المسار : منذ أن أُقيم الكيان الصهيوني على أنقاض فلسطين، ظلّ الفلسطينيون موقنين أن هذا الاحتلال عابر، مهما طال عمره ومهما اشتد بطشه. توارثت الأجيال فكرة النبوءة المرتبطة بزوال إسرائيل، حتى أصبحت جزءاً من الوعي الجمعي الذي يرى في كل خطوة صهيونية توسعية علامة على اقتراب النهاية. واليوم، مع تصاعد الحديث عن ضم الضفة الغربية، يتجدد السؤال: أهي الغطرسة الأخيرة قبل السقوط؟
إن ضم الضفة ليس مجرّد إجراء سياسي أو توسع استيطاني عابر، بل هو إعلان صريح بأن إسرائيل لم تعد تعبأ بالقانون الدولي ولا بحقوق الفلسطينيين، وأنها تتجه نحو نظام فصل عنصري كامل. لكنها، في الوقت ذاته، تكشف مأزقها التاريخي؛ فكلما التهمت أرضاً جديدة، زادت عزلتها، وارتفعت تكلفة احتلالها، واتسعت رقعة المواجهة مع الشعب الفلسطيني الصامد.
الفلسطينيون الذين صمدوا في غزة تحت النار، والذين يواجهون الاستيطان في الخليل ونابلس والقدس،ورام الله يدركون أن ما يُسمى بالضم لن يغيّر حقيقة الأرض ولا هوية أصحابها. بل على العكس، إنه يقرّب ساعة الحساب، ويجعل الاحتلال يقف عارياً أمام العالم كنظام لا يعيش إلا بالقوة والقهر.
التاريخ علّمنا أن الغطرسة ذروة الانحدار، وأن الكيانات الظالمة حين تتوهم الخلود تكون قد خطت خطوتها الأولى نحو الزوال. وإسرائيل اليوم تعيد إنتاج أخطاء كل إمبراطورية غاصبة سبقتها، فلا النبوءات التي تتحدث عن زوالها بعيدة عن الواقع، ولا صمود الفلسطينيين أقل من أن يكتب النهاية بدمائهم وصبرهم.
إن ضم الضفة الغربية ليس تكريساً لسلطة الاحتلال، بل إعلان غير مباشر عن بداية نهايته. فهذه الأرض التي ارتوت بالدم والشهداء لن تكون يوماً سوى لفلسطين، والنبوءة التي يحلم بها شعبنا ليست وهماً، بل حقيقة تصنعها المقاومة والصمود والإيمان بأن الليل مهما طال لا بد أن ينكسر أمام شمس الحرية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر المسار