
كان المُهجّر يونس خشب يتردد على زيارة قاقون وسوق طولكرم في صغره برفقة والده، لم تغب مشاهد النكبة عن ذاكرته، قال “لا تزال الأحداث محفورة في ذهني وكأنها حدثت أمس، كنا نبيع الثمار في طولكرم وقاقون”.
المسار : مرّ أكثر من 77 عامًا على تهجير الحاج يونس خشب (أبو نهاد)، يبلغ من العمر 82 عامًا، إذ تهجر من منطقة كروم قلنسوة المحاذية للمدينة اليوم، ومن ثم بدأت رحلة النزوح عام 1947.
كان يبلغ نحو 5 أعوام حين انتقل المُهجّر خشب إلى قلنسوة، ومن ثم إلى طولكرم، وبعدها إلى فرديسيا، ومن ثم ارتاح (قضاء طولكرم) والعودة إلى قلنسوة، بسبب اقتحامات العصابات الصهيونية للبلدات الفلسطينية.
بعد مرور أكثر من 7 عقود لا تزال ذاكرة المهجرين تنبض بالحياة المحملة بالصور والذكريات والبيوت المهدمة والأشجار المقتلعة، والطرقات التي سار بها المهجرون خوفًا من الموت أو الأسر وتمسكًا بالحياة على الرغم من الصعاب.
يعيش الحاج خشب في قلنسوة، بعد نزوحه مع عائلته من منطقة “كروم قلنسوة”، وهو شاهد على تفاصيل الاقتلاع والتهجير واللجوء، يجسّد المعاناة التي عاشها الفلسطيني في النكبة، بعد تهجيره عندما كان طفلا مع عائلته إذ هدموا منزله واقتلعوا الأشجار أمام عينيه، وحرموه من أرضه التي تبعد عنه أمتارا قليلة، وسجلوها بملكية آخر غيره.
استذكر محدثنا أحداث العام 1947 قائلا إنه “في ذلك العام كنا نسكن في منطقة تعرف بكروم قلنسوة، وهي أرض زراعية خصبة قريبة من قلنسوة، وذلك قبل أن نُجبر على النزوح منها في أعقاب هجوم العصابات الصهيونية التي كانت تنشط في قرى قريبة من منطقة الكروم”.
محاولة للبقاء
في ظل تصاعد القتل وهجوم العصابات الصهيونية، آنذاك، نزح أهالي منطقة الكروم إلى وسط قلنسوة ليتجمعوا سوية مع أهالي البلدة، في محاولة للبقاء معًا بكثرة والتصدي للعصابات، وقال خشب إنه “في ظل الخوف والخطر الحقيقي توجه أهالي منطقة الكروم إلى وسط القرية، وذلك لحماية أنفسنا والعائلات من الهجوم الذي كان من قبل تلك العصابات، خاصةً أن التواجد الفردي كان خطيرا جدا، لذلك الجميع كان يتكدس في مجموعات وفي مراكز القرى”.

لم يقتصر نزوح عائلة خشب إلى قلنسوة، بل انتقلت بعدها إلى عدة مناطق وقرى خلال مدة قصيرة، وعن ذلك قال خشب إنه “بعد انتقالنا إلى قلنسوة مكثنا مدة هناك، ومن ثم انتقلنا إلى طولكرم حيث كانت تسكن هناك خالتي، بعدها بمدة انتقلنا إلى منطقة فرديسيا (قضاء طولكرم) ومن ومن ثم ارتاح (قضاء طولكرم)، كانت حياة اللاجئ صعبة جدًا، خاصةً العائلات التي لديها أطفال صغار”.
نزوح من مكان لآخر
يستذكر المُهجّر خشب تفاصيل المدرسة، “كنا حينها مع عائلتي في قرية ارتاح القريبة من قلنسوة، علم والدي أن المدرسة تعمل في قلنسوة، وبدأت بالتنقل بين ارتاح وقلنسوة للدراسة، كانت والدتي تخيط لنا الحقائب من أكياس الخضروات، وتصنع لنا أيضًا الثياب، كانت أوقاتا صعبة، بعدها انتقلنا إلى قلنسوة وحتى اليوم نحن نسكن هنا”.
لم تكن أرض كروم قلنسوة مجرد أرض بالنسبة لخشب، إذ يتذكر التربة والأرض الخصبة التي كانت في تلك المنطقة، “تلك الأرض كانت غنية وخصبة، لم تكن مجرد أرض وبيوت وأشجار كنا متعلقين بها، ونزرع هناك التين والصبر والعنب والرمان والتفاح والتوت، كنا نبيع الثمار في طولكرم وقاقون، وكان مصدر دخل معظم العائلات عن طريق الزراعة”.
أرض خصبة محرومون منها
على الرغم من صغر سن خشب إلا أنه لم يسلم من الاعتقال على يد ما يسمى “حرس الحدود الاسرائيلي”، قال إنه “على الرغم من أنني كنت طفلاً حينها، إلا أنني لم أسلم من الاعتقال، كنت أرعى البقرتين في منطقة الكروم وهذا بعد عام 1948 عندما عدنا إلى قلنسوة، حينها تم اعتقالي بتهمة أن البقرتين أكلتا الشجيرات التي غرسها، عرضوني على المحكمة العسكرية وكنت أبلغ من العمر 8 سنوات، وتم تغريم والدي بـ70 ليرة وهو مبلغ فاق ثمن البقرتين”.
في منظر لا ينساه خشب، يستذكر الأيام التي تم خلالها محو آثار القرية والمنازل، “عندما اقتلعت الآليات والجرافات الأشجار والمنازل، على الرغم من أننا كنا نحرسها، كنا نعجز عن فعل أي شيء بسبب الحصار، رأيت بأم عيني كيف دمروا بيوتنا ع أشجارنا، ومنعونا من الزراعة. كان كل من يزرع يتعرض للعقاب من خلال فرض الاعتقال أو الغرامة”.
كان خشب يتردد على زيارة قرية قاقون وسوق طولكرم للخضار برفقة والده كثيرًا، لم تغب عن ذاكرته تلك المشاهد، عن ذلك قال إنه “لا تزال الأحداث محفورة وكأنها حدثت أمس، كنا نبيع الثمار في طولكرم وقاقون، وأذكر تفاصيل كل شيء كان آنذاك على الرغم مرور 77 عامًا، بعد النكبة هدموا قاقون بالكامل ولم يبق منها شيئا”.
المصدر: عرب 48