“مجزرة إسرائيلية تهدم مقر صحيفتي 26 سبتمبر واليمن بصنعاء.. استشهاد عشرات الصحافيين والمدنيين”

المسار : مشهدٌ مرعب! لم يُعد هناك في محيط دائرة التوجيه المعنوي في ميدان التحرير سوى آثار دمار وخراب مهول! لقد اختفى كثير من تفاصيل المشهد. الأضرار شملت كل شي: شوارع، منازل، أسوار، مركبات، منشآت، كل شي تضرر أو دُمر أو أحرق.

قبل الدخول من البوابة الجنوبية للدائرة تجلى المنظر مخيفًاً! فمعظم مباني الدائرة قد سويت بالأرض، ولليوم الخامس ما زالت آليات رفع الرُكام تعمل.

كل شيء هنا كان جزءًا فاعلًا من تاريخ اليمن المعاصر، وبخاصة مبنى صحيفة 26 سبتمبر، التي كانت في مقدمة صُحف اليمن. كل شيء هناك اختفى، جراء الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف مباني الدائرة، وفي مقدمتها مقر صحيفتي 26 سبتمبر واليمن، بما فيها مرافق المطابع والأرشيف والتصوير، فقتلت الصواريخ الإسرائيلية أكثر من 20 من الصحافيين والإعلاميين الأبرياء، مرتبكة مذبحة تُعد من أكبر المذابح، التي شهدتها الصحافة والإعلام في التاريخ المعاصر.

حتى المنازل المجاورة لمباني الدائرة تضرر الكثير منها، وصارت جزءًا من مشهد الخراب الكائن هناك، وبعضها انهارت على سكانها، فاستشهد كثير من أهلها، بما فيهم نساء وأطفال، وكم هي تلك الصورة المتداولة مؤلمة لرب أسرة، وهو في لحظة روع وفزع، بينما هو يبحث عما تبقى من أسرته تحت رُكام منزله الذي انهار!

ما زالت الصحافة اليمنية في حالة ذهول، لم تستوعب ما خسرته من زملاء ورفاق المهنة في الهجوم الإسرائيلي على صنعاء الأربعاء الماضي.

بعد تداول قوائم بأعداد وأسماء من اُستشهدوا من زملاء الكلمة في ذلك الهجوم على مدى الأربعة الأيام الماضية؛ نعت صحيفتا 26 سبتمبر واليمن «استشهاد ٣١ شهيدًا من الصحفيين جراء العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مقر الصحيفتين بالعاصمة صنعاء وأدى إلى تدميره بصورة شاملة واستشهاد كوكبة من الكوادر الصحفية وإصابة ٢٢ صحفيًا إلى جانب استشهاد وجرح العشرات من المدنيين» وفق وكالة سبأ بصنعاء.

تجولت “القدس العربي” في أرجاء المكان، الذي صارت فيه المباني التي كانت قائمة هناك أثرًا بعد عين، بعد أن التهمت الصواريخ الإسرائيلية كل شيء.

تداخل الأشلاء

في تصريح لـ”القدس العربي” يقول مدير تحرير صحيفة 26 سبتمبر، ناصر الخدري، “إن يوم الأربعاء الماضي كان يومًا أسود في تاريخ الصحافة والإعلام في اليمن”، مقترحًا “أن يتم اعتماده يومًا سنويًا للإعلام اليمني، لأنه شهد واحدة من أبشع المذابح التي شهدها التاريخ الإنساني بحق الصحافة والإعلام”. وأضاف: “لقد سقط 26 صحافيًا وإعلاميًا في مجزرة إسرائيلية تم فيها التقاط معظمهم أشلاء”.

ويتابع أن “ما عمدت إليه إسرائيل في مجزرتها الأخيرة في اليمن بلا شك هو امتداد لمسارها الإجرامي الفظيع في قطاع غزة، وبينما قتلت في القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 أكثر من 240 صحافيًا، لم تتورع في اليمن عن استهداف الصحافيين والإعلاميين، لكنها في هذه الجريمة صوبت قنابلها نحو منشأة صحافية، ممثلة في مقر صحيفتي 26 سبتمبر واليمن، وخلال ساعات العمل الرئيسية، فارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها عشرات الصحافيين والإعلاميين، لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا يمارسون عملهم الصحافي والفني في سياق مهماهم المهنية اليومية”.

ويرى أن “هذه المجزرة بقدر ما تؤكد إرهابية هذا الكيان ووحشيته وخوفه من الصحافة، وحرصه على استهداف منصات الإعلام، هي تؤكد، في الوقت ذاته، أن هذا الكيان لا يعطي اعتبارًا لأي اتفاقيات دولية تضمن حماية العاملين في مهنة الصحافة، وتؤكد على سلامتهم في مختلف الظروف”.

ويكمل: “علاوة أن هذا الكيان يعمد لارتكاب جرائمه مهما كان حجم الضحايا، بهدف تحقيق ما يعتبره انتصارًا من خلال تفجير وتدمير منشآت مدنية عامة، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وهو قد دأب على هذا دون أن يحاسبه أحد، وبالتالي فالإفلات من العقاب جعله يستمر في ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر، وآخرها مذبحته في مقر صحيفتي 26 سبتمبر واليمن بصنعاء، في سياق محاولته معاقبة اليمن لموقفه في إسناد غزة”.

وأشار الخدري، إلى أن زميلين من الصحافيين كانا قد اصطحبا، في ذلك اليوم، طفليهما إلى مكاتبهما في العمل، وللأسف اُستشهدا مع أطفالهما، “وهي مجزرة لم تقتصر على الصحافيين والعاملين في مقر صحيفتي 26 سبتمبر واليمن، بل شملت مدنيين من المارة في الشوارع المحيطة بالدائرة، وكذلك المنازل الملاصقة لها، حيث اُستشهدا عديد من المواطنين، بينهم نساء وأطفال”.

وأعلنت وزارة الصحة بصنعاء، الخميس، ارتفاع ضحايا العدوان الإسرائيلي على العاصمة صنعاء ومحافظة الجوف الأربعاء، إلى 46 شهيدًا و165 جريحًا بينهم نساء وأطفال، في حصيلة غير نهائية.

وقال الخدري: “لم نتوقع أن يتم استهداف مقر الصحيفتين، وهي صحف يعمل فيها صحافيون وإعلاميون سلاحهم الكلمة فقط، لكن إسرائيل تواصل ارتكاب الجرائم ومن ثم التبرير لجريمتها، إذ بررت استهداف الصحيفتين بأن المكان مقر إعلام عسكري، وهو مبرر يتجلى كمحاولة لغسل الجريمة، فالشهداء صحافيون وإعلاميون، ومعهم استشهد أطفال، كما استشهد رجال ونساء وأطفال في المنازل المجاورة”.

وأرجع تأخر أعمال انتشال الضحايا من تحت الأنقاض إلى قوة الضربة، فتمزقت كثير من الجثث، حد أن بعض الأشلاء قُذف بها إلى أبعد من 500 متر من مقر الصحيفة، علاوة على تداخل مخلفات الدمار الذي خلفته الضربة بمخلفات منازل مجاورة، وبالتالي تداخلت الجثث، مما ترتب عليه تأخر في التعرف على بعضها.

وتبرز صحيفة 26 سبتمبر، وهي تابعة لدائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، في مقدمة الصُحف اليمنية الفاعلة والمؤثرة، وكانت على رأس الصحف اليمنية في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، إذ كانت قريبة من مركز صناعة القرار، وكان السكرتير الصحافي لصالح نائبًا لرئيس تحريرها.

كتب في هذه الصحيفة، التي تمثل جزءًا من تاريخ اليمن السياسي والصحافي المعاصر، نخبة من أبرز كُتاب اليمن، كالراحلين عبد العزيز المقالح وعبدالله البرودني، بالإضافة إلى عباس الديلمي، والراحل صالح الدحان شيخ الصحافيين اليمنيين، وحسن اللوزي، وعبدالكريم الخميسي، وغيرهم من الأسماء الكبيرة والبارزة والمؤثرة، بالإضافة إلى كُتاب عرب بارزين أمثال: خيرالله خيرالله، وفيصل جلول وغيرهما

الشظايا في كل مكان

يروي الصحافي منصور الآنسى، وهو ممن نجا من الموت في مقر الصحيفتين، اللحظات التي عاشها، وهو يحاول الزحف متجاوزًا الجحيم من حوله.

يقول لـ”القدس العربي”: “قبيل الهجوم بوقت قصير قررتُ الخروج من مبنى الصحيفة، وبالقرب منه جلست في الحديقة على العشب، وخلال ثوان فوجئتُ بانفجار هز كل شيء، وشعرت بكل شيء من حولي يهتز، ورأيت الشظايا في كل مكان”.

ويضيف: “بينما الدم يسيل من وجهي، ومن جميع أنحاء جسمي، اضطررت أن أستلقي في مكاني، وإذا بالصاروخ الثاني يهبط كالصاعقة، فتعمدتُ الزحف من مكاني قليلاً، وبينما حاولت أن أرفع رأسي قليلاً، كان الصاروخ الثالث قد صنع انفجاراً ودماراً. كانت حينها الدنيا من حولي كلها شظايا ونار! وبقي كل شيء ظلام ونار وبارود. هدأت قليلًا، ومن ثم أنرت مصباح الموبايل، وبدأت بالزحف فوق جمر من نار، فاحترقت قدماي، بينما الدم يسيل من كل جزء في جسمي”.

واستطرد: “وأنا أخرج من الدائرة وجدتُ مباني قد سويت بالأرض، وأشلاء متناثرة في كل مكان. تحولتِ الدائرة بما فيها المرافق الخدمية من مطابع وغيرها إلى رُكام وأشلاء. عندما خرجتُ شعرتُ أنني قد خرجت من قعر جهنم!».

وقالت حكومة الحوثيين في بيان “إن هذه الجرائم رغم بشاعتها وفظاعتها لن تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى إضعاف الموقف الإعلامي اليمني في فضح جرائم العدوان الأمريكي الإسرائيلي على شعوب أمتنا الإسلامية”، مؤكدة أنها “ستمثل دافعاً إضافياً لمضاعفة العمل وتكثيف النشاط عبر كافة منصات الإعلام اليمني في مواجهة المشروع الصهيوني الشرير وفضح جرائمه وتعزيز التضامن الإعلامي مع قضية الشعب الفلسطيني المحقة والعادلة”.

المصدر …القدس العربي

Share This Article