أكبر تهديد وجودي : قراءة في المشهد الإستيطاني بعد السابع من أكتوبر

وعد أبو عصيدة

المسار الاخباري : على وقع حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر2023، لم تتوان ماكينة الحرب الإسرائيلية عن انتهاز أو خلق أي فرصة ممكنة لبسط المزيد من السيطرة على الأرض. فقد استغل الاحتلال شهور الحرب لتنفيذ أكبر عملية استيلاء على أراضي المواطنين في الضفة الغربية تحت ذرائع عدة تصب في تحقيق أهدافه بالسيطرة على الأرض.

الاستيلاء على الأراضي تعدى خطورة منع المواطنين من الوصول إليها إلى أهداف استيطانية أكبر تهدد الوجود الفلسطيني ككل، فمنذ مطلع العام 2024، أقام المستوطنون 17 بؤرة استيطانية جديدة، غلب عليها الطابع الرعوي الزراعي، الأمر الذي يساهم في حرمان المواطنين من حقهم في إعمار وزراعة أراضيهم، وبالتالي تبويرها وتخريب عمليات زراعتها واستصلاحها، في محاولة لتسهيل سيطرة الاحتلال عليها من خلال نزع ملكيتها من أصحابها الحقيقيين، وفق التقرير النصف سنوي للعام الجاري لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

الاستيطان المنتشر في الضفة منذ عقود، ازداد بشكل ملحوظ بعد إعلان الاحتلال “حالة الطوارئ” في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي جاءت بمثابة انفراجة للاحتلال ومستوطنيه للنهش أكثر في هذه الأرض، وهو ما أكده محمود الصيفي مدير مركز أبحاث الأراضي شمال الضفة، بقوله “الاحتلال استغل حالة الطوارئ لتحقيق مكاسبه، ففي الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، استولى الاحتلال على ما يقارب 45 ألف دونم من أقصى شمال الضفة وحتى جنوبها، وإعلانها أراضي دولة، ضمن قرار ما يسمى بالإدارة المدنية”. وأشار إلى أن المَسيرات السلمية الأسبوعية للمواطنين للمطالبة باسترداد أراضيهم “لم تعد ناجحة” لأن الجنود والمستوطنين يطلقون الرصاص بشكل مباشر “تحت مظلة شرعية مسماه حالة الطوارئ”.

وأضاف: “يتباهى وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، بأنه صادق منذ توليه منصبه في الحكومة الحالية (نهاية 2022)، وحتى منتصف هذا العام، -أي في أقل من سنتين- على بناء 18400 وحدة استيطانية”.

ومع إنشاء البؤر الجديدة، القريبة من البؤر المقامة سابقاً بطبيعة الحال، بات واضحاً أن الاحتلال يسعى لعمل اتحاد أوسع ما بين البؤر القديمة والجديدة، للسيطرة على المزيد من الأراضي عن طريق ضم المساحات التي تفصل بين تلك الكيانات الاستيطانية وحرمان الفلسطينيين من مساحات إضافية من أراضيهم.

وبحسب تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، جرى منذ بداية العام الجاري دراسة 5811 وحدة استيطانية و39 مخططاً هيكلياً في الضفة، نتج عنها المصادقة على بناء 1426 وحدة استيطانية بواقع 12 مخططاً هيكلياً. وتم إيداع 6965 وحدة استيطانية للمصادقة اللاحقة بواقع 27 مخططاً هيكلياً.
كما طرحت سلطات الاحتلال 20 عطاء لبناء 533 وحدة استيطانية جديدة، استهدفت مستوطنات مختلفة بالضفة الغربية، إذ حازت مستوطنة “كوخاف يعقوب” المقامة على أراضي كفر عقب قرب رام الله، على أكبر وحدات سكنية من حيث العطاءات، تليها مستوطنة “كرني شرون” شرق قلقيلية، بـ 82 وحدة استيطانية. أخذت العطاءات الأخرى طابع بناء لأغراض مختلفة، مثل إنشاء 4 محطات توزيع غاز، إضافة إلى أبنية تجارية متعددة الاستخدامات.

واقعٌ جديد.. تصريحُ بناء اسرائيلي في مناطق “ب”

لم يعد الاحتلال يعترف بالتصنيفات التي فرضها بموجب اتفاق أوسلو، الذي قسم أراضي الضفة إلى مناطق “أ” التي تشكل 18% من أراضي الضفة (تخضع أمنياً ومدنياً للسلطة الفلسطينية)، ومناطق “ب” وتشكل 21% (مدنياً للسلطة وأمنياً للاحتلال)، و”ج” تستحوذ على 61% (سيطرة إسرائيلية كاملة). فعلى الأرض، أصبحت “ب”، في خطر نتيجة تهديد الاحتلال ومستوطنيه للأهالي من الوصول إلى أراضيهم والبناء فيها أو استصلاحها، لمجرد محاذاتها لـ “ج”، أو مُطلة عليها وعلى المواقع العسكرية.

فقبل الحرب، كانت المستوطنات في الضفة تسيطر على (33%) من مجمل مناطق “ج”، أي على ثلث المساحة، إلا أنه وبعد الحرب ارتفعت هذه النسبة لأكثر من (42%).

ليس هذا فحسب، فالحكومة الإسرائيلية الحالية رصدت مبلغ (13) مليار شيكل لتسريع وتيرة الاستيطان في الضفة، وكان هذا شرطاً لسموتريتش وبن غفير”وزير الأمن القومي” في حكومة الاحتلال لدخول الحكومة. وفيما بعد، رصد سموتريتش (40) مليون شيكل لمراقبة البناء والنشاط الفلسطيني في منطقة “ج”، من خلال عدة أساليب، أهمها: الاستيطان الرعوي وإقامة البوابات والحواجز والمكعبات الإسمنتية، وقبل كل هذا قواعدها العسكرية التي تبتلع آلاف الدونمات بذريعة إعلانها “مناطق عسكرية مغلقة”.

وتشير تقديرات مركز أبحاث الأراضي إلى وجود أكثر من (760) بوابة أو حاجز أو ساتر ترابي في الضفة، منها (120-130) تم إنشاؤها بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ويظهر إسقاط الاحتلال لهذه التصنيفات، في الطريق الزراعي الذي أنشأه مركز أبحاث الأراضي شمال الضفة في قرية عقربا شمال شرق نابلس، والذي يخدم 1500 دونم مزروعة بأشجار الزيتون ضمن أراضي “ب”، إلا أنه أعلن الشارع “منطقة عسكرية مغلقة” بعد الانتهاء من شقه وتجهيزه.
وحول هذا، أوضح الصيفي لـ “آفاق”: “عملنا على شق هذا الطريق الزراعي بطول حوالي 2.5 كيلو متر، ليخدم المواطنين الفلسطينيين، والهدف من ضمه إحكام السيطرة على آلاف الدونمات المحيطة وطمعاً بأشجار الزيتون”.

ومؤخراً، جاء قرار الاحتلال الصادر عن المجلس الأمني المُصغر، بمثابة خطرٍ مضاعف، حيث يقضي القرار بانتزاع الصلاحيات المدنية من السلطة الفلسطينية عن الأراضي المصنفة “ب”، لتخضع “مدنياً وأمنياً” تحت سيطرة الاحتلال. وهو ما أكده الصيفي بقوله: “بموجب القرار الأخير، أصبح المواطن الفلسطيني يحتاج لترخيص بناء اسرائيلي إذا أراد أن يبني في أرضه المصنفة ب”.

من لا يملك لمن لا يستحق.. الاستيطان الرعوي نموذجاً

على مدار سنوات طويلة ماضية، عمد الاحتلال إلى السيطرة على أراضي المواطنين في الضفة عن طريق إقامة “المعسكرات أو النقاط العسكرية”، إذ كان هذا “المعسكر” بمثابة “نواة” للعمل على توسيعه لاحقاً، لإقامة مستوطنة. لكن الآن لم يعد هذا هو الأسلوب المتبع، إذ بات الاحتلال يعتمد على إقامة “البؤر الرعوية” كنواة لإقامة المستوطنات.

أسلوب التشريع الذي ينتهجه “سموتريتش”، بات من الصعب مواجهته والسيطرة عليه. إذ شرَّع مؤخراً (11) بؤرة زراعية “رعوية” لتتحول هذه المساحات إلى مستوطنات فيما بعد. والهدف من هذا التشريع، هو عمل مخطط هيكلي لهذه الأراضي، ليمنح الحق للمستوطنين الذي يسكنون داخل تلك البؤر من التوسع، حسب قانون “التسوية الإسرائيلي” الذي بموجبه يستطيع المستوطنون الأفراد من الاستيلاء على أراض إضافية، حتى إن كانت ذات ملكية خاصة.

لا عدد دقيق للبؤر الرعوية الاستيطانية في الضفة نتيجة التغيرات السريعة على الأرض، إلا أن تقديرات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان تشير إلى تزايد عدد البؤر الرعوية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، من (86) بؤرة قبل الحرب، لـ (111) بؤرة. كما سيطر الاستيطان الرعوي على ما يقارب (185) ألف دونم موزعة على شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية.

وعن سياسة المستوطنين في الاستيلاء على الأراضي بذريعة إعلان “حالة الطوارئ”، قال الصيفي: “المستوطنون بعد حرب الإبادة وإعلان حالة الطوارئ باتوا أكثر وأشد عدائية، حيث منحوا الشرعية الكاملة في استخدام السلاح وإطلاق النار بشكل مباشر على المزارعين والمواطنين”.

وأضاف: “منذ نحو 3 سنوات، أثناء تولي نفتالي بينيت للحكومة، بدأ الاحتلال بانتهاج الاستيطان الرعوي كأسلوب ممنهج للسيطرة على الأرض”.
وبدأ يُلاحظ وجود المستوطن “الراعي” في الأرض، الذي يكون في حقيقة الأمر “مقاولاً” يستأجر مستوطنين للعمل لديه “كرعاة أغنام”، بحسب الصيفي.

وفي هذه الشأن، أكد مدير مركز أبحاث أراضي شمال الضفة، أن الاحتلال ينتهج أيضاً أسلوب التبوير لبسط سيطرته على الأرض، والمقصود به عدم زراعة الأرض واستصلاحها وبالتالي تحويلها إلى خراب (أرض بور) بعد منع الأهالي من الوصول إليها، وذلك تمهيداً للسيطرة عليها بموجب القانون المتبع خلال حقبة الحكم العثماني، الذي يقضي بمرور عشر سنوات على خراب وعدم استصلاح الأرض، ليصبح من حق “الدولة” أن تضع يدها عليها. وهو ما اعتمدته سلطات الاحتلال في الاستيلاء على جبل صبيح في قرية بيتا شرق نابلس. ونوه إلى أن الاحتلال يختار من القوانين ما يخدم مصالحه الاستيطانية.
ومع اقتراب موسم الزيتون، أعرب الصيفي عن تخوفه من اعتداءات المستوطنين المتكررة والمتزايدة على المزارعين الفلسطينيين، وتأثير ذلك على إنتاجية الموسم، لا سيما بعد تعرض أكثر من (11) ألف شجرة للتدمير، أو الحرق، أو التسميم، أو الاقتلاع والتجريف، في الفترة الواقعة ما بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى نهاية تموز/ يوليو المنصرم.

ويضاف لذلك، تخوفه من تكرار ما حدث بموسم الزيتون الماضي، الذي تزامن مع بدء الحرب، بالموسم الحالي، حيث مُنع المواطنون من الوصول إلى أكثر من 150 ألف دونم مزروعة بأشجار الزيتون في أراضي “ج” وإعلانها “مناطق عسكرية مغلقة”.

وأشار الصيفي إلى أن عدد المواقع التي يتم التنسيق لها عادة باسم “التنسيق لموسم الزيتون” في الضفة الغربية، ما بين “الارتباط الفلسطيني” و”الارتباط الإسرائيلي” يبلغ عددها من (90-92) موقعاً، ما بين قرية، أو خربة، أو بلدة، أو تجمع.

والمقصود بالتنسيق هنا “جدول يحدد فيه أيام قطف الزيتون المسموحة، وتنتهي بانتهاء المواعيد المحددة”. علماً أن هذا التنسيق أُلغي الموسم الماضي، وقد يُلغى مرة أخرى الموسم الحالي. مع العلم، أن عدد الأسر الفلسطينية التي تعتمد في دخلها على موسم الزيتون حوالي 110 آلاف أسرة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية