استيطانانتهاكات الاحتلال

بؤر وطرق استيطانية.. أدوات جديدة لابتلاع أراضٍ شرقيّ بيت لحم

المسار : تشهد مناطق شرقيّ بيت لحم جنوبيّ الضفة الغربية في الفترة الأخيرة، تصاعدًا لافتًا في وتيرة التوسع الاستيطاني، مع إقامة بؤر جديدة وشق طرق التفافية على أراضي المواطنين في قريتي المنيا وتقوع، وذلك دون صدور قرارات مصادرة رسمية لها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بهدف السيطرة الكاملة على المناطق الشرقية للمحافظة والمطلّة على منطقة البحر الميت، غير أنّ ذلك يحصل بشكل يتجاوز الإجراءات القانونية والعسكرية التقليدية التي يتذرع بها الاحتلال عادة.

وشرع المستوطنون قبل أيام بنصب خيمتين جديدتين فوق أراضي قرية المنيا، وذلك لتوسعة بؤرة رعي استيطانية جديدة أقيمت قبل أيام قليلة أصبحت تضمّ خمس خيام للمستوطنين الرعاة، فيما تضاف هذه البؤرة إلى عشر بؤر قائمة سبق أن صادرت مئات الدونمات من أراضي القريتين الزراعية والرعوية. وقال رئيس مجلس قروي المنيا، زايد كوازبة، خلال حديث مع “العربي الجديد”، إن أعمال التوسعة الاستيطانية بدأت عبر نصب خيام جديدة، وهي الخطوة التي تُتبع عادة بوضع بيوت متنقلة “الكرفان”، قبل الشروع في بناء وحدات ثابتة وتوسيع الطرق الاستيطانية على حساب أراضي المواطنين الفلسطينيين.

ويوضح كوازبة أن هذا التمدد يترافق مع منع قوات الاحتلال لأهالي المنيا من الوصول إلى أراضيهم، بحجج أمنية مستمرة منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما يسهّل على المستوطنين تثبيت وجودهم دون اعتراض فعلي من السكان. ويشير كوازبة إلى أن هذه البؤرة الجديدة هي الثالثة التي تُقام في المنطقة منذ اندلاع الحرب على غزة.

ويلفت كوازبة إلى أن البؤرة تضم نحو 20 مستوطنًا، ومعهم أكثر من 100 رأس غنم، ويُقدّر أنها تستولي على مئات الدونمات من الأراضي التي لا يستطيع الأهالي الوصول إليها في ظل الحصار المفروض وإغلاق مداخل القرية “الشمالي المغلق بالسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية، والجنوبي كذلك، ولم يتبق لنا سوى المدخل الشرقي المعروف بطريق مكبّ النفايات، وهو نفسه الطريق الذي يستخدمه المستوطنون، ما يجعلنا فعليًا تحت الحصار من جميع الجهات”.

ويشير كوازبة إلى أن مساحة أراضي القرية تقلّصت كثيرًا، قائلًا: “كانت حدود القرية جغرافيًا تمتد إلى منطقة البحر البيت بمساحة تصل إلى 70 كيلومترًا، أما اليوم فلا نملك سوى كيلومتر واحد من الأراضي المستولى عليها”، موضحًا أن أحدث البؤر الاستيطانية أُقيمت قبل أيام، ويُقدّر أنها تستولي على مئات الدونمات من الأراضي التي لا يستطيع الأهالي الوصول إليها.

وأردف قائلًا: “لدينا بؤر استيطانية في مناطق نصب أبو زعرور، والقرن، ورخمة، أقيمت جميعها على أراضينا المصادرة منذ عام ونصف (…) حتى منشآت الطاقة الشمسية التي تغذّي المستوطنات المحيطة، مقامة على مساحة لا تقل عن 250 دونمًا من أراضي المنيا الزراعية، بينما يُمنع السكان من الوصول إليها منذ أشهر”. ويلفت إلى أنّ حدود قرية المنيا جغرافيًا كانت تمتد إلى منطقة البحر الميت بمساحة تصل إلى 70 كيلومترًا، فيما تقلصت منذ 4 أشهر إلى كيلو واحد بعد أن منع الاحتلال السكّان وأصحاب الأراضي من التوجه إلى المناطق الشرقية، بحجة أنها “مناطق عسكرية مغلقة”، رغم السماح للمستوطنين مباشرةً بالانتشار والاستيلاء والاستيطان بالمنطقة.

وتهدف هذه الأعمال الاستيطانية، بحسب كوازبة، إلى إيجاد ربط بين مستوطنات شمال الخليل وشرقها مع المستوطنات الجنوبية والشرقية في بيت لحم، ضمن إطار الاستيلاء على المناطق البرية والمحميات الطبيعية في مناطق جنوب شرق الضفة الغربية مع المستوطنة المركزية جنوبًا “غوش عتصيون”. ويقول كوازبة: “الاستيطان التهم أراضينا بالكامل، نحن محاصرون من الغرب بالشارع الالتفافي، ومن الشرق والجنوب بالبؤر الاستيطانية التي تُقام بشكل متسارع”.

ويحذر كوازبة من مخطط تهجير شامل لأهالي القرية، مؤكدًا أن الاحتلال يسعى لضمّ أراضي المنيا بالكامل، تمهيدًا لإفراغها من سكانها البالغ عددهم نحو 3500 نسمة، بينهم 300 نسمة كانوا يقطنون منطقة برية المنيا. ويقول كوازبة: “هؤلاء طُردوا قسرًا من أراضيهم بعد اندلاع الحرب، بقوة سلاح المستوطنين وجيش الاحتلال”. ويُشير إلى أن المنيا تتبع جغرافيًا لبلدة سعير شمال الخليل، وإداريًا لمحافظة بيت لحم، “لكن اليوم، الاحتلال فصلها كليًا عن الخليل بعد إقامة بؤرة استيطانية في منطقة حما الروش، وتوسيع مستوطنة أصفر، ما تسبب في قطع التواصل الجغرافي بين المنيا وشمال الخليل”. ويطالب كوازبة الجهات الرسمية الفلسطينية بالتدخل قبل فوات الأوان و”تقديم دعم حقيقي للمزارعين الذين يواجهون مخططات التهجير والاقتلاع”.

أما في بلدة تقوع، فإن آليات الاحتلال تعمل منذ العاشر من الشهر الجاري على شق شارع استيطاني جديد يخترق أراضي المنطقة الشرقية من البلدة على طول 5 كيلومترات، وبالتالي فإن ذلك يهدّد بفصل تقوع عن امتدادها الطبيعي نحو برّيتها الشرقية وسفوح البحر الميت، ما ينذر بفقدان عشرات آلاف الدونمات من أراضي الزراعة والرعي. ويفيد رئيس بلدية تقوع، محمد البدن، في حديث مع “العربي الجديد”، بأن هذا الطريق يقع على بُعد أمتار قليلة فقط من منازل المواطنين، ما يعني أنه يهدد الأمن والاستقرار لنحو 4 آلاف مواطن يقطنون على مقربة منه من أصل 16 ألف يسكنون في تقوع، وهو جزء من مخطط لفصل المناطق الشرقية بالكامل عن البلدة.

ويؤكد البدن أن تنفيذ المشروع يجري من قِبل مجموعات من المستوطنين، وليس من قبل الجيش أو الإدارة المدنية التابعة للاحتلال، موضحًا أن نحو 30 مستوطنًا مسلحًا يشاركون في أعمال التجريف، تحت حماية قوات الاحتلال التي تغلق المنطقة بشكل كامل وتمنع الوصول إليها. ويلفت البدن إلى أنهم تواصلوا مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، ومع الارتباط الفلسطيني، للحصول على توضيحات رسمية بشأن هدف هذا الطريق، إلا أن الجهات المختصة لم تقدّم أي إجابة حتى الآن.

ويقول البدن: “حاولنا التوجه إلى الإدارة المدنية الإسرائيلية للاعتراض، لكن ذلك رُفض، بحجة حالة الطوارئ، ورفضوا تسلّم الشكاوى”. ويضيف: “هذا الطريق يُقام على أطراف البلدة شرقًا، وصولًا إلى منطقة تعرف بالمطلة، وهي مُطلّة على البحر الميت، ويتم ذلك دون أي إشعارات مسبقة أو أوامر مصادرة رسمية، رغم أن جزءًا من الأراضي التي يُشق فيها مصنّفة ضمن مناطق (ب)، الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية المشتركة”. ويشير رئيس البلدية إلى أن الهدف النهائي للاحتلال خلق فصل جغرافي كامل، وفرض وقائع استيطانية جديدة في منطقة تعتبر من آخر الامتدادات المفتوحة في جنوب الضفة الغربية.