المسار : عقد أندرو سابيرتون، نائب المدير التنفيذي للإدارة في صندوق الأمم المتحدة للسكان، اليوم الأربعاء، مؤتمراً صحافياً في نيويورك، قدم خلاله إحاطة مفصلة حول نتائج زيارته الأخيرة لغزة والضفة الغربية، مع التركيز على وضع النساء والفتيات واحتياجاتهن الإنسانية العاجلة.
وأشار سابيرتون إلى أن النساء في غزة فقدن غالبية ممتلكاتهن ومنازلهن، وعانين فقدان عدد كبير من أقاربهن، ومع ذلك واصلن حضور الأنشطة الإنسانية، في مثال صارخ على الصمود والمثابرة تحت ضغوط قصوى. وأضاف أن النساء لم يحصلن على أبسط مقومات الحياة اليومية، بما في ذلك أدوات النظافة الشخصية أثناء الدورة الشهرية، ما اضطر بعضهن لاستخدام أقمشة بالية كبديل.
وأوضح أن القطاع الصحي في غزة يعاني انهياراً شبه كامل، إذ تضرر أو تدمر 94% من المستشفيات، مع ارتفاع وفيات الأمهات بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية. وأكد أن حديثي الولادة يتعرضون لمخاطر جسيمة، إذ غالباً ما يوضع أكثر من طفل في حاضنة واحدة، ونسبة المواليد منخفضي الوزن بلغت نحو 70%، مع تصنيف ثلث حالات الحمل على أنها عالية الخطورة.
وأشار سابيرتون إلى أن صندوق الأمم المتحدة للسكان أدخل شحنات محدودة من المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، شملت حاضنات وأسرة ولادة وأجهزة مراقبة طبية، لتخفيف الأزمة الطارئة، لكنه شدد على أن هذه الشحنات لا تلبي الاحتياجات الكاملة، وأن فتح جميع المعابر وإزالة العقبات شرط أساسي للوصول الكامل والمستدام للمساعدات.
وفيما يخص التعافي طويل الأمد، أكد على أهمية إعادة بناء البنية التحتية الصحية والخدمات الوقائية للنساء والفتيات، بما في ذلك ترميم وتجهيز مستشفيات الولادة، إنشاء مستشفيات طارئة جديدة، نشر شبكات القابلات، وتوفير مجموعات الرعاية قبل وبعد الولادة، إلى جانب إعادة فتح “المساحات الآمنة” لمواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال النزاع، مع تقديم الدعم النفسي للأطفال والشباب، إذ يعاني نحو 70% من الشباب في غزة من الاكتئاب والقلق.
وأشار سابيرتون إلى أن القيود والحواجز في الضفة الغربية تحد من حرية حركة النساء، ما يؤثر على وصول الحوامل إلى المدارس والأسواق ومراكز الرعاية الصحية، خاصة أن عدد النساء الحوامل هناك يُقدّر بنحو 73 ألفًا، مؤكداً أن الصندوق يدير عيادات متنقلة ومراكز طوارئ لضمان حصولهن على الرعاية اللازمة.
ورداً على سؤال حول ما شاهده من معاناة متعمدة للسكان، قال سابيرتون إن المصطلح القانوني للإبادة الجماعية محدد جداً، ولا يدلي بتقييم قانوني، لكنه شدد على أن الوضع مأساوي ويشكل أزمة إنسانية حادة للنساء والفتيات، مع إصابات متعمدة وغير عفوية. وأضاف أن النساء والفتيات أبدين قدرة استثنائية على الصمود والمشاركة في جهود التعافي، وأن الشراكة مع منظمات نسائية محلية أساسية لضمان إيصال المساعدات وإعادة بناء المجتمع من القاعدة إلى الأعلى.
وأشار أيضاً إلى أن الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الطبية في غزة دُمّرت أو تضررت، وأن المستشفيات العاملة لا تتجاوز 10%، ومعظمها يقدم خدمات طارئة فقط، فيما تعمل وحدات العناية الحديثة بنسبة تفوق طاقتها الاستيعابية.
وحذر من أن نقص التغذية والخدمات الصحية وارتفاع العنف الأسري والزواج المبكر سيترك آثاراً طويلة المدى على صحة الأطفال والأجيال القادمة، مع وجود أكثر من 50% من الشباب و40% من البالغين معرضين لاضطرابات ما بعد الصدمة.
وشدد على أن مواجهة الأزمة الإنسانية تتطلب التخفيف من نقاط التوتر ومنع نزاعات جديدة، وزيادة التمويل لتلبية الاحتياجات العاجلة للنساء والفتيات، واستثمارات ملموسة في مشاريع التنمية وإعادة الإعمار لضمان عودة اللاجئين والنازحين بشكل مستدام.
وأكد أن بناء قدرات المجتمع المحلي، وخاصة المنظمات النسائية، عنصر أساسي لنجاح جهود إعادة الإعمار، مشيراً إلى صمود وإبداع النساء الشابات والقيادات النسائية في غزة والضفة الغربية. وختم بالقول إن العالم لا يمكنه الاستمرار في تجاهل ما يحدث، وأن حماية حياة النساء والفتيات وضمان سلامتهن وتمكينهن يجب أن يكونا في صميم أي جهود إنسانية وسياسية مستقبلية، مع التأكيد أن إنهاء النزاع وإعادة بناء الخدمات الأساسية يمثلان بداية الطريق وليس نهايته.