عباس شكل خلية مواجهة خطة ترامب

المسار :  تتوجّس القيادة الفلسطينية كثيرًا في هذا الوقت، بسبب القرارات الجديدة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية مؤخرًا، والتي تنال كثيرًا من القضية الفلسطينية، وأساسها فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتنفيذ مخطط تهجير سكان القطاع، الذي بدأ يأخذ خطوات عملية تهدف إلى تنفيذه.

ويؤكد مصدر سياسي فلسطيني مطّلع لـ”القدس العربي” أن الوضع الحالي الذي تعيشه القضية الفلسطينية أصعب بكثير من ذلك الوضع الذي كانت عليه خلال ولاية دونالد ترامب السابقة، حين طرح خطة “صفقة القرن”، وأن الرسائل التي تصل من الإدارة الأمريكية، ومنها ما تنقله جهات دولية وازنة، لا يشير إلى أن الأمر سيكون مجرد سحابة داكنة تنتهي بآثار بسيطة.

دراسة البدائل

وكشف المصدر عن خلية عمل سياسي شكّلها الرئيس محمود عباس، تتحدّث يوميًا سواء باتصالات مباشرة أو من خلال اللقاءات مع دول أوروبية وعربية مؤثرة، ضمن المحاولات الرامية لوقف المخطط الذي يديره ترامب في هذا الوقت، والذي يُعدّ أكثر خطرًا من “صفقة القرن”، خصوصا وأن ملامح المخطط الجديد التي كشفت بعضًا من أجزائه وسائل إعلام أمريكية تشير إلى وجود نوايا حقيقية لإنهاء القضية الفلسطينية، وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، بشكل يهدد فعليًا وجود السلطة الفلسطينية أيضًا.

وتدرس خلية الأزمة أيضًا البديل، لا سيما وأن منع التأشيرات يحرِم الرئيس عباس من إلقاء كلمة فلسطين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ظل محدودية فرصة نقل الاجتماعات إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف، كما يحرمه من حضور مؤتمر حلّ الدولتين الذي تقيمه الجمعية العامة للأمم المتحدة، برئاسة السعودية وفرنسا، في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، أي قبل يوم واحد من افتتاح أعمال الجمعية العامة.

مصدر سياسي فلسطيني لـ”القدس العربي” الوضع الحالي الذي تعيشه القضية الفلسطينية أصعب بكثير من ذلك الذي كان خلال ولاية ترامب السابقة، حين طرح خطة “صفقة القرن”

اتصالات عربية

وبالأساس تتركز الاتصالات الفلسطينية في هذا الوقت عربيًا على ثلاث دول مركزية، ولها علاقة مباشرة بالملف الفلسطيني، إضافة إلى مكانتها لدى الإدارة الأمريكية، وهي مصر والسعودية والأردن، حيث طلبت القيادة الفلسطينية رسميًا من هذه الدول سرعة التدخل من أجل وقف ما وصفه المصدر السياسي بـ”المخطط المجنون” لترامب.

وفي هذا الإطار وصل نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ إلى الرياض لتنسيق المواقف مع القيادة السعودية، حيث التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبخلاف الخبر البروتوكولي الذي تناول الاجتماع بأنه استعراض لآخر المستجدات على الساحة الفلسطينية، ومسألة منع التأشيرات للوفد الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، وسبل حشد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر الدولي المقبل، جرى إطلاع ولي العهد على الملفات الخطيرة التي تشهدها المناطق الفلسطينية في غزة والضفة، حيث يستمر العدوان بهدف فرض خطة التهجير القسري، وعمليات الاستيطان والضم.

زيارة السعودية تلتها زيارة بدأها الثلاثاء الشيخ إلى مصر، حسب مقرّبين، هدفت أيضًا إلى التأكيد على ضرورة أن يكون هناك موقف عربي قوي للتصدي وإبطال الخطة الأمريكية التي يُخشى تنفيذها قريبًا. ومن ضمن التحركات أجرى الشيخ اتصالًا هاتفيًا مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين والمبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين، تم خلاله بحث آخر المستجدات، ومسألة منع التأشيرات للوفد الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، وسبل حشد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر الدولي المقبل.

وسيقوم الشيخ ومسؤولون فلسطينيون كبار بإجراء سلسلة لقاءات علنية وغير علنية مع مسؤولين عرب وأجانب خلال الأيام القليلة القادمة. وترافقت لقاءات الشيخ مع جولة أوروبية استهلّتها وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين شاهين بإيطاليا حيث التقت نظيرها أنطونيو تياني في روما، في إطار جولتها الأوروبية لحشد الدعم لوقف العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

لقاء عباس – بلير

وفي شهر تموز / يوليو، واستشعارًا بالخطر المقبل، والمخططات التي تُحاك للنيل من القضية الفلسطينية، كان الرئيس عباس عقد في مقر إقامته في العاصمة الأردنية عمّان لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، قدّم خلاله تصوّر القيادة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة بعيدًا عن حركة “حماس”، كما ينادي المجتمع الدولي، وذلك لمعرفته بأن بلير بات عرّاب الحكومة الإسرائيلية لمخطط التهجير. وقد طالب في الاجتماع بتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع بشكل كامل بدعم عربي ودولي فاعل، وبضرورة وقف جميع الإجراءات الأحادية، وفي مقدمتها التوسع الاستيطاني ومخطط الضم.

لكن سياسيًا، لم تُتلقَّ حتى اللحظة أي إشارات عبر الوسطاء من واشنطن تشير إلى نية ترامب التخلي عن هذا المخطط، إذ تعمّدت الإدارة الأمريكية إرسال إشارات سلبية، تمثلت بعقد اجتماع الأسبوع الماضي في البيت الأبيض دُعي إليه صهر ترامب جاريد كوشنر، عرّاب “صفقة القرن” السابقة، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. ويتردد أن الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، أبرز المقرّبين من بنيامين نتنياهو، حضر الاجتماع.

والاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي، عدّ الأخطر في البيت الأبيض برئاسة ترامب، خُصّص لمناقشة الملف الفلسطيني والحرب على غزة.

ووفقًا لما تسرب عن الاجتماع، فإنه أتاح طرح مجموعة من الأفكار الأولية، أبرزها هوية الجهة التي يمكن أن تحكم غزة (لا تشمل السلطة الفلسطينية ولا حركة “حماس”)، وخلق بيئة استثمارية تسمح ببدء عملية إعادة الإعمار بشكل سريع، وأن ترامب طالب بمواصلة تطوير الخطة، واعتبرها أداة أساسية.

وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” كشفت عن خطة طوّرتها “مجموعة بوسطن الاستشارية”، إحدى أكبر شركات الاستشارات الأمريكية، بالتعاون مع “معهد توني بلير” وعدد من رجال الأعمال الإسرائيليين، بعنوان “الثقة العظيمة”، وتتعلق بتطوير غزة ما بعد الحرب، من خلال إقامة مشاريع بعد ترحيل سكانها، وإنشاء مدن ذكية ومشاريع عملاقة فوق ركام غزة، ضمن ما يُعرف بمشروع “ريفيرا غزة” الذي أعلن عنه ترامب سابقًا بعد ترحيل سكانها.

وترافق ذلك مع ما كشفته تقارير عبرية عن إدارة نتنياهو مفاوضات مع الإدارة الأمريكية حول حجم وتوقيت ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية وفرض السيادة عليها، لتصبح – مثل القدس الشرقية والجولان – مناطق إسرائيلية تحظى باعتراف أمريكي.

كما توّجت الرسائل السلبية الأمريكية بقيام قرار أصدره وزير الخارجية، يخالف القانون الدولي، بمنع الرئيس عباس وكبار مساعديه من الحصول على التأشيرة اللازمة لدخول أمريكا وحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمتوقع أن تشهد اعترافات دول غربية وازنة بالدولة الفلسطينية في مقدمتها بريطانيا وفرنسا.

اتصالات سبقت حجب التأشيرات

وعلمت “القدس العربي” أن اتصالات فلسطينية أمريكية سبقت الاجتماع وقرار حجب التأشيرات، غير أن هذه الاتصالات لم تفلح في ثني الإدارة الأمريكية عن قرارها، الذي قُدِّم كخدمة جديدة لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية.

وقد تلا ذلك أن أصدرت الإدارة الأمريكية قرارًا آخر فرضت فيه تعليقًا شاملًا لإصدار أي من أنواع التأشيرات لحملة جوازات السفر الفلسطينية، وعدّت الخطوة الأوسع من نوعها ضد الفلسطينيين، حيث شملت جميع الفلسطينيين بعد أن كان القرار محصورًا بسكان قطاع غزة. وتشمل القيود الجديدة التأشيرات للعلاج الطبي، والدراسات الجامعية، وزيارات الأقارب أو الأصدقاء، والسفر للأعمال.

المصدر … القدس العربي

Share This Article