بالصور حرب غزة تسلب النساء خصوصيتهن وتزيد من أعبائهن النفسية

المسار الاخباري: تعيش النساء في غزة كابوسًا يوميًا بسبب الحرب، حيث تُسلب منهن خصوصيتهن وأحلامهن، وكل قذيفة تسقط تعيد ذكريات مؤلمة وتسرق الأمان من بيوتهن.

وفي ظل الغارات العنيفة، تتلاشى مشاعر الأمان، ويُجبرن على التكيف مع واقع مؤلم يلاحقهن في كل مكان. يجدن أنفسهن في شوارع مليئة بالأنقاض، يفتقدن لحظات السعادة البسيطة، ويكافحن لحماية أسرهن وأطفالهن، كل ذلك بينما يحملن آلام الفقد والخوف في قلوبهن.

وتشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من 10,000 امرأة، من بينهن 6,000 أم تركن 19,000 طفل، بينما تواجه الناجيات ظروفًا قاسية من التشريد وزيادة خطر المجاعة، وفق تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في سبتمبر 2024

وأشار التقرير إلى أن 162,000 امرأة معرضات لخطر الإصابة بأمراض غير معدية، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، مما ينذر بعواقب صحية خطيرة بسبب انقطاع خدمات الرعاية الصحية.

“شراسة النزوح”..

تسير منى الأميطل، إحدى الصحفيات اللواتي شهدن الدمار، في شوارع غزة المليئة بالأنقاض، محملةً بعبء التجارب المؤلمة التي عايشتها. حين تذكرت لحظة النزوح، أُغشي عليها إحساس الفقد، إذ أجبرت على ترك منزلها، ذاكرة الطفولة، حيث كانت تلعب وتضحك.

أسرتها لم تكن فقط بحاجة للنجاة، بل كانت بحاجة لاستعادة الأمل وسط الفوضى، حيث عانت منى من فقدان المساحة الشخصية، لكن ذلك لم يمنعها من الوقوف مجددًا، وكأن رياح الحرب كانت تلاحقها، ولكنها ربطت نفسها بجذور الأرض، تشبثت بأمل العودة.

وفي سؤالنا كيف تصفين تجربة العيش تحت وطأة الحرب، وما هي أكثر اللحظات التي شعرتِ فيها بشراسة النزاع وتأثيره عليكِ كامرأة؟ تقول منى ، إن “هذه التجربة تعتبر من أقسى التجارب الحياتية التي يتعرض لها الإنسان. في بداية الحرب، رفضت وعائلتي النزوح للجنوب، ومع اشتداد القصف، تجلت شراسة الحرب في اللحظات التي نزحت فيها من بيتي في جباليا تحت القذائف التي كانت تنهمر علينا”.

وتُتابع حديثها، “استهدفت القوات الإسرائيلية البيت المجاور لنا، وطارت الشبابيك ونحن بالداخل. قررنا الخروج للاحتماء بمدرسة قريبة، ورفض الناس استقبالنا بداعي أنه لا مكان لديهم، مما دفعنا للافتراش تحت السبورة في أحد الصفوف، دون أغطية أو فراش، في عز برد ديسمبر، وشعرت حينها بضيق الدنيا علينا.”

وتوضح “الأميطل”، “عندما وصلت دبابات الاحتلال صباح اليوم التالي، أرغمتنا على النزوح من المكان، وأخذت كل الرجال. نزحنا داخل المدينة نحو الجامعة الإسلامية، حيث لم يكن لدينا حمام ولا طعام، وكنا نعاني من المجاعة. بقينا في مبنى مقصوف لمدة تقارب الأسبوع، وعند عودتنا للمنزل، كانت الدبابات في نهاية الشارع. ركضنا واحدًا تلو الآخر حتى دخلنا بوابة عمارة خالتي، حيث لم يكن لدينا مجال للعودة لبيتنا في جباليا. في تجربة النزوح تلك، شعرت بانتهاك الخصوصية جدًا.”

وتضيف “أعتقد أن التأثير النفسي على النساء مضاعف، فالأعباء على الأمهات أعنف. عدت للعمل مؤخرًا، تقريبًا بعد اجتياح جباليا الأخير، ولكن بوتيرة غير منتظمة لإنتاج القصص الصحفية والتقارير، زاد العبء النفسي علي وأنا أحاور الفاقدين وأمهات اللواتي فقدن أطفالهن. ساءت حالتي النفسية مع كل تقرير أكتبه عن شهيد، حتى أنني أكتب أي قصة بإجبار نفسي على العمل. كنت أظن أن العمل سيشغل وقتي، لكن ذلك زاد الطين بلة، وأبكي مع كل صورة طفل تحكي أمه عنه.”

وتوضح “الأميطل”، “أنني لم أفقد الكثير من خصوصيتي. عندما نزحت، ذهبت لبيت خالتي الذي أظل فيه لفترات طويلة حتى دون حرب. لذلك، لم أفقد خصوصيتي إلا في فترة النزوح القصيرة، حيث نتعايش مع فقدان الخصوصية الذي فرض علينا عنوة.”

تقول: “لم أتلق أي دعم نفسي أو اجتماعي يساعدني على التعامل مع آثار فقدان الخصوصية، لكنني في بيئة الحرب أحاول الحفاظ على شعوري الداخلي بالقوة والكرامة. عندما نزلت في المدرسة والجامعة، دخلت في حالة اكتئاب، لكنني تمسكت بقوتي رغم سوء حالتي النفسية.”

وتضيف: “كنت أخرج كثيرًا من الغرفة التي نزحت إليها، أتوجه لسوق الثلاثيني أو باحات الجامعة لأجد قليلًا من الهدوء والخصوصية. أكثر ما كان يزعجني هو عدم توفر الخصوصية في الحمامات، ما جعلني أشعر بانتهاك كرامتي وخصوصيتي.”

وتُعبّر منى “كنتُ أتعامل مع التوتر اليومي الناتج عن الضغوطات الحياتية بمحاولة السيطرة على انفعالاتي. أعيش الحالة بالكامل، لكن التوتر لا يختفي بسهولة، يبقى الخوف من المجهول دائمًا.”

وتذكر منى “عندما أرى أهل غزة، أجد أنهم أبطال. النساء هنا قويات، صحيح أنهن ينهارن ويبكين، لكن القوة سمتهم. وبالنسبة لي، أعتبر إنجازي في قصص الفاقدين موضع قوة. على الرغم من حالاتي المزاجية السيئة، أنجز ما أستطيع.”

وفيما يتعلق بفقدان الخصوصية، تقول ضيفتنا “فقدان الخصوصية هو فقدان لا يمكن مواجهته، مهما حاولنا الحفاظ على شيء.”

“خنق الفلسطيني بكل الوسائل”..

لا يختلف حال ربا كثيرًا عن منى، فكلاهما يعيش المعاناة ذاتها تحت وطأة الحرب. تصف الصحفية ربا العجرمي الحياة في قطاع غزة بأنها تختلف تمامًا عن أي مكان آخر، مؤكدة أن ما يجري ليس حربًا عادية، بل هو إبادة جماعية تفرض حياة لا إنسانية.

وتوضح “العجرمي، أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد خنق الفلسطينيين وتضييق سبل العيش في غزة بكافة الوسائل الممكنة، في تجاهل صارخ للقانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان التي تضمن حماية المدنيين.

وتعبر عن شراسة النزاع، مؤكدة أن سبل العيش الإنسانية تكاد تكون غير موجودة، وأن الفلسطينيين يجدون صعوبة في التعامل معها.

وتشير إلى أن الاحتلال يستهدف كل الفلسطينيين، سواء كانوا أطفالًا أو نساءً أو رجالًا، وهو يسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني بأسره.

وتشرح أن عمليات النزوح القسري تزيد من معاناة الناس، إذ يتم إجبارهم على الانتقال إلى أماكن لا يملكون فيها أي سيطرة، مما يجعل الخصوصية منعدمة.

وتقول إن الجيش الإسرائيلي قد دفع ملايين الفلسطينيين نحو مناطق ضيقة جدًا، مما يزيد من الاكتظاظ السكاني في غزة.

وتستطرد بكلماتٍ مؤسفة: “أن هذا الوضع يؤدي إلى فقدان الخصوصية للجميع، حيث تشترك العائلات في الحمامات والمرافق العامة، ويضطر أكثر من 10 إلى 20 فردًا للنوم في غرفة واحدة أو خيمة واحدة بسبب عدم وجود مأوى آخر”.

وتؤكد أن النساء يعانين بشكل خاص من هذا الوضع، إذ تفرض عليهن العادات والتقاليد ضرورة الالتزام بملابس معينة، مما يقيد حركتهن.

وتوضح أن النساء يتحملن الأعباء الثقيلة، على الرغم من ضعفهن الجسدي، ويدفعن ثمن البقاء على الأرض والدفاع عن الوطن.

المرأة الفلسطينية بأنها تاج يجب أن يُوضع على رؤوس كل النساء العربيات والمسلمات، نظرًا لأنها تحتفظ بموروثها وعاداتها وسط هذه الظروف القاسية.

وتعبّر عن فخرها بالمرأة الفلسطينية، مشيرة إلى أنها بطلة بكل المقاييس، فقد حافظت على عائلتها وقدمت كل ما في وسعها لتأمين الغذاء، حتى في ظل المعوقات.

وتختم “العجرمي” أن الخصوصية تتحول إلى مساحة شخصية، لكنها تعتقد أن هذه المساحة لا يمكن أن تكون سلاحًا في مواجهة الحرب.