انتهاكات الاحتلالتقارير ودراسات

تهويد الأغوار: الاحتلال يُسرّع وتيرة التهجير والمصادرة ضمن مخطط ضم صامت

المسار الإخباري | تقارير خاصة

إعداد: شبكة المسار الإخباري

تُظهر الوقائع الميدانية في منطقة الأغوار الفلسطينية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمضي قدمًا في تنفيذ خطة تهويد شاملة، تستهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين مكانهم، عبر سياسة مركبة تشمل مصادرة الأراضي، هدم المنازل، التحكم بالموارد الطبيعية، والتوسع الاستيطاني المُمنهج. ما يجري ليس مجرد انتهاك حقوق، بل إعادة رسم جغرافيا وتاريخ لمصلحة مشروع استعماري طويل الأمد.

أولًا: الأغوار – الموقع والدلالة

تشكل منطقة الأغوار ما نسبته 30% من مساحة الضفة الغربية، وتُعد من أكثر المناطق خصوبة ووفرة في المياه، وتُطل على الحدود الشرقية مع الأردن، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية قصوى. لهذا السبب، وضعتها إسرائيل في صُلب مخططاتها للضم منذ بداية الاحتلال عام 1967، واعتبرتها “الحدود الأمنية الشرقية” لدولتها.

ثانيًا: مصادرة الأراضي – تشتيت الوجود الفلسطيني

تشير البيانات الرسمية إلى أن سلطات الاحتلال صادرت أكثر من 1.3 مليون دونم من أراضي الأغوار منذ عام 1967، وهي أراضٍ كانت تستخدم للزراعة والرعي والسكن. وقد شهد عام 2024 وحده تصعيدًا خطيرًا، حيث تمت مصادرة 52 ألف دونم، بينها 8,734 دونمًا في محافظة طوباس، وهي من أكثر المناطق استهدافًا بالمصادرة والهدم.

هذه المصادرات لا تُعلن غالبًا كأوامر عسكرية، بل تُموّه بقرارات “إعلان محميات طبيعية” أو “مناطق تدريب عسكري”، وهي ذرائع قانونية يستخدمها الاحتلال لطرد السكان دون اللجوء إلى المحاكم.

ثالثًا: التهجير القسري وهدم التجمعات – إفراغ الأرض من أصحابها

سياسة المصادرة ترتبط مباشرة بعمليات الهدم والتهجير، التي تستهدف كسر صمود الفلسطينيين في الأغوار. فقد أظهرت معطيات حقوقية:

تهجير أكثر من 50 ألف فلسطيني منذ عام 1967.

هدم 698 وحدة سكنية بين عامي 2006 و2017، ما أدى إلى تشريد 2,948 فلسطينيًا، بينهم 1,334 طفلًا.

هذه السياسات تُطبق على مراحل، تبدأ بالمنع من البناء، يليها التضييق المعيشي، ثم الهدم بحجة عدم الترخيص، رغم أن الترخيص ممنوع أصلًا على الفلسطينيين.

رابعًا: الحرب على المياه – تجفيف صمود الفلسطيني

إلى جانب الأرض، تُشكل المياه سلاحًا رئيسيًا بيد الاحتلال لإضعاف المجتمع الفلسطيني. إسرائيل تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مياه نهر الأردن، وتستولي سنويًا على 250 مليون متر مكعب، تُحوّل للمستوطنات في الأغوار والداخل المحتل، بينما ترفض السماح للفلسطينيين بحفر أو صيانة الآبار الجوفية.

يؤثر ذلك بشكل مباشر على الزراعة، التي تُعد مصدر رزق أساسي لسكان الأغوار، حيث تُجبر العائلات على تقليص الإنتاج أو الهجرة بحثًا عن بدائل للعيش.

خامسًا: التوسع الاستيطاني – فرض واقع جديد

يعيش في الأغوار اليوم أكثر من 13,000 مستوطن إسرائيلي ضمن 38 مستوطنة، بينما يبلغ عدد الفلسطينيين حوالي 65,000 نسمة موزعين على 34 تجمعًا بدويًا وزراعيًا. الفجوة لا تتعلق فقط بالعدد، بل بالخدمات، والبنى التحتية، وشبكات المياه والكهرباء، التي تُخصص للمستوطنين فقط.

تخطط إسرائيل لإنشاء 3 مستوطنات جديدة توفر نحو 9,500 وحدة سكنية، ما يُنذر بتغيير ديموغرافي واسع يُرسّخ السيطرة الكاملة على المنطقة.

سادسًا: سياق سياسي – ضم تدريجي على الأرض

ما يجري في الأغوار لا يمكن فصله عن مشروع الضم الذي أعلنت عنه حكومة الاحتلال في أكثر من مناسبة. فبدلًا من الضم القانوني الرسمي، تنفّذ إسرائيل “ضمًا فعليًا صامتًا” عبر خلق حقائق على الأرض: تهجير الفلسطينيين، فرض السيادة الإدارية على الأرض، وربط المستوطنات بشبكة بنى تحتية إسرائيلية، ما يجعل عودة السيادة الفلسطينية على هذه الأرض شبه مستحيلة دون تدخل دولي حاسم.

وفي النهايه

الأغوار اليوم تقف في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة المجتمع الدولي في منع التهجير .القسري ووقف الاستيطان غير القانوني. المعطيات الميدانية تُثبت أن الاحتلال يسابق الزمن لفرض أمر واقع على الأرض، فيما تبقى السياسات الدولية في غالبها بيانات شجب دون فعل.