“إسرائيل” تفتك بأموال المقاصة دون حلول في الأفق.. وأزمة الرواتب تتفاقم

تقرير مرام أبو طيور: عمق الاحتلال من “ابتزازه” للسلطة الفلسطينية عبر أموال المقاصة، ووسع قاعدة الاقتطاعات المالية، الأمر الذي ترك تداعيات سلبية على السلطة الفلسطينية، جعلها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية ومنها رواتب الموظفين.

وصرفت السلطة مطلع شهر آب الجاري، قرابة 70 % من رواتب الموظفين، وهو ما دأبت عليه خلال العامين الماضيين، ما راكم مستحقات الموظفين لديها.

الموظفون يعيشون حالة طوارئ منذ شهور

تعمل “ن.خ” 31 عاما من مدينة نابلس في القطاع الحكومي منذ سنوات، وهي أم لـ 3 أطفال، باتت غير قادرة على توفير احتياجاتها ومستلزمات أبنائها جراء عدم حصولها على راتب كامل منذ شهور.

تقول الموظفة التي رفضت الكشف عن هويتها لوطن ” ان جزء من راتبها كان مخصص لتسديد رسوم الحضانة ورياض الأطفال الخاصة بأبنائها، وهي باتت عاجزة عن تسديدها الآن”.

وتقول الموظفة ” ان صرف 70٪ من الرواتب، يضع الموظف في حالة طوارئ، اذ يحرص على الإيفاء بالالتزامات الأساسية فقط، وترحيل الالتزامات الأخرى للمستقبل، وهذا يسبب فجوة في سداد الالتزامات، وتراكمها، ويمس بطبيعة وتفاصيل حياته”.

ويترك الاقتطاع من الرواتب أثره على العائلات واستقرارها ومشاريعها المستقبلية، اذ تقول الموظفة ” انها اضطرت لتأجيل مشروع شراء قطعة أرض صغيرة كانت تخطط لشرائها لبناء منزل عن طريق الشيكات، للتخلص من تكاليف الايجار، بسبب عدم قدرتها على تسديد قيمة الشيكات بسبب الاقتطاع من الراتب”، لافتة ” ان هذا الاقتطاع اجبرها على عدم التفكير بأي مشاريع أخرى”.

الاقتطاع من أموال المقاصة بات سياسة اسرائيلية

وبموجب اتفاق باريس الاقتصادي الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1995، تولت الاخيرة تحصيل أموال الضرائب الفلسطينية، نيابة عن السلطة مقابل 3 % من قيمتها، لكنها مع الوقت حولتها الى سيف لابتزاز السلطة.

واعتادت إسرائيل قبل عام 2019 اقتطاع ما قرابته 1.5 مليار شيكل سنويا، تحت مسمى ديون لهيئات وشركات ومستشفيات إسرائيلية، اضافت عليها عام 2019 مبلغ 600 مليون شيكل تمثل مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء.

ووصل إجمالي الاقتطاع السنوي من أموال المقاصة إلى قرابة 600 مليون دولار سنويا، ما جعل السلطة منذ تشرين الثاني 2021 عاجزة عن دفع رواتب كاملة لموظفيها.

أزمة الرواتب تتفاقم

وقال الخبير الاقتصادي جعفر صدقة لوطن ان حجم المقاصة وصل في أيلول الماضي، أي قبل الحرب الى قرابة مليار شيكل شهريا، بينما ما يتم تحويله حاليا ما بين 200 إلى 300 مليون شيكل فقط، وفي أحيان وصلت إلى 170 مليون شيكل بسبب الديون المتراكمة على السلطة، واقتطاع إسرائيل نحو 600 مليون شيكل تمثل مخصصات عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، وبالتالي ما يتبقى بعد كل ذلك يشكل 20 % من أموال المقاصة.

ولفت صدقة ان أموال المقاصة تشكل 60٪ من إيرادات السلطة الفلسطينية، وفقدانها يعني شلل وعجز السلطة عن الإيفاء بالتزاماتها.

وقال صدقة لوطن ” لا تزال أزمة صرف رواتب الموظفين كاملة تتفاقم بشكل غير مسبوق بعد 7 أكتوبر، ولا تلوح في الأفق مؤشرات لانفراج تلك الأزمة، الا بتوفير مساعدات خارجية على غرار ما أقره الاتحاد الأوروبي من مساعدة بقيمة 400 مليون يورو، خصص منها 150 مليون يورو لرواتب الموظفين”.

ولفت صدقة ان ازمة المقاصة أدت الى “ضعف الاستيراد من الخارج، وتراجع الاقتصاد المحلي وانخفاض الجباية المحلية” ما جعل المتاح امام السلطة للإنفاق بحدود 25٪ من ميزانيتها.

وجمدت حكومة الاحتلال بعد 7 أكتوبر تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بذريعة ان جزء منها يتم تحويله لقطاع غزة، ما دفع الولايات المتحدة وأطراف دولية للتدخل خشية تأثير ذلك على السلطة والتسبب بانهيارها.

وجرى عقب التدخلات الدولية التوصل لاتفاق مع النرويج، تستقبل بموجبه أموال المقاصة من إسرائيل، على ان تبقى لديها النسبة المخصصة لغزة، وتحول ما يتبقى الى السلطة، ليتراجع الاحتلال عن ذلك الاتفاق مؤخرا، عقب اعتراف النرويج بالدولة الفلسطينية.

وقال صدقة عن تداعيات ذلك “إن قرار عدم تحويل أموال المقاصة للنرويج غير مؤثر على السلطة الفلسطينية من الناحية العملية، وإن كان تحويل الأموال لدولة أخرى، سيضمن للسلطة استعادة المبلغ في المستقبل على المدى البعيد “.

وأشار صدقة الى احتمالية حدوث انفراجه في أزمة المقاصة العام المقبل إذا توقف العدوان على غزة، مستدركا ان تلك الانفراجه لا تعني حلا جذريا للأزمة، التي لن تنتهي إلا بتغيير طبيعة العلاقة مع الاحتلال، او إجراء تعديلات على اتفاقية باريس الاقتصادية”.

ويطالب الفلسطينيون منذ سنوات بإعادة نقاش اتفاقية باريس، التي تنظم العلاقة الاقتصادية بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، لكن “إسرائيل” ترفض ذلك.

السلطة بحاجة الى خطة شاملة لمواجهة أزمتها المالية

وقال رئيس دائرة الاقتصاد في جامعة بيرزيت د. طارق صادق لوطن إن السلطة غير قادرة على التحكم بإيراداتها المالية، بسبب احتجاز أموال المقاصة بقرار “إسرائيلي”.

وبين صادق أن أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني في أزمة المقاصة، تراكم ديون عالية على السلطة الفلسطينية من مستحقات ورواتب الموظفين الحكوميين، الذين لم يتقاضوا منذ عامين سوى نسب من رواتبهم

ورأى صادق ان على السلطة العمل على خطة تقشف لتقليل النفقات غير المهمة التي تؤدي لإرهاق الحكومة وموازنتها، وإعادة هيكلة مؤسساتها ودورها الوظيفي، وزيادة الإنتاجية وتطوير الاقتصاد الفلسطيني.