مليار دولار من بيع المساعدات الإنسانية الوافدة إلى غزة، ما يتيح لها مواصلة دعم جهازها العسكري والجهاز المدني المؤيد الذي يعتمد عليه الغزيون.

إعادة صياغة الأهداف

إن العمل على حل في غزة سيسمح لإسرائيل بالدفع قدماً بحل للأزمة في الشمال، والتي تتعمق كل يوم. نهاية الأسبوع الأخيرة كانت قاسية رفقة مئات المقذوفات من الصواريخ ومضادات الدروع والمُسيرات إلى الأراضي الإسرائيلية. رغم إحباط قسما كبير من الهجمات، ثمة إصابات في أراضي إسرائيل أوقعت ضرراً واضحاً بالممتلكات.

معظم المواطنين لا يشاهدون ما يحصل، لكن الجليل الأعلى والجليل الغربي باتا مناطق قتال خطيرة، وإذا استندنا إلى أقوال سكان الشمال – مناطق محتلة داخل إسرائيل. هذا إنجاز استراتيجي لحزب الله، لا تستطيع إسرائيل إعطاء جواب له. ولا مواساة حتى لو ادعت إسرائيل إلحاقها أضراراً جسيمة بحزب الله وجنوب لبنان بإخلائه من السكان. فمشاكل لبنان لن تكون فرحة لإسرائيل.

على إسرائيل أن تقرر ما تريده في الساحة الشمالية – حرب أم اتفاق. حالياً، تفضل المعركة في غزة في ظل موافقتها على إخلاء سكان الشمال من بيوتهم ودمار البلدات والقواعد والبنى التحتية. هذا قرار يجب شرحه بشجاعة للجمهور، لكن المطلوب على الأقل إسناده بمساعدات اقتصادية – مدنية مكثفة للبلدات والسكان المتضررين. لسوء الحظ، الحكومة تهرب من هذين الأمرين: فهي لا تتحدث مع السكان ولا تساعدهم. وكل هذا يحصل بينما تغرق إسرائيل في فوضى سياسية، وفي الخلفية قانون التجنيد الفضائحي والتهرب من المسؤولية لمن تركوا إسرائيل تعلق في كارثة 7 أكتوبر ويديرونها بشكل غير مرض. يبدو أن لا مفر من أن تعيد إسرائيل صياغة نفسها وأهدافها من البداية قبل أن تتعمق الحفرة.

———————————————

هآرتس 19/5/2024

لغانتس: بقاؤك يحمي نتنياهو وتحذيرك لا يعني له شيئاً.. و”حزب الله” أعلنها حرب استنزاف

بقلم: عاموس هرئيل

إنقاذ جثث المخطوفين الإسرائيليين من القطاع يوفر درجة من اليقين لأربع عائلات لم تعرف مصير أعزائها منذ 7 أكتوبر. حسب الجيش الإسرائيلي، فإن الأربعة – شني لوك وعميت بوسكيله واسحق غلرنتر ورون بنيامين- قتلوا على يد مخربي حماس قرب “كيبوتس مفلسيم” في ذلك الصباح: لوك وبوسكيله وغلرنتر قتلا بعد وقت قصير من هربهم من حفلة “نوفا”، وخرج بنيامين للركوب على دراجته قرب “كيبوتس بئيري”.

حتى اكتشاف الجثث، تأكد موت لوك الذي عرض رجال حماس جثته في غزة يوم المذبحة (قدم البيان الرسمي لعائلتها بعد بضعة أسابيع، بعد العثور على جزء من جثتها في منطقة مفلسيم). حتى أول أمس، لم يكن معروفاً أي شيء عن وضع بنيامين وبوسكيله وغلرنتر. 128 عائلة أخرى ما زالت تتحسس الطريق في الظلام؛ 39 مخطوفاً أعلن الجيش الإسرائيلي موتهم، لكن هناك تخوفاً كبيراً من عدد قتلى أعلى بكثير.

البيان حول العثور على الجثث وتشخيصها أعاد لوعي الجمهور موضوع المخطوفين، الذي قصي بالكامل من عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة. احتجاج عائلات المخطوفين فقد الزخم، بعد المفاوضات التي علقت لفترة طويلة. في البداية، وضع رئيس الحكومة العقبات أمام الطاقم الذي أرسله هو نفسه للقاهرة وباريس. بعد ذلك، طرحت حماس طلبات مبالغاً فيها. كان يبدو أن حماس غير مستعجلة للتقدم إزاء الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة والخلافات الداخلية في القيادة الإسرائيلية على خلفية العملية في رفح، ورفض نتنياهو تحديد هدف سياسي واضح للحرب. نتنياهو صعب الوضع عندما نشر مكتبه مساء أول أمس، بياناً جاء فيه بأنه وعد بـ “إعادة جميع المخطوفين”.

يعمل الجيش الإسرائيلي الآن بقوات كبيرة في جباليا شمالي القطاع وعلى مداخل رفح في الجنوب. وقتل في معارك جباليا أول أمس جندي المظليين بن افيشاي (20 سنة) من نهاريا، ونشر صباحاً قتل جنديين من “جفعاتي” في رفح، العريف أول نحمان مئير فاكنن (20 سنة) من إيلات، والعريف أول نوعام بتان (20 سنة) من موشاف يد رمبام. العملية في رفح، التي أمر بها رئيس الحكومة رغم التحذيرات الأمريكية، قد تخلق ضغطاً عسكريا على حماس، على أمل إجبار قيادتها إظهار مرونة في المفاوضات. عملياً، لا دلائل على ذلك. إذا هاجم الجيش بعنف واستخدم ذخيرة كبيرة في رفح، فسيعرض حياة بعض المخطوفين للخطر، المحتجزين كما يبدو هناك، وهذه العملية ستغضب الأمريكيين. وإذا لم يفعل ذلك، فسيجد صعوبة في حماية جنوده الذين يعملون أمام عدو يختبئ في منطقة مأهولة باكتظاظ.

الحسم بعيد

لم يحصل الجيش الإسرائيلي حتى الآن بعد على أي تعليمات لاحتلال رفح كلها فهذه العملية ستستغرق، حسب تقديرات هيئة الأركان، شهرين وأكثر (في خان يونس عملت القوات أربعة أشهر ونصف شهر، أكثر بكثير مما قدر له). استئناف العمليات العسكرية في القطاع يحتاج إلى مزيد من القوات، بما في ذلك عدد من ألوية الاحتياط، وهو يأتي على حساب إمكانية تخصيص قوات أكثر على الحدود مع لبنان.

أحد الأمور التي ثبتت في أشهر الحرب المتواصلة هو حاجة إسرائيل لاستثمار كل القوات، بما في ذلك تجنيد كامل للاحتياط، كي تحارب على جبهتين، حيث جبهات ثانوية.

حول المزاج السائد لدى حزب الله، يمكن معرفة ذلك من المقال الذي نشره أمس إبراهيم الأمين، محرر صحيفة “الأخبار” اللبنانية، الذي يعتبر صحافياً مقرباً من رئيس حزب الله، حسن نصر الله. حسب الأمين فإن نصر الله يخطط لـ “حرب استنزاف دموية من لبنان وغزة واليمن”. وحسب قوله، يستعد محور إيران ومؤيدوه لحرب طويلة ومتعبة تفرض في نهايتها على إسرائيل تنازلات مؤلمة في المفاوضات. وقال إن التعاون بين أجزاء محور إيران تعزز بشكل كبير من خلال غرفة العمليات المشتركة التي تنسق عمليات التنظيمات في كل الجبهات. يتفاخر حزب الله من خلال المقال بإدخال سلاح جديد إلى الجبهة، من بين ذلك أنواع مختلفة من الصواريخ والمسيرات التي يجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في التعامل معها.

رغم أنها أقوال كتبت كجزء من عمليات الحرب النفسية التي تستخدم ضد الجمهور الإسرائيلي، فإنه يجب الاعتراف بأن إسرائيل تجد صعوبة في التعامل في هذه المرحلة وفي الوقت نفسه مع عدد كبير من الجبهات، التي تمول إيران وتوجه جزءاً كبيراً من عمليات من وراء الكواليس. هنا تحدث عملية إنضاج لعمليات طويلة المدى. إزاء تهديد أمني متزايد ومتطور، تجد إسرائيل صعوبة في إظهار تفوقها التكنولوجي والعسكري، وتقريباً غير قريبة من عملية الحسم في غزة أو في الساحات الأخرى، رغم الهراءات التي يصمم نتنياهو على تسويقها للجمهور.

هو وضع ستناقشه زيارة سوليفان لإسرائيل، مستشار الرئيس الأمريكي في شؤون الأمن القومي. ستوضع على الأجندة اعتراضات الأمريكيين بخصوص رفح (أعلن بايدن قبل أسبوعين عن تجميد إرسالية سلاح لسلاح الجو، لكنه دفع لاحقاً بإرساليات مساعدات أخرى)، إلى جانب التطورات الإقليمية الأخرى. بالنسبة للإدارة الأمريكية فإن نافذة الفرص آخذة في الانغلاق بخصوص الصفقة السعودية الكبيرة التي علق عليها الرئيس الآمال لتحقيق إنجاز في مجال سياسته الخارجية، حتى اندلاع الحرب في تشرين الأول الماضي.

الرزمة التي يعرضها بايدن على نتنياهو معروفة: اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، يشمل تطبيعاً بين إسرائيل والسعودية مقابل موافقة إسرائيل على تعزيز العلاقات بين أمريكا والسعودية، مع تزويد الرياض بسلاح أمريكي متطور وإعطاء ضوء أخضر لمشروع نووي مدني. يتناقشون في كل هذه الأمور منذ سنة، لكن الحرب وضعت عقبات جديدة. تطالب السعودية بخطوة إسرائيلية كبيرة في المسألة الفلسطينية لصد الانتقادات الداخلية حول التخلي عن الفلسطينيين في زمن المحنة. ويجد نتنياهو صعوبة في تقديم هذا، بالضبط كما يرفض مناقشة إعطاء دور للسلطة الفلسطينية في القطاع، ولنفس السبب، ستؤدي هذه العملية إلى انسحاب أحزاب اليمين المتطرف، “قوة يهودية” و”الصهيونية الدينية”، وتفكك الائتلاف.

يحاول الأمريكيون الربط بين الصفقة السعودية والعملية المتعلقة مباشرة بالحرب، وستؤدي إلى صفقة المخطوفين وإنهاء الحرب في القطاع ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله أيضاً. احتمالية ذلك ضعيفة حتى الآن. أولاً، هناك الكثير من الأجزاء المنفصلة في الصفقة، التي يجب ربطها معاً خلال القتال الذي يجري في عدة جبهات في الوقت نفسه. ثانياً، لإيران وحماس محفز كبير لرفض أي صفقة للمخطوفين ووقف إطلاق النار لإفشال العملية الإقليمية الأوسع التي تبادر إليها الولايات المتحدة. التقارب بين السعودية وإسرائيل يعتبر خطراً استراتيجياً من ناحية طهران. حتى إن جهات رفيعة في حماس ادعت بأن الرغبة في التشويش على التطبيع كانت أحد الاعتبارات التي أملت اختيار توقيت شن الهجوم الإرهابي.

هذه هي خلفية المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس رئيس المعسكر الرسمي الوزير بني غانتس، بتأخير أسابيع. وشريكه في القيادة، آيزنكوت، يطلب من غانتس منذ فترة تبكير انسحاب القائمة من الائتلاف على خلفية خيبة الأمل من إدارة نتنياهو للمعركة. تقف إسرائيل مرة أخرى في مفترق طرق لاتخاذ قرار استراتيجي، ويبدو أن نتنياهو مصمم على الخيار الذي سيؤدي إلى استمرار الحرب الدموية لفترة غير محدودة، مع تجاهل العروض الأمريكية. وقال غالانت أموراً مشابهة الأسبوع الماضي، وركز انتقاده على محاولة نتنياهو الدفع قدماً بإقامة حكم عسكري لإسرائيل في القطاع. ينضم غانتس الآن إلى الانتقاد العلني، بل وضع إنذاراً لنتنياهو. ولكن كعادته، هذه الأمور لا تقال بحزم، وموعد الهدف، بعد ثلاثة أسابيع، يبقي لنتنياهو وقتاً للمناورة والمراوغة كالعادة.

———————————————

معاريف 19/5/2024

انتقال المواجهة بين إسرائيل وايران الى المستوى المباشر

بقلم: مايكل هراري

المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وايران هي نقطة انعطافة استراتيجية في الشرق الأوسط وما وراءه. الحرب في غزة التي وفرت بقدر كبير المحفز لذلك تركز حولها الانتباه الأساس، في المدى الزمني الفوري على الأقل. لكن هجمة الصواريخ الإيرانية نقلت المواجهة بينهما، الجارية منذ سنين بشكل غير مباشر، الى المستوى المباشر. يوجد لها معان استراتيجية تلزم الدولتين، الأمريكيين وسلسلة من اللاعبين في المنطقة وخارجها لوزن الاثار والخطوات اللازمة لاعادة استقرار ميزان القوى الذي يمنع تصعيدا واسعا.

ينبغي الاعتراف بانه تم اجتياز خطوط حمراء تم وضعها على مدى السنين بين ايران وإسرائيل، في اطارها كان الطرفان مستعدين لان يحتويا حرب الوكلاء التي ميزت المواجهة بينهما، الهجمات الإسرائيلية في سوريا، وسلسلة من الاحداث في ايران نفسها نسبت لإسرائيل، سواء بشكل مسنود أم غير ذلك. الحرب في غزة اكدت جدا قدرة وربما جاهزية الطرفين للتمسك بهذه الخطوط الحمراء. إسرائيل تتصدى لمواجهة متعددة الجبهات، وايران سعت للضغط على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة أساسا، بوسائل غير مباشرة عبر الحلفاء الذين طورتهم في المنطقة.

المحفز الذي شوش قواعد اللعب هذه، هو كما اسلفنا الحرب في غزة ولكن بشكل ملموس اكثر الهجمة المنسوبة لإسرائيل على القنصلية الإيرانية في دمشق، سلسلة من علامات الاستفهام تنشأ عن هذا الحدث: هل إسرائيل لم تقدر كما ينبغي آثار الهجوم المباشر على منشأة دبلوماسية إيرانية؟ هل فهمت وعملت رغم ذلك؟ هل طهران بالفعل لا يمكنها أن تسمح لنفسها باحتواء هجمة من هذا القبيل ام ربما قدرت بان هذه ظروف مناسبة لاملاء خطوط حمراء جديدة؟

مهما يكن من أمر، مطلوب جهد مكثف لوضع خطوط حمراء جديدة. ينبغي الافتراض بان في القدس وفي طهران يحللون المعاني النابعة عن الهجوم ورد الفعل. في التوقيت المحدد يمكن ربما اضاءة أربع نقاط أساسية:

الأولى تتعلق بالضرورة الفورية لاستيعاب الحاجة لخطوط حمراء جديدة. سطحيا يمكن الادعاء بان المواجهة المباشرة ساعدت في تأكيد الفهم بالنسبة لميزان الردع بين الدولتين. حتى لو كان هكذا، مطلوب ضمان ان “تتفق” الدولتان على ذلك.

الثانية تفترض خلق “قناة اتصال” إسرائيلية – إيرانية غير مباشرة لكن مصداقة لاجل منع سوء تقدير لنوايا الطرفين. يوجد عدد من المرشحين لمثل هذه القناة، مثل عُمان او قطر اللتين لهما تجربة طويلة في الدبلوماسية من هذا القبيل.

الثالثة تتعلق بالحرب في غزة. انهاؤها دون الدخول الى طريقة عمل ذلك، ضروري لمنع تصعيد يبدو ان لا احد يريده. للامريكيين دور حرج في ذلك.

الرابعة تتعلق بالولايات المتحدة. الحرب في غزة والمواجهة الإسرائيلية الإيرانية اضاءتا اكثر من أي وقت مضى حقيقة ان واشنطن لا يمكنها أن تسمح لنفسها “بتخفيض الوتيرة” في دورها في المنطقة. لهذا من شأنه ان تكون آثار سلبية على منطقتنا وليس اقل هاما من ذلك بالنسبة لقوى عظمى كالصين وروسيا.

وبالطبع لم نتناول بعد “الملف النووي” إيراني والاستنتاجات الممكنة التي قد تستخلصها ايران لكن حتى هنا في هذه المرحلة.

———————————————

 إسرائيل اليوم 19/5/2024،

مشاكل الشرق الأوسط الاخيرة

بقلم: ايال زيسر

اكثر من مليون نسمة، معظمهم نساء وأطفال، قتلوا في العقد الأخير في ارجاء الشرق الأوسط. نحو عشرين مليون نزحوا من بيوتهم واصبحوا لاجئين ونحو 50 مليون آخرون يعانون من العوز، الجوع والامراض. كل هذا ليس في غزة بل في سلسلة طويلة من الحروب المضرجة بالدماء التي تواصل العربدة حتى في أيامنا هذه في سوريا، في اليمن، في السودان وفي ليبيا وكذا بين تركيا والاكراد.

لكن كل هذا لا يبدي فيه العالم المتنور اهتماما. الأمم المتحدة، مثلما هي أيضا المحكمة الدولية في لاهاي، لا تعقد جلسات عاجلة لوقف سفك الدماء وتمتنع بالطبع عن توجيه اصبع اتهام الى المسؤولين عن المعاناة والضائقة. في الجامعات العليا في الولايات المتحدة لم يسمع المتظاهرون الجهلة ابدا عن هذه الأماكن الغريبة.

في سوريا التي نسيت الان قتل في الحرب المعربدة فيها منذ 15 سنة قرابة 600 الف شخص، أصيب مليونان، و 8 مليون آخرون، نحو ثلث سكان سوريا اصبحوا لاجئين خارج بلادهم.

احد لم يحرك اصبعا كي يوقف سفك الدماء، حتى عندما استخدم نظام بشار الأسد السلاح الكيميائي والغاز كي يقتل الالاف من أبناء شعبه. مداولات عقيمة في مجلس الامن صدتها الصين وروسيا اللتان تذرفان دموع التماسيح الان على مصير الفلسطينيين في غزة. للحقيقة، روسيا لم تمنع فقط كل قرار ضد بشار الأسد بل شاركت مع ايران ومع حزب الله في حربه الاجرامية ضد أبناء شعبه، مثابة تمرين قبيل اجتياحها لاوكرانيا.

في اليمن أيضا يقترب عدد القتلى في الحرب الاهلية المعربدة في الدولة الى نحو نصف مليون نسمة. 5 مليون آخرون، نحو ربع سكان الدولة نزحوا من بيوتهم في هذه الحرب التي المسؤولة الأساس عن استمرارها هي ايران التي توفر السلاح لحلفائها الحوثيين الذين لا يكتفون هم واسيادهم الإيرانيون بالخراب الذي جلبوه على اليمن بل يسعون لتوسيع دائرة الدم الى السعودية، دول الخليج الأخرى والان الى إسرائيل أيضا.

في السودان وفي ليبيا أيضا تشتعل النار. في السودان يقترب عدد القتلى في الحرب الاهلية التي نشبت في الدولة قبل نحو سنة، وهي واحدة أخرى من سلسلة طويلة من الحروب التي أحرقت فيها كل شيء الى نحو 50 الفا، و 8 مليون نسمة فروا حتى الان من بيوتهم. اما في ليبيا المدمرة فعدد الضحايا يصل الى عشرات الالاف، الذين ينبغي أن يضاف اليهم نحو مليون لاجيء آخرين. حرب أخرى غابت عن العين هي حرب تركيا ضد الاكراد. نحو 30 مليون كردي يعيشون في وطنهم التاريخي، مجال يقع من ايران، عبر العراق وتركيا وانتهاء بسوريا. لكن بحق الاكراد في دولة خاصة بهم احد في العالم لا يعترف. عشرات السنين قاتل الاكراد ضد أنظمة الظلام التي سادت في العراق ووقفوا أيضا في وجه تركيا التي تدير ضدهم حملة قمع في محاولة لشطب كل مؤشر على هويتهم القومية وتطلعهم لتقرير المصير. نظام اردوغان، الذي ابدى تسامحا تجاه الخلافة التي أقامها داعش في الحدود الجنوبية للدولة بل ولم يشارك في الصراع الأمريكي لتصفيتها، يخوض اليوم حربا مقدسة ضد الاكراد في جنوب تركيا، في العراق وفي شمال سوريا.

لكن كل هذا لا يهم العالم المتنور، الذي ليست الاخلاق والإنسانية هي التي تقف امام ناظريه. منظمات حقوق الانسان، الاعلام والرأي العام في العالم لا يبدي اهتماما بالمعاناة والضائقة طالما هذه لم تكن فرصة “لضرب اليهود”، شعار ناجع من الماضي لا مثيل له لاثارة الاهتمام وتجنيد الدعم والشعبية.

لا جديد. في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان دارجا الادعاء بان النزاع الإسرائيلي – العربي، وضمنا إسرائيل هو مصدر مشاكل العالم وبالتأكيد الشرق الأوسط. لكن في العام 1990 اجتاح صدام حسين الكويت واحتلها، هدد الاستقرار في المنطقة ومصالح الدول الغربية. وفي العقد الذي تلا ذلك احتل مكانه تنظيم القاعدة، الذي لافعاله الإرهابية لم تكن أي صلة بإسرائيل. وهكذا تعلم العالم بالطريقة الصعبة ثمن الهوس الذي طوره تجاه إسرائيل.

———————————————

هآرتس 19/5/2024،

غانتس وضع موعد نهائي سيصعب عليه التهرب منه، لكن يجب عدم استبعاد أي شيء

بقلم: يوسي فيرتر

بعد مرور ثلاثة ايام على خطاب نتنياهو “أنا أتهم”، صاغ بني غانتس أمس لائحة اتهام خاصة به لرئيس الحكومة. وسواء قاما بالتنسيق فيما بينهما، كما كان في الخطاب السابق، أم لا، فمن المرجح أن يوآف غالنت مهد الطريق لغانتس.

هذا الخطاب، الذي كتب عنه هنا في يوم الجمعة، كان يجب على غانتس القاءه منذ زمن. هو لم يأت بأي جديد. حتى بدون تصريحات غالنت وتصريحاته، فان أي اسرائيلي عاقل يعرف جيدا أنه يترأس الدولة الآن شخص منذ فترة طويلة لم يعد “زعيم”، وبالتأكيد غير “وطني”، هذه هي الكلمات التي وصف بها غانتس ماضي نتنياهو. كرجل دولة حتى النهاية لم يذكر اسماء المتهمين الذين وصف سلوكهم بالاجرامي – بنيامين نتنياهو وشركاءه في اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير. هو فقط قام برسم خطوط لشخصياتهم الضارة.

غانتس وضع لنفسه خط نهاية، الذي سيجد صعوبة في التهرب منه. وهكذا فانه رسم نهاية حكومة الطواريء. ولكن في كل ما يتعلق بشراكته البائسة مع نتنياهو، ايضا الآن لا يجب استبعاد أي شيء. غانتس في نهاية المطاف لا يعتقد وبحق أن رئيس الحكومة سيستجيب لانذاره، ويبلور خطة مسؤولة “تضع الاعتبارات الوطنية قبل الاعتبارات الشخصية”. منذ سنوات لا يوجد مثل نتنياهو هذا. وزعيم عقلاني ومسؤول كان سيمسك بكلتا يديه بحبل النجاة الذي قدمه له شريكه، وبالتأكيد معرفة كيف ستكون الدولة والحرب في ظل ائتلاف الـ 64: فقدان مطلق للشرعية، سواء في العالم أو في اوساط اغلبية الجمهور في اسرائيل. ربما هذا ما قصده غانتس عندما قال: “تنتظرنا ايام قاسية”.

يبدو أن الفراق صعب على غانتس. فهو يدرك أن الحياة الزوجية انتهت منذ فترة. ولكن العادة، الجلوس على الطاولة والمواد الاستخبارية والمسؤولية ايضا، والشعور أنه بدونه وبدون ايزنكوت فان الحصن سيسقط. ربما بسبب ذلك اختار بصورة غريبة ومثيرة للسخرية، وصف معظم ايام حكومة الطواريء بالنموذج الموضوعي والمسؤول للسلوك من كل الجوانب. وكأن نتنياهو لم يرتكب أي خطأ منذ بداية الطريق في كل المواضيع، بدءا باليوم التالي ومرورا بالعلاقات مع الولايات المتحدة وانتهاء بالمخطوفين.

معظم مصوتي غانتس، حسب استطلاع “اخبار 12″، ما زالوا يريدون عدم مغادرته. ولكن في فحص النتيجة السياسية فانه يستنفد نفسه. المقاعد تتسرب من اسبوع لآخر. ربما هذا ما يشعر به الناخبون الآن. ولكنهم، مثل كل الجمهور، ينتظرون منه قبل أي شيء آخر معرفة الحسم، وبالتأكيد أن لا يعطي نتنياهو مرة تلو الاخرى الفرصة لجعله الولد المضروب. في هذه المرحلة يجب عليه الفهم بأن وجوده في الحكومة لا يحمي الدولة، بل فقط يحمي نتنياهو.

لن تكون هناك أي خطة مسؤولية كما يبدو. ما الذي ينتظرنا وبحق؟ الصعود درجة اخرى في لعبة الاتهام. الحملات ضد غانتس تملأ منذ فترة الشبكات البيبية. وهي فقط ستزداد وتمتليء بالسم. الخط العام سيكون أن غالنت وغانتس خاسرين يريدان انهاء الحرب بأي ثمن، مقابل نتنياهو الذي يصمم على تدمير حماس. المعسكر الذي يؤمن بالنصر المطلق ونبيه الكاذب أمام المعسكر الانهزامي، وبعد ذلك الخائن. عامل “فتحستان” حاول غانتس انتزاعه باعادة صياغة غير ناجحة باسلوب نتنياهو البليغ: “لا حماس ولا عباس”. رئيس الحكومة سيجند جنود الجيش الاسرائيلي كاحصاء، كالعادة مثل الرد الذي ارسله أمس. “في الوقت الذي يحارب فيه جنودنا الابطال… غانتس ينشغل بالانذار”.

استراتيجية غانتس غير واضحة. فهو بحاجة الى خطة لـ “اليوم التالي” لتقديم استقالته، حتى 8 حزيران سيتجدد بقوة كبيرة خطاب التجنيد، الشماعة التي قدمت له كهدية، التي معها كان يمكنه الاستقالة بالصورة التي تثير التعاطف الكبير في اوساط الاسرائيليين. دورة الكنيست الصيفية ستكون في حينه في الذروة، الائتلاف سيتعين عليه ازالة عن ياقة بدلته غبار الاحتجاج طوال شهر ونصف، حتى العطلة الصيفية، وهكذا سيضمن الائتلاف حكمه في العام 2024.

من غير المؤكد أن الجلوس الطويل الذي ينتظر غانتس في المعارضة، التي سيعود اليها، سيخدمه. ولكن الانتخابات المبكرة جدا، هذا يعرفه جيدا، هي مصلحة اسرائيل العليا. وكما يقول غانتس، الدولة قبل كل شيء.

———————————————

هآرتس 19/5/2024

نحن الضحايا القادمون لليمين المسيحاني

بقلم: ديمتري شومسكي

أحد الاتهامات السائدة على لسان اليمين ضد اليسار هي أن اليسار يميل الى الاعتماد على خطاب مجرد ومقطوع عن الواقع حول حقوق الانسان المجردة والعالمية، وهو الخطاب الذي يأتي على حساب حب اسرائيل – مشاعر قومية صحية وطبيعية موجهة لابناء الشعب الملموس الذي نعيش في داخله نحن وامثالنا. الآن، حيث جاء وقت الاختبار الوجودي، الانساني واليهودي على حد سواء، فان من يقودون النضال غير المتسامح على حياة يهود حقيقيين وملموسين – المخطوفين الذين يموتون في أسر حماس والذين في معظمهم هم يهود – هم بالتحديد اليساريين الكوزمو بوليتانيين وعالميين، أي الاسرائيليون الذين يشغلون الوسط واليسار السياسيين، والذين يتم اعتبارهم في اليمين بأنهم بعيدون عن حب اسرائيل.

في المقابل، المتحمسون لاهمال المخطوفين وتركهم لمصيرهم، وحتى من يخشون ويخافون بشكل علني من فكرة التحرير من الاسر والانقاذ من الموت ليهود من لحم ودم مقابل التنازل عن الهدف الغامض، “النصر المطلق”، هم الاسرائيليون اليمينيون وحكومتهم – “القوميون الذين مجد حب اسرائيل في حناجرهم”.

يجب عدم الاستغراب من ذلك. فاليهود في نهاية المطاف هم ايضا بشر. في اوساط اعضاء الوسط، اليسار وبقايا اليمين الليبرالي، الذين مفاهيم التنور والانسانية مثل كرامة الانسان وحريته وقيمة الحياة والمساواة للانسان بكونه انسان، ليست فارغة بالنسبة لهم – التفكير بالتخلي عن الانسان وتركه ليموت يثير الاشمئزاز العميق.

هذا الاشمئزاز يصبح عميقا اكثر باضعاف كلما كان الحديث يدور عن التخلي عن ابناء شعبك، لأن القومية والوطنية هي عالم صغير، ملموس وحميمي، للانسانية المجردة والعالمية.

هكذا، نحن نشاهد الآن في اوساط الدوائر الانسانية – الليبرالية في اسرائيل، العلمانية والمتدينة على حد سواء، نشاهد ظاهرة مدهشة وهامة ليس لها مثيل لعلاقة اصيلة وطبيعية بين العالمي والقومي، وبين الانساني واليهودي، مع الدحض الواضح والحازم للتقاطب الكاذب بين حب اسرائيل وحب الانسان، الذي يسعى خطاب اليمين القومي الى انتاجه باستمرار.

مقابل هذا الربط الذي نشاهده في اليسار وفي الوسط، بين حب اسرائيل وحب الانسان، فان اليمين في اسرائيل المهيمن الآن، الوطني الكهاني والبيبي على حد سواء، هو نتاج يكره الانسان. كراهية الانسان لديه تجد تعبيرها في المقام الاول في نظرته للشعب الفلسطيني. ولكن لا يوجد وهم اكثر سذاجة من الاعتقاد بأن كراهية الانسان المتقدة هذه ستبقى ككراهية للآخر، وأنها لن توجه نحو الداخل.

صحيح، هي توجد في اوساطنا بالفعل، لأن لامبالاة اليمين القاتلة بمصير المخطوفين لا يمكن تفسيرها بالكامل دون الأخذ في الحسبان الآلية المتطورة لكراهية الانسان على طريقة بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، وهي الكراهية التي تشبه كراهية الانسان لدى حماس.

الاكثر خطورة من ذلك هو أنه في حين أن اليمين الحكومي، لا سيما اليمين المسيحاني، الذي يكره الانسان أو على الاقل الذي لا يبالي بحياة الانسان الملموس بشكل عام وحياة اليهودي بشكل خاص، هو بلا شك اليمين الذي يحب الهه. اله اليمين هذا هو بالفعل اله وثني في جوهره – اله الحجارة والتلال، الذي يطلب قرابين من البشر ويقبلها بسخاء.

بدون الاهتمام بمركزية الروح الدينية الوثنية التي تقتضي الاستعداد المبدئي لتقديم القرابين من البشر لاله البلاد، على حجارتها وتلالها، فانه لا يمكننا فهم بشكل صحيح الحماسة والعذوبة التي اتسمت بها الكلمات المتعالية للوزيرة اوريت ستروك عندما صرخت في بداية الشهر في مقابلة مع “صوت الجيش” بأن “اهداف الحرب (ارضاء اله الحجارة والتلال) محظور رميها في القمامة من اجل 22 – 33 شخص”. (من المدهش أنها لم تتجرأ على القول باعتبارها عالمية “من اجل 22 – 33 يهودي”).

في حين أن احتجاج عائلات المخطوفين ومن يؤيدونه، يريد الدفع قدما بالعملية الحيوية التي تنقذ الحياة التي تتمثل بالربط بين حياة الانسان وحب اسرائيل، فان حكومة اليمين المناهضة للانسانية تترجم وتستخدم بشكل ثابت ومخيف كراهيتها الانسان الى كراهية اسرائيل الفعلية، على خلفية رؤية دينية وثنية توفر المبرر الديني للتخلي عن والتضحية بأشخاص يهود. ولأن الامر يتعلق بتصور ديني متعصب، ليس فقط بتكتيك هدفه البقاء سياسيا لبنيامين نتنياهو وحكومته، يجب الادراك بأن الشعار الذي يسمع من المحتجين، “نحن القادمون في الدور” (التخلي عنهم والتضحية بهم بعد المخطوفين) لا يعتبر مبالغة لفظية، بل هو يشير الى خطر واضح وحقيقي لهذه الحكومة على مواطني الدولة.

نحن وبحق القادمين في الدور، الى مذبح القرابين من البشر لاله اوريت ستروك. والطريقة الوحيدة لوقف هذا الخطر هو خروج المواطنين في اسرائيل الى الشوارع بهدف اسقاط حكومة هذه القرابين البشرية. مطلوب وعلى الفور احتجاج شعبي للجمهور غير عنيف، عصيان مدني، انساني ويهودي.

———————————————

 يديعوت 19/5/2024

إلى أين نسير: سنبقى مع حماس خلف الحدود ومع حكم عسكري في قطاع غزة

بقلم: شمعون شيفر

رد رئيس الوزراء نتنياهو بتحد على نداء الصحوة الذي اطلقه وزير الدفاع غالنت. “دون معاذير”، اعلن، وعمليا كرر رسالته الدائمة: انتم مسؤولون عن هزيمة إسرائيل، وليس أنا.

اسمحوا لي أن اعيد الكرة الى نتنياهو وان أقول له: دون معاذير. قف أمام الإسرائيليين واشرح لهم ما فعلته والى أين تقودهم. لن نكتفي بمقابلات صحفية أخرى للبرامج الامريكية الهاذية مثل برنامج دكتور فيل – انت تتحدث الينا ومعنا. مللنا ان نسمع كل صباح بلاغات “سمح بالنشر” المتعبة. مللنا مشاهدة صواريخ حزب الله التي تزرع الدمار في بلدات الشمال والسؤال متى ستصل الينا أيضا. الى أن تسعى، يا سيد نتنياهو.

اليوم يصل الى المنطقة جاك ساليبان، مستشار الامن القومي في إدارة بايدن، الذي بحث مع السعوديين في إقامة حلف إقليمي. يفترض بإسرائيل أن تنخرط في هذا الحلف، اذا وافقت على البحث في اليوم التالي في غزة وفي الدور الفلسطيني في إدارة القطاع. لكن نتنياهو يرفض القيام بنصيبه – هو يقول “لا لفتحستان ولا لحمستان”، ولهذا السبب نحن سنبقى مع حماس خلف الحدود ومع حكم عسكري في القطاع.

يا نتنياهو، اذا كان هذا ما تريد – فاذهب الى الانتخابات لتحسم مسألة الى أين ستسير الدولة.

تاريخنا مليء بالجنرالات الذين حرص نتنياهو على انهاء حياتهم السياسية – باراك، يعلون، موفاز وغيرهم. والان، هكذا يبدو هذا، قد يأتي دور غالنت.

سأتجرأ على أن أقول بان مصيره سيكون مختلفا: نتنياهو لن يتجرأ على اقالته، ضمن أمور أخرى أيضا لان غالنت تبين مع مؤهلات وقدرة جيدة افضل من سابقيه. إضافة الى ذلك، يجيد غالنت تمثيل الهيئات في جهاز الامن التي يتولى هو المسؤولية عن ادارتها.

القاضي في محاكمة دونالد ترامب اعلن للأطراف بان المحاكمة ستستمر ستة أسابيع في نهايتها سيكون المحلفون مطالبين بان يقرروا في قضية المرشح للرئاسة. من الصعب الا نقارن هذا بمحاكمة نتنياهو التي تتواصل منذ اربع سنين ولا يزال لا يوجد لها موعد خروج.

هكذا تبدو منظومة العدالة لدينا. يا للحقارة.

خطاب مناحم كلمنزون في يوم الاستقلال يجب أن يضاف الى الصف الأول من الخطابات التي تدرس في المدارس. كلمنزون تلقى الى جانب ابن أخيه جائزة إسرائيل للبطولة المدنية، بعد أن خرج الاثنان معا الى جانب أخيه الحنان الراحل لإنقاذ سكان بيري في ذاك السبت اللعين. “أيها الرب أمجدك فأنا اريد اخواني”.

اخوان نحن رغم كل الخلافات.

حتى نهاية أسبوع أخرى لا تطاق بالنسبة لنا حين بُشرنا بانقاذ جثامين شني لوك، عميت بوستيلا، اسحق غرلنتر، رون بنيامين.

الفيلسوف الفرنسي في القرن الثامن عشر فولتير كتب قصيدة بعد هزة أرضية رهيبة في لشبونا راجع فيها فرضية “كله للخير” ورفض قبول عدالة القدر. “الرضيع يتصبب دما فأي خطيئة ارتكبها. فأين الخير”.

نحن نعيش في واقع لا تترك علامات الاستفهام العيون جافة.

ولا يزال مسموح السؤال: ماذا سيكون هنا.

——————انتهت النشرة——————