بقلم “وسام زغبر ” المجاعة في غزة: وصمة عار على جبين الإنسانية وجرم يستدعي محاسبة الاحتلال

صالح شوكة
4 Min Read

المسار الإخباري :د خلت غزة رسميًا مرحلة الموت جوعًا. فقد أعلنت الأمم المتحدة عبر نظام تصنيف الأمن الغذائي المتكامل (IPC) أن القطاع بات في المرحلة الخامسة – مرحلة الكارثة الغذائية المطلقة، حيث يعيش أكثر من نصف مليون إنسان في جوع قاتل، مع توقعات بارتفاع العدد إلى ما يفوق 640 ألفًا خلال أسابيع قليلة إن استمرت حرب الإبادة ومنع إدخال المساعدات. إنها المجاعة الأولى المعلنة رسميًا في الشرق الأوسط بموجب هذا النظام العالمي، ما يجعلها شهادة دولية دامغة على فظاعة الجريمة الإسرائيلية.

إن اعتراف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وكبار مسؤولي المنظمة، ومعهم المرصد الدولي لمراقبة المجاعة، بأن ما يحدث في غزة ليس كارثة طبيعية بل سياسة ممنهجة للتجويع، يشكّل صفعة مدوّية على وجه حكومة نتنياهو وجيشه. فالاحتلال لم يكتفِ بالإبادة بالنيران، بل أضاف إليها الإبادة بالتجويع عبر الحصار، ومنع الغذاء والدواء والماء، وحرمان الأطفال والحوامل والمرضى من أبسط مقومات البقاء. وقد وصفت الأمم المتحدة ذلك بوضوح: التجويع جريمة حرب وإهانة للبشرية جمعاء.

تكمن خطورة هذا الإعلان الأممي في أنه يضع المجتمع الدولي أمام امتحان أخلاقي وقانوني. فالصمت بعد اليوم ليس حيادًا بل شراكة في الجريمة. والمطلوب ليس بيانات شجب جديدة، بل تحركًا ملزمًا عبر مجلس الأمن تحت الفصل السابع لفرض وقف فوري لإطلاق النار، وفتح المعابر كاملة دون قيد أو شرط أمام تدفق المساعدات.

لكن الأهم أن جريمة التجويع هذه تتجاوز حدود السياسة إلى القانون الدولي. فكما أقرّت الأمم المتحدة، هي جريمة حرب مكتملة الأركان، وهذا يستدعي من محكمة العدل الدولية استصدار قرار عاجل يُدينها بشكل صريح، ويضع حكومة الاحتلال وقادتها أمام العدالة الدولية. غير أن هذه القرارات، مهما بلغت قوتها القانونية، لن تكون قابلة للتنفيذ ما لم يُفرض وقف فوري لإطلاق النار، لأن استمرار الحرب يعني إفشال أي إجراء قضائي أو إنساني على الأرض.

وفي السياق ذاته، فإن على محكمة الجنايات الدولية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، وأن تتحرك فورًا لفتح تحقيق شامل في جريمة التجويع والإبادة الجماعية، والشروع دون إبطاء في اعتقال نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش وقادة جيشه، بصفتهم المسؤولين المباشرين عن الكارثة. إن أي تباطؤ أو تهاون من المحكمة سيُفسَّر كمنح الاحتلال ضوءًا أخضر لمواصلة جرائمه، وسيُفقد العدالة الدولية ما تبقّى من مصداقيتها.

إن عزل إسرائيل وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية وثقافية ورياضية وأكاديمية عليها، ونزع الشرعية عن نظامها الاستعماري، لم يعد مطلبًا سياسيًا فحسب، بل واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا. فمن يرتكب جرائم الإبادة الجماعية لا يمكن أن يبقى عضوًا طبيعيًا في المجتمع الدولي.

وفي مواجهة هذا المشهد المروّع، تقع على عاتق شعبنا في الداخل والشتات، ومعه أحرار العالم، مسؤولية مضاعفة في مواصلة الحراك الشعبي، والضغط الحقوقي والإعلامي، لفضح الاحتلال ومحاصرته دوليًا، وكشف زيف دعايته التي تختبئ خلف مزاعم «معاداة السامية» لتبرير مشروعه الاستعماري.

إن إعلان المجاعة في غزة ليس مجرد توصيف أممي لحالة إنسانية، بل وثيقة إدانة تاريخية لدولة الاحتلال. وما لم تتحول هذه الإدانة إلى خطوات عملية في مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، فإن البشرية كلها ستكون شريكة في عار الجريمة، ويومها لن ينجو أحد من سؤال التاريخ.

نداء أخير

لقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يثبت جديته، وذلك عبر التحرك الفوري لاعتقال نتنياهو وبن غفير وسموتيرتش وقادة جيش الاحتلال، ومحاكمتهم كمجرمي حرب، وإجبارهم على وقف الإبادة الجماعية. فالتاريخ لن يغفر للمتقاعسين، والعدالة لا تقبل التأجيل.

Loading

Share This Article