
المسار الاخباري: كتب الصحفي اياد حمد: بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، جاء مشروع أوسلو، واعتقدنا حينها أننا نسير نحو التحرر من الاحتلال وبناء الحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطين.
عندما بدأ المقاتلون الفلسطينيون بالدخول إلى أريحا، تدفق المواطنون من جميع أنحاء الضفة الغربية لاستقبالهم، حيث عادوا من الشتات وسط مشاعر فرح لا توصف. احتضن الناس القادمين، والتُقطت الصور التذكارية، وكان سلاح الكلاشينكوف حاضرًا في معظمها. فتح الفلسطينيون قلوبهم وبيوتهم للعائدين، واستمرت القوات الفلسطينية في الانتشار في مختلف محافظات الوطن، من الضفة الغربية إلى قطاع غزة.
حلم أوسلو وصدمته
كان أوسلو حلمًا لكل فلسطيني، لكننا اكتشفنا لاحقًا—ومتأخرًا—أنه لم يعبر حتى عن الحد الأدنى من تطلعاتنا الوطنية.
في الانتفاضة الأولى، عملت الفصائل الوطنية ضمن إطار موحد، وتم إنشاء القيادة الوطنية الموحدة التي مثلت كافة الفصائل الفلسطينية. نجحت هذه القيادة في توجيه الشارع الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال، وكانت بياناتها تصدر أسبوعيًا، يترقبها المواطنون بفارغ الصبر. تشكلت لجان طبية وزراعية واجتماعية، وفتحت كل البيوت الفلسطينية أبوابها للمقاومين، بغض النظر عن الفصيل الذي ينتمون إليه.
سقط الشهداء، وكانت جنازاتهم أعراسًا وطنية حقيقية. ساد التكافل الاجتماعي كل زاوية من الوطن، حيث تم توزيع المساعدات للمناطق التي فُرض عليها منع التجول بقرار إسرائيلي. في تلك الفترة، كان كل الشعب الفلسطيني عائلة واحدة. رسمت الانتفاضة الأولى لوحة ملحمية من الصراع مع الاحتلال، حيث انتصر الشباب العُزَّل، الذين لم يكن لديهم سوى الحجر، على آلة البطش الإسرائيلية.
وصول السلطة وبداية الانقسام
مع دخول قوات الأمن الفلسطيني إلى الوطن، بدأ البحث عن كوادر لإدارة مؤسسات الدولة الناشئة، فتدافع الجميع للتسجيل في الأجهزة الأمنية. معظم الشباب كانوا خارجين من تجربة الانتفاضة، وكانوا يعتقدون أن الانضمام إلى أجهزة الأمن الفلسطينية جزء من تحقيق الحلم الوطني.
لكن هنا، بدأ الشرخ. لم يقتصر الانقسام على الفصائل الفلسطينية فقط، بل امتد ليشمل العشائر أيضًا. استمر مشروع أوسلو في بناء وهمه، لكنه اعتمد في ذلك على أبناء الداخل الفلسطيني، في حين حُصرت المناصب الحساسة في أيدي العائدين من الخارج.
المحاصصة والولاءات
تحول الأمر إلى سباق على المناصب، حيث توافد الشباب في رحلات مكوكية إلى رام الله أو إلى غزة، حيث كان يتواجد الراحل ياسر عرفات، الذي كان يوقع قرارات التعيين للمناصب الحساسة. بعض الذين تم تعيينهم لم يحملوا حتى شهادات حسن سلوك من القيادة الوطنية الموحدة، لكن ذلك لم يغير شيئًا، فقد استمرت أوسلو في بناء الأشخاص، وليس بناء الدولة.
بدأ الانفتاح الاجتماعي نتيجة قدوم العائدين من دول مختلفة، مثل تونس ولبنان والعراق والجزائر والأردن واليمن، حاملين معهم ثقافاتهم المتنوعة. ومع مرور الوقت، أدركنا في الضفة الغربية أن مشروع أوسلو دمر الحلم الفلسطيني المنشود، وسعى إلى طمس الروح الوطنية التي تجسدت في الانتفاضة الأولى.
تفريغ الفصائل واستبدال المقاومة بالتنسيق الأمني
تم إقصاء الفصائل الفلسطينية من ساحة العمل الوطني، بينما تم تفريغ أعداد كبيرة من أبناء حركة فتح داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية. تحول الشاب الفلسطيني من مقاوم يحمل الحجر أو السلاح، إلى شرطي ينظم حركة السير في الشوارع.
المكافآت والامتيازات التي قدمها الاحتلال لم تكن متاحة للجميع، بل اقتصرت على نخبة من الشخصيات القيادية في مشروع أوسلو، التي استخدمت الانتفاضة كوسيلة للتسلق السياسي. تم منح بعض أبناء الأرض المحتلة مناصب قيادية، ليس لخبراتهم، بل لتمرير أجندات محددة، وهو ما تحقق بالفعل.
ازدواجية الولاءات
بعض قادة الأجهزة الأمنية لم يحضروا عائلاتهم إلى فلسطين، بل أبقوها في العواصم العربية. وفي الداخل، أصبح الصراع على المناصب أولوية لدى الكثيرين، فيما انشغل السياسيون بالسعي وراء مصالحهم الشخصية.
في المقابل، اتضح الدور الحقيقي لمشروع أوسلو، حتى بات التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال مشروعًا مرفوضًا لدى الشارع الفلسطيني. ومع مرور الزمن، أدرك الجميع أن أوسلو لم يكن إلا شركة لمراكمة المكاسب الشخصية لمجموعة متنفذة، باتت تفصلها عن هموم الشعب مليون سنة ضوئية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر شبكة المسار الاخباري
المصدر ـ وكالة وطن للأنباء