المسار الاخباري: رولا حسنين، صحافية فلسطينية شابة، تجد نفسها اليوم خلف أسوار الاعتقال، في وقتٍ تحتاج فيه طفلتها المولودة قبل أوانها لحليبها كي تنمو وتعيش، طفلة رولا لا تعرف حتى الآن وجه أمها في ظل قسوة شرسة لا تحتمل.
فجر التاسع عشر من مارس/ آذار الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال منزل رولا في قرية المعصرة جنوب بيت لحم، صادرت حاسوبها وهواتفها، ثم أخبرتها بأنها قيد الاعتقال.
وجهت سلطات الاحتلال للصحفية “حسنين” تهمة “التحريض”، التي باتت تلصق بأي قلم يوثق لحظات الفلسطينيين، لتصبح رولا واحدة من بين أربع صحافيات معتقلات حاليًا في الضفة الغربية.
قبل اعتقالها، أصرّت رولا على المقاومة بالقلم والكلمة، تابعت رسالتها الصحافية في توثيق المعاناة، حتى باتت حريتها أسيرة اتهاماتٍ بالتحريض، لتصبح واحدةً من بين الصحافيات الفلسطينيات اللواتي أضحت أقلامهن تثير خشية الاحتلال.
ومع استمرار التصعيد في قطاع غزة، تتزايد حملات الاعتقال التي طالت عشرات الصحافيين، بينما يجثم الخطر على حياة من بقي في الميدان؛ فالحرب على الكلمة لا تهدأ، وأقلام الشهداء تظل شاهدة على إصرارٍ لا يندثر.
“قيدوا يديها وقالوا: هذا لا يهمنا”..
تقول شقيقية الصحفية رولا حسنين “هديل”، وهي تعبّر بحزنٍ عميق: “اعتُقلت رولا في التاسع عشر من شهر مارس لعام 2024، وهي الآن خلف القضبان لأكثر من 7 أشهر”.
وتُضيف: “كانت لحظات الاعتقال مأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فقد كانت طفلتها إيلياء، التي وُلدت ولادة مبكرة، في عمر 9 أشهر، ولكن نموها وتأقلمها كان متأخرًا، وكأنها لم تتجاوز الـ 6 أشهر.”
وتعبر “هديل” لـ “وكالة سند للأنباء” عن ألمها قائلة: “كانت حالتها الصحية تتطلب عناية خاصة، ولكن للأسف، رفض جنود الاحتلال السماح لرولا بأخذ طفلتها معها. كان عليها اتخاذ القرار الصعب: هل تترك طفلتها مع والدها، أم تأخذها إلى المجهول؟”.
وتتابع بنبرةٍ من القهر والأسى: “عند اقتحام البيت، حذّرنا الجنود من وجود طفل رضيع في المنزل، طفل خداج بحاجة ماسة إلى أمه، ولكنهم بكل قسوة قالوا: هذا لا يهمنا. أمر الضابط بتنفيذ الاعتقال، فقاموا بتقييد يديها وتعصيب عينيها، واقتادوها إلى المركبة.”
وتتحدث عن حياة رولا المهنية وما يعنيه اعتقالها: “رولا خريجة جامعة بيرزيت، حصلت على البكالوريوس في الصحافة والإعلام، ثم أتمت الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من الجامعة ذاتها”.
وأردفت: “جامعة بيرزيت كانت دائماً منبراً للحرية والتعبير عن الرأي، ومجالاً حراً للإبداع. وقد عملت رولا في الصحافة 9 سنوات متواصلة، في مؤسسات متعددة، إضافة إلى عملها المستقل، وكانت ناشطة وفعالة، وعضواً في نقابة الصحفيين.”
ثم تتوقف لبرهة، قبل أن تضيف بمرارة: “سبب اعتقالها كان عملها الصحفي، إذ وُجهت لها تهم بالتحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
ونبهت: “للأسف، الصحفيون يُعتقلون ويُنكّل بهم لأنهم الواجهة الحقيقية لكشف حقيقة الاحتلال، حتى خلال المحاكمات والزيارات لا يتم احترام حقوقهم كأسرى.”
وتتابع وهي تروي مأساة الطفلة إيلياء: “كانت رولا تتعامل مع إيلياء بحساسية كبيرة، فوضعها الصحي كان صعباً بسبب نقص المناعة منذ ولادتها المبكرة”.
وتوضح: “عانت إيلياء من مضاعفات صحية كبيرة، بما في ذلك تسمم الدم، وظلت في الحاضنة لمدة 40 يوماً، بينما كانت رولا تحاول حمايتها من أي ميكروبات قد تهدد حياتها”.
ولفتت هديل النظر: “بعد اعتقال رولا، أُصيبت إيلياء بجفاف شديد بسبب انقطاع الرضاعة الطبيعية، مما اضطر والدها إلى إدخالها المستشفى لتغذيتها عبر الوريد.”
وتواصل بصوت خافت، مشيرة إلى معاناة الطفلة: “تعاني إيلياء من مشاكل صحية مستمرة، إذ يُجهدها أي نسمة هواء أو فيروس، وتصاب بإرهاق وخمول شديدين. الأطباء أكدوا أن وجود الأم بجانب طفلتها هو الضمان الأهم لتحسنها، ولكن للأسف، رولا ليست هنا لتشاركها في هذا العناء.”
ظروف الاعتقال..
وتقول عن ظروف اعتقال رولا: “قبل الاعتقال، كانت تعاني من مرض كلوي مزمن منذ عام 2017، وتفاقمت حالتها خلال فترة حملها. كانت تتابع حالتها الصحية بعناية، وتأخذ الأدوية اللازمة”.
وبيّنت: “ولكن بعد الاعتقال تدهورت حالتها بشكل كبير، حيث تعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم، ونعلم فقط أنها أُعطيت دواءً، ولكن لا نعلم ما إذا كان يناسب حالتها.”
وفي سرد مؤلمٍ، تضيف: “منذ بداية حرب أكتوبر لم يسمحوا لنا بزيارة رولا، والمحامي هو الرابط الوحيد بيننا وبينها، وزياراته تُراقَب بشكل صارم. حتى الخصوصية بين المحامي ورولا لا تُحترم، فهم يقتحمون غرفة الزيارة باستمرار، في محاولة لقطع التواصل.”
وتختتم بنبرة من الحسرة: “رولا بالنسبة لنا ليست مجرد صحفية، بل هي أخت وصديقة وابنة وزوجة وأم عزيزة. كانت دائماً تضع نفسها في خطر لنقل الخبر، حتى أصبحت هي الخبر المؤلم الذي نرويه. اعتقالها مأساة لم تتوقف عندها وحدها؛ بل تجاوزت لتشمل طفلتها ووالدتها التي تعاني هي الأخرى من أمراض مزمنة.”