الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 29/10/2024
المستشفى في بيت لاهيا “صُفي”: في قطاع غزة ينتظرون الغذاء، الدواء وآلية إدارة مدنية
بقلم: تسفي برئيل
مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا أصبح في الاسبوع الماضي ساحة للقتال، ليس للمرة الاولى. في كانون الاول الماضي اقتحم الجيش الاسرائيلي المستشفى، وهو من اكبر المستشفيات في القطاع، واعتقل فيه مئات من اعضاء حماس. الآن مثلما في السابق اعلن الجيش الاسرائيلي عن استكمال سيطرته على المستشفى. وصف المعارك (كما جاء من المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي وتقارير بعض الضباط) يتحدث مرة اخرى عن قتل عشرات المخربين ووضع اليد على وسائل قتالية بكميات كبيرة – التي تدل على استئناف تركز حماس في شمال القطاع. ولكن هذه التقارير، مثل افلام الفيديو التي وثقت اثناء اقتحام المستشفى، تركز على عرض الأدلة المُدينة ولا تتحدث عن المس الانساني القاسي بالطاقم الطبي والمرضى والمعدات الطبية.
المراسلون في القطاع تم منعهم من الوصول الى المستشفى، لكن شهود عيان قالوا إن نشاطات الجيش الاسرائيلي في المستشفى ومحيطه بعيدة جدا عن اعتبارها “عملية جراحية”. في احد التقارير جاء أن مرضى تم اعتقالهم في الأسرة وتم تكبيلهم ونقلهم الى امكان غير معروفة؛ معدات طبية حيوية تم تدميرها؛ سيارات اسعاف تمت مهاجمتها؛ طواقم طبية تم اعتقالها؛ نساء محسوبات على الطاقم الطبي تم حبسهن في الغرف بدون طعام لساعات طويلة. حسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة فانه في المستشفى بقي طبيب واحد (مدير المستشفى حسام أبو صفية، الذي قتل ابنه في هجوم الجيش الاسرائيلي) وممرضة وعامل نظافة.
أبو صفية ووزارة الصحة اسمعوا أمس دعوات يائسة وجهت لكل من لديه معرفة طبية – جراحين وحتى ممرضين وممرضات – من اجل المجيء الى المستشفى لمعالجة الذين ما زالوا يوجدون فيه ومعالجة المرضى والجرحى الذين لم يتمكنوا من الوصول ولا يسمح لهم بتلقي معالجة بديلة. المستشفى المدمر يضاف الى سلسلة طويلة من المواقع في عمق السكان الذين تضرروا. حسب وزارة الصحة الفلسطينية فان عدد القتلى في القطاع منذ بداية الحرب يفوق 43 ألف شخص، بينهم 96 شخص قتلوا في اليومين الاخيرين.
في شمال القطاع يبدو أن اسرائيل تطبق “خطة الجنرالات” – التي تعني الطرد القسري لعشرات آلاف السكان الى خارج المنطقة الشمالية من اجل اعطاء الجيش الاسرائيلي يد حرة في الحرب ضد اعادة تمركز حماس – والوضع في جنوب القطاع وفي الوسط ليس افضل بكثير. السكان يتحدثون عن نقص كبير في المواد الغذائية الاساسية، بعد تقليص دراماتيكي في عدد الشاحنات المسموح بدخولها الى القطاع، وعن أن المواد التي يتم ادخالها الى القطاع تصل في وضع فاسد، التي احيانا تعرض صحتهم للخطر.
اسعار المواد الغذائية قفزت عشرات النسب المئوية مؤخرا، البنوك والصرافات الآلية لا تعمل، معظم السكان يعتمدون على المساعدة المالية القليلة التي يحصلون عليها من “الاونروا” ومن منظمات اغاثة اخرى. ممثل منظمة الاغاثة النرويجية، الذي اجرى مقابلة أمس مع “سكان نيوز”، قال إن التقارير عن ادخال الغذاء بشكل منظم الى قطاع غزة هي قصص مختلقة، وأن الجوع هو أمر واقع لدى معظم سكان القطاع، في الشمال وفي الجنوب. كل ذلك في الوقت الذي فيه الشتاء على الباب ومعه الامراض التي يتوقع أن تزداد وتتطور الى اوبئة اذا لم يتم علاجها في الوقت المناسب. هذا ازاء الظروف الصحية المخيفة، وغياب البنى التحتية للمياه والمجاري والنقص الشديد في الدواء والطواقم الطبية التي يمكنها تقديم حتى العلاج الوقائي الاولي.
لا يوجد لاسرائيل في هذه الاثناء أي خطة منظمة لعلاج ممنهج يحل قضية ادخال المساعدات الانسانية، أو مواجهة الوضع الصحي الصعب في القطاع. مصدر اسرائيلي يعالج موضوع المساعدات قال للصحيفة بأنه في ظل غياب سياسة حكومية فانه لا توجد امكانية لتخطيط خطوات للمستقبل، “ليس في الوقت الحالي وليس على المدى البعيد. اذا كانت اسرائيل تنوي البقاء في القطاع لفترة طويلة فانه مطلوب منها اقامة آليات منظمة واعداد طواقم وتخصيص قوة بشرية عسكرية، وبالاساس تخصيص ميزانيات مناسبة، كي تستطيع مواجهة احتياجات السكان”. وحسب اقوال هذا المصدر لا شيء من كل ذلك يحدث.
في محادثات رئيس الشباك رونين بار مع رئيس المخابرات المصرية الجديد محمود رشاد قبل عشرة ايام تقريبا، التي تم فيها مناقشة اقتراح صفقة تبادل “صغيرة”، تحدثا ايضا عن اقتراحات لاعادة فتح معبر رفح؛ لكن حتى الآن لم يتم التوصل الى اتفاق على خطة يمكن أن تحل مشكلة توفير الغذاء والدواء للقطاع.
وسائل اعلام عربية نشرت في هذا الاسبوع أن احد الاقتراحات يتحدث عن تشغيل المعبر في الجانب الغزي من قبل جهات فلسطينية توافق عليها اسرائيل، التي ستعمل باشراف الامم المتحدة، حيث في “غلاف المعبر” يتم وضع قوات اسرائيلية تؤمن نشاطه وتمنع حماس من السيطرة عليه. من غير الواضح من هي هذه “الجهات الفلسطينية”، وماذا ستكون صلاحية ممثلي الامم المتحدة، وهل ستوافق الامم المتحدة أصلا على ارسال ممثلين مطلوب منهم العمل حسب توجيهات اسرائيل. يبدو أن هذا الاقتراح يحاول محاكاة الاتفاق الذي تم وضعه في “اتفاق المعابر” من العام 2005. حسب هذا الاتفاق السلطة الفلسطينية هي التي ادارت المعبر بتوجيه مهني من قبل ممثلي الاتحاد الاوروبي في حين أن اسرائيل “اشرفت من بعيد” على نشاطات المعبر وامسكت بيدها صلاحية منع دخول اشخاص أو بضائع، طبقا لمعايير أمنية.
حتى لو تم تبني الاقتراح الحالي فانه ستبقى على حالها قضية التخزين وتوزيع المساعدات وتأمين قوافل المساعدات ومنع سيطرة اعضاء حماس عليها واقامة نقاط توزيع في المدن وفي الاحياء. خاصة قضية التعاون مع منظمات مساعدة محلية، بالاساس مع “الاونروا”، التي صادق الكنيست أمس على تشريع يحظر بالفعل التعاون معها.
حسب تقارير نشرت في الفترة الاخيرة في اسرائيل فان تأمين القوافل وتوزيع الشحنات كان يمكن أن ينتقل الى مسؤولية شركة النقل “جي.دي.سي” المسجلة في امريكا والتي يديرها الاسرائيلي موتي كهانا. الكشف الذي قام به غور مجيدو في “ذي ماركر” اظهر أن أي اتفاق لم يوقع مع الشركة. وحسب الجيش الاسرائيلي فانه “لم يتم الحصول على أي توجيه من المستوى السياسي حول هذه المسألة”.
“في ظل غياب مقاولي حماية اجانب وبدون تعاون متفق عليه مع منظمات الاغاثة، فان الجيش هو الذي سيتحمل مسؤولية نقل الغذاء والدواء وتخزينها وتوزيعها وتمويل كل هذه العملية، الامر الذي يتعلق بمليارات الشواقل التي ستخرج من خزينة الدولة”، قال مصدر اسرائيلي للصحيفة. “لكن ايضا حول ذلك لم يتم التوصل حتى الآن الى اتفاق، ولا توجد ايضا أي خطة عمل”.
مصدر اسرائيلي آخر مطلع على المجال قال إن “الجيش الاسرائيلي يمكنه تنفيذ المهمة اذا حصل على الأمر. المشكلة الحقيقية لا تكمن في تخصيص القوة البشرية. اذا كانت هذه المهمة فان الجيش الاسرائيلي سينقل قوات من النشاطات القتالية التي هي في اصلا آخذة في التقلص في القطاع، من اجل ادارة الشؤون المدنية. المشكلة تكمن في نظرة الجمهور، وهذه المشكلة ستنفجر في وجه الحكومة والقيادة العسكرية عندما سيقتل الجندي الاول في عملية حماية قافلة الغذاء أو في نقطة توزيع الخبز على المدنيين. أنا لا أحسد الضابط الذي سيضطر الى أن يبلغ عائلة الجندي القتيل عن الظروف التي قتل فيها”.
الجسم الوحيد الذي يمكنه، اذا وافق، تولي المسؤولية المدنية، ولا يكون مرتبط بحماس، هم آلاف الموظفين المسجلين في كادر القوة البشرية للسلطة الفلسطينية. من غير الواضح كم بقي منهم على قيد الحياة، لكن حتى لو وافقت السلطة على استئناف نشاطهم وفرضت مرة اخرى سيادتها في غزة، فان هذه الموافقة ستكون مرهونة باستعداد اسرائيل لازالة السور الحديدي الذي وضعه نتنياهو كحاجز امام نشاط السلطة في غزة. حسب رأيه، في كل ما يتعلق بدعم الارهاب فانه لا يوجد فرق بين السلطة الفلسطينية وحماس.
——————————————–
إسرائيل اليوم 29/10/2024
المعضلة المصرية: صفقة القاهرة المحدودة
بقلم: شاحر كلايمن
قبل لحظة من الانتخابات في الولايات المتحدة، تصمم مصر على أن تثبت حيويتها في النظام الإقليمي. “المبادرة المصرية” التي اعلن عنها الرئيس السيسي هي محاولة أخيرة، ربما لانهاء الحرب في غزة عبر تربيع الدائرة. من جهة القول بان هذا وقف نار قصير. من جهة أخرى ربطه باتصالات مكثفة لهدنة كاملة. يستغل المصريون الزخم الناشيء قبل تصفية يحيى السنوار، لكن ليس مؤكدا على الاطلاق ان ينجحوا في إرضاء قيادة منظمة الإرهاب في الخارج.
توجد فجوة بين الرسائل المسربة من قادة حماس لوسائل الاعلام وبين تصريحاتهم الرسمية، عندما تحدث خليل الحية، الذي يجري المفاوضات منظمة الإرهاب، عن وقف نار، امتنع عن ذكر كلمات “دائم” و “كامل”. بالمقابل، عندما يتحدثون بشكل مغفل، في حماس يسمحون لانفسهم بتشديد المواقف وباشتراط كل اتفاق بانهاء الحرب. بهذا المفهوم، فان الصيغة المصرية تناسب مجال النفي لدى المنظمة.
اذا ما خرج الاتفاق بالفعل الى حيز التنفيذ، يمكنهم أن يقولوا ان الصفقة تشق الطريق لانهاء الحرب او على الأقل لوقف الحملة في شمال قطاع غزة. رغم هذا، تضع القاهرة كل ثقل وزنها في كفة الميزان. فالسيسي نفسه اعلن عن مبادرة وقف النار. مؤشر آخر على ذلك ظهر في تعيين رئيس المخابرات الجديد محمد حسن راشد، الذي عين في 16 أكتوبر (يوم تصفية السنوار) وتمكن من أن يلتقي في غضون أسبوعين مع رئيس الشباك روني بار، ومع وفد حماس.
للمصريين يوجد غير قليل من المصالح. طالما تجري الحرب، ستتواصل هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر ما سيبعد سفنا كثيرة عن العبور في قناة السويس. وهذه هي احد مصادر الدخل الأهم لبلاد النيل، التي فقدت عشرات في المئة من أرباحها في السنة الأخيرة. تعد هذه ضربة اقتصادية تضاف الى وباء الكورونا والى الحرب في أوكرانيا اللذين كل واحد منهما اضر بطريقته في الاقتصاد المصري.
ان مشاكل إسرائيل الأمنية، اذا قلنا هذا برقة، لا توجد بالضبط في رأس جدول أولويات السيسي. فالتفكر السياسي لمصر اكثر تعقيدا. في السنوات الأخيرة تحقق تحسن في علاقاتها مع ايران. علاقة هامة للقاهرة عقب تأثيرها على مضيق بان المندب الذي يسيطر عليه الحوثيون في اليمن.
ان النجاح في اتصالات الوساطة المصرية سيشكل بادرة طيبة لطهران التي تمول وتسلح الميليشيا اليمنية. والمعنى هو ان تسوية في غزة ستساهم في تسوية في اليمن، ومعا ستضمنان الاستقرار لمسار الملاحة عبر قناة السويس. وأخيرا في القاهرة يخشون من تأثير الحرب على الجيل الشاب. فالتطرف في الموقف المعادي تجاه إسرائيل، والذي يتعاظم في الشبكات الاجتماعية وفي هيئات الاعلام الدعائية مثل “الجزيرة”، تجر تطرفا في مواقفهم في مواضيع الدين، المجتمع والاقتصاد. هذه المسيرة لا تتجاوز الاستياء من سلوك الحكم الذي يواصل إقامة علاقات مع إسرائيل. في القاهرة، على ما يبدو، يأملون بوقف كرة الثلج واستخدام صفقة محدودة لانهاء الحرب كرافعة تؤدي الى استقرار إقليمي، واقتصادي، واجتماعي.
——————————————–
هآرتس 29/10/2024
مصدر خفي استغل قصورا وكشف معلومات عن خادمين بعشرات القواعد الحساسة
بقلم: بار بيلغ وآخرين
مصدر مجهول يدير عملية جمع معلومات عن قواعد ومنشآت حساسة في اسرائيل بواسطة تطبيق “سترافا”. بمساعدة هذا التطبيق تم الكشف عن مصدر لتشخيص وتحديد مكان سكن عشرات الجنود الذين يوجدون في وظائف حساسة. الحديث يدور عن فشل متواصل لتسرب معلومات من داخل الجيش الاسرائيلي، حيث أن هذه الثغرة معروفة لهذا الجهاز منذ سنوات. بعد توجه لـ “هآرتس” فتح جهاز الامن تحقيق في محاولة للعثور على هذا المصدر.
هذا المصدر استخدم اسم وهمي في “سترافا” (لقبه محفوظ في النظام)، وقام بتزوير عشرات مسارات الركض له نفسه في قواعد سلاح الجو، الاستخبارات ومنشآت حساسة اخرى. بعد أن تحايل على التطبيق نجح في الكشف عن هوية مئات الجنود والمواطنين الذين خدموا أو يخدمون في هذه المنشآت. هؤلاء الجنود لم يحافظوا على أمن الميدان، وقاسوا لانفسهم – بتطبيق سترافا – مسارات ركضهم في القواعد. المعلومات تم الاحتفاظ بها في خوادم سترافا، وتم الكشف عنه كمستخدم وهمي من خلال ميزة معينة في التطبيق.
في جهاز الامن لم يشخصوا منذ عملية الجمع قبل توجه “هآرتس”. عندها تم عقد جلسة لتقدير الاضرار في قسم أمن المعلومات في الجيش الاسرائيلي، وتم فتح تحقيق بالتعاون مع جهات أمنية اخرى. في جهاز الامن يعتقدون أنهم سينجحون في ايجاده، وايضا أن هذه الحالة تعكس كل المشكلات التي توجد على المنصة.
عملية الجمع تم الكشف عنها في اعقاب معلومات وصلت من باحث الشبكة روتم يسعور، المتخصص في التحقيق في مصادر مكشوفة “اوسنت”. يسعور لاحظ في “سترافا” حساب مشبوه، الذي ركز نشاطه على القواعد العسكرية وظهر أنه غير أصلي. يسعور شارك جزء من هذه المعلومات مع “هآرتس”. وفحص عميق كشف نموذج نشاط مقلق يشير الى جمع معلومات استخبارية. عملية الجمع لهذا الشخص الوهمي مستمرة.
رحلات غير ممكنة في الأراضي المقدسة
“سترافا” هي شبكة اجتماعية تمكن الاشخاص الذين يتدربون على قياس لانفسهم وقت الركض والسباحة وركوب الخيل وما شابه بواسطة الهاتف الذكي والساعة الذكية، وأن ينشروا في حسابهم هذه المقاطع الجغرافية ومشاركة المعلومات مع الاصدقاء ومع الجمهور الواسع. هذا أحد التطبيقات الشعبية في هذا المجال، ويوجد له اكثر من 120 مليون مستخدم.
الحساب الوهمي تم فتحه في شهر تموز الماضي، لكن في البداية لم تكن فيه أي نشاطات. ولكن بعد فترة معينة نشر المستخدم في حسابه الشخصي في “سترافا” 60 مسار ركض مزيف، التي كما يبدو اكملها داخل 30 قاعدة في اسرائيل. في فترة زمنية هي اربعة أيام فقط.
يبدو أن لديه معلومات دقيقة عن القواعد مدار الحديث وعن مكانها ودورها. بشكل عام الحديث يدور عن قواعد سلاح الجو في حتسريم وفي تل نوف، وقواعد سلاح البحرية في اسدود وفي ايلان، وقواعد الوحدة 8200 في غليلوت والقدس، وقاعدة وحدة الاستخبارات 504 في الشمال، وقواعد التسليح وقاعدة سدوت ميخا، التي حسب منشورات اجنبية تخزن فيها الصواريخ النووية لاسرائيل، وقاعدة الولايات المتحدة في هار كيرم التي يوجد فيها رادار متقدم لاكتشاف الصواريخ البالستية وغيرها.
فحص كامل لهذا الحساب الوهمي يثبت أن الامر يتعلق بسلوك مزيف. لا توجد أي احتمالية بأن المستخدم استكمل 60 عملية ركض داخل 30 قاعدة في اربعة ايام. كل عمليات الركض الموثقة في هذا الحساب هي لمسافات قصيرة جدا – على الاغلب أقل من كيلومتر واحد. في بعض المقاطع التي فيها يبدو أنه وثق نفسه لا يوجد أي شارع أو مسار للركض. المستخدم لم يعرف أن قاعدة سديه دوف في شمال تل ابيب تم اخلاءها. ونشر مقطع مزيف له وهو يركض على مسارات الاقلاع والنقل التي هي غير موجودة منذ سنوات.
الجنود والمدنيون الذين يخدمون في هذه المنشآت الحساسة وغيرهم ينشرون بصورة دائمة في حساباتهم في “سترافا” مقاطع الركض التي قاموا بها. مستخدم آخر ركض في هذه المناطق يمكنه رؤية هوية جميع المستخدمين الذين ركضوا في المقطع الذي نشره في الموقع. هكذا فان المستخدم الوهمي يمكنه رؤية هوية جميع المستخدمين الذين ركضوا في داخل القواعد التي يبدو أنه ركض فيها.
المستخدم استغل ثغرة في “سترافا”، ولم يكن يجب عليه أن يركض في هذه القواعد وبحق من اجل أن يسجل له مقطع ركض فيها. هو حمل على النظام مجموعة جغرافية مزيفة، أنتجها في الحاسوب، التي كما يبدو تعرض الركض في داخل هذه المنشآت. منذ ذلك الحين هو كشف هوية جميع الراكضين الآخرين في المنطقة.
مثلما تم الكش في السابق في “هآرتس” فان الجنود والمدنيين الذين يخدمون في قواعد أمنية حساسة، كشفوا في “سترافا” حقيقة خدمتهم في هذه القواعد، وهكذا مكنوا العدو من تشخيص من منهم من الجدير تعقبه والتجسس عليه، وحتى من يجدر ابتزازه أو المس به.
الحديث يدور عن فشل متواصل لأمن عملياتي حيث أن الموضوع معروف لجهاز الامن منذ بضع سنوات – كان يجب عليه تصحيحه في اعقاب استخدام العدو لهذه المعلومات المكشوفة، وفي اعقاب عمليات كشف كثيرة في هذا الشأن. ردا على منشورات متكررة في “هآرتس” قيل في السابق بأن “الجيش الاسرائيلي بشكل عام، بأقسامه المختلفة، يدرك التهديدات التي تشكلها وسائط السايبر اثناء القتال”. وأنه “يقوم بارسال توجيهات واضحة لكل من يخدمون في الجيش الاسرائيلي، الجيش النظامي والاحتياط، بخصوص اجراءات استخدام شبكات التواصل الاجتماعية، بما في ذلك الهواتف المحمولة والساعات الذكية”.
لكن هذا التحقيق يثبت أن لا شيء يجري، وأن تسرب المعلومات من رجال الامن مستمر. اعداء اسرائيل اثبتوا كيف أنهم يحصلون على معلومات ثمينة من حسابات الجنود في الشبكة. مشاركة مقاطع الركض في “سترافا” مقلق أكثر. فهو يكشف مكان خدمة الجنود ومكان سكنهم، حتى مكان البيت، وهكذا فانهم يسهلون على العدو محاولة المس بهم. في الشهر الماضي كشف الشباك كيف تجند وتشغل ايران اسرائيليين للمس بأهداف داخل اسرائيل.
في الحقيقة الجيش الاسرائيلي يبذل جهود كبيرة لمنع تسرب المعلومات من الشبكات الاجتماعية، التي فيها يحاول عملاء اجانب – أحيانا ينجحون – اغراء جنود والحصول على معلومات منهم، لكن الجيش يعرف أن لديه مشكلة صعبة في مجال التكنولوجيا التي يمكن ارتداءها مثل الساعة الذكية وتطبيقات الركض. في الجيش الاسرائيلي قاموا بحظر استخدام تطبيقات المراقبة مثل “سترافا”، بالاساس على بعض اصحاب المناصب الرفيعة، في الاستخبارات وفي سلاح الجو، لكن ليس على جنود عاديين أو في قواعد غير سرية. ولكن هذا التحقيق وجد أن الكثير من الجنود في وحدات سرية وفي مناصب حساسة ما زالوا ينشرون في الشبكة مقاطع ركضهم، ايضا في القواعد. الآن هم مكشوفون، بما في ذلك هويتهم ومكان سكنهم للمستخدم الوهمي الذي جمع المعلومات عنهم.
من بين الجنود الذين تم الكشف عن هوياتهم واماكن سكنهم يوجد رجال من وحدات استخبارية سرية، وجنود في وحدات خاصة، ورجال من منظومة الدفاع الجوية وأصحاب مناصب في سلاح الجو وسلاح البحرية وغيرهم.
في جهاز الامن توجد مشكلة صعبة تتمثل في غياب انضباط الأمن الميداني. الجنود ينشرون في الشبكات صور وأفلام تكشف عن مكانهم وعن مكان تجمع القوات في غزة وفي لبنان، ايضا المنظومة نفسها تنشر صور وافلام ومعلومات، تسهل على العدو عملية جمع المعلومات الحيوية. في هذه السنة نشر في الصحيفة أن الجنود الذين يقاتلون في قطاع غزة كشفوا لفترة طويلة ومستمرة مكان تجمع القوات في القطاع ومسارات الحركة، بعد أن قاموا ببث في نظام “سترافا” مكانهم من خلال الساعة الذكية. في 2022 كشف في “هآرتس” أن حساب وهمي نشر مقاطع ركض وهمية من اجل تشكيل قاعدة بيانات مفصلة لجنود ورجال في جهاز الامن، من بينهم ايضا من يخدمون في مقر الموساد وفي قواعد سلاح الجو والاستخبارات. وفي العام 2021 كشف في “هآرتس” أن شخصية رفيعة في وحدة حماية الشخصيات كشف عن مكانه، ايضا في زمن نشاط عملياتي في الخارج من خلال استخدام تطبيق “سترافا”.
الآن تم الكشف عن عملية جمع مستمرة. المتابعة تمت بطريقة منظمة، وضمن ذلك معلومات مسبقة دقيقة وترميز ممنهج. “هذا لا يعتبر خلل، بل هو ميزة من ميزات سترافا التي تمكنه من ذلك”، قال يسعور. “هذه مثل مصيدة الفئران التي المستخدمون يتم اصطيادهم؛ هناك استخدام غير مسؤول للشبكات من قبل الجنود – وتسريب للمعلومات. هذا يجب أن يؤدي الى اشعال الضوء الاحمر لدى سترافا، لأنه يسمح بادخال معلومات جغرافية وهمية، وايضا في جهاز الامن الذي كان يعرف ذلك منذ سنوات. الكشف عن التفاصيل الشخصية، اضافة الى جمع المعلومات الاستخبارية المسبقة التي تم الكشف عنها في الاسابيع الاخيرة، تعتبر خطر أمني كبير”.
——————————————–
معاريف 29/10/2024
ريح اسناد للتآمر الايراني
بقلم: تامير باردو
الهجوم الناجح في ايران، مثلما هي أيضا تصفية يحيى السنوار، التي استكملت تصفية قيادة حماس في القطاع وقيادة حزب الله في لبنان، خلقت فرصة نادرة لتغيير الواقع الاستراتيجي الذي تتصدى له إسرائيل في آن واحد في سبع جبهات – غزة، لبنان، سوريا، العراق، اليمن، ايران وتضعضع الاستقرار في الضفة وذلك في ظروف آخذة في التردي من حيث العزلة الإقليمية والدولية. ان استنفاد هذه الفرصة يستوجب سواء مراجعة العلاقة بين التحديات المختلفة التي نتصدى لها أم الموقف من استعداد لاعبين مركزيين في الساحة للارتباط بإسرائيل في جهد مشترك لمواجهة المحور الإيراني النازف.
في العقود الأخيرة تتميز حكومات إسرائيل على اجيالها بانعدام مفهوم استراتيجي شامل وبنهج يتناول كل تحد او فرصة كحدث خاص يستوجب معالجة تفصيلية وبالتالي تجاهل الخط الذي يربط بينها.
يمكن أن نجسد ذلك في مثال واحد: الأردن. الموقف الإسرائيلي من المسألة الفلسطينية منقطع عن فهم تأثيرها على الرأي العام الأردني وبالتالي على استعداد الأردن للسماح لإسرائيل بالتمتع بعمق استراتيجي لا بديل له – في الجو وفي البر – حيوي للتصدي الدفاعي والهجومي لإيران وغيرها ممن يسعون الى إيقاع الشر بها.
هكذا أيضا عربدة منتهكي الوضع الراهن في الحرم ممن يتمتعون بريح اسناد من أصحاب فكرة التفوق اليهودي في داخل الحكومة والتي تمس بشرعية واستقرار النظام الهاشمي الذي اعترف بصلته الخاصة بالحرب في اتفاق السلام. لقد أدى هذا الميل الى تسريع التآمر الإيراني بهدف ليس فقط توسيع تهريب السلاح وتمويل الإرهاب للضفة عبر الأردن، بل محاولة الوصول الى نشر ميليشيات مؤيدة لإيران على طول حدودنا الأطول في اجراء سبق لطهران أن نفذته بنجاح في سوريا، في غزة وبالطبع في لبنان.
تحليل مشابه بالنسبة لدول سلام أخرى سيوصلنا الى الاستنتاج ذاته: بدون مبادرة لتهدئة الوضع وتغيير الميل في المسألة الفلسطينية – وقف نار وصفقة مخطوفين في الجنوب ومنع إجراءات انهيار السلطة الفلسطينية، الإرهاب اليهودي وتسريع الارتباط الدامي بين الشعبين في الضفة – استمرار الاستيطان الإسرائيلي يتحدى العلاقات مع مصر، مثلما يتحدى أيضا دول اتفاقات إبراهيم (التي قلصت بعضها منذ الان التعاون الاقتصادي والعلاقات بين الحكومات)، ويغذي بالوقود كل الراغبين في إيقاع الشر بنا وعلى رأسهم ايران.
على قيادتنا القومية، واولا وقبل كل شيء المدنية، ان تبلور صورة وضع واسعة ومفهوم امن قومي يقوم على أساس العلاقات المتبادلة التي بين جملة التحديات الأمنية وبين المسألة الفلسطينية، ومنها استخلاص خطة عمل تقلص المخاطر وتسمح باستنفاد الفرص. الامر حيوي وعاجل على نحو خاص في ضوء التجسد المتواصل للتناقض الظاهر الذي بين قوة إسرائيل الاستثنائية وبين حقيقة أن دولة صغيرة كدولتنا ملزمة بان تثبت تحالفات وتنخرط في ائتلافات كي تتصدى لجملة من التحديات. في ظل جولات التصعيد بين إسرائيل وايران، ولما كان متعذرا استبعاد سيناريو يلزم فيه تحدي النووي الإيراني إسرائيل بالعمل هجوميا – على مدى الزمن لاجل تحييد هذا التهديد الوجودي تتأكد حيوية التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة ومع الائتلاف الإقليمي الذي عملت عليه منذ بضع سنوات.
على هذه الخلفية لا يجوز قبول تجاهل حكومتنا للبديل المقترح على إسرائيل من معسكر عظيم القوة في العالم العربي والإسلامي. تذكر مدوٍ لهذا البديل تلقيناه بعد دقائق قليلة من انتهاء الخطاب الأخير لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الامم المتحدة، في رد وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي. على حد قوله: “نحن هنا، أعضاء لجنة مخولة من 57 دولة عربية وإسلامية، وانا أقول لكم بشكل لا لبس فيه… في سياقات انهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية… كلنا هنا نريد سلاما في اطاره تعيش إسرائيل بأمن وسلام، مع علاقات تطبيع مع كل الدول العربية… السطر الأخير… توجد لنا خطة للسلام مع إسرائيل لكن لا يوجد لنا شريك للسلام في إسرائيل”.
——————————————–
هآرتس 29/10/2024
مصادر في إسرائيل: ها هو الاتفاق المتبلور لوقف الحرب في الشمال
بقلم: نداف ايال
تجري بين إسرائيل ومحافل في لبنان مفاوضات على اتفاق لوقف الحرب في الشمال، وحسب مصادر سياسية رفيعة المستوى في إسرائيل يوجد “في مراحل بلورة متقدمة”.
هذا وسيصل مبعوث البيت الأبيض عاموس هوكشتاين الى إسرائيل والى لبنان قبل الانتخابات في الولايات المتحدة في محاولة لتحقيق توافقات نهائية.
اذا لم تتفجر الاتصالات، سيبدأ الجيش الإسرائيلي بإعادة الانتشار، الخروج من بعض النقاط التي انهى فيها مهامه في داخل أراضي جنوب لبنان حيث تخرج معظم القوات من الأراضي اللبنانية. يحتمل أن تبقى إسرائيل في نقاط تكتيكية هامة في الجانب اللبناني وعلى طول الحدود الى أن يتحقق اتفاق نهائي وحتى نهاية “التكيف”.
في إسرائيل يقولون ان الوضع في لبنان “تغير من الأقصى الى الأقصى كنتيجة لاعمال الجيش الإسرائيلي وجهاز الامن”، وانه توجد موافقة لبنانية على قطع الجبهة الشمالية عن قطاع غزة. وشدد مسؤولون في إسرائيل على ان القتال لن يتوقف لغرض المفاوضات، بل فقط بعد الوصول الى اتفاق نهائي. فتقدر مصادر استخبارية غربية بان ايران تسمح لحزب الله بالوصول الى وقف نار في لبنان حتى بدون وقف نار في قطاع غزة – بل وربما تدفع نحو ذلك. وقالت مصادر في إسرائيل ان الاتفاق يبدأ بستين “يوم تكيف” يوقف فيها حزب الله والجيش الإسرائيلي النار، ينتشر الجيش اللبناني في الجنوب، ويفحص جهاز رقابة على تنفيذ الاتفاق كله. لن يكون قرار جديد لمجلس الامن. قالت مصادر لبنانية لمصادر فرنسية وامريكية مؤخرا ان حزب الله، الذي ضرب بشدة على ايدي إسرائيل وفقد كل قيادته، شعر في الأسابيع الأخيرة “معززا” بسبب “عدد المصابين العالي للجيش الإسرائيلي”، ولهذا فان الالحاح للوصول الى اتفاق عال للغاية، “والا فان الفرصة يمكن أن تضيع”.
الاتفاق المقترح بين إسرائيل، لبنان، الولايات المتحدة ودول أخرى يتضمن ثلاثة عناصر. الأول هو تنفيذ قرار 1701 بشكل موسع بحيث يتم التأكد من الا يكون تواجد مسلح لحزب الله جنوبي نهر الليطاني كما يكون ابعاد ذو مغزى في منطقة المطلة. يفترض بالجيش اللبناني أن ينتشر على طول حدود الشمال باعداد كبيرة بين 5 الاف و 10 الاف مقاتل. قوة اليونيفيل الحالية تعزز، ربما بتغيير بعض كتائبها بكتائب فرنسية، بريطانية والمانية. وتوجهت إسرائيل الى الدول آنفة الذكر في محاولة للاستيضاح هل توافق على ذلك. العنصر الثاني هو إقامة جهاز انفاذ ورقابة دولي يمكن للطرفين ان يبلغا بالانتهاكات وكان مطلبا جوهريا لجهاز الامن منذ بداية الحرب. في إسرائيل يقولون انه تحقق توافق مع الولايات المتحدة على أنه اذا ما ظهر انتهاك من جانب حزب الله كبناء بنية تحتية عسكرية جنوب نهر الليطاني، ولم يعالجه الجيش اللبناني واليونيفيل في اقرب وقت ممكن تعمل إسرائيل وحدها وبشكل متواصل على إزالة التهديدات. كجزء من المفاوضات، طلبت إسرائيل من الرئيس الأمريكي بايدن ان يرسل كتابا يشدد فيه على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بحيث يكون واضحا بان الجيش الإسرائيلي من حقه أن يزيل تهديدات يشخصها. ولم تستجب محافل أمريكية لاسئلة في هذا الشأن.
العنصر الثالث في الاتفاق المتبلور هو منع إعادة تسلح حزب الله كجزء من التفاهمات التي تنهي الحرب. يدور الحديث عن منع دخول وسائل عسكرية تعرف كـ “محظورة”، من الجو، من البر ومن البحر. وأعربت روسيا عن استعدادها للمساعدة في تنفيذ الاتفاق ومن شأنها أن تلعب دورا في استقرار الجبهة في لبنان وسوريا “سيكون للروس مكانة خاصة في تنفيذ الاتفاق ومنع مزيد من التصعيد”، قال مصدر اجنبي يعمل في هذا الشأن. وجرت الاتصالات بين الكرملين والقدس مباشرة. إسرائيل معنية ودفعت نحو دور روسي على أمل ان يجري هكذا الحفاظ على استقرار الاتفاق والقدرة على تنفيذه – ولاجل تقليص التعلق بالدور الأمريكي في المنطقة. في الأيام الأخيرة يحاول مبعوثو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجنيد مزيد من الدول بالاجهزة المرتبطة بالاتفاق المتبلور. ويعمل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر في هذا الموضوع مع مستشار الامن القومي جيك ساليبان بينما يجري وزير الدفاع يوآف غالنت اتصالات مع مبعوث البيت الأبيض هوكشتتاين.
——————————————–
عن “N12” 29/10/2024
الليطاني لن يمنح إسرائيل الأمان
بقلم: تامير باردو
شغل منصب رئيس “الموساد” في الأعوام 2011 – 2016
حتى هذه اللحظة، تطالب حكومة إسرائيل بـ”منطقة آمنة” حتى نهر الليطاني كأمر واقع، لأن أمان السكان مشروط بعدم وجود “حزب الله” جنوب النهر. لا يوجد خطأ أكبر من هذا.
منذ الآن، يشير “حزب الله” إلى صورة الحرب المقبلة. فمنذ بداية المناورة البرية نقل الحزب الحرب إلى منطقة “العمق القريب”؛ من نهاريا حتى منطقة حيفا.
إن إطلاق النار الكثيف، باستعمال أدوات مختلفة، حوّل هذه المنطقة إلى منطقة حرب. علينا القول إن اختيار هذا الحل يمنح الأمان الجزئي فقط من الاجتياح البري على خط التماس عدة كيلومترات من الحدود، ويمكن أن يحوّل ثلث الدولة إلى منطقة حرب.
كان التعامل مع تهديد “حزب الله”، قبل حرب 7 تشرين الأول، على أنه تهديد بالنيران.
ومنح الجيش والحكومة المواطنين الشعور بأنه لا يستطيع نقل المعركة إلى أراضينا من دون أنفاق تخترق الحدود. لقد ركز السياسيون والمهنيون على التحذير من الدمار الكبير للبنى الاستراتيجية في المناطق كافة. وأوضح السابع من تشرين الأول الخطر الكامن في الاجتياح البري، واحتلال النقب الغربي على مدار يوم كامل حوّل هذا الخطر، وبحق، إلى كابوس، ومن المفهوم، ضمناً، أن إبعاد قوة الرضوان عن الحدود الشمالية هو شرط لكل اتفاق مستقبلي.
بشكل غير مفهوم، تحوّل نهر الليطاني إلى الحدود الأمنية. كان هذا صحيحاً قبل أكثر من عقد، عندما كانت قدرات الحزب النارية أقل من الحالية، ومن دون قدرات مناورة.
وكي لا يتم تضليلنا، هذه الكيلومترات المعدودة ليست منطقة أمان، وليست الحد الأدنى من ذلك، بالنسبة إلى سكان الشمال، ليس على صعيد القدرة على إطلاق النار، ولا المناورة البرية السريعة.
وأكثر من ذلك، إن إطلاق النار على “العمق القريب” حتى حيفا، حوّل هذه المنطقة برمتها إلى منطقة حرب شرعية. إن لم نغيّر رؤيتنا بشأن الترتيبات المطلوبة جذرياً فسنجد أننا نستبدل كريات شمونة وحانيتا وصفد بـ”كفار مسريك” و”كريات بياليك”.
فرنسا والولايات المتحدة مستعدتان اليوم للدفع إلى إنهاء الحرب بثمن ممنوع أن ترضى به إسرائيل.
حكومة إسرائيل، ولأسباب غير مبررة، مستعدة للتنازل في مجال استمرار عمليات “حزب الله” المستقلة في لبنان، إذ توافق فعلياً على استقلالية عمل إيران من داخل لبنان.
على إسرائيل أن توضح للبنان أنه دولة واحدة مع جيش واحد. ولن يكون لأيّ قرار في مجلس الأمن أهمية، إذا سمح المجتمع الدولي لـ “حزب الله” بالاستمرار في مراكمة قوته. فالبديل الوحيد لعدم الاتفاق على دولة واحدة وعلَم واحد وجيش واحد هو انتشار قوات عسكرية مسؤولة، لديها صلاحيات في المناطق اللبنانية كافة، وضمنها المعابر الحدودية. إن نشر قوات عسكرية من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، ومن دول إضافية غربية، تُعطى صلاحيات السيطرة على المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية، واقتحام أيّ موقع مشتبه فيه وإحباطه هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يسمح بتحقيق الأمان. وهذا كله بديل لمسؤولية حكومة لبنان على أراضيها.
على حكومة إسرائيل إزالة تهديد “حزب الله” كجهة مستقلة في لبنان، كشرط لإنهاء الحرب في الشمال.
وسيشكل القضاء على استقلالية “حزب الله” في لبنان ضربة حرجة للاستراتيجية الإيرانية، ويجب أن يتم التعامل معه كمصلحة عليا لدولة إسرائيل والدول المعتدلة، وأيضاً الدول الغربية.
وعلى اعتبار أنه جرى تحقيق هدفين من أصل 3 أهداف في القطاع – تفكيك الأطر العسكرية التابعة لـ”حماس” وسلطتها – آن الأوان للتركيز على الثالث، الذي كان يجب أن يكون الأول: إعادة المخطوفين.
إن تبنّي المبادرة الأميركية لإدارة القطاع من طرف قوي وآليات إقليمية ودولية، واستناداً إلى شرط رئيس الحكومة نتنياهو من شهر أيار (قبل أن يغيّره والادّعاء أنه من الضروري البقاء في محورَي فيلادلفيا ونيتساريم)، هو ما سيسمح بتركيز الجهد على إعادة المخطوفين.
لذلك، فإن وقف الحرب في الجنوب سيدعم مطالب إسرائيل في السياق اللبناني، ويرفع احتمالات تجنُّد القوى العظمى ودول المنطقة المعنية من أجل تنفيذ هذه المطالب.
——————————————–
هآرتس 29/10/2024
قانون جديد في “دولة الديمقراطية”.. بن غفير لميليشياته: لاحقوا العرب.. إنهم محرضون
بقلم: أسرة التحرير
يبدأ الائتلاف دورة الكنيست الشتوية بتوجيه كل قواه لجهود التشريع الذي يستهدف تحقيق الانقلاب النظامي. واليوم يرفع للبحث في لجنة الدستور والقانون والقضاء برئاسة النائب سمحا روتمان، مشروع قانون خطير على نحو خاص يمس بحرية التعبير في إسرائيل. يدور الحديث عن تعديلات على تعريف جناية التحريض في قانون الإرهاب، يسمح للشرطة بفتح تحقيق على جنايات تعبير، تُعرف كتحريض على الإرهاب، دون إذن النائب العام للدولة.
يتضمن المشروع تعديلات إشكالية توسع تعريف التحريض على الإرهاب، أهمها تخفيض مستوى المعقولية لوجود تعبير يؤدي إلى فعل إرهابي، من “إمكانية حقيقية” اليوم إلى “إمكانية معقولة” – تعريف يشكل مستوى أدنى بكثير.
ولكن التعديل الأخطر لم يدخل إلا قبيل القراءتين الثانية والثالثة، ويستند إلى مشروع قانون النائبة ليمور سون هار ميلخ، وينطوي على انقلاب في طرق إشراف النيابة العامة على فتح التحقيق في جناية التحريض.
حسب الوضع القانوني اليوم، الذي يقوم على أساس تعليمات النائب العام للدولة، في كل الجنايات الحساسة وأساساً في الجنايات المرتبطة بالتعبير، ثمة حاجة لإذن النيابة العامة لفتح التحقيق. والسبب هو أن هذه الجنايات تحتاج إلى خبرة خاصة وفهم للمعايير الدقيقة المرتبطة بخطورة التعبير، بالصدى الذي حظي به، بالخطر النابع منه وغيره.
كما أنه في جنايات من هذا النوع ثمة حاجة لهيئة رقابة ذات رؤية عامة شاملة. فلا ينبغي إبقاؤها لتفسير متغير لكل محطة شرطة أو محقق ما. الخطر الكامن في التهديد على حرية التعبير من خلال تحقيقات عابثة (لا تؤدي على أي حال إلى لوائح اتهام) – فما بالك حين تخضع الشرطة اليوم لمستوى سياسي – يستوجب رقابة النيابة العامة.
إذا ما أجيز التعديل فسنشهد طوفاناً من التحقيقات والاعتقالات العابثة بسبب تعبيرات تعد في نظر الوزير أو أي شرطي “تأييداً” أو “تضامناً” مع الإرهاب. وذلك استمراراً لباقي أعمال التشريع وإجراءات الحكومة التي تمس بحرية التعبير: قوانين ملاحقة المعلمين والأكاديميا، ومحاولة لتوسيع علل شطب الترشيح للعرب في القانون الأساس والكنيست، وسياسة الشرطة في كل ما يتعلق بمنع المظاهرات، وممارسة العنف ومصادرة اليافطات.
إن إعطاء يد حرة للشرطة، ولا سيما تلك التي يسيطر عليها الوزير الكهاني بن غفير لكم الأفواه والملاحقة والاعتقال استناداً إلى تفكيرها المطلق، سيكون خطوة هدامة، على الجمهور ألا يوافق عليها، بل ملزم بمنعها.
——————————————–
هآرتس 29/10/2024
أرفض أن أكون جزءاً من شعب يسكت عن إبادة جماعية في غزة
بقلم: يهوديت كارف
أين كان العالم عندما ذُبح اليهود في الكارثة؟ أين كان الله في 7 أكتوبر عندما ذبح الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيون المطمئنون واقتيدوا إلى قطاع غزة بملابس النوم؟ أين كان جيش الدفاع الإسرائيلي وحكومة إسرائيل في تلك الأيام الفظيعة؟ يبدو أن العالم في معظمه تماهى لبضعة أيام مع مشاعر الصدمة وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؛ إلى حين فهم معنى حرب الدفاع عن النفس التي نشنها. وبخصوص الله، بالنسبة لبعض أعضاء الحكومة ومن يؤيدونهم، فقد حدثت معجزة لنا في أننا ذبحنا، كي تؤدي إلى الخلاص النهائي وانتصارنا المطلق.
الآن، أين هو الله وأين شعوب العالم و”لاهاي”، أين هم، فضلاً عن ذكر الأخلاق اليهودية وقيم إسرائيل التي ستهب لإنقاذ من ذبحوا في غزة 2024 من الفلسطينيين – أطفالاً ونساء وشيوخاً وغيرهم من الأبرياء أو غير المتورطين، الذين ماتوا بسبب “أضرار عرضية” وتم تحديد مصيرهم بالذكاء الاصطناعي، والذين قتلوا وذبحوا وخنقوا وأحرقوا ودفنوا أحياء أو تحولوا إلى غبار بشري تحت أنقاض بيوتهم في عملية إحراق غزة وتدميرها بالكامل في حرب الدفاع التي تحولت إلى حرب انتقام.
أين صرخة الجميع وأين هم مواطنو إسرائيل، الذين باسمهم يجوع ويهجر الناس الذين لا يجدون مأوى أو خلاصاً ويهيمون من “مكان آمن” إلى آخر، ويعودون مرة أخرى، ومصيرهم كمخربين يستحقون الموت تقرر من قدرتهم أو عدم قدرتهم على الخضوع لأوامر “الإخلاء” التي يمليها عليهم جيش الدفاع. يموتون بالسيف والحرق والجوع والعطش، والاختناق والقصف المنهجي للمستشفيات التي لم يتم إخلاؤها رغم تحذير “الإخلاء”. وسواء تقرر مصيرهم بالتجويع أو التعطيش أو التدمير، حسب “خطة الجنرالات” التي يتم نفيها وتتقنع بقناع القانون الدولي وتعمل تحت غطاء الأكاذيب والإنكار التي تعرضها حكومة إسرائيل – فقد صممنا الآذان إزاء نداءات “أنقذونا”. نقول لأنفسنا: نحن مختلفون، هم يقدسون الموت ونحن نقدس الحياة. ونظرتنا عمياء من كثرة عدالتنا. ونقول لأنفسنا أيضاً: هذه حرب وجود وتقديس لأرواح جنودنا، وإله الجنود معنا. ونقول أيضاً إن مخازن الأحاسيس والألم لدينا مليئة من كثرة قتلانا وأطفالنا الذين ذبحوا والأيتام وآلاف الجرحى والمصابين بالصدمة النفسية في الحرب. لقد نفد مخزون الرحمة تجاه الآخر.
لا نعرف ولا نريد أن نعرف ماذا يحدث هناك في وادي القتل. نحن الإسرائيليين لا نصرخ الصرخة المريرة التي يجب أن نصرخها على ما ينفذ باسمنا. علينا أن نصرخ: أنقذوا الغزيين من القتل. ولكن أيضاً يجب أن نصرخ: أنقذونا نحن الإسرائيليين من عبء الضمير على المذبحة التي نرتكبها ضد الآخر، على القتل الجماعي الذي يحدث باسمنا في غزة وفي المناطق التي تحت سيطرتنا، على عار سرقة حقوق وأراض، واللامبالاة إزاء مصير الآخر. أنقذونا من حكومة خبيثة نحن بسببها مسؤولون عن جرائم الحرب التي ترتكب باسمنا، وعن الأخلاق اليهودية وقيم دولة إسرائيل التي يتم محوها هناك بغطاء الحرب الوجودية، التي كل شيء فيها مباح، وأنقذوا حياة جنودنا من هذه الحرب الاختيارية.
أريد أن أصرخ هنا صرختي الشخصية: ما لم تتم إعادة المخطوفين إلى بيوتهم واستمرت عائلاتهم في التعرض لسحق قساة القلوب، وما دامت الحرب مستمرة ومعها القتل والدمار وفقدان الطابع الإنساني، فإنني أفصل نفسي وأعلن على رؤوس الأشهاد بأنني لست جزءاً من شعب إسرائيل، إسرائيل التي تعتبر القيم الأساسية وقدسية الحياة والإنسانية مسائل أثرية، تعود إلى فترة أخلاق انقضى زمنها. الآن عصر الـ “أنت انتخبتنا”، التفوق اليهودي، أنا والآخر لا شيء، الفاشية، العسكرتارية، الحكم المسيحاني، عصر الغطرسة والفظاظة وسحق القانون، الذي لم أولد له ولم أعد أجد فيه مكاني. هويتي كإسرائيلية فخورة وكيهودية آخذة في الطمس، وتمسكي بها يهتز. يمكنني أن أصرخ “أنقذونا”.
——————————————–
هآرتس 29/10/2024
كيف ومتى أصبحت إبادة الفلسطينيين شرعية لدى “إسرائيل”؟
بقلم: مايا روزنفيلد
عندما تكون الأداة الرئيسية للحرب هي القصف الجوي، وعندما تقصف الطائرات بلا توقف سكاناً محاصرين ولا يمتلكون وسائل دفاع، فلا يمكن أن تكون النتيجة سوى الإبادة الجماعية والدمار الشامل.
صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تنشر مقالاً للباحثة الإسرائيلية، مايا روزنفيلد، تحدثت فيه عن الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وكيف ومتى أصبحت أمراً شرعياً لدى الإسرائيليين.
مع بداية الشهر الثالث عشر من الحرب، تجاوز عدد القتلى في قطاع غزة حاجز 41 ألفاً. ووفق التقديرات المستندة إلى البيانات التي تم جمعها حتى الآن، يُعتقد أن ثلث القتلى هم من الأطفال، لكن عددهم الدقيق غير معروف، وحتى 31 آب/أغسطس، تم التعرف إلى 34,344 ضحية، 11,355 منهم أطفال، أي نسبتهم 33.08%.
البيانات، على الرغم من أنها لا تستطيع الكلام، فإنها تصرخ إلى السماء صرخة تهز أركان الوجود، كالبيانات التي تتحدث عن مقتل 11,355 طفلاً فلسطينياً في القطاع خلال الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و31 آب/أغسطس 2024. ومن أجل قتل عدد كبير من الأطفال، يتطلب الأمر استخدام وسائل قاتلة بشكل شبه مستمر، وبوتيرة عالية جداً، ضد السكان المدنيين.
كل إنسان عاش أو تعلم عن فظائع القرن العشرين يعرف أنّ الإبادة الجماعية للسكان المدنيين هي جريمة ضد الإنسانية وانتهاك خطير للقوانين الدولية، اولتي أُنشئت لحماية الضعفاء ومنع الانزلاق إلى أسوأ ما يمكن.
ومع كل نقاط ضعفها وإخفاقاتها، تمكّنت المؤسسات الدولية، التي أُقيمت تحت مظلة الأمم المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية لضمان عدم “حدوث شيء من هذا القبيل مرة أخرى”، من خلال غرس الوعي في أجزاء واسعة من البشرية بأنّ الإبادة الجماعية للمدنيين، وخصوصاً الأطفال، هو “تابو”.
لكن هذا الأمر ليس كذلك في “إسرائيل” عام 2023 – 2024، لأن هنا يتم استنثناء قطاع غزة من هذا “التابو”. إنّ معظم الإسرائيليين يرون أنّه مسموح قتل الغزيين، والغياب شبه التام للتطرق إلى الإبادة الجماعية في الاحتجاجات العامة ضد الحكومة منذ 7 أكتوبر، دليل على رفع “التابو”. لو لم تكن الإبادة الجماعية لغزة شرعية، لما استمرت.
إنّ قيمة حياة الفلسطينيين في تدنٍّ مستمر لدى الإسرائيليين، وسكاّن قطاع غزة والضفة الغربية يقبعون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدى عقود، استخدمت “إسرائيل” القوة العسكرية بشكل منهجي، والقانون العسكري والقضاء العسكري، من أجل نزع ملكية الفلسطينيين من أراضيهم، ونهب المساحات والموارد من أرضهم، وحصرهم في “مناطق سكن” صغيرة خلف الأسوار، والجدران، والحواجز، ومنعهم من كسب رزقهم والعيش من عملهم، وسلبهم الحياة الاجتماعية والسياسية العامة الحرة، وإحباط إقامة استقلالهم ومؤسساتهم الوطنية.
تسارعت عملية خفض قيمة حياة الفلسطينيين هذه بشكل أكبر في العقود الأخيرة، في ظل تجاهل “إسرائيل” التام للسلام القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. أسست الفكرة القائلة إنّه يمكن الاستمرار في احتلال الأراضي المحتلة إلى الأبد من خلال استخدام القوة العسكرية جيشاً تتمثل مهارة قياداته وجنوده الأساسية بالسيطرة على الأراضي المحتلة وسكانها وإخضاع جميع أشكال المقاومة الفلسطينية. إنّ تنفيذ هذه المهمة على مدى فترة طويلة استدعى تصعيد الجيش للعنف الذي يمارسه، وزيادة عدد الفلسطينيين الذين يتعرضون للأذى منه.
تبرير الإبادة الجماعية للفلسطينيين بحجة أنّها “ضرورة لا يلام عليها”، انزلق بسهولة في بلعوم الجمهور، والدليل هو غياب احتجاجات ذات مغزى ضد الهجمات الإسرائيلية خلال عملية “الجرف الصامد” في صيف 2014، حيث قتل الجيش الإسرائيلي 2,202 من سكان غزة، بينهم 526 طفلاً.
ومع ذلك، على رغم أنه يمكن اعتبار نمط العمل العسكري في تلك الهجمات وشرعيتها العامة بمثابة “تمهيد” لما يحدث الآن في الحرب على غزة، فإنّ الفوارق كبيرة بين الأمرين. لقد تم إيقاف عملية “الجرف الصامد” بعد 55 يوماً بسبب الضغوط الخارجية، التي في نهايتها أُجبرت “إسرائيل” على قبول صيغة لوقف إطلاق النار مع حماس. وألحق هذا الهجوم خسائر ودماراً غير مسبوقين مقارنة بالهجمات السابقة، لكنه لم يتحول إلى حرب تدمير شاملة.
إنّ القتل الجماعي والدمار في غزة هما جزء من استراتيجية تهدف إلى إحباط إمكان التوصل إلى حل سياسي من خلال تحويل الفلسطينيين إلى رعاع.
وعندما تكون الأداة الرئيسة للحرب هي القصف الجوي، وعندما تقصف الطائرات بلا توقف سكاناً محاصَرين ولا يمتلكون وسائل دفاع، فلا يمكن أن تكون النتيجة سوى الإبادة الجماعية والدمار الشامل. ولم يكن الهجوم على قطاع غزّة يوماً دفاعاً عن النفس.
——————————————–
على الغرب كبح جماح نتنياهو قبل أن يطارده شبح أفعاله
بقلم: هيئة تحرير الصحيفة
هيئة تحرير صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تنشر مقالاً تقول فيه إنّه يجب على الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، كبح جماح نتنياهو، ووقف شحنات الأسلحة إلى “إسرائيل”، قبل أنّ يطارده الدمار، والمعاناة في الشرق الأوسط سوف تعود لتطارد الغرب.
بعد أن استطاعت “إسرائيل” اغتيال مجموعة من قادة الصفّ الأوّل في حركة حماس، أعتقد على نطاق واسع أن يشكّل هذا نقطة تحوّل في الحملة الإسرائيلية العنيفة مُنذ أكثر من عام على الفلسطينيين في غزّة. لقد غاب يحيى السنوار المهندس الشرس لعملية “طوفان الأقصى”، والذي كان هدفاً إسرائيلياً رئيسياً في هذه الحرب، ما يتيح لنتنياهو لو أراد إعلان انتصاره العسكري وإنهاء الحرب، لكنّه فعل العكس تماماً وهو مُستمرّ بهجومه وتعميق الكارثة على الفلسطينيين المحاصرين وسط الدمار الشامل، وإطالة أمد الحرب ومعاناة عائلات الأسرى الإسرائيليين كذلك.
لقد كانت المشاهد في شمال غزّة على مدى الأسبوع الماضي مروّعة. إذ قتل العشرات من الضحايا المدنيين في الأيّام التي تلت اغتيال السنوار، وارتفع عدد الشهداء إلى 43 ألف فلسطيني مُعظمهم من الأطفال والنساء. وأجبر الآلاف على ترك منازلهم. حتّى إنّ الولايات المتحدة اتّخذت خطوة غير مسبوقة محذّرة “إسرائيل” من أنّها ستعلّق مبيعات الأسلحة لها إذا لم تفعل المزيد لتخفيف الكارثة الإنسانية المتكشّفة. كذلك، صعّدت “إسرائيل” من هجومها على لبنان، بالقصف الوحشي الذي تسبّب في دمار كبير في المباني السكنية في كلّ أنحاء المدن اللبنانية حيث دمرت قنابلها المباني، بينما يواصل رجال المقاومة اللبنانية التصدّي بنجاح محاولات الغزو الإسرائيلي في جنوب البلاد.
لا شك في أنّ “إسرائيل” متورّطة في حروب لا نهاية لها على جبهات متعدّدة. وبنيامين نتنياهو لا يزال يراهن على أنّه مع تركيز إدارة بايدن على الانتخابات الأميركية، لديه فرصة لاستمرار حروبه متجاهلاً الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار في غزّة أو مع لبنان. ومن المرجّح أن يحسب أنّ فوز دونالد ترامب، الذي منح نتنياهو خلال ولايته الأولى سلّة واسعة من السياسات الداعمة لـ “إسرائيل”، سيمنحه مجدّداً ترخيصاً أكبر للمزيد من الجرائم الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين واللبنانيين.
مع ذلك، يبدو أنّ إدارة بايدن ترقص على إيقاع جرائم نتنياهو، وتتّخذ مواقف متناقضة، فعلى الرغم من دعوتها إلى وقف إطلاق النار في لبنان في لحظة ما، فإنّها تدعم هدف “إسرائيل” المتمثّل في تدمير قوّة حزب الله في الوقت عينه. وهذا لا يخدم استقرار الشرق الأوسط، أو حتّى المصالح الأمنية الإسرائيلية على المدى الطويل. فمن الممكن قصف حماس وحزب الله، لكنّهما لن يختفيا. ويُعْتقد أنّ العديد من مقاتلي المقاومة الفلسطينية هم أبناء أيتام لضحايا سقطوا في الصراعات السابقة، حيث تفرز الاعتداءات الإسرائيلية، أجيالاً جديدة من مُقاومي الاحتلال. وعندما يغتال أحد القادة، سيتولّى آخر زمام الأمور بسرعة، وحين تضعف القدرة العسكرية لمجموعة ما، فإنّها تعود إلى تكتيكات حرب العصابات. والتاريخ العسكري عموماً لكلّ قوّة احتلال، بما في ذلك تجارب “إسرائيل” السابقة في لبنان مليئة بحماقات التوسّع في المهامّ، حيث تتورّطُ جُيوش الاحتلال المتفوّقة تقنيّاً في مواجهة المقاومة التي ستجبرها في النهاية على المغادرة.
يتعيّنُ على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يُنهي دورة الموت والدمار التي يقودها بنيامين نتنياهو مُنذ أكثر من عام، ما يُهدّد باندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، وهو خطر يتزايد يوماً بعد يوم. ومن مصلحة الغرب الضغط على نتنياهو للتراجع عن عدوانه، فالصراع الإقليمي الشامل يهدّد بجرّ القوّات الأميركية إلى حرب مع إيران وحلفائها، ما من شأنه أن يعرض البنية الأساسية النفطية في الخليج للخطر، ويهدّد بمزيد من التعطيل للشحن عبر طرق التجارة الحيوية.
يملك بايدن الأدوات اللازمة لكبح جماح نتنياهو. ويتعيّن عليه أن يوقف مبيعات الأسلحة الهجومية إلى “إسرائيل”، خصوصاً تلك التي تُدمّر غزّة ولبنان بلا هوادة. ويمكنه أن يفعل ذلك من دون انتهاك التزام واشنطن بالدفاع عن “إسرائيل”، بما في ذلك توفير أنظمة الدفاع الجوّي. ولكنّ رسالة بايدن يجب أن تكون واضحة، يجب أن يتوقّف القصف وأن يبدأ اليوم التالي. إن لم يحدث هذا، فإنّ الدمار والمعاناة في الشرق الأوسط سوف يعودان ليطاردا الغرب.
——————انتهت النشرة——————