
المسار : أثارت الدعوة الرئاسية لانتخاب مجلس وطني جديد، حتى نهاية العام الجاري، ردود فعل واسعة لدى فصائل العمل الوطني، والرأي العام الفلسطيني. كما أثارت العديد من الأسئلة، تحاول أن تبرز العقبات والصعوبات المتوقعة أمام تنظيم الانتخابات، من بينها أنها دعوة منفردة لم تقم على التشاور والتفاهم مع الحالة الفلسطينية، وتأتي في سياق سياسي شديد التعقيد. ففي القطاع حرب إسرائيلية شعواء ضد الشعب الفلسطيني، لا تتوفر معها فرصة تنظيم الانتخابات، ما يطرح سؤالاً عن كيفية معالجة غياب القطاع عن صناديق الإقتراع.
وفي الضفة الغربية حرب من نوع آخر، تقوم على ضم الأرض، وتدمير المنازل ودور السكن وتهجير السكان، وإنفلات الأعمال العدائية للمستوطنين من عقالها، والإعتقالات، وتقليص مساحة ولاية السلطة الفلسطينية وصلاحياتها، وهي تقف عاجزة عن توفير رد فاعل يردع الاحتلال والمستوطنين.
كما أشارت التعليقات وردود الفعل إلى حالة الإنقسام، ليست القائمة فعلياً حتى الآن، بل والواردة في الدعوة، خاصة الاشتراطات أمام المرشح لعضوية المجلس الوطني، والتي تلقى رفضاً من صف واسع من القوى الفلسطينية الفاعلة، كحماس والجهاد، والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية، والمبادرة الوطنية والجبهة الشعبية – القيادة العامة، وصف عريض من الفعاليات المستقلة التي تتخذ من هذه الإشتراطات موقفاً واضحاً.
ولا تقف ردود الفعل عند هذه الملاحظات، بل تشير أيضاً إلى تجاهل الدعوة الرئاسية، القوى الفلسطينية الفاعلة في الميدان، والتي أقصتها عن اللجنة التحضيرية، وعن اللجنة (المحصورة باللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني) لوضع اللمسات الأخيرة على ملامح المجلس الجديد، من حيث عدد الأعضاء، وتوزيع ذلك على مناطق الوجود الفلسطيني.
أسئلة وملاحظات شائكة، وردود فعل كثيرة، لا يقتصر مضمونها على مسألة إنتخاب مجلس وطني جديد، بل يمكن القول أنها فتحت الملفات العديدة للحالة الوطنية الفلسطينية، بدءاً من العلاقة مع الاحتلال، وكيفية مواجهته، وصولاً إلى المسائل الانتخابية التفصيلية، ما يعني أن الدعوة الرئاسية جاءت في ظرف فلسطيني معقد، لا يشي أن الأمور سوف تسير بالإتجاه الصحيح، إذا لم تعالج القضايا الكبرى والصغرى في حوار وطني دعت له الفصائل الفلسطينية كالجبهتين الديمقراطية والشعبية، يضم الأمناء العامين، وأعضاء اللجنة التنفيذية، وهيئة رئاسة المجلس الوطني وشخصيات وطنية فاعلة، يضع كل القضايا على بساط البحث الجدي، للوصول إلى توافقات وتفاهمات تؤسس لرؤية وطنية جامعة، في مواجهة الاحتلال والمستوطنين والضم، كـ«اليوم التالي» لقطاع غزة.
وتشي الأوضاع الحالية أن الرئاسة الفلسطينية ليست في وارد الدعوة للحوار الوطني. ويمكن القول أن موقفها في المجلس المركزي الأخير، ودعواتها المفتوحة لنزح سلاح المقاومة، وتسليم الأسرى الإسرائيليين مجاناً، والاستسلام للإحتلال، والجلوس إلى طاولة مفاوضات عبر وفد فلسطيني أعزل من كل عناصر القوة، تشكل دليلاً على الإتجاه العام الذي يتحكم بالمزاج السياسي للفريق الفلسطيني الممسك بزمام القرار والمتفرد في رسم الإتجاهات السياسية للقضية الفلسطينية.
إن هذا من شأنه أن يهدد نجاح الدعوة للانتخابات، دون أن نستبعد أن تكون القيادة الرسمية تدرك الصعوبات، وتدرك إحتمال عدم تنظيم الانتخابات، لذلك لا نستبعد أن تصدر مرسوماً بتشكيل مجلس وطني وفقاً لقياسات المزاج السياسي للقيادة الرسمية، كما أصدرت مرسوماً تدعو لانتخابات مقاساتها تعكس بوضوح كيف أن القيادة تعيش حالة إنكار سياسي ومكاني، وهذا أخطر ما تعيشه القضية الوطنية؟! …■