الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقرطية

 

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 21/6/2024

السيسي واردوغان تعلما منذ الان بأن الحركات لا تفنى أما نتنياهو فلم يتعلم

بقلم: تسفي برئيل

“في فترة ولايتي لن يكون شيء اسمه الاخوان المسلمين”، هذا ما اعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أيار 2014. وبعد مرور عشر سنوات على حكمه ما زال يخوض حرب ضروس ضد هذه الحركة. المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، دانييل هجاري، اثار عاصفة في هذا الاسبوع عندما قال إن “موضوع تدمير حماس والقضاء عليها، هو ببساطة ذر للرماد في العيون”. يمكن تخيل لو أن السيسي استمع اليه لكان سيتمتم لنفسه ويقول “لقد قلت لكم”. هجاري اراد الشرح بأن “حماس هي فكرة وحزب، وهي مغروسة في قلوب الناس – من يعتقد أنه يمكننا القضاء على حماس، مخطيء. حركة الاخوان المسلمين توجد في المنطقة منذ سنين كثيرة”.

لكن حماس، مثل الاخوان المسلمين، ليست فقط فكرة أو حركة فكرية، التي لا يمكن اقتلاعها من القلوب، بل هي منظمات قامت ببناء اجهزة واعداد قوة بشرية وبنى تحتية مدنية في المكان الذي لم تكن فيه دولة، أو أنها اهملته بشكل متعمد. بالنسبة لملايين السكان في مصر وفي قطاع غزة فان الاخوان المسلمين وحماس هي البديل الوحيد لتقديم الخدمات التي لم تقدمها دولة مصر أو السلطة الفلسطينية أو اسرائيل. جهاز التعليم للاخوان المسلمين، بدءا برياض الاطفال والمدارس ومعاهد التأهيل المهني والعيادات وآلية المساعدات للعائلات ومنح الرفاه للمحتاجين، كانت الترجمة الفعلية للفكرة التي تمت الدعوة اليها، الموجهة “لاحتلال القلوب” من اجل استخدامها في المستقبل كأداة لاحتلال السلطة.

حركة الاخوان المسلمين التي تأسست في 1928 على يد الواعظ الشاب (24 سنة) حسن البنا، لم تقتصر على التعليم والدعوة للاسلام “الصحيح”، وتفسير أقوال النبي، وصياغة قواعد السلوك المطلوبة من “المسلم الجيد”. هذه كانت وما تزال حركة سياسية وطنية، جسدت رؤيا حددت ماهية الدولة والنظام المناسبين للمسلمين. ولا يقل عن ذلك كيف يجب تحقيق هذا الهدف. هي تعلمت من خلال العمل ماذا يجب عليها أن تفعل كي تبقى على قيد الحياة، وبعد ذلك الانتصار سياسيا. هذا الانتصار وصل الى الذروة التاريخية بعد “الربيع العربي” عندما فاز في الانتخابات للبرلمان في كانون الاول 2011 “التحالف الديمقراطي” الذي شكلته حركة الاخوان المسلمين وحركات علمانية ومجموعات الشباب التي شاركت في ثورة “الربيع العربي” بـ 75 في المئة من المقاعد في البرلمان، النسبة التي تشبه نسبة فوز حماس في انتخابات 2006 في المناطق.

بعد نصف سنة، في الانتخابات للرئاسة في أيار – حزيران 2012 فاز ممثل الحركة محمد مرسي باغلبية 52 في المئة، التي منحته الرئاسة. ولكن النصر الاكبر الذي ساهم فيه الكثير من العلمانيين الذين أيدوه تعبيرا عن الاحتجاج ضد الحكم السابق الذي حظر نشاطات حركة الاخوان منذ العام 1954، وكتحرر من النظام القديم – أحدث ثمل قوة ادى في النهاية الى فقدان السيطرة وعزل محمد مرسي على يد السيسي، والحرب التي لا تنتهي ضد الحركة.

السيسي لم يكن الرئيس الاول الذي طمح الى القضاء على الاخوان المسلمين. فقد سبقه جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك. جميعهم حاولوا في البداية التوصل الى تفاهمات مع الحركة كي يفهموا فقط أن الامر يتعلق بخصوم اقوياء، مصممين وغير مستعدين لقبول الاملاءات السياسية من نظام ديكتاتوري والتنازل عن طموحهم في أن يكون شركاء في الحكم، اذا لم يكن سادته. الاستراتيجية التي وجهت السيسي وجهت جهوده الى بنية الحركة الهرمية واعتقال رؤسائها وقطع شرايين تمويلها. وحسب تقديرات لمنظمات حقوق انسان فان اكثر من 60 ألف شخص اتهموا بالعضوية في الحركة أو بدعمها، ماليا أو فكريا، تم اعتقالهم، وكثيرون منهم تمت محاكمتهم وسجنهم لفترة طويلة.

لقد تم الحكم على موجه الحركة الرئيسي، محمد بديع، في شهر آذار بالاعدام، الذي لم ينفذ بعد.

مؤسسات الحركة المدنية، مثل مؤسسات التعليم والجمعيات الخيرية، واعمال قادتها الخاصة ايضا تم اغلاقها ومصادرة بعض ممتلكاتهم. اعتبارها منظمة ارهابية مكن السيسي من حرية العمل تقريبا بدون قيود ضد نشطائها، وعلى الطريق ايضا ضد خصومه ومنتقديه السياسيين. بعض رؤساء الحركة هربوا الى دول اخرى مثل تركيا وقطر، واقاموا هناك قواعد نشاطات وقنوات تلفزيونية وصحف وشغلوا شبكات اجتماعية متشعبة. ولكن قص اجنحة ورؤوس قادة الحركة، لم يدمرها، وبالتأكيد لم يقض على ملايين المصريين الذين ما زالوا يعتبرونها البديل المناسب لنظام السيسي المستبد.

اضافة الى ذلك المس المباشر برؤساء الحركة احدث تغيير هيكلي، فيه البنية الرسمية في الحقيقة تم الحفاظ عليها، لكن النشطاء، بالاساس الجيل الشاب، بدأوا يعملون بشكل مستقل واقامة علاقات جديدة من خلال الشبكات الاجتماعية وتجنيد النشطاء. هؤلاء الشباب يؤمنون بأنه يمكنهم تصحيح الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الجيل السابق من اجل الاستعداد للنضال المدني القادم في مصر. وهم يقدرون أنه لن يكون مناص من هذا النضال، بالاساس بسبب الازمة الاقتصادية في الدولة والاضرار الكبير بحقوق الانسان وغياب استراتيجية منظمة للحكومة، موجهة لحل المشكلات الاساسية.

هؤلاء النشطاء يمكنهم الاستناد الى اقوال المؤسس حسن البنا في احدى رسائله بعنوان “بين الامس واليوم”، التي نشرها في الثلاثينيات وكتب فيها: “تذكروا، أيها الاخوة، بأن اكثر من 60 في المئة من المصريين يعيشون على أقل مما تعيش عليه الحيوانات. وهم لا يحصلون على الغذاء إلا بجهود جبارة. ومصر مهددة بالمجاعة وتتعرض لمشكلات اقتصادية لا يعرف نهايتها إلا الله. في مصر توجد الآن اكثر من 230 شركة اجنبية تحتكر الخدمات العامة والمصادر المهمة في ارجاء الدولة. وكل فروع التجارة والصناعة والمشاريع الاقتصادية توجد في يد الاجانب. موارد الدولة تنتقل بسرعة كبيرة من يد الوطنيين الى هؤلاء الاجانب… مصر ما زالت دولة فيها نسبة الأمية كبيرة، ونسبة المثقفين فيها لا تصل الى خُمس عدد السكان، بينهم اكثر من 100 ألف شخص مستوى الثقافة لديهم لا تزيد عن المرحلة الابتدائية. السجون تقوم بتخريج عدد أكبر من خريجي المدارس. مصر غير قادرة على تسليح حتى فصيل عسكري واحد”.

ايضا الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، يدير منذ العام 2013 حرب بقوة كبيرة ضد حركة الواعظ فتح الله غولن، الموجود في المنفى في الولايات المتحدة. اردوغان مثل السيسي ايضا، اعتبر الحركة التي كانت ذات يوم الحليف المهم له، منظمة ارهابية، واتخذ ضد قادتها واعضائها ومؤيديها ومموليها نفس الاساليب. حركة غولن قوت نفسها من خلال البنى التحتية الواسعة للتعليم والاتصالات والمشاريع التجارية الناجحة وصناديق مساعدة المحتاجين والتغلغل عميقا في اجهزة النظام. الملايين من الاتراك استفادوا من خدمات الحركة، واولادهم تعلموا في مؤسساتها الى أن تم اغلاقها، وكثيرون يعتبرون هذه الحركة المسار المناسب لتركيا – الدمج بين الاسلام الاجتماعي والثقافة التركية والقومية المعتدلة. هذا مقابل حزب العدالة والتنمية الذي اصبح على يد اردوغان جسم قومي متطرف، يفرغ حقوق الانسان من المضمون ويدفع قدما بالاجندة الدينية. نضال اردوغان وصل الى الذروة بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 2016، الذي اتهم غولن بالتخطيط له. منذ ذلك الحين تم اعتقال في تركيا آلاف الاشخاص الذين تم اتهامهم بالانتماء لغولن ومساعدته.

مشكلة اسرائيل في قطاع غزة هي مشكلة معقدة، واكثر صعوبة من ذلك بكثير. ففي حين أن السيسي واردوغان يعرضان على شعبيهما حلول سياسية كتعويض ومقابل لاقصاء الحركات التي قامت بخدمتهم، فان اسرائيل ليس فقط أنها لا تعرض أي شيء، بل ايضا هي تقطع الطريق أمام أي بديل سيقوم بالمهمات المدنية التي تولتها حماس. المعنى هو أنه بدون بديل فان اسرائيل هي التي ستلعب دور حماس في كل مجالات الحياة، المدراس والمستشفيات والخدمات الاجتماعية والنظافة والطاقة والبنى التحتية الاخرى. ولكن حتى لو قررت بأن هذا الحل الخطير هو الحل الوحيد الذي هي مستعدة له فانها حتى الآن لا يمكنها منع تطور الحركات والمنظمات في القطاع، التي ستعرض خدمات مدنية في المكان الذي لا يوجد فيه الحكم الاسرائيلي أو غيره.

هذه الحركات لا يجب أن تحمل الاسم الصريح حماس. ولكن سيكون من الواضح للسكان من الذين يقف الى جانبها. في هذا السياق ليس من نافل القول أن فوز حماس في انتخابات العام 2006 لم يستند الى دعم الجمهور للايديولوجيا الدينية، بل الى الاحباط من السلطة الفلسطينية الفاسدة. حماس، رغم الدمار الكبير الذي تسببت له لسكان قطاع غزة ما زالت تحصل على الدعم الكبير. وحسب الاستطلاع الاخير الذي اجراه المركز الفلسطيني للسياسات وابحاث الاستطلاعات فان 46 في المئة من المستطلعين في غزة قدروا أن حماس ستعود الى الحكم. هذه النسبة ليست بالضرورة التعبير عن أمنية أو خوف من عودة حماس. بل هي تعبير عن تقدير حقيقي للقوة الجماهيرية لهذه المنظمة حتى بعد ثمانية اشهر من الحرب.

——————————————–

معاريف 21/6/2024

صفقة ضعفاء

بقلم: جاكي خوجي

يجدر بكل إسرائيلي أن يشاهد الشريط الذي نشره الذراع العسكري لحزب الله يوم الجمعة. اعد الشريط في استديوهات حزب الله في بيروت، وهو يقوم على أساس تصويرات نفذتها طائرة للمنظمة في سماء الشمال قبل أسبوع من ذلك. نوصي بمشاهدته ليس فقط لانه مشوق. فمن خلالها يمكن ان نتعرف كثيرا جدا على حزب الله، على العلاقات بين القدس وبيروت، واذا ما نشب تصعيد حاد في الأيام القادمة – ان نفهم لماذا جاء.

يتكون الشريط من مقاطع فيديو توثق من مسافة طيران عصفور لمناطق واسعة في حيفا ومحيطها. طول الشريط تسع دقائق وهو ينقسم الى ثلاثة اقسام. القسم الأول مكرس لمنشأة رفائيل، سلطة تطوير الوسائل القتالية، في كريات بيالك. هذا مجال لمساحة 7 الاف دونم، وطائرة حزب الله تطير فوقه دون ازعاج. مرة كل بضع ثوان تتجمد الصورة ويجري تقريب لموقع معين. وهكذا يمكن رؤية بطاريات القبة الحديدية، بطاريات مقلاع داود، منشآت رادار واهداف امنية أخرى.

كل إسرائيلي معتاد على أن يرى هكذا شوارع مدينته من مسافة طيران عصفور. لكن مشكوك أن يتوقع احد ما ان تكون مثل هذه الصور ثمرة انتاج العدو. القسم الثاني من الشريط يركز الى الكريوت. المجمع التجاري “بيغ” في مفترق ساحات الخليج، فرع “اوشر عاد” في كريات بيالك وجادة بن تسفي في كريات يام. كل هذه نقاط علامة في الشريط. التلميح واضح. اذا ما نشبت حرب، حتى المباني العامة ستكون هدفا ممكنا لحزب الله.

في القسم الثالث، الأكثر اثارة للاهتمام، تنتقل الكاميرا المتجولة لحزب الله الى حيفا، وتتوقف عند مينائها البحري. تصور قاعدة سلاح الجو ومرسى سفن “ساعر” المتطورين، بجودة عالية جدا وعن كثب. نقاط علامة معروفة مثل “متنزه غورئيل في حي بات غليم، القطار الهوائي وشاطيء البحر تبدو كلها بوضوح، مثل تصوير حوامة لتلاميذ دائرة التخطيط المديني.

شرح الجيش الإسرائيلي بان حزب الله حاول مؤخرا ان يدخل الى سماء إسرائيل أربع طائرات. اثنتان منها اسقطتا. الثالثة اختفت عن الرادار والرابعة نجحت في مهمتها. فُهم انها غير مسلحة وهكذا تقرر عدم اعتراضها كي لا يتم تفعيل الصافرات. “توجد لنا ساعات من المادة المصورة”، تباهى نصرالله بخطابه أول أمس، “حيفا، محيطها، ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا”. ووعد بفصول أخرى في المسلسل.

تدوير السكين

اشرطة من هذا النوع ليست انتاجا مصادفا. فهذه عملية متداخلة القدرات العسكرية، جمع المعلومات الاستخبارية الدقيقة والقدرة العليا على التقديم والصياغة. كل هذا لاجل خدمة الهدف الأعلى لحزب الله هذه الأيام: اقناع الجيش الإسرائيلي لتخفيض مستوى القتال الى الحد الأدنى.

إسرائيل ليست معتادة على ذلك، لكن الجيش الإسرائيلي سجل إنجازات معتبرة في القتال في لبنان. في كل يوم ينجح ذراع الاستخبارات في كشف مزيد من شخصيات حزب الله، المس بها عند السفر او التواجد في مبنى عادي وقتلها. كلهم على بؤرة الاستهداف وهم يشعرون وكأنهم هدفا في ميدان التدريب على النار. بهذه الطريقة فقد حزب الله قرابة 400 من رجاله في كل المستويات. بعضهم كبار جدا. الحرج في صفوفهم كبير، حتى وان لم يعترفوا بذلك.

إسرائيل لا تدخل فقط السكين الى جسم حزب الله بل وتدورها أيضا. مرتين. بعد دقائق من ملاقاة الهدف حتفه، ينشر بعيدا من هناك في قنوات سعودية من كان وما هي وظيفته. لقناة “العربية” او لشركتها الفرعية “الحدث” يوجد مراسلون في إسرائيل، وهم يتلقون المعلومات مباشرة من محافل إسرائيلية فورا الهجوم. ولما كان اختيرت لذلك وسيلة اعلام عربية فان المعلومات تصل على الفور الى لبنان، دون حاجة الى ترشيحات. ولماذا السعودية؟ هذه هي الدورة الثانية للسكين. فما هو خير اكثر من إعطاء مجال النشر لمكروهي المعسكري المؤيد لإيران.

إضافة الى الاغتيالات، دمر الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، بكل معنى الكلمة. في بعض من القرى، تبدو احياء كاملة مثلما في قطاع غزة في هذه الأيام. هوجمت أيضا منشآت لحزب الله ومقرات لهم. الضغط الأساس على نصرالله يمارسه النازحون. 100 الف على الأقل، معظمهم شيعة من قرى الجنوب، فروا من بيوتهم. في لبنان لا توجد ضريبة أملاك ولا تعويض للمخلين. السكان يطالبون الأجوبة من نصرالله. ومع ان احتجاجهم لا يصل الى قنوات الاخبار لكنه على ضميره ويشغل باله جدا. هذه ليست حربهم وليست مشكلتهم. نصرالله، كما يذكر، خرج الى القتال على الاطلاق من اجل الفلسطينيين.

كل هذا لا يقلل من الخسائر بالارواح ومن الضرر الماضي الجسيم الذي لحق بالجانب الإسرائيلي. فاشغال الاف الجنود لساحة قتال ثانوية، مس بالمنشآت والعتاد العسكري في القواعد، اخلاء عشرات الاف السكان من بيتهم والضرر بالزراعة والسياحة. الطرفان دفعا ثمنا باهظا، ولا يزال في لبنان الثمن باهظ اكثر باضعاف. عسكريا، ماليا ومدنيا.

لو كان هذا متعلقا به فقط، لكان نصرالله تراجع منذ زمن بعيد وانهى المعركة. معقول الافتراض بانه لم يفكر بانها ستطول لهذا الزمن الطويل، وعول على انكسار إسرائيلي قبل ذلك بكثير، مثلما اعتاد. كما انه لم يخمن بان يصل الجيش الإسرائيلي الى هذا المستوى الناجع من المس برجاله. يحتمل أن يكون فوجيء في 7 أكتوبر من حماس، بل واحتقرهم على جرائم القتل والجنس التي ارتكبها رجالهم في بلدات الغلاف. هذا ليس أسلوبه او أسلوب رجاله.

لكنه قيد نفسه. من اللحظة الأولى وعد زعيم حزب الله جمهوره والفلسطينيين أيضا بانه يقاتل من اجل غزة. كي يستنزف الجيش الاسرائيلي ويخفف حجم قواته، كي يضرب الاقتصاد الإسرائيلي ويحرج حكومة إسرائيل. لقد نجح بالفعل في مهامه لكن الثمن باهظ. حجم القتال والدمار اكثر مما قدر.

في حزب الله اتخذوا قرارات بعدم رفع مستوى اللهيب. من اللحظة الاولى فرضوا على انفسهم القتال  على مقربة من الحدود. واعتقدوا أن هكذا سينجحون في مساندة الفصائل في غزة والا يتورطوا في حرب واسعة. لكنهم فوجئوا: الجيش الإسرائيلي جاء جائعا وشرع في حملة صيد. الحرج في بيروت عظيم.

في الأسابيع الأخيرة اطلق نصرالله ورجاله رسائل لإسرائيل بانهم لم يعد بوسعهم لجم انفسهم. ومستوى الفيض جاء عند مقتل سامي طالب عبدالله في عشية عيد الأسابيع. هو الضابط الأعلى لحزب الله التي نالته يد إسرائيل. وعندها اتخذوا في المنظمة قرارا بتشمير الاكمام. دخل الامريكيون على الفور الى الازمة وبدأوا يمارسون الضغط الشديد، تخوفا من أن يحقق حزب الله تهديداته. ومنذئذ تجري اتصالات في عدة قنوات وفي عدة مستويات. احدى قنوات الوساطة تتم من خلال مبعوث بايدن، عاموس هوكشتاين. الإسرائيلي السابق، مستشار الطاقة في مهنته، هبط هذا الأسبوع في القدس والتقى بالقيادة الإسرائيلية. بعد ذلك واصل طريقه الى بيروت ثم عاد الى القدس.

نصرالله ورجاله يعرفون جيدا وضع إسرائيل. يعرفون انها هي أيضا في ضائقة. إسرائيل بالفعل في ضائقة. القوات المقاتلة مستزفة، وجيش الاحتياط بدافعية جزئية. بايدن يهدد بتقليص توريد الذخيرة، وفي الاقتصاد الإسرائيلي تبدو مؤشرات الركود. حزب الله أيضا مستنزف ولا يريد أن يخوض حربا في هذه اللحظة. نصرالله، بطريقته الهجومية والمفعمة بالغرور، يقترح على إسرائيل صفقة ضعفاء: تعالوا ننزل عن هذا بشكل جميل. الشريط المصنوع جيدا يستهدف اطلاق رسالة ردع لحالة أن ترفض إسرائيل تخفيض شدة القتال. يوجد لنا بنك اهداف في عمق إسرائيل، مدنية وعسكرية، كما يلمحون في حزب الله. وفي خطابه أول امس حذر نصرالله وفي واقع الامر قال صراحة ما عبر عنه الشريط ضمنا. فقد قال: “الكيان لا يمكنه ان يدافع عن نفسه وحده. نحن سننتظره في الجو، في البحر وفي البر. القرار موضوع الان في ايدي حكومة إسرائيل. فقد عولت على التفوق العملياتي على اعدائها، وهي مطالبة بان تقلصه. حزب الله لا يقترح وقف نار، بل نزول سلس في شدة القتال. إسرائيل لا تسارع الى التوافق. فهي ليست معتادة على مثل هذه العروض من هذا العدو المعين، وهي تريد أن يدفع الثمن على وقاحته. الجواب الإسرائيلي لن يعطى علنا. وحسب مستوى اللهيب سنعرف ما هو.

——————————————–

هآرتس 21/6/2024

لا نصر مطلق بل حرب خالدة

بقلم: عاموس هرئيلِ

لحظة الحقيقة، ستأتي في الحرب كما يبدو خلال بضعة اسابيع. الجيش الاسرائيلي سيستكمل عمليته الهجومية في رفح تحت قيود امريكية، وهو بعيد عن هزيمة حماس المطلقة، وسيرغب في الاعلان عن النهاية. الجنرالات سيأتون الى رئيس الحكومة نتنياهو وسيطلبون مساعدته في الحصول على وضوح استراتيجي. هم سيوصون بانهاء المعركة في قطاع غزة في اطارها الحالي. في الجيش سيعرضون تقليص حجم القوات، المحدود أصلا، التي تعمل في محور فيلادلفيا على الحدود المصرية وفي الممر الآخر في وسط القطاع والتركيز على مداهمات لاهداف اخرى لحماس، ومرة اخرى اعطاء الفرصة لعمليات اخرى.

هذه الخطوات يمكن أن تشمل محاولة لاعادة تحريك الاتصالات حول صفقة تبادل ووقف النار في القطاع. واذا نجح ذلك، الاحتمالات لا تبدو كبيرة في هذه الاثناء، فانه سيكون بالامكان استغلال الوقت من اجل فترة تنشيط للمقاتلين، وخلال ذلك ستجرى محاولة امريكية اخيرة لعقد اتفاق سياسي في لبنان يهدف الى ابعاد قوات حزب الله عن الحدود الاسرائيلية. في ظل غياب ذلك ستجرى استعدادات لامكانية اندلاع حرب شاملة في الشمال. وفي نفس الوقت ستبدأ عملية منظمة لبناء قوة وطنية، استثمار كثيف في تحسين قدرات الجيش واستعداد الجبهة الداخلية لحالة ستتحقق فيها التنبؤات القاسية وتجد اسرائيل نفسها في المستقبل امام مواجهة متعددة الساحات واكبر وبقيادة اسرائيل.

في نهاية الاسبوع الماضي تم احصاء 11 قتيل للجيش الاسرائيلي في القطاع، من بينهم 8 من جنود الهندسة الذين قتلوا في انفجار ناقلة الجنود المدرعة من نوع “النمر” في رفح. ولكن عدد الخسائر في يومين هو مؤشر مضلل حول حجم وقوة القتال. عمليا، يبدو أن حماس سحبت جزء كبير من قواتها من المدينة.

في الجيش الاسرائيلي قدروا في هذا الاسبوع أن قتلى حماس في معارك رفح بحوالي 550 قتيل. كثيرون آخرون تركوا وانتقلوا الى الشمال، وهم من شأنهم أن يشكلوا لحماس قوة احتياط ستعيد فرض السيطرة في القطاع بعد انسحاب اسرائيل. آجلا أم عاجلا حماس ستضطر الى مواجهة غضب جزء من السكان على ما فعلته اسرائيل بسببها في القطاع. ومن اجل ذلك هي بحاجة الى فرض السيطرة المسلحة بقوة الذراع.

المسلحون القلائل نسبيا الذين بقوا في رفح ينفذون هجمات محددة هدفها قتل جنود اسرائيليين. بالاساس هم يهتمون بتوثيق ذلك بافلام الفيديو التي يتم نشرها في وسائل الاعلام العربية وفي الشبكات الاجتماعية. ومقارنة مع المعارك في شمال القطاع في بداية الحرب فان قوة القتال في رفح محدودة.

في “صوت الجيش” نشر في هذا الاسبوع تقدير متفائل لقيادة المنطقة الجنوبية يقول إن 14 ألف مخرب من حماس، من بين قوة تبلغ 30 ألف شخص، قتلوا في المعارك. نصف الـ 24 قائد كتيبة لم يعودوا موجودين. منظومة القيادة والسيطرة تضررت بشكل كبير، وقد بقي لحماس بضعة مئات من الصواريخ بمدى متوسط التي يمكنها ضرب غوش دان ومنطقة اسدود. ويضاف الى ذلك تنبؤ متفائل اكثر يقول بأنه في شمال القطاع اذا استمر ضرب حماس فربما تنضج الظروف فيما بعد لخلق جسم سلطوي بديل.

بخصوص قضية المخطوفين لا توجد للجيش في هذه الاثناء أي بشائر مشجعة. النجاح المثير للانطباع في عملية التحرير الاخيرة، انقاذ اربعة مخطوفين على قيد الحياة في مخيم النصيرات قبل اسبوعين، هو بمثابة الامر الشاذ عن القاعدة، الذي يدل على القاعدة. في افضل الحالات ستتهيأ فرص لعمليات انقاذ معدودة اخرى، وهذه ستنطوي على مخاطرة كبيرة ولن تؤدي الى تحرير عدد كبير من المخطوفين. صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت أمس بأنه فقط 50 من بين الـ 120 مخطوف الذين بقوا في القطاع ما زالوا على قيد الحياة. وحسب الاحصاء الرسمي فان العدد أكبر من ذلك.

وسائل الاعلام في اسرائيل تقريبا لم تتطرق للمخطوفين في هذا الاسبوع. والمظاهرات من اجل انقاذهم لا تنجح في جر خلفها جمهور واسع. الولايات المتحدة القت المسؤولية عن تجميد المحادثات على حماس التي رفضت عرض امريكا – اسرائيل الاخير. في هذه الظروف لا توجد أي وسيلة ضغط حقيقية على الحكومة لحثها. الساخرون سيقولون إن مشكلة المخطوفين آخذة في التضاؤل والانكماش. في هذه الاثناء الائتلاف يمكنه التركيز على محاولة الدفع قدما بقانون الوظائف لرجال الدين وشرعنة قانون تهرب الحريديين من الخدمة العسكرية.

في الشمال سجل في هذا الاسبوع يومين ونصف من التخفيف النسبي في هجمات حزب الله. هذا لم يحدث بفضل تصميم الجيش الاسرائيلي، بل بسبب قرار لبنان انزال القدم عن دواسة البنزين في عيد الاضحى. عمليات القصف تصاعدت مرة اخرى عند انتهاء العيد. الجيش الاسرائيلي يستمر في حملة الاغتيالات للقادة الميدانيين والشخصيات الرفيعة والاقل اهمية في حزب الله. في الخلفية تسمع تهديدات كثيرة متغطرسة من سياسيين وضباط حول قدرة اسرائيل على المس بالمنظمة الشيعية ودولة لبنان الفاشلة حوله.

رئيس حزب الله، حسن نصر الله، القى أول امس خطاب هجومي آخر، ربما الاكثر هجومية الذي اسمعه منذ بداية الحرب. مبدئيا حسن نصر الله تمسك برؤية الحزب كقوة مساعدة في الحرب الحالية: حماس تقود المعركة في حين أن حزب الله يهاجم في الشمال ويجعل اسرائيل تحتفظ بقوات كبيرة هناك، لكن الجيش الاسرائيلي لا ينتقل الى مرحلة الهجوم البري. هو ايضا هدد بالمس بقبرص التي حسب رأيه تنوي السماح لسلاح الجو الاسرائيلي بالانطلاق للهجوم من اراضيها في حالة حدوث حرب شاملة. ولكن الاكثر اهمية هو ما يختفي بين السطور: حسن نصر الله كما يبدو يتشكك في أن توجه اسرائيل هو نحو الحرب الشاملة، وهو يقوم باعداد حزبه لهذه الاحتمالية.

خلال الاسبوع قام عاموس هوخشتاين، المبعوث الامريكي، برحلات مكوكية بين بيروت والقدس. وقد نشر بأنه نقل رسائل تهديد من اسرائيل الى لبنان. وحزب الله رد باشارات خاصة به. الحزب قام بنشر صور لمسيرة تابعة له من ميناء حيفا ظهرت فيها سفن سلاح البحرية التي ترسو في قاعدة السلاح وكأنها في استعراض، وكأنها لا تتعرض لخطر الهجوم من الشمال.

في صورة الوضع الاساسية لم يحدث مؤخرا أي تغير حقيقي في الجبهتين. الحكومة والجيش لا ينجحان في النجاة من الشرك الاستراتيجي العميق الذي دخلنا اليه منذ 7 تشرين الاول. لا يمكن رؤية في الافق أي موعد هدف، سواء اعادة المخطوفين أو انهيار حماس (الهدف المستحيل تحققه تقريبا) أو عودة سكان المنطقة الشمالية الى بيوتهم.

تحدث، يا هرتسي

نتنياهو الذي يعرف موقف الجيش لا يميل الى الاستجابة له. هو يستمر في الاعلان بأن الحرب الضروس ضد حماس ستستمر بقدر ما يحتاج الامر. رئيس الحكومة عاد لنثر الوعود عن النصر المطلق على مؤيديه (رغم التسويق الحثيث للرسالة في القناة 14، القبعات التي يرفرف عليها هذا الشعار لا تغرق وبحق الشوارع). عمليا، توجد هنا حرب خالدة اكثر من النصر المطلق. هدف نتنياهو الاسمى هو البقاء. اجتياز دورة الكنيست الصيفية والانتظار على أمل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية للرئاسة في تشرين الثاني القادم. هذا افضل بالنسبة له من البديل، وقف دائم لاطلاق النار في القطاع (مع صفقة تبادل) واعتراف فعلي بالفشل في تحقيق اهداف الحرب، وتقريبا بصورة مؤكدة ايضا انسحاب احزاب اليمين المتطرف من الائتلاف وانهيار الحكومة. بسبب أن البقاء السياسي هو الهدف الاسمى فانه ستقل اهمية تداعيات اخرى متوقعة نتيجة ادارة حرب بدون نهاية: عبء متزايد على الجنود النظاميين والاحتياط، ازمة متفاقمة مع الادارة الامريكية والمس بالشرعية الدولية للعمليات الاسرائيلية.

بدون الاستخفاف بالروح القتالية واخلاص المقاتلين والقادة في الميدان فانهم في هيئة الاركان يدركون الحاجة الى اجراء تغيير في استراتيجية اسرائيل. عندما يتم نشر الامور على الملأ – العنوان الرئيسي في “هآرتس” في يوم الثلاثاء الماضي، وفي مقابلة مع المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، دانييل هغاري في “اخبار 13” في اليوم التالي (تدمير حماس هو ببساطة ذر للرماد في العيون) – فانه يتم الرد عليها بهجوم بيبي مضاد. احد الابواق الرائدة حتى تم ارساله لاتهام رئيس الاركان، هرتسي هليفي، بأنه يطمح الى الابقاء على سلطة حماس.

منذ منتصف الاسبوع فان مكتب رئيس الحكومة والمتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي يتناوشون فيما بينهم بواسطة البيانات الرسمية باسلوب سلبي – عدائي. هذا الامر يخدم بيبي مرتين. المرة الاولى، كل عملية تنس طاولة كهذه تحرف النقاش عن الفشل المزدوج الذي حدث تحت مسؤوليته – المذبحة في 7 تشرين الاول والادارة الفاشلة للحرب. الثانية، هو يقدم دفع كامل بالغيبة لعدم تحقيق اسرائيل لاهداف الحرب التي وضعها هو نفسه. دائما هناك شخص آخر لاتهامه: الجيش، المتظاهرين، اليساريين الذين يحصلون كما يبدو على التمويل الاجنبي (كما قال في هذا الاسبوع في احتفال الذكرى لقتلى سفينة التلينا)، الرئيس الامريكي.

هليفي ما زال رسميا، عقلانيا، حذرا من الانجرار للعاطفة ويفقد الصبر بالتدريج. هو يعطي هامش مناورة للمتحدث باسمه، واحيانا ينجر هو نفسه لتبادل اقوال قاسية مع سياسيين. في هذا الاسبوع تم تسريب مواجهات له من جلسات الكابنت مع وزراء اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير.

نغمة رئيس الاركان كانت لادغة، وتضمنت ملاحظات حول غياب التجربة العسكرية (بن غفير تم استبعاده من الخدمة العسكرية بسبب نشاطاته كفتى في حركة كهانا. سموتريتش خدم في وقت متأخر ولفترة قصيرة). رئيس الاركان يذهب حتى النهاية، لكن مرؤوسيه هناك كانوا يريدون رؤيته اكثر جرأة. الاوقات الصعبة تقتضي اقوال فظة: قم بعرض آلية انتهاء في رفح، طالب بالتقدم نحو صفقة التبادل، قم بتنسيق التوقعات مع الجمهور بخصوص ما ينتظرنا في الجبهة الداخلية اذا اندلعت حرب شاملة في الشمال. تحدث، يا هرتسي، تحدث.

في يوم واحد، هذا الاسبوع، وفي رحلات بين الجنوب ومقر وزارة الدفاع والشمال التقى رئيس الاركان مع آباء المجندات المخطوفات ومع سكان كيبوتس نير عوز الصغير، الذي قتل حوالي ربع سكانه أو تم اختطافهم الى القطاع في 7 تشرين الاول، قبل وصول قوات الجيش الاسرائيلي اليه في الثانية ظهرا، ولم يطلق حتى أي رصاصة. المحادثات كانت مشحونة وصعبة، أحد سكان الكيبوتس القدامى تحدث عن الساعات الطويلة التي اختبأ فيها في الغرفة الآمنة، حيث كان المخربون هائجون ويذبحون في الخارج، الامر الذي ذكره بقصص والدته عن الكارثة. زوجة احد المخطوفين اجرت مقارنة مع حرب يوم الغفران وقالت: “زوجي الذي كان جندي في الاحتياط استغرقه وقت أقل للوصول من النقب الغربي الى المعارك في شبه جزيرة سيناء في ظهيرة يوم السبت من الوقت الذي استغرق قوات الجيش الاسرائيلي للوصول الى الكيبوتس، رغم المواقع والمعسكرات التي توجد في محيطه”.

هليفي وعد بالبدء في استكمال التحقيقات العسكرية حول الحرب وعرض الاستنتاجات على الجمهور في بداية شهر تموز (تحقيق المذبحة في كيبوتس بئير سيتم استكماله في الاسبوع الثاني في الشهر). لقد حلقت فوق هذه اللقاءات مشكلة المخطوفين. 35 من سكان الكيبوتس ما زالوا محتجزين في القطاع، 22 من بينهم يبدو أنهم ما زالوا على قيد الحياة. وبدون اعادتهم فان الجرح في العلاقات بين سكان بلدات الغلاف، وكل الجمهور، وبين الجيش والدولة لم يبدأ حتى في الالتئام.

———————————————

يديعوت 21/6/2024

غزة أخرى، الوثيقة في اليوم التالي لحماس

بقلم: نداف ايال

في الأسبوع الماضي كان العنوان الرئيس في “يديعوت احرونوت” نتاج مقالين لرون بن يشاي ومقالي الذي امامكم. وروى العنوان بان جهاز الامن يقول للمستوى السياسي بان هزيمة حماس العسكرية تقترب وانه بعد مثل هذا النصر لا ينبغي التردد في اعلان واضح عن “انهاء الحرب” – مقابل إعادة المخطوفين. غني عن البيان ان رئيس الوزراء نتنياهو عرض خطا احمر واضحا على فريق المفاوضات – الا توافق إسرائيل على نهاية الحرب. لكن في الجيش الإسرائيلي يعتقدون بان انهاء الحرب في الجنوب، باعتبار التهديدات المتحققة علينا في الساحة الإيرانية، مثل التحدي الحاد في الشمال، هو مصلحة إسرائيلية – حتى لو لم يكن مخطوفات ومخطوفين يذوون في زنازين حماس.

في اثناء الأسبوع الأخير نشرت تفاصيل هامة عن التهديد الإيراني النووي، الآخذ في التعاظم. لكن العنوان الرئيس في الصحيفة أثار عاصفة كبرى. فوزير المالية سموتريتش مثلا، وصف هذا بانه “عمى استراتيجي رهيب” و “احاطة هاذية”. رئيس الوزراء نتنياهو ورجال يفكرون، الى هذا الحد او ذاك بالطريقة ذاتها. صحيح، اكثر من 95 في المئة من صواريخ حماس لم تعد. محاور تهريب المنظمة أغلقت، وقدرة الإنتاج معدومة. لكن طالما كان السنوار على قيد الحياة والذراع العسكري لحماس موجودا، مع أجهزة قيادة وتحكم، فان المعركة لن تحسم من ناحية نتنياهو. ولهذا مطلوب طول نفس وصبر. اذا وافقت حماس على الصفقة، فان مرحلتها الأولى ستعيد مخطوفات، مخطوفين وجثث، لكن بعد ذلك – من ناحية رئيس الوزراء – تستأنف الحرب (الا اذا رأى السنوار النور ووافق على الخروج الى المنفى من قطاع غزة). ينبغي مواصلة التطهير لقطاع غزة، أساسا في الشمال، من مخربي حماس، وعندها الانتقال في هذه المناطق الى مشاريع تجريبية من الحكم المدني، أي مجالات إنسانية، مناطق مدارس، مراكز توزيع غذاء، عيادات؛ نوع من “فقاعات” حكم جديد، تحت ائتلاف إقليمي او دولي ما. معارضة رئيس الوزراء لمشاركة رجال فتح (بخلاف السلطة الفلسطينية) ترققت؛ وهو يؤشر الى أنه سيوافق على دخولهم. بكلمات أخرى: هو يقبل خطة جهاز الامن ووزير الدفاع غالنت قبل بضعة اشهر. كالمعتاد لدى بيبي، بتأخير. لكن هزيمة حماس يجب أن تكون واضحة، ملموسة، حتى لو كانت الحرب طويلة.

يجدر بنا أن نراجع هذين المنهجين المتضاربين، منهج الجيش ومنهج رئيس الوزراء، في ضوء وثيقة استثنائية وضعتها ونشرتها مجموعة اكاديميين إسرائيليين قبل نحو أربعة اشهر. الوثيقة وصلت الى هيئة الامن القومي وأعضاء كابينت الحرب؛ سمعت أصداء عنها في احاديثي مع وزراء ومصادر عليها. كان لها تأثير يتجاوز تقديرات كاتبيها. لشدة الأسف، يحتمل أن يكون المستوى السياسي تأثر – لكن لم يجرَ ابدا أي بحث مرتب وجدي مع كاتبي الوثيقة (وهذه ليست مفاجأة بالضبط). نعرض هنا تفاصيل الوثيقة لأول مرة. عنوانها هو “من نظام اجرامي الى مجتمع معتدل: تحول وترميم غزة بعد حماس”. الباحثون هم البروفيسور داني اورباخ، مؤرخ عسكري؛ البروفيسورة نيتع باراك – كورن، قانونية تعنى ضمن أمور أخرى في البحوث العقلانية وتسوية النزاعات؛ د. ناتي فيلبر، الذي يعنى بالمعلومات عن حماس وحزب الله؛ د. هرئيل حورب، خبير في المجتمع الفلسطيني. لا تعنى الوثيقة بالتكتيك العسكري لهزيمة كتائب حماس والسيطرة على القطاع، بل بسؤال الأسئلة: “كيف يمكن للمجتمع الغزي أن يتحول الى جار سوي العقل لدولة إسرائيل. وللنزاهة، ينبغي الإشارة الى أنه عندما كتاب الباحثون ورقتهم (نحو 28 صفحة)، في شباط، كان الإحساس في إسرائيل بان إنجازات الحرب واضحة ولا لبس فيها اكثر بكثير.

تفترض الوثيقة بان النصر – على الأقل بمعنى منع النهوض المتجدد لحماس والمس بإسرائيل – يستوجب “ترميم وتحويل امة ادارتها أيديولوجيا إجرامية وتنمية مؤسسات مستقرة فيها وثقافة عربية لا تربي على الجهاد وتسلم بوجود دولة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي”. وهم ينظرون الى حالات أخرى على مدى التاريخ، مثل المانيا بعد هزيمة النازيين، اليابان، العراق وأفغانستان تحت الاحتلال الأمريكي، لاجل استخلاص الاستنتاجات، تحليل الوضع في قطاع غزة واقتراحه حلهم. استنتاجاتهم استفزازية. أولا، ثمة حاجة الى “هزيمة مطلقة” لحماس. فما هي الهزيمة المطلقة؟ على حد نهجهم، خسارة أرض (لمدى غير محدود زمنيا)، خسارة حكم حماس، و “محاكمات علنية لمسؤولي حماس”، على حد تعبير باراك – كورن “وهذا لا يعني أن كل العناصر في أيدينا”. “من ينبغي أن يشعر بانه مهزوم”، يسأل د. ناتي فيلبر، “هل هي حماس ام الفلسطيني العادي؟ موقفي واضح من الدروس التاريخية هو ان الفلسطيني العادي يجب أن يشعر بانه مهزوم. يجب أن يشعر بان الطريق الذي اتخذوه حتى الان، لنقل التعليم، لا ينجح”. اجبته بان الفلسطيني العادي، حسب الاستطلاعات يشعر بانه مهزوما اقل من الطريقة التي شعر بها في 6 أكتوبر. “ورأيي هو انه كان ينبغي الإعلان عن كل المنطقة الشمالية في غزة كأرض إسرائيلية، كل ما ينطوي عليه ذلك من معنى. كنت سأرى تغييرا في الميل”. النتيجة، اجبت، ستكون إقامة مستوطنات. “إما نعم أو لا”، يقول فيلبر، “في جنوب لبنان لم تقم أي مستوطنة”. هذا هو موقفي الشخصي؛ وليس توصية الوثيقة.

هم كلهم يتفقون على أن هزيمة حماس ضرورية. “ترميم تحت النار مآله الفشل”، يقرر كاتبو الوثيقة. فلا معنى لنزع التطرف او بناء مؤسسات قبل ذلك. النافذة لمثل هذا الترميم ضيقة؛ في العراق وفي أفغانستان تم تفويت الزمن المثالي، والثمن كان باهظا. “ترميم غزة وتحولها يتطلبان إدارة مدنية، والحاح الزمن يعني انه يجب البدء منذ الان للتخطيط والتأسيس لالية فاعلى ومتفق عليها لادارة السكان الفلسطينيين في مناطق السيطرة الإسرائيلية اللازمة على أي حال في ضوء الحاجة لمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان. على هذه الالية ان تكون منصتة لاحتياجات السكان وزعمائها والتعامل بكرامة مع المواطنين. كتبوا هذا في شباط؛ هذا لم يحل منذئذ، بالطبع.

يدعي الكُتّاب بانه من أجل ان ينجح الترميم يجب أن يطرح “افق إيجابي للأمة المهزومة مشروط بتحقيق اهداف ملموسة وقابلة للقياس”، ويقترحون إقامة “كيان فلسطيني حكم ذاتي”. اخذت الانطباع بان الكُتّاب بذلوا جهودا للامتناع عن تعبير “دولة فلسطينية”، كي يبقوا املا في أن تقرأ تقديراتهم بروح طيبة.

 

النقاط الأساسية في الوثيقة

– تأسيس فوري لالية ناجعة لمعالجة الازمة الإنسانية.

– نزع التطرف عن التعليم والثقافة.

– بناء بنى تحتية مؤسساتية للتحول والترميم.

– تنمية زعامة بديلة وخلق شرعية دينية لتحويل غزة.

– ترميم وإعادة بناء النظام الاجتماعي في القطاع.

——————————————–

هآرتس 21/6/2024

لا يوجد سلام وأمن لاسرائيل بدون تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، والعكس صحيح

بقلم: شاؤول ارئيلي وآخرين

المذبحة في 7 تشرين الاول والحرب التي اندلعت في اعقابها يجب أن تكون انعطافة في نظرة اسرائيل للنزاع بينها وبين الفلسطينيين. نحن نشاهد مرة اخرى حدود القوة ونتعلم بأن الاعتماد عليها وحدها لا يمكنه ضمان الاستقرار والأمن لسكان اسرائيل. من اجل تحقيق الامن والاستقرار يجب علينا التفكير في طابع الدولة ومكانتها في المنطقة. هل ترغب في الاندماج فيها مع تحقيق حلمها الديمقراطي من خلال الاعتراف بالحقوق الشرعية لجيرانها الفلسطينيين، أو هي ترغب في أن تكون دولة ثكنات تعيش على حد السيف كنبتة غريبة في الشرق الاوسط.

اسرائيل اقيمت بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الكارثة، في اعقاب اعتراف دولي كبير كانت بدايته في وعد بلفور وصك الانتداب، الذي نص على أنه يجب تأمين للشعب اليهودي بيت قومي في وطنه التاريخي، الذي سيكون بالنسبة له “الملاذ الآمن” بعد المطاردة التي كانت من نصيبه لمئات السنين. هذا الاعتراف يعتمد على العلاقة التاريخية للشعب اليهودي بارض اسرائيل والاعتراف بحقه في تقرير المصير مثل كل الشعوب.

لكن دولة اسرائيل لم تنشأ على ارض فارغة. سكانها العرب الفلسطينيون يعيشون في فلسطين/ ارض اسرائيل منذ مئات السنين، وغرسوا جذورهم عميقا فيها. توجد لهم علاقة تاريخية متواصلة مع البلاد التي لا تقل عن العلاقة اليهودية التاريخية بارض اسرائيل كوطن الاجداد.

في فترة قيام الانتداب البريطاني في 1922 فان 90 في المئة من سكان البلاد كانوا من العرب، وكانت بملكيتهم معظم الاراضي الخاصة في فلسطين/ ارض اسرائيل. رغم هذا الواقع إلا أن مبدأ تقرير المصير لم يتم تطبيقه على فلسطين عند صدور صك الانتداب… بسبب التوق للسماح باقامة البيت الوطني اليهودي (تقرير لجنة التقسيم في 1957). لو أن هذا المبدأ تم تطبيقه لكان سيعطي العرب دولة.

فقط في 1947، بعد نضال مدته ربع قرن، ادرك المجتمع الدولي بأنه يوجد للشعبين حق في وطنهما كما احسن حاييم وايزمن في وصف ذلك عندما قال: “الحق يتحقق بالعدالة”. في قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29/11/1947 تقرر تقسيم فلسطين/ ارض اسرائيل الانتدابية واقامة دولتين فيها، يهودية وعربية، تشكل اتحاد اقتصادي (القدس جسم منفصل يكون تحت سيطرة الامم المتحدة). مساحة الدولة اليهودية كانت اكبر (55 في المئة) رغم أن السكان العرب كان عددهم ضعف عدد السكان اليهود تقريبا.

الاستيطان العبري في ارض اسرائيل وافق على خطة التقسيم للأمم المتحدة، في حين أن القيادة الفلسطينية رفضتها وأدت الى اندلاع حرب الاستقلال في 1947. الحرب كانت طويلة، وفي قسمها الثاني بعد الاعلان عن دولة اسرائيل، انضمت ايضا دول عربية للقتال الى جانب الفلسطينيين. نتائج هذه الحرب كانت كارثية على الفلسطينيين (النكبة). قسم منهم تم طرده أو هرب واصبح لاجيء خارج حدود فلسطين/ ارض اسرائيل، ومعظمهم بقوا بعد انتهاء الحرب في المناطق التي بقيت خارج حدود دولة اسرائيل، المعروفة الآن بالضفة الغربية (التي تم ضمها للاردن)، وقطاع غزة (الذي بقي تحت سيطرة مصر).

حكومة اسرائيل برئاسة دافيد بن غوريون تنازلت عن امكانية السيطرة العسكرية في الضفة الغربية في الحرب من اجل الامتناع عن السيطرة على مناطق فيها اغلبية فلسطينية. رغم حدودها الضيقة إلا أن اسرائيل قبل حرب الايام الستة (1967) تعاملت بشكل جيد مع الاخطار الامنية من قبل جيرانها، والعقد بين عملية سيناء في 1956 وبين حرب الايام الستة كان العقد الاكثر هدوءا وأمنا في تاريخ اسرائيل، طالما أننا نتحدث عن العمليات الارهابية والاخطار الامنية من الضفة الغربية وقطاع غزة.

الكثير من دول العالم اعترفت باسرائيل بعد حرب الاستقلال، وخطوط الهدنة من العام 1949 اصبحت حدود الدولة عند اندلاع حرب الايام الستة. هذه الحرب أدت الى تغيير جغرافي كبير في مساحة ارض اسرائيل التي تخضع لسيطرة اسرائيل (خطوط 1967). اسرائيل قامت باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنذ ذلك الحين هي تسيطر، مباشرة أو غير مباشرة، على الشعب الفلسطيني الذي يعيش في هذه المناطق.

رغم أن رئيس الحكومة في حينه، ليفي اشكول، كان يعتقد بأنه يجب الاحتفاظ بالمناطق المحتلة كوديعة الى حين التوصل الى اتفاق دائم، إلا أنه عمليا حكومات المعراخ عملت حسب خطة ألون التي تضمنت الاستيطان في المناطق. هكذا، بعد الحرب بدأ الاستيطان في المناطق المحتلة، في الضفة وفي القطاع. غوش ايمونيم التي تشكلت في 1974 كانت الناطق بلسان حركة الاستيطان المسيحاني، وحصلت على الدعم الكبير من القيادة الاسرائيلية الجديدة برئاسة مناحيم بيغن (الليكود) بعد انتخابات 1977.

رغم أن اسرائيل اعترفت بقرار مجلس الامن 242 الذي صدر في تشرين الثاني 1967، “الارض مقابل السلام”، هي عمليا رفضته لصالح الاستيطان في كل ارض اسرائيل الانتدابية وحتى خارجها، في شبه جزيرة سيناء وفي هضبة الجولان. في اسرائيل اخذ يتبلور منذ ذلك الحين طموح مسيحاني غير اخلاقي وغير واقعي، الذي بحسبه يجب “انقاذ” كل ارض اسرائيل رغم أنه في اجزاء كبيرة منها يعيش شعب آخر منذ مئات السنين، ورغم أن هذا الامر يخالف القانون الدولي. عن تحقيق العدالة بين الشعبين اللذين علاقتهما بالوطن المشترك قوية، لا يتحدثون. ولا يتحدثون ايضا عن الخطر الامني الذي ينطوي عليه هذا الطموح المسيحاني.

الانتفاضة الاولى التي اندلعت في القطاع في كانون الاول 1987 اوضحت بشكل جيد أن السيطرة على شعب آخر ستكون مقرونة بأعمال غير اخلاقية وستجبي منا ثمنا لا يمكن تحمله. في اعقاب ذلك تبلور في اوساط القيادة المسؤولة في اسرائيل الادراك بأنه يجب انهاء النزاع بين الشعبين من خلال تقسيم البلاد بينهما، بدءاً باسحق رابين (“موضوع الانفصال يعتبر أمر رئيسي”)، ومرورا باهود باراك (“الانفصال يعتبر حاجة وطنية عليا، بالنسبة للديمغرافيا والهوية والديمقراطية الاسرائيلية”)، واريئيل شارون (“آمنت وأملت أن نستطيع الاحتفاظ الى الأبد بالمناطق، ولكن الواقع المتغير في البلاد وفي المنطقة وفي ارجاء العالم، كل ذلك اجبرني على اعادة النظر وتغيير المواقف”)، وانتهاء باهود اولمرت (“إما دولتين وإلا فان اسرائيل ستنتهي”).

هكذا توصلنا الى اتفاقات اوسلو في 1993، والمفاوضات في انابوليس في 2008، والأمل في انهاء النزاع وتحقيق العدالة للشعبين، مع أخذ الواقع الذي نشأ بعد حرب الاستقلال في الحسبان، واجراء تعديلات صغيرة حسب خطوط 1967. في نفس الوقت معظم الجمهور الاسرائيلي وافق على هذا الموقف وأيده.

لكن قوى متطرفة في الشعبين أدت الى افشال اتفاقات اوسلو. بعد قتل رابين، الذي كان مؤيدا لهذه الاتفاقات وانهاء النزاع بين الشعبين مقابل اعادة اراض واعطاء حق تقرير المصير للفلسطينيين في المناطق. وبسبب أن المفاوضات في كامب ديفيد في تموز 2000 حول الاتفاق الدائم فشلت، واندلاع الانتفاضة الثانية، بدأ الجمهور اليهودي في اسرائيل يبتعد عن فكرة تقسيم البلاد الى دولتين. هذا الابتعاد الذي تعمق في فترة حكم بنيامين نتنياهو أدى الى اليأس في اوساط الفلسطينيين وازدياد العمليات الارهابية ضد الاسرائيليين، التي وصلت الى الذروة في مذبحة 7 تشرين الاول.

الآن ايضا، بعد مرور ثمانية اشهر على مذبحة تشرين الاول، توجد مواقف مسيحانية قومية متطرفة في اوساط الاسرائيليين، تدعو الى استيطان كل الاراضي بين البحر والنهر، وضم المناطق والسيطرة على الشعب الفلسطيني الذي يعيش فيها. القيادة السياسية الحالية يوجد لها دور حاسم للدفع قدما بهذه المواقف، التي تسعى الى اقامة دولة يهودية بين البحر والنهر، التي ستحقق حسب رأيهم تفوق الشعب اليهودي على الشعب الفلسطيني الذي يعيش بجانبه. فكرة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير المستقل واستقلاله السيادي تم طمسها وتقريبا محيت من الخطاب في اوساط الجمهور الاسرائيلي. على أي حال هي فكرة غير قائمة في اوساط القيادة الاسرائيلية الحالية. هذه المقاربة تجسد غياب القيم الاخلاقية والعدالة في العلاقة بين الشعبين، وتستخف بالمقاومة التي تثيرها في الشعب الفلسطيني وفي العالم وتتجاهل الاخطار الامنية الحقيقية المقرونة بها، والتي تهدد مجرد وجود اسرائيل كدولة يهودية مع اغلبية يهودية صلبة.

هذا الوضع يقتضي، الآن أكثر مما كان في السابق، بلورة حركة شعبية يهودية في البلاد وفي العالم تعترف بالصلة العميقة للشعب الفلسطيني مع المناطق بين البحر والنهر، والاعتراف بحقوقه الطبيعية والشرعية في تقرير المصير والاستقلال واقامة دولة ذات سيادة قابلة للحياة في هذه المناطق الى جانب دولة اسرائيل. فقط هكذا سيكون بالامكان تصحيح الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني نتيجة استثناء فلسطين/ ارض اسرائيل في مبدأ تقرير المصير من العام 1922، والاثمان التي دفعها في اعقاب حرب الاستقلال في 1948 (النكبة)، والاحتلال في حرب الايام الستة. فقط هذا التصحيح يمكن أن ينهي النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، وهكذا فقط يمكن ضمان وبحق أمن دولة اسرائيل وأمن سكانها.

نحن ندرك المشاعر القوية لدينا فيما يتعلق بالعلاقة التاريخية مع ارض اسرائيل كوطن الآباء، وندرك الصعوبة العاطفية العميقة للكثيرين في التنازل عن اجزاء من الوطن التاريخي، لكن يجب الفهم والادراك بأنه ايضا للفلسطينيين توجد صلة تاريخية بهذه البلاد. في الحقيقة هذه العلاقة بدأت قبل مئات السنين، وليس قبل آلاف السنين، مثل علاقة الشعب اليهودي. ولكنها ليست اقل عمقا من علاقة الشعب اليهودي بهذه البلاد.

الصلة التاريخية تقوم على الاستيطان والتحضر وحياة الناس وأجدادهم في ارض اسرائيل. لذلك فانه بدون التنكر لمشاعر ابناء الشعبين والصعوبة في التنازل عن اجزاء من الوطن، لا يوجد خيار آخر عدا تقسيمها الى دولتين، مع ضمان الترتيبات اللازمة للحفاظ على أمن اسرائيل.

لا يوجد سلام وأمن لاسرائيل بدون تحقيق العدالة للعشب الفلسطيني. ولا توجد عدالة للشعب الفلسطيني بدون سلام وأمن لاسرائيل. هذه الامور مندمجة ولا يمكن فصلها. هذه هي الطريقة الصحيحة لحل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، وهذه هي الطريقة الصحيحة لضمان وجود وسلامة وأمن ابناء الشعبين اللذين يسعيان مثل كل بني البشر الى حياة سلام وطمأنينة واخوة في دولتيهما المستقلتين والحرتين في الوطن المشترك بين البحر والنهر.

——————————————–

هآرتس 21/6/2024

لماذا ينكر نتنياهو جميل “الصهيوني الأكبر” ويتهمه بتأخير إرساليات السلاح؟

بقلم: أسرة التحرير

الشريط الوقح الذي نشره رئيس الوزراء بالإنكليزية هذا الأسبوع وهاجم فيه إدارة بايدن بفظاظة على تأخير إرساليات سلاح وذخيرة في الوقت الذي تقاتل فيه إسرائيل “في سبيل وجودها”، هو دليل آخر على أن احتمال ضرر نتنياهو لم يستنفد في 7 أكتوبر.

لقد باتت طبيعة رئيس الوزراء الكاذبة معروفة جيداً للإسرائيليين، وتسحر الكثيرين من مؤيديه وفقاً للمنطق المريض الذي بموجبه نتنياهو وإن كان محتالاً، لكنه محتالنا ويكذب من أجلنا. المشكلة أنه لا يوجد من يشتري البضاعة الشخصية المضروبة هذه من خارج إسرائيل. عندما يكذب نتنياهو بالأمريكيين يغضبون. “لا فكرة لنا بما يتحدث”، قالت الناطقة بلسان البيت الأبيض، كارين جان بيير. فقد صادقت الإدارة الأمريكية في الأشهر الأخيرة على سلسلة إرساليات سلاح لإسرائيل، بل وتعرضت جراء ذلك للنقد من جانب الجناح اليساري. وباستثناء تأخير إرسالية واحدة لقذائف بوزن ثقيل – بهدف منع استخدامها في رفح – لم تتأخر أي إرسالية سلاح أخرى لإسرائيل.

هذه ليست كذبة فحسب، بل أيضاً نكران للجميل من الدرجة الأولى. إسرائيل، ونتنياهو على رأسها، كان ينبغي لها أن تكون ممتنة بالشكر للولايات المتحدة، وبخاصة لبايدن، على التجند المطلق لنجدتها. بايدن صهيوني أكثر من قسم من أعضاء حكومة إسرائيل. فأين كان مصير إسرائيل بدون السلاح والذخيرة والقبة الحديدية الحقيقية والدبلوماسية في الأمم المتحدة وأمام المحاكم الدولية؟ كل ما فعله بايدن هو محاولة حماية إسرائيل ليس من أعدائها فحسب، بل حتى من نفسها: من اليمين المتطرف المسيحاني؛ من أضرار بعيدة المدى لدائرة الثأر، من القيادة التي ترفض البحث في الأهداف السياسية للحرب وتحكم على شعبها بحرب خالدة مع أهداف مبسطة كالنصر المطلق.

لكن كالعقرب في مثال العقرب والضفدع، نتنياهو يلذع بايدن. بحق عظيم تناول الناطق بلسان مجلس الأمن القومي من البيت الأبيض جون كيربي الشريط الذي نشره نتنياهو، وقال إن “كان هذا محرجاً، فنحن خائبو الأمل”. واتهمه موظفون كبار آخرون في الإدارة بـ “نكران الجميل”. في هذه الأثناء، رد البيت الأبيض بإلغاء لقاء حوار استراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة في موضوع إيران.

ينثر نتنياهو التهديدات ضد لبنان وإيران، ولكن بالتوازي يمس بالحلف الاستراتيجي الأهم. ويعرض إسرائيل لخطر قد يجرها إلى الضياع. يجب استبداله بشكل عاجل.

——————————————–

لن يطلق اسمه بعد ذهابه لا على مدينة ولا على شارع …

ليبرمان: بدء العد التنـزلي لحكومة نتنياهو

لبيد : سنخوض المعركة الانتخابية خلال العام 2024

تل أبيب. عقب أبيغدور ليبرمان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أمس الأول على قانون الحاخامات الذي يخول آرية درعي رئيس حزب “شاس” بتعيين حاخامات المدن، والذي شطب من جدول أعمال الكنيست في إعقاب معارضة رؤساء بلديات من حزب “الليكود” له وإدراك نتنياهو أنه لن يمر في لجنة القانون ولا في الكنيست، أن هذا يشير إلى نهاية الحكومة الحالية.

وقال في المؤتمر السنوي لمركز روبنشتاين للمعضلات القانونية والذي عقد في جامعة ريخمان: “أولاً توجد أخبار جيدة: لقد بدأ العد التنازلي للحكومة الحالية وأنا على يقين بأن الجميع أدركوا ذلك، هذه هي المرة الأولى التي يرفع فيها أعضاء من الليكود راية المعارضة والتمرد، لقد صمدوا ولم يتراجعوا وأدرك نتنياهو فى نهاية المطاف أنه لا تتوفر له الأغلبية لتمرير هذا القانون. الأمر الجدير بالتأكيد أن الذين لعبوا دوراً جوهرياً بهذا الخصوص هم رؤساء البلديات، القطاع الأكثر استقلالية في الليكود، الذين أنهوا حملاتهم الانتخابية والذين سيتم إعادة انتخابهم بعد خمسة أعوام ويدركون أن نتنياهو لن يكون موجوداً على سدة الحكم بعد خمسة أعوام “.

وقال ردا على سؤال حول المدة التي يتوقعها لبقاء الحكومة : ” لا تتوفر في هذه المرحلة أي احتمالات للجسر بين الحريديم والكنيست في قضية التهرب من الخدمة العسكرية (قانون تجنيد الحريديم ، وأنا على قناعة بأن هذه القضية تشكل بداية العد التنازلي لوجود الحكومة لكنني لا اتعهد بتاريخ معين في ظل الظروف القائمة والمعضلات الأمنية، الاقتصادية والضغوط الداخلية ليس فقط في الليكود بل وفي الائتلاف الحكومي، وعلى سبيل المثال الجدال العاصف بين عوتسما يهوديت وبين شاس والليكود. لقد شاهدت غير قليل من أحداث مشابهة خلال تواجدي الطويل في الكنيست، ولمست أن هذه الحالات تشكل بداية النهاية، ونأمل أن يحدث هذا في أقرب وقت ممكن “.

وقال يئير لبيد رئيس المعارضة ورئيس حزب “يش عتيد” في خطاب ألقاه أمام الكنيست أمس الأول : ” ألقى رئيس الحكومة أمس خطاباً أمام الكنيست قال فيه أن المتظاهرين في الخارج قلة متطرفة مريضة وللأسف عنيفة أحياناً، تنظم وتمول بأموال خيالية. هل تتحدث عن أموال بكميات خيالية؟ من الذي يمول القناة 14؟ ومن الذي يمول أجور ينون ميغل وشمعون ريكلين؟ ومن الذي يمول إبنك في ميامي؟ والملجأ النووي في بيت الملياردير الذي إختبأت فيه مثل باقي الإسرائيليين لدى سقوط صواريخ؟ آلة بث السموم التابعة لك؟ لا تتحدث عن التمويل “.

وقال لبيد في مقابلة أجرتها معه صحيفة “معاريف”:” لا أؤيد انشغال الهيئة السياسية بإصدار عفو عن نتنياهو، لقد خضنا نضالا من إجل استقلاية الهيئة القضائية وليس من الصحيح إنشعال الهيئة السياسية بهذه القضية، لا أرغب ولن أفرح لدى مشاهدة نتنياهو وراء القضبان، المهم أن يذهب. لا توجد لهذا الشخص خطوط حمراء من الصعب تقدير حجم الأضرار التي ألحقها بالدولة، سنقضي سنوات طويلة من أجل إصلاحها “. ووفقا لتقديرات لبيد تتضاءل أيام الحكومة وقال : ” أعتقد أننا سنخوض المعركة الانتخابية خلال العام 2024 ، لن يطلق إسمه بعد ذهابه لا على مدينة ولا حتى على شارع إذ سيعرف عنه فشله في السابع من أكتوبر، الفشل الأكبر منذ حرب الاستقلال … أنا أتحدث مع زعماء العالم، لا أحد يثق به ولا يريد أحد التعاون معه، لقد فقدت الهيئتان الأمنية والاقتصادية الثقة به، لكنه لا يكترث ويستمر بدربه “.

——————————————–

الائتلاف الحكومي في مهب عاصفة قانون الحاخامات

تل أبيب . قال مسؤولون كبار في المعارضة لصحيفة “معاريف” أمس الأول: ” تتابع المعارضة عن كثب تطورات ما بعد عاصفة قانون الحاخامات، وتستخلص الآن العبر”.

وأضافوا :” هذه بداية نهاية الائتلاف الحكومي، هذه هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها أشخاص في الليكود على التمرد العلني والفعلي، وليس في جلسات مغلقة فقط … تمكن نتنياهو حتى الآن من السيطرة على الأوضاع وضبط منتهكي الانضباط في كتلته البرلمانية، لكن هذه المرة أبدى أعضاء الليكود استعدادا للسير حتى النهاية، في معارضتهم قانون الحاخامات الذي عرضه آريه درعي .

شطب قانون الحاخامات يوم الثلاثاء الماضي عن جدول الكنيست وذلك في أعقاب إدراك نتنياهو أنه لن يمر لا في لجنة القانون، القضاء والدستور بل وأيضـاً لـن يـمـر في الكنيست.

وقالت مصادر مطلعة أن رؤساء المجالس المحلية لعبوا دوراً كبيراً بشطب قانون الحاخامات من جدول عمل الكنيست، إذ أجريت أحاديث ليلة الثلاثاء الماضي مع رؤساء البلديات، وقال مصدر كبير في الحلبة السياسية لصحيفة “معاريف”: “يقولون في الأحاديث المغلقة أنهم على قناعة بأن نتنياهو لن يكون على سد الحكم بعد خمسة أعوام، ولن يكون رئيس الليكود، وهم تم انتخابهم وسيظلون خمسة أعوام رؤساء

بلديات، كما إنهم بكامل قوتهم ويعملون بصورة حرة “.

وقال مصدر كبير في المعارضة أن رؤساء البلديات من “الليكود”: “غاضبون ويقولون أن نتنياهو لا يكترث إلا بنفسه، في الوقت الذي يعملون فيه على خدمة الليكود حتى ما بعد نتنياهو وليسوا على استعداد للانحناء أمام شاس وخدمة مصالح درعي … الأمر الأخير الذي يفكرون به هو السماح لدرعي بتعيين حاخامات للمدن التي يرأسوها “.

وقالت مصادر في “الليكود” أن رؤساء البلديان من هذا الحزب قالوا بصورة واضحة : جميع أعضاء الكنيست من الحزب الذين سيصوتون لجانب قانون الحاخامات لن ينجحوا في الانتخابات القادمة. ويسود اعتقاد في أوساط السياسيين الحريديم بأن أعضاء الليكود الذين تجرأوا على معارضة قانون الحاخامات سيتجرأون أيضاً على معارضة قانون التجنيد، إذاعرض بنفس الصيغة التي يريدها الحريديون.

يعتقد درعى أنه لن يخدم مصالحه العمل على حل الحكومة، ويفضل قيام “يهدوت هتوراة” بذلك. وقالت مصادر في المعارضة أن الحريديم أيقنوا أن نتنياهو لن يوفر لهم ما يريدون في قضية قانون التجنيد، وأضافت :” يدركون أن نتنياهو لا يسيطر على الليكود ولم يعودوا يكترثون به “.

ووفقا للتقديرات يتجه الحريديم إلى تقديم موعد الانتخابات، الأمر الذي قد يتحقق حتى نهاية الدورة الصيفية في نهاية الشهر الجاري. وتقول مصادر كبيرة في الهيئة السياسية أنه تجري ومنذ الآن اتصالات بين الحريديم والمعارضة ويتوقعون تكثيف هذه الاتصالات في الفترة القادمة، ويجري الحديث الآن عن فصل الخريف.

ويشار إلى أن الوزير نير بركات أبلغ نتنياهو أنه لن يصوت لجانب قانون التجنيد بصيغته الحالية. وقال نتنياهو في سياق تناوله التمرد في الائتلاف الحكومي:” توحدوا وترفعوا عن الصغائر، هذا ليس الوقت المناسب لتشريعات تهدد الائتلاف، الذي يحارب من أجل الانتصار على أعدائنا”.

——————————————–

تخوف من تصعيد في الضفة الغربية

خطة سموتريتش تدفع إلى انهيار السلطة

تل أبيب. ذكرت صحيفة “معاريف” أنهم فى الهيئة الأمنية الإسرائيلية يتخوفون من أن يؤدي مخطط بتسلئيل سموتريتش وزير المالية والوزير في وزارة الأمن ومسير أعمال الإدارة المدنية الخاصة بالعمل على انهيار السلطة الفلسطينية، إلى تدهور يصل إلى مستوى اشعال الضفة الغربية.

قد يوقف الجيش اجتياحة البري لقطاع غزة في هذا الحال إذ سيجبر على نقل قوات للضفة الغربية، ويتخوفون في الجيش من وجود صعوبات بشن حرب على جبهتين. الضفة الغربية والمنطقة الشمالية. يقولون فى الهيئة الأمنية أن السلطة الفلسطينية تنشط على الساحة الدولية ضد إسرائيل وتلحق بها أضراراً كبيرة. لكن وكما قال مصدر عسكري: “من الناحية الداخلية لا تشجع السلطة الإرهاب بل تعمل على منعه كما يوجد تنسيق أمني بكل ما له علاقة بمحاربة الإرهاب وإفشال عمليات”.

أعد سموتويتش مخططاً حكومياً لمعاقبة السلطة الفلسطينية تضمن وقف تزويدها بأموال المقاصة. أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية. إلغاء تراخيص التجارة البنكية بين البنوك الإسرائيلية والبنوك الفلسطينية، وخطوات اقتصادية أخرى، تؤدي إلى عدم قدرة السلطة على سد ديونها. ومن المفروض اتخاذ الحكومة قرارات بذلك. يعارضون في الجيش “الشاباك” و”الموساد” خطوات سموتريتش وعرضوا على رئيس الحكومة ووزير الأمن ثلاثة تصورات في حال اتخاذ هذه الخطوات:

  1. في أفضل الأحوال سيتوقف التنسيق الأمني بين الطرفين.
  2. التصور الثاني يكمن بالتخوف من اندلاع مظاهرات ووقوع أحداث أمنية في الضفة الغربية.
  3. التصور الثالث والأكثر خطورة، عمل أنصار حماس على إشعال المنطقة من خلال تنفيذ عشرات العمليات مظاهرات عنيفة إضرابات تجارية وإخراج الجماهير إلى الشوارع.

وفي إطار جميع هذه التصورات سيجبر الجيش وخصوصاً قيادة المنطقة الوسطى على تعزيز القوات في الضفة الغربية وفي خط التماس. ووفقا للتقديرات العسكرية سيجبر الجيش في التصورين الأخطر على وقف الاجتياح البري للقطاع من أجل نقل قوات للضفة الغربية.

قالوا في الجيش والهيئة الأمنية في أحاديث مع المستوى السياسي:” نجح الجيش والشاباك خلال الأشهر الثمانية الأخيرة بمنع مشاركة الضفة بمحاربة إسرائيل بقوة، لكن خطوات سموتوريش قد تؤدي إلى تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، ومن المشكوك به أن تكون إسرائيل قادرة على مواجهة سبع جبهات قتال بقوة عالية “.

——————————————–

هآرتس: المتطرفون الإسرائيليون يحلمون باستيطان جنوب لبنان

 

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالين تناولا بالتحليل ما دار في مؤتمر نظمته حركة يمينية متطرفة عبر الإنترنت أول أمس الاثنين، يدعو إلى إقامة مستوطنات بمنطقة جنوب لبنان.

في المقال الأول، أعادت مايا ليكر نائبة رئيس تحرير الصحيفة إلى الذاكرة تلك المظاهرة التي نظمها نشطاء من اليمين المتطرف، في أبريل/نيسان الماضي، ودعوا فيها إسرائيل إلى احتلال جنوب لبنان والسماح لليهود بالاستيطان هناك.

وقد شارك في تلك المظاهرة حوالي 20 شخصا. وعندما سئل أحدهم عن سبب عدم اكتساب فكرة إقامة مستوطنات في لبنان الكثير من الزخم حتى الآن، قال “ربما لم تخطر الفكرة على بال أحد”.

دروس للاستيطان

وبعد مرور شهرين، وتحديدا أول أمس، حضر بضع مئات من الأشخاص مؤتمرا حول هذا الموضوع عبر الإنترنت – من تنظيم حركة “أوري تسافون” (أيقظوا الشمال)- والذي تضمن ندوة بعنوان “نماذج ناجحة للاستيطان من الماضي ودروس لجنوب لبنان”.

ونقلت ليكر وزميلها كاتب العمود بالصحيفة نفسها أنشيل فيفر، في مقاليهما، مقتطفات من تصريحات المتحدثين بالمؤتمر، من بينهم حاجي بن أرتزي شقيق سارة زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث قال “نحن لسنا متطرفين، ولا نريد مترا وراء نهر الفرات”.

وتقول ليكر إن معظم الإسرائيليين يكتمون الضحكة عندما تُعرض عليهم فكرة الانتقال إلى المناطق التي تحتلها إسرائيل جنوب لبنان، كما أنهم “يشعرون بالذعر” من الجدية التي يناقش بها بعض الوزراء وضباط الجيش والحاخامات “إعادة توطين اليهود” في قطاع غزة.

استيطان غزة

وبينما لا يزال معظم الإسرائيليين ينظرون إلى عنف المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية على أنه “نزعة هامشية” تحدث في مكان بعيد، فإن تجمعا برلمانيا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) يدعو اليهود إلى الاستيطان في قطاع غزة، وفق نائبة رئيس تحرير هآرتس في مقالها.

واقتبست الكاتبة أيضا تصريحا من عضو الكنيست السابق موشيه فيغلين شدد فيه على ضرورة أن يعود الإسرائيليون “ليس فقط إلى غزة، بل أيضا إلى الجليل الشمالي، على الأقل حتى نهر الليطاني” في لبنان.

وممن شاركوا في الجلسة الأولى، لهذا التجمع البرلماني أمس، وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي وعد بأن الحكومة “ملتزمة بالعودة إلى غزة” مشددا على ضرورة أن تترافق إعادة الاستيطان مع “تشجيع هجرة” الفلسطينيين من المنطقة.

أفكار قديمة

وبحسب ليكر، فإن قادة اليمين المتطرف في إسرائيل “الذين يحتكرون قدرا كبيرا من السلطة السياسية في الوقت الراهن” بدوا واضحين جدا بشأن نواياهم وخططهم الداعمة لتوسيع حدود إسرائيل إلى مناطق جديدة، رغم أنهم لا يستطيعون حتى حماية المدنيين في منازلهم، على حد تعبير الكاتبة التي خلصت إلى أن كل من لا يستطيع فهم ما يحدث فلا بد أنه “مُضلَّل”.

أما أنشيل فيفر كاتب العمود في صحيفة هآرتس، فيرى أنه -قبل تجاهل أفكار “المتدينين المسيحانيين” الذين ينتظرون قدوم “المسيح” والتي طرحوها في مؤتمرهم الصغير عبر الإنترنت يوم الاثنين وعينهم على استعادة “أرض الله الموعودة”- على الناس أن يتذكروا أن خططهم للاستيطان في الضفة الغربية بدت غريبة بنفس القدر قبل 50 عاما.

ففي ذلك الوقت، أي قبل نصف قرن من الزمان، أنشأت حركة “غوش إيمونيم” الدينية القومية أول مستوطنة في سبسطية، وهي بلدة فلسطينية تقع في محافظة نابلس بالضفة المحتلة.

وتحدثت في المؤتمر عرابة الاستيطان دانييلا فايس، إحدى أشد المستوطنين تطرفا، والتي تتزعم حاليا إحدى المجموعات التي تحاول إعادة بناء المستوطنات في غزة وهي منفتحة على الاقتراحات المتعلقة بلبنان أيضا.

تغيير مسار التاريخ

ومع ذلك، فإن كاتب العمود في مقاله يعتقد أن ثمة شعورا بأن هذا المؤتمر لم يكن حقا حدثا يستحق التغطية، ربما لقلة عدد من نظموه وشاركوا فيه، ذلك أنهم “قبل كل شيء مجموعة من المتدينين المسيحانيين” الذين يناقشون موضوعا يبدو منفصلا عن الواقع حتى أنه لم يشاهده، في ذروة انعقاده، على قناته في منصة يوتيوب سوى 280 شخصا.

ويعتقد الكاتب أن المشاركين الذين تحدثوا في مناقشة “نماذج ناجحة للاستيطان من الماضي ودروس لجنوب لبنان” لم يكن لديهم أي خبرة أو نظرة ثاقبة في تاريخ لبنان أو طبوغرافية هذا البلد، لكن كانت لديهم حجة أن بإمكان مجموعة صغيرة تغيير مسار التاريخ الإسرائيلي “بعزم وإصرار”.

ويقول أيضا إن هؤلاء المتطرفين “إسرائيليون يعيشون بيننا ويتطلعون إلى الشمال ويحلمون بوطن في لبنان”.

طوفان الأقصى

ومن بين من تحدثوا في المؤتمر الباحث في نصوص التوراة البروفيسور يوئيل إليتسور الذي يؤمن بأن هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان “معجزة جلية” و”رسالة إلهية” وحث المستمعين على فهم ما يطلبه الرب منهم.

واقتبس المتحدث نصوصا كثيرة من العهد القديم أو “التناخ” (الكتاب المقدس لدى اليهود) وأسماء أماكن لإثبات أن لبنان جزء من أرض الميعاد التي وردت في سفر التكوين، سواء في إطار “الوعد المحدود” -الذي يصل إلى خليج الإسكندرون في تركيا، ويشمل كل لبنان وغرب سوريا– أو “الوعد الموسع” الذي يشمل الأرض الواقعة جنوب الفرات، وكل سوريا وغرب العراق.

ووفقا لكاتب العمود، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها اليمين المتصهين عن بناء المستوطنات جنوب لبنان، فقد سبقته في ذلك حركة “غوش إيمونيم” التي كانت تدعو إلى العودة إلى “وطن قبيلة أشير” عام 1982 عندما اندلعت حرب لبنان الأولى.

وأشير هو ثامن أبناء النبي يعقوب عليه السلام، وأحد الأسباط العشرة المفقودة، وفقا لليهود.

واختتم الكاتب مقاله في صحيفة هآرتس بأن المتطرفين المتدينين والقوميين أثبتوا بالفعل أن أوهام اليوم هي سياسة إسرائيل في الغد، وستصبح في اليوم التالي هي الواقع.

———————————————

CSIS“: آثار المجاعة في غزّة ستستمر لأجيال عديدة

21/6/2024

ما هو الوضع الحالي للأمن الغذائي في غزة؟ وما هي العواقب الصحية المباشرة واللاحقة للمجاعة على أجيال القطاع؟

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS” الأميركي ينشر تقريراً لـ “زاين سوانسون” الباحث في برنامج الأمن الغذائي والمائي العالمي في المركز نفسه، يشرح فيه الوضع الحالي للأمن الغذائي في غزّة، وعواقب المجاعة على أجيال القطاع.

 

لا يزال زعماء العالم وصنّاع القرار مترددين بشأن مسألة المجاعة في غزة. وقد وصف البعض أزمة الجوع في غزة بأنّها مجاعة – ولا سيما رؤساء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) – في حين يواصل آخرون التحوّط، ويقولون إنّه لا يوجد أي شكل رسمي من أشكال المجاعة.

وسواء تم إعلان المجاعة رسمياً في غزة أم لا، فإنّ أزمات الجوع وسوء التغذية الحالية ستؤثر في سكان غزة لأجيال.

ما الوضع الحالي للأمن الغذائي في غزة؟

تستمر ظروف الجوع والسلامة الصحية في التدهور في قطاع غزّة. ذكرت شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET)، ومقرّها الولايات المتحدة، في تقريرها الأخير، الذي نُشر في 31 أيار/مايو 2024، أنّه من المحتمل أن تكون المجاعة قد بدأت في شمال غزة في نيسان/أبريل من هذا العام. وتوقعت أن تستمر المجاعة حتى شهر تموز/يوليو على الأقل في حال لم تحدث تغييرات كبيرة في تقديم المساعدات الغذائية.

لا يرقى هذا التحليل إلى مستوى إعلان رسمي للمجاعة، على الرغم من أنّ العديد من كبار صنّاع القرار قد ذكروا أنّ المجاعة موجودة في غزة، بما في ذلك مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور، ومديرة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة سيندي ماكين، والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان. وقد توصل التقرير الأخير إلى التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) عن غزة إلى نتيجة مماثلة، ومن المتوقع صدور تقرير جديد عن التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في وقت قريب.

فبعد تسعة أشهر على 7 تشرين الأول/أكتوبر وإعلان “الحصار الكامل” على غزة، تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة 37 ألف شخص. إنّ التقليص المتعمّد للطعام والمياه والطاقة والمساعدات الإنسانية التي تدخل غزة يترك أكثر من 1.1 مليون شخص يواجهون ظروفاً معيشية كارثية. ومع التوغل الأخير في رفح، هناك نحو مليون نازح فلسطيني إلى المدينة، عليه أن يعاود البحث عن الأمان في أماكن أخرى؛ خوفاً على سلامته والانقطاع الشديد للمساعدات الإنسانية.

وفي السابق، كان معبر رفح وكرم أبو سالم في جنوب غزة بمنزلة نقاط الوصول الرئيسية لتدفق الإمدادات التجارية والإنسانية إلى المنطقة. ومع ذلك، منذ بدء العمليات العسكرية في رفح في مطلع أيار/مايو، انخفضت المساعدات التي تدخل عبر هذين المعبرين إلى أدنى المستويات التي شهدتها طوال الحرب، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ المساعدات التي تدخل قطاع غزة بأكمله قد انخفضت بنسبة الثلثين. كما اضطرت مرافق الإغاثة العاملة في رفح إلى إغلاق عملياتها. فقد علّقت الأمم المتحدة، على سبيل المثال، توزيع المواد الغذائية بسبب نقص الإمدادات وتزايد المخاوف الأمنية.

وقد أدرك المجتمع الدولي بشكل متزايد مدى خطورة الأزمة الغذائية في غزة. في أيار/مايو، طلبت المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة المسؤولية الجنائية عن جرائم حرب شملت “تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”. وفي حين زعم المسؤولون الإسرائيليون أنّ خطط زيادة المساعدات لغزة تظل أولوية، فإنّ أكثر من 12 وكالة إغاثة تؤكد أنّ الاستجابة الإنسانية “على وشك الانهيار”. وينضم الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في أيار/مايو إلى عدد متزايد من الأصوات التي تطالب “إسرائيل” بوقف هجومها العسكري في رفح، وحتى الآن، لم تتم الاستجابة لهذه الدعوات.

في حين أنّ لجنة مراجعة المجاعة – وهي فريق من خبراء الأمن الغذائي والتغذية المستقلين الذين تم تجميعهم لمراجعة تصنيفات المجاعة – لم تتوصل بعد إلى نتيجة نهائية بشأن المجاعة في غزة، فمن المهم الأخذ في الاعتبار أنّ الجوع لفترات طويلة، قد يسبب الوفاة، والوصول إلى حالة المجاعة الحادة. ويوجد بالفعل قدر كبير من الأدلة على الآثار الحادة لسوء التغذية على أطفال غزة. وبالإضافة إلى ضحايا العنف ومئات الآلاف من الأطفال الذين شردوا داخلياً، ففي شمال غزة ربما يموت ما يصل إلى 4 من كل 10 آلاف طفل بسبب الجوع يومياً.

ما العواقب الصحية المباشرة لانعدام الأمن الغذائي والمجاعة؟

بالنسبة إلى الأطفال، يمكن أن يؤدي سوء التغذية الحاد الوخيم، الذي يُعرف بالهزال الشديد المرتبط بعدم كفاية الطاقة أو تناول المغذيات، إلى عدد لا يحصى من النتائج الصحية السلبية الخطيرة، بما في ذلك:

– تقييد النمو (التقزم)

– الخلل الأيضي

– الاختلالات الهرمونية

– تثبيط كفاءة الجهاز المناعي

– تلف نظام الأعضاء (على سبيل المثال، ضعف نمو الدماغ ووظيفة القلب)

سريرياً، يتم تقييم سوء التغذية الحاد بناءً على السمات التشخيصية التي تشمل الهزال، والذي يحدث عندما يكون وزن الطفل أقل بكثير من وزنه بالنسبة إلى طوله. على الصعيد العالمي، تظهر علامات الهزال على أكثر من 45 مليون طفل، ويؤثر سوء التغذية الحاد الشديد في نحو 19 مليون طفل دون سن الخامسة. واليوم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يتسبب سوء التغذية الحاد الشديد في ما يقدر بنحو 400 ألف حالة وفاة بين الأطفال دون سن الخامسة سنوياً، وتأتي العديد من هذه الوفيات نتيجة مضاعفات إضافية تتعلق بالأمراض والالتهابات المزمنة المرتبطة بالمجاعة.

ولكن بالنسبة إلى أطفال غزة الذين يعانون من سوء التغذية والذين نجوا من الحرب، فإنّ عواقب الصراع لن تنتهي عندما يتوقف القتال، بل ستستمر العواقب لأجيال.

فعلى الرغم من إمكانية علاج سوء التغذية الحاد من خلال التدخل الغذائي، فإنه يمكن أن يؤدي إلى حالات لا رجعة فيها. فيمكن أن يؤدي التعرض لسوء التغذية في مرحلة الطفولة إلى الإصابة بالأمراض غير المعدية وانخفاض وظائف المناعة طوال الحياة اللاحقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التأخر في النمو المرتبط بسوء التغذية إلى ضعف دائم في القدرة الإدراكية والمهارات الحركية، وزيادة خطر حدوث مشكلات سلوكية، وانخفاض كبير في التحصيل التعليمي. وبمعزل عن ذلك، فإنّ الأضرار الناجمة عن سوء التغذية تحرم الأفراد من صحتهم ورفاهتهم وإمكاناتهم الاقتصادية. وبشكل جماعي، فإنّ الأضرار التي لحقت بالسكّان الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد تشكل تحديات كبيرة للصحة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات والبلدان التي يعيشون فيها. وهذه العلاقة العكسية بين سوء التغذية والتقدم تؤدي إلى إدامة حلقة مفرغة. وتؤدي ظروف الفقر وانعدام الأمن الغذائي المجتمعية إلى زيادة معدلات سوء التغذية، ما يعوق بدوره تنمية المجتمع، ويزيد من خطر انتشار سوء التغذية على نطاق واسع.

كذلك، يمكن أن يظهر سوء التغذية خلال فترات مثل الحمل أو المراحل الأولى من الحياة، ويؤدي إلى تغيرات بيولوجية دائمة يتم ترميزها على المستوى الجيني. وتقدم المجاعة الهولندية في الفترة 1944-1945، والتي يشار إليها أحياناً باسم شتاء الجوع الهولندي، نظرة ثاقبة لتأثيرات المجاعة على الأجيال. في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، قطعت ألمانيا النازية جميع الإمدادات الغذائية عن مناطق غرب هولندا، ما أدّى إلى ظهور سريع للمجاعة التي استمرت ستة أشهر فقط، من تشرين الثاني/نوفمبر 1944 إلى أيار/مايو 1945. وقد شهدت تلك الأشهر الحرمان الشديد وأدّت إلى وفاة أكثر من 20 ألف شخص بسبب المجاعة. وفي الوقت نفسه، سمحت الرعاية الطبية التوليدية المستمرة وحفظ السجلات الدقيقة بجمع بعض أقوى البيانات حول العواقب التنموية للجوع الحاد. وفي هذا السياق، كشفت الدراسات اللاحقة أنّ التعرض قبل الولادة لبيئة شديدة الحرمان من السعرات الحرارية أدّى إلى تغيرات جينية لدى النساء الحوامل أثناء المجاعة، وارتبط بعدد من النتائج الصحية الجسدية والعقلية السلبية لأولئك الأفراد أنفسهم في وقت لاحق من الحياة. وشملت العواقب زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع 2، وزيادة انتشار سرطان الثدي بين النساء، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين الرجال.

ومثل أولئك الذين عاشوا شتاء الجوع الهولندي، فإنّ أولئك الذين تعرضوا للجوع أثناء الحرب في غزة وأماكن أخرى سوف يواجهون هذه الآثار الفيسيولوجية الدائمة الناجمة عن سوء التغذية، والتي تتفاقم بسبب العواقب العنيفة المباشرة للحرب.

ما العواقب طويلة المدى التي سيواجهها الغزّيون؟

في حين يواجه الأطفال في غزة التهديدات الحادة والمزمنة لسوء التغذية، فإنهم مجبرون أيضاً على مواجهة الخسائر الجسدية والنفسية والاجتماعية العميقة الناجمة عن العنف الشديد الذي تعرضوا له خلال الحرب. وفي نيسان/أبريل، أشارت تقديرات منظمة “اليونيسف” إلى مقتل أو إصابة طفل كل عشر دقائق في غزة. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإنّ 7797 طفلاً قتل حتى الآن، وهو ما يشكّل 32% من إجمالي عدد القتلى الذين تم إحصاؤهم. ومع ذلك، من المحتمل أن يكون هذا العدد أقل من الواقع، إذ إنّ أكثر من 10 آلاف ضحية فلسطينية لم يتم التعرف إليها حتى الآن.

وتشير تقديرات أخرى إلى أنّ ما يصل إلى 26 ألف طفل فلسطيني قتلوا أو جرحوا في الحرب. ونظراً إلى طبيعة الصراع، فإنّ العديد من الجروح التي يعاني منها الأطفال الفلسطينيون تغيّر حياتهم. إنّ المعدلات المرتفعة لعمليات بتر الأطراف لدى الأطفال، وخطر إصابات الدماغ البالغة، والتعرض البيئي الخطير، تنذر بمعاناة وإعاقة طويلة الأمد للكثيرين. ومع ذلك، فإنّ أطفال غزة ومجتمعاتهم سيواجهون المزيد من التحديات.

ويؤدي العنف، والاضطراب الاجتماعي، والنزوح القسري في مرحلة الطفولة المبكر إلى زيادة حالات القلق والاكتئاب واضطرابات التوتر، فضلاً عن خطر تدهور الصحة البدنية والعقلية على مدى العمر. وكما هي الحال مع تجربة سوء التغذية، فإنّ التعرض للحرب في وقت مبكر من الحياة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات فسيولوجية وجينية دائمة يتردد صداها عبر الأجيال القادمة.

إنّ الإجهاد السام على مدى فترات طويلة من الزمن أو من خلال فترات شديدة من المشقة، يعطل النمو الصحي، وسيؤدي هذا إلى عبء كبير للغاية على غزة بمجرد انتهاء الحرب، إذ أدّت عقود من عدم الاستقرار والمظالم الاجتماعية بالفعل إلى انعدام الأمن على نطاق واسع، وقد تفاقم الآن بسبب الحرب. وحتى قبل الحرب، كان أكثر من نصف الأطفال يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وأفاد نحو 60% منهم أنّهم تورطوا في إيذاء أنفسهم بسبب الاكتئاب والخوف والحزن. هذه الأرقام، مثل عدد الأطفال الذين أصيبوا بسوء التغذية والإصابات والوفيات، سوف تزداد سوءاً مع استمرار الصراع.

ما الذي يجب فعله لمنع الضرر الدائم للمجاعة والحرب؟

في حين أنّ الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار لا تزال تتزايد، ما من شأنه أن يسمح بزيادة الوصول بسرعة إلى المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، فمن الواضح أنّ ضرراً لا يمكن إصلاحه قد حدث بالفعل في غزة. ما يقرب من نصف سكان غزة هم تحت سن 18 عاماً. وبما أنّ الأطفال يتأثّرون بشكل غير متناسب بالصراع المسلح وسوء التغذية ويشكّلون في الوقت نفسه نسبة كبيرة من سكان غزة، فإن التأثيرات على الصحة البدنية والعقلية ستكون لها تداعيات خطيرة وواسعة النطاق. كما أن النساء الحوامل والمرضعات، مثل الأطفال، معرضات بشدة لآثار انعدام الأمن الغذائي الشديد. وفي جميع أنحاء شمال غزة، أبلغت 95% من النساء الحوامل والمرضعات عن عدم كفاية المدخول الغذائي، حيث يستهلكن مجموعتين غذائيتين أو أقل يومياً. ولذلك فمن المؤكد أنّ العواقب الصحية المزمنة التي خلقتها هذه الحرب سوف يشعر بها أولئك الذين لم يولدوا بعد لعقود من الزمن وسيتوارثونها.

إنّ الأدلة على العواقب الصحية الناجمة عن الصراعات والمجاعات تقدم تحذيراً واضحاً للمجتمع العالمي الذي لا يزال يتصارع مع أزمات غذائية واسعة النطاق. ومثل هذه الظروف لها آثار كبيرة على الأمن الجيوسياسي. ومن دون دعم كبير، من المرجح أن تؤدي الأضرار الفسيولوجية والنفسية المتأصلة الناجمة عن الجوع والعنف إلى إعاقة التنمية الاقتصادية المستقبلية في غزة. وفي مختلف أنحاء العالم، تشير الظروف الإنسانية التي خلقتها الحرب إلى تهديدات ناشئة.

يجب أن تشمل معالجة انعدام الأمن الغذائي استراتيجيات شاملة وطويلة الأجل تعالج الارتباط المدمّر والمستدام بين الصراع والجوع. ويجدر التركيز على الوقاية بشكل استباقي من الجوع في العالم بدلاً من معالجة نتائجه القاتلة بشكل تفاعلي، إذ إنّ عواقب انعدام الأمن الغذائي التي تمتد على مدى أجيال سوف تستمر. وسيشمل هذا التركيز المتجدد مراعاة التوجيهات الواضحة للهيئات الحكومية الدولية والالتزام القوي بالقرار 2417 (2018) الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يدين استخدام الغذاء كسلاح في الصراعات وحرمان المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، فضلاً عن دعم التسويات السياسية في مناطق الصراع التي تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي الشديد.

——————انتهت النشرة–