افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 22/9/2025
“أغلبية الضحايا مدنيون”.. إسرائيل باعتراف غير مباشر: معطيات وزارة الصحة في غزة صحيحة
بقلم: نير حسون
قبل عشرة أيام، وصل رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي لمحادثة مع أعضاء “موشاف عين هبسور” في غلاف غزة. خلال المحادثة التي حاول فيها الاعتذار عن فشل 7 أكتوبر، قال لأعضاء “الموشاف”: يوجد 2.2 مليون مواطن في غزة، أكثر من 10 في المئة منهم قتلوا أو أصيبوا. هذه ليست حرباً لطيفة”. هذه المرة لم تكن الأولى التي تؤكد فيها شخصية إسرائيلية رفيعة على معطيات وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة.
حسب وزارة الصحة الغزية، فقد قتل حتى الآن 65.283 شخصاً، وأصيب أكثر من 166 ألف شخص، أي حوالي 230 ألف شخص بالإجمال. في آذار 2024 أكد نتنياهو على بيانات وزارة الصحة الفلسطينية عندما قال إن إسرائيل قتلت 13 ألف مخرب، و1 – 1.5 مدني مقابل كل مخرب. نتيجة هذه المناورة كانت قريبة جداً من معطيات وزارة الصحة في غزة حول الوفيات. هكذا، في الوقت الذي تنكر فيه إسرائيل المعطيات بصورة رسمية، فإنها تعترف فعلياً بأنها معطيات موثوقة. يجب الذكر أيضاً بأن وزارة الصحة لا تكتفي بنشر أعداد، بل تدعمها بقائمة مفصلة تشمل الاسم الكامل (بما في ذلك اسم الأب والجد) وأرقام هوية القتلى. رقم الهوية تصدره إسرائيل. لو اعتقدت حكومة إسرائيل أن القوائم غير موثوقة، فإن وزارة الصحة الحمساوية قد أعطتها كل الأدوات لدحضها. تنازل إسرائيل عن محاولة دحض القوائم يدل على موثوقيتها أيضاً.
أستوديوهات إسرائيل لا تعنى بالسؤال عن عدد القتلى في غزة، لكن النقاش الأساسي يتركز على مسألة هويتهم – كم يبلغ قتلى مقاتلي حماس والتنظيمات المسلحة الأخرى، وكم عدد غير المتورطين؟ باللغة العسكرية. إسرائيل تطرح ادعاء صحيحاً فيما يتعلق بقوائم وزارة الصحة – يقول إنها لا تميز بين المسلحين والمدنيين. لكن سلسلة طويلة من الأبحاث والتقارير التي نشرت خلال الحرب، وكذلك المقارنة بين معطيات الجيش الإسرائيلي ومعطيات وزارة الصحة في غزة، تزيد الشك بأن المدنيين هم الأغلبية الساحقة من بين القتلى في غزة – نسبة أعلى من المعطيات الرسمية الإسرائيلية (التي تتحدث على الأغلب عن مواطن أو مواطنين قتلى مقابل كل مسلح)، وأعلى من أي حرب أخرى في القرن الحادي والعشرين.
في 20 آب، نشر المتحدث باسم الجيش ملخصاً لعملية “عربات جدعون”، التي بدأت مع خرق وقف إطلاق النار في 18 آذار (التي تحولت بعد ذلك إلى عربات جدعون 1، إزاء بداية عملية عربات جدعون 2). تفاخر الجيش الإسرائيلي في البيان بقتل أكثر من 2100 مخرب. وشمل البيان أسماء 34 قائداً أو زعيماً من حماس، الذين قتلوا في هذه الفترة على يد الجيش الإسرائيلي. في اليوم نفسه، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، تم إحصاء 10576 قتيلاً منذ خرق وقف إطلاق النار أي حوالي 20 في المئة من القتلى فقط هم من المدنيين ومن أعضاء حماس. في نفس بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قيل إنه في تلك الفترة كان هناك حوالي 10 آلاف هجوم في القطاع. وبكلمات أخرى، وحسب الجيش الإسرائيلي، في المتوسط، كل مخرب قتل في القطاع يحتاج إلى 5 هجمات منفصلة. الجيش لم يفسر بشأن الـ 80 في المئة من المدنيين الذين قتلوا في كل هجوم.
في التحقيق الذي نشرته الأسبوع الماضي منظمة “موقع الصراع المسلح وبيانات الحادث” (إي.سي.إل.إي.دي)، وهي منظمة أمريكية غير حكومية توثق النزاعات العنيفة، أدعى أن عدد المسلحين الذين قتلوا في هذه الفترة لا يزيد على 1100، أي أقل 10 في المئة. مع ذلك، هذه المنظمة لا تعطي تفاصيل عن كيفية استخراج هذا العدد. هذا المعطى عن النسبة الكبيرة للمدنيين القتلى، يتساوق أيضاً مع بحث من شهر آب أجراه الصحافي يوفال أبراهام في موقع “محادثة محلية” وفي “الغارديان” على أساس قاعدة البيانات التابعة لـ “أمان”. حسب أبراهام، فإنه في أيار تم توثيق في قاعدة البيانات 8900 من رجال حماس و”الجهاد الإسلامي”، كما يبدو قتلى. في الوقت نفسه، بلغ عدد قتلى حماس حوالي 53 ألفاً. المعنى أنه حسب هذه البيانات، كان حوالي 17 في المئة من القتلى مسلحين أو تم تشخيصهم كرجال حماس.
وفي مراحل أكثر تقدماً للحرب، حاول مراسلون وبعض المنظمات فحص بيانات الجيش الإسرائيلي. في شباط 2024 نشرت “بي.بي.سي” تحقيقاً حاول فحص ادعاء الجيش الإسرائيلي الذي يقول إنه قتل حتى ذلك الحين 10 آلاف مخرب، ووجد أن هذا العدد غير معقول. ومنظمة “اير وورز” التي حللت الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب وجدت أن نسبة النساء والأطفال القتلى في هذه المرحلة كانت استثنائية في كل مقارنة دولية أخرى. عدد المسلحين الذين قتلوا في هذه الفترة كان صغيراً. من بين الـ 606 هجمات التي وثقتها المنظمة، فإن 26 منها وجدت فيها أدلة على قتل شخص مسلح. الباحث والمدون عيدان لنداو، الذي تابع بيانات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بعدد القتلى، توصل إلى استنتاج مشابه، ومثله المؤرخ لي مردخاي الذي يدير قاعدة بيانات ضخمة حول الحرب. ومنظمة “آكشن اون ارند فيولينس”، التي فحصت البيانات في تشرين الثاني 2024 توصلت إلى استنتاج بأن 74 في المئة من القتلى حتى ذلك الحين هم من المدنيين.
يمكن أيضاً فحص القوائم الاسمية لوزارة الصحة في غزة. يتضح من البيانات أن 46 في المئة من القتلى هم من النساء والأطفال تحت جيل الـ 18، وبينهم أكثر من 940 طفلاً رضيعاً دون السنة. هذا الرقم هو ضعف أي نزاع آخر تم فحصه في الحروب منذ التسعينيات، ويدل -حسب الباحث البريطاني البروفيسور مايكل شفغيت- على حجم المس بالمدنيين.
يمكن معرفة نسبة المدنيين الذين قتلوا في غزة من صمت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بهجمات محددة طلب منه الرد عليها. قبل ثلاثة أسابيع، طلبت “هآرتس” من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي رداً على 29 هجوماً موثقاً من آب، التي قتل فيها 180 شخصاً. في معظم الحالات، لم يتم إعطاء رد موضوعي حول سبب الهجوم أو رد على سؤال ما إذا لدى الجيش الإسرائيلي أي دليل على تشخيص القتلى.
في الأسبوع الماضي، سئل الجيش الإسرائيلي مرة أخرى عن موت 23 شخصاً من أبناء عائلة زقوت في غزة. ولكن دون أن تقدم إجابة. في عشرات الأحداث الأخرى التي تم التحقيق فيها بشكل جيد من قبل منظمات حقوق إنسان ومراسلين، تبين أن سياسة إطلاق النار للجيش الإسرائيلي تسمح بقتل جماعي للمدنيين حتى عندما يكون الخطر على حياة القوات ضئيلاً أو أن هدف الهجوم شخص واحد في الجهاز العسكري للعدو.
القتال في غزة يجري خلف ستار دخان. الجمهور الإسرائيلي والمراسلون يجدون صعوبة في استخلاص الحقيقة حول ما يحدث في غزة. ولكن يتبين من بين كل التحقيقات والتقارير والشهادات المتراكمة، وجود صعوبة كبيرة في قبول الادعاءات الإسرائيلية بشأن احترام قوانين القتال والامتناع عن المس بالأبرياء. تفسير هذه السياسة يمكن إيجاده في أقوال هاليفي التي قالها لأعضاء عين هبسورا في لقائه معهم: “بين سنة ونصف وسنة وسبعة أشهر، هاجمنا في كل الشرق الأوسط كثيراً وبكميات ضخمة. لم يقيدني أحد يوماً، حتى المدعي العام العسكري. بالمناسبة، ليس للمدعي العام العسكري صلاحية لتقييدي”.
الانشغال بالأرقام قد يجعلنا ننسى أن خلفها مأساة إنسانية لا يمكن تخيلها. في اليومين الأخيرين، مثلما في معظم الأيام منذ بدء الحرب، نشرت توثيقات لمدنيين قتلى في قطاع غزة: جثث، وأشلاء أعضاء في الشارع، شقيقتان قتيلتان بجانب بعضهما، طفل رضيع جثته محترقة، وكومة جثث محملة على شاحنة. من بين الصور، هناك صورة لأربعة أخوة في عائلة جملة، أخ كبير يحتضن أخاً صغيراً، شقيقتان تقفان بابتسام وخجل أمام الكاميرا. جميعهم تم قتلهم في هجوم على بيتهم في غزة فجر السبت.
من المتحدث باسم الجيش جاء: “الجيش الإسرائيلي يعمل على تقليص المس بالمدنيين والبنى التحتية المدنية وفقاً لقوانين الحرب. هو يبذل جهوداً كبيرة لاتخاذ أساليب حذرة قبل تنفيذ الهجوم. الأرقام المعروضة في التحقيق لا تتناسب مطلقاً مع التقديرات المتواصلة في الجيش الإسرائيلي بالنسبة لحجم الإضرار بنشطاء حماس ومنظومتها، التي ترتكز إلى عدد متنوع من المصادر والمعطيات”.
——————————————
يديعوت أحرونوت (خاص) 22/9/2025
في رسالة خاصة… ستارمر للإسرائيليين: لهذا اعترفتُ بدولة فلسطينية
بقلم: كير ستارمر
أعرف أن القرار الذي اتخذته للاعتراف بدولة فلسطينية سيثير قلقاً وغضباً لدى الكثيرين في إسرائيل. وعليه، كصديق لإسرائيل، بودي أن أشرح هذا القرار ولماذا أؤمن بأنه خطوة حيوية نحو سلام وتطبيع لعلاقات إسرائيل مع جيرانها والمنطقة بأسرها.
بودي أن أقول إن وضع المخطوفين في ذهني طوال الوقت. التقيت بعائلات المخطوفين البريطانية، وأرى العذابات التي يمرون بها يومياً. من خلال عائلتي الموسعة في إسرائيل، أنا على وعي بالألم العميق وبالمعاناة النفسية التي تتميز بها السنتان الأخيرتان، منذ فظاعة هجمة حماس اللعينة في 7 أكتوبر.
وعليه، أعود وأطالب بتحرير المخطوفين بشكل فوري وبلا شروط. سنواصل دعمنا لعودتهم إلى الديار بكل الجهد. أنا مؤمن بالمفاوضات على وقف النار، واتفاق سلام طويل المدى سيقرب اليوم الذي يتحررون فيه.
الوضع الذي تسير فيه المنطقة الآن مسار العنف، والمعاناة التي تتعمق، لا يخدمان أحداً. الألم والمعاناة في إسرائيل لا تحتملان. الموت والدمار والجوع في غزة لا تحتمل. هذا وضع يجب إنهاؤه. إني أناشد الحكومة الإسرائيلية بوقف الهجوم وإغراق غزة بالمساعدات.
أناس أبرياء من كل الأطراف جديرون بفرصة إعادة بناء حياتهم. نحن ملزمون بتغيير الاتجاه. على حد فكري، لن يتحقق السلام الدائم إلا عندما تكون إسرائيل آمنة ومحمية، وإلى جانبها دولة فلسطينية مستقرة. لكننا الآن، لا نملك هذا ولا ذاك.
هذا هو السبب الذي يجعلنا نبني إجماعاً مع زعماء في المنطقة وما وراءها حول خطتنا الإطار للسلام. هذه ليست خطة سلام منافسة، بل خطة أوسع، هدفها توحيد الناس –إسرائيل، الدول العربية، الولايات المتحدة وآخرين– حول رؤية مشتركة وسلسلة خطوات قد تؤدي بنا من وقف نار في غزة إلى محادثات ومفاوضات على إنهاء دائم للنزاع.
اعترفنا بدولة فلسطينية ضمن هذا الإطار. فالتقدم نحو السلام والتطبيع لن يكون بلا اعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. ينبغي أن يكون واضحاً: الاعتراف ليس تأييداً لمبدأ الدولتين فقط، بل أيضاً رفض لأولئك المتطرفين الذين يحلمون بإبادة دولة إسرائيل -وأولئك الذين يريدون طرد السكان الفلسطينيين.
لأولئك الذين يدعون بأن هذا الحل جائزة لإرهابيي حماس، سأبين لهم عكس ذلك؛ فدعوتنا لحل حقيقي يتمثل بدولتين هو النقيض التام لرؤياهم المفعمة بالكراهية. ومعنى ذلك أنه لن يكون لحماس دور في المستقبل – لا كجزء من الحكم ولا كجزء من الأمن. لقد أخرجت بريطانيا حماس عن القانون، وفرضت عليها عقوبات كمنظمة إرهاب. ولم نكتف بذلك؛ فقد أمرت بالعمل على عقوبات أخرى تفرض على كبار مسؤولي حماس في الأسابيع القريبة المقبلة.
لأولئك الذين يتخوفون من أن دولة فلسطينية ستشكل تهديداً على إسرائيل: اسمحوا لي أن أعدكم بأننا سنعمل مع شركاء في أرجاء العالم لضمان عدم حصول هذا. موقفنا واضح: الدولة الفلسطينية يجب أن تكون مجردة. لن يكون لها جيش أو سلاح جو. الرئيس عباس بنفسه أيد هذا المبدأ مثلما أيد أيضاً أصلاً جذرياً في السلطة الفلسطينية.
لأولئك الذين يخافون من أن تفوز حماس في الانتخابات وتسيطر على الضفة الغربية، موقفنا واضح: لن يسمح لأي حزب بالتنافس في الانتخابات الفلسطينية إلا إذا تبنى مبدأ السياسة غير العنيفة. هذه هي اللحظة لتغيير الاتجاه – العودة إلى طريق السلام.
نريد أن نرى مستقبلاً يتمكن فيه الناس العاديون من العيش بلا عنف وإرهاب. مستقبل تتمتع فيه إسرائيل بعلاقات طبيعية مع كل جيرانها، بما فيها دولة فلسطينية مستقرة ومحبة للسلام. مستقبل تتمكن فيه إسرائيل من الازدهار بأمن وسلام.
بودي أن أعمل مع إسرائيل كي أبقي هذا الأمل على قيد الحياة. بهذه الروح، أتمنى للجميع سنة جديدة من السلام، والصحة والسعادة. سنة طيبة.
——————————————
هآرتس 22/9/2025
بينيت محذراً رؤساء المنظومة الأمنية من مخطط نتنياهو: إياكم وتأجيل الانتخابات
بقلم: عاموس هرئيل
البيان الذي نشره نفتالي بينيت يوم الأحد، استثنائي في طابعه. رئيس الحكومة السابق، الذي يستعد بلا شك للعودة والمنافسة في الانتخابات القادمة، نشر ما وصفه بـ”بيان تعزيز خاص لشاغلي المناصب في الخدمة العامة ولجهات إنفاذ القانون”. يوضح أنه سئل من قبل “عدد لا يحصى من الناس، ما إذا كانت ستجري انتخابات أصلاً” ويعد: “لن نسمح لأحد بتأجيل الانتخابات أو تشويشها”. وهو بهذه المناسبة -يكتب بينيت- يتوجه إلى رؤساء المنظومة الأمنية وإلى رجال إنفاذ القانون، ويبين أنه مدرك للضغوط الهائلة الممارسة عليهم، لكنه يطلب: “لا توافقوا على خرق القانون أو ليّ القواعد بسبب ضغط سياسي. تتحملون المسؤولية عن أفعالكم. لا تخافوا. قريباً ستستبدل الحكومة الحالية”.
يُنشر البيان على خلفية تقديرات وتكهنات، طُرحت باطراد في الأسابيع الأخيرة، مفادها أن نتنياهو لا يكتفي بإدارة حرب أبدية ضد حماس في غزة، بل سيبحث عن ذرائع لتأجيل الانتخابات إلى ما بعد موعدها المحدد قانونياً في تشرين الأول 2026، بذريعة حالة طوارئ أمنية. منظمات الاحتجاج وكتل المعارضة يكثرون من الحديث عن نية للمساس بنزاهة الانتخابات، وردع الناخبين العرب عن التصويت ويؤدي إلى شطب أحزاب عربية من الترشح. نتنياهو لم يبعث بإشارات بشأن نيته حتى الآن. لكن إذا تحقق سيناريو كهذا، فسيكون المطلوب سياق أمني، ومن المشكوك فيه ما إذا كان الاحتكاك العسكري المستمر في غزة سيبقى كافياً.
ومن الرد على أقوال بينيت، الذي سدده الساحب السريع للمسدس، وزير الدفاع يسرائيل كاتس، يُلمح أيضاً إلى السياق. لقد كتب كاتس أن “بينيت يصرح بأنه مدرك للضغوط على رؤساء المنظومة الأمنية لمنع إجراء الانتخابات، تماماً كما كان “مدركاً” لخطة الهجوم على إيران، التي عارضها أياماً قليلة قبل انطلاقها”. ووصف بينيت بأنه “منفصل عن أي صلة أمنية ورجل مختلق. كفاكم استخدام مقدسات المنظومة الأمنية لأغراض سياسية رخيصة”. كلمات كالسياط من رجل ينافس الناطق باسم الجيش في بيانات عن هجمات في اليمن ويصر باستمرار على استخدام المقاتلين كأدوات مساعدة وكـ “كومبارس” منذ توليه منصبه في تشرين الثاني الماضي.
لكن الأهم، كما قيل، هو خلفية الخلاف. يبدو أن بينيت يلمح إلى أن الحكومة تنوي رفع التوتر مجدداً في الساحة الإيرانية. لقد سعى نتنياهو إلى مهاجمة المواقع النووية في إيران فوراً بعد المجزرة التي ارتكبتها حماس في غلاف غزة في 7 تشرين الأول (وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، ضغط للعمل في لبنان؛ واضطرا للاكتفاء بالحرب في غزة في المرحلة الأولى). بعد ذلك، في نهاية 2024، أمر رئيس الحكومة بتسريع الاستعدادات للهجوم في إيران، الذي نال ختم الشرعنة النهائي من رئيس الولايات المتحدة ترامب مطلع حزيران الأخير. حتى عندما انطلقت العملية، كان في الجيش من تساءل إلى أي حد يسترشد نتنياهو بدوافع شخصية وسياسية، مثل الحصول على تأجيل إضافي في محاكمته. تركيبة الظروف التي نشأت – دلائل على تقدم ما لإيران في برنامجها النووي، إنتاج جماعي لصواريخ باليستية، والفرصة النادرة التي وفرها الضوء الأخضر من ترامب – قادتهم إلى تأييد الهجوم.
السؤال هو: ما الذي سيحدث إذا تكرر الأمر خلال السنة القادمة، في توقيت سيكون مريحاً لنتنياهو؟ بينيت، الذي شغل منصب مدير مكتبه عندما كان رئيساً للمعارضة ولاحقاً حليفه السياسي، يعرف شيئاً أو اثنين عن الطريقة التي يتصرف بها نتنياهو حين يكون ظهره إلى الحائط. لقد صيغ البيان بصيغة مبهمة وموحية بما يكفي لإثارة الإعلام، ولكن أيضاً للإشارة إلى موظفي الجمهور المعنيين. لكن بينيت يبث لنتنياهو أنه يتابع مخططاته أكثر مما يوجه حديثه للإسرائيليين.
يقف في الخلفية فشل عملية اغتيال فريق التفاوض التابع لحماس في قطر، مطلع هذا الشهر. رغم أن معظم كبار المنظومة الأمنية عارضوا الهجوم، لأسباب مختلفة، يصعب القول إنهم أظهروا صلابة استثنائية وقت عملية اتخاذ القرار. فقد أصر نتنياهو على العملية – الفاشلة، المعيقة للمفاوضات لتحرير الرهائن، المعقدة للعلاقات مع الوسيطة قطر، والكاشفة لقدرات عسكرية حساسة – وهي بالفعل انطلقت. يقول لهم بينيت: إنهم ينظرون إليكم. حتى هذه الحكومة الجامحة والمتهورة ستنهي ولايتها في النهاية، وستقدمون ثمن سلوككم في ظلها.
حتى اليوم، لم ينجح نتنياهو في تعيين أشخاص على هواه في قمة المنظومة الأمنية. رئيس الأركان الحالي، إيال زامير، مثال آخر في السلسلة. صحيح أن نتنياهو وقع على التعيين، إلى جانب كاتس، لكن يُشك فيما إذا كان قد تصور أن رئيس الأركان، بعد أن تحطمت أوهامه بشأن هزيمة حماس مع تجدد الحرب في آذار الماضي، سيتمسك برأيه في الخلاف حول احتلال مدينة غزة. تحفظات زامير المتكررة، المسرّبة من كل تشاور أمني، تصعب على نتنياهو تسويق نصر قريب، وتبطئ تقدم القوات في دخول المدينة.
رجل الأسود والأبيض
الآن، توضع على المحك وللمرة الأولى محاولة المضي بـ”واحد منا”. لجنة إقرار التعيينات الرفيعة ناقشت أمس، للمرة الثانية، تعيين اللواء في الاحتياط دافيد زينيه، في منصب رئيس “الشاباك”. يحاول نتنياهو الدفع بتعيينه منذ أيار، لكنه اصطدم بصعوبات من جانب المحكمة العليا والمستشارة القانونية للحكومة. قريباً، من المتوقع حسم الأمر، بعد أن سمعت اللجنة معارضة أربعة رؤساء “شاباك” سابقين، ومن جهة أخرى تأييداً من ضباط كبار في الاحتياط، إخوة زينيه في السلاح.
ربما الأهم من كل الشهادات شهادة زامير ورئيس “الشاباك” السابق، رونين بار. كتم زينيه سراً عن رئيس الأركان، قائده، بشأن الاتصالات مع نتنياهو حول التعيين. عندما سمع زامير بذلك، سارع إلى إبعاده عن الخدمة الفعلية في الجيش. بار، الذي فضل الاستقالة في النهاية تحت ضغط غير محتمل مارسه عليه نتنياهو، لن يقف مباشرة ضد خليفته المرتقب، لكن من المرجح أنه حرص على أن بفهم أعضاء اللجنة كيف يتدخل نتنياهو هنا. المشكلة -كما يتبين أيضاً من إفادات بار للمحكمة العليا وكذلك من إفادات أسلافه- كامنة في الشخص المعيّن قبل أن تكون في المعيَّن. توثق الشهادات خطوات واسعة لنتنياهو، هدفها التأثير على رؤساء الجهاز لاتخاذ خطوات غير ديمقراطية ضد خصومه السياسيين ونشطاء منظمات الاحتجاج، الذين أخرجوه هو وعائلته عن طورهم في العقد الأخير باحتجاجاتهم واستفزازاتهم.
في خدمته العسكرية الطويلة بـ “غولاني” ووحدات أخرى، ترك زينيه وراءه مؤيدين كثيرين بين مرؤوسيه وقادته. لقد قدّروا مهاراته القتالية وكاريزما قائد عرف كيف يقود رجاله تحت النار. قليلون انبهروا من فهمه الاستراتيجي. يطرح مؤيدو التعيين حجتين مركزيتين: سيدخل زينيه روحاً جديدة إلى “الشاباك” في القتال ضد الإرهاب، بعد فشل الجهاز في 7 تشرين الأول؛ وأن إيمانه الديني الأيديولوجي لا يجب استخدام ذريعة لعدم ترقيته. لقد تخلى نتنياهو تماماً عن الاتكال على المراجعة التي أجراها زينيه في فرقة غزة قبل الهجوم. الملاحظات التي تضمنها التقرير كانت ميكرو- تكتيكية. جزء منها -يقول مصدر عسكري- تناول الحاجة إلى نزع الأعشاب قرب سياج الحدود.
لكن مركز اهتمام “الشاباك”، الذي هو بحاجة إلى عملية إعادة بناء، ليس غياب الروح القتالية. أما المواقف فائقة التطرف لرئيس الجهاز المرشح ومحيطه فهي ذات صلة كبيرة بالمنصب، ولا سيما في الظروف الحالية. نتنياهو لا يبحث فقط عن رئيس جهاز لإحباط الإرهاب، بل عن قائد شرطة سرية يُظهر له ولاء شخصياً. هذا ما يشدد عليه مراراً وتكراراً، في مداولات الحكومة والكابنيت، كعبرة تعلمها من ولاية صديقه ترامب الثانية.
لرئيس “الشاباك”، بحكم منصبه الإضافي كقائد شرطة سرية، قدرات كامنة هائلة، يُلمح إليها أيضاً في الإفادات التي قُدمت إلى غرونيس: مراقبات لسياسيين ونشطاء احتجاج، مضايقات، تنصتات، اعتقالات. يُشك في أن زينيه، وهو شخص يصفه حتى أصدقاؤه بأنه رجل أبيض وأسود، يستطيع الصمود في وجه طلبات نتنياهو، ولا سيما إذا قال له معلمه، الحاخام تسفي تاو، إن هذا ما يتعين عليه فعله. التعيين المخطط له هو بمثابة راية حمراء للديمقراطية الإسرائيلية. تكمن هنا، على المدى البعيد، مخاطر لا تقل شأناً عن تلك التي يلمح إليها بينيت.
في النهاية، هنالك مخرب ينتظر
رأس السنة هذا العام لن يتسم على ما يبدو بأجواء احتفالية خاصة. في الواقع، يبدو أن تاريخاً آخر يرفرف في الهواء، هو الذكرى الثانية لحرب 7 تشرين الأول، بعد 15 يوماً. إذا كانت لأحد ما، بعد انقضاء السنة الأولى، أوهام بشأن نصر إسرائيلي سريع في القطاع، فقد تلاشت منذ زمن. في الأسابيع الأخيرة، ها هو جيش الدفاع الإسرائيلي في خضم خطوة برية جديدة، هدفها السيطرة على مدينة غزة. لكن، خلافاً للأوهام التي تبثها الحكومة، يشك جزء كبير من الضباط في رئاسة الأركان والمقرات المتقدمة، في فرص هزيمة حماس، ويشكك في عدالة الحرب في مرحلتها الراهنة.
إن تفكيك حماس كمنظمة عسكرية تحقق فعلياً في مرحلة مبكرة – ثمة ضباط يتحدثون عن شباط 2024؛ وآخرون يدعون أن الأمر وقع في أيار من السنة ذاتها أو في أشهر الصيف من العام الماضي. هذه هي المرحلة التي توقف فيها التنظيم عن العمل كجسم ذي هرمية عسكرية، وتحوّل إلى حركة عصابات. معظم قدراته العسكرية دمّرت، وقسم كبير من قادته الكبار قُتلوا، منذ العام الماضي. كان يفترض لنجاح نسبي لجيش الدفاع الإسرائيلي، بعد 7 تشرين الأول، أن يمنح المستوى السياسي سلماً للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب. غير أن الحكومة، لاعتبارات سياسية (حاجة نتنياهو إلى استمرار القتال لتأجيل محاكمته، وأحلام الضم لدى شركائه من اليمين المتطرف) امتنعت عن فعل ذلك.
منذئذ، تدرّ العملية في غزة ما يسميه الاقتصاديون غلة هامشية متناقصة. لم تعد الإنجازات العسكرية توفر قيمة فعلية، فيما تتعلم حماس كيف تؤدي وظيفتها في حالة تكوّنها الجديد. في الوسط، السكان الفلسطينيون عالقون. ما يقارب نصف مليون من السكان الذين احتشدوا في مدينة غزة، فرّوا منها بالفعل. مناطق الاحتماء التي يُفترض أنها تنتظرهم جنوب المدينة، لن توفر لهم ملاذاً حقيقياً، ولا شروط معيشة محتملة. وكل يوم يُقتل عشرات كثيرة من المدنيين الفلسطينيين نتيجة هجمات جيش الدفاع الإسرائيلي.
“في النهاية، سيبقى لنا دوماً في بئر ما مخرب مع آر بي جي، ودافعية. ما دامت البدائل غائبة، فلن ينبت في غزة شيء آخر أو جديد”، يقول ضابط احتياط خدم في القطاع في جزء كبير من الحرب. “منظومة قيادة حماس وسيطرتها منهارة منذ زمن. ليست لديهم موارد حقيقية. عادوا إلى تكييف أنفسهم إلى نمط عمل حرب العصابات، الذي يعمل في وضع الاختفاء واللسع. ما سنفعّله ضدها الآن لن يغيّر الصورة العسكرية. في كل مكان في غزة – الزيتون، الشجاعية، صبرا – عملنا منذ زمن ونحن اليوم في النقطة ذاتها. سنواصل العمل هناك بطريقة السحق والاحتلال، لكن لا سبب للافتراض أننا سنحقق نتائج أخرى. من دون إنهاء الحرب، لا سبب لدى حماس للتنازل عن الرهائن، بوصفهم الذخر الرئيسي الذي بحوزتها. وبعد أن نطهّر منطقة، وندمر كل ما فيها، سيكون هناك دائماً عبوة تنتظر القافلة اللوجستية وتُسقط قتلى”.
السمة الأبرز للحرب الحالية هي الدمار غير المسبوق الذي يخلفه الجيش وراءه في القطاع. ما جرى في المراحل الأولى من الحملة تحت رقابة ما من الأعلى، فقد السيطرة منذ زمن. لم يعد الحديث عن المساس بممتلكات عسكرية لحماس، بل عن طريقة الأرض المحروقة – تدمير كعقاب، لا يراد به ردع المسلحين فقط، بل السكان أيضاً، من العودة إلى التجمعات المتضررة. في الخلفية، تلعب أجندات أيديولوجية لقادة في الميدان، بمن فيهم ضباط في رتب منخفضة. وفي الضفة الغربية، ينشئ المستوطنون الآن مزيداً من سرايا المعدات الميكانيكية الثقيلة، وأفرادها يتجندون للقتال في غزة بترتيبات استثنائية. الهدف الواضح هو ترك أكبر قدر من الخراب المادي.
مع ذلك، ليس كل شيء نابعاً من أيديولوجيا الضم والاستيطان. “حين لا تكون للمهمة العسكرية غاية حقيقية، وتكثر الشكوك، سيفعل القادة كل شيء لإعادة أكبر عدد ممكن من الجنود إلى البيت. لا أحد يريد أن يحمل على ضميره مزيداً من المقاتلين القتلى”، يقول مصدر عسكري. “الحرب تزداد طولاً، والمنظومة تلقي كل المعضلات الأخلاقية على قائد السرية في الطرف، الذي ليست لديه خيارات كثيرة. السحق، التدمير، الاحتلال – قد تبدو جيدة في قاعدة نتنياهو السياسية. ولا شك أيضاً أن سموتريتش سعيد – هذا واضح. لكن أهداف الحرب يصعب رؤية كيف ندفعها قدماً بهذه الطريقة”.
——————————————-
هآرتس 22/9/2025
أدوات الضغط السعودية تفشل أمام الجدار الإسرائيلي .. الأميركي
بقلم: تسفي برئيل
محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، يستطيع أن يسجل لنفسه إنجازا دوليا استثنائيا. مبادرته لدفع الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين تحظى في هذه الأيام بقدر اضافي من الشرعية بعد أن اعلنت نحو عشر دول اعترافها بدولة فلسطين. غير أن نجاح الخطوة الدبلوماسية للسعودية يكشف في الوقت نفسه أيضا ضعف المملكة. فابن سلمان – رغم علاقاته الوثيقة، الشخصية والتجارية، مع الرئيس دونالد ترامب – لم ينجح في إقناعه بالاعتراف بدولة فلسطينية وليّ ذراع إسرائيل لكي تتبنى الاعتراف هي أيضا. وبذلك تحول المسار إلى إعلان نوايا، مهما بدا لافتا، وتنفيذُه ما زال بعيدا، إن كان ممكنا أصلا.
لقد تآكلت قيمة “الورقة الرابحة” التي كانت بيد السعودية – التطبيع مع إسرائيل – في الحرب على غزة. لم يعد ترامب يراه رافعة بعد أن تخلت إسرائيل عنه بإصرارها على رفض صياغة حل متفق عليه للمسألة الفلسطينية أو على الأقل وقف الحرب. والأسوأ أن الحرب الآن تضع دول الخليج في مرمى النار بعد هجمات إسرائيل على إيران وعلى قطر. تدرك السعودية ومعها باقي دول الخليج أن أدوات الضغط التقليدية وتعهداتها باستثمار تريليونات الدولارات في اقتصاد الولايات المتحدة تضمن معاملة دافئة من ترامب، لكنها لا تمنحها مكانة دول تستطيع التأثير في سياسته الخارجية.
يبدو أن الحليف العربي الأقرب تحديدا، ابن سلمان، من المفترض أن يكون هو القائد الأكثر إحباطا. ان نجاحه في تجنيد المجتمع الدولي لمبادرته لإقامة دولة فلسطينية – وهي فكرة كانت حتى قبل عامين بعيدة عن قلبه – قد يخدم أي اقتراح مستقبلي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه في الوقت الراهن يبدو ميؤوسا منه.
قطع ابن سلمان طريق طويلة ومتعرجة منذ أن “صُنف” كشخصية غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة وفي معظم دول العالم بسبب دوره في قتل الصحافي جمال الخاشقجي في العام 2018 وحتى استعادة مكانته الدولية. وبعد عام تلقى ضربة أخرى من “الصديق” ترامب الذي بقي لا مباليا لهجوم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية على منشآت شركة النفط أرامكو – الامر الذي شل نحو نصف إنتاج النفط السعودي. حينها أوضح ترامب لابن سلمان أنه بالطبع مستعد لمساعدة المملكة – ولكن مقابل ان تدفع. فهمت السعودية والإمارات، شريكتها في الحرب في اليمن ضد الحوثيين، أن الولايات المتحدة حليف بضمان محدود.
تدهورت العلاقات بين الدولتين إلى حضيض عميق في مطلع رئاسة جو بايدن. تعهد بايدن بجعل السعودية “دولة منبوذة” وابتعد عن ابن سلمان قدر استطاعته. إلا أن ارتفاع أسعار النفط اضطر بايدن إلى السفر إلى السعودية في صيف 2022 وطلب من ولي العهد الذي يراه مقيتا زيادة إنتاج النفط. فشلت مهمة بايدن، لكن منذ ذلك الحين فُتحت الطريق لاتصالات منتظمة بين كبار مسؤولي الإدارة في واشنطن وبين البلاط الملكي السعودي. ومع ذلك لم يُدع ابن سلمان إلى البيت الأبيض. أعاد انتخاب ترامب رئيسا الأمل إلى وجه ابن سلمان، لكنه كان قد بدأ يبني لنفسه شبكة علاقات وثيقة مع الصين وروسيا. وفي 2023، وبخطوة دراماتيكية، استأنف بوساطة الصين العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وبعد عام كان قد نأى بنفسه عن ائتلاف الولايات المتحدة الذي حارب الحوثيين ووقع معهم اتفاقا لوقف إطلاق النار.
لم ينكشف ضعف السعودية أمام الولايات المتحدة فقط. ففي الساحة الشرق أوسطية أيضا بدا أن سياستها تدار على يد قائد غير ناضج. بخلاف تركيا وقطر – اللتان رعتا ميليشيات متمردة “خاصة”، ومنها الميليشيات التي أطاحت في كانون الاول ببشار الأسد – لم تنجح السعودية في التأثير على الحرب الأهلية في سوريا. قبل ثلاثة أشهر فقط من إسقاط الأسد أعادت فتح سفارتها في دمشق، وقبل ذلك عملت لإعادة رئيس سوريا إلى حضن الجامعة العربية. نجاح أحمد الشرع السريع فاجأ السعوديين، فسارعوا إلى الاعتراف بحكمه، وبسطوا رعايتهم عليه، والأهم أقنعوا ترامب بمصافحة يد الرجل الذي صُنف إرهابيا. السعودية هي أيضا المانح المحتمل الأكبر للشرع، وهي وقطر شطبتا معا ديون سوريا لدى البنك الدولي.
لكن مهمة تثبيت النظام في سوريا أوكلت تحديدا إلى تركيا وقطر والولايات المتحدة. حصلت السعودية على دور الصراف الآلي.
وكذلك في لبنان – التي كانت طوال سنوات دولة رعاية سعودية – لم ينجح ابن سلمان في إملاء سياسته وانتشالها من يد إيران. عندما حاول عام 2017 إرغام رئيس حكومة لبنان سعد الحريري على إقصاء ممثلي حزب الله من الحكومة، انتهت القصة بفشل محرج: احتجز ابن سلمان الحريري في فندق بالرياض وأجبره على إعلان استقالته. وبضغط من فرنسا أُفرج عن الحريري من “الاعتقال الفاخر”، ولما عاد إلى لبنان تراجع عن استقالته. احتفل حزب الله وكذلك إيران. وفي العام نفسه خاض ابن سلمان مغامرة أخرى، فبادر مع الإمارات والبحرين ومصر إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على قطر. استمر الحصار أربع سنوات، ولم يزد إلا في توثيق روابط قطر مع إيران وأوجد التحالف الاستراتيجي بين قطر وتركيا – إذ حصل الأتراك على إذن بإقامة قاعدة عسكرية في الدوحة. وفي 2019 أُنشئ أيضا مقر عسكري مشترك للدولتين.
لقد أحيا تجديد علاقات السعودية مع إيران الأمل في دفع المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة. وبالنسبة للسعودية، التي عارضت الهجوم على منشآت إيران النووية، فإن الاتفاق النووي ضرورة استراتيجية لازمة لحماية أمن الملاحة في الخليج الفارسي. صحيح أن ابن سلمان حذر عام 2018 قائلا “إذا حصلت إيران على قنبلة نووية فسنفعل ذلك نحن أيضا في أقرب وقت ممكن”، إلا أن السعودية دخلت في السنة الأخيرة في حوار سياسي مكثف مع قيادة إيران في مسعى لإقناعها بتليين مواقفها. فشلت في ذلك، ولم تنجح أيضا في إقناع ترامب بتقديم ضمانات لعدم الهجوم على إيران، كما طالبت طهران. وهكذا، رغم “أدوات الضغط” التي يفترض أنها بيدها، فقد “تبنت” إيران لدور الوساطة دول مثل عُمان وقطر والإمارات وحتى مصر – وليس السعوديين. ومن مسافة آمنة رأت السعودية إيران تهاجم في حزيران قاعدة جيش الولايات المتحدة في قطر من دون أن تحرك واشنطن ساكنا، وشهدت هذا الشهر أيضا هجوم إسرائيل على منزل خليل الحية في الدوحة، الذي هدف إلى تصفية قيادة حماس. جلست الولايات المتحدة مرة أخرى على المدرجات، كما فعلت حين هوجمت السعودية نفسها عام 2019.
هذا الأسبوع وقعت السعودية وباكستان “اتفاقا استراتيجيا للدفاع المتبادل”. وبموجب الاتفاق يُعد أي هجوم على إحداهما هجوما على كلتيهما. تفاصيل الاتفاق سرية، لكن وزير دفاع باكستان أوضح أنه “وقت الحاجة ستضع باكستان تحت تصرف السعودية كل قدراتها، بما في ذلك القدرة النووية”. سارعت تفسيرات سريعة إلى رؤية هذا الاتفاق ردا استعراضيا على هجوم إسرائيل في قطر أو كوسيلة ردع ضد إيران. غير أن الاتفاق يُطبخ منذ وقت طويل وبدأ التفاوض عليه قبل الهجوم في قطر بوقت طويل. يبدو أن السعودية تدرك أن سعيها إلى تطوير برنامج نووي مستقل على أراضيها، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، سيظل على الورق، وأن “الحلف الدفاعي” مع الولايات المتحدة – الذي جرى وضعه مع الرئيس بايدن مقابل التطبيع مع إسرائيل – وجد لنفسه مكانا مريحا في التجميد. ان “الحلف الدفاعي” مع باكستان النووية هو ظاهريا إعلان نوايا واستعراض عضلات للسعوديين في مواجهة إيران وفي مواجهة الولايات المتحدة، ولم ترد واشنطن عليه بعد.
سيكون من المثير أن نرى كيف سيُطبق هذا التحالف إذا هاجمت الهند، الشريك التجاري الأبرز للسعودية، باكستان. إن توجه السعودية إلى “إعلان نوايا” علني دليل على التأثير المحدود للمملكة على إدارة ترامب. لا تستطيع السعودية ولا تنوي الانفصال عن مظلة الأمن الأميركية. وقد قال ابن سلمان في مقابلة مع “فوكس نيوز” عام 2023 إن “السعودية تستطيع نقل مشترياتها من السلاح من الولايات المتحدة إلى مكان آخر، لكن سعودية قوية يعني ولايات متحدة قوية، وأنتم لا تريدون أن نفعل ذلك”. ومنذ ذلك الحين تواصل السعودية شراء السلاح منها بمليارات الدولارات وتستثمر أكثر من تريليون دولار في اقتصاد الولايات المتحدة. أما “أدوات الضغط” التي يفترض أن توفرها مثل هذه الصفقات للمملكة، فستضطر إلى التكيف مع اعتبارات ترامب – الذي يسمع ابن سلمان، لكنه يصغي لنتنياهو.
——————————————
اسرائيل اليوم 22/9/2025
حكومة نتنياهو تُشكّل مجددًا خطرًا أمنيًا على إسرائيل
بقلم: عاموس مالكا
العنوان الذي تقرأه هنا ليس جديدًا. ففي تموز وآب 2023، أثناء الانقلاب النظامي، وفي ضوء تحذيرات رؤساء الأجهزة الأمنية ووزير الدفاع، قلتُ في كل محاضرة، بل وفي مقال نُشر هنا (6 آب 2023)، إن نتنياهو يُشكل خطرًا أمنيًا على إسرائيل، ويُلحق ضررًا مُتعمدًا بالأمن القومي. وما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول أثبت صحة هذا الكلام.
مع ذلك، ليس هذا المقال هنا لتحليل توقعاتي، بل للتأكيد مجددًا، في هذه الأيام تحديدًا، على أن الحكومة الإسرائيلية وزعيمها يُلحقان ضررًا متعمدًا بالأمن القومي الإسرائيلي لدرجة تُشكل خطرًا أمنيًا جسيمًا.
إن أحداث الأيام الأخيرة تُعزز الشعور بالتفكك والعزلة الدولية لإسرائيل. ولعل مؤتمر الدول العربية في قطر، و”خطاب اسبرطة” لنتنياهو، ودخول قوات جيش الدفاع الإسرائيلي إلى غزة، في حين تجاهل رئيس الوزراء تحذيرات قادة المؤسسة الأمنية، هي الرموز المُمثلة لموجة التسونامي التي تُهدد البلاد.
لا، هذا ليس أمرًا مفاجئًا من الخارج. إنه سلوك متعمد من رئيس وزراء يُفكّر في بقائه لا في نجاة الرهائن، في حرب ضدّ حراس العتبة لا في قرار استراتيجي، في إدامة حرب لا نهاية لها لا في النفوذ السياسي، في الاستعباد لأيديولوجية مسيحانية لا في تعزيز الأمن القومي.
لقد كان أمام إسرائيل موعدان نهائيان على الأقل لتحقيق مخرج ناجح مع استغلال الفرص. وقد فوتتهما عمدًا.
يُعلن نتنياهو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول 2024: “لقد دمرنا تقريبًا جميع كتائب حماس الإرهابية – 23 من أصل 24”
إذا كنا قد دمرنا قبل عام 23 من أصل 24 كتيبة لحماس، وهو ما يُعدّ انتصارًا عسكريًا بكل المقاييس، وفي أواخر أيلول ومنتصف أكتوبر 2024 تم القضاء على نصر الله والسنوار، فهل كانت هناك لحظة أنسب من هذه لإنهاء الحملة العسكرية المكثفة؟ ماذا فعلنا في العام الماضي لتحويل هذا إلى إنجاز سياسي إقليمي مع فرص سياسية ذات قيمة استراتيجية؟
لقد تم تفويت الموعد الأول عمدًا
التاريخ 2 حزيران 2025
عملية “الاسد الصاعد” في إيران. خطوة عملياتية أخرى مؤثرة ألحقت ضررًا بالغًا برأس محور الشر. كان هنا الموعد الثاني، مما كان يسمح للحكومة الإسرائيلية بإعلان انتصارها على محور الشر – إيران وحماس وحزب الله – والتحول إلى مسار سياسي لا يزال ممكنا.
كما تم تفويت الموعد الثاني عمدًا.
ثم جاءت خطوة حماس المُتقنة – حملة التجويع الدعائية. مثّلت هذه الحملة نجاحًا دوليًا مُذهلًا لحماس، وهزيمة سياسية غير مسبوقة لإسرائيل، مما جعلها، من نواحٍ عديدة، معزولة عالميًا، وعلى شفا الانهيار.
إن الدعم الدولي لقيام دولة فلسطينية في أسوأ توقيت ممكن لإسرائيل ساحق. يُضاف إلى ذلك تهديدات بفرض عقوبات صارمة من أصدقاء إسرائيل، وصولًا إلى فرض حظر سلاح، وعقوبات، وإعادة تقييم للعلاقات، وغيرها.
ما كان لهذه الخطوة أن تُتخذ لو استطاعت الحكومة الإسرائيلية إدخال هيئة حكم مدنية إقليمية ودولية إلى القطاع، لتحل محل سيطرة حماس على سكانه. لكن الحكومة الإسرائيلية اختارت إدامة الحرب على حساب استغلال إنجازاتها العسكرية على الصعيد السياسي.
والآن، تدرس الدول العربية المعتدلة – بما فيها مصر والإمارات – إنشاء قوة دفاع إقليمية ضد العدوان الإسرائيلي، بل وتُرسل تلميحات قوية حول مخاوفها بشأن صمود اتفاقيات السلام. بأفعالها وتقصيرها، وحّدت إسرائيل صفوفها ضدنا في العالم العربي، بما في ذلك الدول غير المعتدلة! وبدلاً من توسيع اتفاقيات إبراهيم، تلقينا المخاطرة بهذه الاتفاقيات، بل والمخاطرة باتفاقيات السلام مع مصر والأردن.
أين كنا قبل عام من هذه الخطوات الاستراتيجية الحكيمة، وأين نحن اليوم؟
لذلك، يُشكّل نتنياهو وحكومته خطرًا أمنيًا جسيمًا على دولة إسرائيل ومكانتها الدولية وأمنها القومي.
——————————————
يديعوت احرونوت 22/9/2025
إنهم يكافئون الإرهاب
بقلم: بن درور يميني
إن دعم مبدأ الدولتين لشعبين ليس معاداة للسامية. ففي النهاية، أيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والعديد من الإسرائيليين – الذين كانت نسبتهم في الماضي أكثر من 50 في المئة ، والآن أقل – هذا الحل. يكفي أن نتذكر أن العرب هم الذين رفضوا مقترحات التقسيم في عامي 1937 و1947. تحدثوا عن الإبادة وخاضوا الحرب. لكنهم لم يُنشئوا دولة، رغم أن إسرائيل كانت على حدود عام 1967 لما يقرب من عقدين من الزمن. لم يريدوا دولة إلى جانب إسرائيل، بل أرادوا دولة بدلًا من إسرائيل.
بعد اتفاقيات أوسلو، بدا وكأن فصلًا جديدًا قد بدأ. فقد عرض إيهود باراك، رئيسً الوزراء الاسبق، على الفلسطينيين دولةً في مؤتمر كامب ديفيد في صيف عام 2000. اما عرفات فرفض. قدّم لهم بيل كلينتون عرضًا مُحسّنًا لدولة في نهاية ذاك العام. فرفضوه مجددًا. وفي العام 2008، قدّم إيهود أولمرت عرضًا مشابهًا. هذه المرة، كان أبو مازن هو من رفض. في العام 2014، كان جون كيري وباراك أوباما هما من عرضا الدولة. وفي العام 2020، كانت رؤيا دونالد ترامب للسلام. وبالمناسبة، وافق نتنياهو على كلا العرضين. اما الفلسطينيون فقد تمسكوا بنفس العبارة ورفضوا.
لفهم سبب كون المبادرة المتجددة للقادة الغربيين، ماكرون وستارمر وآخرين، خطوة إلى الوراء، من الضروري أن نتذكر أنه في العام 2000، أي قبل ربع قرن، اعترفت العديد من الدول العربية، لأول مرة، بمبدأ الدولتين للشعبين. دولة فلسطينية ودولة يهودية. وضغط بندر بن سلطان، الذي كان آنذاك السفير السعودي في واشنطن، على عرفات قائلاً: “إذا قلت لا، فلن تكون مأساة. ستكون جريمة”. غادر عرفات ذلك الاجتماع في البيت الأبيض – وقال لا. حدث هذا مرة أخرى في العام 2002، عندما لم تتضمن مبادرة السلام السعودية وهم “حق العودة”. ولكن تحت ضغط من الدول الرافضة، خضعت المبادرة للتغيير، لتصبح “خطة السلام العربية”، التي سيؤدي تنفيذها العملي إلى القضاء على دولة إسرائيل، من خلال “حق العودة”.
فهل تعلم قادة الدول الغربية شيئًا؟ ما حدث في الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل عشرة أيام، وما سيحدث الليلة تحديدًا في مساء احتفال جميع يهود العالم برأس السنة العبرية، يُثبت أنهم لم يتعلموا شيئًا. لقد اختاروا أسوأ الطرق، وهو منح الرفض جائزة. ولماذا تُرحب حماس بذلك؟ لسببين. أولًا، لأن هذه المبادرة نتيجة مجزرة السابع من أكتوبر. هنا، العنف القاتل يُؤتي ثماره، كما تقول حماس الآن. ثانيًا، لأن المبادرة المُجددة تُقر بوهم “حق العودة”. لقد انضمت الدول الغربية إلى جبهة الرفض العربية. وهذا بالضبط ما ورد في قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل عشرة أيام. ومن المُستبعد أن يُرفض هذا المطلب في الإعلان المُتوقع الليلة. بمعنى آخر، إنه استسلام كامل للخط الراديكالي لجبهة الرفض وحماس .
بعد السابع من أكتوبر، حدث تحول آخر. العديد من الإسرائيليين الذين دعموا المؤسسة أصبحت فكرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل أكثر تشككًا. ففي نهاية المطاف، يؤيد معظم الفلسطينيين حماس ويدعمونها. هل سيوافق ماكرون على إنشاء كيان جهادي في الألزاس واللورين؟ هل سيؤيد ستارمر مثل هذه الدولة في ويلز؟ لقد اتضح أن العديد من الأوروبيين يدركون بالفعل وجود مشكلة. ووفقًا لاستطلاع رأي نُشر هذا الأسبوع في فرنسا، يعارض 71 في المئة مبادرة ماكرون. في بريطانيا، نُشر استطلاعان للرأي في الأيام الأخيرة. وفقًا للأول، يؤيدها 44 في المئة فقط. ووفقًا للثاني، الذي أجرته صحيفة “التلغراف”، يعارضها ما يقرب من 90 في المئة .
لم تكن المشكلة يومًا في الاعتراف بحق تقرير مصير الفلسطينيين أو الاعتراف بدولة فلسطينية. لقد مُنح هذا الحق مرارًا وتكرارًا. كانت المشكلة، ولا تزال، الاعتراف بحق تقرير المصير لليهود. كانت بعض الدول العربية مستعدة بالفعل لمثل هذا الاعتراف. لكن ماكرون وستارمر يتجاوزانهم من الاتجاه الراديكالي والمؤيد لحماس. ومبادرة ماكرون وستارمر وآخرين، التي لا تتضمن شروطًا مسبقة، ولا اعترافًا صريحًا بدولة يهودية، ليس فيها نفي صريح لخيال القضاء على إسرائيل والذي يسمى “حق العودة”، إنما هي تعزز الرفض الفلسطيني. هذه ليست الطريقة التي تيعزز بها السلام والمصالحة. هكذا تُلغي فرصة السلام.
——————————————
هآرتس 22/9/2025
انذار بينيت ليس رؤيا رعب: هو امر تجنيد للجمهور في معركة محتدمة
بقلم: يوسي فارتر
الحديث عن تشويش الانتخابات او تاجيلها ينتشر مؤخرا مثل الوباء في الاقسام الليبرالية في الخارطة السياسية وفي اوساط مصوتي المعارضة. هذا رد طبيعي ازاء السلوك الاجرامي والعصابي للائتلاف، الذي يسحق كل معيار اساسي ويحارب جهاز القضاء بتصميم لا يقل عن التصميم الذي يحارب فيه الجيش الاسرائيلي في غزة.
نفتالي بينيت نشر أمس تصريح فيه تحذير وتهدئة. فمن جهة، تحذير لمن يتولون مناصب في كل الاجهزة والمستويات، كي لا يخضعوا لـ “منظومة الضغوط الضخمة التي تستخدم عليهم”، من الحكومة والوزراء. من جهة اخرى، تهدئة لجمهور آخذ في الازدياد كي لا يصاب باليأس ويعتقد ان المعركة خاسرة.
مثل أي سياسي في صفوف المعارضة البرلمانية والجماهيرية ايضا بينيت سئل في كل لقاء مع ناخبين حريديم عن سيناريو الرعب للانتخابات الملوثة أو عدم اجراء الانتخابات. هو شرح لماذا التاجيل غير محتمل – القانون يسمح بذلك فقط باغلبية 80 عضو كنيست. في المقابل، الازعاج، التدخل، المس بطهارة الانتخابات بكل الطرق (أو رفض قبول نتائجها) كل ذلك ممكن.
عندما يتحدث بينيت عن الضغوط الكبيرة التي تستخدم على الموظفين العامين فانه يقصد رئيس الاركان ايال زمير الذي يخضع لهجوم شديد من نتنياهو والوزراء؛ المفتش العام للشرطة داني ليفي الموجود في نفس الوضع امام الوزير ايتمار بن غفير؛ الوزراء شلومو قرعي وماي غولان وميري ريغف، المسؤولين عن تعيينات فاسدة، وبالطبع التهديدات الدائمة للقضاة والمدعين العامين، فانه يقول عندما تاتي الحملة الانتخابية فان كل ما نراه الآن ستكون له اهمية كبيرة في نزاهة العملية الانتخابية.
“نحن بهذا الصدد”، اعلن بينيت للناخب الخائف. من الجيد انه فعل ذلك. المعسكر الذي يقوده في هذه الاثناء من ناحية عدد المقاعد لن يفوز في الانتخابات القريبة بلطف، وعلى فرض ان كل شيء سيسير على ما يرام، بلطف ونزاهة. في نهاية المطاف التشويش اصبح موجود ومنذ فترة. فعلى طاولة الكنيست وضعت في الجلسة السابقة مشاريع قوانين كل واحد منها هو اغتيال لطهارة الانتخابات. مثلا، قانون يلغي صلاحية المحكمة العليا في التدخل في قرارات لجنة الانتخابات المركزية (التي هي سياسية)، فيما يتعلق بالمصادقة على مرشحين ومنع ترشحهم؛ قانون يمنع الاشخاص الذين يؤيدون “بي.دي.اس” من الترشح؛ قانون مناويء لبينيت الذي بحسبه الاموال التي سيجندها حزب جديد تستخدم في البداية لتسديد الديون؛ قوانين ستمكن من شطب ساحق تقريبا لقوائم عربية ومرشحين عرب؛ قانون ينص على ان رئيس لجنة الانتخابات المركزية يجب ان يختاره رئيس الكنيست بدلا من رئيس المحكمة العليا؛ قرار رئيس الكنيست ادخال اثنين من اعضاء الليكود الى اللجنة التي تفحص تمويل الاحزاب، التي تتكون من ثلاثة اعضاء، وايضا قواعد وتعليمات طواريء بهذه الروحية.
لا يوجد أي من مشاريع القوانين هذه اجتاز القراءة التمهيدية في الدورة الصيفية، بالاساس بسبب مقاطعة الحريديم لقانون الاعفاء من الخدمة العالق. الى جانب محاولة الاحباط بواسطة القوانين هناك ايضا “الحياة نفسها”، حيث يهاجمون الجمهور الليبرالي طوال الوقت. هذه بالاساس هي التنكيل والتطاول بشكل دائم من قبل وزراء واعضاء ائتلاف على جهاز القضاء، المستشارة القانونية للحكومة والمحكمة العليا، والقيم الاساسية الرسمية. ان عدم الاعتراف برئيس المحكمة العليا مثلا، هو امر حاسم في موضوع الانتخابات. والدعوات لتجاهل حكم المحكمة العليا هي المقدمة فقط لاحكام ستكون خلال الحملة.
جميع الدائل المثيرة للشك تتراكم امامنا. ليس فقط بينيت وحده يدرك الخطر، ايضا يئير لبيد وغادي ايزنكوت وافيغدور ليبرمان ويئير غولان لا يغضون النظر عما يحدث. فمن الواضح لهم ان الائتلاف الذي يتصرف كنظمة جريمة طوال السنة لن يتوب في سنة الانتخابات التي ستبدأ رسميا في دورة الشتاء القريبة. ويضاف الى المشكلات المعروفة التعيين القريب للجنرال احتياط دافيد زيني كرئيس للشباك. ايضا هذا منصب لا يوجد منصب اهم منه في حملة الانتخابات. يورام كوهين، وهو احد اسلافه في هذا المنصب، ذكر لجنة غرونيس كيف طلب نتنياهو من رئيس الشباك نداف ارغمان ان ينشر بيان يقول بان بني غانتس لا يمكنه الترشح لرئاسة الحكومة بسبب أنه “قابل للابتزاز” (على خلفية قضية اختراق ايران لهاتفه المحمول في انتخابات 2019).
ارغمان قال لا. ايضا رونين بار قال لا للطلبات غير القانونية الاخرى لنتنياهو فيما يتعلق بمحاكمته، وايضا يورام كوهين. كيف سيتصرف زيني في وضع مشابه؟ اذا كان يمكن الحكم بحسب تصريحاته السابقة فان هناك مكان للقلق. يمكن القول بان مؤامرة تشويش الانتخابات القادمة ولدت عشية 4 كانون الثاني 2023 عندما اطلق وزير العدل الانقلاب النظامي. تحطيم جهاز القضاء من الاعلى وحتى الاسفل استهدف ضمن امور اخرى، ربما من البداية، الغاء أي احتمالية لتغيير نظام الحكم في المستقبل. ايضا السنوات السابقة لم تنقصها النشاطات والنوايا. ففي انتخابات 2019 حاول الليكود اجازة قانون الكاميرات، الذي طالب بادخال آلاف الكاميرات الى صناديق الاقتراع في البلدات العربية. المستشار القانوني في الكنيست في حينه يغال يانون كتب في حينه في رأيه القانوني بانه في هذه الظروف الامر يتعلق بالمس بالمساواة، الامر الذي يقتضي تشريع باغلبية عادية، 61 عضو في الحد الادنى. الاغلبية الخاصة لم يتم العثور عليها ومشروع الاقتراح حفظ لان رئيس الكنيست في حينه يولي ادلشتاين قرر التمسك بالرأي القانوني.
هل حقا هناك أي احد يرى رئيس الائتلاف، الذي يسمى ايضا رئيس الكنيست، امير اوحانا، يعقد جلسة للكنيست من اجل التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة وينتخب رئيس جديد بدلا منه؟ هذا لن يحدث بدون قرار من المحكمة العليا، ومن غير الواضح على الاطلاق اذا كان سيتم احترام هذا القرار. في نهاية المطاف في يومه الاول في وزارة العدل اوضح اوحانا انه “ليس كل قرار للمحكمة يجب تنفيذه”.
——————————————
معاريف 22/9/2025
“القنبلة” البريطانية..
بقلم: آنا برسكي
يرفضون في إسرائيل رفضاً باتاً المبادرة البريطانية الجديدة لإحياء مسيرة السلام في الشرق الأوسط، والتي تتضمن ثمانية بنود تُعنى، ضمن أمور أخرى، بالاعتراف بدولة فلسطينية وبمشاركة السلطة الفلسطينية في قطاع غزة بعد وقف النار.
“من ناحيتنا لا أهمية لمصدر المبادرة أو لهوية المبادر”، قال مصدر سياسي لـ “معاريف”، أول من أمس.
على حد قوله فإن “إسرائيل تصر على المبادئ الخمسة التي طرحتها لإنهاء الحرب والتي تتضمن أولاً وقبل كل شيء تحرير المخطوفين الأحياء والأموات على حد سواء، وكذا هزيمة “حماس” واستبدالها بحكم مدني ليس من “حماس” وليس من السلطة الفلسطينية”.
بالمقابل، فإن دولاً في أوروبا ودولاً عربية تقف من خلف المبادرة البريطانية – خطوة قد تعيد تصميم موازين القوى، وتخلق شرخاً غير مسبوق بينها وبين إدارة ترامب.
وحسب تقرير في “تلغراف”، فإن الوثيقة من ثمانية بنود وضعتها وزارة الخارجية البريطانية تحت عنوان “إطار للسلام”، ستعرض في الجمعية العامة للأمم المتحدة. تهدف الخطة لحفظ فكرة حل الدولتين، وقد أعلنت بريطانيا وفرنسا أنهما ستتصدران خطة غربية تعترف بدولة فلسطينية.
في مركز الخطة: تشكل لجنة إدارة مؤقتة تدير قطاع غزة بعد وقف النار تكون تابعة بشكل اسمي للسلطة الفلسطينية في الضفة، وتنال إسناد قوة واستقراراً دولياً انتدابياً من الأمم المتحدة.
إضافة إلى ذلك، تتضمن تعهداً من أبو مازن بإجراء انتخابات في غضون سنة، مع أن المشككين يشيرون إلى أن تعهداً مشابهاً أُعطي في الماضي ولم ينفذ.
تعرض لندن وباريس الاعتراف بدولة فلسطينية كفرصة “لتوازن الساحة” حيال واشنطن والقدس، ولخلق زخم متجدد للمسيرة السياسية.
لقد بنيت المبادرة على أساس مسودة عرضتها الجامعة العربية، وفيها موافقة شاذة من زعماء عرب لدعوة “حماس” نزع سلاحها، والتخلي عن حكمها في غزة. الدعوة، التي جاءت بعد ضغوط خاصة من جانب رئيس وزراء بريطانيا، كير ستارنر، ونظيريه في فرنسا وفي ألمانيا تعد تنازلاً تاريخياً من جانب الدول العربية.
وبينما تتصدر أوروبا، الآن، خطوة للاعتراف بفلسطين، تتهم إدارة ترامب بأن هذه “هدية لحماس”.
تواصل الولايات المتحدة خططها الخاصة، بما فيها مبادرة “ريفييرا غزة”، التي حظيت بنقد حاد بدعوى أنها محاولة لتغطية ترحيل سكان القطاع.
في بريطانيا وفي فرنسا يعرضون المبادرة كفرصة تاريخية لحفظ رؤية الدولتين، لكن هناك أيضاً يعترفون بأن النتيجة قد تكون معاكسة: ضماً إسرائيلياً، وانهيار اتفاقات إبراهيم، وتعميق الشرخ مع الولايات المتحدة.
——————————————
إسرائيل اليوم 22/9/2025
ما الذي يمنع إسرائيل حقاً من التوصل إلى اتفاق مع “حماس”؟
بقلم: إيال زيسر
احتلال مدينة غزة هو نهاية مُناسبة لحرب “السيوف الحديدية”، التي شنتها إسرائيل، بعد الهجوم “الإرهابي” الدموي الذي نفّذته حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول.
لم تعد “حماس”، كجيش نظامي يملك قوة هجومية قادرة على مفاجأة إسرائيل وضربها، موجودة منذ فترة.
لم يتبقَّ شيء من “الدولة التي كانت قيد التشكيل”، والتي أقامها التنظيم في قطاع غزة، بما في ذلك الوزارات الحكومية ونظام الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي استخدمها للسيطرة على حياة السكان في القطاع.
ومع ذلك، فإن مدينة غزة هي القطاع، والقطاع هو مدينة غزة، لذا فإن احتلالها قد يشكل نهاية رمزية للحرب، تكون بمثابة “صورة النصر” في المعركة لهزيمة “حماس”.
من المؤسف أن إسرائيل لم تنجح في تضمين هذه الصورة القضاء على قيادة “حماس” في الخارج، ما ستضطر إلى انتظاره حتى تحين الفرصة التالية.
لكن، على الرغم من أهمية تدمير القوة العسكرية لـ”حماس”، وحتى احتلال مدينة غزة، فإن هذا لا يكفي لإنهاء الصراع مع التنظيم. إذ سيظل هناك دائماً رجل دينٍ ما يواصل التحريض على “الجهاد” ضد إسرائيل، ودائماً ما سيظهر منفّذ عملية فردية، أو خلية “إرهابية” في غزة، أو حتى في الضفة الغربية، تحاول تنفيذ هجوم.
قبل 7 تشرين الأول، أخطأنا في تقدير “حماس”.
افترضنا أنه تنظيم يفكر مثلنا، ويتصرف بمنطق غربي يقوم على الربح والخسارة. وبالطريقة نفسها، نواصل اليوم تكرار الخطأ عينه، عندما نفترض أنه يمكن التوصل معه إلى تفاهمات، أو حتى اتفاق يؤدي إلى نهاية الحرب، وإلى إطلاق سراح مخطوفينا، وتفكيك سلاح التنظيم.
في الماضي، وافقت “حماس”، مراراً، على “هدنة” – وقف إطلاق نار مؤقت – حتى يتسنى لها استئناف القتال ضد إسرائيل.
لم تكن هذه الهدنات خطوة نحو تسوية وسلام، على غرار ما حدث في حالة مصر، أو الأردن، وهما دولتان تتخذان القرارات بمنطق دولاتي.
في حالة “حماس” كانت تؤخذ دائماً استراحة مؤقتة، تمهيداً لاستئناف “الحرب المقدسة” بقوة أكبر من ذي قبل.
فمعاناة السكان في غزة لم تكن يوماً ذات أهمية، بالنسبة إلى “حماس” وقيادتها.
لقد أوضح الشيخ أحمد ياسين، مؤسس التنظيم، ما يأتي: “بخلاف الإسرائيليين، نحن نحب الموت أكثر من الحياة”.
وإذا كان هذا هو المنطق، فمن غير المستغرب أن تكون حياة الإنسان بلا قيمة، أو معنى، بل بالعكس، فالموت يُعَد ثمناً مستحباً ومرغوباً فيه على مذبح الجهاد، سواء تعلّق الأمر بانتحاريين ترسلهم الحركة إلى حتفهم، أو بسكان القطاع جميعاً.
فإذا كانت هذه هي طريقة التفكير، فمع أي نوع من الاتفاق يمكن التوصل إلى تفاهُم مع “حماس”؟
الجواب: ربما فقط اتفاق استسلام من جانبنا، تقبل فيه إسرائيل جميع شروط التنظيم، وتسمح له بمواصلة وجوده في غزة، ومواصلة القتال وضرب إسرائيل.
إن محاولة التوصل إلى صفقة مع “حماس” تشبه محاولة تربيع الدائرة.
وكذلك فإن التوقع أن ترفع “حماس” الراية البيضاء ليس واقعياً، ولا يوجد ما يدعمه.
لقد تم دحر تنظيم “داعش” في سورية، لكنه لم يرفع الراية البيضاء، بل واصل نشاطه من أعماق الصحراء ونفّذ هجمات، وكذلك “حزب الله” تلقّى ضربات قوية، لكنه لم يعلن استسلامه، بل ينتظر الفرصة المناسبة لاستئناف نشاطه “الإرهابي”. والأمر نفسه ينطبق على جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، أو الأردن، والتي وُضعت خارج القانون، وقُبض على قياداتها، لكنها لا تزال تشكل تهديداً كامناً تحت السطح.
إن الصراع مع حركات، على غرار “حماس”، هو صراع لا نهاية له، ويتطلب حسماً عسكرياً واضحاً، وهو الأساس والمفتاح لكل شيء. لكن إلى جانبه، المطلوب أيضاً حسم سياسي، وهو ما كان في الماضي “المسمار الأخير في نعش” التنظيمات “الإرهابية” والأفكار التي تمثلها.
لا استسلام من “حماس” سيأتي، ولا راية بيضاء ستُرفع، ولن تكون هذه صورة النصر، ولا نهاية الحرب.
إسرائيل هي التي يجب أن تحدد أهدافها، لا للشعارات الفضفاضة التي لا يمكن تنفيذها، بل المطلوب أهداف واضحة ومحددة. وعندما نحققها سنعلم أننا انتصرنا في المعركة، لكن الحرب لا تزال طويلة ومستمرة.
—————–انتهت النشرة—————–