دوليانتهاكات الاحتلال

شهادة حارس سابق في “مؤسسة غزة” حول جرائم الاحتلال بحق طالبي المساعدات

المسار : تواجه ما تسمى “مؤسسة غزة الإنسانية – GHF”، المدعومة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، انتقادات دولية متزايدة، في الآونة الأخيرة، بعد نحو شهرين من توليها آلية توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، بطريقة غير آدمية، وتعرّض حياة سكان غزة الباحثين عن طعام، في ظل حرب الإبادة والتجويع للقتل. وفي مقابلة مع القناة 12 العبرية مساء أمس الثلاثاء، تحدّث حارس أمن سابق في المؤسسة، شارك في تأمين مواقع التوزيع، عن سلوكيات قاتلة من قبل فرق الأمن في مراكز المساعدات، منتقداً آلية التوزيع مؤكداً: “في الواقع، مراكز المساعدات أساءت كثيراً للسكان وعرّضتهم للخطر”.

ويدور الحديث عن جندي سابق في الجيش الأميركي بخبرة 25 عاماً، وصل إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار الماضي للعمل ضمن آلية توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، ويصف واقعاً صعباً في مراكز التوزيع، مضيفاً: “لا يمكن إصلاح هذا، يجب وضع حد له”.

وبحسبه، فإن “المواقع تقع في مناطق نائية لا يُسمح للسكان بالوصول إليها بواسطة مركبات، ما يضطر الفلسطينيين إلى حمل طرود ثقيلة سيراً على الأقدام في منطقة قتال نشطة”. وانتقد الجندي الأميركي سابقاً زملاءه المسؤولين عن تأمين مراكز المساعدات واصفاً سلوكاً غير منضبط في محاولة لفرض النظام. وروى حادثة قام فيها الحراس الأميركيون برش فلسطيني كان يجمع الطعام من الأرض برذاذ الفلفل، دون أن يُشكّل أي تهديد. وفي حادثة أخرى، أُلقيت قنبلة صوتية أصابت امرأة فلسطينية مباشرة: “انهارت وسقطت أرضاً. كانت تلك اللحظة التي أدركت فيها أنني لا أستطيع الاستمرار”.

وأردف حول واقعة أخرى: “عندما أنهى الفلسطينيون جمع المساعدات التي كانت في الموقع، بدأ الحراس الأميركيون بإطلاق النار عليهم، على أرجلهم، وحولهم لإجبارهم على المغادرة”. وادّعى أنه قرر ترك العمل بسبب هذه التصرفات: “طوال خدمتي العسكرية، لم أشهد استخداماً كهذا للقوة ضد مدنيين غير مسلحين. لن أكون جزءاً من هذا الآن”.

ووفق أقواله للقناة العبرية، عبّر جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضاً، من الموجودين في المنطقة، عن إحباطهم من الوضع: “ليس لديهم سيطرة على من يدخل ويخرج، ويرون في ذلك خطراً عملياتياً حقيقياً”.

ويؤكد الموظف السابق أن المشكلة ليست فقط في ما يحصل على الأرض، بل في المنظومة كلها: “لو كانت لدى الأمم المتحدة الموارد والتنسيق الذي تملكه هذه الآلية، لكان الأمر أفضل بكثير”.

المشكلة ليست فقط في ما يحصل على الأرض، بل في المنظومة كلها

وأوردت القناة رد المؤسسة التي كّذّبت الحارس الأميركي. وجاء في الرد: “فتحت مؤسسة GHF تحقيقاً فورياً في التفاصيل بمجرد عرض الادعاءات عليها. وبالاستناد إلى تسجيلات فيديو، وشهادات شهود، توصّلنا إلى استنتاج أن الادعاءات الواردة في التقرير كاذبة كلياً. المقاول السابق الذي أُجريت معه المقابلة تم فصله قبل عدة أسابيع بسبب سلوك غير لائق. لم تكن هناك أي نقطة كان فيها مدنيون تحت إطلاق نار في موقع توزيع تابع لـ GHF. إطلاق النار الذي سُمع في الفيديو تم التحقق منه على أنه صادر عن الجيش الإسرائيلي، وكان خارج المنطقة المباشرة لموقع التوزيع. إطلاق النار لم يكن موجّهاً نحو أشخاص، ولم يُصب أحدا”.

وأضافت المؤسسة: “نحن نأخذ سلامة وأمن مواقعنا على محمل الجد. عندما تحدث تصرفات لا تتماشى مع معاييرنا، فإننا نتحرك. المقاول الذي ظهر وهو يصرخ في الفيديو لم يعد جزءاً من عملياتنا”.

وزعمت المؤسسة التي استشهد عدد كبير من الفلسطينيين طالبي المساعدات في محيطها: “نواصل التركيز على مهمتنا الأساسية، وهي توفير الغذاء لسكان غزة بطريقة آمنة ومباشرة وبدون عوائق، كما نفعل منذ بدء نشاطنا في 27 مايو/أيار، حيث وزعنا حتى الآن ما يقارب 85 مليون وجبة غذائية على سكان القطاع”. ويرتكب جيش الاحتلال مجازر مستمرة في أرجاء قطاع غزة، منها في محيط مراكز توزيع المساعدات.

وقبل نحو شهر، نشرت صحيفة هآرتس شهادات لجنود وضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، تؤكد أن الجيش يطلق النار عمداً على الفلسطينيين بالقرب من مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، باستخدام المدفعية والقناصة والدبابات وغيرها، دون اكتراث لحياة الأبرياء، فيما أقصى المخاوف تتعلق بانتقادات المجتمع الدولي، وعواقب ارتكاب جرائم حرب، أما قتل الباحثين عن لقمة يسدون بها جوعهم، فهو أمر عادي.

وتبين الشهادات أن قادة في الجيش أصدروا أوامر بإطلاق النار نحو مدنيين لتفريقهم وإبعادهم، رغم عدم تشكيلهم خطراً على الجنود. وبالمقابل طالبت النيابة العسكرية، وحدة التحقيق التابعة لهيئة الأركان العامة بالتحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب في هذه المواقع، ليس حرصاً على حياة الفلسطينيين، ولكن خشية الملاحقات الدولية. وبحسب ضباط وجنود خدموا في مناطق مراكز المساعدات، يطلق جيش الاحتلال النار على الأشخاص الذين يقتربون من مراكز المساعدات قبل فتحها لمنعهم من الاقتراب، أو بعد إغلاقها، بهدف تفريقهم.

وقال أحد الجنود في حينه: “هذا ميدان قتل. في المكان الذي كنت فيه، كان يُقتل يومياً ما بين شخص إلى خمسة. يُطلق عليهم النار كما لو كانوا قوة مهاجمة. لا تُستخدم وسائل تفريق المظاهرات، ولا يُطلق غاز، بل يُطلق كل ما يمكن تخيّله، نيران رشاش ثقيل، وقنابل، وقذائف هاون. ثم، عندما تُفتح نقطة التوزيع، يتوقف إطلاق النار، وهم يعرفون أنه يمكنهم الاقتراب. نحن نتواصل معهم عبر النار”. وأضاف الجندي: “تُطلق النار في الصباح الباكر إذا حاول أحدهم حجز دور من مسافة مئات الأمتار، وأحياناً يتم الهجوم عليهم من مسافة قريبة، رغم عدم وجود خطر على القوات”.

وقال ضباط لذات الصحيفة، إن الجيش الإسرائيلي لا ينشر للجمهور في إسرائيل أو في الخارج توثيقاً لما يحدث حول مواقع توزيع الغذاء. وبحسب أقوالهم، فإن “الجيش راضٍ عن أن نشاط منظمة مؤسسة غزة الإنسانية الأميركية (GHF) حال دون انهيار كامل للشرعية الدولية”، لمواصلة حرب الإبادة على القطاع.