افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 30/9/2025
موافقة نتنياهو على خطة ترامب تمهد الطريق للانتخابات في بداية 2026
بقلم: يوسي فارتر
المواطنون الاسرائيليون العقلانيون والانسانيون الذين ياملون عودة الـ 48 مخطوف، وانهاء الحرب السياسية الخالدة التي حكم بنيامين نتنياهو بها على اسرائيل، سمعوا امس دونالد ترامب وهو يقول كلمات كبيرة وضخمة تتجاوز كل ما يمكن ان يحلموا به. الجملة المؤثرة اكثر كانت الجملة التي تطرقت لاطلاق سراح جميع المخطوفين، الاحياء والاموات، خلال 72 ساعة منذ لحظة التوصل الى موافقة على خطة الرئيس. حسب قوله نتنياهو وافق، وكل الدول العربية والاسلامية وافقت، وكما هو معروف اوروبا ايضا، والان بقيت فقط حماس.
كلمة “فقط” البسيطة. بدون التفاخر بالدخول الى اعماق نتنياهو، من الواضح انه يامل بان ترد حماس بـ “لا”، التي ستمكنه من مواصلة حرب الاستنزاف الفظيعة في القطاع، والتي ستؤدي الى موت المخطوفين. في نسيج الرئيس الامريكي الذي قام بحياكته، بمساعدة مستشاريه كوشنر وويتكوف (اللذان توجد لهما مصالح اقتصادية وتجارية في الشرق الاوسط)، يوجد ثقب، وفقط حماس هي التي يمكنها ان تملأه. من المرجح الافتراض ان الجواب سيكون “نعم، ولكن”، وعندها يجب رؤية ماذا سيكون الرد الامريكي والعربي.
كل بند في الوثيقة هو دراما ضخمة – اقليمية، امنية وسياسية. من الواضح ان نتنياهو تم اجباره على الموافقة على امور فقط قبل اسبوع عرضها وكأنها “ستمر على جثتي”ـ مثل “بناء مسار” لدولة فلسطينية، انسحاب كامل للجيش الاسرائيلي من كل الاراضي التي قام باحتلالها (باستثناء محيط ضيق الذي هو ضروري لامن الغلاف، وبقاء مخربي حماس الذين سيوقعون على “التزام بالسلام”)، في قطاع غزة بدون الاضرار بهم.
اضافة الى ذلك هناك احتمالية لتوسيع اتفاقات ابراهيم التي يعتبرها ترامب وبحق مشروعه الشخصي. في الثلاث سنوات تقريبا التي بقيت له في البيت الابيض، لا شك انه سيركز على “ذلك” بشكل شخصي. اذا حاول نتنياهو الخداع والتملص والتضليل فهو سيواجه رئيس عصبي يسعى الى الحصول على جائزة نوبل للسلام، اذا لم يكن في هذه السنة ففي السنة القادمة.
في خطابه الافتتاحي الطويل ظهر ترامب متعب وكأنه قام بابتلاع حبتي فيكودين مع كأس ويسكي. ولكن من مر حقا بعملية عصر وتنشيف هو رئيس الحكومة الاسرائيلية. “بيبي عبر عن معارضته للدولة الفلسطينية. أنا اتفهم، لكني قلت له بانه قد حان الوقت”، قال الرئيس بما يمكن فقط وصفه كتعبير اعتذاري، على ان ترامب ببساطة سئم من هذيان صديقه الاسرائيلي الممل.
نتنياهو حتى لم يحاول الظهور كمتحمس وايجابي مثل نظيره الامريكي. وجهه كان رمادي وظهر متعب وقلق. قبل عقد، عندما لم يكن هناك ما يوجد الآن، متهم جنائي، ديكتاتور في طور التشكل، محاط باحزاب فاشية وعنصرية – هو كان سيمسك بهذه الفرصة بكلتا يديه، ربما ايضا سيرقص رقصة النصر. ما حدث امس هو ان الولايات المتحدة انقذت اسرائيل من نفسها ومن نتنياهو.
لكن هي لم تنقذه من المشكلة الصعبة في الائتلاف. حيث لا يوجد ضم في الضفة، ولا يوجد “تشجيع على الهجرة” (بل العكس)، لا يوجد بناء للمستوطنات في قطاع غزة، في المقابل، هناك انسحاب شبه كامل من القطاع ومسار لدولة فلسطينية – وحل الائتلاف هو خيار واقعي. بن غفير وسموتريتش، ملائكة التخريب، لا يمكنهما تبرير استمرار البقاء في الحكومة. انتخابات في بداية 2026 هي سيناريو معقول.
في ذروة اللقاء بينهما فرض ترامب فعليا على نتنياهو الاعتذار لرئيس حكومة قطر عن الهجوم المجنون في الدوحة، الذي فشل فشلا ذريعا. الاعتذار كان مزدوج، عن قتل الضابط القطري وعن المس بـ “سيادة” قطر. أي تراجع فاخر هذا. بالمناسبة، هذا يناقض تماما المناورة التي سوقها مكتب رئيس الحكومة للمراسلين المخلصين طوال اليوم: ان الهجوم الفاشل في الدوحة كان هجوم ناجح، وقد اعاد قطر الى صورة المفاوضات لانها خافت من ان ارضها ستتحول الى ساحة تصفية وعمليات قصف اسرائيلية ضد كبار قادة حماس.
هراءات. رئيس حكومة قطر حصل على بوليصة تامين من نتنياهو، ومن سيستفيد منها هم رجال منظمة الارهاب. في “وول ستريت جورنال” كتب امس ان الهجوم الاسرائيلي على حليفة واضحة ومحببة على ترامب، هو الذي اعطاه الدفعة المهمة للتقدم بسرعة نحو الاتفاق الذي عرضه. لقد فهم بالضبط ما فهمه معظم الاسرائيليين منذ فترة: ان نتنياهو مصمم على افشال كل صفقة لتحرير المخطوفين وانهاء الحرب. ترامب كان يمكنه فهم ذلك بعد الصفقة السابقة في كانون الثاني، لكن الامر استغرقه وقت. وحتى لو تباطأ فمن الجيد انه جاء.
الاشادات التي منحها ترامب لنتنياهو كانت خفيفة نسبيا مقارنة مع كل العسل الذي صبه قبل بضعة ايام على رأس الرئيس اردوغان. هذا ايضا يقول شيء ما عن النظام الاقليمي الجديد الذي تم نسجه هنا برعاية الرئيس الامريكي الطموح والمتبجح. الصفقة التي عرضها ترامب كان يمكن ان تتم حياكتها في بداية السنة، عندما حققت اسرائيل كل اهدافها العسكرية. ولكن في حينه ترامب كان ما زال اسير السحر الظلامي الذي يستخدمه عليه رئيس الحكومة الاسرائيلية والوزير ديرمر، وايضا حماس لم تكن متحمسة.
الزوجان نتنياهو سيعودان اليوم ظهرا الى اسرائيل، الى واقع اشكالي بالنسبة لهما. جلسة الحكومة التي ستعقد من اجل المصادقة على تعيين دافيد زيني كرئيس للشباك – خطوة حاسمة للدفع قدما بتدمير الديمقراطية – لن تكون جلسة سهلة. في كل ايام تواجدهما في نيويورك نجح الزوجان في التهرب من الالتقاء مع عائلات المخطوفين الذين توسلوا اليهما للالتقاء معهم. هذا كان مشهد للتجاهل والانغلاق والشر. هذا شاهدناه امام انظارنا على قبر الحاخام ميلوفوفيتش. سارة نتنياهو وصلت لزيارة القبر بمرافقة صديقتها المليونيرة وهاوية ادوات “شانيل” نيكول رايدمان، وهما ترتديان ملابس سوداء، وكأنهما جاءتا الى جنازة الحاخام وهما في حالة حزن وأسى. ابناء عائلات المخطوفين، مثل ايلانا غريسفسكي وحاجي انغرست، طلبوا تبادل بعض الكلمات. سارة لم تحول وجهها ولم تعطيهم ولو نظرة.
هم يئسوا منها، الضجة التي اقاموها والمظاهرات امام منزلها والمقابلات التي يعبرون فيها عن ثقتهم بترامب وليس بنتنياهو. هي انهتهم، حتى زوجها يتجاهل، كما يبدو بتوصية منها.
——————————————
هآرتس: 30/9/2025
ترامب لا يعرض على الفلسطينيين أي شيء، وسيتعين على حماس أن تحسم موقفها
بقلم: جاكي خوري
خطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لوقف اطلاق النار في قطاع غزة تضع حماس امام اكبر معضلة منذ اندلاع الحرب. من جهة، الموافقة على خطة الادارة الامريكي تعني تسليم الورقة الاخيرة الموجودة في ايديها، المخطوفين الاسرائيليين، والاعتماد على الرئيس ترامب والادارة الامريكية والمجتمع الدولي لتنفيذ انسحاب عسكري اسرائيلي كامل من القطاع ووضع قوة متعددة الجنسيات الى حين تاهيل قوة فلسطينية بديلة. كل ذلك بدون ان يتم تفسير جدول زمني واضح، وهل اصلا سيكون جدول بدون آلية تنفيذ واضحة لاعادة اعمار القطاع، وبدون أي مؤشر على بداية عملية سياسية.
من جهة اخرى، رفض الخطة المقترحة سيوفر لاسرائيل، بدعم امريكي، ذريعة لمواصلة سحق متواصل لما تبقى من القطاع، حتى بثمن حياة المخطوفين الاسرائيليين، الى ان يتحول احتلال غزة الى حقيقة واقعة، مع المزيد من آلاف القتلى والجرحى، والمزيد من التدمير والابادة.
بالنسبة لحماس، وفي الواقع بالنسبة لكل ما يسمى الآن “القيادة الفلسطينية، هذا قرار يعني ربما وقف اطلاق النار وربما المزيد من المساعدات الانسانية، مقابل اطلاق سراح المخطوفين وتحرير سجناء فلسطينيين، لكن بدون أي افق سياسي جدي. على الفور بعد المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو، قالت شخصية رفيعة في حماس، محمد مرداوي، ان خطة ترامب لم تتسلمها حماس أو أي جهة فلسطينية، لكن مع ذلك بنودها قريبة من الرؤية الاسرائيلية. وحسب قوله فان الحديث يدور عن محاولة لوقف الزخم الدولي والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وما كشف في خطة ترامب هو سطحي وليس مؤكد. بدلا من ذلك تقترح الخطة وضع حكم غير واضح يستند الى اموال وخبراء وسيطرة اسرائيلية كاملة حتى اشعار آخر.
في السابق، امام حكومات في اسرائيل وادارات امريكية كانت اقل تطرفا بكثير ومحافظة، الفلسطينيون كان يجب عليهم اتخاذ قرارات حاسمة مشابهة مع تدمير وسفك دماء اقل. حتى حينئذ التجربة تعلم ان النتائج كانت على الاغلب مخيبة للامال من ناحيتهم. بدءا باتفاق اوسلو في التسعينيات ومرورا بالتفاهمات التي جاءت بعده وانتهاء بعملية الانفصال احادي الجانب من قبل اسرائيل في 2005، فان الفجوة بين تعهدات اسرائيل والتطبيق الفعلي بقيت عميقة. هكذا ايضا الان، اذا قمنا بتقشير كل الشعارات فلن يبقى الكثير للفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في غزة، عدا الاختيار بين احتلال ناعم واحتلال عنيف وشديد.
عمليا، ما يعرضه ترامب على حماس هو “سلموا المخطوفين وسنرى متى وكيف سنعطيكم افق”. في كل الحالات، باستثناء الثناء على نفسه وعلى فريقه والكثير من الكلمات الرنانة، ليس لدى ترامب أي اقتراح لافق سياسي للفلسطينيين.
ربما الرئيس الامريكي يحلم بجائزة نوبل للسلام، لكن الامر لا يقتصر على ذلك. فبالنسبة للفلسطينيين في غزة وفي الضفة هو لا يعرض حلم او حتى بداية عملية سياسية حقيقية، وحتى لا يتحدى نتنياهو في معارضته للدولة الفلسطينية. في حماس وفي السلطة الفلسطينية يجب عليهم الاختيار بين النبوت أو العصا، الانتداب الاجنبي أو احتلال بدون أي اطار واضح. في الواقع ترامب ذكر واثنى على الزعماء العرب وادعى بموافقتهم على املاءاته واملاءات نتنياهو من خلال تجاهل واضح لكل ما يمكن ان يعطى للقيادة الفلسطينية، حتى الرغبة في قيادة اجراءات الاصلاح والتغيير للافضل.
لكن بعد كل الشعارات فان موقف اسرائيل بقي على حاله، وترامب في مشهد نرجسي معروف يحاول تغطية ذلك بموافقة عربية ودولية ترتكز بالاساس على الاموال وليس على الرؤية. الان يجب على حماس التقرير الى اين هي وجهتها.
——————————————
هآرتس 30/9/2025
ليست خطة ترامب هي ما ستقرر كيف سيبدو اليوم التالي في غزة، بل الميدان
بقلم: تسفي برئيل
سقالة خطة ترامب في الوقت الحالي تشبه اللافتة التي يضعها مقاولون على مدخل موقع للبناء والاعلان للجمهور بأنه “هنا يتم بناء اتفاق بين اسرائيل وحماس”. في الصور التي عرض فيها شكل البناء النهائي الفاخر الى جانب قائمة المشاركين في البناء – المهندسون، المعماريون، المسؤولون عن الصحة والمواصلات والتهوية – تظهر بحروف صغيرة جدا حالة البناء. ايضا مثلما في مثل هذه اللافتات، خطة ترامب مرفقة ايضا بملاحظة تحذير تقول بان الخطة “بانتظار الموافقة”. في هذه الحالة تنتظر ايضا موافقة اسرائيل، حماس، الدول العربية، السلطة الفلسطينية، الامم المتحدة وكل الجهات الاخرى التي يجب عليها تنفيذها.
التفاؤل الذي تعاظم قبيل لقاء ترامب مع نتنياهو يتعلق بناء على ذلك فقط بالمحور الامريكي – الاسرائيلي الذي توجد فيه على الاقل اداة ضغط محتملة مؤكدة، حتى لو كان غير معروف حتى الان الى أي درجة سيرغب أو يستطيع الرئيس الامريكي استخدامها. في المقابل، حتى الآن لم ينجح الضغط السياسي الامريكي وعمليات القصف والتدمير والقتل التي تقوم فيها اسرائيل من اجل الحصول على تنازلات من حماس، التي يمكن ان تدفع قدما بصفقة التبادل او توفير حل دائم للحرب في غزة.
يفضل ايضا التذكر ان مفهوم “حماس مضغوطة” يرافق منذ سنتين المفاوضات الطويلة والخطط التي تمت صياغتها، والتي لم يتم حتى الآن على زر التشغيل الذي يمكنه احداث التغيير في موقف حماس. ايضا الان حيث تواصل اسرائيل تدمير الابراج السكنية في غزة، وحيث انه حسب رواية الجيش فان 800 الف مواطن مرة اخرى ينتقلون من شمال القطاع الى الجنوب، وبعد تصفية عدد ممن اعتبروا قيادة حماس السياسية، ومحاولة تدمير ما تبقى منها في قطر، فان مقياس الضغط لحماس لا يمكنه ان يشكل مؤشر على الاتجاه الذي ستتوجه نحوه حماس.
هناك من يعتبر خطة ترامب خطة تعطي اسرائيل “الدفع بالنقد” الذي يعني التحرير الفوري لجميع المخطوفين دفعة واحدة، مقابل حماس التي ستحصل على مكافأة بـ “الدفع بالاعتماد” الذي سيستغرق بضع سنوات. هذا الوصف لا يساوي الدفع الذي حصلت عليه حماس والذي يتضمن، ضمن امور اخرى، حوار مباشر، ليس فقط بواسطة الوسطاء، مع الادارة الامريكية. والعزلة السياسية لاسرائيل؛ الغطاء العربي الوثيق الذي تجند لتطبيق وقف اطلاق نار ثابت في غزة؛ اجبار ترامب على التراجع عن خطة الريفييرا التي اساسها طرد سكان غزة الى خارج القطاع، في النهاية “خطة اليوم التالي”، التي حتى بصياغتها الغامضة لا تتضمن الهدف الاساسي للحرب كما حددته الحكومة، تصفية حماس، وهي حتى تراوح بين المطالبة بان “تلقي حماس السلاح” وبين المطالبة بـ “نزع سلاحها” كشرط لتطبيق الخطة.
حماس يمكن ان تكون راضية من اجبارها للطرفين، ترامب ونتنياهو، على مناقشة، حتى في هذه المرحلة بصورة فعلية وحتى ملزمة النتاج السياسي الذي سينتج عن الحرب في غزة. حتى الآن اذا تبنت اسرائيل الخطة فان حماس ستصمم على الحصول على ضمانات امريكية وعربية لتطبيقها. هذه الضمانات التي يمكن ان تحل محل “ورقة المساومة” التي تحتفظ بها، المخطوفين، ستوفر لها مكانة سياسية تضمن استمرار وجودها كمنظمة.
الامر غير المعقول هو ان السلطة الفلسطينية – التي وقعت على اتفاق سلام مع اسرائيل – ستصبح حسب الخطة “مشاركة تمثيلية” بدون أي سلطة تنفيذية تقريبا، ولا يتطلب وجودها على الورق الا اعطاء الشرعية للاتفاق الذي تم في المفاوضات بين حماس والولايات المتحدة والدول العربية واسرائيل.
خطة “اليوم التالي” التي عمل عليها في الفترة الاخيرة مستشارو ترامب، الذين انضم اليهم جارد كوشنر، والتي تمت صياغتها بالتشاور مع زعماء الدول العربية، على رأسهم ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وحاكم قطر الشيخ تميم آل ثاني، ليست نتاج يمكنه الصمود بذاته بدون موافقة حماس على اطلاق سراح المخطوفين. يمكن الافتراض انه بالنسبة لحماس هذه خطة ايجابية، لانها حتى لو تم الاعلان فيها بان حماس لن تكون شريكة في الادارة المدنية في غزة ولن تكون شريكة في السيطرة عليها، فان بنية “كعكة الطبقات” التي تقترحها الخطة تبقي هامش عمل كبير بما فيه الكفاية لرجال حماس للمشاركة في عملية اعادة اعمار غزة، وبالتالي، السيطرة فيها حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر.
النموذج الذي استخدمه من قاموا بصياغة خطة “اليوم التالي”، الذي وضعه طوني بلير، رئيس حكومة بريطانيا السابق الذي يترأس معهد باسم فاخر، “معهد التغيير العالمي”، يرتكز الى نموذج الادارة الدولية التي طبقت في كوسوفو، والتي كان من شانها ان تنهي الحرب الدموية في الدولة الممزقة. حسب مسودة الخطة التي نشرتها ليزا روزوفسكي في “هآرتس” وجايكوف مغيد في موقع “تايمز اوف اسرائيل” وفي منشورات اخرى في مواقع غربية، فان الحديث يدور عن ثلاث طبقات للادارة والاشراف، التي هي خاضعة الواحدة للاخرى في بنية هرمية.
الطبقة العليا فيها التي سيقف على رأسها بلير نفسه ستطرح استراتيجية الادارة، التنسيق الامني واعادة الاعمار، وفي المرحلة الاولى على الاقل ستعمل من خارج القطاع. تحتها ستعمل “سكرتاريا عامة” ستضم مندوبين رفيعي المستوى يكونون مسؤولين عن مجالات معينة مثل التشريع، الشؤون الانسانية، اعادة الاعمار والتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وتحتها ستعمل “السلطة التنفيذية الفلسطينية” التي ستكون مسؤولة عن الادارة الجارية لكل مجالات الحياة، والتي من شان الاعضاء فيها ان يكونوا “خبراء”، والذين لا ينتمون الى فصيل أو حركة معينة. في هذه البنية سيتم انشاء ثلاثة اجهزة للامن، من بينها “وحدة حماية الشخصيات الهامة”، التي هدفها حماية وتامين كل اصحاب المناصب، وشرطة فلسطينية التي الاعضاء فيها يقومون الآن بالتدرب في مصر والاردن، و”قوة استقرار دولية” التي اضافة الى صلاحياتها في حماية وتامين المعابر الحدودية وتنسيق الحماية في مناطق التماس التي سيسيطر عليها الجيش الاسرائيلي – ستكون هذه هي الجسم الذي من شانه ان يعمل كـ “جيش” محلي لمكافحة الارهاب والتنظيمات المسلحة المحلية.
المسودة تشمل في الواقع تفصيل للميزانية التي تم اعدادها لتمويل نشاطات البنية الادارية، لكن حتى الان غير معروف من الذي سيتحمل نفقات التمويل، وبالاساس من أين ستأتي الميزانية الضخمة لتمويل نشاطات اعادة الاعمار الاولية مثل اعادة تشغيل شبكة المياه، الكهرباء والصحة، وجمع ملايين اطنان الانقاض، البناء المؤقت وشق الشوارع. غير واضح ايضا أي دولة ستشارك في تشغيل اجهزة الامن، الحماية والحفاظ على النظام في القطاع، حيث انه حتى الآن فقط اندونيسيا هي التي اعلنت عن موافقتها على ارسال 20 ألف جندي الى القطاع. وفي حينه اعلنت دولة الامارات انها ستوافق على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات، لكن فقط اذا تم استدعاءها من قبل السلطة الفلسطينية، وفقط بعد تطبيقها لسلسلة اصلاحات عميقة.
لكن حتى لو تم ايجاد حل لقضية التمويل المعقدة وانشاء قوة متعددة الجنسيات، فسيكون هناك حاجة الى تشغيل عشرات آلاف العمال الغزيين، بما في ذلك المعلمين، الموظفين، الاطباء، طواقم طبية، سائقين ومشغلي معدات هندسية، الذين عمل الكثيرين منهم حتى بداية الحرب في اجهزة حماس. اعادة اعمار غزة مثل مشاريع اعادة اعمار كبيرة تمت في العراق وافغانستان ولبنان والآن في سوريا، تعتبر فرصة لعصابات الجريمة، العائلات الحاكمة و”وسطاء” على اشكالهم وكل من يحمل بيده سلاح، ومثلهم يوجد الكثير في غزة، من بينهم رجال حماس والمليشيات الجديدة التي انشأتها اسرائيل هناك. عن الصعوبات والاخفاقات الكثيرة التي رافقت تشغيل “الادارة المؤقتة” في كوسوفو (التي ما زالت رسميا تعمل هناك)، نقترح قراءة كتاب “السلام بأي ثمن: كيف خذل العالم كوسوفو” للمؤلفين لاين كينغ وويت مايسون اللذان عملا في اطار القوة الدولية، ويذكران ضمن امور اخرى، الفساد والفشل الاداري واللامبالاة واهمال الجوانب القانونية وتجاوز التفويض الذي اعطي للقوة والخلافات الصعبة بين اصحاب المناصب حول “السياسة” والاستراتيجية التي يجب اتباعها.
هيكلية الاجهزة الدولية والمحلية التي ستسيطر على القطاع مثلما هي معروضة في مسودة الخطة، لا تضمن ان اخفاقات كوسوفو لن تتكرر في غزة. الميزة الاساسية للخطة هي ان مسؤوليتها المباشرة لاسرائيل على الواقع الذي سيتطور في غزة برعاية نفس المنظمة الدولية، ستكون مقلصة، وهكذا فهي ربما ستنجح ليس فقط في وقف الحرب التي تدمر اقتصادها، مواطنيها وجنودها، بل ايضا اعادة لنفسها مكانتها الدولية. في المقابل، النقص المزدوج هو ان اسرائيل سيتعين عليها الاعتماد على قوات دولية، من بينها قوات عربية، من اجل منع نمو حماس العسكري، وتنظيمات مسلحة اخرى. وبالطبع، هي سيتعين عليها التنازل عن حلم “طفرة العقارات” الذي وعد به الوزير سموتريتش، وعن حي الفيلات لرجال الشرطة الذي تعهد به الوزير بن غفير.
——————————————-
معاريف 30/9/2025
فرص إقامة دولة فلسطينية تشبه فرص إقامة مستوطنات على المريخ
بقلم: زلمان شوفال
دولة فلسطينية لن تقوم في المستقبل المنظور، رغم “الاعتراف بها” من جانب عشرات الدول ورغم المشهد المحرج في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الذي بدا فيه الرئيس الفرنسي ماكرون يجلس على طاولة الرئاسة ويسجل المحضر، بعد أن نجح في أن يشق لنفسه طريقا في شوارع نيويورك. مريح لماكرون على ما يبدو ان يكون لفترة ما بعيدا عن “قصر بوربون”، حيث توجد حكومته في الأقلية وتتكبد فشلا إثر آخر. لا يزال يأمل في أن تتيح له أصوات المسلمين في بلاده ولحزبه النجاة لكن يتبين أن معظم الفرنسيين، مثل معظم الجمهور في دول أخرى، لا تؤيد الخطوة.
مهين ومثير للحفيظة على نحو خاص ان معظم الدول التي اعترفت “بفلسطين” لم تتكبد عناء طرح شروط مسبقة للخطوة أحادية الجانب التي اتخذوها، حتى ولا الشرط الأساس الذي قرره في حينه الرئيس بايدن: “تعهد الفلسطينيين بزعمائهم بالاعتراف رسميا وتصريحيا ليس فقط بوجود دولة إسرائيل بل وأيضا بحق الشعب اليهودي غير القابل للجدال بدولة خاصة به في هذا المكان”.
الرئيس ترامب، في خطابه شبه الارتجالي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة شدد بالشكل الاوضح بان الاعتراف بدولة فلسطينية هو إعطاء جائزة لحماس، وهكذا استبق اقوال رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو في الغداة. في القاعة ذاتها ومن فوق المنصة ذاتها. لكن ترامب لم يفصل اذا كان سيتخذ أي اعمال، دبلوماسية أو غيرها، ضد الحكومات التي عملت بخلاف رأيه. من الصعب أحيانا تفسير اقوال الرئيس ترامب. فليس لديه مشكلة أن يقول أمرا ونقيضه بين شروق الشمس وغروبها. في اليوم ذاته الذي خرج فيه بحزم ضد إقامة دولة فلسطينية اعلن مرتين انه لن يسمح لإسرائيل بضم أراض في “الضفة الغربية” – دون أن يشرح كيف يمكن الجسر بين هذين المتضادين، إذ انه إن لم تكن دولة ولا ضم كامل أو جزئي لإسرائيل، فماذا نعم بالضبط؟ وما يقوله ترامب لا يكون دوما كلمته الأخيرة.
كما أن الرئيس أعرب عن ايمانه/أمله ان تنتهي الحرب في غزة قريبا ويتحرر المخطوفون. اذا ما تحقق بالفعل هذا التقدير المتفائل، فان السبب سيكون أساسا المناورة العسكرية الحالية للجيش الإسرائيلي في مدينة غزة، اذا لم ترى حماس في المظاهرات وفي “الاحتجاجات” في البلاد سببا لمواصلة رفضها.
على أي حال، فان الاسناد الأساسية التي لاجلها لن تقوم دولة فلسطينية الان ليست فقط المعارضة الامريكية والإسرائيلية، بل حقيقة أنه لا توجد الشروط الأساسية لاقامة دولة كهذه: لا أرض ذات حدود محددة ومتفق عليها، لا تاريخ وثقافة مشتركة، لا حكم وطريقة حكم مقبولة على اغلبية السكان. فضلا عن هذا، بخلاف “الدولة التي على الطريق” للحركة الصهيونية، التي لم تكن بحاجة الى قرار من الأمم المتحدة لاجل البناء الفعلي لدولة إسرائيل العتيدة – سياسيا، عسكريا، اقتصاديا، إداريا وما شابه، فان العرب في فلسطين الانتدابية، وذلك أيضا بسبب غياب هدف وطني مشترك وغياب قدرة تنظيمية، لم يحركوا ساكنا لخلق واقع مشابه من جانبهم – لا قبل قرار التقسيم للأمم المتحدة (الذي رفضوه) ولا بعده. فقد القوا كل آمالهم على الإرهاب والعدوان العربي العام لاجل منع إقامة الدولة اليهودية وبقائها. هكذا في حينه وهكذا حتى يومنا هذا.
حتى لو كان سيقام غدا كيان يحمل الاسم الوهمي “دولة”، واضح أن هذا لن يكون الا عنصر ذا مزايا العالم الثالث من حيث الاضطراب والعنف والأرض الخصبة لاعمال التآمر على دول أخرى. من مثل الدول العربية تعرف ذلك ولهذا فانها تركز أساسا على دفع ضريبة كلامية وخطى استعراضية مختلفة.
ان فرص إقامة دولة فلسطينية في الوقت الحالي او قريبا تشبه فرص إقامة مستوطنات على المريخ. ومع ذلك لا ينبغي الاستخفاف بالتداعيات الدعائية والسياسية لهذه الخطوات واستغلال محافل معادية لإسرائيل لها. الامر يستوجب عملا سياسيا وجماهيريا فاعلا ومثابرا في كل المجالات والاتجاهات بما في ذلك في موضوع مواقفنا وافكارنا في المسألة الفلسطينية.
———————————————
يديعوت احرونوت 30/9/2025
خطة ترامب مُبهمة الصياغة، نتنياهو حاول تهدئة الخلاف مع الرئيس
بقلم: رون بن يشاي
إن أهم حقيقة عملية برزت من حفل البيت الأبيض هي أن حماس لم تقبل بعدُ الاتفاق ذي العشرين نقطة من حيث المبدأ في صيغته النهائية. والمثير للقلق هو أن تصريحات ترامب تشير إلى أنه لا يزال يفتقر إلى وعد قاطع من الوسطاء، وتحديدًا من قطر وتركيا، بأن حماس ستوافق عليه بالفعل. لا توجد سوى وعود غامضة حتى الآن. في الواقع، سيكون حفل الليلة (الاثنين) تاريخيًا أو منسيًا، اعتمادًا على ردّ الحركة الإرهابية، ناهيك عن معاناة عائلات المختطفين الذين يعتمدون على كلام خمسة أو ستة من كبار مسؤولي حماس المجتمعين في الدوحة.
لقد صيغت وثيقة المبادئ الأمريكية بعبارات عامة، بحيث يمكن لحماس قبولها كما هي، كما فعل رئيس الوزراء نتنياهو في خطابه إلى جانب ترامب. لكن موافقة نتنياهو تتطلب أيضًا موافقة مجلس الوزراء أو الحكومة بأكملها. من الممكن بالتأكيد أن يتمكن نتنياهو من التوصل إلى هذا الاتفاق، لكن الأمر سيستغرق يومًا أو يومين. خطة العشرين نقطة هي مجرد إطار عام، والآن يجب مناقشة تفاصيل التنفيذ – وهذا سيستغرق وقتًا. إذا وافقت حماس على الإطار العام كما هو، فقد تبدأ المرحلة الأولى خلال أيام. إذا قالت حماس “نعم، ولكن”، فستكون هناك حاجة إلى مفاوضات، والتي من المرجح أن تُعقد في الدوحة – وهذا أحد أسباب موافقة نتنياهو على الاعتذار لرئيس الوزراء القطري، الذي يُرجح أنه الوسيط الأكثر فعالية وأهمية.
كعادته، أشاد ترامب بنفسه في الغالب، لكن كلماته كانت تُقرأ من النص، وتكمن أهميتها في كونها نوعًا من التقليد الشفهي الذي يُكمل المخطط الهزيل والمختصر. شفويا، على سبيل المثال، يُفصّل ترامب تفصيلًا ما يعنيه بنزع السلاح من القطاع – والذي يُفترض أن يشمل الأنفاق ومواقع إنتاج الأسلحة والصواريخ، إلخ. بمعنى آخر، إذا كانت هناك اختلافات في الآراء حول ما يُمثل نزع السلاح عندما يُطلب من إسرائيل الانسحاب، فسيكون من الممكن اللجوء إلى الخطاب.
لقد سهّل ترامب على نتنياهو تمرير الاتفاق في الحكومة دون تفكيكها، بذكره جميع أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة في الوثيقة. ثم فصّل نتنياهو هذه الأهداف في بيانه لمزيد من اليقين، وكان واضحًا أن هذا متفق عليه من الجانبين. وأضاف ترامب تهديدًا بأنه سيدعم إسرائيل “لإتمام المهمة” بغياب موافقة حماس.
في خطابه، أشار ترامب إلى نقطتي خلاف مع رئيس الوزراء: الأولى عندما قال إن نتنياهو يعارض قيام دولة فلسطينية، بينما أعرب هو نفسه عن دعمه غير المباشر للفكرة – كما فعل في “صفقة القرن” في الولاية السابقة (2020). لم يُصرّح ترامب صراحةً بدعمه لها، لكنه أعرب عن تفهمه للدول الأوروبية التي ترى في الدولة الفلسطينية حلاً للصراع الطويل والدموي.
وفيما يتعلق بمسألة السلطة الفلسطينية، لم يتراجع ترامب. فعلى عكس موقف إسرائيل، ستكون جزءًا من إعادة إعمار غزة – بعد أن تخضع للإصلاحات وتُثبت استحقاقها لها. من جانبه، حاول نتنياهو التخفيف من وطأة الموقف بتوضيح ما يطلبه بالضبط من السلطة لتُعتبر مستوفية للشروط: وقف دفع رواتب الإرهابيين وعائلاتهم، ووقف التحريض في المدارس، ووقف الحملة السياسية التي لجأت إليها إسرائيل في الهيئات الدولية، و”إصلاحات أخرى كثيرة”. بمعنى آخر، لا ينوي نتنياهو السماح لطوني بلير، أو حتى ترامب نفسه، بفرض السلطة الفلسطينية عليه، دون أن تفي حرفيا بكل ما يطلب منها من التزامات. اما في المخطط نفسه، فيكاد يخلو من أي أثر لهذا باستثناء عبارة “الإصلاح ومحاربة التطرف”.
كما عزا نتنياهو خطة اليوم التالي لنفسه. اذ أشار إلى أنهم جادلوا ضده بأنه لا يملك مثل هذه الخطة – وهنا يُخرج الأرنب من القبعة: “مجلس السلام” و”اللجنة التنفيذية” التابعان لترامب – هذه هي خطته. كل شيء لتجاوز حاجز المقاومة الداخلية في إسرائيل، إذا قبلت حماس المخطط وبعد إقراره وبدء تنفيذه. لا داعي لنتنياهو أن يخشى تهديدات سموتريتش وبن غفير، لأنه إذا تبنت حماس الخطة ودخلت مراحل متقدمة من التنفيذ، وخاصةً عودة جميع المخطوفين، فسيكون رئيس الوزراء قادرًا على تحمل تكاليف الذهاب بهدوء إلى الانتخابات في قضية تحظى بتعاطف شعبي، مخالفًا بذلك قانون التهرب، وهو ما يُمثل حقل ألغام خطيرًا في الطريق إلى صناديق الاقتراع.
يبقى الآن أن نرى رد فعل حماس، وحتى لو كان “نعم، ولكن” كما هو متوقع، فستمر بضعة أيام أخرى تستمر خلالها الحرب.
——————————————
هآرتس/ ذي ماركر 30/9/2025
بدلا من ادارة اقتصاد اسرائيل فان المستوى السياسي غارق في القتال
بقلم: ناتي توكر
بالضبط مثل سنة 2025، ايضا سنة 2026، يمكن ان تكون سنة بدون اصلاحات هيكلية وبدون الدفع قدما لخطوات تشجع على النمو. في وزارة المالية يتبلور الفهم بانه حتى لو ارادت الحكومة ونجحت في الدفع قدما بالمصادقة على ميزانية 2026 في مرحلة معينة، فانها لن تتضمن أي اصلاحات هيكلية مهمة.
سبب ذلك هو الجدول الزمني القصير وحقيقة انه حتى الان لم يتم تطبيق المراحل المبكرة لمناقشة الميزانية في وزارة المالية. هذا قبل ان يكون بالامكان الوصول الى المصادقة على اطار الميزانية من قبل رئيس الحكومة. بشكل عام فقط بعد هذه المرحلة ستبدأ النقاشات مع الوزارات الحكومية الاخرى وبلورة الميزانية نفسها.
حتى لو كانت هناك فجأة محاولة للدفع قدما بميزانية الدولة فان امكانية دفعها قدما في اطار قانون التسويات – سلسلة القوانين التي يتم ضمها للميزانية وتشمل على الاغلب اصلاحات هيكلية – تقريبا غير قائمة. بشكل عام وزارة المالية تحتفظ لقانون التسويات، الدفع قدما بالخطوات المعقدة اكثر، وهو يربطها بالدفع قدما بالميزانية، وهكذا يدفع للمصادقة عليها. ولكن حتى لو تم الدفع قدما بميزانية الدولة فان الفترة الزمنية القصيرة لن تسمح بأي نقاشات حول اصلاحات مهمة في الكنيست – المستشار القانوني للكنيست لن يسمح باجراء نقاشات مستعجلة حول اصلاحات مهمة.
في 2024 ايضا نقاشات ميزانية الدولة لسنة 2025 تم تاجيلها بصورة كبيرة، الامر الذي اعقبه انتقاد علني ايضا من قبل رئيس القسم في حينه يوغاف غاردوس. في نهاية المطاف الحكومة صادقت على الميزانية في 1 تشرين الثاني، وتمت المصادقة عليها نهائيا في الكنيست في نهاية شهر آذار. وحتى الان احتمالية ان تبلور الحكومة ميزانية حتى تشرين الثاني القادم هي احتمالية معدومة تقريبا. وحتى لو قرروا في الحكومة تسريع نقاشات الميزانية فانهم في وزارة المالية يشككون في الامكانية التقنية للمصادقة على الميزانية في الكنيست بالقراءة الثانية والثالثة حتى نهاية آذار 2026 – الموعد النهائي الذي يمكن المصادقة فيه على ميزانية الدولة، أو أن يتم حل الكنيست.
الادراك بانه لن يكون قانون تسويات تسرب الى المستوى المهني في وزارة المالية. قبل اسبوعين نشرت وزارة المالية مشروع قانون تمت بلورته في اطار طاقم مهني برئاسة نائب مدير عام الوزارة يوراي متسلافي، استهدف زيادة استثمارات الجهات المؤسساتية في البنى التحتية والعقارات بواسطة تسهيلات ضريبية. هذه الخطوات كان يمكن ان تكون مندمجة مع مشروع ميزانية العام 2026، لكنهم في وزارة المالية ادركوا ان هذا مشكوك فيه، وحتى لو تم الدفع قدما به فانه لن يكون بالامكان ان تتضمن اصلاحات مهمة. هذا كان احد الاسباب في ان قرار فصل هذا الاقتراح ونشره بشكل منفصل عن الميزانية.
التاخير في مناقشة الميزانية ينبع من حقيقة ان المستوى السياسي غارق في مواصلة القتال وتوسيعه بدلا من ادارة اقتصاد اسرائيل. وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يبذل كل جهوده لضم يهودا والسامرة، ولا يعمل تقريبا كوزير للمالية. في موازاة ذلك لا يوجد مسؤول للقسم الذي يفترض ان يقود بلورة ميزانية الدولة – قسم الميزانيات، منذ بضعة اسابيع. التعيين الذي حاول سموتريتش الدفع به قدما، مهران بروزنفير، يبدو انه نزل من جدول الاعمال بعد رفضه من قبل لجنة التعيينات في ممثلية خدمات الدولة على خلفية تعيين رجال فقط في كل المناصب الرئيسية في وزارة المالية. سموتريتش لم يعين بعد قائم باعمال لغاردوس.
الان يبدو ان سنة 2026 يمكن ان تكون سنة بدون أي اصلاحات مهمة وبدون خطوات تشجع على النمو، التي سيتم شملها في الميزانية، التي هي اداة السياسة الرئيسية في يد الحكومة. حتى لو قامت اسرائيل بانهاء الحرب في الفترة القريبة القادمة فان سياسة الحكومة واهمال الاقتصاد ستؤدي الى ان الفرصة التي ستنشأ بعد الحرب لن يتم استغلالها من اجل الدفع قدما بالاصلاحات المهمة.
——————————————
هآرتس 30/9/2025
اوسلو ما زال حيا
بقلم: عميره هاس
اتفاق اوسلو ما زال حيا، واستنفاده الكثيف يواصل مساعدتنا يوميا. كل صراخ التنين الذي يطلقه اليمين لن يشطب حقيقة انه احد الانجازات الكبيرة للكيان اليهودي الموجود بين البحر والنهر.
اذا ارادت اسرائيل هي تقرر ان الاتفاق ما زال ساري المفعول وان الطرف الثاني هو الذي يخرقه ولذلك فانه يجب معاقبته. مثلا، في السرقة المنهجية لكل مداخيل السلطة الفلسطينية من الضرائب على البضائع المستوردة من الخارج. واذا ارادت هي تقرر انه مات، وانه يحق لها تغيير قوانين الاراضي بخدعة اخرى تمكن اليهود من السيطرة عليها، واغلاق معبر الحدود الوحيد امام الفلسطينيين. ولكن عندما نزيل من الاتفاق السنوات التي انقضت، والكلام المعسول عن السلام، وخصوصية توثيق بنوده وطريقة تنفيذها، تظهر مبادئه الاساسية التي ما زالت سارية المفعول في الضفة الغربية حتى الآن:
اسرائيل ستواصل كقوة احتلال السيطرة على الفلسطينيين وعلى مواردهم الطبيعية وحرية حركتهم واقتصادهم. ولكنها ستحصل على اعفاء دولي من واجب اهتمامها برفاه الواقعين تحت احتلالها. المسؤولية عن مشكلة الاقتصاد ومشكلة الصحة، التي يخلقها حكمها الاجنبي والمعادي، ستلقى بالكامل على الفلسطينيين وممثليهم ودافعي الضرائب في اوروبا، وفي هذه المرة ايضا على الولايات المتحدة.
اسرائيل ستقوم بسحب جيشها بالتدريج، بدون موعد مقدس وحدود محددة، في المقابل، الفلسطينيون سيتوقفون على الفور عن معارضة الاحتلال واملاءاته، حتى بدون معسكرات في قلب المدن فان الجيش يسيطر على كل شيء. اسرائيل والمتعاونون معها من تنظيمات اليمين، قالوا للجمهور بان أي معارضة فلسطينية هي ارهاب، وان كل اساليب المعارضة هي غير شرعية، وحتى لاسامية. وليس فقط العبوات الناسفة والحجارة، بل ايضا الدبلوماسية والاحتجاج الشعبي، والتوجه الى الهيئات القضائية الدولية، الزراعة، مد انبوب مياه، بناء خيمة، توسيع مدرسة، اضافة شرفة، الاحاديث والخطابات.
محظور على الفلسطينيين الدفاع عن انفسهم، سواء من الاسرائيليين المسلحين الذين يرتدون الزي العسكري أو اليهود المدنيين المسلحين. هذه القاعدة الفولاذية تسري على أي شخص وعلى اجهزة الامن الفلسطينية. هكذا، برعاية اوسلو وصلنا الى رقم قياسي يتم تحطيمه كل يوم، من الهجمات التي ينفذها اليهود الذين يكونون مسرورين من طردهم تجمعات كاملة، والجنود الذين يدافعون عن المهاجمين. السلاح متنوع: من رش الفلفل والبنادق وحتى القطعان، التراكتورات، والقاصرين الذين يتم ارسالهم للتنكيل بالنساء في الخيام. لا يوجد اتفاق، قوة دولية أو جهة لها صلاحية روحية تردعهم، وقضاة يطلقون سراحهم.
في القريب ستدخل عصابات اليهود المسلحة هذه الى قلب المدن الفلسطينية، وجنود الجيش الاسرائيلي سيسيرون في اعقابها للدفاع عنها من الجمهور الفلسطيني “المملوء بالكراهية والخطير”. هذا سيناريو يتوجه نحو الاستمرارية المنطقة منذ عشرين سنة. ما الذي سيفعله في حينه رجال الامن الفلسطينيين؟ اذا امتثلوا للاتفاق واختبأوا في مكاتبهم، فانهم هم والسلطة التي تشغلهم سيفقدون ما تبقى من كرامتهم وحقهم المشكوك فيه في تسميتهم قيادة. واذا رفعوا ايديهم ودافعوا عن انفسهم فان المسلحين الاسرائيليين الاكثر تدريبا سيقتلونهم. واذا قاموا هم أو المواطنين الشجعان قاموا بقتل أو اصابة أي أحد من الغزاة فسيتم اعتقالهم ومحاكمتهم كمخربين. لأنهم قاموا بخرق اتفاق اوسلو. وعندها ستكون لاسرائيل ذريعة اخرى لتدمير الاحياء والقيام بعملية الطرد الجماعي.
——————————————
اسرائيل اليوم 30/9/2025
التخلص من حماس، الحديث مع عباس
بقلم: يوسي بيلين
الوثيقة التي اتُّفق عليها الليلة بين ترامب ونتنياهو تتجاوز بكثير محاولة إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن. إنها وسيلة لاستغلال الكساد العميق الذي تعيشه المنطقة في عملية يُفترض أن تُنهي الصراع الطويل. بعد سنوات من محاولات إقناع الإسرائيليين والعالم أجمع بأنه لا فرق بين حماس وعباس، يقترح أن تتولى السلطة الفلسطينية – بعد أن تدير هيئة دولية مؤقتة القطاع – إدارة الأمور بنفسها.
لا يهمني حقًا أن خطة ترامب قد طرحها سلفه، جو بايدن، مستلهمًا من نتنياهو، الذي رفضها في النهاية.
لا يهمني أن نتنياهو وافق عليها، وكررها، ووافق عليها.
ولا يهمني أنه ادعى باستمرار أن “الصباح التالي” لا يُناقش إلا في الصباح التالي، وأنه حتى نهاية الحرب، لا مجال للخوض في أسئلة حول ما سيحدث بعد ذلك، حتى اكتُشف أن يديه كانتا فارغتين عندما اقترب من لحظة الحقيقة.
لا يهمني أنه خلال العامين الماضيين قرر أن استمرار الحرب ونجاح عملية تحرير الرهائن هدفان متكاملان، حتى اتضح له أيضًا أن من يدّعون أن الحرب تُهدد الرهائن، وأنه يجب إنهاؤها حتى دون قطع خيط حياة آخر إرهابي من حماس.
لا تهمني دوافع ترامب أيضًا. أُشيد بالرجل الكبير الذي لا يضبط نفسه، والذي يتوق بشدة إلى التقدير، على ما فعله، بعضها فعله ومعظمها لم يفعله، والذي يريد أن يُثبت للعالم أنه في نهاية المطاف، هو من سيُغير اسم وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”، وهو من سيفوز بجائزة نوبل للسلام.
آمل أنه بتبني نتنياهو نهج يرفض حماس رفضًا قاطعًا، ويرى السلطة الفلسطينية الحاكم المستقبلي لقطاع غزة، يكفر عن الضرر الذي ألحقه عندما حاول إقناع العالم بأنه لا فرق بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي لا يوجد لإسرائيل شريك في الأفق.
إنه يعلم كل التفاصيل الخفية للتعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويمكنه تقدير عدد الإسرائيليين الذين أُنقذت أرواحهم نتيجة هذا التعاون. إنه يستمع إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي قال فور وقوع المجزرة المروعة إن ما فعلته حماس بالقضية الفلسطينية هو النكبة الثانية. دعا حماس إلى إطلاق سراح جميع الرهائن فورًا، وأصرّ على أن حماس لن تشارك في الحكومة في أي تسوية تُجرى في غزة. كان هو من واجه عرفات خلال الانتفاضة الثانية وطالبه بوقفها لما تُلحقه من ضرر بالمصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني. ينتقد إسرائيل بشدة، لكنه يدرك جيدًا أهمية الجوار بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. وبينما تُعارض حماس بشدة حل الدولتين، لأنها تُعارض أي وجود يهودي بين النهر والبحر، فإن هذا هو عمل الرئيس الفلسطيني طوال حياته.
لا أفهم ما الذي دفع نتنياهو إلى التصرف في قطر (المعقدة)، وما الذي أراد تحقيقه من اغتياله، حتى وجد نفسه يعتذر عن أفعاله. تمامًا كما أُجبر على ذلك، بناءً على طلب براك أوباما أمام أردوغان، بعد مقتل ركاب سفينة ما في مرمرة قبل 15 عامًا. لكن هذا لا يهمني.
آمل أن يُكفّر، من خلال تبني نهج يرفض حماس رفضًا قاطعًا، ويرى السلطة الفلسطينية الحاكم المستقبلي لقطاع غزة، عن الضرر الذي ألحقته به عندما حاولت إقناع العالم بأنه لا فرق بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي لا يوجد لإسرائيل شريك في الأفق.
إنه يعلم كل التفاصيل الخفية للتعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويمكنه تقدير عدد الإسرائيليين الذين أُنقذت أرواحهم نتيجة هذا التعاون. إنه يستمع إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي قال فور وقوع المجزرة المروعة إن ما فعلته حماس بالقضية الفلسطينية هو النكبة الثانية. دعا حماس إلى إطلاق سراح جميع الرهائن فورًا، وأصرّ على أن حماس لن تشارك في الحكومة في أي تسوية تُجرى في غزة. كان هو من واجه عرفات خلال الانتفاضة الثانية وطالبه بوقفها لما تُلحقه من ضرر بالمصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني. ينتقد إسرائيل بشدة، لكنه يدرك جيدًا أهمية الجوار بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. وبينما تُعارض حماس بشدة حل الدولتين، لأنها تُعارض أي وجود يهودي بين النهر والبحر، فإن هذا هو عمل الرئيس الفلسطيني طوال حياته.
——————————————
موقع معهد “مسغاف” للأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية 30/9/2025
خطة «النقاط الـ 21» تخمد النار المشتعلة في غزة لكنها لا تحل المشكلات
بقلم: مئير بن شابات
في خطة النقاط الـ 21، وفقاً للنص الذي نُشر في وسائل الإعلام، تتوفّر العناصر كلها التي يُفترض بها أن تتيح للرئيس ترامب إخماد النيران المشتعلة في غزة والتفرغ لتحقيق رؤيته للشرق الأوسط الجديد.
والدول المستفيدة من الخطة هي الدول السنّيّة في المنطقة؛ فلا ذِكْرَ فيها لمبادرة “الهجرة الطوعية” أو ضم الأراضي، وهما القضيتان اللتان أثارتا قلقاً بالغاً لدى هذه الدول.
وتتضمن الخطة مساراً لإعادة إعمار القطاع، وتُعيد السلطة الفلسطينية إلى الساحة، لكن بنسخة جديدة.
وستحصل السعودية وإندونيسيا على دور في إدارة القطاع وإعادة بنائه، ما يمنحهما فرصة لتبرير انضمامهما إلى “اتفاقيات أبراهام”، باعتبار ذلك جزءاً من الجهد لإنقاذ غزة والدفع قُدُماً بفكرة الدولة الفلسطينية.
ولم تُهمل الخطة أيضاً دور كلّ من تركيا وقطر. يبدو أن كل قطع الأحجية وُضعت في مكانها الصحيح.
لكن فيما يتعلق بالتعامل مع حركة “حماس” في غزة فإن ما تقترحه الخطة، وما يمكن تنفيذه فعلياً، لا يتعدى كونه وسيلة لتهدئة النيران، دون معالجة الجذور الحقيقية للمشكلة.
ستبقى “حماس” القوة المركزية المهيمنة على القطاع، حتى وإن لم يكن لها دور رسمي في إدارته؛ فإن تقليص مطلب نزع السلاح إلى “السلاح الهجومي” فقط – كما ورد في نص الخطة – يمهّد الطريق لتهميش هذا المطلب وتفريغه من مضمونه؛ فهل الأنفاق والملاجئ في غزة تُعد سلاحاً هجومياً أم دفاعياً؟ وماذا عن الصواريخ المضادة للطائرات، والألغام، وغيرها؟
تحت غطاء “إعادة الإعمار المدني”، سيكون في مقدور “حماس” تجديد قدراتها العسكرية، ولا توجد آلية رقابة يمكنها منْع ذلك، بل إن الآليات الدولية لن تساعد، إنما ستُعيق وتثقل كاهل إسرائيل في جهودها لمنع ذلك.
وهذه ليست نظرة متشائمة، إنما قراءة واقعية لما حدث سابقاً، ولا يوجد ما يدعو إلى اعتقاد أن هذه المرة ستكون مختلفة.
في المرحلة الحالية، وعلى الرغم مما نُشر في وسائل الإعلام، فإن ما هو غير معلَن لا يزال أكثر مما هو مكشوف؛ فكل كلمة في النقاط الـ 21 لها أهمية، والصوغ ليس مجرد مسألة لغوية. لذلك، من الصواب التحفظ عند تقديم أي تقييم بشأن الخطة، فعلى سبيل المثال؛ فكرة إنشاء آلية حكم مدني بمشاركة الدول العربية المعتدلة والسلطة الفلسطينية ليست جديدة، فدول المنطقة، و”حماس” كذلك، تناقشها منذ فترة طويلة في إطار الصيغ التي يمكن أن تتيح إنهاء الحرب والتوصل إلى “اليوم التالي” دون سيطرة الجيش الإسرائيلي على القطاع، أو تنفيذ خطة ترامب للتهجير.
وفي أكثر من مرة، أعلن قادة “حماس” استعداد الحركة للتنحي عن إدارة الشؤون المدنية في القطاع وإتاحة ذلك لجهات أُخرى، وشدّدوا في بياناتهم على مبدأين في رؤيتهم لمستقبل غزة:
إدارة القطاع شأن داخلي فلسطيني، وتستلزم “توافقاً وطنياً”، وهو تعبير يُستخدم لإشراك السلطة الفلسطينية وإتاحة الفرصة لـ “حماس” لفرض شروطها ومطالبها.
“المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي حق لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، وليست حكراً على ’حماس’ فقط”؛ أي رفْض فكرة نزع سلاح المقاومة.
إن الفكرة المطروحة هي تشكيل مجلس إدارة يضم ممثلين عن الدول العربية والسلطة الفلسطينية، يتولى جمع الموارد، ويكون بمثابة لجنة توجيهيه للشؤون المدنية في غزة.
وتحت هذه الهيئة، سيتم تشكيل هيئة تنفيذية تتكون من تكنوقراط (خبراء مدنيين) يديرون الوزارات والهيئات المتعددة في القطاع. ظاهرياً، لا وجود لـ”حماس” ولا تأثير لها، لكن هذا ظاهرياً فقط.
لِشَرْحِ كيف يمكن لـ”حماس” أن تعمل في هذا الواقع، سنأخذ على سبيل المثال البنية التحتية المدنية؛ من المتوقَع أن تكون أولى طلبات الهيئة التنفيذية إدخال جرافات ومعدات ثقيلة لإزالة الأنقاض، وهذا طلب مشروع تماماً، لكن هل يمكن تخيُّل عامل فلسطيني في غزة يشغّل هذه الآليات ويرفض طلباً من “حماس”؟ كذلك الأمر مع دخول الأسمنت، والحديد، والمواد الكيميائية، وقِطَع الغيار، والمحركات، والبطاريات، وغيرها من الوسائل التي تُطلب لأغراض مدنية، والتي جميعها يمكن أن تُستخدم أيضاً لتعزيز القدرات العسكرية.
يجب أن نعي أن القناة المدنية وجهود الإعمار هما المسار الأساسي لبناء القدرات العسكرية؛ فكل ما سيدخل قطاع غزة لأغراض مدنية ستستخدمه “حماس” لبناء قوتها العسكرية.
طالما أن “حماس” لا تزال القوة المسيطرة في القطاع، فإنها ستكون صاحبة الكلمة في كل ما يدخله.
وأكثر من ذلك، فإن خطة انتقال الإدارة المدنية من يد “حماس” دون المساس بسيطرتها العسكرية يمكن أن تؤدي إلى “تحويل غزة إلى نموذج يشبه حزب الله في لبنان.
وتحت غطاء المجلس الإداري (أو أي اسم يُعطى إلى هذا الكيان)، ستقوم “حماس” بإعادة بناء قوتها العسكرية في القطاع، وستدير كل ما يجري من وراء الكواليس عبر سلاحها وقوتها، ولن يساعد التدخل العربي والدولي، في تنفيذ مسار كهذا، إسرائيل، إنما سيعيقها في مواجهة تحركات “حماس”.
من الضروري أيضاً تحليل إدخال السلطة الفلسطينية في المعادلة، والحديث عن أفق سياسي مرتبط بهذا المسار، وخصوصاً بعد الخطوة الاستفزازية المتمثلة في الاعتراف بدولة فلسطينية. يجب على إسرائيل أن توضح أنها لن تتنازل عن مطلبها بنزع السلاح الكامل من غزة، إلى جانب إسقاط حكم “حماس”، وليس كبديل له.
إن تفكيك “حماس” عسكرياً يجب أن يُعرَّف بصورة دقيقة وقابلة للقياس؛ لا أنفاق، ولا منشآت يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، حتى لو وُصفت بأنها دفاعية.
إن مصلحة إسرائيل في التوصل إلى اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى، ويفكك “حماس”، ويزيل التهديد القادم من غزة، هو أمر لا جدال فيه، وقد قطعت إسرائيل شوطاً كبيراً في تحقيق هذا الهدف عبر عمليتها العسكرية في مدينة غزة، ودفعَت في مقابل ذلك أثماناً باهظة، ولذلك، فمن الضروري التدقيق في تفاصيل التفاهمات وقدرتها على التنفيذ، وعدم الاكتفاء بصورة عامة وشاملة.
——————————————
هآرتس 30/9/2025
يا ترامب لا تسمح لنتنياهو بالعرقلة
بقلم: أسرة التحرير
التقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس في البيت الأبيض، وناقشا الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في غزة. وفي المؤتمر الصحفي الذي عُقد لاحقًا، أعلن ترامب أنه يسعى إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وليس فقط في غزة. وعرض ترامب النقاط الرئيسية في خطة إنهاء الحرب، مؤكدًا أن نتنياهو، و”جميع الدول العربية”، قد أعطوا الضوء الأخضر. ولم تُعطِ حماس موافقتها بعد. وصرح ترامب أنه إذا رفضت حماس، فسيدعم إسرائيل في عملياتها في غزة.
في خطابه، أكد نتنياهو لترامب دعمه لخطته، لأنها ستحقق جميع أهداف الحرب. ووفقًا للخطة، ستنتهي الحرب فورًا. ستنسحب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي إلى الخط المتفق عليه استعدادًا لإطلاق سراح الرهائن، وسيتم تعليق جميع العمليات العسكرية، وسيتم إطلاق سراح جميع الرهائن، أحياءً وأمواتًا، في غضون 72 ساعة من بدء وقف إطلاق النار. بعد إطلاق سراح جميع الرهائن، ستفرج إسرائيل عن 250 سجينًا محكومًا عليهم بالسجن المؤبد، و1700 غزي آخرين اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر(تشرين الأول)، بينهم نساء وأطفال. وتتضمن الخطة أيضًا اقتراحًا بتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة في غزة، تُدير الخدمات العامة من قِبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية. وسيُطلب من السلطة الفلسطينية إجراء إصلاحات قبل أن تُصبح مؤهلة لحكم القطاع مستقبلًا. ولن يُجبر أحد على مغادرة غزة.
مع أن حماس لم تُعطِ موافقتها بعد، لا ينبغي لترامب أن يفترض أن موافقة نتنياهو ثابتة. فالتنازلات المطلوبة من إسرائيل بموجب الخطة قد تُكلف نتنياهو حكومته، وقد أثبت نتنياهو بالفعل مدى ضغطه وابتزازه. أعلن ترامب قبل أيام أنه لن يسمح بضم المستوطنات كتعويض لإسرائيل على اعترافها بالدولة الفلسطينية. كما تُغلق الخطة الباب أمام ضم غزة وترحيل سكانها. كما أن إطلاق سراح السجناء الأمنيين المسجونين بتهمة القتل خطوةٌ يصعب على بعض أطراف ائتلاف نتنياهو قبولها.
كتبت عائلات المختطفين إلى ترامب أمس، مُعلنةً له صراحةً: “نطلب منك الصمود في وجه أي محاولة لتخريب الصفقة التي أبرمتها”. مخاوف العائلات مفهومة، وتستند إلى تجربة العامين الماضيين في إبطال الصفقات. يجب أن تنتهي الحرب لإنقاذ الرهائن الذين يرزحون منذ عامين في أنفاق حماس، وأن التضحية بأرواح الجنود على مذبح حرب عبثية لم يعد مقبولاً. بالأمس، تلقينا تذكيراً مؤلماً بهذا عندما أصيب خمسة منهم بجروح خطيرة في شمال قطاع غزة. يجب أن تنتهي الحرب لوضع حد للمذبحة في غزة.
لقد قالت عيناب تسنغاوكر بالأمس: “الجحيم الذي نمر به أنا وابني سينتهي، وكل شيء يعتمد على شخص واحد”. نأمل ألا يتراجع نتنياهو عن موافقته وينسفها كما فعل في الماضي. يجب أن تُغلق أبواب الجحيم التي فُتحت في 7 أكتوبر(تشرين الأول).
—————–انتهت النشرة—————–