
الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 5/2/2025
باراك اقترح دعم الحكومة اذا وافق على التطبيع
بقلم: تسفي برئيل
حلم التطبيع مع السعودية اصبح يحرك آلاف الاسرائيليين من اجل فحص جدول الرحلات الى الرياض وجدة، اسعار الفنادق الفاخرة، مسارات سباق السيارات وملاعب الغولف والعروض الترفيهية التي يتوقع أن تجرى في هذه السنة، لأن دونالد ترامب يريد تحقيقه ونتنياهو يسيل لعابه بشأنه ومحمد بن سلمان اوضح منذ زمن بأن هذا هو خياره الاستراتيجي.
هذا حلم متعدد الابعاد ومليء بالاموال: حلف الدفاع المأمول بين السعودية والولايات المتحدة، اقامة تحالف اقليمي منسق ومسلح بشكل جيد ومستعد لمهاجمة ايران بشكل كثيف، أو ردعها على الاقل، وربما ايضا ثورة في الوعي وانقلاب سياسي نهايته علاقات دبلوماسية مع كل “العالم الاسلامي”، من اندونيسيا وماليزيا ومرورا بالعراق وسوريا وانتهاء باليمن والجزائر. عالم اسلامي – عربي جديد وشجاع يحتضن اسرائيل ويعطي جائزة نوبل لترامب ونتنياهو.
لا توجد هنا أي نية للتقليل من الاهمية الاستراتيجية للتطبيع مع السعودية. اذا تحقق فانه سيخلق دعامة استراتيجية اقليمية مهمة جدا لاسرائيل، وربما ايضا سيمنحها فائدة اقتصادية كبيرة. لكن مثلما أن السلام مع دولة الامارات أو البحرين أو المغرب لم يمنع استمرار الحروب الدموية لاسرائيل، فان التطبيع مع السعودية ايضا لن يوقفها طالما أنها ترفض الاعتراف بالحاجة الى حل النزاع مع الفلسطينيين.
اتفاق السلام الاحتفالي، الذي سيتم التوقيع عليه على العشب الاخضر في البيت الابيض، لن يغير حقيقة أن قطاع غزة مع الـ 2.3 مليون من سكانه، عالق مثل شوكة في حلق اسرائيل. لا يوجد فيه أي وصفقة منطقية للطريقة التي ستتم فيها ادارة القطاع وانهاء الحرب ضد حماس أو اطلاق سراح المخطوفين الذين ما زالوا محتجزين في الانفاق وفي الاقفاص. التعاون العسكري والتكنولوجي مع السعودية لن يجتث المسلحين في مخيم جنين للاجئين، ولن يقضي على منفذي العمليات “الافراد” الذين يعتدون على المدنيين اليهود الذين يسافرون في شوارع الضفة الغربية، أو القضاء على من يضعون العبوات الناسفة في شوارع تل ابيب.
اسرائيل يمكنها اقناع نفسها بأن القضية الفلسطينية تصيب السعوديين بالملل، وأن ترامب لا ينوي وبحق تطبيق حل الدولتين بروحية “صفقة القرن” التي اطلقها، وأن التطبيع سينهي النزاع المحلي وأن الفلسطينيين سيدركون أنه لا توجد أي فرصة لهم. وهكذا فان اسرائيل حتى يمكنها ضم الضفة الغربية وقطاع غزة في الوقت الذي يكون فيه ابن سلمان وترامب يتبادلان اكوام الاموال والسلاح.
من اجل الدفع قدما بالتطبيع ربما يستطيع نتنياهو ربط تصريح متعرج وكاذب يستجيب لـ “شرط الفلسطينيين” الذي وضعته السعودية، لكن لا يمكنه اجتياز الواقع. هنا يكمن تهديد آخر.
اهود باراك اقترح هنا أمس في “هآرتس” صيغة تقتضي “دعم الصفقة مع السعودية وكأنه لا يوجد انقلاب (نظامي) ومحاربة الانقلاب (النظامي) وكأنه لا توجد صفقة مع السعودية”، اقترح دعم الحكومة ورئيسها اذا وافقوا على الشرط الرئيسي للتطبيع بدون التنازل عن النضال ضد جعل اسرائيل ديكتاتورية مسيحانية. ولكن هذه المعادلة سهلة على الاستيعاب، لأنه كما يبدو لا يوجد فيها أي تناقض بين موقفين مبدئيين متوازيين وكأنه لا توجد أي صلة بينهما.
لأن أحد شروط التطبيع يقتضي الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة، بماذا ستفيد هذه المعادلة اذا طلب رئيس الحكومة اشتراط موافقته على أحد الشرطين بالغاء الشرط الآخر. أي تنفيذ الانقلاب النظامي بكل بنوده، اقالة المستشارة القانونية للحكومة، تقليص صلاحيات المحكمة العليا، اغلاق وسائل الاعلام غير الموالية والتنازل عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وربما حتى الغاء محاكمته، وكل ذلك مقابل اعتراف غامض لا يلزم باقامة الدولة الفلسطينية؟ هل عندها باسم الدعم غير المحدد بالتطبيع يجب على اسرائيل وضع عنقها على مقصلة الانقلاب؟.
——————————————-
هآرتس 5/2/2025
مهمة نتنياهو كسب الوقت، لا يوجد سبب لدى ترامب لعدم مساعدته
بقلم: رفيت هيخت
في الايام القريبة القادمة سيحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو استخدام بأقصى درجة قدرته الفريدة والمهيمنة: الاحتفاظ بالكرات في الهواء دون أن تسقط وتتحطم على ارض الواقع. يمكن بالتأكيد الافتراض أنه ايضا في زيارته في واشنطن ليس اعادة المخطوفين أو اهداف يمينية كبيرة مثل تحييد ايران، توجد على سلم اولوياته.
هدف نتنياهو الرئيسي هو كسب المزيد من الوقت في محاولة للمناورة داخل حركة الكماشة التي تحاصره. فمن جهة، دونالد ترامب والادارة الامريكية، الذين يقومون بصياغة الارادة المتماسكة والمؤيدة لاستكمال الصفقة مع حماس وانهاء الحرب في غزة كوسيلة لعقد اتفاق استراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية. ومن جهة اخرى، رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي انحرف في السابق عن اطار الاعتماد الاستيطاني عندما بقي في الحكومة رغم “اتفاق الخضوع لحماس”.
سواء كانت هذه هي رغبته الاصلية أو أنه توجهه اعتبارات اخرى فانه يمكن المخاطرة والافتراض أن درجة حرارة نتنياهو قريبة جدا من حرارة عقد صفقات ترامب، اكثر من خيال ارض اسرائيل الكاملة لسموتريتش واوريت ستروك.
جهات كثيرة في اليمين العميق تشك في أنه ليس ويتكوف العنيد أو ترامب الازعر هما اللذان فرضا على نتنياهو انهاء الحرب؛ هذا كان فقط السلم القوي لنزوله عن الشجرة. مع ذلك، من المهم الاشارة الى أنه منذ اتفاق الخليل في 1997 فان نتنياهو يعرف جيدا أنه لا يجب عليه التورط مع اليمين الاستيطاني، الذي هو الطريق القصيرة لفقدان الحكم. هذا الدرس تم نقشه وتسجيله.
الصراع الجوهري يبدو أنه أمر غير محتم ولا يمكن حله، بالضبط مثل قانون الاعفاء من التجنيد الذي يواصل التدحرج الى الامام مثل البرميل الفارغ. فهو يمكن أن ينتج خطاب مشترك ومضخم لترامب ونتنياهو، خطاب يميني يغطي على “النوايا اليسارية” كما يبدو. ترامب سيعطي وعود كبيرة بشأن ابعاد حماس والقضاء عليها. هكذا، سيشير الى اليمين بأنه لم يهمل هدف الحرب الرئيسي. نتنياهو من ناحيته سيحاول ايضا الحصول على جزرة تصريحية لسموتريتش، ربما اشارة ضئيلة للضم. وهكذا سيتصرف ايضا فيما يتعلق بزيادة الضغط على ايران، الاداة الاكثر استخداما لديه، في الوقت الذي يمتنع فيه عن القيام بعملية هجومية ملموسة ضد عدو قريب جدا. في هذه الحالة سلطة حماس.
مناورت لليمين ستملأ الجو في محاولة لتهدئة المشاعر اليمينية وتهيئتها قبل اتفاق المصالح بين الولايات المتحدة والسعودية، الذي يوجد لاسرائيل فيه دور جزئي، ومن شأنه أن يتضمن ايضا ضريبة كلامية للفلسطينيين، ” خاضعة لرغبة السعودية”. بعد النجاح الكبير لفكرة “اعادة التوطين” لسكان غزة، التي نجحت في اشعال خيال اليمين وأن تشبه في نظره حل حقيقي، فانه يوجد لترامب ولنتنياهو سبب جيد للتفاؤل. ترامب ما زال يحظى بسمعة ممتازة في اليمين الاسرائيلي، رغم أنه في “صفقة القرن” في ولايته الاولى، خيب هو ونتنياهو أمل المستوطنين الذين سافروا الى الولايات المتحدة ببدلة الضم وعادوا بعصبية مع خرائط مضللة.
الطائفة التي تعبد بيبي ستؤيد أي قرار لنتنياهو، الذي يمكن أن يسمح لنفسه بالموافقة على املاءات رئيس متعاطف مثل ترامب. ليست هكذا هي الصهيونية الدينية التي ستعود الى فترة العداء والتشكك بنتنياهو، بعد سنوات هبت فيها للدفاع عنه من خلال مصالح مشتركة للمس بشكل كبير بجهاز القضاء. من يتوقع افعال قوية على الارض يمكن أن يخيب أمله. مهمة نتنياهو السامية ليست حل المشاكل أو التوصل الى قرارات حاسمة، بل مواصلة كسب الوقت، يوم تلو آخر. في هذه المرحلة لا يوجد أي سبب كي لا يتعاون ترامب مع نتنياهو على ذلك.
——————————————-
هآرتس 5/2/2025
كونفيدرالية اردنية فلسطينية يمكن أن تكون جذابة لترامب
بقلم: تشاك فرايلخ
اسرائيل انتصرت في الحرب، حماس وحزب الله تعرضا لضربة قاسية، سوريا انهارت، محور المقاومة الايراني انهار ومعه كل استراتيجية تدمير اسرائيل. الحروب هي وسيلة لتحقيق الاهداف الاستراتيجية. السؤال هو هل سنعرف كيفية استغلال النصر العسكري من اجل تحقيق اتفاق مع الفلسطينيين؟ الجواب كما يبدو لا، على الاقل طالما كرر اليسار في اسرائيل والولايات المتحدة وكل العالم شعار حل الدولتين. لا يوجد لمستقبل اسرائيل أي شيء أكثر اهمية من الانفصال عن الفلسطينيين. ولكن حان الوقت لاستكمال موت هذا النموذج.
في السياق الفلسطيني يبدو أن الكثيرين يعانون من التعريف الكلاسيكي لعدم العقلانية: يكررون مرة تلو الاخرى نفس الشيء ويأملون نتيجة مختلفة. هل حقا يمكن اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، ربما بسيطرة حماس، قرب المراكز السكانية الاسرائيلية، وفي غزة ايضا، التي فيها حماس تنتظر الجولة القادمة؟. بعد 7 اكتوبر فانه من الواضح أنه لا توجد أي امكانية لترتيبات امنية مشددة، التي بدونها لا يمكن الانسحاب. اضافة الى ذلك الآن لا يوجد زعيم فلسطيني يمكنه الموافقة على دولتين، ومشكوك فيه أن يكون زعيم كهذا في المستقبل. ايضا هناك شك اذا كانت أي حكومة مستقبلية في اسرائيل، التي ستأتي بسرعة، يمكنها الموافقة على ذلك.
لقد حان الوقت لتجربة شيء آخر: صيغة محدثة لفكرة الكونفيدرالية الاردنية – الفلسطينية. القسم الفلسطيني سيشمل 90 في المئة من الضفة وقطاع غزة ايضا، اضافة الى تبادل الاراضي بين الطرفين. معظم السكان في الاردن هم من الفلسطينيين، ايضا ولي العهد هو نصف فلسطيني، لذلك فان مستقبل المملكة الاردنية هو مستقبل فلسطيني. لا يمكن التملص من المصير الديمغرافي. وكما يحذرون وبحق من التداعيات الديمغرافية على مستقبل اسرائيل اذا لم تنجح في الانفصال عن الفلسطينيين، فان هذا المنطق يسري، بشكل اكبر، على الاردن. فكيف سيكون من المنطقي أن تقوم كونفيدرالية اردنية – فلسطينية، أي دولتان تلتزمان دستوريا بسياسة خارجية وأمنية مشتركة، لكنها مستقلة في المجالات الاخرى.
الملك حسين اقترح في العام 1972 اقامة في الاردن وفي الضفة الغربية “مملكة عربية موحدة”، بما يشبه المملكة المتحدة البريطانية. ولكن الآن معروف أن المملكة ستعارض بشدة الكونفيدرالية، لأنها تخشى من سيطرة الفلسطينيين عليها.
من اجل أن تصبح هذه الفكرة عملية فانه من الضروري أن تقتنع المملكة بأنه لن يكون في هذه الفكرة أي تهديد عليها، وأنها بالذات ستفيدها. لذلك، يجب أن تكون ضمانات قانونية وما شابه. مثلا، دستور الكونفيدرالية سينص على أن الاردن يبقى المملكة الهاشمية، وأن الحديث لا يدور عن مواطنة مشتركة، وبالتالي الميزان الديمغرافي لن يتغير، ايضا سيعطى للملك حق الفيتو على قرارات الحكومة المشتركة وصلاحية على حالة طواريء خاصة، ايضا ستكون حاجة الى ضمانات دولية لازدهار واستقرار هذه الكونفيدرالية. بالنسبة للفلسطينيين فانهم سيحصلون على الاستقلال الكامل باستثناء المواضيع الخارجية والامن، التي فيها سيتم توزيع الصلاحيات بشكل متساو مع الاردن في حكومة مشتركة. وهم سيتمتعون ايضا بافضلية الانضمام الى دولة كبيرة لها حكومة وجيش، والقدرة على الوصول الى البحر الاحمر والعالم العربي، بدلا من دولة صغيرة محاصرة حسب حل الدولتين الكلاسيكي.
بسبب أن قطاع غزة ايضا سيكون جزء من هذه الكونفيدرالية فانه ستكون حاجة الى حل بعيد المدى للتحديات الخاصة التي يخلقها. سكان القطاع يتضاعف عددهم مرة كل عشرين سنة، ولذلك فانه لن تكون للقطاع أي نهضة في حدوده القائمة. هنا يمكن لمصر أن تساهم بشكل حاسم، على شكل تبادل الاراضي متعدد الاطراف، بحيث تعطي مصر لغزة اراضي مساحتها تساوي الاراضي التي ستقوم اسرائيل بضمها في الضفة؛ اسرائيل ستعوض مصر باراضي مساوية في مساحتها في النقب؛ الفلسطينيون سيوافقون على أن تضم اسرائيل في الضفة الجزء الذي يمكنها من الحفاظ على 80 في المئة من المستوطنات فيها. بالتالي فان اسرائيل والفلسطينيين سيحصلون على حدود حاسمة.
الاردن يوجد له تاريخ مثبت في الحفاظ على الامن على الحدود مع اسرائيل. بناء على ذلك فان الكونفيدرالية ستقلص خطر تحول الدولة الفلسطينية الى كيان راديكالي يسعى الى تدميرها. الانسحاب من معظم الضفة الغربية ما زال تحديا سياسيا صعبا، لكن يمكن أن هذا الاقتراح سيكون مرضيا لمعظم الجمهور، الذي هو غير معني بضمها. الكونفيدرالية ستكون حل ايجابي ايضا بالنسبة للدول العربية المعتدلة التي تؤيد استقلال الفلسطينيين، لكنها تخشى من تأثير ذلك على استقرار المنطقة. الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ايضا، الذين يلتزمون بحل النزاع ولكن ليس بدقة، يمكن أن يعتبرون ذلك بديل ايجابي.
في البداية من اجل بناء الثقة يمكن أن يكون اقتراح الكونفيدرالية مرفق بمبادرة اسرائيلية وهي الانفصال المدني عن الضفة الغربية، من القسم المخصص للفلسطينيين، أي اعادة بالتدريج للمستوطنين الذين يعيشون هناك الى داخل اسرائيل، لكن الجيش الاسرائيلي سيبقى هناك لغرض الأمن.
يبدو أن هذا الاقتراح هو الحد الاقصى الذي يمكن للجمهور الاسرائيلي الموافقة عليه في المستقبل القريب. فقط الولايات المتحدة توجد لديها الادوات المطلوبة للدفع قدما بالكونفيدرالية، وفي كل الحالات يجب وجود قيادات مختلفة في اسرائيل ولدى الفلسطينيين. مع ذلك، يوجد لترامب ميل مثبت، بالخير والشر، لتحطيم المسلمات الدبلوماسية وتفضيل الحلول غير التقليدية. فهو يعمل على تغيير استراتيجي كامل في الشرق الاوسط. وهذه الاقتراحات يمكن أن تكون جذابة بالنسبة له.
——————————————
إسرائيل اليوم 5/2/2025
المصلحة الامريكية والإسرائيلية: شرق أوسط جديد
بقلم: مايك هرتسوغ
سفير إسرائيل في الولايات المتحدة سابقا
رمزي جدا أن يكون الزعيم الأجنبي الأول الذي يستضيفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض هو رئيس وزراء إسرائيل. فالادارة الحالية في الولايات المتحدة ودية جدا لإسرائيل، واتخذت منذ الان قرارات ذات مغزى في صالحها. ومع ذلك ليت في كل شيء تتفق الإدارة مع مواقفنا: فلديها فكرها ومصالحها. وهي تتوقع مقابل وقوفها الى جانب إسرائيل، ان تستجيب هذه لمطالبها.
الإنجازات العسكرية لإسرائيل حيال ايران، حزب الله وحماس خلقت فرصة لا تتكرر بتصميم اعمق لوجه الشرق الأوسط. إدارة ترامب تفهم هذا جيدا. التحدي الذي يقف امامه نتنياهو هو ترجمة هذا البرنامج السياسي الى تفاهمات مع الرئيس ترامب في سلسلة مواضيع محددة، وفي مركزها ثلاثة أمور يرتبط الواحد بالاخر: المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين، مسألة النووي الإيراني وإمكانية التطبيع مع السعودية.
التحدي الفوري هو المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين. في المنحى القائم والمتفق عليه لهذه الصفقة توجد صعوبة بنيوية: من جهة يقضي بان المرحلة الثانية معناها انهاء الحرب. من جهة أخرى، إسرائيل حددت كأحد اهداف الحرب اسقاط حكم حماس وأعلنت بانها لن تنهي القتال قبل تحقيق هذا الهدف. عمليا، رغم انجازاتنا العسكرية نحن بعيدون عن تحقيق هذا الهدف.
ترامب يرى نفسه “عاقد صفقات”
ترامب، الذي كان دوره ودور مبعوثه ستيف ويتكوف عاملا هاما في تحقيق المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين، بلا شك يريد أن يدخل الى المرحلة الثانية من الصفقة لكنه يشارك ايضا في الموقف الذي يقول انه محظور على حماس ان تواصل السيطرة في غزة. فكيف يربع الدائرة؟ يمكن اسناد المرحلة الثانية الى تفاهمات إسرائيلية أمريكية عن “اليوم التالي” لحماس، و/او الى تفاهمات تسمح لإسرائيل باستئناف القتال.
في السياق الإقليمي الواسع، فان الموضوع الأول على جدول الاعمال هو معالجة البرنامج النووي الإيراني. فقد وصل هذا الى نقطة خطيرة جدا – لكن كما أسلفنا، خلق اضعاف المحور الإيراني فرصة مميزة لمعالجته.
ترامب يرى نفسه “عاقد صفقات” ومانع حروب. وهو يفكر بالعودة الى المسار الدبلوماسي مع ايران، على أساس ضغط اقتصادي وسياسي. على إسرائيل أن تستوضح ما هو المنحى الدبلوماسي، ما هي المدة الزمنية التي ستخصص له، واساسا – ماذا ستفعل الولايات المتحدة اذا ما فشل. بشكل شخصي لا اؤمن بفرصه، وفي كل حال فان الحوار مع ايران يجب ان يقوم على اساس خيار عسكري حقيقي.
ترامب معني أيضا بالدفع قدما بتطبيع إسرائيلي – سعودي، لكن من ناحية السعوديين هذا منوط بوقف نار في غزة وبرسم افق سياسي للمسألة الفلسطينية – موضوع مشحون في إسرائيل. الاختراق هو مصلحة الجميع، لكن يحتمل أن نكون مطالبين بتأجيله الى ما بعد معالجة مسألة إيران وغزة.
يدور الحديث عن لقاء بأهمية عليا لتصميم وجه الشرق الأوسط للسنوات التالية. في إدارة ترامب يفهمون ان أعداء إسرائيل هم أيضا أعداء الغرب والولايات المتحدة، نجاحنا في الحرب يخدم مصلحة أمريكية – استراتيجية.
في الماضي كانت مواضيع لم تتنازل فيها إسرائيل ووقفت عند رأيها. وهكذا أيضا في الحوار الحالي، هذه مفاوضات يتحدث فيها الطرفان ويسمع الواحد الاخر.
——————————————-
هآرتس 5/2/2025
الدولة تعمل على اقامة حي يهودي في الشيخ جراح
بقلم: نير حسون
بلدية القدس بدأت تدفع قدما بخطة لبناء حي لليهود في الشيخ جراح في شرقي المدينة. حسب هذه الخطة فان عشرات العائلات الفلسطينية يتوقع أن يتم اخلاءها من بيوتها، وفي هذه المنطقة سيتم بناء 316 وحدة سكنية ومباني عامة. الحي يخطط لاقامته على اراضي كانت في السنوات الاخيرة في مركز صراع قانوني بين سكان الحي وجمعيات استيطانية، التي رافقتها ايضا مظاهرات ومواجهات عنيفة. السكان ومنظمات مجتمع مدني يقولون بأن هدف الخطة هو ابعاد السكان الفلسطينيين عن الحي.
خطة نحلات شمعون، كما يسمى الحي، يتم الدفع به قدما في السنتين الاخيرتين في سلطة تطوير القدس وهي سلطة رسمية تهدف الى المبادرة الى تخطيط وتشجيع نشاطات تطوير اقتصادية في القدس. على الاغلب لا تخطط لاحياء سكنية. الحي الجديد يتوقع أن يبنى في مركز حي الشيخ جراح، في المنطقة التي يسميها الفلسطينيون أم هارون، ومساحتها حوالي 17 دونم وفيها حوالي 40 مبنى وموقف كبير للسيارات ومنطقة مفتوحة.
بعض المباني في الحي هي بيوت تاريخية بنيت في نهاية القرن التاسع عشر، لذلك فان الخطة تثير ايضا اسئلة تتعلق بالحفاظ على هذه المباني، التي في الفترة الاخيرة تمت مناقشتها في لجنة الحفاظ على المدينة. ايضا الكثير من سكان الحي يعيشون الآن كمستأجرين محميين ولا يمكن اخلاءهم. ولكن المصادقة على الخطة ستمكن القيم العام من عملية الاخلاء، وربما أنه في هذه الحالة يجب على الدولة ايجاد مساكن بديلة لهم.
الارض التي سيبنى عليها الحي المخطط له تم تسجيلها في السنوات الاخيرة باسم القيم العام في وزارة العدل، المسؤول عن ادارة العقارات التي توجد خلف الخط الاخضر وهوية اصحابها غير معروفة. اجراء تسجيل الاراضي على اسم القيم في الطابو تم في اطار خطة خماسية للحكومة من اجل تقليص الفجوات في شرقي القدس. مع ذلك، سكان الحي ومنظمات مجتمع مدنية، الذين يتعاملون مع موضوع شرقي القدس والتخطيط الحضري، من بينها جمعية “بمكوم” وجمعية “عير عاميم”، يقولون منذ سنوات بأن الهدف الحقيقي للخطة الخماسية هو تهويد الاحياء العربية في شرقي المدينة. حتى الآن كان القيم العام مشارك في الدفع قدما الى اربعة احياء يهودية في شرقي المدينة. الخطة في الشيخ جراح ستكون الخامسة.
هذه الخطة تضاف الى عدة خطط لبناء يهودي، التي بدأت اسرائيل تدفع بها قدما في شرقي القدس خلف الخط الاخضر. وفي نفس الوقت مع تغير الادارة في الولايات المتحدة. في الخطط السابقة: اقامة حي كبير يشمل 9 آلاف وحدة سكنية في عطروت، وتوسيع حي يهودي قرب بيت صفافا، وخطة اخرى في الشيخ جراح لاقامة مدرسة دينية كبيرة في منطقة مفتوحة. حسب الخطة فانه سيبنى في الحي 15 مبنى جديد. في منطقة الحي التاريخية سيتم تحديد البناء بمبان تتكون من اربعة الى ستة طوابق. ولكن في المنطقة القريبة من الشارع رقم 1، هناك ايضا يمر القطار الخفيف، يتوقع اقامة مبنيين ارتفاعهما سيصل الى 30 طابق.
“خطة لثلاثين طابق في الحي من القرن التاسع عشر اضافة الى مبان احادية الطابق، هي خطة جنونية”، قالت لورا فيرتون، العضوة في مجلس بلدية القدس عن قائمة الاتحاد المقدسي.
احد سكان الحي، محمود سعو، قال: “كل العائلات هنا تناضل من اجل بيوتها. لا يسمحون لنا باجراء اصلاحات، ومحظور حتى التبييض. هذه ليست حياة”. الدكتور خليل التوفكجي، الجغرافي الفلسطيني الذي يمثل ائتلاف منظمات حقوق الانسان الفلسطينية التي تعمل في القدس، قال إن هدف الخطة هو تقسيم الحي الى شمال وجنوب. “هم يريدون اقامة المدرسة الدينية “اور سيمح” في القسم الثاني في الحي والسيطرة على كل المنطقة. الهدف في نهاية المطاف هي أن لا تكون أي امكانية لعاصمة فلسطينية في شرقي القدس”.
من سلطة تطوير القدس جاء أن “السلطة، كجزء من دورها في القانون ولكونها الذراع التنفيذية والتخطيطية لحكومة اسرائيل وبلدية القدس، تعمل على تطوير المدينة اقتصاديا، وكل ذلك بالتنسيق مع مؤسسات الدولة والبلدية. ايضا في هذه الحالة السلطة طلب منها الدفع قدما بخطة لصالح دولة اسرائيل، اقامة حي وسكني وشقق فندقية في نحلات شمعون.
——————————————
يديعوت احرونوت 5/2/2025
يجب أن يتمكن نتنياهو من اقناع ترامب باستغلال فرصة ضرب ايران
بقلم: بن درور يميني
قرار ترامب استئناف العقوبات على ايران قد يكون أغلب الظن هو القرار الأكثر أهمية منذ تسلم مهام منصبه. يدور الحديث عن ضربة قاسية للنظام الإيراني. العقوبات لم تبدأ اليوم. الكونغرس الأمريكي قررها، في قانون خاص منذ صيف 2010 تحت الإدارة الديمقراطية لاوباما. وقد اشتدت في 2012. هذه لم تكن عقوبات الولايات المتحدة فقط. من خرقها تلقى وقع الذراع الأمريكي. هكذا مثلا بنك BNP الفرنسي اجبر على ان يدفع في العام 2024 مبلغا طائلا، 8.9 مليار دولار، كغرامة على خرق العقوبات.
الثمن الأساس دفعته بالطبع ايران نفسها. فالناتج القومي انخفض قرابة 20 في المئة. بعد مفاوضات طويلة ومضنية، في تموز 2015 وقع الاتفاق النووي مع ايران والذي أدى الى رفع الغالبية المطلقة من العقوبات. الاقتصاد الإيراني انتعش. في الاتفاق لم تكن بنود تتعلق بدعم الإرهاب بحيث أن دعم ايران لوكلاء مثل حزب الله والحوثيين، الكتائب الشيعية في العراق، الجهاد الإسلامي وحماس – آخذ في الارتفاع.
فصل إضافي في الحبكة جاء في 2018، عندما الغي الاتفاق تحت رئاسة ترامب واستؤنفت العقوبات على ايران. مرات عديدة ينطلق نقد لاذع على قرار ترامب. والحجة الأساس هي ان الغاء الاتفاق سرع السباق الإيراني نحو النووي. النتائج العلنية هي أن الاقتصاد الإيراني تعرض لضربة قاسية. في نهاية 2019 اعترف حسن روحاني، الذي كان في حينه رئيسا لإيران، بان استئناف العقوبات الحق بايران ضررا اقتصاديا بمقدار 200 مليار دولار. في نهاية 2020 اعترف وزير الخارجية جواد ظريف بان الضرر لإيران بات يبلغ 250 مليار. وكان التأثير على نفقات الامن فوري، مع انخفاض بمعدل 28 في المئة في ميزانية الدفاع.
مع دخول بايدن الى البيت الأبيض سجل فصل جديد. بعد شهر من تسلمه المنصب الغى بايدن العقوبات. لا شك أنه كانت له نية طيبة. فقد أراد المصالحة. لكن المصالحة لا تنجح بالضبط مع نظام آيات الله. إضافة الى ذلك أعاد بايدن روب مالي لمنصب رئيس الفريق المفاوض مع ايران. مالي يعتبر أب نهج المصالحة. في مرحلة معينة لم يكن واضحا بالضبط من كان يمثل – ايران حيال الولايات المتحدة ام الولايات المتحدة حيال ايران. اثنان من الفريق المفاوض، نائبه ريتشارد نافيو وايليان طبتباي، إيرانية في اصلها، انسحبا من الفريق على خلفية التنازلات المبالغ فيها والخطيرة لمالي. المصالحة لم تجدي نفعا، فهي لم تحقق اتفاقا، وانزل عن منصبه لاسباب لم تنشر مع سحابة مخالفات امنية فوق رأسه. امس نشر نافيو وطبتباي مقال جاء فيه ان “ترامب هو اغلب الظن الرئيس الأخير الذي سيحصل على فرصة لمنع ايران من بناء ترسانة نووية”.
كما توجد ايران في نقطة ضعف استراتيجية غير مسبوقة، في اعقاب الضربات التي تلقتها هي ووكلاؤها من إسرائيل، وكذا في النقطة الأقرب للاقتحام الى سلاح نووي والى “مجموعة السلاح” التي تسمح بترجمة الاختراق الى قدرة عسكرية. فادارة بايدن اقترحت الجزرة أساسا، اما العصا فلم تكن هناك. هنا وهناك كانت تصريحات بصيغة “لن نسمح لإيران بسلاح نووي”، اما عمليا – فايران تقدمت الى النووي بل وواصلت التآمر الإقليمي الذي أدى الى هجوم 7 أكتوبر والى حرب مع وكلائها.
النهج الإيراني يجعل من الصعب الفهم بان ايران يقودها حكم مسيحاني. نعم، له مصالح. نعم، يفهم في المفاوضات على نحو ممتاز وقد نجح في اخضاع الدول الغربية. ولا يزال، هذا نظام مستعد لن يضحي بالكثير جدا بما في ذلك بضرر اقتصادي شديد بمواطنيه كي يحقق هدف الهيمنة الإقليمية. التصريحات عن تصفية إسرائيل ليست خطابية استعراضية. هذه نية حقيقية لنظام مجنون.
العقوبات التي وقع عليها ترامب امس هي خطوة بالاتجاه الصحيح. خطوة هامة. خطوة نتيجتها ستكون ضررا إضافيا في الاستثمارات الإيرانية مع الوكلاء في المنطقة. لكن العقوبات كوسيلة وحيدة لن توقف السباق الى النووي. العقوبات لن توقف الأيديولوجية المسيحانية التي هي أيديولوجية إبادة. الهدف يبقى على حاله. يمكن التصدي لايران الحالية. سيكون هذا صعبا حتى متعذر التصدي لإيران نووية.
وبالتالي، فات الخيار العسكري يجب أن يكون على الطاولة. ساعة الرمل تنفد. يحتمل أن بعد بضعة اشهر يكون فات الأوان. إسرائيل يمكنها أن تهاجم النووي الإيراني وحدها أيضا. لكن هذا سيكون صعبا، صعبا جدا. ان إزالة التهديد النووي سيكون قابلا للتحقق بالتعاون مع الولايات المتحدة. واذا كان على إسرائيل ان تدفع الثمن فستكون تنازلات في المستوى الفلسطيني، من الإعلان عن افق سياسي للفلسطينيين وحتى التنازل في هذه المرحلة عن تصفية كل من تبقى من حماس، فبالتالي فلندفع الثمن. لان ايران هي رأس الافعى. اما حماس فيمكن ان تنتظر. إسرائيل يمكنها ان تضرب ما تبقى منها بعد سنة او سنتين أيضا. اما ايران فلن تنتظر. بعد سنة سيكون هذا متأخرا بل وربما بعد بضعة اشهر. نحن في نافذة الفرص. يجب الامل في أن يتمكن نتنياهو من اقناع الولايات المتحدة باستغلالها. ليته.
——————————————
إسرائيل اليوم 5/2/2025
الأونروا سبب في 7 أكتوبر.. لا نريد رؤية فلسطيني بجوارنا وليُطردوا فوراً
بقلم: درور ايدار
- كان يعيش نحو 70 ألف نسمة في 1945 في المنطقة التي تسمى اليوم “قطاع غزة”. في حرب التحرير، وصل نحو 200 ألف فلسطيني، وبقيت المنطقة تحت سيطرة الجيش المصري الذي انسحب إلى هناك بعد أن سعى للوصول حتى تل أبيب وفشل أمام بطولة مقاتلينا. في بداية الخمسينيات، أقامت الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) كمنظمة مؤقتة حتى توطينهم. ضغطت الدول العربية لعدم إغلاق المنظمة، لإدراكها ضرر تخليد اللجوء والإبقاء على “حق العودة”: وضع علامة استفهام دائمة فوق وجود إسرائيل.
حماس نتاج الأونروا ونتاج جهازها التعليمي، الذي يربي أجيالاً من الأطفال الذين يقتدون بقتلة اليهود.
وجود الأونروا ولد نتيجة فتاكة أخرى: فباهتمامها بالسكان الغزيين، أعفت الأمم المتحدة القتلة من العناية بهم وسمحت لهم بالتفرغ للإرهاب. الزعماء العرب في بلاد إسرائيل التاريخية لم يروا أنفسهم قط مسؤولين عن أي جانب مدني لرعاياهم. فقد أسقطوا هذا على العالم. بقصر نظر تاريخي، امتنعت إسرائيل عن أي عمل لتفكيك المنظمة ومخيمات اللاجئين حتى بعد احتلال القطاع في 1967، حين كان بوسعنا نقلهم إلى سيناء وأماكن أخرى.
- في نهاية الثمانينيات قامت منظمة حماس التي كانوا مخربو “فتح” رقيقين جداً قياساً لها. بيانها السياسي والديني التأسيسي وضع مبدأين: التزام تام بإبادة إسرائيل، وقتل اليهود بصفتهم هذه. لا يحتمل حل وسط مع اليهود؛ لأن هذا واجب ديني. قلة تناولوا هذه الوثيقة النازية الجديدة التي وجهت أعمال الإرهاب حتى مذبحة 7 أكتوبر. الشعار المتصدر رأس الوثيقة اقتبس مؤسسة حركة الإخوان المسلمين في مصر، حسن البنا: “إسرائيل موجودة وستبقى إلى أن يمحوها الإسلام مثلما محا من سبقها”. وأدهش لسماع أناس جديين يتحدثون عن “الوضع” وعن حلوله دون قراءة ميثاق حماس بعناية.
فرضية حكومات إسرائيل وهيئات الأمن على أجيالها كانت ضمان الهدوء بتحسين حياة سكان قطاع غزة. حقائب المال القطرية لم تكن إلا استمراراً لفكرة السلام الاقتصادي، وتفكير سطحي بأن أمامنا كياناً ذا اعتبارات عقلانية يفضل المصالح المادية على الأيديولوجيا والإيمان الديني.
كان “أوسلو” الثمرة الأولى لهذا التفكير، وكان “فك الارتباط” أحادي الجانب تحصيلاً حاصلاً له. تركنا غزة لحالها، وسمحنا للبرابرة بإقامة وحش نازي على حدودنا الجنوبية، على مسافة بصقة. نعم، أقمنا أسواراً وعوائق إلكترونية. حسناً، هذه هي البنية التحتية للمفهوم المغلوط.
- بعد 7 أكتوبر وما رأيناه منذئذ، بما في ذلك دور مكشوف لمعظم السكان في آلة الإرهاب والذبح الحماسية، ينبغي للمرء أن يكون سائباً من ناحية فكرية وأخلاقية ليعتقد أن بوسعنا مواصلة العيش إلى جانب هذه القنبلة الموقوتة. إن استمرار العيش في هذا المكان الخرب تحت حكم حماس، سيشجع مجانين المنطقة على القيام بحملات ذبح مشابهة. فهم يعرفون كيف يقفون على أقدامهم دوماً حتى من أكثر الأمور فظاعة – لخطف يهود. آجلاً أم عاجلاً، سيبدأ تنقيط الصواريخ وستعود العمليات والأمور إلى ما كانت عليه.
علمنا حكماؤنا أنه أمام القاعدة الكبرى في التوراة “وأحب لغيرك ما تحبه لنفسك”، في الحالة التي تكون فيها حياتك أولى على الكفة حيال حياة صديقك. وقد قيل هذا عن الأخوة من الشعب ذاته، فما بالك عن أعدائنا الذين لا يجدون لوجودهم سبباً إلا قتل اليهود بصفتهم هذه، حتى بثمن خراب بيوتهم وقتل أناسهم. محظور على إخواننا وأخواتنا في الجنوب العيش إلى جانب البرابرة على مسافة صفر منهم.
- لهذا السبب، يجب أن يكون العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي موجهاً إلى حل دائم للمشكلة: نقل سكان غزة إلى بلدان أخرى، مثلما فعل العالم مع عشرات ملايين اللاجئين في نزاعات أخرى. في كل حال، سكان القطاع في معظمهم يعرفون كلاجئين. هذا صحيح أيضاً من ناحية أخلاقية، ولعل هذا يسمح لجيلهم اللاحق البدء بحياة جديدة. “لا تقولوا سيأتي يوم، هاتوا اليوم!”.
——————————————
هآرتس 55/2/2025
26 جريمة في الوسط العربي منذ مطلع 2025.. وإسرائيل: “خطتنا تنجح على نحو جميل”
بقلم: أسرة التحرير
القتل الرهيب الذي تعرض له د. عبد الله عوض ابن الـ 29 الذي قتل بالنار في قلب عيادة في كفر ياسيف، كان يفترض أن يهز الأركان. طبيب بلا ماضٍ جنائي، قتل بالنار أمام عيون الجميع في قلب فرع محلي من صندوق المرضى دون إلقاء القبض على مرتكبي الجريمة. ولأنه عربي، لم تكترث الشرطة للحادثة. هذا القتل ينضم إلى ثمانية أفعال قتل أخرى في المجتمع العربي منذ بداية شباط وحده، وبينها قتل فتى ابن 14 في اللد، وأحداث إطلاق نار في بلدات أم الفحم وأبو سنان وأبو غوش. من بداية 2025 كان في المجتمع العربي ما لا يقل عن 26 جريمة قتل – أكثر بضعفين من الفترة الموازية من العام الماضي، إحدى السنوات الأكثر دموية في البلدات العربية.
المعطيات القاسية جزء من إرث الوزير السابق للأمن القومي بن غفير، الكهاني الذي تسلم الوزارة الأكثر حساسية في الحكومة من أيدي الأكثر تسيباً. وبالفعل، نجح تعيينه “في التجربة” على نحو جميل جداً: السنتان اللتان كان فيهما في المنصب، كانتا الأصعب من ناحية عدد جرائم القتل في إسرائيل.
على الورق، بن غفير ليس هو الوزير الآن. لكن رجاله، وعلى رأسهم حمنئيل دورفمان الذي هو بنفسه أصبح مشبوهاً بأفعال جنائية في قضية قائد الوحدة الخاصة في لواء “شاي”، وحُقق معه أمس للاشتباه بخرق الثقة بعد محاولته ظاهراً التأثير على التحقيقات في مواضيع الإرهاب اليهودي – لا يزالون يديرون هذه الوزارة المهمة، وعملياً الشرطة.
في الوقت الذي تستشري فيه الجريمة ووضع الأمن القومي في الدرك الأسفل، لا يفكر نتنياهو بتعيين وزير دائم يحل محل بن غفير، بل عين للمنصب القائم بأعماله حاييم كاتس، إلى جانب ثلاث وزارات أخرى يفترض بكاتس أن يقف على رأسها، وكل هذا ليعيد بن غفير قريباً إلى المنصب بعد سنتين من الفشل التام. تعيين كاتس بصقة أخرى في وجه مواطني إسرائيل.
ظاهراً، يفترض أن ينزل باللائمة أيضاً على المفتش العام لشرطة إسرائيل داني ليفي – الذي وعد بتمزيق “منظمات الجريمة” بعد أن رفضت قبول مشورته “العودة إلى الصواب”. ليفي، الموجود الآن في نيويورك في رحلة لم تتضح غايتها، يتولى هذا المنصب منذ نحو نصف سنة، وأعمال القتل لا تتوقف. لكن عملياً، لا ينبغي أن نتفاجأ من عجز المفتش العام؛ فقد انتخب ليفي للمنصب بصفة مرشح ثانوي، وذلك في ختام سنة واحدة فقط كان فيها قائد لواء الشاطئ، وهي سنة فشل فيها تماماً في القضاء على الجريمة. بعد أن عين مفتشاً عاماً، سارع لتعيين ضباط أقل تجربة منه لمناصب قادة الألوية، والنتيجة أن منظمات الجريمة والمجرمين هم الذين يتحكمون بشوارع البلدات العربية.
من جلب ليفي إلى المنصب هما بن غفير ونتنياهو، وهما المسؤولان الحصريان عن فشل للشرطة. وكالمعتاد، من يدفع ثمن القصور هم مواطنو إسرائيل العرب.
——————————————
معاريف 5/2/2025
السنة الاولى للإدارات الامريكية تبشر بمصاعب لإسرائيل لكن ليس إدارة ترامب
بقلم: لني بن دافيد
باحث في المركز المقدسي لشؤون الخارجية والامن
وصول رئيس الوزراء نتنياهو الى واشنطن كالضيف الأجنبي الأول للرئيس دونالد ترامب يعد شرفا عظيما. فالاثنان يعرفان الواحد الاخر جيدا. لكن نتنياهو لا يزال بحاجة لان يشد حزام الأمان. في الأسابيع الأولى لترامب كرئيس، فان سياسة جديدة تخرج من واشنطن تأتي بقوة بوتيرة تشوش الأعداء والأصدقاء.
ان دخول إدارة جديدة الى المنصب، بخاصة من حزب سياسي مختلف، هو كحاملة طائرات ضخمة – قوية لكن تنتظر الأوامر والتوجيه. وهذا كفيل بان يستغرق وقتا. ثمة من يدعي بانه ليس نزيها ان نحاكم إدارة في سنتها الأولى، والتي تعتبر في أحيان كثيرة سنة سيئة. هذه ليست الحالة مع إدارة ترامب: تيار من المراسيم الرئاسية، اعمال حاسمة في مواضيع الابعاد والماء في كاليفورنيا، تعيين أعضاء كابنت بسرعة مدوية وغيرها. في السياسة الخارجية سجل فرض جمارك، تقليصات في المساعدات الخارجية وفي تمويل الأمم المتحدة، وهجمات عسكرية على قواعد داعش في الصومال وفي سوريا. “السنة الأولى لكل إدارة جديدة هي بشكل عام صعبة على إسرائيل”، هكذا علمني مؤسس ايباك يشعياهو كنن. فقد شرح بانه استغرق اشهر الى أن نفذت السياسة والتعليمات الجديدة ونقلت من أروقة وزارة الخارجية الى سفارات الولايات المتحدة.
في 1969 في السنة الأولى لادارة نيكسون ترددت الولايات المتحدة في تزويد طائرات فانتوم اف 4 لإسرائيل. بعد احتجاج متظاهرين بقيادة منظمات يهودية ضد الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، احتجاجا على قرار فرنسا عدم بيع السلاح لإسرائيل “غضب” نيكسون واعلن عن الغاء قوانين السلاح لإسرائيل. في شهرها الأول، استأنفت إدارة ترامب توريد الذخائر الثقيلة لإسرائيل بعد أن حظرت عليها إدارة بايدن.
متلازمة السنة الأولى كانت واضحة أيضا في إدارة أوباما. فقد عين جورج ميتشل مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط وفي 2009. وضغط لعمل امريكي اكثر كثافة ضد إسرائيل في مواضيع مثل المستوطنات وتقسيم القدس. في تلك السنة، عندما سافر الرئيس أوباما الى الشرق الأوسط تجاوز إسرائيل والقى خطابه الشهير عن علاقات الولايات المتحدة والمسلمين في جامعة القاهرة.
في جهودها المتواصلة لتحسين العلاقات مع ايران في العام 2021 شطبت إدارة بايدن الحوثيين عن قائمة منظمات الإرهاب الأجنبية والغت عقوبات اقتصادية خطيرة على ايران. اما الان فالمرسوم الرئاسي لترامب الذي أعاد تعريف الحوثيين كارهابيين جاء “لتصفية قدرات الحوثيين واعمالهم، ونزع المقدرات منهم وبذلك انهاء هجماتهم”.
نتنياهو سيجد أن “متلازمة السنة الأولى” هي ظاهرة قديمة: الرئيس ترامب ليس باي حال او بشكل رئيسا غراً. يبدو انه يواصل ولايته الأخيرة حين اعترف بالقدس كعاصمة إسرائيل، اعلن عن هضبة الجولان تحت سيادة إسرائيل واوجد اتفاقات إبراهيم. إدارة ترامب، بمرافقة وزيري خارجية ودفاع بل ومدعوم في الكونغرس يشق الطريق لايام مؤيدة لإسرائيل.
——————————————
عن موقع “واللا” 5/2/2025
«حماس» تقف على قدميها فـي غـزة وتـملـي شـروطـهـا
بقلم: كالمين ليبسكيند
يتجاهل إبرام الحكومة صفقة تبادل الأسرى التكاليف الباهظة المترتبة عليها، وهكذا تتخذ مرة أخرى خطوات من شأنها الإضرار بأمن الدولة، وتغض الطرف عن الأضواء الحمراء التي تومض بقوة أمامها، فقط حتى تتمكن بعد الكارثة التالية من الركض للأمام، وهي لا ترى متعمدة المزيد من التحذيرات من الكوارث السياسية والأمنية المقبلة.
هناك الكثير من التكاليف الصعبة التي ترتبت على الصفقة المذكورة، وسيكون من الخطأ مناقشتها دون شرح كيفية التوصل إليها بعد عام وثلاثة أشهر من فشل الحكومة وقوات الجيش، كل حسب حجمه ووزنه، في هزيمة “حماس”، وعدم التوصل لصفقة أفضل، صحيح أن الجيش قتل العديد من المسلحين، وفجر عدداً لا يحصى من الأسلحة، واكتشف العشرات من الأنفاق، ودمر عدداً كبيراً من مواقعهم، لكن كل هذا لم يوصله لنقطة القرار.
إسرائيل في معضلة: مستحيل إنهاء الحرب دون القضاء على “حماس”، ومستحيل إنهاؤها دون إعادة المختطفين، والنتيجة أن الحكومة والجيش مسؤولان عن واقع فشلا فيه بتحقيق هذين الهدفين، وفشلا في إيجاد طريقة للجمع بينهما، دون أن يتداخلا مع بعضهما، وكما يجب على مؤيدي الصفقة أن يأخذوا على محمل الجد تكاليفه الباهظة فإن معارضيها يجب أن يأخذوا على محمل الجد الوضع الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه.
أي إسرائيلي يعارض الصفقة على المستوى السياسي يجب أن يعرف أن معارضته يجب أن تأتي بخطة مختلفة تماما عما تمت محاولته حتى الآن، ومن يعتقد أنه يمكن القضاء على “حماس” وإطلاق سراح المختطفين، في الوقت ذاته، فليخبرنا كيف نفعل ذلك، وإلا فإما أن يتنحى جانبا، أو يعترف بأننا محكوم علينا بدفع الثمن، لأن فكرة الاستمرار في الوقوف بجانب الشجرة التي لا تثمر، والأمل بأن ينمو منها غدا فجأة شيء لم ينم حتى اليوم، لا يمكن أن تكون خطة عمل.
نتيجة القتال المائلة في غزة اليوم تمنح وجاهة لمن حذر في العام 2005 من أن انتهاء الوجود الإسرائيلي فيها من شأنه أن يزيد من خطر تعرض مستوطنات الغلاف لخطر الصواريخ، كما توقع خبراء أمنيون أن تزداد دوافع المنظمات الفلسطينية لإلحاق الضرر بإسرائيل بعد استكمال الانسحاب، وبالتالي تدهور الوضع الأمني، كما أن إخلاء قطاع غزة سمح بتجديد البنية التحتية لتلك المنظمات، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة دخول قوات الجيش للمنطقة ذاتها.
يفند واقع غزة اليوم ما ردده المستوى السياسي سابقا عن أن الانسحاب منها سيؤدي لواقع أمني أفضل بسبب تقليل الاحتكاك مع الفلسطينيين، ويقلل خطر اضطرار الجنود للاستمرار في الإقامة الدائمة في غزة، ويقلل المخاطر التي تهدد المستوطنين، ويقلل من رغبة الفلسطينيين بإلحاق الأذى بهم، وأخيرا، فإن خطة فك الارتباط عن غزة ستؤدي إلى تقليص حجم القوة العسكرية المطلوبة للحفاظ على الأمن الجاري في هذه المنطقة، كل ذلك ثبت أنه هراء، ويدفع الإسرائيليين لأن يضربوا رؤوسهم بالحائط.
كان يجب أن تنتهي الحرب الأخيرة بالاحتلال الكامل لغزة، ونزع سلاح “حماس”، والعودة لأيام ما قبل اتفاق “أوسلو”، عندما كانت السيطرة الإسرائيلية كاملة على القطاع، وفتح أبوابه أمام هجرة ضخمة للفلسطينيين، وأي سيناريو آخر سيؤدي لمزيد من التدهور، لكن ذلك أوقفته تقديرات الجيش بأن احتلال القطاع سيكلف آلاف القتلى من الجنود من جهة، ومن جهة أخرى عدم امتلاك بنيامين نتنياهو للشجاعة إزاء انهيار “حماس”، وتحمل المسؤولية في غزة بدلا منها.
الواقع القائم اليوم في غزة أن “حماس” تتجول في شوارعها، وأيديها خلف ظهرها، وتعلم أنها تتمتع بالحصانة، ولا أحد لديه النية لإخضاعها، والقضاء عليها، وبالتالي فلا يمكن ردع من يتمتعون بالحصانة، مع أن الرد اليميني الحقيقي الراديكالي على غزة، الذي من شأنه تحييد آلية القصف، وليس مجرد تأخير عملها لفترة من الوقت، يجب أن يعتمد على احتلالها الكامل، وتحمل إسرائيل المسؤولية مجدداً عما يحدث فيها، لأنه لا مفر من انهيار ”حماس”.
اقترح بعض الإسرائيليين التحدث مع “حماس”، ومنهم ميراف ميخائيلي، رئيسة حزب العمل السابقة التي عارضت الإطاحة بالحركة بشكل قاطع، بزعم أننا بحاجة لإضعافها، وليس الإطاحة بها، أما نيتسان هوروفيتس، الرئيس السابق لحزب ميرتس، فأعلن أمام الكنيست قبل سنوات أنه لا يوجد حل عسكري في غزة، ولا توجد طريقة لوقف صواريخ القسام من خلال القوة فقط، لأننا مطالبون بأن نضمن لغزة أفقا سياسيا، وتحسين وضعها الاقتصادي مقابل الأمن.
أما يائير غولان، الرئيس الحالي لحزب العمل، فاقترح إعادة الإعمار الاقتصادي والبنيوي في غزة، وتمكين التعاون الدولي وإعطاء الأولوية للجزرة بدل العصا، لأنها ستجعل أهل غزة يهدؤون.
يجب ألا يغمض مؤيدو الصفقة الحالية أعينهم عن مخاطرها، لأن عبارة “إنجاز الصفقة بأي ثمن”، هو خطاب دعائي، ولم يعد بوسعنا تحمل أي ثمن، خاصة بعد هجوم “حماس” في تشرين الأول، صحيح أن الجيش دمر المزيد في غزة، وقتل وقصف المزيد، لكن الخلاصة أننا أثبتنا مرة أخرى بأفعالنا أنه من أجل هزيمتنا، لا يحتاج أعداؤنا لتجهيز أنفسهم بالصواريخ الباليستية، ولا حشد الجيوش، ولا إكمال العمل على أجهزة الطرد المركزي؛ فقط اختطاف عدد من الإسرائيليين، وحينها ستقدم الدولة كل ما لديها من تنازلات.
مع هذه الرسالة الخطيرة، لا يمكن لإسرائيل ببساطة أن تستمر، لأنها صنعت لنفسها نموذجا مفاده أنه لا توجد لديها مشكلة في الانحناء، رغم توفر أسباب وجيهة لهذا الانحناء، لأن لدينا اليوم أسرى في غزة، وعلينا إطلاق سراحهم، وهو ما تكرر سابقا في صفقة جبريل، العام 1985، وصفقة شاليط، العام 2011، لكن النتيجة أن جميع الأطراف اليوم باتت تدرك أن إسرائيل في كل مرة تفشل بتحقيق أهدافها، وهذه رسالة إشكالية تتطلب نقاشا عاما حادا.
هذا الاتفاق سيعزز “حماس” في غزة والضفة، وسيعزز مكانتها بين المنظمات الأخرى التي نجحت في إطلاق سراح أسراها الكبار من سجون الاحتلال، وهذه الصفقة تعلن بصوت عالٍ أنه إذا كان لدى أي أحد في العالم شكوك حول هوية صاحب الأرض الحالي في غزة، فإن “حماس” من تملك هذا البيت، حتى بعد اختطافها وقتلها مئات الإسرائيليين، والنتيجة أنها خرجت من هذه الحرب، على الأقل حتى اليوم، أقوى مما كانت عليه عشية السابع من تشرين الأول.
لم تكتفِ “حماس” بما فعلته في السابع من تشرين الأول، بل وقفت بشجاعة في وجه معركة طويلة ضد الدبابات والطائرات وفرق الجيش، وأنهت تلك المعركة وهي تقف على قدميها، وتملي شروط نهايتها، واليوم من سيدير الأمر في غزة خلف الكواليس هي “حماس”، وهنا هل سيكون منطقيا إعادة مستوطني بئيري وكفار غزة ونير عوز لمنازلهم، بعد إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين سيعودون لقتل الإسرائيليين، والسؤال الوحيد هو متى سيحدث ذلك، ومن سيكون القتلى الإسرائيليون، هذه المرة؟
من تم إطلاق سراحهم في صفقة شاليت هم من قادوا هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول، وعادوا لقتل الجنود والمستوطنين أيضا، وهو ما أكده رئيس جهاز “الشاباك”، قبل أسبوع من الهجوم، لوزراء الحكومة بأن 82 بالمئة من محرري صفقة شاليت عادوا لـ “الارهاب”، أي أن هناك 8 من كل 10 أسرى يعودون للعمل المسلح. ووفقا لبيانات الجيش، فهذه نسبة جنونية، وهذا يؤكد أننا أمام ثمن باهظ لهذه الصفقة، ينطوي على مخاطر جسيمة، ويضمن سفك المزيد من دماء اليهود، وتظل “حماس” حاكمة غزة على حدود النقب.
لا نستطيع أن نتصور أن “حماس” ستنتصر علينا في نهاية المطاف، لأن تدمير إسرائيل هو بمثابة بطاقة هويتها، فهي لا تملك شيئا آخر لتقدمه، ولن تتغير أيديولوجيتها، لقد رأينا جماهيرها يحتفلون في الشوارع، ولذلك ستبقى هذه الصفقة أعظم نقاط ضعف نتنياهو في هذه الحرب.
——————————————
خطة ترامب لغزة ترسم مصير الولايات المتحدة
إنّ خطط الرئيس دونالد ترامب للاحتلال وإعادة التنمية بقيادة الولايات المتحدة لقطاع غزة المدمّر بسبب الحرب ستكون مكلفة ومميتة ومتفجّرة سياسياً.
صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تنشر مقالاً للكاتب إيشان ثارور، يتحدّث فيه عن إعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن قطاع غزّة، ويقول إنّ الخطة ستكون مكلفة ومميتة ومتفجّرة سياسياً.
بعد أن أعرب الرئيس دونالد ترامب عن رغبته في الاستيلاء على غرينلاند وكندا وقناة بنما، أذهل الرئيس المتفرّجين مساء الثلاثاء في البيت الأبيض، حيث طرح فكرة احتلال وإعادة تنمية قطاع غزة الذي مزّقته الحرب بقيادة الولايات المتحدة. وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يقف إلى جانب ترامب، بالرئيس بسبب “استعداده للتفكير خارج الصندوق”.
والسؤال الذي يلوح في الأفق، من بين العديد من الأسئلة، الذي يخيّم على رؤى ترامب لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” المتألقة، هو ما الذي سيحدث لمليوني فلسطيني؟
وكان ترامب واضحاً في اعتقاده بأنه ينبغي للفلسطينيين إخلاء المنطقة، وبدا وكأنه يعتقد أنّ الكثيرين لن يعودوا، أو حتى لا ينبغي لهم العودة. وعلى حدّ تعبير ترامب نفسه، فإنّ الولايات المتحدة سوف تتخذ “موقف الملكية طويلة الأجل” لغزة.
قبل اجتماع ترامب مع نتنياهو، رفض بيان مشترك من الدول العربية مطالب البيت الأبيض بأن تستقبل مصر والأردن سكان غزة. والآن، تُرِكَت هذه الدول في صراع مع رغبة ترامب في القيام بما قد يرقى إلى التطهير العرقي للمنطقة، وهي الخطوة التي اقترح ترامب أنها قد يتمّ فرضها من خلال وجود القوات الأميركية.
“إنّ أيّ نقل، قال ترامب إنّه قد يكون مؤقتاً أو دائماً، من شأنه أن يفجّر المنطقة، نظراً لتاريخ النزوح الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي لغزة الذي دام عقوداً من الزمان، حيث لا يثق الفلسطينيون ولا الزعماء العرب المجاورون في قدرة إسرائيل على السماح للفلسطينيين بالعودة إلى غزة إذا غادروها. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في مصر والأردن، حيث يخشى القادة أن يقابل أيّ تدفّق للفلسطينيين بغضب حادّ بسبب ظهور التعاون مع إسرائيل”، وفق ما قاله زملائي.
لقد بدأ ترامب ولايته الثانية بالتوسّع كهدف معلن. وبينما تخلى عن التعريفات الجمركية المخطط لها على السلع الكندية، فقد أكد أنّ حليفة الولايات المتحدة الثابت وجارتها الشمالية سيكون من الأفضل أن تكون “الولاية رقم 51”. وهدّد بإعادة احتلال قناة بنما بسبب مخاوف من التعدّي الصيني. وهو يعتقد أنّ غرينلاند، وهي جزء مستقلّ من الدنمارك، يجب أن يتمّ الاستيلاء عليها من أجل إرضاء المصالح الاستراتيجية لواشنطن في القطب الشمالي.
ولكن الاقتراح الخاص بغزة، على الرغم من أنّه يبدو غير محتمل، هو أكثر إثارة للدهشة. فقد ندّد ترامب بالدعم الأميركي المفتوح لجهود الحرب في أوكرانيا، وتحسّر على الطرق التي أهدرت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة الدماء والثروات الأميركية في الشرق الأوسط. ولكن يوم الثلاثاء، طرح التزاماً أميركياً سيكون مكلفاً ومميتاً ومتفجّراً سياسياً.
——————————————
نقطة نظام: هل يستطيع ترامب ضم غرينلاند وكندا وقناة بنما؟
هل يقدر على تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة؟
الإجابة الواضحة: لا.
لكن هل هذا يعني أن مجرد الحديث عن هذه الأفكار بلا تأثير؟ أيضًا لا.
ما يفعله ترامب ونتنياهو مش مجرد هراء سياسي، بل هو تلاعب استراتيجي محسوب يعتمد على خلق واقع وهمي بحيث تصبح الأفكار المستحيلة قابلة للنقاش، والمشاريع غير القابلة للتنفيذ تبدو وكأنها سيناريوهات مطروحة.
هذه ليست سياسة مرتجلة، بل أسلوب مدروس مستوحى من نظريات سياسية وإعلامية تستهدف إعادة تشكيل الوعي العام ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعية بدلًا من إبقائهم في موقع الهجوم.
تعالوا نفهم كيف خطابهم:
■أولًا نظرية الدخان والمرايا Smoke and Mirrors: هدفها تحويل الوهم إلى حقيقة إعلامية
هذه الاستراتيجية تقوم على خلق ضجة إعلامية ضخمة حول شيء غير حقيقي، بهدف تشتيت الانتباه أو تحقيق أهداف غير معلنة.
كيف تُستخدم هنا؟
- تكرار الحديث عن تهجير الفلسطينيين رغم استحالة تنفيذه، ليس لأن أحدًا يعتقد بإمكانية حدوثه، بل لجعل الناس يتعاملون معه كأمر مطروح للنقاش بدلًا من رفضه فورًا.
- تحويل قضية فشل إسرائيل عسكريًا في غزة إلى نقاش حول (أين سيذهب الفلسطينيون؟) وكأن رحيلهم أمر محتوم والخلاف بس على الوجهة!
- جعل الدول المستهدفة (مصر، الأردن، دول الخليج) تبدو وكأنها في موقف المفاوض على صفقة ما بدلًا من كونها ترفض الفكرة من أساسها.
شو النتيجة؟
- الجمهور يبدأ في التعامل مع التهجير كفكرة (مطروحة) بينما هي جريمة حرب مستحيلة التنفيذ.
- الأطراف العربية والدولية تُجبر على إصدار تصريحات نفي وتوضيح، مما يجعلها في موقف دفاعي، ويمنح القصة مصداقية زائفة.
- النقاش يتحول من (هل يجب وقف العدوان الإسرائيلي؟) إلى (ما البدائل المطروحة أمام الفلسطينيين؟) وهو بالضبط الهدف الحقيقي من هذا التضليل..
■تانيًا نظرية إغراق الساحة Flood the Zone: هدفها السيطرة عبر الفوضى
الاستراتيجية تعتمد على إغراق الإعلام والرأي العام بوابل من التصريحات والقرارات، بغض النظر عن واقعيتها، بهدف السيطرة على السردية السياسية.
كيف يستخدمها ترامب ونتنياهو؟
- ترامب يصدر تصريحات متكررة عن (خطط كبرى) كالتهجير، بناء الجدران، فرض عقوبات، حظر دول، رغم أنه يعلم أنها غير قابلة للتطبيق.
- الهدف: إرباك الإعلام والمعارضين، بحيث يصبح من المستحيل الرد على كل تصريحاته أو كشف تناقضاته.
- نتنياهو، المحاصر سياسيًا بسبب فشل الحرب، يعتمد على إطلاق تهديدات ضخمة ومتكررة، ليس لأنه قادر على تنفيذها، بل لإبقاء الجميع في حالة (رد فعل) بدلًا من التركيز على جرائمه وإخفاقاته.
النتيجة؟
- الإعلام والجمهور يجدان نفسيهما مضطرين لملاحقة التصريحات الجديدة، بدلًا من التركيز على الحقيق الأساسية: إسرائيل فشلت عسكريًا، وترامب يناور إعلاميًا.
- كلما زاد الضجيج، كلما أصبح من الأسهل تمرير القرارات الخطيرة وسط الفوضى.
■ تالتًا: نظرية السردية بالقوة Manufacturing Consent: هدفها؟ التكرار يصنع القبول
هذه الاستراتيجية تقوم على إعادة طرح الأفكار بشكل متكرر حتى تصبح مألوفة، وبالتالي أقل صدمة، وأكثر قبولًا بشكل غير مباشر.
كيف يحدث هذا؟
- قبل أشهر الحديث عن تهجير الفلسطينيين بهذا الزخم لكن الآن، بسبب تكرار التصريحات، أصبحت الأمر يناقش في وسائل الإعلام كأنه خيار ضمن عدة خيارات.
- الأمر لا يتعلق فقط بالتكرار، بل بإغراق الساحة بنفس الفكرة من زوايا متعددة: تصريحات أمريكية، تهديدات إسرائيلية، تسريبات إعلامية، تحليلات استراتيجية، حتى يبدو وكأنه واقع لا مفر منه.
- هذه الطريقة استُخدمت سابقًا في الحرب على العراق.. حيث تحول أسلحة الدمار الشامل من كذبة إلى ذريعة للحرب، بسبب التكرار المكثف.
النتيجة؟
- يصبح (التهجير) فكرة مطروحة على الطاولة، حتى لو كان الرفض العربي والدولي لها قويًا.
- يتحول النقاش من هل هذا ممكن؟ إلى شو الطريقة الأفضل لتنفيذه؟.. وهو بالضبط ما يسعى إليه ترامب ونتنياهو
الخلاصة:
ما يحدث خطير جدًا، لكنه ليس سببًا للذعر، بل سبب لموقف صارم وحازم يرفض حتى التعامل مع هذه الأفكار كنقاش مشروع.
الخطر الأكبر ليس في قدرة ترامب ونتنياهو على تنفيذ مخططاتهم، بل في قدرتهم على جعل الناس يتعاملون معها كأمر ممكن.
المطلوب ليس فقط رفض الفكرة، بل رفض حتى الحديث عنها كخيار سياسي.
عدم الوقوع في فخاخ التصريحات المتضاربة والمناورات الإعلامية، والتركيز على الحقيقة الأساسية: كل هذا مجرد خدعة لحرف الأنظار عن فشل الاحتلال وخلق ضغوط سياسية زائفة.
تذكروا
- التهديدات ليست خططًا، بل أوراق ضغط. ما يريده ترامب ونتنياهو هو تحويل المستحيل إلى احتمالات وهذا ما يجب محاربته بكشف التلاعب الإعلامي.
بقلم: مُنى حوّا
—————–انتهت النشرة—————–