إجراءات إسرائيلية لترسيخ دولة المستوطنات على 45٪؜ من مناطق “ج” بالضفة الغربية

تشهد الضفة الغربية تسارعًا في البناء الاستيطاني الإسرائيلي، لا سيما في المناطق المصنفة “ج” في سبيل ترسيخ “دولة المستوطنات”، وبدأت ذلك بالموافقة على شرعنة العديد من البؤر الاستيطانية وطرح مخططات أخرى لبناء آلاف الوحدات في مستوطنات قائمة؛ لا سيما في مناطق جنوب الضفة ومحافظة القدس المحتلتين.

وفي سبيل تحقيق ذلك الحلم بدأ وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش بإجراءات نقل صلاحيات السيطرة على الضفة الغربية في مناطق “ب” و”ج” من السيطرة العسكرية التابعة للجيش إلى سيطرة مدنية تابعة لمجالس المستوطنات.

وفي خطوة جديدة نحو ضم الضفة الغربية وردًا على الاعتراف الدولي بـ “دولة” فلسطين، هدد سموتريتش، بإقامة مستوطنة جديدة مقابل كل اعتراف جديد بالدولة الفلسطينية.

مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية “أريج”، سهيل خليلية، وحول مواجهة الضفة الغربية للاستيطان والضم، خاصة بعد الخطط التي طرحها سموتريتش، قال إن الوضع الحالي يتعلق برغبة الاحتلال في تثبيت أقدامه في الضفة الغربية المحتلة.

وأوضح خليلية في حديثه ، أن الاحتلال يُدرك بأن الظروف العالمية تغيرت، ولا يمكنه الاستمرار في السيطرة من خلال تصنيفه كاحتلال.

احتلال مدني..

ويُبين أن الفكرة الآن هي إعادة توصيف الاحتلال في الضفة إلى حكم مدني؛ أي نقل السيطرة المباشرة من الجيش إلى الجهات المدنية الاستيطانية، مثل مجلس المستوطنات، وسيتم ذلك عبر خطوات تدريجية تبدأ بتحويل صلاحيات الإدارة المدنية إلى سموتريتش، مما يشير إلى وجود مخطط واضح لإقامة دولة المستوطنين على مساحة تتراوح بين 40-45% من الضفة الغربية، وهي أغلبها مناطق “ج”.

ويؤكد أن الاحتلال يقوم بتجييش المستوطنين من خلال منحهم تراخيص لامتلاك الأسلحة، مما يعني أنهم يبدؤون في تشكيل جيش للمستوطنين، ونرى الآن ما ينتج عن هذا الجيش من تسليحه وتزويده بكل أنواع الأسلحة، وافتتاح أماكن تدريب لتدريب المستوطنين على استخدامها.

ويستطرد “خليلية”، “علينا أن نوضح أن الاستهداف ليس بشكل مباشر للمناطق “ب”، بل يتركز على المناطق المصنفة كمحميات طبيعية في شرق بيت لحم وجنوب شرق الخليل”.

وينوه إلى أن هذا الاستهداف جاء بدفع من منظمة “رجافيم” الاستيطانية التي تراقب البناء الفلسطيني وتعتبره غير قانوني.

ويُكمل “خليلية” حديثه، بأن سموترش، الذي كان أحد مؤسسي هذه المنظمة، يعمل على تفعيل تقاريرها التي تطالب بهدم البناء الفلسطيني في هذه المناطق، وهذه التقارير كانت تتعرض للتأجيل بسبب الجدل حول التصنيف القانوني للمحميات الطبيعية. ولكن مع تولي سموترش مسؤوليات في الإدارة المدنية، استطاع تمرير هذه التقارير وتحويلها إلى إجراءات تنفيذية”.

ويلفت النظر إلى أن هذه الإجراءات تعد خرقًا للاتفاقيات الدولية الموقعة، حيث يسعى الاحتلال لإعادة السيطرة على المناطق “ب” من خلال إعادة تصنيفها، ما يعكس رغبة في استعادة السيطرة الأمنية بدون تحمل المسؤولية المدنية.

ويبين أنه بموجب الاتفاقيات، تملك السلطة الفلسطينية حق الإدارة الأمنية والمدنية في المناطق “ب”، ولكن الاحتلال يسعى الآن للسيطرة على هذه المناطق، خصوصًا القريبة من المستوطنات والتي تعتبر تهديدًا استراتيجيًا له.

المجتمع الدولي؛ شعوب وأنظمة..

وفي سؤالنا لـ “خليلية”، هل تعتقد أن المجتمع الدولي لديه القدرة والرغبة في التدخل لمنع تنفيذ هذه الخطط وكيف؟ يُجيبنا: “عندما نقول مجتمع دولي، نتحدث إما عن مواقف رسمية للحكومات أو عن مواقف الشعوب. الشعوب، بطبيعة الحال، كما نرى، تريد العدالة للفلسطينيين وتطالب بوقف طغيان الاحتلال، لكن هذه هي مواقف الشعوب”.

ويذكر “خليلية” بالنسبة لمواقف الحكومات، هذه الحكومات تعمل في نهاية المطاف وفقًا لمصالحها، وهذا شيء أصبح الجميع يدركه.

ويُردف: “ما زلنا، للأسف، كفلسطينيين غير قادرين على توحيد الصفوف للظهور بموقف موحد، وما زالت المصالح هي العامل الرئيسي”.

ويرى “خليلية”، أن المطلوب منا كفلسطينيين هو أن نقدم سببًا لتغيير المواقف ليكون هناك دعم حقيقي للقضية الفلسطينية على مستوى الحكومات، مُشددًا “بدون ذلك، لن يتجاوز موقف المجتمع الدولي والحكومات الغربية كلمات الإدانة والشجب والاستنكار”.

احتياجات أمنية وسياسية..

ويقول “خليلية”: “الاحتلال يحاول إعادة ترتيب الأوضاع في الأراضي المحتلة بحسب احتياجاته الأمنية والسياسية، وقالها وبشكل واضح في أكثر من مناسبة وأكثر من رسالة فيما يتعلق بحل الدولتين بأن هناك رفض عام لهذه الفكرة، على الأقل بحسب المنظور الفلسطيني لفكرة حل الدولتين، وهي إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، واستعادة الحقوق المائية في البحر الميت وشواطئ غزة، وأن يكون هناك طريق رابط ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويلفت: “والأهم من ذلك هو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من شرقي القدس، بالإضافة إلى إزالة الجدار الفاصل والسيطرة الإدارية على المستوطنات الإسرائيلية، وأيضا السيطرة على الموارد الطبيعية وتحديدا الأحواض المائية والمنافذ الحدودية. هذا هو شكل الدولة الفلسطينية من المنظور الفلسطيني”.

ويضيف “خليلية”، أن ما يرمي إليه الاحتلال قد أصبح جليا وواضحا، وهو السيطرة على مساحة تراوح ما بين 40 إلى 45% من مساحة الضفة الغربية، وهي المساحة التي توجد عليها المستوطنات الإسرائيلية، ومعظم الأراضي الزراعية، وأيضا تقطيع أوصال الضفة الغربية بحيث أن تصبح التجمعات والمدن الرئيسية الفلسطينية مثل جزر متناثرة.

المقاومة الشعبية..

يقول ضيف سند: بالنسبة للخطوات التي يمكن أن يستخدمها الفلسطينيون على الصعيدين المحلي والدولي لمواجهة المخططات الاستيطانية، عادة يكون تفعيل المقاومة الشعبية والتصدي للمستوطنات، لكن هذا ما كان الفلسطينيون يقومون به منذ عقود، يتصدون للاحتلال بقدر ما يستطيعون بالإمكانيات المتاحة على الأرض وحتى أمام المحاكم الإسرائيلية، رغم أن الخصم والقاضي هي ذات الجهة.

ويوضح، أصبحت أعمال المستوطنين وعنفهم هي السائدة في هذه الأثناء، خاصة أنهم يعملون تحت صلاحيات مباشرة من وزير أمن الاحتلال وبدعم حكومي كامل.

ويؤكد، أن التهديد لحياة المواطن الفلسطيني أصبح أكبر من أي وقت سابق، إذ أعطوا المستوطنين وجيش الاحتلال كل الإمكانيات والصلاحيات لاستخدام العنف ضد الفلسطينيين.

ويرى “خليلية”، أن الوضع اليوم، وبعد السابع من أكتوبر، أخذ منحى مختلفًا، الموضوع أصبح يتعلق بضرورة وإمكانية التحرك الدولي لوقف مخططات الاستيطان التي تهدف بشكل صريح إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية للضفة الغربية.

استراتيجيات فلسطينية في وجه المخططات..

يقول: يجب أن يتم إعداد مخطط قانوني لمجابهة ما تقوم به حكومة الاحتلال والمستوطنين، ويجب استهداف وملاحقة الأشخاص والجهات الحكومية والشركات التي تعمل ضمن نطاق المستوطنات على الصعيد الدولي، وليس فقط في المحاكم الإسرائيلية، إضافة إلى التركيز على الدول التي قامت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ويكمل، “يجب أن يتم توفير غطاء مالي يساعد الفلسطينيين على الصمود في أرضهم، وتوفير ما يحتاجونه في ظل تصاعد هجمات الاحتلال والمستوطنين، التي تستهدف الاقتصاد الفلسطيني والصمود الفلسطيني، خاصة في المناطق الريفية يجب أن يتم التركيز بشكل أساسي على دعم المزارعين والرعاة”.

ويرى أنه من الضروري أن تقرر الحكومة الفلسطينية خطة طوارئ حقيقية تعمل على تعزيز صمود المواطنين والتخفيف من الأعباء المالية عليهم.

زيادة السيطرة على الأرض وفق خطة سمويتريش..

يشير “خليلية” إلى أن الاحتلال تبنى العديد من الإعلانات التي ساعدت على فرض سيطرته على الضفة الغربية منذ عام 1967. حينها، فعّلت قوات الاحتلال العديد من الأوامر العسكرية التي ساعدتها على السيطرة على الأرض، مثل إعلان أراضي دولة وإعلان أراضي عسكرية مغلقة.

ويوضح، بالنسبة لإعلان أراضي دولة، الاحتلال اعتبر نفسه الوريث الشرعي لكل ما يسمى بأراضي دولة في الضفة الغربية، وبذلك أصبح يسيطر على جزء كبير من الأراضي. ومع إعلانه لاحقًا عن أراضي عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية، استطاع الاحتلال فرض سيطرته على نحو 40 إلى 45% من الضفة الغربية.

ويبين، لاحقًا، انتهج الاحتلال سياسات وأوامر عسكرية للسيطرة على الموارد الطبيعية، مثل المياه، مما ساعدهم على السيطرة على الأراضي، وتحكموا في عمليات تزويد المياه للمزارعين الفلسطينيين.

ويؤكد أن الاحتلال فرض شبكة طرق التفافية في الضفة الغربية، مما أعاد رسم خطوط المواصلات لتناسب التحركات الأمنية للجيش وخطة بناء المستوطنات. هذا العمل أعاد رسم جغرافية الضفة الغربية بشكل يتناسب مع الحاجات الأمنية للاحتلال.

ويشرح “ضيفنا” الاحتلال الإسرائيلي تحكم في مناطق التوسع العمراني، حيث فرض قوانين وسياسات لمحاصرة البناء العمراني الفلسطيني في مناطق معينة، بعيدًا عن المناطق المسماة بمناطق “ج”، وفي شرق القدس حدد الاحتلال البناء الفلسطيني وأعلن غالبية أراضي الفلسطينيين مناطق خضراء، مما منع البناء فيها بهدف تهجير الفلسطينيين خارج حدود مدينة القدس.

ويواصل حديثه، أن الاحتلال سيطر على الاقتصاد الفلسطيني بتحديد قدرة الفلسطينيين على عمليات الاستيراد والتصدير، من خلال السيطرة على المنافذ الدولية، مما جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعًا لهم. هذه الخطوة تهدف إلى السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني.

ويختتم “خليلية”، اليوم، يحصد سموتريتش نتاج هذه السياسات والاستراتيجيات التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية السابقة. المنطقة (ج)، التي تحوي أقل من 16% من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، يسيطر الاحتلال عليها بشكل كامل.

وخلال العقد الماضي، هدم الاحتلال أكثر من 8000 منزل ومنشأة في المنطقة “ج”، مقابل توسيع الاستيطان وشبكة الطرق الالتفافية، وهذه الخطوات تتيح اليوم تنفيذ خطة سموتريتش لبناء دولة المستوطنين وتحويلها إلى واقع جغرافي يحاول الاحتلال فرضه على الفلسطينيين والعالم.

…. وكالة سند للأنباء.