أهم الاخبارالصحافة العبرية

الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 21/2/2025

خطة وواقع

بقلم: عاموس هرئيلِ

في القطار الافعواني العاطفي الذي يمر على الجمهور الإسرائيلي منذ المذبحة في 7 أكتوبر، سجلت أمس نقطة حضيض قاسية بشكل خاص، مع إعادة جثامين ثلاثة من أبناء كيبوتس نير عوز، الطفلين اريئيل وكفير بيباس، والعضو المخضرم من أبناء الجيل المؤسس عوديد لايفشيتس. أمس تبين بشكل مأساوي أن جثة أخرى اعادتها حماس ليست جثة الام شيري بيباس. من فحص للطب الشرعي الذي جرى في إسرائيل اظهر أن الطفلين قتلا على يد آسريهم. الاحداث القاسية ما زالت تضع محل تساؤل نقطة الذروة المخطط لها في الغد، إعادة ستة مخطوفين احياء من اسر حماس في قطاع غزة.

لكن في الوقت الذي فيه كل الشعب منفطر القلب ولكنه ما زال يتنفس وهو يتابع الدراما وكأنها اخذت من لعبة واقع ساخرة وقاتلة، فان الحكومة تتصرف كالعادة. الفترة الأخيرة خصصها رئيس الحكومة وأعضاء الائتلاف لادانة رؤساء جهاز الامن، والتطاول على أعضاء الكيبوتسات الذين ذبح اصدقاءهم وأبناء عائلاتهم في المذبحة، وسرقة الخزينة العامة، وبالطبع بسن سريع لقوانين الانقلاب النظامي.

لا يقل عن ذلك فظاعة: اذا كان الامر مرهون بنتنياهو وشركائه المتطرفين في اليمين فانه في الأسبوع القادم، عند انتهاء المرحلة الأولى في الصفقة، بإعادة أربعة جثامين أخرى للمخطوفين، سيتم تمهيد الطريق لاستئناف الحرب في غزة. في هذه المرة، كما يعدون، بدون كابح. لا توجد أمم متحدة أو أي محكمة في لاهاي ستقول لنا ماذا يجب علينا أن نفعله. عندما يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلف إسرائيل ويسمح لها باغلاق الموضوع كما تشاء. سلسلة التفجيرات للحافلات الفارغة في بات يم أمس، التي اعادت ذكريات مؤلمة في فترة الانتفاضة الثانية، يتوقع أن ترفع نسبة التوتر. الجيش الإسرائيلي عزز أمس قواته في الضفة الغربية بثلاث كتائب، ويتوقع أن يكون هناك ضغط متزايد على الحكومة لتوسيع عملية الهجوم في السامرة. 

إعادة الجثامين هي الدليل على فشل الدولة ومؤسساتها الفظيع، في البداية اهمال السكان ومواجهة المذبحة، وبعد ذلك في التواجد الزائد حول انضاج الاتصالات لعقد الصفقة. كرميت بالتي كتسير، ابنة نير عوز، التي كان والدها وامها وشقيقها العاد من بين قتلى المذبحة، احسنت أمس وصف القلق في مقابلة مع ايلانا ديان في “صوت الجيش”. مشهد التوابيت، قالت، يمكن أن يستغل لتطوير مشاعر الانتقام لدى الجمهور الإسرائيلي بهدف استخدام ذلك لافشال الصفقة. لقد كان من الأفضل، اقترحت كرميت، لو أن نتنياهو استثمر الموارد في استكمال الصفقة، وفي الطريق قام بزيارة نير عوز، ونظر مباشرة في عيون سكان نير عوز واعتذر. مشكوك فيه أن يحدث ذلك في الفترة القريبة. 

ما يريده ترامب حقا يصعب فهمه حتى الآن. هذا يتغير بين يوم ويوم ومن تصريح الى تغريدة. ولكن على الأقل من تصريحات مبعوثه في المنطقة، ستيف ويتكوف، تظهر لنا صورة مختلفة. المبعوث الأمريكي، الذي هو مقرب جدا من الرئيس، يواصل في بث رغبة قوية لتطبيق المرحلة الثانية في الاتفاق وإعادة جميع المخطوفين. خلافا للواقع الذي ساد في فترة الرئيس السابق جو بايدن، يبدو أن الإدارة الامريكية الجديدة يمكنها فرض موقفها على الطرفين. نتنياهو في الواقع يتصرف وكأنه واثق من دعم ترامب، لكن اذا تابعنا السرعة التي يلقي فيها الرئيس أوكرانيا تحت إطارات الحافلة على خلفية الحرب، فربما أن الثقة بالنفس التي يظهرها رئيس الحكومة ستكون مبالغ فيها قليلا. 

استكمال تحرير المخطوفين الاحياء في المرحلة الأولى، المخطط له في الغد، تم تحقيقه بفضل مرونة مواقف حماس بضغط من دول الوساطة. حماس أيضا أعلنت أنه يمكنها تبكير المرحلة الثانية وإعادة جميع المخطوفين الاحياء المشمولين فيها في دفعة واحدة. مقابل توحيد الدفعات في المرحلة الأولى تم ادخال معدات هندسية وكرفانات وخيام الى قطاع غزة. ربما أنه أعطيت أيضا لحماس ضمانات لتنفيذ المرحلة الثانية. وحتى التنفيذ السريع للمرحلة الثانية ما زال مرهون بالاستجابة لطلبات حماس الاصلية، على رأسها انسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع والبدء في إعادة الاعمار، في الوقت الذي تسعى فيه حماس للبقاء كشريكة في السيطرة على القطاع.

من ناحية نتنياهو ومؤيديه في اليمين يوجد هنا حبة دواء يصعب ابتلاعها، تحرير جماعي للمزيد من السجناء الأمنيين، الذين عدد كبير منهم قتلة ومحكوم عليهم بالمؤبدات، واخلاء محور فيلادلفيا وتعهد فعلي بانهاء الحرب. في هذا السيناريو يجب على نتنياهو ضمان لقاعدته السياسية أن الاتفاق هو مؤقت، وأنه في القريب سيجد ذريعة من اجل استئناف الحرب، بعد ارتكاب حماس لأول خطأ لها. حتى ذلك الحين رئيس الحكومة سيتعهد بعدم إعادة الاعمار في القطاع طالما أنه لم يتم نزع السلاح منه. في نفس الوقت سيحاول تعويض اليمين المتطرف من خلال تسريع سن قوانين الانقلاب النظامي، وربما عملية ضم في الضفة الغربية.

ترامب يواصل التذكير بين حين وآخر بخطة الهجرة “الطوعية” التي طرحها على سكان قطاع غزة، لكن مستوى جدية الإدارة الامريكية فيما يتعلق بنية تطبيقها، غير واضح. نتنياهو يحرص على التلويح بالخطة كدليل على أنه في القريب سيكون بالإمكان تطبيق طموحات اليمين الإسرائيلي في غزة (الحرب محت ما تبقى من التمييز بين اليمين المتطرف واليمين الأكثر رسمية). استفزاز وتحريض ترامب حقق حتى الآن شيء واحد وهو أنه اجبر الدول العربية على التعامل بجدية مع الازمة في القطاع، وعرض حلول خاصة بها. للمرة الأولى يبدو أنه تتبلور خطة مصرية بديلة بدعم من دول الخليج. 

الخطة تتحدث عن تقليص دور حماس في الحكم في القطاع، وإدخال السلطة الفلسطينية بغطاء “حكومة التكنوقراط” وتقديم مساعدات دولية كبيرة لتطبيق القانون والنظام، في الوقت الذي ستبدأ فيه جهود إعادة الاعمار المتوقعة خلال عقد على الأقل، بتكلفة مئات مليارات الدولارات. يبدو أن الخطة ستطرح في قمة الجامعة العربية التي ستعقد في القاهرة في بداية الشهر القادم.

مع ذلك، الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة والمتسامحة اكثر مع نتنياهو، تظهر أيضا أمر آخر وهو أن الأغلبية الساحقة في الجمهور توجد لها مواقف تخالف مواقف الائتلاف في ثلاث قضايا رئيسية: استكمال الصفقة حتى بثمن باهظ، اجراء الانتخابات وتشكل لجنة تحقيق رسمية. نتننياهو سيضطر الى الى شن حرب ضروس ضد رغبة الشعب، التي تعارض أهدافه. واذا ارتكب أي خطأ مثل الافشال المتعمد للمرحلة الثانية فربما سيطلق العنان أخيرا للغضب الشعبي المتراكم منذ 7 أكتوبر.

——————————————-

هآرتس 21/2/2025

اذا كانت الأغلبية الصامتة في غزة تريد السلام، ألا نمد لها يدنا

بقلم: كارولينا ليندسمان

خلافا للرأي السائد في إسرائيل الذي يقول بأنه لا يوجد أبرياء في غزة، فان “خطة” دونالد ترامب لتنفيذ تهجير لمليون ونصف غزي تفترض أنه باستثناء حماس فان الغزيين يريدون العيش بسلام. “يجب حدوث شيء ما”، قال ترامب على مدخل طائرة سلاح الجو رقم 1، “لكن هذه وبحق منطقة مدمرة في الوقت الحالي. تقريبا كل شيء مدمر والناس يموتون هناك. أنا افضل التدخل في عدد من الدول العربية وبناء مساكن في أماكن أخرى، التي اعتقد أنه يمكنهم العيش فيها بسلام من اجل التغيير”. العيش بسلام من اجل التغيير!.

يتبين أن بنيامين نتنياهو أيضا يؤمن باحتمالية عقد السلام مع الفلسطينيين، كما يتبين من نظرته الإيجابية لفكرة ترامب، حتى لو كانت بمعنى مع السلامة وليس الى اللقاء. “الفكرة الجيدة الأولى التي سمعتها، هي فكرة رائعة. يجب فحصها وتنفيذها. هي ستخلق مستقبل مختلف للجميع”، قال نتنياهو في مقابلة مع “فوكس نيوز”، “مستقبل مختلف للجميع”!. في يوم الاحد، في لجنة رؤساء المنظمات اليهودية الكبيرة في الولايات المتحدة، تمسك نتنياهو بهذا الخط. “لماذا لا نعطي للغزيين أن يختاروا؟ جميعهم قالوا إن هذا هو السجن الأكبر في العالم المفتوح. هذا ليس بسببنا. نحن نسمح للناس بالمغادرة. عمليا، في السنتين الأخيرتين اعتقد أن 150 ألف غزي غادروا. غادروا من هناك بدفع الرشوة من اجل الخروج من غزة… الأثرياء تمكنوا من المغادرة. ولكن اذا أراد الآخرون المغادرة فاسمحوا لهم بالاختيار”. اسمحوا لهم بالاختيار!.

اذا كان تمييز غيدي تاوب بين الثابتين والمتحركين ينطبق على غزة فانه يمكن القول بأن نتنياهو يريد السماح للثابتين الغزيين بالامتياز الذي يوجد للمتحركين الغزيين. وأن يدفع الرشوة لهم في طريقهم الى الخارج. يتبين أن الامر لا يتعلق بحديقة للحيوانات المفترسة التي تتآمر على العودة الى يافا واللد ورمينا في البحر وتدمير دولة إسرائيل، بل بملايين الأشخاص الثابتين الذين ببساطة لا يمكنهم السماح لانفسهم بالاختفاء من هنا. القومية الفلسطينية والصمود الجهادي الاصولي لا يوجد لها علاج – كل ذلك هراءات. يتبين أنه خلافا لهراءات المستشرقين والمحللين للشؤون العربية، فانه لا يجب “التحدث معهم باللغة العربية”، بل تعليمهم اللغة الإنجليزية وتمويل هجرتهم. من هنا فان المنحدر شديد نحو الاسبرسو والسوشي على الشاطيء في بالي. 

حتى بتسلئيل سموتريتش يصمم على التمييز بين الأقلية المتطرفة والاغلبية الصامتة كآخر المتحركين اليساريين الذين هاجروا “طوعا” (هرب الادمغة)، ويقوم بتقديم المواعظ من هارفارد لوقف التطهير العرقي: “بعد 76 سنة فيها معظم سكان غزة تم احتجازهم بالقوة في ظروف قاسية من اجل المحافظة على التطلع لتدمير دولة إسرائيل، فان فكرة مساعدتهم في العثور على أماكن أخرى للبدء في حياة جديدة افضل، هي فكرة مدهشة”. حياة جديدة افضل!.

اذا كان ننتنياهو وشركاءه وملايين الإسرائيليين الذين تم اسرهم بسحر “الفكرة المدهشة”، يعتقدون أن معظم الغزيين سيفضلون الفرصة لحياة افضل خارج غزة على حياة النضال من اجل تدمير إسرائيل مثلما ساد القول هنا عن الفلسطينيين بشكل عام والغزيين بشكل خاص منذ سنوات، واذا كانوا حتى في اليمين المتطرف يعترفون بأن “معظم السكان تم احتجازهم بالقوة” من اجل المحافظة على التوق الذي هم ليسوا شركاء فيه فان السؤال هو: لماذا إسرائيل لا تمد لهم يدها لهذه الأغلبية الصامتة والنازفة، التي تحب الحياة الجديدة والجيدة، للسلام؟ لماذا لم يتم هنا بذل جهود صادقة، مباشرة أو غير مباشرة، سرية أو علنية، دبلوماسية أو إعلانية، من اجل الوصول الى هذه الرغبة للاغلبية في غزة، وعرض عليهم خيار حياة جديدة وجيدة بدون المغادرة؟ أو حسب ترامب، العيش بسلام من اجل التغيير.

 ——————————————

إسرائيل اليوم 21/2/2025

مع العينين على تركيا

بقلم: ايتي الناي

“الاحداث التي وقعت مؤخرا في منطقتنا، ولا سيما في سوريا، تذكرنا بحقيقة هامة: تركيا هي اكبر من تركيا (رجب طيب اردوغان، خطاب في الاكاديمية التركية للعلوم، 18 كانون الأول 2024).

أقوال الرئيس التركي من المجدي أن نقرأها على خلفية حقيقة أن ميزان الرعب بين دولته وبين إسرائيل، اللتين تجري بينهما علاقات حب – كراهية طويلة، تلقت التفافة هامة في اعقاب الحرب الحالية – وبقوة اكبر بعد سقوط نظام الأسد في دمشق وإقامة النظام الجديد برئاسة احمد الشرع الذي يحظى بتأييد طويل السنين من أنقرة. 

تجد هذه الأمور تعبيرها، ضمن أمور أخرى، في توصيات لجنة نيجل التي رفعت لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الشهر الماضي. صحيح أن اللجنة اعدت لفحص ميزانية الدفاع، لكن في تقريرها النهائي تتناول “التهديد التركي” بكلمات قاطعة كالسيف: “إسرائيل قد تجد نفسها امام تهديد جديد ينشأ في سوريا، من نواح معينة سيكون ليس اقل خطورة من السابق”، كتب هناك. “المشكلة ستتفاقم اذا ما أصبحت القوة السورية بشكل عملي فرعا تركيا، كجزء من تحقق حلم تركيا في استعادة المجد العثماني. فوجود رسل تركيا او قوات تركية في سوريا قد يعمق خطر مواجهة تركية – إسرائيلية مباشرة”. 

ينبغي أن نقرأ الكلمات الأخيرة مرة أخرى: لجنة نيجل تحذر رئيس الوزراء من “مواجهة تركية – إسرائيلية مباشرة”، ليس اقل، وتدعوه لان يتبنى “نهجا مختلفا تماما من صفر احتواء” حيال سوريا والا فانها قد تقع كثمرة ناضجة في ايدي قوات جيش اردوغان: “يجب الاخذ بالحسبان بان دخول الجيش التركي الى سوريا من شأنه أن يؤدي الى تسلح سوريا بسرعة عالية نسبيا”، على حد قول التقرير.

“الحلم التركي يستيقظ”

تقرير نيجل هو الاستثناء الذي يدل على القاعدة: حتى الان، تغيير النهج الإسرائيلي تجاه تركيا بقي في أساسه من تحت الرادار. في الساحة السياسية والأمنية في إسرائيل غير معنيين باغضاب الجبار التركي ويتخذون جانب الحذر من المس بكرامته. في الجانب التركي بالمقابل، يفعلون العكس. 

وكأنه لاجل إعادة الريح الى شعلة المخاوف الإسرائيلية – بعد شهر بالضبط من نشر التقرير، في 4 شباط، سافر الرئيس السوري الجديد الى أنقرة، حيث التقى اردوغان في القصر الرئاسي الفاخر. في تقارير وسائل الاعلام حول اللقاء التاريخي، زعم ان الزعيمين قررا البحث في التوقيع على اتفاق دفاع مشترك بين تركيا وسوريا يضمن إقامة قاعدتين جويتين تركيتين في وسط سوريا وتدريب الجيش السوري. في الامريكية يسمون هذا “بساطير على الأرض”.

في قسم الخطابة أيضا يوجد تصعيد متزايد من جانب تركيا وزعيمها. “تركيا يمكنها أن تجتاح إسرائيل، مثلما فعلت في ناغورنو كرباخ وفي ليبيا”، هدد اردوغان في تموز الماضي، في اثناء لقاء رجال حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه. قبل ذلك شبه بين نتنياهو وهتلر وادعى بان الجيش الإسرائيلي يرتكب جرائم ضد الإنسانية في غزة عليها يجب “محاسبة” القيادة الإسرائيلية على حد قوله. وفي المناسبة ذاتها دعا اردوغان الذي يرى نفسه زعيما إقليميا وبقدر ما دينيا أيضا “العالم الإسلامي كله” للتجند للصراع ضد إسرائيل.

فهل نحن بالفعل نقف امام مواجهة تركية – إسرائيلية كما تقول لجنة نيجل؟ هل تحذير اردوغان قد يقع في المستقبل المنظور؟ خبراء في الشؤون التركية تحدثت معهم اسرائيل هذا الأسبوع يقدرون بانه في اعقاب حرب 7 أكتوبر، وما يبدو كضعف المحور الشيعي بقيادة ايران يحتمل بالتأكيد ان تكون إسرائيل تسير نحو عصر جديد، المواجهة العسكرية بينها وبين تركيا تصبح فيه إمكانية عملية. الى هذا ينبغي أن يضاف بالطبع صعود النظام الجديد في دمشق – نظام هو بقدر كبير امتداد لاردوغان سيسمح لتركيا بان تقيم جسرا بريا بينها وبين إسرائيل وتضع قوة عسكرية – بشكل مباشر او غير مباشر – على عتبة بابها تماما. اذا كانت العقود الأخيرة تمثل المواجهة بين إسرائيل وايران، من غير المستبعد أن نكون اليوم على شفا حرب إسرائيلية – تركية. 

“في اللحظة التي تكون فيها للاتراك قدرة على الوصول الينا سيرا على الاقدام، تكون هذه ذات مغزى”، يقول د. حي ايتان كوهن ينروجيك، خبير في الشؤون التركية في مركز دايان في جامعة تل أبيب. “منذ اليوم توجد لتركيا قدرة وصول غير محدودة الى شمال سوريا وهم يتحدثون عن شق طرق، سكك حديد وبنى تحتية في كل ارجاء سوريا في المستقبل. اذا حصل هذا – فمع حلول اليوم، ستكون قدرتهم عهلى تحريك قوات عسكرية في داخل سوريا على مستوى واسع كبيرة جدا. على إسرائيل أن تعمل كل ما في وسعها كي لا تجعل تركيا عدوا نشطا، لان تركيا ليست ايران. هذه دولة اقوى بكثير، مع جيش اكثر تطورا وموقع استراتيجي اهم بكثير من ايران. ليس أحدا ما كنا نريد أن نجد انفسنا في حرب معه”. “حتى الان نجحت إسرائيل وتركيا في الحفاظ على قدر ما من العلاقات الصحيحة بينهما”، تنضم نوعا لزيمي، الباحثة في معهد مسغاف. “حتى بعد اسطول مرمرة في 2010 عرفت الدولتان كيف ترمم العلاقات بينهما. مع ذلك، في الحرب الحالية شدد اردوغان موقفه تجاه إسرائيل، ما يمكنه أن يشهد على استعداده للسير مسافة ابعد مع ايديولوجيته الامبريالية التي تتوافق أيضا مع الراي العام الداخلي في تركيا.  مؤخرا يثبت اردوغان بانه مستعد لان يخاطر بالامور الضرورية لدولته من اجل ايدولوجيا متطرفة. من الجهة الأخرى تركيا عضو في الناتو وتوجد لها مصالح اقتصادية وامنية مع الولايات المتحدة ولهذا فلا اعتقد انه ستكون من الحكمة من جانبه أن يحطم القواعد تجاه إسرائيل في المدى القصير”.

– وماذا بالنسبة للمدى البعيد؟

“ما حصل في سوريا فتح شهية اردوغان. من ناحيته توجد هنا فرصة لتحقيق حلمه العثماني الجديد. ينبغي لنا ان نرى الى أي مسافة سيسير اردوغان وهل سيسير بحلمه بعيدا”.

——————————————

معاريف 21/2/2025

الابن المفضل

بقلم: جاكي خوجي

بينما نغرق نحن الإسرائيليين في دفعات تحرير المخطوفين، تسجل المملكة السعودية إنجازات ونقاط من خلف الكواليس. هذا الأسبوع، بفارق ثلاثة أيام شكل القصر السعودي حلقة هامة في جهود حل الحربين اللتين تشوشان النظام العالمي. 

يوم الاحد هبط في الرياض وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو والتقى بولي العهد محمد بن سلمان. الأمير يتمتع بثقة عميقة في البيت الأبيض منذ ولاية ترامب الأولى في البيت الأبيض. فالرئيس الأمريكي يحب رأسه  التجارية وبشكل طبيعي يرى فيه شخصية مركزية في اعمار القطاع. اما الان فقد أراد أن يستخدم تقربه من فلاديمير بوتين في محاولة لتحقيق حل في أوكرانيا. 

مرت بضعة أيام، وفي يوم الخميس اجتمع في قصره في الرياض الزعماء الاربعة الأهم في العالم العربي. الرئيس المصري، ملك الأردن، رئيس اتحاد الامارات وأمير قطر. اجتمعوا في غرفة المباحثات وحاولوا توضيب الخطة المصرية للحل في غزة. خطتهم مفصلة وكثيرة البنود، وهي معدة لتكون بديلا لخطة ترامب لاخلاء السكان. من ناحيتهم، فكرة ترامب ليست عملية، ولاجل انزاله عن الشجرة، من الواجب طرح بديل جدي عليه. 

جو بايدن فضل قطر، اما ترامب فيفضل السعودية. من الان فصاعدا، في كل سيناريو أو حل مهما كان في منطقتنا، ستلعب الرياض دورا مركزيا. سواء في غزة أم في لبنان أم في سوريا. وربما أيضا في الجهد لحل المشكلة الفلسطينية وتقريب إسرائيل منها. فهذا ليس المال فقط بل كيف يستخدمه السعوديون، وبالطبع تجربتهم الدبلوماسية، والى جانبها قدرة النفوذ. والتفكير بانه يقف على رأسهم ابن امراء لم يصل بعد الى الـ 40 من عمره. 

اسدال ستار

يوم الاحد مددت المحكمة المركزية في تل أبيب امر الطواريء الذي يحظر عمل قناة “الجزيرة” في إسرائيل. طاقم المحطة لا يسمح له بالعمل هنا، شاشاتهم سودت برزم من “هوت” و “يس” وامام المتصفحين الإسرائيليين سد الطريق في مواقع الانترنت للقناة. 

كان لنا حظ وكثيرون من مخطوفينا عادوا الى الديار في هذه الأيام، وعند وصولهم رووا شيئا أو اثنين عن وجود “الجزيرة” هناك في القطاع. يتبين أن آسريهم سمحوا لهم مشاهدة بث القناة وهكذا عرفوا بان الجماهير الإسرائيلية يتظاهرون من أجلهم كل أسبوع. ومؤثرة على نحو خاص كانت اقوال عوفر كلدرون الذي روى بانه على مدى سنة اعتقد ان ابنه روتم قتل، الى أن سمع وهو في الاسر بان الابن حي يرزق بل ويشارك في الجهود الجماهيرية لتحرير ابيه. 

وبالفعل، الى أن مُنع الامر عنهم، فان طواقم “الجزيرة” كانت تصل الى ميدان المخطوفين لتقابل أبناء العائلة والمقربين. الصور والاصوات بثت ووصلت الى غزة أيضا. وكان طاقم المحطة يتعرض أحيانا الى الشتائم والتهديدات من الزعران في شوارع تل أبيب، ورغم ذلك الى أن حظر عملها واصلت البث من هناك. ميراف ليشم غونين، ام رومي، هي الأخرى دعيت الى استديو المحطة وأجرت مواجهة بالبث الحي والمباشر مع كبير حماس زاهر جبارين. بشجاعة جمة روت لمشاهدي المحطة من هم “ابطال” حماس أولئك الذين اختطفوا ابنتها وقتلوا رفاقها عندما كانوا يلهون. 

جاء القانون الذي حظر عملهم في إسرائيل ولم يسمح لهم بان يزوروا ميدان المخطوفين أو يجروا المقابلات مع أبناء العائلات. ويتبين من ذلك أن ما كان يحصل عليه المخطوفون من الاكسجين الامر الذي كان يعطيهم قوة في الظلام ان لم يكن معرفة بان جموع أبناء شعبهم يريدون تحررهم ويقاتلون في سبيله قد حرموا منه. 

تشهد على ذلك ما قاله المخطوف اوهد بن عامي. فقد بث شريط شكر للمتظاهرين الذين تظاهروا من اجل المخطوفين. 

فقد روى يقول: ما يبقيك فوق الأرض، انت ترى أناسا من الشعب يقاتلون في سبيلك. نحن نرى مئات الالاف. نحن نرى انهم وصلوا الى مليون زائد، واو. هذه ليست فقط عائلاتنا. هناك أناس في شعبنا يهمهم امرنا ويريدون ان نعود. واملي مهم لاحد ما”.

من المفاجيء أن نتبين أن أحدا في إسرائيل لم يجرِ هذا الربط ولم يعرف بان القناة المشهر بها هي انبوبا مركزيا لالتقاط رسائل بالنسبة للمخطوفين الذين يذوون في الانفاق. هذا لا يعني أن العقول ليست موجودة. في هذه الحرب تبين أن إسرائيل تعرف كيف تدير قتال معلومات وتغرس رسائل بمهنية كبيرة لدى العدو. 

الناطق العسكري نفسه دانييل هجاري استخدم “الجزيرة” في الأشهر الأولى من الحرب. ظهوره اليومي بث بكامله تقريبا في القناة بالبث الحي والمباشر وبالترجمة الى العبرية. وقد استغل هجاري هذا كي يبث رسائل تهديد ليحيى السنوار ورجاله. على مدى كل الحرب عملت محافل إسرائيلية على أساس يومي في وسائل الاعلام السعودية كي تنشر معلومات تمس باعداء إسرائيل، وعلى رأسهم حزب الله وقد فعلوا هذا بخبرة. 

إذن فان السياسة الإسرائيلية، التي تفهم شيئا أو اثنين في قتال الوعي، منعت مسار تنفس حيوي للمخطوفين. هذا يشبه شخصا تطوع لان يقتلع لنفسه عينا واحدة فقط كي يضمن ان تقتلع لعدوه اللدود اثنتان. 

هذا الأسبوع فكرت بالقاضي شاي ينيف، نائب رئيس المحكمة المركزية في تل ابيب الذي مدد بشهرين أمر اغلاق المحطة. حضرة القاضي درس الطلب واقره بتوقيع يده. على مسافة خطوات من مكان جلوسه يوجد ميدان المخطوفين. في أيام المهرجانات والاجتماعات الاستثنائية يمكن للخطابات اللاذعة ان تسمع حتى في قصر القضاء. قراره هذا مشكوك ان تكون المحكمة حمت حتى ولا إسرائيلي واحد. اما ان تضره فقد اضرته. ليس فقط اضرت المخطوفين التواقين لقطرة تشجيع من البيت بل واضرت حرية التعبير أيضا. من يدريك ان تجند غدا المحكمة إياها كأداة لاسكان وسيلة إعلامية إسرائيلية؟

هربنا من الساحة

قاعدة غير مكتوبة في مهنة الصحافة تقول ان هذا ليس عملا للهواة. فاغلاق بث “الجزيرة” في “هوت” و “يس” او قطعه عن قنوات الانترنت في إسرائيل لم يمس ببث القناة للعالم العربي. هذه الاعمال لم تمس الا بالجمهور الإسرائيلي المعني به. نظريا، لانه يمكن التقاط بث القناة في إسرائيل في وسائل أخرى.  

طاقم المحطة في إسرائيل أيضا، الذي حظر عمله، ليس المشكلة المركزية. فالحديث يدور عن صحافيين هم مواطنون إسرائيليون، يلتزمون بالقانون ويقومون بمهنتهم بمهنية. المضامين الضارة والدعم الواسع من جانب القناة لحماس تأتي ممن تلتقي بهم القناة ومن المراسلين في غزة، بيروت والدوحة. 

توجد سبل للتصدي للاعلام المعادي، اكثر حكمة واقل ثأرية. مثلا ان يوضع امامه جيش من الشارحين اللبقين وحادي اللسان، والى جانبهم خبراء وعي. اما إسرائيل ففضلت صرخة النجدة والهروب. وها هي حتى حصلت على تسويغ قانوني بذلك من حامي حمى. “الجزيرة” ليست فقط محطة تلفزيون. هي حقيقة قائمة. طليعة مركزية في اللعبة الإقليمية. مع لاعب كهذا يجب المواجهة في الملعب وليس في اطرافه. والا فانه سيسجل هدفا في المرمى الذي بلا حارس. 

يوم السبت شاهدنا الدفعة السادسة من تحرير المخطوفين. سديه ديغل حن، ساشا روبنوف ويئير هورن وقفوا على المنصة في دير البلح. وعيون ملايين الإسرائيليين انغرس فيهم بتعثر. كل قنوات الاخبار في إسرائيل اخذت الصور من بث “الجزيرة”. في اللحظة إياها الدامعة، الوطنية التي لا تنسى، كانت القناة القطرية المشهر بها شعلة قبيلة شعب إسرائيل.

——————————————-

هآرتس 21/2/2025 

القانون المناويء للاونروا هو جزء من حرب إسرائيل ضد إقامة دولة فلسطينية

بقلم: مايا روزنفيلد

في الشهر الماضي دخل الى حيز التنفيذ قانون “وقف نشاطات الاونروا في أراضي دولة إسرائيل” الذي تم سنه في الكنيست في 28/10/2024. القانون يتضمن قرارين يكملان بعضهما. الأول يمنع الاونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، من العمل في الأراضي السيادية لإسرائيل، أي أنه يسري على نشاطات الوكالة في شرقي القدس. والثاني يعلن عن وقف علاقات العمل واتصالات إسرائيل مع الوكالة، وإلغاء التزام إسرائيل من العام 1967 بمنح الحماية وحرية الحركة لموظفي الوكالة في المناطق المحتلة.

إسرائيل لا يمكنها منع الوكالة من العمل في الضفة وفي القطاع لأنها خارج أراضيها السيادية. ولكن طالما أنها تواصل السيطرة بالفعل على هذه المناطق وعلى المعابر المؤدية اليها فان وقف علاقات العمل مع الاونروا وحرمان موظفيها من الحماية وحرية الحركة يشبه فرض الشلل شبه المطلق على الوكالة. بدون مصادقة السلطات الإسرائيلية فان الاونروا لا يمكنها استخدام موانيء إسرائيل من اجل نقل المنتجاع الغذائية والأدوية والمعدات الطبية والوقود والمياه في النقاط الحدودية والمعابر الموجودة تحت سيطرة إسرائيل ونقلها الى منشآتها ومؤسساتها في القطاع وفي الضفة. بدون مصادقة الجيش والتنسيق معه فان طواقم الطوارئ التابعة للوكالة والطواقم الطبية والسائقين وموزعي المساعدات والممرضين، جميعهم سيكونون معرضين لخطر دائم على حياتهم.

المبادرة الى وقف نشاطات الوكالة ولدت قبل الحرب في غزة بفترة طويلة. ومصدرها جاء من عداء إسرائيل لهذه المنظمة التي تجسد التزام المجتمع الدولي باللاجئين الفلسطينيين. الحرب وفرت الفرصة للدفع قدما بهذا القانون، والاتهامات التي تقول بأن بعض موظفي الوكالة شاركوا في مذبحة 7 أكتوبر (في كانون الثاني 2024 ادعت إسرائيل بأن لديها دلائل ضد 12 من بين الـ 13 ألف موظف في الوكالة في قطاع غزة)، وفرت لها الذريعة.

القانون تم عرضه كعملية وقائية امام “منظمة معادية لدولة إسرائيل، التي تم ضبطها وهي تتعاون مع منظمات الإرهاب وتشكل خطر على أمن الدولة”، (قال عضو الكنيست يولي ادلشتاين في جلسة الكنيست في 28/10/2023). هذا رغم غياب ادلة على وجود تعاون بين الاونروا كمنظمة وبين حماس، بالتالي، تورط الوكالة بالإرهاب. لجنة تحقيق مستقلة برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة، كاثرين كولونا، التي عينها السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قالت بأن إسرائيل لم تقدم أي ادلة على اتهاماتها.

اذا ما الذي يقف وراء القانون ضد الاونروا؟ لا يمكن الإجابة على ذلك بدون وصف وفهم أولا الكارثة التي ينطوي عليها تطبيق القانون بالنسبة لملايين الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، الذين يعتمدون على المساعدات الطارئة والخدمات الاجتماعية للوكالة. المس الشديد والفوري سيكون لسكان القطاع الذين استمرار بقاءهم في الفترة الأخيرة – بعد النجاة من الـ 15 شهر للقتل الجماعي ومن تدمير  بيئة العيش والتهجير المتكرر والتعطيش والتجويع والامراض – مرهون بقدرة جهات الإغاثة على مواصلة توفير الخدمات التي تنقذ حياتهم.

الاونروا هي منظمة الإغاثة الدولية الاقدم والاكبر والأكثر تجذرا التي تعمل في القطاع، وهي الوحيدة التي توجد لها البنية التحتية الممأسسة والموارد الإنسانية والخبرة، التي تسمح لها بتزويد اعداد كبيرة من السكان خدمات صحية وطبية حيوية ومناطق إيواء ومواد غذائية أساسية حتى في حالات الطوارئ الشديدة والطويلة.

هذا التميز للاونروا ما زال قائما حتى الآن رغم المس المتراكم بقدرتها على تقديم رد على المتضررين من الهجوم الإسرائيلي في القطاع. المس بقدرتها لا ينبع فقط من العدد الكبير للمصابين الذي يشمل تقريبا جميع سكان القطاع، من شدة الاضرار بالارواح وحجم الاضرار والنقص، بل أيضا من أنه في هذه الحرب نشاطات الإنقاذ والمساعدة، والمؤسسات والتنظيمات التي تنفذها، هي أيضا أصبحت هدفا لهجمات الجيش.

حتى بداية كانون الثاني 2025 فان 201 مؤسسة ومنشأة تابعة للوكالة تضررت في عمليات القصف، من بينها عيادات ومراكز مجتمعية ومؤسسات تعليم ومخازن وعشرات المدارس من بين الـ 150 مدرسة، التي تم تحويلها الى مناطق إيواء لمئات آلاف المهجرين. ليس اقل من 745 شخص ماتوا في عمليات القصف اثناء الاحتماء في هذه المناطق، واكثر من 2200 شخص أصيبوا. عشرات الآلاف، يبدو مئات الآلاف، اضطروا الى ترك هذه المناطق المحمية والبحث عن مناطق إيواء بديلة. 262 من موظفي الوكالة قتلوا في عمليات القصف، عدد كبير منهم اثناء تواجدهم في بيوتهم مع عائلاتهم، آخرون اثناء أداء عملهم.

التهجير القسري المتكرر للمواطنين قلص اكثر فاكثر هامش العيش لمليون شخص الذين كان يتم قصفهم، وتركت لهم مساحة تبلغ عشرات الكيلومترات فقط. الجيش قطع الطريق امام الاونروا من اجل الوصول الى المناطق التي طلب من سكانها المغادرة، ومنعت من إيصال الخدمات الى عشرات الآلاف الذين بقوا في أماكنهم رغم أوامر الاخلاء – من بينهم كبار سن ومرضى وأبناء العائلة الذين يعتنون بهم – وعشرات الآلاف الذين عادوا بعد فترة الى ما كان يسمى ذات مرة بيوتهم، على امل التمكن من ترميمها. هذا بدون ذكر العقبات اللانهائية التي وضعتها إسرائيل امام ادخال المساعدات الإنسانية للقطاع بشكل عام، ولمواطنين معينين  فيه بشكل خاص، والعدد الكبير من القيود التي فرضتها على محتويات المساعدات.

ابعاد التخريب والتدمير، والاضرار بمؤسساتها وموظفيها ومنع وصولهم، أجبرت الاونروا على تغيير نمط عملها في حالات الطوارئ. اذا كان تحويل مدارس الوكالة الى أماكن إيواء لمئات الآلاف الذين هربوا خوفا من القصف في الهجمات السابقة هو جوهر المساعدة، وتوزيع المواد الغذائية الأساسية ومساعدة مئات آلاف العائلات، فانه في الحرب الحالية الاونروا اكدت على وصول الخدمات الصحية (بما في ذلك الصحة النفسية) لجمهور المهجرين الموجودين في أماكن الايواء أو في مخيمات المهجرين الكبيرة. 

موظفوا الصحة التابعين للوكالة عالجوا يوميا خلال الحرب حوالي 15 ألف شخص. هذه الخدمات شملت تقديم التطعيمات للأطفال والأولاد ومتابعة النساء الحوامل اللواتي يتعرضن للخطر ودعم النساء بعد الولادة وعلاج الاسنان والامراض المزمنة وما شابه. مئات العاملين الاجتماعيين ومستشاري التعليم في الوكالة قدموا الدعم النفسي للأطفال والبالغين، بالأساس في اطار نشاطات مجموعات، التي شارك فيها مئات آلاف الأشخاص. في نفس الوقت استمرت الاونروا في توفير مياه الشرب (بعضها من آبار الضخ التي تقوم بصيانتها) وتوزيع الطحين ورزم الغذاء ومواد النظافة وجمع القمامة. الآن تخيلوا حجم الكارثة المتوقعة اذا منعت إسرائيل الاونروا من الاستمرار في تشغيل منظومة المساعدات الطارئة في قطاع غزة. 

لكن المساعدات الطارئة ليست المركب الرئيسي في نشاطات الاونروا في الأوقات العادية. فدورها الرئيسي خلال عشرات السنين هو تقديم خدمات التعليم لتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم الأساسية في الشرق الأوسط مثل قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، لبنان وسوريا. 50 في المئة من ميزانيتها السنوية العادية، بتمويل التبرعات، موجهة لجهاز التعليم الذي يشغل 700 مدرسة أساسية واعدادية الى جانب كليات اكاديمية لاعداد المعلمين والمسؤولين عن التدريب المهني، وحوالي 20 ألف معلم ومعلمة، الذين جميعهم من خريجي جهاز التعليم فيها.

في القطاع تعيش المجموعة السكانية الأكبر من اللاجئين الذين يعتمدون على خدمات الوكالة. في السنة الدراسية 2022 – 2023 عملت في القطاع 284 مدرسة أساسية واعدادية تابعة للوكالة، التي تعلم فيها 293.400 طالب وطالبة في الصفوف الأول حتى الصف التاسع، ودرس فيها 10 آلاف معلم ورجل تعليم. طلاب جهاز التعليم التابع للاونروا شكلوا 60 في المئة من الطلاب في المرحلة الأساسية والاعدادية، نصف اجمالي طلاب المدارس في القطاع.

منذ 7 أكتوبر 2023 وجهاز التعليم في القطاع في حالة شلل. حسب التقارير فان 90 في المئة من مؤسسات التعليم، من رياض الأطفال وحتى الجامعات، تضررت بسبب عمليات القصف، بعضها تم تدميره بالكامل، وبعضها تضرر بدرجة مختلفة من الشدة، بما في ذلك عشرات مباني الاونروا التي أصبحت أماكن إيواء. آلاف الطلاب قتلوا وعشرات الآلاف أصيبوا وعشرات الآلاف اصبحوا ايتام أو فقدوا اخوتهم. إعادة بناء جهاز التعليم بكل لبناته، قبل أي شيء آخر إعادة حوالي الـ 600 ألف طالب الى اطر التعليم، تشكل التحدي امام إعادة الترميم الأكثر أهمية التي تقف الآن على الاجندة في القطاع. تقدم إعادة تأهيل التعليم هو الذي سيحدد اذا كان القطاع سيعود الى الحياة أم لا. 

الأمم المتحدة، التي جمعيتها العامة تمدد تفويض الاونروا كل ثلاث سنوات، ومنظمات الصحة والتعليم وحقوق الانسان وحقوق الطفل التابعة لها تعمل بالتعاون معها، خرجت بعدة تصريحات غير مسبوقة في شدتها تدين التشريع الإسرائيلي وتحذر من تداعيات كارثية ستكون لتدمير الاونروا أو المس بنشاطاتها. ولكن حتى الآن هذه التصريحات لم ترافقها عملية يمكن أن تردع إسرائيل، مثل التهديد بفرض عقوبات أو تجميد عضويتها في مؤسسات الأمم المتحدة.

اذا لم يبادر المجتمع الدولي الى حماية الاونروا من مؤامرة إسرائيل لتدميرها فهذا لن يكون فقط خضوع للزعرنة التي أصبحت منذ فترة طويلة جوهر سياسة إسرائيل، بل هو أيضا خيانة للالتزام العلني طويل المدى لايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، من خلال تحقيق حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة في حدود 1967.

——————————————

يديعوت أحرونوت 21/2/2025

تحقيق: هكذا انهار الجيش الإسرائيلي وأسرة الاستخبارات في 7 أكتوبر

بقلم: رونين بيرغمان

سيبدأ الجيش الإسرائيلي الأسبوع المقبل بنشر تحقيقات عن السبت الأسود. والآن، يثبت تحقيق واسع لملحق “7 أيام في يديعوت” الذي يستند إلى وثائق داخلية التي أعد تحقيقات الجيش الإسرائيلي بناء عليها، عثر على بعضها بأنفاق غزة، وكذا إلى مقابلات مع مسؤولين كبار وشهادات أخرى، عن سلسلة مكتشفات جديدة عن عمق القصور:

محمد ضيف فكر بإلغاء الهجوم في الساعة الخامسة صباحاً لأنه لم يصدق نفسه بأن الجيش الإسرائيلي لا يفعل شيئاً، وخاف من أن يكون وراء هذا كمين.

حماس كانت تعرف عن وسيلة دفاع حساسة للمدرعات.  اكتشفت شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” وفرقة غزة بأن الوسيلة انكشفت، ولم يبلغوا رجال الدبابات بذلك.   

 “الأداة السرية”، القدرة التكنولوجية لشعبة الاستخبارات “أمان” للوصول إلى أسرار حماس، لم توفر المعلومات الاستخبارية قبل الهجوم.

حتى كلمتا “سور أريحا” لم تطرحا في خلاصات ثلاثة مداولات في قيادة الجيش الإسرائيلي في الليلة المصيرية السابقة. 

 “الأمر العسكري الإسرائيلي” “فرس فليشت” تناول تسلل مخربين من أنفاق – وبقي غير محدث حتى في صباح المذبحة.

قرر محمد ضيف شرطين لإلغاء الهجوم: إذا ظهرت مُسيرات إسرائيلية فوق القطاع، وإذا اكتشف الرصد المتقدم للنخبة بأن دبابات فرقة غزة امتلأت برجالها وصعدت إلى المواقع. وسأل المرة تلو الأخرى: هل توجد مُسيرات؟ هل تحركت الدبابات؟ “مفيش”، أجابه رجاله. رفض الضيف تصديق أن إسرائيل لا ترد، وخاف من كمين.

في البروتوكولات التي عثر عليها في نفق، انكشف بأن حماس فكرت بتنفيذ الهجوم في 2022 وحتى في حينه كان هذا الهجوم معداً في أن يكون في أعياد “تشري”. وقد تأجل الهجوم لأن إيران وحزب الله لم يكونا جاهزين. في مداولات مجلس الحرب الضيق لحماس في أيار 2023 يذكر لأول مرة الموعد الذي سيسجل إلى الأبد: “نعم، يوجد موعد 7/10/2023، عيد فرحة التوراة – إجازة رسمية (لدى الجيش الإسرائيلي)”.

في الساحة 3:00 في صباح 7 أكتوبر، أجري تقويم أول للوضع، برئاسة قائد المنطقة الجنوبية فينكلمان. وحسب خلاصة المداولات، فإن “سور أريحا” لم يذكر بتاتاً، لكن خيار الاجتياح طرح كآخر الخيارات الثلاثة. “كانت الأجواء هادئة، لا شيء ملحاً ولا شيء مشتعلاً”، يقول مصدر كان مشاركاً في أحداث تلك الليلة. “كتبوا ثلاث إمكانيات، لكنهم لم يؤمنوا بالإمكانية الثالثة”.

في كانون الأول 2016 حصلت الاستخبارات على أمر حماس التنفيذي لهزيمة فرقة غزة. ومنذ ذلك الحين حدثت حماس هذا الأمر عدة مرات، ووصلت إلى إسرائيل صيغ أخرى، كان آخرها في 2022 ويحمل عنوان “سور أريحا”. غير أن أحداً في شعبة الاستخبارات “أمان” لم يعرف كيف يربط بين هذه الصيغة وكل الصيغ السابقة. لو حصل، لأُخذ أمر حماس العسكري بجدية أكبر.

تكاد كلمة “خدعة” لا تذكر في تحقيقات الجيش الإسرائيلي، رغم أنه كان واضحاً أن حماس فعلت خطة خدعة مفصلة، ذكية ومرتبة. ويقول ضابط شارك في التحقيقات: “هذه فضيحة الاعتراف بأن بضعة عرب من غزة خدعونا. أولئك المتخلفون المظلمون من غزة لا يمكن أن يكونوا لعبوا علينا”.

ويقول ضابط كبير في الاحتياط عمل في تحقيقات 7 أكتوبر: “أن تقرأ الوثائق المعدة قبل الهجوم، فإنك تمر بتجربة صادمة، محبطة وحزينة جداً. ستكون وأنك في فيلم نهايته معروفة، تمزق شعرك كيف يمكن لكل هؤلاء الأشخاص في قيادة الفرقة، وقيادة المنطقة الجنوبية، وهيئة الأركان، وقيادة الشاباك أو في قيادة 8200 ألا يروا ما يجري!؟”.

ويعقب الناطق العسكري على تحقيقات الصحيفة فيقول إن “ما ترد من تفاصيل في التقرير الصحفي لا تشكل تحقيقاً رسمياً للجيش. تحقيقات الجيش ستعرف بشفافية في الأيام القادمة.

——————————————

هآرتس 21/2/2025

تذكير أليم

بقلم: أسرة التحرير

بعد 503 أيام، شيري، ارئيل وكفير بيباس وعوديد ليفشتس الذين اختطفوا وهم على قيد الحياة في 7 أكتوبر اعيدوا أمس إلى إسرائيل موتى. هم تركوا لمصيرهم باختطافهم، بتقصير من الدولة والجيش لا مثيل له، ومرة أخرى عندما لم تفعل حكومة إسرائيل كل شيء كي تعيدهم في إطار صفقة.

موت الأربعة – وغيرهم، من المخطوفين والجنود – ليس قدرا، بل ثمرة قرارات اتخذها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي حتى اليوم لم يتأزر بما يكفي من القوة كي يزور كيبوتس نير عوز الذي اختطفوا منه. على هذا التخلي المزدوج لقدرهم ينبغي أن يشكل إشارة تحذير قبيل الاتفاق مع حماس: لا ثمنا لاعادة كل المخطوفين، احياء وأموات. محظور على أحد أن يخرق هذا الواجب الأول من الدولة لمواطنيها.

أربعة جثامين من المخطوفين اعيدوا من قطاع غزة الى إسرائيل في إطار الدفعة السابعة من الاتفاق مع حماس. الصور التي ظهرت فيها شيري بيباس وهي تحاول حماية ارئيل الذي كان ابن أربعة وكفير الذي لم يكن الا ابن تسعة أشهر في اثناء اختطافهم إلى غزة أصبحت أحد رموز المذبحة. رب العائلة، يردين بيباس، اختطف على نحو منفصل عنهم وحرر في بداية الشهر، بعد نحو 500 يوم في الأسر. ليفشتس كان ابن 82 عندما اختطف. الضغط العسكري وحده لم يحرر أيا منهم؛ اتفاق مع منظمة فقط اعادهم الى إسرائيل. منهم من هو الى الدفن ومنهم من هو الى الحياة. “إعادة التأهيل العائلي لنا ستبدأ الآن ولن تنتهي حتى إعادة المخطوف الأخير”، قال أمس أبناء عائلة ليفشتس.

 غدا يفترض أن يتحرر من الاسر ستة إسرائيليين أحياء: عومر شمتوف، طل شوهم، الياهو كوهن وعومر فينكرات الذين اختطفوا في 7 أكتوبر، وابرا منغستو وهشام السيد الذين يوجدون في القطاع لنحو عشر سنوات. أربعة جثامين أخرى ستعاد في الأسبوع القادم. وهكذا تنتهي المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار. مصير 59 مخطوفا آخرين، بينهم 24 على قيد الحياة، سيتقرر في المرحلة الثانية من الصفقة.

الطريق الوحيد لاعادتهم هو من خلال استمرار الاتفاق، الذي معناه معروف: وقف الحرب وانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة. لا توجد إمكانية أخرى. وبالتأكيد ليس من خلال وعد كاذب بشأن “نصر مطلق” او حملة وعي سافلة أخرى من مدرسة مكتب رئيس الوزراء.

 في أثناء اشهر الحرب الطويلة عرقل نتنياهو غير مرة الاتصالات لتحرير المخطوفين. الآن أيضا تكثر علامات التحذير وعلى رأسها قراره تنحية رئيس الموساد دافيد برنياع ورئيس الشاباك رونين بار من فريق المفاوضات. على نتنياهو الآن واجب إتمام الصفة وإعادة كل المخطوفين: على الجمهور في إسرائيل ان يمارس الضغط كي يتأكد من أن رئيس الوزراء لن يخون مهمته.

—————–انتهت النشرة—————–