
– خلف واجهة “الاستقلال والحياد”: تحقيق يكشف الدور الإسرائيلي الخفي في تأسيس صندوق المساعدات لغزة
– عبر رجال أعمال وضباط احتياط: كيف صاغت “إسرائيل” مشروع المساعدات الأميركي لغزة؟
-مبادرة المساعدات الأميركية لغزة انطلقت من داخل “منتدى مكفيه إسرائيل”
-“زعزعة حماس” وتجاوز الأمم المتحدة.. كواليس صندوق المساعدات
المسار : في وقتٍ بدا فيه للعالم أن مشروع توزيع المساعدات الإنسانية الأميركية في غزة، المعروف بـ”صندوق المساعدات الإنسانية لغزة” (GHF)، هو مبادرة دولية مستقلة ومحايدة، أماط تحقيق موسع أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” اللثام عن حقائق مغايرة، تكشف أن المبادرة انطلقت أساساً من ضباط احتياط ورجال أعمال إسرائيليين مقربين من دوائر الحكم، وسعت منذ اللحظات الأولى إلى تجاوز الأمم المتحدة وإضعاف حركة حماس.
ولادة المبادرة: لقاءات في القدس ومبادرة من “منتدى مكفيه إسرائيل”
تشير الصحيفة إلى أن فكرة المشروع طُرحت لأول مرة خلال الأسابيع الأولى من الحرب في غزة، عقب هجوم 7 أكتوبر، وذلك خلال اجتماعات خاصة عقدت في القدس، جمعت ضباط احتياط ورجال أعمال إسرائيليين ممن تربطهم علاقات وثيقة بالحكومة.
أُطلق على هذه المجموعة لاحقاً اسم “منتدى مكفيه إسرائيل”، نسبة إلى المدرسة التاريخية التي احتضنت أول لقاءاتهم في ديسمبر 2023، قبل أن تمتد اجتماعاتهم إلى مواقع أخرى، من بينها منزل رجل الأعمال البارز مايكل آيزنبرغ.
المشاركون في هذه المبادرة شملوا شخصيات بارزة، من بينهم:
يوتام كوهين: مستشار استراتيجي ونجل الجنرال الاحتياطي غرشون كوهين، والذي أصبح لاحقاً مساعداً للعميد رومان غوفمان.
ليران تنكمان: مستثمر تكنولوجي يوصف بأنه ذو علاقات قوية ومتشعبة.
مايكل آيزنبرغ: من كبار المستثمرين في مجال رأس المال المخاطر في إسرائيل.
قاد هؤلاء ورشة عمل جمعت شخصيات مدنية رسمية أو مؤثرة، كانت بمثابة النواة الفكرية للمبادرة.
الهدف الخفي: زعزعة حماس وتجاوز الأمم المتحدة
بحسب التحقيق، فإن المبادرة الإسرائيلية استهدفت منذ بدايتها تقويض سيطرة حركة حماس على غزة، ليس فقط عبر العمليات العسكرية، بل من خلال إدارة المساعدات الإنسانية بعيداً عن المؤسسات الدولية، خصوصاً الأمم المتحدة التي وصفها بعض المبادرين بأنها “عدائية وغير موثوقة”.
وترى إسرائيل في هذه الخطة وسيلة للحد من تسرب المساعدات إلى السوق السوداء أو إلى عناصر حماس، وتحقيق سيطرة مباشرة على توزيع الغذاء، لا سيما في مناطق الجنوب التي تخضع لوجود عسكري إسرائيلي.
إلا أن الأمم المتحدة قابلت المشروع برفض حاد، محذّرة من أنه قد يؤدي إلى تقييد وصول المساعدات، ويشكل خطراً على المدنيين الذين سيضطرون لعبور مناطق عسكرية محفوفة بالمخاطر للحصول على الغذاء. كما نبهت إلى أن حصر المساعدات في جنوب القطاع دون شماله قد يُستخدم كأداة غير مباشرة لتهجير الفلسطينيين.
التمويل والإدارة: أميركيون بواجهة إسرائيلية
أُوكلت مهمة إدارة المشروع ميدانياً إلى شركة أمنية أميركية تُدعى Safe Reach Solutions، يديرها فيليب رايلي، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، يحمل سجلاً طويلاً في مناطق النزاع؛ فقد عمل خلال الثمانينيات على تدريب ميليشيات “الكونترا” ضد الحكومة الماركسية في نيكاراغوا، كما خدم في أفغانستان لاحقاً. بعد خروجه من الخدمة الحكومية، انضم رايلي إلى شركة “أوربيس” كمستشار أمني، وهي الجهة التي تواصلت معها المجموعة الإسرائيلية لبحث تنفيذ المشروع في غزة.
أما الإدارة العُليا لصندوق GHF، فقد أُنيطت بـ جايك وود، مقاتل سابق في قوات المارينز الأميركية، والذي صرّح بأن الصندوق يتمتع بـ”استقلالية كاملة” وليس ممولاً من إسرائيل، مضيفاً أنه مارس ضغوطاً من أجل إقامة نقاط توزيع في شمال القطاع أيضاً. وأكد وود أنه لن يكون جزءاً من أي خطة تهدف إلى تهجير السكان قسرياً.
“مشروع أميركي” بلباس إسرائيلي
ورغم أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف وايتكوف أعلن عن المشروع كأنه مبادرة أميركية إنسانية، إلا أن التحقيق يكشف أن الفكرة، والتمويل الأولي، والبنية التنظيمية جاءت جميعها من الجانب الإسرائيلي، في محاولة مقصودة لإبعاد الأمم المتحدة عن دورها في توزيع المساعدات.
في يونيو، كتب يوتام كوهين مقالاً في مجلة عسكرية إسرائيلية، دعا فيه إلى تفكيك نفوذ حماس من خلال السيطرة المباشرة على المساعدات الإنسانية، وليس فقط عبر القوة العسكرية.