دوليإسرائيليات

ميديا بارت: ترامب ونتنياهو يحلمان بإعادة رسم الشرق الأوسط.. لكن أهدافهما مختلفة

المسار …

ترامب ونتنياهو يحلمان بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لكن أهدافهما مختلفة.. قال موقع “ميديا بارت” الفرنسي إن دونالد ترامب يسعى منذ عودته إلى البيت الأبيض لفرض وقف لإطلاق النار في غزة على رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي زار واشنطن يوم الإثنين. لكن إسرائيل نفسها تُعدّ أحد مهندسي الفوضى الحالية في المنطقة، وهي فوضى تُعرقل طموحات “السلام الأمريكي”.

سيلفان سيبل: طموح نتنياهو ليس السلام، بل الفوضى. ففي الفوضى، لا يبقى سوى القوة العارية

وأضاف “ميديا بارت” القول إن الإشارات ضئيلة، فرغم اعتباره شروط “حماس” “غير مقبولة” بشأن مشروع وقف إطلاق النار في غزة، أرسل نتنياهو، يوم الأحد، فريقه التفاوضي إلى قطر. وكما يحدث في كل مرة تتقدم فيها المفاوضات، تكثّفت الغارات الإسرائيلية على غزة بشكل غير مسبوق، خلال الأسبوع الماضي. بالنسبة لنتنياهو، فإن التوصل إلى وقف إطلاق نار في واشنطن سيسمح له بالخروج بمظهر المنتصر. فالجيش الإسرائيلي والسلطة السياسية لا يبدوان وكأن لديهما إستراتيجية حقيقية لغزة، باستثناء مواصلة الإبادة لتجنّب الحديث عمّا بعد الحرب.

صفقة أخرى لترامب

المقترح المطروح حاليًا يقضي بوقف مؤقت لإطلاق النار لمدة ستين يومًا. وخلال هذه الفترة، تُستأنف المفاوضات لإنهاء الحرب. وسيُطلق سراح عشرة من الرهائن الإسرائيليين في اليوم الأول واليوم الخمسين، كما ستُعاد جثامين 18 رهينة بشكل تدريجي. وتقدّر إسرائيل أن 50 رهينة ما تزال في غزة، نصفهم على الأرجح قد ماتوا. وتلتزم “حماس” بعدم عرض مشاهد الإفراج عن الرهائن، كما في الهدن السابقة. وفي المقابل، سيتم الإفراج عن معتقلين فلسطينيين، يشير “ميديا بارت”.

لكن المفاوضات تتعثر حول ثلاث نقاط: الجانب الفلسطيني يريد ضمانات أقوى على أن وقف إطلاق النار سيقود إلى نهاية الحرب. ونقطة الخلاف الثانية تتعلق بخارطة انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة. وأخيرًا، تريد “حماس” إغلاق “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، التي تشكل العمود الفقري للنظام الجديد لتوزيع المساعدات، والذي تتحكم فيه إسرائيل. ومنذ إنشائها في 27 مايو، قُتل أكثر من 600 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على القليل من الطحين. ويطالب الفلسطينيون بعودة إدارة المساعدات إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية.

عند عودته إلى الحكم في يناير- يُذكّر “ميديا بارت”- فرض دونالد ترامب هدنة في غزة. أما سلفه، جو بايدن، فقد وضع خطوطًا حمراء لم تترتب عليها نتائج فعلية، ما ترك المجال مفتوحًا لتدمير القطاع الفلسطيني.

واعتبر “ميديا بارت” أن ترامب لا يهتم بالاعتبارات الأخلاقية، بل يريد أن يكون هو من “يعقد الصفقة”. وتندرج زيارة نتنياهو- الذي تُلاحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية- في إطار سياسة ترامب الأوسع تجاه ما يُعرف تقليديًا بالشرق الأوسط.

تباين في الأهداف

من جهة نتنياهو- يتابع “ميديا بارت”- “هناك تقاطع جوهري بين أهدافه وأهداف ترامب في الشرق الأوسط، لكن مع اختلاف في النوايا”، بحسب فيليب غولوب، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بباريس. ويضيف: “نتنياهو يريد الحفاظ على هامش تحركه، حتى في غزة، في حين يريد ترامب أن يتماشى نتنياهو مع السياسة الأمريكية”.

الرئيس الأمريكي، الذي وجد نفسه متورطًا في حرب استمرت اثني عشر يومًا بين إسرائيل وإيران، وضع حدًا لها، ويريد أن يبقى اللاعب الرئيسي في المنطقة. إنه

يطمح إلى “إعادة تشكيل كبرى للشرق الأوسط حول السعودية ودول الخليج السنية وإسرائيل”، بهدف “خلق منطقة جديدة من الازدهار الاقتصادي”، حسب فيليب غولوب. لكن ذلك يتم على حساب الواقع السياسي وعلى حساب القضية الفلسطينية.

بالنسبة لإسرائيل المسألة هي مسألة هيمنة

بعد إضعاف إيران ووكلائها- “حزب الله” في لبنان، “حماس” في فلسطين، بشار الأسد في سوريا، والحوثيون في اليمن- فرض الجيش الإسرائيلي هيمنته على المنطقة. لكنه أيضًا عامل من عوامل عدم الاستقرار، عبر قصفه دولًا ذات سيادة، وضمّه لأراضٍ في سوريا ولبنان، واستمراره في ارتكاب الإبادة في غزة، يقول “ميديا بارت”.

وينقل الموقع الفرنسي عن الصحافي سيلفان سيبل، مؤلف “إسرائيل ضد اليهود”: “طموح نتنياهو ليس السلام، بل الفوضى. ففي الفوضى، لا يبقى سوى القوة العارية. التيار الفوقي والمسياني في الحكومة الإسرائيلية يدفع نحو حرب دائمة. ولهذا الخطاب أصداء واسعة في المجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش، منذ أشهر، شعورًا بالقوة المطلقة، بفضل الحصانة الكاملة التي يتمتع بها على الصعيد الدولي، سواء في الأمم المتحدة أو خارجها. فشعورهم بالقوة يترافق مع شعور بالهشاشة. وهذا ما يُبرر استمرار الإبادة، ويُغذّي الخوف المتأصل لديهم.”

وصل نتنياهو إلى واشنطن معزّزًا بعد الهجوم على إيران. وقد تميّزت الولاية الأولى لترامب بموقف مؤيد بوضوح لإسرائيل: نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ما أعطى شرعية للسيادة الإسرائيلية على المدينة المقدسة؛ وتشجيع الاستيطان؛ وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة من خلال اتفاقيات أبراهام. كما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الموقّع عام 2015 في عهد أوباما.

لكن هذه المرة السياق مختلف- يوضح “ميديا بارت”- فترامب، رغم دعمه العلني لإسرائيل، يُظهر علامات انزعاج من نتنياهو. وإذا كان مُصممًا على وقف إطلاق النار في غزة، فليس لأسباب أخلاقية أو إنسانية.

فكل من ترامب ونتنياهو يشتركان، كما يقول فيليب غولوب، في “ازدراء تام للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي”. ترامب يريد أن يُسجل اسمه كمن جلب السلام والازدهار للمنطقة. ويعتزم وضع الرياض في قلب هذا “السلام الأمريكي” الذي يبدو مجرد اتفاق فارغ.

ميديا بارت: هذه المرة السياق مختلف؛ فترامب، رغم دعمه العلني لإسرائيل، يُظهر علامات انزعاج من نتنياهو. وإذا كان مُصممًا على وقف إطلاق النار في غزة، فليس لأسباب أخلاقية أو إنسانية

ويتابع غولوب: “ليس لديه الكثير من الوقت لتحقيق طموحاته.. إنه يريد اتفاقًا مع السعودية، سواء من أجل نيل جائزة نوبل للسلام، أو من أجل إرثه التاريخي. وهذا الاتفاق يمر عبر إنهاء الحرب الشاملة في غزة”.

لكن هذا المشروع يفتقر إلى خطة واقعية على الأرض. فماذا عن غزة بعد الحرب الإبادية؟ القطاع أصبح مجرد أنقاض، وقد قُتل فيه أكثر من 57 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر.

تشترط السعودية حتى الآن الاعتراف بالدولة الفلسطينية كشرط أساسي لبدء مفاوضات رسمية. ومع استثناء بعض التقدم التكنولوجي، لم تجلب اتفاقات التطبيع خلال ولاية ترامب الأولى مكاسب حقيقية للدول العربية الموقعة، يُشير “ميديا بارت”، موضحًا أنه منذ فشل ثورات الربيع العربي في 2011، لم يظهر أي مشروع يوحّد المنطقة. وكان الوضع القائم على توازن بين السعودية وإيران وإسرائيل وتركيا، قد أجهض كل الآمال في تحرر ديمقراطي.

هذا الوضع انهار في 7 أكتوبر، مع انهيار نظام بشار الأسد، وقبل عودة ترامب إلى السلطة، وفق “ميديا بارت”.

اليوم- يقول الموقع الفرنسي- الرؤى الأمريكية والإسرائيلية، المبنية على المصالح الاقتصادية والأمنية، تتجاهل أي طموح سياسي، ما يُغذي الفوضى أكثر.

فسواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو إيران، لا تملك لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة رؤية حقيقية لما بعد الحرب، باستثناء ما يطمح إليه القوميون المتطرفون في إسرائيل من إقامة “إسرائيل الكبرى” التي تشمل أجزاء واسعة من الدول المجاورة.

أما أوروبا، التي كانت تطمح لأن تكون ضامنة للعدالة والقانون الدولي، فقد أصبحت بلا تأثير، إذ تدعم إسرائيل بشكل شبه مطلق، متجاهلة الأرواح الفلسطينية واللبنانية والإيرانية المهدورة، ما يُسرّع تهميشها في المنطقة، يختتم “ميديا بارت”.