الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

معاريف 24/9/2025

إسرائيل بعد “زلزال الاعترافات”: ليس حدثاً عابراً.. ولم تعد المواجهة مع رام الله وحدها

بقلم: أنا برسكي

لم تقم اليوم دولة فلسطينية. لا أعلام جديدة، لا حدود جديدة، ولا آليات حكم. وهذا لن يحدث أيضًا بعد أسبوع، بعد حدث الاعتراف الكبير في الأمم المتحدة، بقيادة مشتركة فرنسية-سعودية. ومع ذلك، فإن الاعتراف المنسق من بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطينية هو زلزال سياسي. ثلاث ديمقراطيات غربية من المركز الثقيل للعالم الحر وجّهت إلى القدس إشارة واضحة: اللعبة تغيّرت، والساعة انتقلت من وضعية “تجميد” إلى وضعية “تشغيل”.

إنه تغيير بحجم مختلف تمامًا عن تصريحات سابقة لدول في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. لندن وأوتاوا وكانبيرا ليست “دول هامش” في الساحة، بل هي شريكات وثيقات لواشنطن، ودائمًا ما اعتُبرت حليفات لإسرائيل. مجرد اختيارهن القيام بالخطوة معًا، في يوم واحد، وفي مساء انعقاد الجمعية العامة في نيويورك، ليس مجرد رمزية، بل رسالة واضحة: حل الدولتين يجب أن يعود إلى مركز المسرح، حتى بثمن مواجهة مباشرة مع الحكومة في القدس، وحتى بثمن برودة معينة في العلاقات مع واشنطن.

هذه الاعترافات لا تُنشئ دولة بين ليلة وضحاها، لكنها تتراكم كعملة صعبة في الساحات الدولية. كل ديمقراطية غربية تنضم إلى الخطوة تضيف شرعية للمطلب الفلسطيني بدولة ذات سيادة، وهذا قد يشكل في المستقبل أساسًا لإجراءات قانونية وآراء استشارية وضغوط في المجالس والهيئات القضائية – وهي كثيرة. الفارق بين رمزية فارغة ورمزية ذات معنى يكمن في الاستخدام الذي يُصنع منها.

في الساحة الدبلوماسية، تدخل إسرائيل في مأزق. عندما يُمنح الاعتراف من ثلاث عواصم غربية في الأسبوع ذاته، وتتراجع بشكل ملحوظ قدرة إسرائيل على عرقلة خطوات إضافية في الأمم المتحدة أو في أوروبا. قد لا تنضم دول أخرى فورًا، لكن من الواضح أن الحصانة الدبلوماسية أمام الغرب التي تمتعت بها إسرائيل بدأت تتآكل. يصبح أصعب الادعاء بأن الوضع القائم مستقر أو قابل للاستمرار حينما تلوّح دول صديقة بأنها لم تعد هناك.

وعلى الصعيد العملي – لن يُفرض غدًا صباحًا حظر على السلاح، ولن تتوقف شراكات بحثية. لكن سيبدأ مسار من “التآكل الناعم”: معايير جديدة في المناقصات، قيود على التصدير الأمني، تحفظات في المؤسسات الأكاديمية. ليس الأمر خطوة دراماتيكية واحدة، بل تراكم خطوات صغيرة تخلق ضغطًا فعالًا ومتواصلًا.

أما واشنطن، في هذه المرحلة، فلا تنضم – ولا تعتزم الانضمام. هذا هو الامتياز المركزي للقدس – المظلّة الأميركية لا تزال قائمة. لكنه أيضًا مصدر خطر: إسرائيل قد تُصوَّر كمن تختبئ خلفها فيما يتحرك الغرب إلى الأمام. العزلة الدولية تصبح أكثر واقعية، والقدرة على التأثير في السرد تتضاءل.

وفي الساحة الداخلية؟ التوقعات مألوفة هنا: “اعتراف بالإرهاب”، “جائزة لحماس”. إنها بلاغة تقوي الائتلاف في الداخل أمام القاعدة الغاضبة، لكن العالم يرى أنها عبارات منفصلة عن الواقع. عندما تصوغ بريطانيا خطوتها على أنها إنقاذ لفكرة حل الدولتين وليس كمكافأة على الإرهاب، فالإطار الإطار الإسرائيلي يفقد صدقيته، أو – على الأقل – ويبدو أقل إقناعًا للأذن الغربية. المعركة الإدراكية – لا تقل عن المعركة السياسية – تُدار في ملعب حيث تملك إسرائيل عددًا أقل من اللاعبين الداعمين.

الفرصة الوحيدة أمام إسرائيل لوقف هذه الديناميكية هي عبر طرح أفق. ليس دولة فلسطينية غدًا صباحًا، بل خطوات محسوبة: إعادة بناء آليات مدنية، خطوات اقتصادية، تعزيز التنسيق الأمني، أفق لغزة، وإن خطة انتقالية تُظهر للعالم أن هناك مسارًا، ولو محدودًا، قد تساعد في امتصاص بعض الضغط. أما في غياب مثل هذه الخطوة، فلن يبقى موج الاعترافات حدثًا عابرًا – بل سيتحول إلى اتجاه مستمر.

هذا المساء، وبصورة أوضح مع اقتراب حدث الاعتراف عشية رأس السنة، تجد إسرائيل نفسها مجددًا في قلب عاصفة سياسية. الاعتراف البريطاني-الكندي-الأسترالي لا يغير الواقع على الأرض، لكنه يغير الواقع حول الأرض. إنه يجعل الوضع القائم غير قابل للتحمل في نظر مزيد من الشركاء في الغرب. وهذه هي الخلاصة المقلقة لإسرائيل: لم يعد الأمر جدلًا مع رام الله وحدها، بل مواجهة مع فكرة – لا يمكن أن يتفوق عليها سوى حل سياسي واضح.

——————————————

معاريف 24/9/2025

لـصاحب “الفحم الجميل”: أتحسب أن ميكروفونك سيوقف ذوبان الجليد؟

بقلم: يوفال بغنو

العالم بات معتادًا على كون ترامب منكِرًا للعلم في كل ما يتعلق بأزمة المناخ، بل ولا ينسب أي أهمية لحاجة بشرية ملحّة للانتقال من حرق الوقود الأحفوري الملوِّث مثل الغاز الطبيعي والنفط والفحم لتشغيل الصناعة وإنتاج الكهرباء والمواصلات، إلى طاقة مستدامة توقف انبعاث “غازات الدفيئة”. لكن حتى من اعتاد على أوهام رئيس الولايات المتحدة صُدم من حجم الكذب الذي روّجه في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء أمس.

هو يعرف جيدًا أن استثمارًا ضخمًا فقط في الطاقات المتجددة من قبل قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، سيقود البشرية إلى الهدف المنشود، وهو: صفر انبعاثات، وبدل ذلك يهاجم أوروبا، ويسخر من القارة الأكثر خضرة وتقدّمًا على أنها نجحت في تقليص “فقط” 40% من انبعاثاتها باستثمار ضخم في الطاقة الخضراء، ويتهكّم من استمرار اعتمادها على الغاز والنفط الروسيين، في الوقت الذي يعرض فيه موارده الخاصة كبديل.

في الولايات المتحدة ألغى ترامب فعليًا الوكالة الفدرالية لحماية البيئة وكل القيود على مناجم الفحم ومصافي التكرير. وحتى كرجل أعمال، يتجاهل حقيقة أن مجال الطاقات المتجددة هو القطاع الأسرع نموًا والأكثر ربحية في العالم. ترامب حتى يسمّي الفحم (الذي يعرف الجميع في العالم أنه الأخطر، سواء لأزمة المناخ أو لجودة الهواء) “فحمًا نظيفًا وجميلاً”. لا أحد لديه خجل.

وهل كنتم تتوقعون شيئًا آخر ممن يصفي حسابًا في خطابه مع الأمم المتحدة التي رفضت قبل عشرات السنين عرضه للترميمات وانتهت بتكاليف أعلى؟ من ذاك الذي ظن أن شرب مواد التعقيم يعالج كورونا، والآن يعتقد أن الباراسيتامول يسبب التوحّد؟

العلم في نظر الجمهور الواسع والواهم الذي يمثله هذا الرجل ليس أكثر من توصية. الولايات المتحدة المتخلفة والجاهلة. المشكلة أنه يقود اليوم القوة العظمى الأكبر في العالم. الولايات المتحدة والصين هما الدولتان الأكثر تلويثًا والأكثر إسهامًا في أزمة المناخ عالميًا، لكن وفقًا لترامب الجاهل “الهواء في الولايات المتحدة رائع”، وإذا كان هناك تلوث فإنه يأتي من الصين. تلك الصين التي تدفع ثمنًا فادحًا من الأرواح بسبب تلوث الهواء من مصانعها، والتي تفهم جيدًا على جسدها الحاجة إلى الانتقال للطاقة الخضراء.

أزمة المناخ تهدد حياتنا نفسها، وتهدد قدرة جيل الأطفال والشباب اليوم على العيش في عالم يمكن التجوّل فيه في الهواء الطلق طوال أيام السنة من دون أن يحترقوا من الشمس، وتهدد توفر الغذاء وتنوعه كما نعرفه، وتهدد مدن السواحل بخطر الفيضانات مع ارتفاع البحر، وتهدد نظام الأمطار المتغير، والصيف الذي يزداد طولًا وحرارة، والعواصف التي تزداد حدة.

منذ عشرات السنين بات واضحًا أن الإنسان يسرّع وتيرة انهيار استقرار المناخ بسبب حرق الوقود الملوِّث. لكن ترامب يعيش في عالم يعتبر فيه أي مال لا يعيد نفسه فورًا وبسرعة، استثمارًا غير مجدٍ. رجل جاهل وضيق الأفق، بعيد عن أي رؤية قيادية بعيدة المدى. الإنسانية في سباق ضد الزمن، لكن المعركة في عالم ترامب الوهمي هي لإعادتها إلى “الطاقة القديمة والجيدة”، تلك التي “يمكن الاعتماد عليها” لأنها مستقرة. تلك التي تدمّر العالم؟ من يهتم. فترامب نفسه لن يبقى منه شيء عندما يضطر العالم المتطور إلى تذوق ثمار سياساته المدمرة والآسنة.

رئيس جيد لإسرائيل؟ ربما. يعتمد على أي جانب استيقظ في الصباح. لكنه رئيس سيئ جدًا للعالم. إيلياس برشدسكي، من منظمة “مغما يروكا” (توجه أخضر)، علّق على الخطاب الذي صدم العالم مرة أخرى بحجم الجهل والتضليل الذي احتواه بكلمات حادة، وشرح لنا ما الذي يقف وراءه: “في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أظهر ترامب مرة أخرى للعالم كيف تبدو خليطًا خطيرًا من القوة والجهل. الرجل الذي سأل ذات مرة إن كان يمكن تفجير إعصار بقنبلة نووية، والذي قال في مؤتمر صحافي ربما يجدر تجربة حقن مواد التعقيم للقضاء على كورونا، قرر الآن أن يوزع علينا دروسًا حول أزمة المناخ. لو لم يكن الأمر متعلقًا بحياتنا جميعًا، لبدا كأنه نكتة سيئة. ترامب وصف أزمة المناخ بأنها ‘خدعة’، ومنظمات البيئة بأنها ‘راديكالية’. هذه ليست مجرد مقولة كاذبة، بل عرض بائس للجهل المغلّف بالغرور. إنه كأن تقف أمام طبيب يعرض صورة أشعة لورم وتقول له إنها ‘فوتوشوب’. إنه مثل أن تجلس في بيت يحترق وتضحك على الجيران الذين يتصلون برجال الإطفاء”.

ويضيف برشدسكي: “ترامب لا يلغي ‘فقط’ أزمة المناخ، هو يلغي العقل السليم. لكن العلم لا ينحني أمام الأنا المنتفخة. الجليد لا يتوقف عن الذوبان لأن ترامب أعلن أنه ‘أخبار كاذبة’. الحرائق المتزايدة لا تنتظر تغريدته التالية كي تندلع. ومستوى البحر لن يتوقف عن الارتفاع فقط لأن شخصًا يحمل ميكروفونًا قرر أن ذلك لا يلائم أجندته. لماذا يعد هذا كذباً؟ كل هيئة علمية جدية، من الـ IPCC التابع للأمم المتحدة وحتى الأكاديميات الوطنية للعلوم، تقر بشكل قاطع: البشرية تسخّن كوكب الأرض بوتيرة خطيرة، والمناخ يصبح أكثر اختلالًا وتطرفًا ودمارًا. أن تسمي ذلك ‘خدعة’ يشبه أن تنظر إلى ميزان حرارة يشير إلى 40 درجة وتصرخ ‘أخبار كاذبة’. هذا ليس تحليلًا للواقع – هذه هروب منه”.

“لماذا هذا خطير؟” يسأل برشدسكي ويشرح: “حينما ينكر العلم قادة بمستوى ترامب، فهذا ليس ‘رأيًا آخر’، بل تخريب مباشر لمستقبلنا جميعًا. قد يضحك ويصف منظمات البيئة بأنها ‘راديكالية’، لكن ما هو راديكالي حقًا هو الاستمرار في تلويث، وتسميم، وإنكار الواقع بينما العالم يحترق. وعندما يصف ترامب منظمات البيئة بأنها ‘راديكالية’، فهو في الحقيقة يضع من يقاتلون من أجلنا جميعًا في خانة الأعداء. هذا خطر على الديمقراطية، خطر على أطفالنا، خطر على مستقبلنا كلنا هنا”.

ويضيف برشدسكي موضحًا: “لماذا يفعل ترامب ذلك؟ لأنه يملك مصلحة شخصية. ترامب مدعوم من لوبي ضخم لصناعات ملوِّثة: النفط، الفحم والغاز، التي تجني أرباحًا طائلة ما دام العالم مستمرًا في حرق الوقود الأحفوري. هو نفسه يملك استثمارات في مجال الطاقات الملوِّثة ويعرف أن أي تنظيم بيئي جاد سيضر مباشرة بجيبه وبجيوب الممولين السياسيين له. حين ينكر أزمة المناخ، هو لا يفكر في الأم التي تضطر للاختيار بين شراء الدواء لطفلها المصاب بالربو وبين ودفع فاتورة كهرباء المكيف، بل يفكر في أرباحه الشخصية. لا يمكننا أن نسمح لهذا الإنكار أن ينتصر. هذه معركة من أجل مستقبل أطفالنا، من أجل صحتنا، من أجل البحار، من أجل الغابات، ومن أجل الأنواع التي تنقرض”.

ويشدد برشدسكي: “ما هو راديكالي حقًا هو هذا الإنكار الآثم لتغير المناخ من قبل ترامب وأصحاب الشركات الملوِّثة المستعدين لفعل أي شيء من أجل المال – حتى لو كان ذلك يعني المساس بحياة البشر. لا تقفوا على الهامش. شاركوا هذه الأمور، تحدثوا عنها، اكشفوا هذا الإنكار الخطير في كل مكان يظهر فيه. انضموا إلينا في المعركة من أجل المناخ في كل مكان ممكن – في الشوارع، في الجامعات، في المجتمعات، وحتى في أماكن العمل. فقط معًا يمكننا أن نهزم الإنكار، نوقف الدمار، ونبني مستقبلًا آخر”.

——————————————

عن «N12» 24/9/2025

“أيـلـول الأســود”: إســرائـيـل تـســقـط دبـلـومـاســيـاً ..

بقلم: عاموس يادلين وأودي أفينتال

– 37 % من الأميركيين يتعاطفون مع الفلسطينيين مقابل 36% مع إسرائيل

– 50 % من الأميركيين يرون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة مقابل 35% ينفون ذلك

– 60 % من الأميركيين يعارضون إرسال سلاح إضافي إلى إسرائيل

لم يأتِ «خطاب إسبرطة»، الذي ألقاه رئيس الحكومة بشأن ازدياد العزلة السياسية التي أوقع إسرائيل فيها، والعوائق والقيود المفروضة على استيرادنا قطع السلاح، من فراغ. فالمساس بمكانة إسرائيل ليس محصوراً في أوروبا والصناعات الأمنية فقط، مثلما حاول رئيس الحكومة أن يلمّح، بل يحدث أيضاً في الشرق الأوسط وأميركا، ويشمل مجالات، مثل التجارة العالمية والعلم والتكنولوجيا والأكاديميا والرياضة والثقافة. إن إسرائيل تتحول إلى دولة منبوذة.

يشكل المساس السياسي بمكانة إسرائيل العالمية، وبشكل خاص الدعامة الأميركية العظمى، تهديداً لا يقلّ خطورة عن ذاك الذي يمثله أعداؤنا. فالتركيز على الأعداء مفهوم وواضح، لكن اعتبار الدعم الأميركي أمراً مسلّماً به هو خطأ جسيم.

لقد عمل جيل المؤسسين، بقيادة بن غوريون، على إخراج الشعب اليهودي من العزلة، ومن الغيتو في أوروبا، لكن نتنياهو يعمل على إعادتنا إلى هناك، بوعي، وبعيون مفتوحة.

مؤخراً، وعلى ضفاف البوتوماك، اختبرنا بشكل مباشر التآكل في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة، وفي المنطقة. في الأسبوع الماضي، عاد طاقم «Mind israel» من مؤتمر MEAD في واشنطن، الذي يتناول العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط.

شارك في المؤتمر مسؤولون رسميون كبار، إلى جانب خبراء وإعلاميين من الولايات المتحدة، ومن دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.

بطبيعة الحال، تحوّل الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق في قطر، الذي وقع في اليوم الأول من المؤتمر، إلى حديث اليوم على حساب مواضيع أُخرى، مثل إيران، التي أزيحت عن جدول الأعمال.

برز قاسم مشترك في المحادثات في المؤتمر مع جهات في الإدارة الأميركية، وفي الكونغرس، ومن دول المنطقة، بما في ذلك أصدقاء بارزون لإسرائيل، تمثّلَ في الرسالة الآتية: «إن إسرائيل فقدت عقلها، واستراتيجيتها غير واضحة، وأنتم تفقدون أصدقاءكم في كل مكان».

ضاعف الهجوم على قطر الرسالة فقط؛ لقد عبّر مسؤولون أميركيون عن إحباطهم ممّا سمّوه «الهجوم على شريكة للولايات المتحدة وخرق سيادتها»، و»زعزعة الاستقرار في الخليج كله»، و»تسريع الانجراف السياسي المناهض لإسرائيل». وبحسب قولهم، قد يشير هذا الحدث إلى منعطف أيضاً في موقف الإدارة في واشنطن إزاء إسرائيل، ويقوّي أصواتاً في محيط الرئيس ترامب تدعو إلى إنهاء الحرب في غزة، حتى لو فُرض ذلك فرضاً، قبل أن تمسّ مصالح أميركية عميقة.

هناك تحذير حاد آخر تلقيناه يتعلق بخطوات الضم. أوضح لنا الجانب الأميركي أن الضم سيشكل ضربة قاتلة للعلاقات مع الديمقراطيين، وحتى في أوساط جزء من الجمهوريين.

وهناك نفور من هذه الخطوة في محيط الرئيس بسبب تداعياتها المحتملة على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وقال محاورونا من الخليج، بينهم جهات رسمية رفيعة، إنهم لن يقطعوا العلاقات مع إسرائيل في أعقاب الهجوم على قطر، لكنهم حذّروا من أن تنفيذ الضم سيضرّ بـ»اتفاقيات أبراهام» بشكل مؤكد، إلى حد التراجع عنها.

زعزعة مكانتنا في أميركا

إن النقد «بين البوتوماك والخليج الفارسي» يصل، بينما يحدث في الخلفية تآكل متسارع في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة.

لقد عملنا في مجال العلاقات الإسرائيلية – الأميركية عقوداً من الزمن، وقمنا بأدوار متنوعة، ولم نصل قط إلى نقطة حضيض كهذه. والتوجهات؟ لا تبشر بالخير.

بعكس التفاهات التي يطلقها وزراء وأعضاء كنيست منذ الانقلاب الدستوري، وتشير إلى أنه «في إمكاننا أن نتدبر أمرنا من دون أميركا»، فإن الولايات المتحدة هي دعامتنا الاستراتيجية الوحيدة، ولا يوجد أي بديل عنها، حسبما أوضحت الحرب في سبع جبهات.

كما هو معلوم، أرسلت إدارة بايدن إلى المنطقة حاملات طائرات، وهددت إيران و»حزب الله» في حال انضما إلى الحرب (الـ Don’t المشهورة)، وزودت إسرائيل عسكرياً بكميات هائلة من الذخائر، وأسقطت بالفيتو قرارات في مجلس الأمن، واعترضت صواريخ وطائرات مسيّرة من اليمن والعراق وإيران، وحاربت من أجل حرية الملاحة في البحر الأحمر ضد الحوثيين، وواصل الرئيس ترامب الدعم الثابت لإسرائيل، الذي بلغ ذروته بانضمام الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران، في الهجوم، وفي الدفاع.

الاستطلاعات «مُزلزلة»

في الأشهر الأخيرة، نُشرت استطلاعات في الولايات المتحدة، (PEW جامعة كوينيبياك، غالوب) بشأن موقف الرأي العام الأميركي من إسرائيل في سلسلة مواضيع، والمعطيات تعكس نقطة حضيض غير مسبوقة في مكانتنا في أميركا.

في الموضوع الفلسطيني، يتعاطف مع الفلسطينيين 37% من أصحاب حق الاقتراع في الولايات المتحدة، في مقابل 36% مع إسرائيل، وهي النسبة الأعلى للفلسطينيين والأدنى لإسرائيل منذ سنة 2001؛ يعتقد 50 % أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، في مقابل 35% ينفون ذلك، ويعارض 60% إرسال سلاح إضافي لإسرائيل، وفقط 32% يؤيدون ذلك.

يشعر الأميركيون بالقلق في أعقاب حرب الـ12 يوماً ضد إيران في شهر حزيران؛ 50% يعتقدون أن أميركا أقل أماناً بعدها، بينما يظن 42% أنها أكثر أماناً؛ ويخشى 78% من جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران.

أمّا الدعم لإسرائيل في أوساط الجمهوريين فهو مرتفع نسبياً، لكن تظهر فيه أيضاً تصدعات.

تشير الاستطلاعات إلى ارتفاع في الرأي السلبي تجاه إسرائيل بين الجمهوريين، أو مستقلين يميلون إلى الجمهوريين، من 27% في سنة 2022 إلى 37% هذا العام، فضلاً عن أن 50% من الجمهوريين، تحت سن الخمسين عاماً، لهم رأي سلبي إزاء إسرائيل، في مقابل 48% كان رأيهم إيجابياً.

التآكل في مكانة إسرائيل واضح أيضاً في الكونغرس، حتى أن الرئيس ترامب تطرّق إلى الموضوع، وقال في مقابلة مع «ديلي كولر»: «قبل 15 عاماً، كانت إسرائيل اللوبي الأقوى الذي رأيته في حياتي. كان لها سيطرة كاملة في الكونغرس، اليوم لم تعد كذلك. أنا متفاجئ قليلاً من ذلك؛ ربما تنتصر إسرائيل في الحرب، لكنها لا تنتصر في العلاقات العامة العالمية؛ وهذا يضرّها».

يوضح الاطّلاع على نتائج الاستطلاعات، بحسب العمر، أن وضعنا في المستقبل قد يتفاقم أكثر. فجيل الشباب في الحزب يتحدى الدعم التقليدي لإسرائيل، ويلاحَظ ارتفاع في التوجه السلبي إزاء إسرائيل بين البالغين الأميركيين (من 42% في سنة 2022 إلى 53% اليوم).

على سبيل المثال، في هذه الفترة، قفزت نسبة الشباب الجمهوريين، تحت سن الخمسين عاماً، من ذوي الرأي السلبي إزاء إسرائيل، من 35% إلى 50%، لكن الوضع أخطر لدى الديمقراطيين، إذ قفزت النسبة من 53% إلى 69%.

إسرائيل موضوع خلافي في أميركا

دائماً ما كان هناك مبدأ مقدس في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية، وهو «ثنائية الحزبين» (Bipartisanship)، ومعنى المصطلح أنه لكي تضمن إسرائيل الدعم في أميركا، يجب أن تشكل إجماعاً سياسياً عابراً للأحزاب.

منذ سنوات، حطم نتنياهو مكانة إسرائيل هذه عندما تحالف مع الجانب الجمهوري.

تحولت إسرائيل إلى قضية خلاف سياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين في أميركا التي تعيش حالة استقطاب أصلاً، مثلما نرى في هذه الأيام.

كانت المرحلة التالية جعل إسرائيل قضية تقسيمية في صفوف الحزب الديمقراطي، إذ إن انتقاد إسرائيل، الذي بدأ في هامش اليسار للحزب، يتحول إلى تيار رئيس. الآن، يبدو أن هناك عملية مشابهة قد تحدث أيضاً في الحزب الجمهوري مع معسكر الـMAGA الانعزالي في الحزب، الذي يخشى من أن تجرّ إسرائيل الولايات المتحدة إلى مغامرات، ويُظهر توجهاً سلبياً تجاه العلاقات الخاصة معها، والمساعدات العسكرية.

بات رأي الطيف السياسي كله سلبياً تجاه إسرائيل، حتى إنه معادٍ للسامية أحياناً، كلما انخفض السن.

هؤلاء هم الشباب في الجامعات المرموقة، جيل القيادة القادم في واشنطن. كلما مرّ الوقت تتحول هذه الدينامية إلى تحدٍ استراتيجي متفاقم، وبشكل خاص في ظل غياب تغيير جذري في السياسة الإسرائيلية.

الكونغرس مركز ثقل

كان الكونغرس الأميركي دائماً مصدر قوة إسرائيل المركزي و»القدم على الأرض» في أميركا، وخصوصاً مع تبدُّل الرؤساء.

خاضت إسرائيل معركة في عدة مرات، عبر الكونغرس، ضد سياسة غير مريحة لإدارات ورؤساء، على خلفية توترات بين الدولتين بشأن مواضيع سياسية وأمنية، ونتنياهو نفسه خاض معركة ضد سياسة الرئيس أوباما إزاء إيران، ويُذكر في هذا السياق خطابه الاستثنائي في آذار 2015 في الهيئة العامة للكونغرس؛ كان الجو في الخطاب «مكهرباً»، لكن في المدى البعيد، سبّب ضرراً كبيراً لمكانة إسرائيل الثنائية الحزبين.

إن الاعتماد على رئيس الولايات المتحدة وحده لكي يضمن مصالح إسرائيل هو «شجرة بجذر واحد»، وغير كافٍ. حتى لو لم «ينقلب» ترامب علينا، سيأتي في المستقبل رئيس آخر، أيضاً ديمقراطي.

تحتاج إسرائيل إلى دعم الكونغرس أكثر من أي وقت مضى، لكن الكونغرس انعكاس للرأي العام الأميركي، والدعم لنا يتآكل بين جدرانه.

في هذه الظروف، يعود أصدقاؤنا الكبار في واشنطن إلى تحذيرنا، طوال الوقت، من التآكل في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة، ومن المؤشرات الإشكالية إلى المستقبل.

الآن، المطلوب تغيير سياسي عاجل

لكي نحاول كبح الاتجاه (ستكون عملية الإصلاح أكثر تعقيداً)، يجب على إسرائيل أولاً أن تنهي الحرب في غزة بسرعة، وتنقلها إلى حكم مؤقت، برعاية عربية ودولية، وأن تحوّل الإنجازات العسكرية إلى ترتيبات سياسية، وفي مقدمتها صفقة لإطلاق سراح كل الأسرى.

وفي موازاة ذلك، المطلوب تغيير جذري في سياسة الضم الزاحف في الضفة الغربية، وكبح الإرهاب اليهودي والدفع قدماً بإصلاحات في السلطة الفلسطينية، بدلاً من محاولة إسقاطها، مثلما تفعل الحكومة.

المطلوب من شعب إسرائيل الاختيار: هل يريد تحقيق «رؤية إسبرطة» الخاصة بنتنياهو، أم «حلم أثينا» الخاص ببن غوريون؟

إن رئيس الحكومة الأول لإسرائيل فهِم أهمية خروج اليهود من الغيتو واندماجهم في حضن الأمم، كأمة متساوية، قوية، ذات قيم، ومحقة أخلاقياً، لديها منظومة تحالفات في المنطقة وما وراءها.

هكذا فقط، ربما نتمكن من كبح التآكل في مكانتنا في الولايات المتحدة، وفي المنطقة، وفي أوروبا؛ هذا التآكل قد يمس بحُرية العمل العسكري لإسرائيل، وبنموّ اقتصادها، ويُفشل قدرتنا على الحفاظ على مكانتنا كأمة تكنولوجية رائدة، فضلاً عن أننا قد نفوّت الفرصة العظيمة لتعزيز اتفاقيات السلام والاندماج في المنطقة، إلى جانب الدول العربية السّنية المعتدلة، كجزء من تنظيم إقليمي لصدّ إيران.

——————————————-

معاريف 24/9/2025

«إسـبـرطـة» نـتـنـيـاهـو سـتـقـود إلـى نـهـايـة الـصـهـيـونـيـة

بقلم: دان بيري

على غير العادة، كان بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، شبه صريح عندما حذّر من أن إسرائيل ستُضطر قريباً إلى التحوُل نحو اقتصاد “اكتفاء ذاتي”، وإلى “إسبرطة عظمى” منفصلة عن العالم. 

ليس صحيحاً تماماً أن هذا قَدَرٌ محتوم، لكنه فعلاً الاتجاه الذي يجر إليه الدولة، وهو ما يفسر الإصرار على حرب أبدية في غزة. 

هذا التصوُر هو بمثابة كارثة ستمحو الميزة النوعية التي حمت إسرائيل من أعدائها منذ تأسيسها، ومكَّنتها من بناء مجتمع لا يشكّل فقط ملاذاً، بل أيضاً مركز جذْب للمهاجرين والمستثمرين والتجارة والتبادل الثقافي والسياحة.

والمحطة التالية في طريق تحقيق ذلك هي اجتياح عسكري كامل لمدينة غزة، وإقامة إدارة عسكرية في القطاع، وسيكون هذا واقعاً طويل الأمد؛ مِن حرب عصابات دامية، يموت خلالها الأَسْرَى، ويُقتل الجنود في الكمائن. 

وستُضطر إسرائيل إلى توفير الرفاه والرعاية الطبية والتعليم والأمن لأكثر من مليونَي غزِّي، وسط تكلفة اقتصادية هائلة، وثمن أخلاقي لا يُقدَّر، وضغط دائم من اليمين للاستيطان في القطاع (إذ وعد بن غفير فعلاً بإقامة مستوطنة على طول شواطئه لعناصر الشرطة السابقين).

وستصبح العزلة الدولية لإسرائيل لا تُحتمل، وسيهبط التصنيف الائتماني إلى الحضيض، وسينهار الاقتصاد، وسيتفكك ما تبقَّى من التماسُك الاجتماعي بالكامل. تدرك المؤسسة الأمنية كل هذا، لذا تعارض احتلال غزة، فمسؤولوها يعرفون أن الأفضل هو إنقاذ الأسرى عبر صفقة، وممارسة ضغوط أُخرى على “حماس”، بما في ذلك ربط إعادة إعمار القطاع بتجريدها من السلاح (وإذا رفضت يتمّ السماح لِمَن يرغب بالمغادرة)، وانتظار الجولة المقبلة، لكن من دون وجود أَسرى بين الطرفين. 

وفي هذه الأثناء، تستطيع إسرائيل إصلاح علاقاتها مع العالم، والتوجُّه نحو تطبيع مع السعودية، ولاحقاً ترتيبات مع لبنان وحتى مع سورية. وكل هذا لا يأخذه نتنياهو في الحسبان.

إنه يعرف أن الأغلبية ضده، لكنه يفترض أنه يمكن خداع ما يكفي من الناس ليستمروا في تصديق الشعار الذي يردده، والذي فحواه أن “حماس” لم يُقْضَ عليها بعد، وأن عدداً من الناس، حتى لو كانوا أقلية، سينسون أنه في مطلع سنة 2024 زعم أننا “على بُعد خطوة” من النصر، ومنذ ذلك الحين قَدّم كل جولة من جولات القتال؛ مِن رفح، إلى ممرّ فيلادلفيا، وانفجار اتفاق إعادة الأَسْرَى في آذار هذا العام، على أنها مسألة وجودية. 

كل ذلك في الوقت الذي تدخل فيه إسرائيل وتخرج من المنطقة نفسها في حلقة مفرغة لا نهاية لها. 

لذا، من الواضح أن هدف نتنياهو هو استمرار الحرب ما دامت تخدم الائتلاف وتُبعد عنه المحاكمة، بالحيل والخُدَعِ.

لقد أولى قادة إسرائيل في الماضي – بن غوريون، ورابين، وشارون، وحتى بيغن – أهمية عميقة للشرعية الداخلية والتحالفات الخارجية، أمّا في حسابات نتنياهو، فلا يوجد سوى جمهورين: أولاً، القاعدة المحلية مِن اليمين المتطرّف والأحزاب الدينية التي تضمن بقاءه في الحكم. ثانياً، أميركا دونالد ترامب، وهي انتهازية بالكامل، ولا تبالي بمصير إسرائيل، لكنها مريحة لبيبي. أمّا البقية، كالمعارضة، و”النخب”، وأوروبا، وأميركا الأوسع، ويهود الشتات، والاقتصاد العالمي، ففي رأيه، يمكن التضحية بهم.

لماذا؟ لأن هاجسه الأعلى هو الحفاظ على الائتلاف، ليس الآن فحسب، بل أيضاً في الانتخابات المقبلة. 

هذا الهوس المَرَضِيُّ يفسر حجم الفساد الذي لا يُصدَّق، وكذلك المشهد المروع الذي ظهر فيه نتنياهو في موقع العملية في القدس، الأسبوع الماضي، كي يهاجم من هناك المحكمة العليا. 

إن الاستراتيجية شفافة؛ تجهيز القاعدة (التي جزء منها، بفضل بن غفير، مسلَّح حتى العنق) لرؤية المحكمة عدواً، لأنها الحاجز الأخير أمام التلاعب بالانتخابات المقبلة. إنه استعباد كامل للمجتمع والاقتصاد والمستقبل في سبيل بقاء سياسي لرجل واحد خرج عن طوره (ومعه عائلته).

الوهم الاقتصادي: لماذا الأوتاركية كذبة صريحة؟

يقدّم الآن نتنياهو كل هذه الكارثة كنوع من الحاجة الكونية إلى التحوّل إلى إسبرطة أوتاركية. إذاً، فَلْنَبْحَثْ في القضايا.

إن أحاديثه عن الاكتفاء الذاتي هي كذبة (أو وهم)؛ فإسرائيل لا يمكن أن تكون مستقلة على هذا المستوى، كَوْنَهَا تستورد تقريباً كل النفط والفحم اللذَين تستهلكهما، وحتى اكتشافات الغاز الطبيعي لم تغيِّر من التبعية البنيوية للطاقة القادمة من الخارج. كذلك في مجال الغذاء، لا إمكان لوجود اقتصاد ذاتي؛ فعلى الرغم من أنّ إسرائيل قادت ثورة الريّ والابتكارات في الزراعة الصحراوية، فإنها لا تملك ما يكفي من الأرض والمناخ لتزويد نفسها بالقمح أو الأرز أو الأعلاف للحيوانات، كما أنها تفتقر إلى المعادن والمواد الخام التي تغذّي قطاع التكنولوجيا الفائقة والصناعة. كما أن الفولاذ، والألمنيوم، والنحاس، والكيماويات، ولا حصر للمدخلات الصناعية الأُخرى، كلّها يجب أن تأتي من الخارج.

والأهم من ذلك هو بنية الاقتصاد نفسه؛ إذ يأتي نحو ثلث الناتج القومي من التصدير، فإسرائيل تبيع إلى العالم البرمجيات، والأمن السيبراني، والتكنولوجيا الأمنية، والخدمات، والعالم يجب أن يوافق على الشراء. أمَّا الأوتاركية، فلن تجلب الاستقلال، إنما ستقود إلى الانهيار.

العبرة التاريخية: لماذا انهارت إسبرطة ونجت أثينا؟

ماذا عن “إسبرطة العظمى”؟ لقد كانت إسبرطة دولة عسكرية الطابع، بلا ثقافة، وقائمة على القمع؛ فكان الأطفال يُنتزَعون من عائلاتهم في سن السابعة ليصبحوا جنوداً. وقد فرض انضباطها الرعب، لكنها لم تُقدّم إلى البشرية شيئاً مستداماً، وفي النهاية انهارت واختفت. أمَّا أثينا، فكانت دينامية ومنفتحة، وعرفت هي الأُخرى كيف تدافع عن نفسها، لكن قوَّتها انبثقت من التجارة والأفكار والإبداع، فمنحتنا الديمقراطية والفلسفة والمسرح والعِلْم، وبالتالي، إرثها ما زال يشكِّلنا حتى اليوم، بعد نحو 2500 عام.

وقد ازدهرت إسرائيل كأثينا، وليس كإسبرطة؛ فمنذ البداية سعت لأن تكون نوراً للأمم، ونجحت في ذلك بطرق عديدة: فقد أزهرت الصحراء، وقادت ثورة الريّ، وأنشأت الناقل القطري، وحوّلت النقص إلى ابتكار، وقدّمت إلى العالَم تقنيات تحلية المياه ومعجزات زراعية، وأنشأَت نظاماً بيئياً للتكنولوجيا الفائقة يثير الحسد: مفتاح “USB”، والرسائل الفورية، وتطبيق “Waze”، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، واختراقات طبية. كما أنجبت حائزين على جائزة نوبل في الأدب والاقتصاد، وأنتجت مفكرين كدانيال كانيمان ويوفال نوح هراري، وبَنَتْ قانوناً ثقافياً رائعاً في الأدب، والسينما، والموسيقى، والفنون.

وبالنسبة إلى القفزة الاقتصادية، فقد تجاوز الناتج المحلي للفرد فيها 54,000 دولار، أي أكثر من بريطانيا وفرنسا، إلى أن بدأ نتنياهو يحرق البيت. 

كان الوضع قد وصل إلى مرحلة لم يعد فيها اليهود يأتون إلى إسرائيل بدافع يأس فقط، بل أيضاً بدافع الاختيار، منجذبين إلى الإبداع والازدهار. 

هذه الإنجازات لم تكن مصدر فخر وحسب، بل أيضاً قاعدة بقاء. 

وقد تمكّنت إسرائيل من ردْع العالم العربي وجذْب بعضه إلى التعاون، وفي هذه المسيرة الأثينية، ازدهرت إسرائيل بفضل الانفتاح، والتجارة، والإبداع، لكنها إذا استجابت لدعوة نتنياهو إلى التحوُّل إلى “سوبر – إسبرطة”، فالنتائج واضحة؛ ستتخلى أوروبا عن إسرائيل (أورسولا فون دير لاين هدّدت فعلاً بتعليق مكانة إسرائيل كشريك مرافق في تمويل أبحاث الاتحاد الأوروبي)، وسيدير العالم النامي ظهره لها ويقف مع الفلسطينيين في كل ساحة، ويهود الولايات المتحدة، الذين كانوا يوماً شريان حياة لإسرائيل في واشنطن، سينفصلون عنها، بينما ستتحوّل إسرائيل أكثر فأكثر إلى مكان مظلم، وأوتوقراطي، وأورثوذكسي متشدد وذي ملامح ثيوقراطية، وستفقد الحزب الديمقراطي، وستواجه تآكلاً أيضاً داخل الجمهوريين؛ إذ إن نصفهم تقريباً يتبنَّون الانعزال ويرون في إسرائيل تورُطاً خارجياً غير ضروري.

وفي هذه الأثناء، ستنتشر حملات المقاطعة: من جامعات، ومراكز أبحاث، وشراكات تكنولوجية، واتفاقيات تجارية. والأسوأ سيكون تسارُع هجرة العقول؛ أولئك الذين منحوا إسرائيل ميزتها: العلماء، والفنانون، والمبادرون، والأكاديميون، كلهم سيغادرون بأعداد هائلة، ولن يبقى شيء من “أمَّة الشركات الناشئة” (ولا حتى من الرحلات الجوية الرخيصة إلى الخارج). هذه هي “سوبر – إسبرطة” نتنياهو.

لفترة معيّنة، عاش مقاتلو إسبرطة الأسطوريون بفضل عمل الآخرين، فقد كان العبيد يفلحون الأرض، وكانوا أكثر عدداً من الإسبارطيين بأضعاف، ولم تكن المنظومة العسكرية مكرَّسة لقهر الأعداء من الخارج بقدر ما كانت لقمعهم. ومن دونهم، لم تكن لِتُوجَدَ إسبرطة. فَمَنْ هم العبيد في رؤية نتنياهو؟ الفلسطينيون الخاضعون لاحتلال أبدي؟ أم ربما العلمانيون الباقون، ومعهم المتدينون غير الحريديين، الذين سيواصلون وحدهم تحمُّل عبء الضرائب والجيش، بينما الحريديم معفيون والفاسدون ينهبون؟ كِلَا الجوابَين مدمِّر.

إن “إسبرطة العظمى” التابعة لنتنياهو ستجلب نهاية الصهيونية، ولا يجوز السماح بذلك، وفي رأيي، فهو لن يحدث؛ ففي النهاية، انتصرت أفكار أثينا على أفكار إسبرطة، وهذا ما بقي من اليونان القديمة، وهكذا سيكون هنا أيضاً، إذ سيفهم الناس ما يُفعل بهم، وسيُطيحون بالأوغاد، وستأتي أيام أفضل.

——————————————

معاريف العبرية 25/9/2025 

نبيُّ الغضب يفجِّر نبوءةً جديدة: الأرض تهتزُّ تحت أقدام “إسرائيل” وهذه سيناريوهات الأيام القادمة

بقلم: إسحاق بريك

حذر اللواء احتياط في جيش الاحتلال، إسحاق بريك، من أن إسرائيل تواجه اليوم عددا من المخاطر على المستوى الإقليمي، لكنها تكتفي باستنزاف قواها في غزة دون أي استعداد للتحديات الأخرى في الخارج والداخل.

يرى بريك في مقال نشره بصحيفة معاريف العبرية، أن الخطاب الإسرائيلي الذي يُروج لحسم وشيك ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله، والذي يفترض ثبات العلاقات مع مصر والأردن، لا يعكس رؤية واقعية للتحديات الوجودية التي لم يعد ممكنا تجاهلها.

وأضاف “الأرض تهتز تحت أقدام إسرائيل”، فيما تحاول الحكومة أن تُقنع الرأي العام الإسرائيلي بانتصارات وهمية. وأكد الكاتب أن حزب الله، رغم الضربات التي تلقاها، يواصل إعادة بناء منظومته العسكرية بوتيرة متسارعة.

ونقل عن تقارير استخباراتية أميركية أن الحزب أعاد خلال شهر واحد فقط ترميم نحو 25% من بنيته العسكرية والمدنية، وأن الهدوء الحالي في الجبهة الشمالية ليس سوى مناورة تكتيكية تهدف لإعادة التموضع وتعزيز القدرات.

ونقل بريك عن مصادر ميدانية في الضفة الغربية، أن الاحتقان الشعبي بلغ مرحلة الغليان، وأن الفلسطينيين هناك يرددون عبارة “سيأتي اليوم ونحن بانتظاره”، في إشارة إلى احتمال اندلاع انتفاضة وشيكة.

وأشار إلى أن تصاعد اعتداءات المستوطنين المتطرفين، إلى جانب تراجع الروح المعنوية لدى الجنود الإسرائيليين في الضفة، قد يشعل شرارة انفجار واسع النطاق هناك.

وحذر الكاتب من أن هذا الانفجار، إذا وقع، سيشكل خطرا على المستوطنات التي ستكون معزولة ودون حماية كافية، في حين أن الجيش لن يكون قادرا على الانتشار السريع في كل نقاط التوتر.

وتطرق بريك إلى الوضع الراهن داخل إسرائيل واصفًا إياه بأنه أخطر مما كان عليه خلال معركة “حارس الأسوار” في مايو/أيار 2021، حين شهدت المدن المختلطة موجة عنف داخلية، حيث تفاقمت التوترات الاجتماعية والاقتصادية.

ويشير إلى أن تقليص وحدات الاستعداد في مستوطنات الغلاف مؤخرا يعكس عدم الاستفادة من دروس الماضي، الأمر الذي يترك الجبهة الداخلية عرضة لاضطرابات قد تشلّ قدرة إسرائيل على مواجهة حرب إقليمية شاملة.

وخلص إسحاق بريك إلى أن انشغال إسرائيل المستمر في “مستنقع غزة” جعلها تتجاهل التحديات الكبرى التي تتراكم من حولها، معتبرا أن الأعداء نجحوا في استدراجها إلى معركة استنزاف مع أضعف خصومها، بينما تتصاعد المخاطر على الحدود وفي العمق.

وحذر من أن استمرار هذا النهج يعني أن إسرائيل ستجد نفسها عاجزة أمام لحظة انفجار إقليمي شامل، وهي لحظة قد لا تجد فيها الوقت والقدرة على مواجهة كل هذه الجبهات في آن واحد.

——————————————

القناة 12: 24/9/2025 

هذا ما ينتظر اسرائيل في اليوم التالي لموجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية..

قد يتدهور وضع إسرائيل بشكل كبير في المرحلة المقبلة، خصوصاً إذا اختارت الرد على موجة الاعترافات بدولة فلسطين.

فالتداعيات المحتملة قد تكون وخيمة وصعبة مستقبلاً، لكنها تظل في الوقت الراهن ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، في ظلّ متابعة ودراسة أبعاد هذه التطورات المتسارعة. وفقا للقناة 12 الإسرائيلية.

يوضح البروفيسور يوفال شاني، في الجامعة العبرية: “كانت معظم دول العالم قد اعترفت بدولة فلسطينية، حتى قبل الموجة الحالية من الدول”.

يضيف: ” الجديد هو أن مجموعة من الدول الغربية تُعلن الآن اعترافها بدولة فلسطينية. هذا يعني أنه في الوقت الحالي، لن يكون هناك سوى عدد قليل جدًا من الدول المهمة في العالم التي لا تعترف بدولة فلسطينية”.

من جهته نقلت القناة العبرية عن روي شايندورف، نائب المدعي العام السابق للقانون الدولي، والرئيس الحالي لقسم التحكيم الدولي، تأكيده على الطابع غير القابل للرجوع لاعتراف الدول بدولة فلسطينية.

ويقول: “هذا الإعلان خطوة لا يمكن الرجوع عنها في القانون الدولي. فبمجرد اعتراف دولة بدولة أخرى، لا يمكنها التراجع عنها. إن الاعتراف بدولة فلسطينية هو بمثابة نقطة تحول بالنسبة للدول الأوروبية الكبرى”.

بقيت امريكا لم تعترف بفلسطين 

يقول شايندورف: “قبل موجة الاعترافات الحالية، كانت هناك مجموعة من الدول المهمة التي لم تعترف بدولة فلسطينية، شملت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولها وزنها البارز في الساحة الدولية.

أما الآن، فقد تغيرت هذه الصورة، وفي ظل الوضع الجديد، هناك العديد من الدول الرائدة التي تعترف بدولة فلسطينية، وتبقى الولايات المتحدة العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي لا يعترف بدولة فلسطينية”.

يشير شايندورف إلى أن تزايد الاعتراف بدولة فلسطينية يعقّد أي ترتيبات سياسية مستقبلية لا تتضمن قبول إسرائيل بها، فالتغيير لن يكون فوريًا على الأرض، لكنه يعزز تحولاً سياسياً واضحاً نحو إقرار دولي بدولة فلسطينية مستقلة حتى دون موافقة إسرائيل.

ويضيف الدكتور شايندورف: “على المدى القريب، ستتمكن الدول التي اعترفت بدولة فلسطينية من إنشاء سفارات لها في الأراضي الفلسطينية، وسيتمكن الفلسطينيون من إنشاء سفارات لهم في الدول المعترفة. أما على المدى البعيد، فسيكون الضغط على الحكومة الأمريكية للاعتراف بدولة فلسطينية أكبر.

مخاوف من فرض عقوبات على إسرائيل

“قد يحدث إذا ضُمت أراض” ومع ذلك، يُحذر البروفيسور شاني من العواقب المحتملة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة على الدولة الفلسطينية، أو على رد فعل إسرائيل. “لا تملك الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات نافذة، لكن قد يمتد تأثيرها إلى الاتحاد الأوروبي، الذي قد يفرض عقوبات على إسرائيل.

واضاف ” لا حديث حاليًا عن أي شيء من هذا القبيل، ولكن إذا ضمّت إسرائيل، على سبيل المثال، أراض في الضفة الغربية ردًا على اعترافها بدولة فلسطينية، فمن المرجح أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على إسرائيل”

أوضح أن الاعتراف بدولة فلسطين قد يضر بالصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا، ويقود لعقوبات في مجالات الثقافة والتعليم والرياضة والأبحاث، فيما يزداد الضغط على الأوروبيين للتحرك ضد إسرائيل مع استمرار حرب غزة.

——————————————

مجلة “972+” الإسرائيلية 24/9/2025

مقاطعة “إسرائيل” فنياً تتصاعد.. وتاريخ طويل من قمع الأعمال الفنية المناهضة للاحتلال

الكاتب: روي كوهين

لطالما واجهت الأفلام التي تتحدى السرديات الصهيونية السائدة الحظر وخفض التمويل وحملات التشهير من قبل المسؤولين الإسرائيليين والناشطين اليمينيين على حد سواء.

مجلة “972+” الإسرائيلية تنشر تحقيقاً يتناول تصاعد المقاطعة الدولية للمؤسسات السينمائية الإسرائيلية، وردّ الحكومة الإسرائيلية بسحب التمويل من جوائز “أوفير”، في إطار حملة أوسع يقودها اليمين لإسكات الأصوات الناقدة داخل المجتمع الفني. ويستعرض التحقيق أمثلة متعددة من التضييق والمنع، تشمل أفلاماً وثائقية تكشف النكبة والانتهاكات بحق الفلسطينيين، وصولاً إلى ملاحقات قانونية مثل قضية فيلم “جنين، جنين”.

وقّع ما يزيد على 4500 ممثل ومخرج وعامل سينمائي آخر من مختلف أنحاء العالم على تعهّد بمقاطعة المؤسسات السينمائية الإسرائيلية. وبموجب هذا التعهد الذي أصدرته مجموعة العاملين في مجال السينما من أجل فلسطين، يلتزم الموقّعون عليه، ومن بينهم إيما ستون وخواكين فينيكس وخافيير بارديم وإلانا غليزر، بعدم التعامل مع شركات الإنتاج أو هيئات البث أو دور السينما أو المهرجانات الإسرائيلية التي تُعدّ متواطئة في نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية المستمرة في غزة.

ورداً على هذه الخطوة، وصف وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار المقاطعة بأنها تصرّف يدعو إلى السخرية، متعهداً بأن “تواصل ثقافة السينما الإسرائيلية ازدهارها والتأثير في الجماهير وتحقيق النجاح في جميع أنحاء العالم”.

ولكن في الحقيقة، يواجه الكثير من صنّاع الأفلام والمؤسسات الإسرائيلية منذ فترة طويلة عمليات مقاطعة ومحاولات إسكات من قبل الحكومة الإسرائيلية نفسها.

وفي الأسبوع الفائت، أعلن زوهار سحب التمويل من جوائز “أوفير”، المعادِلة لجوائز الأوسكار في “إسرائيل”. وجاء ذلك بعد فوز فيلم ” The Sea” للمخرج شاي كارميلي بولاك بالجائزة الكبرى، والذي يروي قصة صبي فلسطيني في الـ12 من عمره من الضفة الغربية يحاول زيارة الشاطئ لأول مرة، لكن يتم توقيفه عند نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية. وفي هذا السياق، قال زوهار: “بدءاً بموازنة 2026، لن يُموّل هذا الحفل البائس من أموال دافعي الضرائب. في عهدي، لن يدفع المواطنون الإسرائيليون من جيوبهم ثمن حفلٍ يبصق في وجوه جنودنا الأبطال”. 

ولم يكن هذا التصرّف سوى أحدث محاولة في تاريخ طويل من المحاولات اليمينية لإسكات صناع الأفلام الإسرائيليين والفلسطينيين الناقدين، والتي تصاعدت بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين، ولا سيّما في ما يتعلق بالأفلام الوثائقية التي تتحدى الرواية الصهيونية السائدة. وعلى الرغم من أنّ هذه الأفلام نادراً ما تحقق نجاحاً تجارياً، إلا أنّ تأثيرها تضاعف من خلال اكتساب التقدير في بعض أعرق المهرجانات السينمائية في العالم، من مهرجان “برلين” السينمائي ومهرجان “صاندانس” السينمائي ومهرجان البندقية إلى جوائز “بيبودي” (Peabodys) وجوائز “إيمي” (Emmys) وجوائز الأوسكار.

ويكشف بعض هذه الأعمال عن حقائق خفية ظلت مخبأة لفترة طويلة عن الجمهور الإسرائيلي، مثل المجازر ومصادرة الأراضي خلال النكبة، على سبيل المثال فيلم “الطنطورة” (Tantura) عام 2022، وفيلم “1948: تذكر أو لا تتذكر” (1948: ,Remember, Remember Not) عام 2024)، والظلم المنهجي في نظام العدالة المدنية في “إسرائيل” (“المحامي” (Advocate) عام 2019) والجهاز القانوني العسكري (“القانون في هذه الأجزاء” (The Law in These Parts) عام 2011).

وبرز فيلمان وثائقيان مهمان، وهما “خمس كاميرات مكسورة” (Five Broken Cameras) عام 2011، وفيلم “لا أرض أخرى” (No Other Land) عام 2024، كتعاون فلسطيني إسرائيلي يوثق المقاومة الفلسطينية اللاعنفية لسرقة الأراضي والتطهير العرقي في منطقتي بلعين ومسافر يطا على التوالي. وتجمع أفلام أخرى، مثل “شقيقة موسوليني” (Mussolini’s Sister) عام 2018 و”ليد” (Lyd) عام 2023، بين الوثائقي والخيالي لاسترداد التواريخ وإعادة تأكيد هويات المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل” التي طال قمعها. 

ومن خلال إنتاجها وتوزيعها، وفّرت هذه الأفلام مساحةً للمعارضة وأكدت ندرتها في الوقت عينه. وعلى الرغم من محدودية انتشارها مقارنةً بالأفلام ذات الجاذبية السائدة، أثارت هذه الأفلام ردود فعل قوية، وعنيفة أحياناً، من قبل تحالف متنامٍ من وزراء اليمين المتطرف والشخصيات الإعلامية والناشطين. ونتيجة لذلك، يجد صنّاع الأفلام الناقدون في “إسرائيل”، وكثير منهم يدعمون المقاطعة الدولية للمؤسسات السينمائية الإسرائيلية، أن قدرتهم على توثيق الواقع على الأرض ومشاركة أعمالهم مع الجمهور باتت أكثر تقييداً من أي وقت مضى.

“لقد أصبحتُ مثيراً للجدل”

تنتشر محاولات إسكات صنّاع الأفلام الوثائقية في الثقافة الإسرائيلية، من الحكومة إلى الجيش، وصولاً إلى المجتمع المدني. وأحياناً تكون هذه الجهود خفية، لكنها ازدادت جرأة في السنوات الأخيرة. وبعد النجاح الذي حققه فيلم “لا أرض أخرى” في حفل توزيع جوائز الأوسكار في آذار/مارس من هذا العام، تعرّض المخرجان الفلسطينيان، اللذان يعيشان في منطقة مسافر يطا في الضفة الغربية المحتلة والتي هي موضوع الفيلم، لمضايقات واعتداءات جسدية على أيدي جنود ومستوطنين إسرائيليين. وفي الأسبوع الماضي، داهم “جيش” الاحتلال الإسرائيلي منزل باسل عدرا (مراسل مجلة “+972”) بعد اقتحام المستوطنين قريته. وبعد أسابيع قليلة من حفل توزيع جوائز الأوسكار، تعرض زميل عدرا، حمدان بلال، لضرب مبرح على أيدي المستوطنين، قبل أن يُعتقل ويُعامل بقسوة من قبل جنود سخروا من جائزته. 

وكان عودة الهذالين، الذي شارك أيضاً في الفيلم، قد قُتل بالرصاص في قريته على يد مستوطن إسرائيلي في أواخر تموز/يوليو. وأُطلق سراح المستوطن من الإقامة الجبرية بعد أقل من أسبوع، وهو يواصل ترهيب سكان القرية حتى يومنا هذا.

وجاءت هذه الهجمات العنيفة على الفلسطينيين وراء الفيلم عقب التشهير العلني بالمخرج الإسرائيلي المشارك (ومراسل مجلة “+972”) يوفال أبراهام، الذي وصفه مذيع أخبار في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية العامة بأنه “معادٍ للسامية”، بعد خطاب قبوله جائزة “برلين” السينمائية لعام 2024 – كجزء من حملة تشويه سمعة أثارت موجات من التهديدات بالقتل ضد صناع الفيلم.

وسرعان ما تطور هذا الرفض إلى جهود منسقة لقمع الفيلم. ففي مدينة كفار سابا، أجبر ضغط البلدية والناشط اليميني شاي غليك حركة “هشومير هتسعير” الشبابية على إلغاء عرض مقرر للفيلم. كما ضغط غليك على جامعة حيفا لإلغاء عرض الفيلم، الذي أقيم في النهاية. وحاول غليك بدرجات متفاوتة من النجاح خلال العام الماضي ضمان إلغاء عرض فيلمي “ليد” (Lyd) الذي يتناول تدمير مدينة فلسطينية على أيدي القوات الإسرائيلية خلال النكبة، و”الحاكم” (The Governor) الذي يتناول النظام العسكري القمعي الذي تعرض له المواطنون الفلسطينيون في “إسرائيل” حتى عام 1966. وقد أدت تهديدات غليك إلى قيام دور السينما بتعليق عرض الفيلمين حتى يحصل منتجاهما على موافقة من مجلس مراجعة حكومي مصمم لتصنيف الأفلام وفقاً لملاءمتها للجمهور الشاب، أو بعبارة أخرى، الحكم عليها على أساس المحتوى الجنسي أو العنيف، وليس المحتوى السياسي.

يستكشف فيلم “الحاكم”، من إخراج دانيل إل بيليغ، تاريخ النظام العسكري من خلال قصة جدها، أول حاكم عسكري لمنطقة وادي عارة. وعلى الرغم من موافقة لجنة التحكيم على العرض بعد أسابيع من المماطلة، إلا أن إل بيليغ قالت لمجلة “+972”  إنها لا تزال قلقة للغاية من محاولة الرقابة: “لماذا يجب أن تكون للدولة سلطة على عرض فيلمي أصلاً؟”

ورفض مُنتجا فيلم “ليد”- رامي يونس، وهو مواطن فلسطيني من “إسرائيل”، وسارة فريدلاند، وهي يهودية أميركية – عرض الفيلم على لجنة المراجعة. ويُعيد الفيلم إحياء التاريخ النابض لمدينة يونس، المعروفة الآن باسمها الإسرئيلي “لود”، من خلال شهادات سكانها الذين ظلوا تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بعد النكبة. ومن بين هذه الشهادات المؤثرة قصة عيسى، الذي يروي كيف أجبره الاحتلال الإسرائيلي في سن الـ12 على جمع جثث العشرات من الأشخاص الذين قُتلوا في عام 1948.

ووسّع رامي وسارة نطاق هذه الشهادات إلى رؤية تخيلية لمدينة “ليد” المحررة من الحكم الإسرائيلي. وقد أثار هذا الوصف استنكار وزير الثقافة زوهار، الذي تحرك لحظر الفيلم محلياً، ووصفه بأنه “افتراء” لأنه يزعم أن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا مذبحة، وأن الفلسطينيين طُردوا بالقوة من المدينة، وأن “إسرائيل” تتحمل مسؤولية تدميرها.

وسرعان ما تحوّلت حملة زوهار إلى ترهيب صريح؛ فقد ضغط على الشرطة لمنع العروض في مسرح السرايا في يافا، وهدد بسحب التمويل من “سينماتيك تل أبيب” لاستضافته الفيلم، بل وسعى حتى إلى إغلاق مسرح السرايا بالكامل. فشعر رامي يونس بتأثير عمله، وقال: “لقد أصبحتُ مثيراً للجدل. فحتى دور السينما في حيفا لا تُجيب على مكالماتي ولا تُكلف نفسها عناء رفضي”. وأضاف: “لقد حذّرتُ صنّاع الأفلام الإسرائيليين لسنوات: في البداية، يستهدفون الفلسطينيين، ثم يأتي دوركم‘. واليوم، وبعد أن بدأت الدولة باضطهاد صنّاع الأفلام الإسرائيليين أيضاً، استفاق بعض العاملين في هذا المجال أخيراً، على الرغم من أنّ الكثيرين ما زالوا يرفضون رؤية الصورة الكاملة”.

“هل يقوّض عملي النظام أم أنه يُستخدم كغطاء؟”

لا تزال بعض الأفلام الوثائقية تواجه المنع، على الرغم من موافقة لجنة المراجعة. ويجمع فيلم نيتا شوشاني “1948: تذكر أو لا تتذكر” لقطات أرشيفية ورسائل معاصرة من فلسطينيين وجنود إسرائيليين، كاشفاً كيف أن الأدلة على الفظائع التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال الحرب لا تزال محفوظة في أرشيف الدولة. ومن عجيب المفارقات أن هذا الفيلم، الذي يتناول الرقابة الحكومية، سرعان ما واجه رقابة خاصة به.

وبعد أن مُنع الفيلم من العرض على مستوى البلاد في البداية، حصل على تصريح لعرضه في دور السينما في عام 2023. ومع ذلك، خضع للرقابة لمدة عامين من قِبل مفوضه ومموله: هيئة البث العام، “راديو كان”. وخلال حديثها إلى مجلة “+972″، قالت شوشاني: “كان هناك عرض واحد فقط. وبعد حضور شاي غليك، أرسل وزير الاتصالات شلومو كرعي رسائل إلى ’كان” تكررت فيها أفكار غليك حرفياً”.

وتابعت شوشاني: “استمر كان في تأجيل العرض إلى أجل غير مسمى”، مضيفة أن هيئة البث زعمت أنه لا يمكن عرض الفيلم علناً قبل أكثر من شهر من عرضه التلفزيوني الأول، وفي الوقت نفسه منعت العرض الأول للفيلم. واختتمت قائلةً: “لم يعرفوا كيف ينشرونه؛ لذا، قاموا بحظره بدلاً من ذلك”. وفي النهاية، وافق “كان” على عرض الفيلم في وقت سابق من هذا الشهر. ورداً على ذلك، هدد كرعي بسحب التمويل عن القناة وشركة الأخبار المستقلة التابعة لها، لكنه لم يُنفذ تهديده بعد. 

وفي حين أنّ قيام إحدى هيئات البث بمراقبة فيلمها الذي أنتجته بنفسها لعدد من السنوات يمثل توجهاً جديداً مثيراً للقلق، فإن ظاهرة تنصلّ الممولين من الأفلام الوثائقية التي دعموها في السابق لها سابقة في “إسرائيل”.

وفي عام 2019، فاز الفيلم الوثائقي “المحامي” (Advocate) للمخرجَين راشيل ليا جونز وفيليب بيلايش – والذي يروي قصة ليا تسيميل، المحامية اليهودية الإسرائيلية التي دافعت عن السجناء السياسيين الفلسطينيين على مدى 5 عقود – بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان “دوك أفيف” (DocAviv) الإسرائيلي، وحصل على منحة حملة جائزة الأوسكار من مجلس اليانصيب الإسرائيلي للثقافة والفنون. ورد المتظاهرون اليمينيون برشّ طلاء أحمر على مبنى المجلس، مصحوباً بشعارات مثل “لا تكافئوا الإرهاب”.

وقالت جونز لمجلة “+972”: “لقد طمسوا تماماً الخط الفاصل بين الفيلم كتصوير لتسيميل وأفعال عملائها. ولم يُفرّقوا بين البطلة وصنّاع الفيلم، أي بين الواقع وتمثيله”. وقد أثار الجدل حول التمويل غضباً واسعاً في أوساط المجتمع الإبداعي الإسرائيلي. وهددت أكاديمية السينما الإسرائيلية بإلغاء حفل توزيع الجوائز السنوي في حال ألغت لجنة اليانصيب منحة جونز وبيلّايش، بينما انسحبت كاتبات بارزات من الترشيحات لجائزة “سابير” الأدبية المرموقة التي يمنحها المجلس. وفي مواجهة تزايد ردود الفعل الغاضبة، أيّد المجلس في النهاية التمويل. ومع ذلك، استمرت الرقابة، وقد نجحت وزيرة الثقافة آنذاك ميري ريغيف في الضغط على رئيس بلدية معالوت ترشيحا لإلغاء عرض محلي للفيلم. 

وشاركت جونز مؤخراً في إنتاج فيلم “Coexistence, My Ass” عن الممثلة الكوميدية والناشطة اليسارية الإسرائيلية نوعم شوستر إلياسي، وهي تُخرج حالياً فيلماً عن الأعضاء الفلسطينيين في البرلمان الإسرائيلي – وهو أول مشروع لها من دون أي هيئة بث إسرائيلية. وقد أشارت قائلةً: “لقد تعمدتُ إجراء مقابلات مع أعضاء الكنيست بلغتهم الأم، العربية، لأن معظم خطاباتهم على المنصة تُلقى باللغة العبرية. فقالت هيئات البث: ’جمهورنا لا يستمع إلى هذا الكلام‘”. 

وأكّد الكثير من صنّاع الأفلام الوثائقية الإسرائيليين لمجلة “+972” هذا النمط من رفض هيئات البث للمحتوى العربي. ومن خلال هذه الرقابة، تعمل هذه المؤسسات بشكل منهجي على تقييد الموارد المخصصة للأفلام التي تركز على الفلسطينيين أو تتحدى تحيزات المفوضين اليهود في هيئات البث الإسرائيلية، أو جمهورهم المفترض.

وتُدرك جونز تماماً المعضلات التي يُثيرها هذا الأمر. وتقول: “لسنوات، سألنا أنفسنا: هل يُقوّض عملي النظام، أم أنه يُستخدم كغطاء؟ عندما تنتقد مجتمعاً من الداخل، بصوت عالٍ وواضح، نادراً ما تكون الإجابة واضحة. ولكن مع تغيُّر الزمن والواقع من سيئ إلى أسوأ، يلوح السؤال في الأفق وتزداد الشكوك أيضاً”. 

الرقابة الثقافية

نادراً ما تصاحب قرارات التمويل في صناعة السينما الإسرائيلية تفسيرات شفافة. ومع ذلك، فقد كشفت إحدى القضايا المثيرة للجدل قبل 17 عاماً عن العوائق النظامية والنفسية التي يواجهها صنّاع الأفلام الناقدون أمام حرية التعبير.

في عام 2008،  فاز فيلم “يافا – آلية البرتقالة” (Jaffa–The Orange’s Clockwork) للمخرج الإسرائيلي المقيم في فرنسا إيال سيفان، الذي يستخدم مواد أرشيفية لإظهار كيفية تحول علامة برتقال يافا إلى رمز للعمالة اليهودية بعد طرد السكان الفلسطينيين من المدينة أثناء النكبة – بجائزة “تطوير مهرجان القدس السينمائي” على نحو مثير للجدل. وقد تم تمويل هذه الجائزة من قبل القناة 8 المملوكة للقطاع الخاص وصندوقين رئيسيين للأفلام: مشروع السينما الإسرائيلية (المعروف أكثر باسم صندوق “رابينوفيتش”) والصندوق الجديد للسينما والتلفزيون.

وخلال حديثه إلى مجلة “+972″، قال سيفان: “لقد بلغ غضب الممولين حدّ إلغائهم الجائزة بالكامل بعد فوز مشروعي بجائزة تُخلّد الذكرى الـ60 لتأسيس “إسرائيل”. وعندما أنشأ صندوق ’رابينوفيتش‘ جائزته الخاصة، اختارت لجنة التحكيم فيلمي مجدداً، ما دفع رئيسه، جيورا إيني، إلى إقالة أعضاء اللجنة الذين اشتبه في دعمهم لعملي”. وفي هذا الإطار، استذكر سيناي أبت، رئيس قسم الأفلام الوثائقية في القناة 8 آنذاك، قائلاً: “لقد كانت تلك أول مرة أواجه فيها رقابة سياسية صارخة كهذه. حتى إدارة القناة 8 صُدمت، مع أن أحداً في ظلّ الظروف الراهنة لن يكترث”.

في النهاية، أنتج سيفان الفيلم من دون أي تمويل عام إسرائيلي. لكن الجدل تحول إلى ذخيرة سياسية؛ فقد استشهد أعضاء الكنيست اليمينيون بهذه الأحداث في أثناء ترويجهم لتشريع عام 2008 الذي يمنع التمويل العام للأفلام التي “قد تمس بمبادئ وجود دولة إسرائيل أو أمنها”، مع إعطاء الأولوية لتلك التي “تعزز المواطنة الصالحة… وتعزز الروابط مع التراث اليهودي والصهيوني وقيمه”.

لقد برز التشريع المقترح بعد سنوات من الجدل الحاد في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول الأفلام التي تُصوّر الانتفاضة الثانية من منظور فلسطيني. وكان أبرزها فيلم “جنين، جنين” (Jenin, Jenin) (2002) لمحمد بكري، الذي وثّق الهجوم العسكري الإسرائيلي على مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية في ربيع عام 2002. وفي الوقت الذي تمّ عرض الفيلم في دور السينما، حظرت لجنة المراجعة العروض التجارية للفيلم، وهو القرار الذي ألغته المحكمة العليا في عام 2003 بعد استئناف صناع الفيلم.

ومع ذلك، أُعيد صناع الفيلم إلى المحكمة مرات متعددة من قبل الجنود الذين زعموا أن فيلم بكري قد شوه أفعالهم بطريقة أضرت بسمعتهم. وبلغ الجدل ذروته عندما دعم المدعي العام آنذاك أفيخاي ماندلبليت، الذي عينه نتنياهو، قضية أحد الجنود، مؤكداً في بيان رسمي: “نحن نتحمل واجباً أخلاقياً ومدنياً لمساعدة الجنود في حماية سمعتهم من الاتهامات الكاذبة”.

وقد وجدت المحكمة العليا في حكمها النهائي الصادر عام 2022 بشأن القضية، أن تحرير الفيلم أشار عمداً إلى أن المدعي العام، الذي ظهر لمدة 3.5 ثوانٍ فقط في التسلسل التشهيري المزعوم، سرق أموالاً من رجل فلسطيني مُسنّ، وهو ما يشكل تشهيراً. كما فرضت المحكمة غرامة قدرها 175 ألف شيكل (حوالى 50 ألف دولار أميركي) وفرضت حظراً شاملاً على توزيع الكتاب في “إسرائيل”، بما في ذلك مصادرة جميع النسخ. ويُرجّح أن يكون هذا القرار قد شكّل نهج بكري في فيلمه التالي لعام 2024، “جانين، جنين” (Janin, Jenin)، والذي تجنّب فيه بشكل واضح إظهار وجه أيّ جندي.

من جهتها، قالت منتجة الأفلام الوثائقية الإسرائيلية البارزة ليران أتزمور (التي وقعت على العريضة الأخيرة لدعم المقاطعة الدولية للأفلام الإسرائيلية) إن حكم المحكمة العليا في قضية  فيلم “جنين، جنين” كان متوقعاً بالنظر إلى المشهد السياسي الذي شكلته موافقة الكنيست عام 2018 على “قانون الدولة القومية” – وهو التشريع الذي نص على أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية لـ”إسرائيل”، وكرس رموز الدولة، وعزز التزام “إسرائيل” بتوسيع المستوطنات اليهودية.

وترى أتزمور أنّ هذا القانون أساسي في تسهيل الرقابة على الخطاب الذي يتحدى الروايات الرسمية. وقالت إنّ “جيورا إيني، من صندوق ’رابينوفيتش‘، نسخ بنوداً من هذا القانون حرفياً في عقود الإنتاج الخاصة بالصندوق. وهذا القانون ألزم صنّاع الأفلام الممولين منه بتجنب تصوير النكبة أو عرض لقطات مثل حرق الأعلام خلال الانتفاضة الأولى. من الناحية العملية، تم حذف المقاومة الفلسطينية والروايات التاريخية من الأفلام الممولة”.

ومع ذلك، يُشير سيفان إلى مشكلة يراها أشد ضرراً من الرقابة الرسمية، ألا وهي الرقابة الذاتية المُنتشرة في صناعة السينما الإسرائيلية. وقال: “على الرغم من أن السينما الإسرائيلية تُعد تقدمية في جميع أنحاء العالم، إلا أنها تُرسّخ إلى حد كبير واجهة إسرائيل الديمقراطية. ولا تزال الأفلام الممولة من الدولة حبيسة أحضان النظام الخانقة”. 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

——————————————

مجلة “Responsible Statecraft” الأميركية 24/9/2025

مسؤول مجهول يهيمن على سياسة أميركا نحو “إسرائيل”

بقلم: كونور إتشولز

يقول مسؤولون حاليون وسابقون إنّ ديفيد ميلستين، المستشار الرئيسي للسفير مايك هاكابي، زرع ثقافة الخوف داخل وزارة الخارجية.

مجلة “Responsible Statecraft” الأميركية تقريراً يتناول تأثير ديفيد ميلستين ومستشارين آخرين على السياسة الأميركية تجاه النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وخاصة غزة، خلال فترة رئاسة ترامب.

في أواخر فصل الربيع من هذا العام، صاغ الدبلوماسيون الأميركيون في القدس رسالة عاجلة، إذ أدّى الوضع في غزة، إلى جانب قرار “إسرائيل” في آذار/مارس بمنع دخول جميع أنواع المساعدات إلى القطاع، إلى وضع المنطقة على حافة كارثة إنسانية، مع خطر يلوح في الأفق لوقوع مجاعة. ومع ذلك، لم تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء.

لكن هذه الرسالة لم تصل إلى واشنطن، ومن غير الواضح إن كانت وصلت حتى إلى مكتب مايك هاكابي، السفير الأميركي لدى “إسرائيل”. بدلاً من ذلك، أرسل ديفيد ميلستين، المستشار الرئيسي لهاكابي، رسالة بدت وكأنها “إعلان دعائي لجمعية غزة الإنسانية”، وفقاً لمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية اطلعوا على الواقعة.

وقال أحد المسؤولين لموقع “Responsible statecraft”: “كانت الرسالة أشبه ببيان دعائي”. وبينما انتقدت منظمات الإغاثة الكبرى جمعية غزة الإنسانية لتعريضها حياة الفلسطينيين للخطر، أشاد تقرير ميلستين بالجمعية لتلبية “احتياجات إنسانية”. وبعد نحو شهرين من إرسال ميلستين رسالته، أعلنت منظمة دولية رائدة في مراقبة الجوع وقوع مجاعة في غزة للمرة الأولى.

تُظهر هذه الواقعة، التي لم تُنشر سابقاً، مدى تأثير ميلستين على السياسة الأميركية رغم منصبه البسيط كمستشار للسفير. خلال الأشهر الثمانية الأولى من رئاسة ترامب، أصبح ميلستين مدافعاً قوياً عن “إسرائيل”، متدخلاً في شؤون وزارة الخارجية لتوجيه السياسة الأميركية، ومقاوماً لأي معلومات تُظهر “إسرائيل” بصورة سلبية، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين في الوزارة.

في محاولة لتعزيز دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل”، واجه ميلستين زملاءه الذين اعتبرهم غير مؤيدين لـ”إسرائيل” بدرجة كافية، وحذف أي انتقاد لـ”إسرائيل” من البيانات الصحفية والتقرير السنوي لحقوق الإنسان، وحاول إقناع الحكومة الأميركية باستخدام مصطلح “يهودا والسامرة” لوصف الضفة الغربية، وهو مصطلح مثير للجدل يستخدمه مؤيدو ضم “إسرائيل” للمنطقة. وقبل منصبه الحالي، عمل ميلستين مع سياسيين جمهوريين مؤيدين لـ”إسرائيل”، مثل السيناتور تيد كروز (تكساس) والحاكم الجمهوري لفلوريدا رون ديسانتس.

ظهرت جهود ميلستين للعلن لأول مرة في تموز/يوليو، عندما قامت وزارة الخارجية الأميركية بإقالة شهيد غوريشي، الذي كان يشغل منصب المتحدث باسم الوزارة للشؤون المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وكان ميلستين، ابن خطيبة المذيع الإذاعي المحافظ مارك ليفين، قد اختلف مع غوريشي في عدة مناسبات بشأن البيانات الصحفية المتعلقة بـ”إسرائيل”. وبعد خلاف حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة إعلان رفضها للتنكيل بالمدنيين الفلسطينيين في غزة – وهو أمر لم يصدر عنه موقف واضح من الرئيس ترامب أو مبعوثه الخاص للسلام ستيف ويتكوف – تم إقالة غوريشي دون إبداء أي سبب.

في مقابلة مع موقع “Responsible statecraft”، ادعى غوريشي أن ميلستين “تواصل مع مكتب وزير الخارجية ماركو روبيو واستغل نفوذه” لإقالته. ولم يرد ميلستين على طلب التعليق.

وفي بيان، صرّح تومي بيجوت، النائب الرئيسي للمتحدث باسم وزارة الخارجية، قائلاً إن الوزارة “لا تتساهل على الإطلاق مع أي موظف يرتكب مخالفات مثل تسريب أو نشر رسائل بريد إلكتروني أو معلومات سرية”. وأضاف أن التعليقات الواردة في المقالة “مخالفة للآداب وغير نزيهة”، مؤكداً في الوقت نفسه أن “ديفيد ميلستين مدافع قوي ومحترم عن سياسات إدارة ترامب والشعب الأميركي”.

وقد أثارت قضية غوريشي قلق العديد من العاملين في وزارة الخارجية. وقال أحد المسؤولين في الوزارة: “لقد نجح ميلستين بالفعل في إقالة أحد الموظفين، فهل سيحاول إقالة آخرين أيضاً؟”.

كيف يتمّ عرقلة عمل السفارة؟

تعود جذور نفوذ ميلستين إلى فترة رئاسة ترامب الأولى. عندما قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، شمل المبنى الجديد القنصلية الأميركية في القدس، التي كانت بمثابة سفارة فعلية للفلسطينيين، مع قنوات اتصال مستقلة مع واشنطن.

زاد هذا الإجراء من أهمية السفير الأميركي لدى “إسرائيل”، الذي أصبح يسيطر مباشرة على قسم الشؤون الفلسطينية، ما يعني أنه كان بإمكانه منع وصول المعلومات غير المرغوب فيها إلى وزارة الخارجية. خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، يقول مايك كيسي، دبلوماسي سابق عمل في السفارة من عام 2020 إلى 2024: “لم تكن المعلومات التي لا تعجبهم تصل إلى واشنطن على الإطلاق. لم يكن يصل الأمر حتى إلى السفير ليراجعها ويقرر رفضها”. وفي ذلك الوقت، كان هذا يعني بشكل أساسي منع أي تقارير تتناول قضايا الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.

قبل ميلستين، كان هناك آرييه لايتستون، رئيس مكتب سفير ترامب الأول لدى “إسرائيل”، ديفيد فريدمان (عمل ميلستين أيضاً مساعداً لفريدمان، لكن نفوذه كان محدوداً). وكان لايتستون يمنع أي تقارير حول قضايا مثل العنف المزعوم للمستوطنين من الوصول إلى مكتب السفير، بحسب كيسي الذي وصف دور لايتستون بأنه “غير مألوف”.

ويقول كيسي لموقع “Responsible statecraft”: “[أصحاب المناصب القيادية] مهمتهم إدارة العمل الإداري ومساعدة السفير في تحديد الأولويات، وليس قمع التقارير التي لا تعجبهم. من الطبيعي أن يتدخل السفير في النقاشات السياسية، أما أن يفعل ذلك رئيس المكتب فهذا أمر غير مألوف”.

مع تولي بايدن الرئاسة، استعاد قسم الشؤون الفلسطينية في السفارة استقلاليته، مما سمح له بالتواصل مع واشنطن دون المرور عبر السفير في “إسرائيل”. خلال حرب غزة، منع السفير جاك ليو موظفيه من إصدار أي تقارير “تنتقد الإسرائيليين”، لكن مكتب الشؤون الفلسطينية حافظ على استقلاليته إلى حد ما، بحسب كيسي.

عندما عاد ترامب إلى منصبه هذا العام، اختفى ذلك الاستقلال من جديد، وتولى ميلستين منصب لايتستون السابق كنائب للسفير. أما لايتستون، فقد عاد بدوره إلى العمل في الحكومة مستشاراً لويتكوف. وفي هذا المنصب، عمل لايتستون كوسيط بين الأمم المتحدة وصندوق غسان حبيب، ما أثار جدلاً واسعاً في وقت سابق من هذا العام بسبب “رفضه الاستماع إلى انتقادات المسؤولين الغربيين لعمل الصندوق”، وفقاً لصحيفة “هآرتس”.

“رفع الشكاوى يُعتبر خرقاً للتسلسل الهرمي للسلطة”

عندما يتعلق الأمر بالمعارضة، حددت إدارة ترامب سياستها منذ البداية. فقبل تنصيب ترامب، التقى أحد المسؤولين من فريق انتقاء أعضاء الإدارة الجديدة بموظفين في وزارة الخارجية وسألهم “عن أنصار منظمة التحرير الفلسطينية” في الوزارة، بحسب ما صرّح به أحد مسؤولي الوزارة، مشيراً إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر حالياً على السلطة الفلسطينية.

هذه الحادثة، إلى جانب وعود المعينين سياسياً بملاحقة “المعارضين” داخل الوزارة، أثارت قلقاً واسعاً في الوزارة، خاصة لدى المسؤولين الذين وقّعوا على “رسائل المعارضة” – وهي آلية محمية للتعبير عن الرأي المعارض داخلياً – بشأن غزة. (لم يُعرف عن أي مسؤول أنه طُرد بسبب توقيع رسالة معارضة).

ويجد الموظفون ذوو المواقف المعتدلة حيال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني أنفسهم الآن مترددين في التعبير عن آرائهم داخلياً، مما منح بعض المعينين المؤيدين لـ”إسرائيل” حرية أكبر في العمل. وقد استغل ميلشتاين هذه الفرصة ليفرض سيطرته على الوزارة.

في تموز/يوليو، عندما كانت أيرلندا تفكر في حظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، صاغ ميلشتاين بياناً يُدين أيرلندا حتى لمجرد النظر في هذا الأمر، وفقاً لمصادر تحدثت إلى صحيفة واشنطن بوست. وقد أثار هذا الأمر قلق الدبلوماسيين الأميركيين في أوروبا، حيث أرادوا مناقشة الأمر سراً مع المسؤولين الأيرلنديين بدلاً من خلق خلاف علني مع شريك أوروبي وثيق. وفاز الدبلوماسيون في النهاية، بحسب واشنطن بوست.

لكن لم يكن حظ المسؤولين الدائمين دائماً بهذه السعة. فبمجرد توليه منصبه، بدأ ميلشتاين مراجعة تقرير حقوق الإنسان الخاص بالوزارة بشأن “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية. كان التقرير الأصلي، الذي أعده موظفون دائمون وأُقر في عهد إدارة بايدن، يحتوي على انتقادات حادة لكل من “إسرائيل” وحماس. لكن عندما قدم ميلشتاين تعديلاته، “تم حذف الكثير من المعلومات التي تنتقد إسرائيل”، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية. ركز التقرير النهائي على انتقاد الجماعات الفلسطينية وكان مكوناً من تسع صفحات فقط، أي أقل بنحو 100 صفحة من التقرير الذي أصدرته إدارة بايدن في العام السابق.

قال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن ميلشتاين، في سعيه لترسيخ المواقف المؤيدة لـ”إسرائيل” داخل الوزارة، يعتمد في كثير من الأحيان على مصادر إخبارية مشبوهة. ومن بين هذه المصادر منظمة “مراقبة الإعلام الفلسطيني” التي تعرضت لانتقادات حادة بسبب مواقفها الموالية لـ”إسرائيل” بشكل واضح، واتهامها باختيار انتقائي للأقوال المثيرة للجدل لمسؤولي السلطة الفلسطينية. وأضاف المسؤول: “يلقي ميلشتاين الضوء على هذه المنظمة وكأنها مصدر إخباري موثوق، دون الإشارة إلى مدى تحيزها”.

ووصف مسؤول آخر في الوزارة نهج ميلشتاين بأنه انعكاس لثقافة الخوف السائدة في إدارة ترامب الثانية. وقال: “عملتُ مع موظفين عينهم ترامب في إدارته الأولى، والوضع الآن مختلف تماماً. يُعتبر التعبير عن أي تحفظ أو اعتراض بمثابة تحدٍ للسلطة، وهذا واضح من أعلى الهرم الإداري إلى أدناه”.

——————————————

رمز للمقاومة العالمية: لماذا تخشى إسرائيل أساطيل غزة

رمزي بارود – (كونسورتيوم نيوز) 17/9/2025

بينما سيكون الشعب الفلسطيني في نهاية المطاف هو الذي سيهزم المخططات الإسرائيلية، بصموده ومقاومته، فإنه لا ينبغي الاستهانة بالدور الحاسم الذي يلعبه التضامن الدولي. ليست أساطيل الحرية أعمالًا معزولة ليتم الحكم عليها بمعيار قدرتها على الوصول إلى غزة أو عدمه. إنها جزء أساسي وحيوي من عملية عالمية معقدة ستؤدي في نهاية المطاف إلى عزلة إسرائيل العميقة على الساحة الدولية.

لا يحتاج المرء أكثر من النظر إلى أفعال وخطاب الحكومة الإسرائيلية ليقدر الأهمية الهائلة التي تمثلها أساطيل التضامن المتجهة إلى غزة. ومع انطلاق أحدث هذه الجهود وأكثرها أهمية، “أسطول التضامن العالمي”، تصاعد الخطاب العدائي الإسرائيلي، الذي عبّر عنه بأقوى صورة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

أعلن الوزير المتطرف بلهجة منذرة مشؤومة أن جميع المتطوعين على متن الأسطول هم “إرهابيون”، متوعدًا بأن تتم معاملتهم على هذا الأساس. ولإدراك المعنى المرعب لمعاملة نشطاء غير عنيفين كإرهابيين، ينبغي النظر في تحقيق حديث أجرته صحيفة “الغارديان”. وقد كشف التقرير أنه من بين 6.000 فلسطيني اعتُقلوا في غزة خلال أول 19 شهرًا من الإبادة الجماعية، احتُجز جميعهم بموجب قانون يصنفهم كـ”مقاتلين غير شرعيين”، أي إرهابيين، مما يتيح سجنهم إلى أجل غير مسمى.

وأظهر هذا التحقيق أيضًا أن الغالبية الساحقة من أولئك المعتقلين لدى إسرائيل هم في الواقع مدنيون، بمن فيهم عاملون طبيون، ومعلمون، وصحفيون، وموظفو خدمة عامة، وأطفال. وحقيقة أن إسرائيل قد توسّع هذا التعريف الدراكوني والقمعي نفسه ليشمل نشطاء دوليين، مهمتهم المعلنة كسر الحصار عن غزة، تبرز بقوة القيمة السياسية والاستراتيجية لهذه البعثات والمهمات في نظر إسرائيل.

ليس خوف إسرائيل العميق من انخراط المجتمع المدني في مقاومة احتلالها العسكري وحربها على الشعب الفلسطيني تطورًا حديثًا. وقد سلّطت الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين الضوء على فشل النظام القانوني والسياسي الدولي، وفي المقابل على الأهمية المتزايدة للمجتمع المدني.

عندما وصلت أول سفينة تضامن أرسلتها “حركة غزة حرة”، إلى غزة في العام 2008، استشاطت إسرائيل غضبًا. كان النشطاء بمثابة سفراء حاسمين، يقومون بتثقيف مجتمعاتهم بشأن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع. وكان رد تل أبيب قاتلًا على “أسطول الحرية لغزة” في العام 2010، الذي شمل السفينة “مافي مرمرة”. في ذلك الرد العنيف، قتل جنود الكوماندوز الإسرائيليون عشرة نشطاء، موجهين رسالة صارمة مفادها بأن إسرائيل لن تتسامح مع أي تدخل في حربها على الفلسطينيين، حتى من جمعيات خيرية معروفة ومرموقة تعمل في الغرب.

منذ ذلك الحين، أصبحت معاملة النشطاء كمجرمين إجراءً معياريًا اعتياديًا، عززته حقيقة أن أي إسرائيلي لم يُحاسب قط على العنف الفاضح الذي يجري ارتكابه ضد المدنيين. لكنّ ذلك لم يردع نشطاء التضامن، الذين حاولوا الإبحار مرة تلو المرة -في 2011، و2015، و2018. ولم تكن ندرة هذه البعثات لاحقًا بسبب غياب الاهتمام. كان ذلك لأن بعض الدول الأوروبية، بالتنسيق مع إسرائيل، فعلت كل ما في وسعها لمنع النشطاء من رفع الأشرعة والإبحار.

لكن هذه الدينامية شهدت تحولًا جذريًا مع الإبادة الجماعية الحالية. فقد تصاعد التضامن مع الفلسطينيين في غزة وأصبح يهيمن الآن على العديد من المجتمعات الأوروبية، ليكسب في النهاية دعم حكومات مختلفة، من بينها إسبانيا التي انطلق منها “أسطول التضامن العالمي” الأحدث. بدءًا من برشلونة، ستنضم سفن أخرى على طول الطريق. وستحمل مجتمعةً إمدادات حيوية إلى غزة، بينما يدرك الناشطون فيها تمامًا أن فرص اعتراضهم ومصادرة حمولتهم المنقذة للحياة تفوق بكثير فرص وصولهم إلى القطاع الساحلي المحاصر.

عززت الأحداث الأخيرة هذه الحقيقة القاسية. فعلى سبيل المثال، تم استهداف سفينة “الضمير” بطائرات مسيّرة قبالة سواحل مالطا في أيار (مايو) الماضي. وفي حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، تمت مصادرة سفينتي “مادلين” و”حنظلة”. وقبيل استهداف “مادلين”، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الناشطة الدولية المعروفة، غريتا تونبرغ، التي انضمت إلى الأسطول، بأنها “معادية للسامية”. وأصدر تحذيرًا: “من الأفضل لكم أن تعودوا… لأنكم لن تصلوا إلى غزة. سوف تتحرك إسرائيل ضد أي محاولة لكسر الحصار أو مساعدة التنظيمات الإرهابية”.

هذا الغضب يردد أصداء اللغة الغاضبة والإجراءات العنيفة التي دأبت الحكومات الإسرائيلية على استخدامها ضد أي شخص أو كيان يتجرأ على تحدي الحصار الإسرائيلي على غزة. ولكن، لماذا كل هذا الغضب؟ لن تكون هذه المبادرات الصغيرة، قليلة التمويل، كافية وحدها لكسر حصار غزة أو لإطعام مليوني إنسان يواجهون إبادة جماعية ومجاعة.

تدرك إسرائيل تمامًا مدى فعالية تحركات المجتمع المدني في قضية فلسطين. لا ينبع معظم الدفاع عن الحقوق الفلسطينية عالميًا من أولئك الذين يزعمون تمثيل الشعب الفلسطيني، بل من المجتمع المدني عمومًا. ويشمل ذلك طيفًا واسعًا من الأفعال: الدفاع السياسي عبر الضغط على الحكومات؛ والدفاع القانوني الذي يحمّل الدول المسؤولية أمام القانون الدولي؛ والضغط الاقتصادي من خلال مبادرات سحب الاستثمارات والمقاطعة؛ والمقاطعات الثقافية والأكاديمية؛ والتعبئة واسعة النطاق على المستوى الشعبي.

بذلك، تشكل أساطيل التضامن تعبيرًا قويًا عن مدى استعداد المجتمع المدني للقيام بالعمل الذي كان ينبغي أن تتحمله الحكومات والمؤسسات الدولية. وليس تهديد بن غفير الصريح بمعاملة النشطاء كـ”إرهابيين” سوى انعكاس مباشر لمخاوف إسرائيل، وفي ما ينطوي على مفارقة، اعتراف قوي بتنامي تأثير حركة التضامن الدولية.

بينما سيكون الشعب الفلسطيني في نهاية المطاف هو الذي سيهزم المخططات الإسرائيلية، بصموده ومقاومته، فإنه لا ينبغي الاستهانة بالدور الحاسم الذي يلعبه التضامن الدولي. ليست أساطيل الحرية أعمالًا معزولة ليتم الحكم عليها بمعيار قدرتها على الوصول إلى غزة أو عدمه. إنها جزء أساسي وحيوي من عملية عالمية معقدة ستؤدي في نهاية المطاف إلى عزلة إسرائيل العميقة على الساحة الدولية -وهي عملية بدأت مسبقًا وحققت نجاحًا يُعتد به.

*رمزي بارود Ramzy Baroud: كاتب وصحفي أميركي فلسطيني ومحرر صحيفة “وقائع فلسطينية” Palestine Chronicle، وهو مؤلف لستة كتب عن فلسطين، منها: “أبي كان مقاتلاً من أجل الحرية” My Father was a Freedom Fighter، و”الأرض الأخيرة “The Last Earth، و”هذي السلاسل سوف تُكسر: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية” These Chains Wil Be Broken: Palestinian Stories of Struggle and Defiance in Israeli Prisons، (منشورات كلاريتي، أتلانتا). آخر كتبه كمحرر مشارك مع إيلان بابيه، هو “رؤيتنا للتحرير‏: قادة ومفكرون فلسطينيون منخرطون يتحدثون علنًا” Our Vision for Liberation: Engaged Palestinian Leaders and Intellectuals Speak Out. وبارود باحث غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)، جامعة إسطنبول زعيم، وفي “مركز الشرق الأوسط الأفريقي” (AMEC) ومقره جوهانسبرغ.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Symbol of Global Resistance: Why Israel Fears Gaza Flotillas

—————–انتهت النشرة—————–

Share This Article