
المسار …
د. عمر رحال: الاحتلال يسعى للسيطرة وإحداث تفكك داخلي في النسيج الاجتماعي الفلسطيني وخلق فوضى وتعميق الانقسامات بين الفلسطينيين
محمد جودة: محاولة أمريكية لفرض بديل موازٍ لـ”الأونروا” بهدف هندسة واقع جديد في قطاع غزة بعد الحرب
د. سهيل دياب: توزيع المساعدات في غزة جزء من برنامج إسرائيلي-أمريكي لخدمة أهداف عسكرية وأمنية وليس إغاثة المحتاجين
نعمان عابد: أية محاولة لتوزيع المساعدات بشروط عسكرية أو سياسية ستظل مرفوضة شعبياً ومحكومة بالفشل وتعزز الحاجة إلى عودة الأونروا
د. محمد الطماوي: نجاح أي مؤسسة إغاثية في غزة يتطلب بناء شراكات مع مؤسسات قائمة وفاعلة مثل الأونروا
سماح خليفة: إسرائيل تسعى إلى تغليف أعمالها الإجرامية بغطاء إنساني بينما تستمر في إنهاك الفلسطينيين جسدياً ونفسياً
لم تلبث “مؤسسة غزة الإنسانية”، المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، أن تباشر مهمتها في فرض السيطرة على توزيع المساعدات في قطاع غزة، حتى كشفت عن فشل ذريع، بسبب افتقارها للشرعية الدولية والمحلية.
يقول كتاب ومحللون سياسيون ومختصون في أحاديث منفصلة مع “القدس”، إن هذه المؤسسة، التي ظهرت كبديل موازٍ لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تُستخدم كأداة لتسييس الغذاء وتعميق معاناة الفلسطينيين، وسط تحذير من توزيع انتقائي يهدف إلى خلق فوضى اجتماعية ودفع السكان نحو النزوح.
ويرون أنه يُنظر إلى هذه الآلية على أنها جزء من استراتيجية عسكرية وسياسية تهدف إلى الالتفاف على القانون الدولي، الذي يدين التجويع كسلاح حرب، وتبرير جرائم إسرائيل إعلامياً أمام العالم.
ويشيرون إلى الفشل اللوجستي والأمني للمؤسسة، الذي تجلى في هروب المسؤولين أمام الحشود الجائعة وتدخل الجيش الإسرائيلي بالنار، ما يعكس سوء تقدير الواقع الاجتماعي والسياسي في غزة.
ويؤكدون أن الأونروا تظل الخيار الأمثل لتوزيع المساعدات، نظراً لخبرتها الطويلة وطواقمها المدربة التي تقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين، موزعة المساعدات بناءً على الحاجة دون تمييز سياسي أو جهوي، لكن القيود الإسرائيلية، تقوض عملها، مما يتطلب ضغطاً دولياً لاستعادة دورها الكامل.
أهداف أمنية وسياسية إسرائيلية
ويحذر الكاتب والمحلل السياسي ومدير مركز “شمس” لحقوق الإنسان، د. عمر رحال، من محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي فرض سيطرتها على عملية إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، معتبراً أن هذه الممارسات ليست مجرد تجاوزات إدارية، بل توظف بشكل ممنهج كأداة للهيمنة والسيطرة وإحداث تفكك داخلي في النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وإلى خلق فوضى اجتماعية وتعميق الانقسامات بين الفلسطينيين.
ويؤكد رحال أن أي مساعدات لا تمر عبر القنوات الدولية المعتمدة، مثل المنظمات الأممية المتخصصة، مصيرها الفشل، مشيراً إلى أن إسرائيل تسعى لفرض شروطها وسياساتها على هذه العملية لتحقيق أهداف أمنية وسياسية.
ويوضح رحال أن إسرائيل تسعى من خلال فرضها لشروطها الأمنية والسياسية على المساعدات إلى خلق بيئة من الفوضى الاجتماعية والانقسام الداخلي، عبر توزيع المساعدات بشكل انتقائي، وفق “المقاس الإسرائيلي”، وليس لحاجة المواطنين الفعلية.
ويشير رحال إلى أن هذه السياسة تهدف إلى إثارة الضغائن والتنافس بين المواطنين، بما يقود نحو وصمة تلقي المساعدات من الاحتلال، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات الاجتماعية داخل القطاع.
ويؤكد رحال أن الاحتلال يستخدم المساعدات كأداة للابتزاز السياسي، والسيطرة على الموارد الأساسية كالطعام والماء، مما يعزز تحكمه بحياة الفلسطينيين ويكرس حالة الاعتمادية، وبالتالي التحكم في حياة الفلسطينيين.
“مصيدة” لاعتقال الشبان في غزة
ونبه رحال إلى وجود أبعاد أمنية خطيرة في هذه السياسة، مشيراً إلى أن المؤسسة التي تدير عملية توزيع المساعدات قد تُستخدم كـ”مصيدة” لاعتقال الشبان في غزة، إضافة إلى استخدامها لأغراض الهندسة الاجتماعية.
ويعبر رحال عن مخاوفه من إمكانية تسميم المساعدات الغذائية أو إدخال فيروسات تؤثر على صحة المواطنين في قطاع غزة ، مستذكراً حادثة عام 1982 عندما قام الاحتلال بتسميم خزانات مياه بمدارس في جنين شمال الضفة الغربية، مما يجعل هذه المخاوف واقعية في سياق سلوك الاحتلال العدائي والممنهج تجاه الفلسطينيين.
ويؤكد رحال أن المؤسسات الأممية مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وبرنامج الغذاء العالمي، والمنظمات غير الحكومية الدولية، هي الجهات الأكثر كفاءة وثقة لتوزيع المساعدات، نظراً لخبرتها الطويلة وطواقمها المدربة ومعداتها المتخصصة.
ويشير رحال إلى أن هذه المنظمات تقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين، حيث توزع المساعدات بناءً على الحاجة وليس على أسس سياسية أو مناطقية أو جهوية، مما يجعلها محل ثقة الفلسطينيين في غزة.
جريمة التجويع كسلاح حرب
وينوه رحال إلى أن الأونروا، على الرغم من وجودها في قطاع غزة، لا تستطيع العمل بحرية دون تنسيق مسبق مع الاحتلال، مما يعيق عملها.
ويدعو رحال عواصم القرار الدولي، خاصة الأوروبية، بممارسة ضغط سياسي ودبلوماسي جاد على حكومة الاحتلال لوقف تدخلها في المساعدات، واحترام مبادئ القانون الدولي الإنساني، مشيراً إلى أن استمرار هذه السياسات يندرج في إطار جريمة التجويع كسلاح حرب، المصنفة ضمن جرائم التطهير العرقي بموجب المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويؤكد رحال أن محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتبرير تدخله وسيطرته على عملية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، تأتي في إطار محاولة منه للخروج من أزمات دبلوماسية وسياسية متفاقمة مع عدد من الدول الغربية والمنظمات الدولية، خاصة بعد تزايد الاتهامات له باستخدام “التجويع كسلاح حرب”، كما أن هذه المحاولات التجميلية المشبوهة التي تسوقها إسرائيل، مثل الزعم بتنظيم وتسهيل دخول المساعدات، تهدف إلى التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة لها في المحافل الدولية، لا سيما في ظل التقارير الحقوقية المتزايدة التي توثق منع دخول المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، وعرقلة جهود الإغاثة الدولية، ما أدى إلى تدهور حاد في الوضع الإنساني في غزة.
تقويض أي مسار قانوني دولي لمحاسبة إسرائيل
وبحسب رحال، فإنها كذلك، تعتبر محاولة استباقية من قبل إسرائيل لتقويض أي مسار قانوني دولي قد يؤدي إلى مساءلتها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ويشدد رحال على ضرورة تحرك الفلسطينيين دبلوماسياً وسياسياً على المستوى الدولي، خاصة في الأمم المتحدة ومع الدول الأوروبية، للضغط من أجل عودة الأونروا لممارسة دورها الكامل في إدخال وتوزيع المساعدات.
ويحذر رحال من أن أي محاولة إسرائيلية للتحكم بهذه العملية ستؤدي إلى فشل حتمي، مشيراً إلى أن المجتمع الفلسطيني يرفض أي دور للاحتلال في هذا المجال، مما يعزز أهمية المنظمات الأممية كبديل موثوق.
ويؤكد رحال أن نجاح توزيع المساعدات يعتمد على تمكين المنظمات الدولية ذات الخبرة، داعياً إلى تحرك دولي عاجل لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها دون تدخلات سياسية أو أمنية من الاحتلال.
“مؤسسة غزة” عملت دون علم “الأونروا” و”أوتشا”
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي ظهرت فجأة في فبراير/ شباط الماضي، تمثل محاولة أمريكية لفرض بديل موازٍ لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بهدف هندسة واقع جديد في قطاع غزة ما بعد الحرب
ويشير جودة إلى أن تصريحات الأمم المتحدة، وتحديداً الأونروا ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، التي أكدت عدم علمها بأي عمليات توزيع مساعدات من قبل هذه المؤسسة، تُعد بمثابة نزع للشرعية الدولية عنها.
ويوضح جودة أن الوكالات الأممية تعتمد معايير صارمة تتعلق بالحياد والنزاهة والتنسيق متعدد الأطراف في التعامل مع السياق الغزي، وهي معايير غابت تماماً عن عمل “مؤسسة غزة الإنسانية”.
ويؤكد جودة أن الاستقالة المفاجئة للمدير التنفيذي للمؤسسة تحت ضغط المبادئ الإنسانية تُظهر أنها كانت تتحرك خارج الإطار الأممي، وربما في مسار أمني-سياسي يخدم أجندات خارجية.
ويوضح جودة أن الدعم الأمريكي الصريح لهذه المؤسسة، إلى جانب غياب الشفافية في عملها، يثير شكوكاً حول نواياها، مشيراً إلى أن تحركها المنفرد في توزيع المساعدات يوحي بأنها ليست مبادرة إنسانية محضة، بل محاولة لاختراق المجال الإغاثي الفلسطيني.
ويحذر جودة من أن هذه المؤسسة تسعى إلى إعادة هندسة المعونة الإنسانية كأداة للضغط السياسي، وليس كحق إنساني، مما يهدد بخصخصة المساعدات عبر مؤسسات أمريكية ذات أجندات سياسية.
ويشير جودة إلى أن مشهد هروب المسلحين الأمريكيين التابعين للمؤسسة أمام الحشود الجائعة يكشف فشلاً لوجستياً وأمنياً ومعلوماتياً فادحاً، ناتجاً عن عدم فهم طبيعة البيئة في غزة التي تعاني من مجاعة وحرمان جماعي.
مؤسسة “غير محايدة وغير نزيهة”
ويعتبر جودة أن دخول هذه المؤسسة إلى قطاع غزة دون بنية توزيع أو تنسيق محلي يُعد استهتاراً ومغامرة خطرة تزعزع الاستقرار الاجتماعي.
ويؤكد جودة أن تصنيف الأمم المتحدة للمؤسسة بأنها “غير محايدة وغير نزيهة” يُجهز على المشروع قبل أن يبدأ فعلياً، مشدداً على أن أي مبادرة إنسانية لا تستند إلى شرعية محلية أو تنسيق أممي محكوم عليها بالفشل.
ويرى جودة أن عزل المؤسسة سياسياً وإنسانياً، نتيجة عدم علم الأمم المتحدة بها، يكرس الرواية الشعبية الفلسطينية التي ترى أن المشروع مدعوم لأغراض غير إنسانية، بل يهدف إلى تهميش الأونروا والمس بحق العودة.
ويشير جودة إلى أن “مؤسسة غزة الإنسانية” ليست مجرد مشروع فاشل، بل تشكل خطراً على مستقبل العمل الإنساني في غزة، حيث إن محاولة تمرير المساعدات خارج إطار الأونروا تندرج ضمن استراتيجية أوسع لتقويض الوكالة الأممية.
ويحذر جودة من أن استخدام الإغاثة كسلاح في سياق مشبع بالدمار واليأس يُعمّق الأزمة ويفتح الباب لردود فعل شعبية غاضبة وغير محسوبة.
ويؤكد جودة أن ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة مساعدات، بل صراع على تمثيل المعاناة الفلسطينية وتوجيهها.
ويوضح جودة أن فشل المؤسسات الجديدة يعكس عمق التشظي المحلي، بينما يبقى مستقبل الأونروا مرهوناً بموازين قوى تتجاوز الميدان، لكنه معركة حاسمة تتعلق بالجذور السياسية للقضية الفلسطينية.
تسييس الغذاء لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الإسرائيلي، د. سهيل دياب، إن عملية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، كما تُنفذ حالياً، تندرج ضمن برنامج إسرائيلي-أمريكي يخدم أهدافاً عسكرية وأمنية، وليس رؤية إنسانية تهدف إلى إغاثة المحتاجين.
ويوضح دياب أن هذا البرنامج يُعد جزءاً من استراتيجية أوسع تتضمن الضربات العسكرية الإسرائيلية ومنع إدخال المساعدات لفترات طويلة، تليها إدخال مساعدات “إنسانية” في توقيت محدد لخدمة أهداف عسكرية وسياسية.
ويشير دياب إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى دفع سكان غزة من جميع أنحاء القطاع نحو الجنوب، حيث تتركز نقاط توزيع المساعدات، بهدف تسهيل تهجيرهم ووضعهم في “أماكن مغلقة”، في إطار تسييس وعسكرة الغذاء لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
ويشدد دياب على أن هذا النهج فشل لأسباب تتجاوز الأخطاء التقنية أو سوء التنظيم، بل يعود إلى انتهاكه لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وهي الاستقلالية، والحيادية، والشفافية في عمل المؤسسات الإغاثية.
“روشتة” للفشل المسبق
ويوضح دياب أن تقليص نقاط توزيع المساعدات من 400 نقطة، كانت تديرها الأونروا بمشاركة أكثر من 13,000 موظف، إلى أربع نقاط فقط، يُعد “روشتة للفشل المسبق”.
ويوضح دياب أن المساعدات الإنسانية يجب أن تصل إلى المناطق المحتاجة مباشرة، وليس إجبار المحتاجين على قطع مسافات طويلة تصل إلى 20 كيلومتراً للحصول عليها، وهو ما يناقض التجارب الدولية في العمل الإنساني.
ويؤكد دياب أن هذا الفشل سيؤدي إلى تصاعد انتقادات المجتمع الدولي لإسرائيل، مما يعزز عزلتها الدولية ويجدد المطالبات بإدخال مساعدات غير مشروطة دون تسييس أو عسكرة.
ويستشهد دياب بتصريحات فيليب لازاريني، مدير الأونروا، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، اللذين أكدا قبل أيام على ضرورة الالتزام بمبادئ العمل الإنساني.
ويشير دياب إلى مقترح غوتيريش المكون من خمس نقاط لإدخال المساعدات إلى غزة، مؤكداً أن أي منظمة إنسانية أو تجارية لن تشارك في مشاريع تخدم أهدافاً عسكرية أو سياسية.
فشل البرنامج “ضربة مزدوجة” لإسرائيل
ويرى دياب أن إسرائيل لن تتخلى بسهولة عن استخدام التجويع كورقة ضغط سياسي، مستدلاً بالتطورات الأخيرة التي أظهرت محاولات إسرائيلية لإعادة تقديم البرنامج بشكل جديد لاستعادة السيطرة على الرواية.
ويحذر دياب من أن فشل هذا البرنامج يمثل “ضربة مزدوجة” لإسرائيل، حيث خسرت دعم الرأي العام العالمي، الذي حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمالته بادعاء إدخال مساعدات مكثفة إلى غزة.
ويؤكد دياب أن هذا الفشل أسقط ورقة نتنياهو السياسية، التي كان يسعى من خلالها لتحسين صورة إسرائيل دولياً، وأبرز عجزها عن إدارة المساعدات بطريقة محايدة وشفافة.
ويدعو دياب إلى العودة إلى المؤسسات الدولية، مثل الأونروا، لضمان توزيع المساعدات وفق المعايير الدولية، محذراً من أن استمرار إسرائيل في تسييس المساعدات سيؤدي إلى تعميق الأزمة الإنسانية في غزة.
محاولة للالتفاف على المطالبات الدولية بفتح المعابر
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي المختص بالعلاقات الدولية، نعمان عابد، أن آلية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، التي تُنفذ عبر شركة أمريكية بإشراف وحراسة أمريكية، تُعد محاولة إسرائيلية للالتفاف على المطالبات الدولية بفتح المعابر وإنهاء سياسة التجويع الممنهج التي تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو.
ويؤكد عابد أن هذه السياسة، التي تتزامن مع استمرار الإبادة الجماعية والحصار المطبق على غزة من خلال إغلاق المعابر لفترات طويلة، تُعتبر جريمة إبادة جماعية وفق القانون الدولي.
ويوضح عابد أن إسرائيل تتجاهل النداءات الدولية والتحركات الأوروبية الداعية إلى وقف الإبادة وسياسة التجويع، وتسعى بدلاً من ذلك إلى فرض آلية جديدة لإدخال المساعدات عبر تجميعها في مناطق محددة، بهدف الالتفاف على القانون الدولي.
ويشير عابد إلى أن هذه المساعدات، التي تُقدم تحت وطأة الآلة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن الحصار والإبادة، لا يمكن أن تُعتبر إنسانية، بل تمثل إهانة للشعب الفلسطيني، حيث تُنفذ بطريقة تخدم أهدافاً سياسية وعسكرية بعيدة عن المبادئ الإنسانية.
ويؤكد عابد أن هذه الآلية محكومة بالفشل، مشيراً إلى أن الشعب الفلسطيني في غزة أظهر صموداً كبيراً برفضه الخضوع لهذه السياسات رغم الحاجة الماسة للمساعدات.
محاولة لتعميق معاناة الشعب الفلسطيني
ويحذر عابد من أن هذه الطريقة قد تكون جزءاً من مخططات تهدف إلى إجبار الفلسطينيين على النزوح من مناطق محددة، تمهيداً لتهجيرهم، واصفاً إياها بأنها ليست مساعدات، بل محاولة لتعميق معاناة الشعب الفلسطيني.
ويؤكد عابد أن الحل الوحيد للأزمة يكمن في انسحاب إسرائيل، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات عبر المؤسسات الدولية المعتمدة مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ويوضح عابد أن الأونروا تمتلك القدرة والشرعية والأهلية لتوزيع المساعدات في جميع مناطق القطاع بطريقة محايدة وشفافة، مشدداً على أنه لا بديل عن هذه المؤسسات الأممية لضمان وصول المساعدات بشكل يليق بكرامة الشعب الفلسطيني.
ويدعو عابد المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لوقف سياساتها المناهضة للقانون الدولي، مؤكداً أن أي محاولة لتوزيع المساعدات تحت شروط عسكرية أو سياسية ستظل مرفوضة شعبياً ومحكومة بالفشل، مما يعزز الحاجة إلى عودة الأونروا لدورها الرئيسي في العمل الإنساني.
خلل عميق في التخطيط وتقدير الواقع
ويؤكد الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، الدكتور محمد الطماوي، أن الفشل السريع لمؤسسة غزة الإنسانية يعكس خللاً عميقاً في التخطيط وسوء تقدير للواقع السياسي والاجتماعي المعقد في قطاع غزة.
ويوضح الطماوي أن هذا الفشل يعود إلى ضعف الاستعداد، وقصور الفهم للبيئة المحلية، ونقص التخطيط المسبق الذي يشمل الموارد، والشراكات المحلية.
ويشير الطماوي إلى أن نجاح أي مؤسسة إغاثية في غزة يتطلب بناء شراكات مع مؤسسات قائمة وفاعلة، مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لتفادي التكرار أو التنافس غير المجدي، وضمان قبول مجتمعي يمنح المصداقية.
ويؤكد الطماوي أن الفشل في التواصل مع الجهات الفاعلة على الأرض ساهم في تعثر المؤسسة، مشدداً على أن العمل الإنساني يحتاج إلى تقييم دقيق للاحتياجات وإدارة محكمة للموارد.
وفيما يتعلق بعودة الأونروا لدورها التقليدي، يوضح الطماوي أن هذه العودة ممكنة ولكنها مشروطة بعوامل سياسية ومالية.
الأونروا ركيزة أساسية في تقديم الخدمات للاجئين
ويشير الطماوي إلى أن الأونروا لطالما كانت ركيزة أساسية في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين وفق معايير الأمم المتحدة التي تضمن الحياد، والمهنية، والاستمرارية.
ويحذر الطماوي من أن عودة الأونروا تتطلب إرادة سياسية دولية تترجم إلى تمويل مستقر ينهي أزمات العجز المالي المتكررة التي تهدد استمراريتها.
ويؤكد الطماوي أن البيئة السياسية الحالية، التي تشهد حملات تشكيك في شرعية الأونروا ومحاولات نقل مهامها إلى جهات أخرى، تفرض تحديات كبيرة.
ويدعو الطماوي الدول الداعمة، خاصة العربية، إلى اتخاذ موقف حاسم لتثبيت دور الأونروا كضمانة لحقوق اللاجئين.
ويؤكد الطماوي أن عودة الأونروا تتطلب تعزيز التزامها بالمعايير المهنية الصارمة، بما في ذلك المساءلة، والرقابة، والحياد السياسي، مع تحرك دبلوماسي وإعلامي لإبراز دورها كعنوان لحقوق اللاجئين، وليس فقط كمزود خدمات.
ويشير الطماوي إلى أن مستقبل الأونروا ليس مسألة تقنية فحسب، بل سياسية بالدرجة الأولى، مرتبطة بوعي المجتمع الدولي بخطورة تقويض أحد أعمدة الدعم الإنساني للقضية الفلسطينية، مشدداً على ضرورة حماية هذا الدور لضمان استمرارية الدعم الإنساني والسياسي للفلسطينيين.
تحويل الطعام وسيلة قهر وإذلال للفلسطينيين
من جهتها، تحذر الكاتبة والمحللة السياسية سماح خليفة من أن “مؤسسة غزة الإنسانية” تُستخدم كأداة إسرائيلية-أمريكية لتحويل الطعام إلى وسيلة قهر وإذلال للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بهدف دفعه نحو الهجرة والتخلي عن أرضه ووطنه.
وتستعين خليفة بمقولة مستوحاة من قصة غسان كنفاني “خيمة عن خيمة بتفرق”، لتقول: “جوع عن جوع بفرق، وموت عن موت بفرق”، مؤكدة أن هذه المؤسسة تهدف إلى تعميق معاناة الفلسطينيين من خلال تسييس المساعدات الإنسانية، بدلاً من تقديمها كحق إنساني.
وتوضح خليفة أن الفلسطيني، الذي طالما تمسك بشعار “الموت ولا المذلة”، يفضل الحصول على المساعدات من مؤسسات الإغاثة الدولية، رغم ارتباطها بذكرى النكبة المؤلمة، على قبول لقمة عيش من يد الاحتلال الإسرائيلي الملطخة بالدماء.
وتشير خليفة إلى أن هذه المساعدات تُقدم كوسيلة ضغط لإنهاك السكان وتجويعهم، بهدف إجبارهم على النزوح وتمكين إسرائيل من تنفيذ مخططاتها للسيطرة على الأرض.
تبييض جرائم إسرائيل إعلامياً أمام العالم.
وتؤكد خليفة أن هذا النهج أدى إلى نفاد صبر الغزيين، مما تجلى في هجومهم العفوي على أحد مراكز توزيع المساعدات، مما دفع المسؤولين إلى الهروب وأعاد الجيش الإسرائيلي السيطرة عبر إطلاق النار، في دلالة واضحة على مخطط العدو لإفقاد الغزيين الأمل ودفعهم للهجرة.
وتوضح خليفة أن هذه الخطة الإسرائيلية-الأمريكية تهدف إلى تبييض جرائم إسرائيل إعلامياً أمام العالم من خلال تقنين سياسة التجويع وتغليفها بمصطلحات إنسانية، لتخفيف الغضب الدولي المتزايد تجاه فظائعها.
وتشير خليفة إلى أن إسرائيل لن تسمح لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) باستئناف عملها وفق المنظومة الأممية التقليدية، نظراً للقيود المفروضة عليها، مثل منع دخول المساعدات وإصدار تأشيرات للموظفين الدوليين، مما أوقف العديد من خدماتها الحيوية.
هدر للموارد وإلهاء عن الفظائع
وتستشهد خليفة بتصريحات المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الذي وصف “مؤسسة غزة الإنسانية” بأنها “هدر للموارد” و”إلهاء عن الفظائع” في قطاع غزة، مؤكداً أن نظام توزيع المساعدات الجديد يفتقر إلى مبادئ الحياد والاستقلالية، مما يحرم الفئات الأكثر ضعفاً من المساعدات الضرورية.
وترى خليفة أن هذا الواقع يعكس الهدف الحقيقي لإسرائيل، وهو تغليف أعمالها الإجرامية بغطاء إنساني، بينما تستمر في إنهاك الفلسطينيين جسدياً ونفسياً عبر طوابير طويلة في ظروف قاسية للحصول على مساعدات بالكاد تسد الجوع.
وتؤكد خليفة ضرورة عودة الأونروا لدورها الأساسي في توزيع المساعدات بطريقة تحفظ كرامة الفلسطينيين، محذرة من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتعميق معاناة شعب يرفض الخضوع للذل.
المصدر .. القدس العربي