الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي للجبهة الديمقراطية

  الصحافة الاسرائيلية – الملف اليوميافتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 22/3/2024

بين السياسي وأتباع “الخطة الإلهية”: هل تقف إسرائيل على شفا حرب أهلية؟

بقلم: شاؤول ارئيلي

تعيش إسرائيل في صراع داخلي منذ حرب الأيام الستة، بين الذين اعتبروا المناطق المحتلة وديعة لتسوية النزاع مع العالم العربي، وبين القوميين المسيحانيين المتطرفين الذين اعتبروا الانتصار في الحرب خطوة في الطريق إلى الخلاص.

مظاهر الصراع تفاقمت مع مرور الوقت كلما أعادت إسرائيل مناطق في إطار اتفاقات السلام مع مصر والأردن، خصوصاً في اتفاقات أوسلو مع م.ت.ف. مستقبل الانقلاب النظامي وأحداث 7 أكتوبر هي التي ستحسم إذا كان المجتمع الإسرائيلي سيخطو الخطوة الأخيرة ويدخل إلى حرب أهلية عنيفة. لإدراك ذلك، يجب فهم كيف يعتبر كل طرف هذه الأحداث في إطار عقيدته الأساسية، وفي سياق إقامة دولة إسرائيل، جوهرها ووجودها.

الأسطورة المسيحانية لأعضاء “غوش إيمونيم” على أجيالهم، من مدرسة الحاخام كوك والحاخام أبراهام إسحق هكوهين (هرايا) والحاخام تسفي يهودا هكوهين، هي أسطورة مميزة، لا تنبع من عمق المشكلة واليأس الذي يولده التوق إلى مستقبل أفضل مع قدوم المسيح، بل من رؤية معاكسة.

ليس الشعور بالفشل هو الذي يحركها، بل الشعور بالنجاح والتحقق قبيل الخلاص. حسب هذه الرؤية، فإن هناك أوقاتاً تنبت فيها بذور الخلاص أمام أعيننا، الأمر الذي يسمى “علامات نهاية المنفى”: مثلاً، وعد بلفور، وقرار التقسيم، والانتصار في حرب الاستقلال وحرب الأيام الستة، كل ذلك يظهر أن الله قرر تخليص شعب إسرائيل ويعد بالخلاص.

عندما سئل الحاخام العسكري الأول شلوم غورين في حينه، كيف يرى دولة إسرائيل تندمج في حلم الخلاص المسيحاني لشعب إسرائيل، أجاب: “الشريعة تنفي إمكانية وضع مؤقت في العملية التاريخية، وتعترف بثلاث فترات فقط: الأولى، من احتلال البلاد على يد يهوشع بن نون وحتى دمار الهيكل. الثانية، فترة الشتات. والثالثة، الفترة المسيحانية. أؤمن بأننا الآن في بداية هذه الفترة، وبأننا سنحظى برؤية إقامة الهيكل” (“يديعوت أحرونوت”، 16/4/1965).

القدرة على تشخيص الخطة الإلهية و”علامات نهاية المنفى” لا يتمتع بها إلا أعضاء هذه المجموعة. كما فسر الحاخام تسفي يهودا هكوهين التصويت في الأمم المتحدة على قرار التقسيم: “من شارك في جلسة الأمم المتحدة عندما قرروا إقامة دولة إسرائيل، وكانت له عيون حقيقية، رأى من هو الرئيس الحقيقي في تلك الجلسة. لم يكن تريجفيلي، مندوب السويد الذي جلس هناك حاملاً المطرقة، بل الله هو من كان يجلس هناك، وقرر: الأرجنتين – نعم. بوليفيا – لا. البرازيل امتنعت. في النهاية إجمالي الأصوات – نعم (موقع الكلية “أضواء إسرائيل”).

إن علامات نهاية المنفى هي المراحل التي تدل على نجاح ما دامت مستمرة في الظهور. هذا نجاح محظور وقفه. لماذا؟ لأنه حسب تفسير الحاخام، فالإنجازات التاريخية وحدها، حتى النجاح المطلق، هي حجر الفحص الواضح في كل مرحلة لصدق المسيرة المسيحانية. كتب الحاخام شمطوف ايفن غاؤون في القرن الرابع عشر: “لن يتضح ذلك إلا بالنجاح”، كما كتب الرمبام.

ما هو النجاح؟ هو كما وصفه حنان بورات: “ليس تجميع الشتات وقيام الدولة وأمنها سوى مدماك أول. أمامنا أهداف كبيرة هي جزء لا يتجزأ من الصهيونية، على رأسها إقامة مملكة كهنة وأمة مقدسة، وإعادة الهدوء إلى صهيون وإقامة مملكة داود وبناء الهيكل، كنقطة بداية لإصلاح العالم”.

على خلفية هذه الرؤية، يمكن فهم الانقلاب النظامي ومحاولة التشريع لحكومة نتنياهو الحالية، التي يديرها سموتريتش وبن غفير وأعضاء أحزاب الائتلاف. هذه استهدفت إزالة العقبات من الطريق إلى سيادة يهودية في كل أرض إسرائيل: خصي السلطة القضائية وعلى رأسها المحكمة العليا، وشل قدرتها على العمل ضد قرارات الحكومة، حتى لو كانت مناقضة لقيم وثيقة الاستقلال وقوانين الأساس والقانون الدولي؛ وإزالة الشروط التي ستمكن المعارضة من استبدال الائتلاف في الانتخابات؛ وكم أفواه وسائل الإعلام المستقلة والمنتقدة، والسيطرة عليها حتى تجنيدها بالكامل؛ وقمع من يقفون ضد سياسة الحكومة وما شابه.

التفسير الذي يعطيه المسيحانيون لـ 7 أكتوبر يشبه تفسير الكارثة. الحاخام تسفي يهودا يشرح بأن الكارثة جزء من الخطة الإلهية. وله تفسير يعارض تفسير الحاخام من ستاتمر والحاخام يوئيل تايتلبويم الذي اعتبر الصهيونية الحديثة سبباً في الكارثة، لأنها خرقت الثلاثة أيمان التي حلّف بها الله الشعب اليهودي عند خروجه إلى المنفى، على رأسها “لا تتسلق الجدار”، الذي يعني تحريم تسريع النهاية وواجب انتظار قدوم المسيح بهدوء. تفسير الحاخام تسفي يهودا للكارثة يعتمد على الغمارة التي تضيف يمين إضافية: “عدم إبعاد النهاية”، أي يجب الامتناع عن القيام بأفعال تؤدي إلى ابتعاد الخلاص. بناء على ذلك، حدثت الكارثة لأنه في الوقت الذي فتحت فيه العناية السامية الباب وأظهرت بأن الله يريد أن نذهب إلى أرض إسرائيل، لم يهاجر اليهود “في فترة الانتداب”، وبذلك خالفوا القسم الإلهي وعوقبوا: “شعب إسرائيل تم أخذه وقطع من أعماق المنفى إلى دولة إسرائيل. سفك دماء الستة ملايين هو قطع فعلي للجسد الوطني. كل الشعب تعرض لجراحة سماوية على يد المفسدين، ليمحو الله اسمهم” (الحاخام هراتسيا، “أرض الظباء”).

لكن هناك مقابلاً للمعاقبين على صورة عودة إلى مسار الخلاص الذي هو قلب هدف الشعب اليهودي كما يواصل الحاخام هرتسي يهودا ويشرح: “من خلال هذا القطع الوحشي… يتبين موضوع حياتنا، إحياء الأمة والبلاد”. من الواضح أنه إذا زل شعب إسرائيل مرة أخرى ولم يستغل “حقيقة” أن الله قاده إلى النصر في حرب الأيام الستة واحتلال كل البلاد، وأوقف أعمال الاستيطان وفرض السيادة اليهودية على كل البلاد، فسيحل به عقاب لا يمكن تحمله”.

بهذه الروحية تم تفسير المذبحة التي نفذت ضد سكان النقب الغربي في 7 أكتوبر. فقد كتب البروفيسور يوئيل اليتسور بعد أسبوع على ذاك السبت اللعين في موقع “سيروغيم” بأن المذبحة التي نفذتها حماس هي جزء من الخطة الإلهية للإسرائيليين الذين يجلبون الكوارث على شعب إسرائيل ويفشلون الخطة الإلهية. وقد ربط بين المذبحة، والعلمانية وعدم الدفع قدماً بفكرة “أرض إسرائيل الكاملة”، أي أن الله استخدم حماس كما استخدم النازيين من أجل المس بمن يرفضون التعاون مع خطته.

وقد استكمل ذلك وزير المالية سموتريتش عندما قال في مقابلة مع “كان 11” في 1/1/2023: “ربما كان يجب علينا أن نحصل على هذه الضربة القاسية والمؤلمة كي نتذكر أنفسنا للحظة”. أي أن هذا حدث كي يتذكر الشعب اليهودي هدفه في المسيرة المسيحانية. وثمة علامة تحذير هنا: الاستخدام الإلهي بحماس لمهاجمة إسرائيل، هو الذي مكن إسرائيل من إصلاح “الخطأ” الموجود في خطة الانفصال التي شوشت على الخطة الإلهية، ومن أجل إعادة احتلال قطاع غزة.

ولاستكمال الإصلاح، كما يكثر المسيحانيون القول مؤخراً، يجب استئناف استيطان اليهود في قطاع غزة وإجلاء سكانه وضمه لإسرائيل. سيكون هذا إنجازاً له أهمية تاريخية، وسيبرر العدد الكبير من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي. وكما قالت الوزيرة أوريت ستروك: “العودة إلى قطاع غزة ستنطوي على عدد كبير من الضحايا، لكن الحديث يدور في نهاية المطاف عن جزء من أرض إسرائيل. وهذا سيحدث عندما ينضج شعب إسرائيل لذلك، للأسف الشديد، هذا سيكلف ثمناً دموياً” (القناة 7، 21/3/2023).

ويرى المسيحانيون في الحرب على غزة فرصة لتصعيد الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين في الضفة لوصول الأمر إلى مواجهة شاملة، التي سيتم في نهايتها إقصاء السلطة الفلسطينية ويقف الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة أمام الخيارات الثلاثة التي تشملها خطة الحسم التي أطلقها سموتريتش في 2017: “من يريد الهرب فليهرب، ومن يريد التسليم فليسلم، ومن يريد المحاربة فليفعل ذلك”.

من هنا، فإن عودة سيناء لمصر ونقل مناطق أ و ب للسلطة الفلسطينية وخطة الانفصال وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، كل ذلك علامات معاكسة لـ “نهاية المنفى”. وهي تدل على أن نهاية العملية ليست النجاح في “وراثة البلاد”. لذلك، قالت ستروك في المقابلة إن عودة المستوطنين إلى “حومش” التي تم إخلاؤها في عملية الانفصال هي “نقطة أرخميدس”، التي يبدأ الإصلاح منها لخطأ الانفصال والانسحاب بشكل عام. “دولة إسرائيل تصعد مرة أخرى إلى الطريق الصحيحة للتقدم، بدلاً من طريق الانسحاب التي كانت سابقاً. أي أن الحرب في غزة هي استمرار لعملية الإصلاح التي تقودها الحكومة الحالية بكل ثمن. بالنسبة لها، فإن أحداث 7 أكتوبر واحتلال القطاع، دليل على ذلك.

في المقابل، الجمهور العلماني اليهودي في إسرائيل يعتبر أحداثاً مثل تصريح بلفور، علامة على الطريق في إقامة والحفاظ على وجود دولة للشعب اليهودي في وطنه، مع الاستناد إلى مبررات سياسية وتاريخية وقانونية وأخلاقية، حتى لو كان بعضها يختلف عن التي رافقت إقامة دول قومية أخرى بعد الحرب العالمية الأولى. هذا الجمهور يعتبر إسرائيل “الملجأ الآمن” للشعب اليهودي، الذي يعيش على خلفية قيم وثيقة الاستقلال، وعلى رأسها الديمقراطية والمساواة والعضوية في المجتمع الدولي.

هذا الحلم الذي بدأ في رؤية “الآباء المؤسسين” للدولة سيكف عن الوجود إذا نجح الانقلاب النظامي. قد يوجد الآن فقط في الانفصال السياسي عن الفلسطينيين في إطار فكرة الدولتين. بناء على ذلك، فإن أحداث 7 أكتوبر تعتبر ثمناً كان يمكن منع دفعه، وهو ثمرة فجة لسياسة نتنياهو وأحلام أعضاء حكومته المسيحانية. في الحقيقة، تشير الاستطلاعات إلى انخفاض تأييد حل الدولتين في المجتمع اليهودي، لكن ما زال هناك أغلبية في المجتمع تؤيد الانفصال عن الفلسطينيين.

هذه الرؤية تحظى بالدعم الكبير من المجتمع الدولي. عقب الثمن الباهظ والزائد الذي جبته أحداث 7 أكتوبر والحرب في غزة من إسرائيل وإزاء دمار قطاع غزة مع أكثر من 100 ألف قتيل ومصاب وتصعيد إقليمي، أدرك المجتمع الدولي بأن عليه لعب دور نشط أكثر من أجل تطبيق حل الدولتين. هكذا مثلاً أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، عندما قال إن حل الدولتين يجب فرضه على الطرفين من الخارج (13/1).

التقسيم الأيديولوجي إلى جمهورين يدل على أن مفاهيم “اليمين” و”اليسار” لم تعد ذات صلة بالمنظومة السياسية والمجتمع في إسرائيل. وقد تكون كطرفين في تسلسل واحد، يقوم على حلم مشترك – لكن هذين الجمهورين في إسرائيل لا حلم مشتركاً بينهما. مناحين بيغن، اليميني، كان يطمح إلى تطبيق حلم أرض إسرائيل الكاملة. ولكنه التزم في 1972 بحلم “الآباء المؤسسين”: “الصهيونية… هذه هي أسسها في أرض إسرائيل، التي لا ينازعنا في حقنا أحد فيها، ستكون أغلبية يهودية وأقلية عربية ومساواة في الحقوق للجميع. لم ولن ننحرف عن هذه العقيدة التي تنطوي عليها عدالة قضيتنا”.

على حكومة إسرائيل تبني أقوال إسحق رابين، “ضد رؤيتهم الأساسية، التي تناقض أساس الديمقراطية في إسرائيل، كان يجب النضال أيديولوجياً كي يكشف المعنى الحقيقي لموقف “غوش إيمونيم” وطرق عملها، ويؤدي إلى عملية اتفاق دائم مع الفلسطينيين” (من خلال سجل الخدمة).

———————————————

 معاريف 22/3/2024

كيف تبدو عودة ترامب إلى البيت الأبيض كارثة تحل على إسرائيل؟

بقلم: شلومو شمير

في عصر انهيار المفاهيم كنتيجة لكارثة 7 أكتوبر، تلوح إمكانية متجددة ومقلقة لعودة مفهوم قديم جديد، تعاظم خطره وتهديده مؤخراً، واسمه دونالد ترامب.

في مقالات رأي تنشر في مواقع شائعة وفي تصريحات يطلقها السياسيون، وفي ردود الفعل على خطوات موضع خلاف في مجال علاقات إسرائيل والولايات المتحدة، تطلق مؤخراً تعابير عطف ومحبة لترامب، تعابير تسعى للإقناع بأنه الأفضل من بايدن بانتخابه رئيساً جديداً.

منذ وقت غير بعيد، نشر استطلاع يظهر أن 44 في المئة من الإسرائيليين يفضلون ترامب كرئيس، وبين مصوتي نتنياهو يفضلون ترامب. بكلمات أخرى، فإن مفهوم ترامب جيد لإسرائيل، ومن المجدي نشره. هذا مفهوم ليس بمثابة رهان فحسب بل وخطير ومهدد وهدام للولايات المتحدة، وللعالم الحر وأساساً لإسرائيل. ويكاد يكون غنياً عن البيان أن إسرائيل دولة تربطها صداقة تقليدية مع الولايات المتحدة، دولة مدعومة من الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى في العالم.

في عواصم القوى العظمى الغربية والبلدات الديمقراطية المركزية، التقديرات التي تفيد بفرص انتخاب ترامب مرة أخرى كرئيس للولايات المتحدة، كابوس وحلم مزعج. فهو يذكر في هذه الأماكن كمن دمر مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى مؤثرة ورائدة. كمن أهان وأذل قوى عظمى كألمانيا فرنسا وبريطانيا. كما أُعجب بطغاة مثل فلاديمير بوتين وانبطح أمامهم، وتباهى بقصة العشق التي له مع حاكم كوريا الشمالية كيم يونغ أون. وحتى في أوساط سفراء ودبلوماسيين كبار قدامى في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، يتحدثون بقرف عن فرص ترامب لانتخابه رئيساً مرة أخرى.

هاجم ترامب هذا الأسبوع اليهود الذين يصوتون للديمقراطيين كمن “يكرهون أنفسهم، وعليهم أن يخجلوا من أنفسهم”. أحقاً. من يتجرأ ويتحدث عن اليهود؟ فقد ادعى ترامب بأن “هتلر فعل أموراً طيبة”، والمقابل لقول مريض مجنون ومزعج كهذا لا يزال يطلب أصوات اليهود في الولايات المتحدة. هرعت العصبة ضد التشهير ونشرت بياناً صحافياً شجبت فيه تصريحات ترامب عن أنماط تصويت اليهود كـ “لاسامية”.

كاتب مقال في “نيويورك تايمز” نشر هذا الأسبوع مقالاً تحت عنوان “أتريدون معرفة ما يريده ترامب؟ استمعوا لما يقول”. والكاتب يفصل قائمة من تصريحات أطلقها ترامب في السنوات الأخيرة، كل منها يجلي عنصريته وكراهيته للغريب، وعداءه لأبناء الأقليات، بمن فيهم اليهود.

مقال هو خلاصة مخيفة لما هو متوقع من مفهوم ترامب، بخاصة لإسرائيل.

الله يحمينا

لا يذكر التاريخ الانتخابي للمتنافسين على الرئاسة في الولايات المتحدة مرشحاً يعلن صراحة ماذا سيفعل إذا ما وعندما ينتخب كرئيس – وماذا سيفعل إذا ما وعندما يخسر. لكن هذا ما يعلنه ترامب منذ أن تقرر بأنه سيكون المرشح الجمهوري للرئاسة في 2024. فقد أعلن بأنه كرئيس، فأول ما سيفعله هو العفو وتحرير كل المتهمين الذين يقضون عقوبات بالسجن على مشاركتهم العنيف والإجرامية للهجوم على مبنى الكابيتول.

وأعلن بأنه سيعتقل وسيعمل على حبس من برأيه يعتقل ويحبس المسؤولين الذين برأيه، عرقلوا أداءه لمهامه كرئيس ولم يطيعوا أوامره. وأعلن هذا الأسبوع للمواطنين الأمريكيين بأنه إذا ما خسر في الانتخابات ولم ينتخب “فسيسفك دماً في أمريكا” و”ستكون هذه الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة”. لا أقل ولا أكثر.

بكلمات بسيطة، يوضح دونالد ترامب مسبقاً وبشكل لا لبس فيه، بأنه لن يقبل نتائج الانتخابات الرئاسية إذا لم تكن لصالحه، ويقول بأنه إذا ما فاز بايدن فـ “النتائج مسروقة”. هذا ليس مضحكاً، بل مخيف.

المقلق إزاء مفهوم ترامب الخطير هو الخوف من أنه يشكل جزءاً من سلوك نتنياهو المهزوز تجاه الرئيس بايدن. لا يمكن استبعاد إمكانية أن يكون نتنياهو بالفعل يفكر بأنه مسموح تحدي بايدن والصدام معه، لأنه سيخسر في انتخابات الرئاسة بعد بضعة أشهر، وسينتخب ترامب الذي كان صديقه الكبير بدلاً منه.

الفظيع في هذا التفكير أنه حتى إذا ما فاز ترامب ودخل البيت الأبيض لأربع سنوات، فسيكون كارثة لإسرائيل. ما لا يستوعبه نتنياهو ولا يريد أن يستوعبه، هو أن ترامب اليوم ليس ترامب قبل أربع سنوات. لم يعد صديقاً فحسب، بل مليء بالهزء والاستخفاف والاستهتار بنتنياهو.

“كون بايدن هو الرئيس في زمن الحرب ضد حماس، يعدّ هدية من السماء”، قال يهودي قديم ومقدر في الجالية في حديث مسؤول. “لو كان ترامب هو الرئيس الآن، لبعث بسبب الضغوط ببعض السلاح لإسرائيل. لكن الواضح أنه لن يكون المبادر والمفكر بعرض 17 مليار دولار مساعدة مالية لإسرائيل في زمن الحرب”.

التصريحات التي أطلقها ترامب في الأيام الأخيرة حول الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حماس ومطالبته بوقف نار فوري، دليل على الخطر المرتقب منه على إسرائيل إذا ما انتخب رئيساً. الله يحمينا.

عملياً، وضع ترامب كمرشح مهزوز وليس جيداً. لا يملك مالاً، وأعلن محاموه بأنه لن يستطيع دفع غرامات بمبلغ 400 مليون دولار فرضت عليه. حسب تقارير أخيرة، حملته الانتخابية تفتقد للمال والمتبرعين. ويتحدث الصحافيون عن أن الحملة ليست منظمة أو مرتبة، وكبار النشطاء يتركون. أخيراً، نستنتج أن مفهوم ترامب الذي يتسلل بين إسرائيليين غير قليلين، لا يعدّ هذياناً بل هو كارثة لإسرائيل.

———————————————

 هآرتس 22/3/2024

3 أشهر في “غوانتنامو إسرائيل”.. عميرة: قالوا “بدأ العرض”.. فغابت كلمات درويش

بقلم: جدعون ليفي وأليكس ليباك

تحرر منذر عميرة من غوانتنامو، اعتقل عدة مرات من قبل، ولكن ما مر به في السجن الإسرائيلي في فترة الحرب لا يشبه ما كان عرفه. أحد الأصدقاء قال له إن الأشهر الثلاثة الأخيرة التي كان معتقلاً فيها تساوي عشر سنوات في السجن. الشهادة المفصلة التي قدمها لنا عميرة في هذا الأسبوع في بيته في مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، كانت صادمة؛ لقد تطرق إلى أدق التفاصيل بدون أي حساسية، إلى أن رغبنا في إنهاء أقواله. لم يكن بالإمكان تحمل هذه الأمور، لكن يبدو أن عميرة انتظر الفرصة للتحدث عما مر به. لقد حدثنا عن قصة جهنم التي مر بها بلغة إنجليزية طليقة، دمج فيها لغة السجن بالعبرية. انطلقت منه الأوصاف تباعاً، رعب تلو رعب وإهانة تلو إهانة، وعبر عنها بلغة الجسد وهو يركع على الأرض مرة تلو الأخرى، وفي ثلاثة أشهر فقد 33 كغم من وزنه. في هذا الأسبوع كان يبدو قوياً، جسدياً ونفسياً.

صورتان كبيرتان معلقتان في بيت عميرة، الأولى لناصر أبو سرور، صديقه الأسير منذ 32 سنة بتهمة قتل عميل لـ”الشاباك”، والأخرى لنفسه يوم إطلاق سراحه قبل أسبوعين. تصعب ملاحظة التشابه بين محدثنا ومظهره في الصورة. عمره 53 سنة، متزوج وأب لخمسة أولاد، ولد وترعرع في مخيم اللاجئين هذا الذي يعيش فيه أحفاد 27 قرية فلسطينية مدمرة. وهو الذي رسم مفتاح العودة الكبير المعلق على بوابة المخيم وكتب عليه “ليس للبيع”. عميرة ناشط سياسي يؤمن بالنضال غير العنيف، حتى بعد القتل في غزة، أكد؛ ابن حركة فتح ويعمل في وزارة الاستيطان والجدار في السلطة الفلسطينية، وهو خريج كلية علم الاجتماع في جامعة بيت لحم.

في 18 كانون الأول 2023، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل… ضجة كبيرة، نظر عميرة من النافذة وشاهد الجنود يضربون شقيقه الأصغر كريم (40 سنة)، وهو المدير الإداري لقسم القلب في مستشفى “الجمعية العربية” في بيت لحم. الجنود جروا كريم إلى الطابق الثاني، إلى شقة منذر، هناك رموه في وسط الصالون. وقال عميرة إن شقيقه فقد وعيه، فهو غير معتاد على مثل هذا العنف.

جنود كثيرون كانوا في الغرفة، ربما عشرة. ابنة عميرة، يمنى، وقفت خلفه. قال الضابط: “خذوها”، فارتعب قلب عميرة. هل جاءوا لاعتقال ابنته الطالبة ابنة الـ 18؟ ما ذنبها؟ بعد ذلك، كبل الجنود ابنيه محمد (13 سنة) وغسان (22 سنة). كان محمد يرتدي قميصاً عليه خارطة فلسطين، فمزق الجنود القميص. الأب لا يعرف ما الذي يحدث. التقط الجنود صورة لعميرة وأرسلوها إلى جهة ما. “هذا كل شيء”، قالوا بعد ذلك. ثم قيدوا عميرة واقتادوه إلى موقع عسكري. وهناك رموه أرضاً وبدأ الجنود بركله، حسب قوله. بعد ساعة، أعادوه إلى البيت. كانت عيناه معصوبتين، سمع يمنى وهي تصرخ “أحبك”. وهي لحظة سترافقه في الأشهر الثلاثة القادمة في السجن.

بعد أن أخذه الجنود في السيارة رموه على أرضية السيارة وركلوه وداسوا عليه بدون توقف. بعد نصف ساعة، وصلوا إلى قاعدة عسكرية وتركوه في الخارج في ليلة من ليالي كانون الأول. تحدث الجنود عن غزة، وقال له أحدهم “اليوم سنحقق حلمك. هل ترغب في أن تكون شهيداً، سنرسلك إلى غزة”. كان عميرة يرتجف، خاف أن ينفذ الجنود غايتهم، وتخيل موته في غزة. “أريد العيش لا الموت”، قال واصفاً سير الأحداث.

في الصباح، وجد نفسه في معسكر “عتصيون”. “بدأ العرض”، قال الجنود. أدخلوه إلى مكتب، وفكوا القيود التي تركت آثاراً زرقاء على يديه، ثم طلبوا منه خلع ملابسه، وعندما وصل إلى الملابس الداخلية، رفض خلعها. ركله الجنود فسقط أرضاً. “فجأة، أدركت ماذا يعني الاغتصاب، وماذا يعني التحرش الجنسي. أرادوا تعريتي وتصويري”. وقف عارياً وأمره الجنود بفتح رجله، وشعر بإهانة لم يشعر مثلها. شعر أنهم سينشرون الأفلام التي صوروها، وفي النهاية أخذوه إلى الزنزانة.

وجبة المساء تضمنت قطعتي جبنة وخبز. ووجبة الغداء في اليوم التالي أزعجته تماماً. وضع الجنود أربعة صحون في زوايا الغرفة الأربع، وطلبوا من المعتقلين الثمانية الركوع والأكل من هذه الصحون بأيديهم. كان المشهد مشهد قطط الشوارع. والطعام عصيدة غير قابلة للأكل. حسب قوله، ربما كان خليطاً من بقايا طعام الجنود. سأل عن شيء أبيض. فقالوا بيضة. لم يأكل عميرة.

في اليوم التالي، نقلوه إلى سجن عوفر، حيث التحقيق معه حول منشورات قال الجنود إنه رفعها، لكنه نفى ذلك. “لا يوجد على صفحتي في الفيسبوك شيء يؤيد العنف”، قال. المنشورات تضمنت التماهي مع مصير سكان غزة. “مبروك، قال لي المحقق. ستذهب إلى الاعتقال الإداري”، هكذا حكم عليه مدة أربعة أشهر سجناً بدون محاكمة. وحسب معرفته، بدون أدلة أيضاً. “كنت في عوفر من قبل، لكن الأمر لم يكن هكذا”. خليط بين أيام حرب مسموح فيها التنكيل بالفلسطينيين في كل مكان وبين مصلحة سجون تابعة لبن غفير. قرر عميرة عدم معارضة أي شيء بعد ذلك، كي يبقى على قيد الحياة.

وقال المتحدث بلسان مصلحة السجون للصحيفة هذا الأسبوع، رداً على ذلك: “لا نعرف عن الادعاءات المذكورة. وهي غير صحيحة، حسب معرفتنا. في حالة تقديم شكوى منظمة، سيفحصها الضباط المعنيون”.

وقال المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: “تم اعتقال المشبوه بتهمة التحريض والنشاط في منظمة معادية في 18 كانون الأول. في جلسة المحكمة العسكرية التي ناقشت طلب النيابة العسكرية تمديد اعتقاله، طرح المشبوه ادعاءات ضد سلوك الجنود معه أثناء الاعتقال. ما زالت الادعاءات قيد الفحص”.

بعد ثلاثة أشهر تم إطلاق سراحه، أي قبل شهر من الوقت المحدد. في بيته، قال لنا في هذا الأسبوع: “كتب محمود درويش بأن الأسرى أمل الشعب الفلسطيني”. لم يعد هذا صحيحاً؛ هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الأسرى الانتحار، المرة الأولى التي شعرت فيها بأن باب الزنزانة باب القبر. السجن الإسرائيلي مقبرة للأحياء.

———————————————

هآرتس 22/3/2024

العشائر ترد و”ميناء بايدن” يجبر مصر على “بلع ريقها”.. وتل أبيب في تدوينة “العصابات تسرق وإسرائيل تحمي”

بقلم: تسفي برئيل

“العائلات والحمائل في غزة تنفي التقارير التي تفيد بأنها اجتمعت مع جهة دولية معينة. ونؤكد أننا مستعدون للجلوس مع المؤسسات الدولية غير المرتبطة بالحكومات الخاضعة لرعاية الفصائل، ولكن مع التي تعمل في ظل مصدر الصلاحيات الفلسطينية، الذي هو م.ت.ف، الممثلة الوحيدة للشعب الفلسطيني… اتصل الاحتلال هاتفياً مع عدد من الشخصيات من أبناء العائلات الكبيرة وقوبل طلبه بالرفض. نرحب بموقف العائلات بأن م.ت.ف هي الممثل الحصري للشعب الفلسطيني، وأن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين. ونحذر كل من سيتعاون مع الاحتلال بهدف إثارة الفتنة والفوضى وإحداث انقسام جغرافي وفصل القطاع عن فلسطين. ونطالب حماس بالتوقف عن إلقاء تهمة التكفير والخيانة. شعبنا لم يعد يتحمل هذه الأفكار الغريبة التي تحاول حماس نشرها بواسطة وسائل إعلامها المسمومة”.

كانت هذه لغة البيان الملتوي ومتعدد الوجوه الذي نشره “تحالف العائلات والحمائل في المحافظات الجنوبية” في الأسبوع الماضي. يتضح بأن العائلات الكبيرة غير مستعدة للتعاون مع حماس، ولا مع إسرائيل أيضاً. وربما توافق على العمل مع السلطة الفلسطينية، لكن هل ستوافق السلطة على هذا التحالف، في حين أن خلافاً داخل م.ت.ف نفسها يثور حول سلوك محمود عباس، لتعيينه محمد مصطفى رئيساً للحكومة؟

هذا البيان الاستثنائي لتحالف العائلات نشر قبل فترة قصيرة من نشر نبأ في الشبكات الاجتماعية في غزة مصدره تقارير إسرائيلية تفيد بأن حماس قتلت مختار عائلة دغمش، الحاج صالح عاشور، للاشتباه بأنه أجرى اتصالات مع جهات إسرائيلية، وكتحذير لكل العائلات الكبيرة في غزة كي لا تتجرأ على التعاون مع إسرائيل أو مع جهات مرتبطة بها في قضية إدارة المساعدات الإنسانية وإنشاء أجهزة مدنية تستبدل أجهزة حماس. عائلة دغمش تنفي مسؤولية حماس عن عملية القتل. وقالت إن عاشور وعدداً من أبناء عائلته قتلوا في قصف إسرائيلي في 16 تشرين الثاني أثناء وجودهم في مسجد العائلة. العاصفة التي ثارت حول قتل مختار عائلة كبيرة في غزة، تدل على التوتر الكبير الذي يتطور في القطاع عقب منشورات عن نية إسرائيل نقل السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية، وبعد ذلك معالجة البنى التحتية المدنية لرجال أعمال فلسطينيين، ورؤساء عائلات كبيرة وجهات فلسطينية أخرى غير مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، وبالطبع ليس بحماس.

ليس الغزيون وحدهم غزة المنزعجين مما يبدو كخطة لـ “اليوم التالي” التي وضعتها إسرائيل، بل إن مصر أيضاً قلقة من هذه الخطة. حسب تقرير في موقع “القدس العربي”، اتصلت شخصيات مصرية رفيعة مع رؤساء عدد من العائلات الكبيرة في غزة لإقناعهم بـ “صد محاولات إسرائيل التي تستهدف تنسيق ترتيبات مستقبلية بشكل فردي مع العائلات في غزة”. وأشارت المصادر بأن مصر “بلعت ريقها” ولم ترد علناً على الخطة الأمريكية لإنشاء ميناء مؤقت في غزة، لكن غضب القاهرة كبير إزاء احتمالية أن يشكل الميناء المؤقت التفافة على سيطرة مصر على معبر رفح ومن خلاله على سلوك حماس، وفي المستقبل على أي جهة فلسطينية تدير غزة. ولكن مصر التي خضعت للشروط التي وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة لعبور المساعدات الإنسانية إلى غزة ولم تفتح معبر رفح، لا يمكنها أن تعارض أي عملية تهدف إلى زيادة حجم المساعدات. ولكن عندما بدأت إسرائيل في وضع خطط تتعلق بإدارة قطاع غزة بواسطة العائلات المحلية، يمكن لمصر أن تقف على أعقاب أرجلها إزاء ما قد يسحب السيطرة على القطاع من يدها.

إن نية تشغيل عائلات أو رجال أعمال محليين كبديل عن حماس، ربما تولد انطباعاً وكأن الأمر يتعلق بجسم تمثيلي، مدني محايد، من ناحية سياسية، وبالأساس معارض شديد لحماس. الحقيقة بعيدة قليلاً عن ذلك. “تحالف العشائر والعائلات” تشكل في العام 2012 بمبادرة من محمود عباس كي ينشغل بحل النزاعات المحلية، ويستخدم كامتداد غير رسمي للسلطة الفلسطينية بعد أقالت قامت حماس موظفي السلطة في 2007. اعتبر عباس هذا التحالف، الذي انضم إليه 850 ممثلاً عن العشائر والعائلات الكبيرة في غزة كـ “سلاح اجتماعي لـ م.ت. ف في غزة”، الذين إضافة إلى علاجهم للنزاع المحلية، أسسوا لجان مصالحة لإنهاء النزاع الدموي الذي اندلع في حزيران 2007 عندما سيطرت حماس على قطاع غزة.

وقالت السلطة في حينه إن عباس أمر بتخصيص ميزانيات سخية لتحالف العشائر، في حين قال رؤساء التحالف بأنهم لم يحصلوا على أي دولار من السلطة منذ 2012، وأن كل نفقاتهم دفعوها من جيوبهم. ولكن عباس قرر في 2019 حل هذا التحالف وأوقف دعمه بسبب علاقته الوثيقة مع خصمه اللدود محمد دحلان، الذي يطرح نفسه الآن كمرشح لإدارة الجهاز المدني في غزة بدعم من الإمارات. ولكن قرار عباس لم يؤثر وبحق على التحالف، واستمر في العمل من خلال كونه ذراع مساعدة مدنية في سلطة حماس، بعد أن نجحت في تفكيك معظم المليشيات العائلية المسلحة واعتقلت مئات من رؤساء العشائر، وفي الوقت نفسه، منحهم صلاحيات مدنية، رسمية وغير رسمية، أوجدت لهم مصادر دخل جيدة. واستخدمت بعض هذه العائلات الأنفاق التجارية والعسكرية، وجبت رسوم عبور وتصدير واستيراد بضائع من القطاع واليه، وكل ذلك تحت رعاية حماس وإشرافها.

هذا التعاون عانى من ارتفاعات وانخفاضات عنيفة عندما أسس رؤساء العائلات لأنفسهم مليشيات مسلحة، أصبحت جزءاً من “اللجان الشعبية”، بل وتحدوا سلطة حماس، بالأساس في كل ما يتعلق بالسيطرة على مصادر المداخل. ولكن لم يحدث هدوء حتى داخل العائلات نفسها. مثلاً، أسس ممتاز دغمش في 2006 تنظيماً باسم “جيش الإسلام”، الذي انضم بعد ذلك للقاعدة وحارب ضد حماس في القطاع. شخص رفيع آخر في عائلة دغمش هو زكريا دغمش، الذي عمل على رأس “اللجان الشعبية”، وتعاون مع حماس لفترة طويلة.

علاقة متواصلة

في العام 2010 “اشتكى” قائد تنظيم محلي باسم “كتائب الناصر صلاح الدين”، جسم صغير فصل نفسه عن لجان المقاومة الشعبية، اشتكى من سلوك زكريا دغمش. وفي الرسالة التي أرسلها إلى خالد مشعل، الذي كان رئيس المكتب السياسي لحماس، توسل إليه كي يعزل دغمش من منصبه، الذي حسب قوله “سرق التنظيم ودمره لمصالحه الشخصية”. وكتب صائغو الرسالة بأنهم يتوجهون إلى مشعل عبر وسائل الإعلام بعد أن فشلوا في تحقيق المصالحة مع دغمش بواسطة زعماء حماس في القطاع. وكتبوا بأن هذه الرسالة نشرت في موقع “فراس” الفلسطيني، لأننا “لا نملك أي وسيلة للوقوف ضد الاحتلال، لأن أبو قاسم (دغمش) منعنا من إطلاق حتى لو رصاصة واحدة على العدو الصهيوني منذ سنة، ويجمع أسلحتنا ويهدد بإغلاق الذراع العسكري للجان. في عملية “الرصاص المصبوب” جلسنا في البيوت كالنساء ولم نقاوم. والآن سمعنا أن أبو القاسم يطلب منكم الأموال عن أضرار الحرب في غزة”. كُتاب الرسالة قالوا أيضاً إن دغمش يحصل على 30 ألف دولار في الشهر من قيادة حماس، وأنه وحده يتولى توزيعها.

هذه العلاقة بين حماس واللجان لم تنقطع حتى في الحرب الحالية. في الأسابيع الأخيرة، نشرت تقارير في غزة تفيد بأنه وفقاً لطلب حماس، تقوم اللجان الشعبية والمليشيات العائلية بحماية قوافل المساعدات الداخلة إلى القطاع، لأن رجال شرطة حماس يخشون لك خوفاً من هذه العصابات. ولكن يصعب وضع حدود بين مجال نشاطات اللجان الشعبية التابعة للعائلات الكبيرة وبين العصابات، التي تم منها أعضاء محسوبين على هذه العشائر والعائلات. ليست قوافل الغذاء وحدها التي تتعر للسرقة، فثنة سرقة للبيوت المتروكة التي أصبحت فرعاً لكسب المال. يقول السكان إنهم يشاهدون أثاثهم وأدواتهم المنزلية معروضة للبيع في أسواق مرتجلة. والمسؤولون عن هذا البيع هم بائعون من أبناء العائلات المعروفة. هذه المليشيات العائلية التي ترافق الشاحنات تؤجر المخازن والمباني لمنظمات الإغاثة مقابل مبالغ مرتفعة، إضافة إلى الأجزاء التي تأخذها لنفسها وتبيعها للسكان بسعر مرتفع جداً.

تتحدث إسرائيل عن نية تجنيد “رجال أعمال” لإدارة منظومة المساعدات المدنية، لكن هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين يديرون أجهزة السلب الآن. تدرك إسرائيل وواشنطن الفوضى الكبيرة التي ترافق مشروع المساعدات.

اقتراح إغراق القطاع بالسلع لتحويل السرقة إلى أمر غير مجد أو لفض الأسعار، أمر يشبه الخيال. ما دامت المليشيات الشعبية والعصابات المسلحة أو الأقوياء هم الذين يسيطرون على الشارع ويسيطرون على المخازن ووسائل النقل، فكثرة البضائع تعني ربحاً كثيراً للمافيا المحلية، أي العائلات الكبيرة و”رجال الأعمال”، الذين أصبحوا فجأة الأمل الكبير الذي سيحرر إسرائيل من التعاون مع السلطة الفلسطينية.

في غزة، بالمناسبة، يقولون إن عصابات الجريمة لا يمكن أن تتشكل لولا أنها تخدم مصالح إسرائيل. “العصابات تسرق وإسرائيل تحميها”، كتب في أحد الحسابات في “اكس” (تويتر سابقاً). المشكلة أنه كلما استمر هذا الوضع، لن تعثر إسرائيل على جهة حقيقية مسؤولة، لا توافق فقط، بل ولا يمكنها مواجهة القوات المسلحة؛ لأنه حتى لو وافقت السلطة على الدخول إلى غزة فستحتاج إلى قوة شرطة كبيرة مسلحة بشكل جيد ومدربة وماهرة للبدء في فرض النظام. في هذه الفترة، إسرائيل التي تخاف من إعادة ترسخ حماس وتعمل على تصفية قدراتها المدنية وليس فقط العسكرية، تخلق في غزة واقع فوضى لسلطة عصابات مسلحة، التي قد تصبح تهديداً أخطر من حماس.

———————————————

يديعوت أحرونوت 22/3/2024

من كثرة الأشجار لا نرى صفقة

بقلم: ناحوم برنياع

ظاهرا، أهداف كل طرف في المفاوضات على تحرير المخطوفين واضحة: السنوار يريد إفراغ السجون من الفلسطينيين، وإخراج الجيش الإسرائيلي من القطاع، ووقف القتال، وإعادة السكان النازحين في رفح إلى ديارهم، أما نتنياهو، فيريد إعادة المخطوفين مقابل تحرير محدود للسجناء واحتلال رفح. كل الباقي يبقى على حاله، فقد شطر القطاع عرضا، وأوجد الجيش الإسرائيلي في الميدان وحرية عمله، فراغ في شمال القطاع.

كل منهما تسلق الشجرة العالية، ما ليس واضحا في هذه اللحظة هو كم كل واحد من الطرفين يريد الاتفاق وما سلم أولوياته الحقيقي. ليس واضحا كيف يتصدى السنوار للضغط الذي يمارس عليه من قبل الأطراف الوسيطة لعملية تبادل وهدنة، وللضغط العسكري من الجيش الإسرائيلي. ليس واضحا كيف يتصدى نتنياهو للضغط الأميركي والضغوط الداخلية. يخيل أن كل واحد منهما يأمل في خفاء قلبه أن يحدث شيء ما، معجزة أو كارثة، تحرره من واجب القرار.

هذا بالتأكيد صحيح بالنسبة لنتنياهو، فمنذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) واضح أن حكومة إسرائيل ملزمة بأن تتخذ قرارات صعبة كل منها ينطوي على ثمن سياسي باهظ. كما أن عدم القرار ينطوي على ثمن. الفرق هو أنه على عدم القرار لا تؤخذ مسؤولية.

قدم واحدة لنتنياهو مغروسة في إسرائيل، وهي ائتلافه؛ هذه اللعبة يعرف كيف يلعبها. أما قدمه الثانية فمعلقة في الهواء. القرارات الواجبة أصعب منه، كبيرة عليه. هو ليس مبنيا لأن يدفع أثمانا. وفقا للتفاصيل التي سربت من الدوحة، يبدو أنه في رأس سلم أولويات السنوار يقف في هذه اللحظة إنهاء شطر القطاع. فقد استولى الجيش الإسرائيلي على قطاع واسع من الحدود حتى البحر، بين الأحياء الجنوبية لغزة ومخيمات الوسط. نحن نسميه “ممر نتساريم”. السيطرة عليه تسمح للجيش الإسرائيلي بمنع السكان النازحين إلى الجنوب بالعودة شمالا. وهو يسمح للجيش بالانطلاق إلى اجتياحات كذاك الذي أعاد السيطرة على مستشفى الشفاء وحراسة بناء الرصيف الأميركي. البتر كان درة تاج الخطوة البرية. والجيش الإسرائيلي جد لا يريد أن يتخلى عنه.

مهم للسنوار إعادة مليون ونصف مليون نازح إلى ما تبقى من بيوتهم. لعل هذه استراتيجية؛ لعلها فقط تكتيك. صحيح حتى أول من أمس، هذه العقبة الأساس التي تعرقل التقدم. في نهاية الأسبوع، سيصل إلى المنطقة رئيس السي.أي.ايه بيل بيرنز. مجيؤه يخلق تفاؤلا ما: الفرضية الواجبة هي أنه ما كان ليكلف نفسه العناء ليصل لو لم يقدر بأن هناك فرصة للتقدم. لكن سنوات من دبلوماسية الرحلات الأميركية علمتنا بأن هذه المرة الزيارة هي مجرد زيارة.

———————————————

“هآرتس”: كيف خدّر السنوار “الجيش” الإسرائيلي قبل هجوم 7 أكتوبر؟

مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، يانيف كوبوفيتس، يكشف في مقال، النقاشات والتقديرات التي كانت تدور قبل 7 تشرين الأول أكتوبر، على المستويين الأمني والعسكري، وكيف “خدّر” رئيس حركة حماس في غزّة، يحيى السنوار، “الجيش” وأوهمه بالهدوء.

كتب مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، يانيف كوبوفيتس، تقريراً تحدّث فيه بالتفصيل، عن الأحداث التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، على المستويين الأمني والعسكري، وكيف “خدّر” رئيس حركة حماس في غزّة، يحيى السنوار، “الجيش”، وأوهمهم بالهدوء، قبل أن يُفاجئه بهجومٍ غير متوقّع.

أدّى نشاط غير عادي على السياج قبل الأعياد إلى نشر كتائب المشاة في “الغلاف”، واستعداد قوات خاصة، وزيادة التأهب في سلاح الجو في أثناء الصيام. عندما توقفت المواجهات على الحدود فجأة، اعتقد “الجيش” الإسرائيلي أنهم ردعوا السنوار: “منذ اللحظة التي أدرك فيها أن الجيش الإسرائيلي مستعد، قرر الانتظار. لقد عرف كيف يخدّر الجيش”. الجيش الإسرائيلي ينفي: “لم يكن هناك انتشار كهذا”.

في الأيام الأخيرة من شهر أيلول/سبتمبر، استعدّت “إسرائيل” لعملية من قبل حماس تحت غطاء التظاهرات على طول حدود قطاع غزة، لكن التوقف المفاجئ في النشاط هناك أدّى إلى خفض مستوى التأهب في المنطقة. ووصف مسؤولون في المؤسسة الأمنية والعسكرية تحدثوا إلى صحيفة “هآرتس” “شعوراً بأنّ إسرائيل تدخل حرباً” عشية “يوم الغفران”، بما في ذلك مناقشات بشأن “هجوم وقائي”، ثم عودة سريعة، شبه متسرعة، إلى الروتين، يعقبها تحويل القوات والموارد إلى الضفة الغربية، والتي كانت بالفعل أولوية قصوى.

وقال أحد المصادر إنّ “العالم كله كان في الجنوب ينتظر ليرى ما سيفعله يحيى السنوار على السياج في يوم الغفران”، مشيراً إلى نشر وحدات خاصة، وإعداد كتائب في “تساليم” والغلاف في حال طُلب منها الوصول إلى المستوطنات، فيما أُطلقت طائرات مسيرة من أجل جمع معلومات استخبارية في الوقت الحقيقي. لكن بمجرد أن أدرك السنوار أنّ “الجيش” الإسرائيلي كان مستعداً، قرر الانتظار، وحتى 7 تشرين أول/أكتوبر، لم يقترب حتى طائر من السياج. ساد هدوء، إذ عرف كيف يخدّر “الجيش”.

يصف المصدر، وآخرون في المؤسسة الأمنية والعسكرية، انفصالاً بين القيادة العليا لـ “الجيش” والتحذيرات التي أطلقها الذين كانوا في قلب جمع المعلومات الاستخبارية في الأيام التي سبقت “يوم الغفران”، وأيضاً في الأسبوعين الفاصلين بينه وبين عيد “فرحة التوراة”. لم يناقش أحد بجدية إمكانية شن هجوم واسع النطاق كما حدث في نهاية المطاف، والمخاوف كانت من اختراق السياج وشن هجمات نقطوية على مستوطنات أو قواعد، لكن الشهادات من تلك الأيام تشير إلى لامبالاة وعمى، بلغا ذروتهما في إعلان من كلمتين من جانب ضابط الاستخبارات في المنطقة الجنوبية: “لن يحدث”.

تخدير “الجيش”

بدأت الاستعدادات لهجوم حماس في الصيف، في أعقاب سلسلة من الحوادث الاستثنائية بالقرب من السياج. قدّر ضباط الاستخبارات – وخاصة الرتب الوسطى في المنطقة الجنوبية وفرقة غزة – أنّ حماس “كسرت الروتين”، كما عرفوه، وكانت تستعد لمهاجمة مستوطنات أو مواقع إسرائيلية، بمشاركة الآلاف.

من بين جملة أمور، عادت التظاهرات أمام السياج، وكانت أكثر كثافة من تلك التي اندلعت خلال أشهر المواجهة في سنة 2018، إذ لم “يشهد الجيش مثل هذه المواجهات في السنوات الأخيرة”، بحسب مصدر عسكري من المنطقة الجنوبية. وفي أيلول/سبتمبر، اشتدت المواجهات، وحذر مراقبون من محاولات غير مسبوقة لاختراق السياج فوق العائق تحت الأرض.

وقال ضابط فحص هذه التقارير إنّه “بالنسبة إلى المطلعين على قطاع غزة، كان من الواضح أنّ حماس كانت تفحص الحدود، إذ إنّه لغاية بناء العائق، لم يُسمح أبداً بحدوث شيء من هذا القبيل”. في المناقشات التي جرت في ذلك الوقت، اعتقد مسؤولون كبار في شعبتي الاستخبارات والعمليات، وكذلك ضابط الاستخبارات العقيد “أ” (الذي جرى فصله من الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي)، أنّ زعيم حماس في قطاع غزة لن يتخذ خطوة من شأنها أن تؤدي إلى حرب.

في الأيام الأولى من شهر أيلول/سبتمبر، قبل “رأس السنة العبرية”، أُجري تقدير للوضع بحضور كبار مسؤولي المنطقة والفرقة. وقال ضباط من المستوى المتوسط هناك إنّ “السنوار ورجاله يتصرفون كما لو أنّهم قرروا الشروع في مواجهة مع إسرائيل، بكل عواقبها”. في الجلسة، رفض العقيد “أ” بشكل قاطع هذا الاحتمال. ومع ذلك، أراد قادة المنطقة الاستعداد مع هذا لإعلان حماس لحرب، لكنّهم فعلوا ذلك بشكل ضعيف جداً، ولم يعترضوا على موقف الاستخبارات، بحيث إنّه “لن يذهب أي جنرال إلى حرب من دون موافقة الاستخبارات العسكرية”، بحسب مسؤول كبير في فرقة غزة.

وفي الوقت نفسه، نُقل رسائل إلى السنوار مفادها أنّ صبر “إسرائيل” بدأ ينفد، لكن لم يجرِ اتخاذ أي خطوات لتوضيح أنّ “الحرب الوقائية” كانت احتمالاً يفكّر فيه “الجيش” الإسرائيلي. وردّ السنوار بأنّه سيعمل على “كبح جماح التظاهرات”، لكن لم يحدث أي تغيير على الأرض. وفي الوقت نفسه، أجرت حماس مناورات محدودة، ولم تظهر أي تلميح للتعاون بين أذرعها، والذي تحقق صباح يوم 7 أكتوبر. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول كبير في المنطقة الجنوبية إنّ حماس “كانت تعرف كيف تخفي ما تريد إخفاءه عن الجيش الإسرائيلي، وسيطرت على الوضع طوال الوقت، ولم تكشف عن أي شيء”.

جرى تحديد “يوم الغفران”، الذي صادف يوبيل الحرب المفاجئة في سنة 1973، كنقطة اختبار لنوايا حماس. كان تقدير “الجيش” أنه إذا سمح السنوار بتظاهرات عنيفة خلال الصيام، فهذا يشير إلى أنّه كان مدركاً للأهمية الرمزية لليوم، وأنّه يتجه إلى حرب. ضباط المنطقة الجنوبية قالوا إنّ “الخطر كبير للغاية”، وإنّه “يجب المهاجمة استباقاً”. وقال أعضاء الفرقة، بقيادة العميد آفي روزنفيلد، إنّه حتى التحضير لمثل هذه العملية سيجعل حماس تؤجل الهجوم، وهذا سيمكّن من الحصول على مزيد من المعلومات الاستخبارية.

لكن رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي هرتسي هاليفي وغيره من المسؤولين العسكريين فضّلوا الامتناع عن المبادرة ضد حماس، معتقدين أنّ المعلومات الاستخبارية المتوفرة في ذلك الوقت لا تبرر شنّ هجوم وقائي. فحتى عشية عيد فرحة التوراة، ركّز المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية، مكتفيان بالحفاظ على الهدوء في الجنوب والشمال.

فجأة ساد هدوء

حتى في ظل رفض القادة العسكريين الإذن بشن هجوم، زادت المنطقة الجنوبية من حالة التأهب لقتال واسع النطاق، إذ جرى إرسال كتائب مشاة إضافية إلى الحدود، ورفع سلاح الجو مستوى الاستنفار، وتم استدعاء عناصر استخبارات للاحتياط، فيما نُفّذت الاستعدادات بعيداً عن انتباه الجمهور.

“المنطقة بأكملها استعدت”، يقول ضابط كبير. ومع ذلك، يصرّح ضباط الاستخبارات الذين شاركوا في الاستعدادات، بأنّ السنوار كان متقدماً على “الجيش” بعدة خطوات، بحيث إنّه “منذ اللحظة التي أدرك فيها أنّ هناك استعداداً على الجانب الآخر من السياج، ونية للعمل، قرر الانتظار”، يصف أحدهم. ويضيف آخر أنّه بدءاً من عشية “عيد السوكوت”، قبل أسبوع من الحرب، “كان هناك فجأة هدوء لا يتذكره أحد. لا شيء، ولا حتى الأحداث الروتينية. كان هذا الهدوء مريباً”.

ويتهم ضباط في المنطقة بأنّ هذا التغيير جعل “الجيش” وقادة “الشاباك” يتصرفون بغطرسة وعنجهية، كما لو أنّهم توقعوا بدقة ما سيحدث. وفقاً لأحدهم، فإنّهم “نفخوا صدورهم، معتقدين أنّ حماس كانت خائفة، وأنّ السنوار نزل عن الشجرة”. ونقلت مصادر عسكرية أنّ أحد كبار مسؤولي الاستخبارات قال إنّ “السنوار أصيب بالفتور عندما أدرك أنّ الجيش يراقبه”.

وفي الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر، خُفّضت حالة التأهب بسرعة، وتفرقت معظم القوات، بما في ذلك إلى الضفة الغربية. وفقاً لضابط في المنطقة الجنوبية، إذ كان هناك شعور بأنّ الجميع يريد الهدوء. الأوامر الواردة من وزارة الأمن، من المستوى السياسي وغرف القيادة العسكرية قررت أنّ العمليات في الضفة الغربية، التي تزداد سخونة، ستُعطى الأولوية – حتى قبل بناء خيمة عضو “الكنيست” تسفي سوكوت في حوارة في 5 تشرين الأول/أكتوبر.

كان هناك أيضاً مبرر عملياتي لتخفيف القوات، إذ اعتقدت القيادة العليا أنّه من الصواب تفريق القوات من أجل تبديد التوتر مع حماس، وتذكير السنوار بأنّ “إسرائيل” ملتزمة بمعادلة “الهدوء يرد عليه بهدوء”. وتصف مصادر أمنية أنّ الهدف كان عدم إثارة رغبة لدى حماس باستباق “الجيش” الإسرائيلي والمبادرة إلى هجوم يوضح أنّها مستعدة لدفع ثمن باهظ إذا تم حشرها في الزاوية.

لم تكن العودة إلى الروتين تدريجية، بل جرت فجأة. ويشهد ضباط بأنّه لم يكن هناك تقدير وضع قبل التغيير في نشر القوات؛ الاستعداد لمناورة خُطط لتنفيذها بعد العيد كانت له الأسبقية على المهام التي أقيمت حول “يوم الغفران”. وجرى الرد بسخاء على طلبات القادة بتسريح جنود لقضاء إجازة العيد. وفي الوقت نفسه، استمرت تدريبات حماس المحدودة، بحجم سرية على الأكثر.

جادل بعض القادة على الأرض بأنّه يجب ترك 4 كتائب على الأقل وجميع الوحدات الخاصة في المنطقة. منذ عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت 7 أكتوبر، تركت بضع كتائب، وأُرسلت وحدة الكوماندوس “إيغوز” إلى قاعدة تساليم القريبة للرد على حادث تسلل إذا لزم الأمر. في وقت لاحق من الأسبوع، أُرسلت “إيغوز” إلى فرقة الضفة الغربية، ولم يجرِ استبدالها بوحدة نخبة أخرى.

هجوم غير متوقع

الخلاف بين القيادة العليا والمستويات الوسطى بعد “يوم الغفران” تناول مسألة ما الذي كان يخطط لفعله السنوار – لكن أيضاً ما كانت نواياه في الأيام السابقة. ادّعى الضباط الميدانيون آنذاك، وما زالوا يدعون حتى اليوم، أنّ “الجيش” لم يكن لديه أي معلومات بأنّ حماس تراجعت عن الهجوم الذي خططت له في الذكرى الـ 50 للحرب. ووفقاً لبعضهم، فإنّهم سُئلوا، باستخفاف تقريباً، عمّا إذا كانت لديهم معلومات عن نية حماس للهجوم.

في الجلسة الأخيرة، في 30 أيلول/سبتمبر، حذّر ضباط من المستوى المتوسط صراحة من أنّه لا يمكن تحديد أن الخطر قد انقضى. هم أيضاً لم يتوقعوا قوة الهجوم الذي سيحدث صباح عيد “فرحة التوراة”، الساعة 6:29 صباحاً.

———————————————

“هآرتس”: مثل التيتانيك.. “إسرائيل” في طريقها إلى تحطّم أكيد

إسحاق بريك

22/3/2024

اللواء في احتياط “الجيش” الإسرائيلي، والمفوّض السابق لشكاوى الجنود، إسحاق بريك، يتحدّث في مقال بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن الهلاك الحتمي الذي ينتظر كيان الاحتلال، في حال بقاء القادة الحاليين في المستويين السياسي والعسكري، محذّراً من أنّ استمرار الحرب يعني الذهاب إلى حرب إقليمية، “إسرائيل” غير مستعدة لها، كما ويحذر من خطورة شنّ هجوم على رفح أو حزب الله في لبنان.

“إسرائيل” في طريقها إلى تحطّم مؤكد، كما حدث في تصادم سفينة “التيتانيك” بجبل جليدي وغرقها، عام 1912. هذا سيحدث ما لم يتمّ تغيير مسبّبي أكبر كارثة في تاريخ “إسرائيل” فوراً.

إنّ الفانتازيا والوهم الذي لا أساس له في الواقع، بإمكان تقويض حماس بالكامل، سيؤدي إلى خسارة الأسرى، وخسارة إنجازاتنا، وخسارة دعم دول العالم، ولاحقاً خسارتنا. هناك قادة لا يريدون أن تنتهي الحرب لأنّهم يعرفون ما الذي ينتظرهم في النهاية. يجب ألا نسمح لهم بقيادة “إسرائيل” إلى طريق مسدود.

الخطة غير العقلانية لنتنياهو وغالانت وهليفي – أي عدم إنهاء الحرب – تعني أنّها مسألة وقت فقط قبل اندلاع حرب إقليمية شاملة، نحن لسنا مستعدين لها. إنّ الكارثة التي ستتعرّض لها “إسرائيل” وسكانها ستكون باهظة بشكل أكبر من أن تُحتمل، وأشدّ كثيراً من الكارثة التي حلّت بنا في مستوطنات غلاف غزة وفي المستوطنات الشمالية. هذه المرة ستجتاح النيران “إسرائيل” كلها، من “المطلة” إلى “إيلات”، ولا يمكنكم القول إنّكم لم تعرفوا. الذين يضغطون للمهاجمة في رفح، وضدّ حزب الله في لبنان أيضاً، قد فقدوا تماماً الفهم بالكارثة التي يمكن أن تسبّبها هذه الهجمات على “إسرائيل”.

حدث فقدان صواب في المستويين السياسي والعسكري على حدّ سواء. نحن في طريقنا إلى انهيار اقتصادي لأنّ الاعتبارات السياسية لها الأسبقية على الاعتبارات الاقتصادية. مئات الآلاف من النازحين خسروا ويخسرون سبل عيشهم، ومئات الآلاف من جنود الاحتياط منفصلون عن وظائفهم منذ أشهر طويلة، وتضرّر مصدر رزقهم، ومعهم الاقتصاد الإسرائيلي.

نحن في عملية متسارعة لنكون منبوذين من كل الشعوب، منبوذين بحظر أسلحة ستفرضه علينا البلدان الأوروبية والعالم (وقد أعلنت كندا ذلك بالفعل)، ونحن أيضاً في أزمة شديدة مع الولايات المتحدة. والنتيجة هي مقاطعة اقتصادية لـ”إسرائيل”، حيث ستوقف الشركات العملاقة علاقاتها معنا، ومن هنا الطريق قصيرة إلى أزمة ائتمان خانقة وعزلة ومعاملة “إسرائيل” كمنبوذة لا تنتمي إلى عائلة “الدول المستنيرة”.

هذه العملية تجري بالفعل أمام أعيننا، و”شعب إسرائيل” في غيبوبة. يمكن معرفة ما هي المرحلة التالية إذا نظرنا إلى مثال جنوب أفريقيا. عندما تمت مقاطعتها بسبب رفضها إلغاء نظام الفصل العنصري وعزلها العالم عن البلدان الأخرى، انهارت سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

نحن في عملية تحطّم “الأمن القومي” لـ”إسرائيل”. كلّ يوم يمرّ، نغرق معه أكثر فأكثر في غزة. إنّنا نفقد القدرة على إخراج أسرانا أحياء، وما زلنا نخسر جنوداً في المناطق التي سبق واحتللناها واستعادتها حماس.

إنّ الحديث عن احتلال رفح وإغلاق محور فيلادلفيا لا أساس له من الصحة، لأنّنا تأخرنا على هذا القطار. حتى لو نجحنا في القضاء على كتائب حماس الأربع في رفح، سيظلّ هناك عشرات الآلاف من مقاتلي حماس المختلطين بين 1.4 مليون لاجئ، وليس لدينا أي وسيلة لمعرفة من هو مقاتل من حماس ومن هو لاجئ. مثل أي شخص آخر، سينتقلون إلى أماكن آمنة ومن هناك سيعودون إلى شمالي قطاع غزة وجنوبيه مع سائر اللاجئين.

إذا دخلنا إلى رفح الآن، في الأجواء المعادية لـ”إسرائيل” في جميع أنحاء العالم، وفي الوضع الإنساني الخطير فيها وفي كل القطاع، وفي غياب إدارة دولية تحل محل الإدارة المدنية لحماس، فإنّ ذلك سيودي بـ”إسرائيل” إلى الوضع الذي كان عليه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. سيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش “إسرائيل”.

هذه العملية المهلوسة برمّتها تحدث لأن المستويين السياسي والعسكري ضلّا طريقهما ويقاتلان من أجل بقائهما. إنّهما يتصرفان كما لو أنّه ليس لديهما ما يخسرانه ويدهوران “إسرائيل”. إذا لم يتمّ العثور على طريقة لاقتلاع القيادة المارقة واستبدالها بقيادة سياسية وعسكرية مناسبة تعيد تأهيل الاقتصاد والمجتمع والأمن والعلاقات الدولية، فقد تكون المشكلة لا رجعة فيها.

من الضروري الآن التمركز على الحدود المحيطة بقطاع غزة بعد تسريح معظم القوة. من أصل أربع فرق في بداية الحرب، بقيت خمسة ألوية فقط في خان يونس. تم سحب 80% من قواتنا من شمالي القطاع ومدينة غزة والشجاعية وجباليا والزيتون. وفقاً لخطة “الجيش” للمرحلة الثالثة، يجب علينا الآن أيضاً سحب 20% من قواتنا المتبقية في خان يونس، والتي تقاتل هناك منذ شهرين ونصف، ولا تتقدم بنا على الإطلاق في تقويض حماس أو إعادة الأسرى. وفوق ذلك، لا بدّ من استبدال حكومة حماس المدنية بكيان خارجي يضمّ قوات شرطة قادرة على التعامل مع الحركة.

عندما يتواجد “الجيش” الإسرائيلي على الحدود بطريقة تسيطر على قطاع غزة بحيث لا يسمح لحماس باستعادة قوتها (بتوغلات وغارات جوية)، يمكننا إعلان وقف إطلاق نار أو وقف القتال. ومن شبه الأكيد أن يؤدي هذا التوقف إلى وقف حزب الله للقتال، وسنكون قادرين على التفاوض لإعادة الأسرى. سنستبدل كل من يتحمّل الذنب من المستويين السياسي والعسكري وجلب المأساة على سكان مستوطنات غلاف غزة ومستوطناتنا على الحدود اللبنانية وعلى الدولة. وسنشرع في مسار جديد لإعادة تأهيل الأمن والاقتصاد والمجتمع. وسنعيد تأهيل مستوطناتنا في الجنوب والشمال، وسنعمل على الخروج من العزلة في العالم، والعودة إلى رابطة “الدول المستنيرة”.

هذه هي الطريقة الوحيدة فقط وليس هناك سواها. إذا لم يحدث ذلك تحت قيادتنا، فسيحدث من دوننا ومن دون سيطرتنا، ومن ثم ستكون الأثمان التي سندفعها باهظةً للغاية.

———————————————

تقرير: اجتماع سري بين مسؤولين إسرائيليين وقيادي في حركة فتح

الحكومة الإسرائيلية تحاول توريط جهات فلسطينية محسوبة على حركة فتح في توزيع المساعدات في قطاع غزة، في محاولة لعزل حركة حماس، وخلق قيادات ميدانية محلية تتعاون مع الاحتلال عندما تنتهي الحرب على غزة.

عرب 48

تحرير: محمود مجادلة

ذكر تقرير إسرائيلي، مساء اليوم، الخميس، أن اجتماعا سريا عقد بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين ومسؤول في حركة فتح، وبحث ما بات يعرف بالخطاب الإسرائيلي بـ”اليوم التالي” للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

جاء ذلك بحسب ما أفادت القناة 13 الإسرائيلية، وأوضحت أن الاجتماع ناقش “احتمال أن يتولى مسؤولون غزيون محسوبون على حركة فتح إدارة الحياة في القطاع في مختلف جوانبها على المديين القريب والبعيد”.

وشارك في الاجتماع عن الجانب الإسرائيلي منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، غسان عليان، بالإضافة إلى مسؤول رفيع في جهاز الأمن العام (الشاباك)، بحسب التقرير.

وأوضحت القناة أن اللقاء أحيط بالسرية لأنه يتعارض مع السياسة المعلنة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بشأن مستقبل قطاع غزة ومسألة إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع الفلسطيني المحاصر.

بدوره، اعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، أن “التقرير الذي يفيد بأن كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والشاباك اجتمعوا بمسؤول في حركة فتح الإرهابية، يثير العديد من التساؤلات حول سلوك المستوى المهني”.

وألمح بن غفير إلى أن المسؤولين في جهاز الأمن يتصرفون بشكل مستقل بمعزل عن القيادة السياسية. وقال: “إذا كان رئيس الحكومة معنيا بتحقيق نصر تام، عليه أن يلغي بوضوح فكرة أن السلطة الفلسطينية، التي تمول القتلة، ستحكم غزة بعد الحرب”.

وأضاف بن غفير “أتوقع من رئيس الحكومة، أن يوضح إذا ما كانت اللقاءات مع أحد كبار المسؤولين في فتح كانت بناء على تعليماته وتوجيهاته أم أن وزير الأمن (يوآف غالانت) والمستوى المهني فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم”.

ولم تحدد القناة 13 ما إذا كان نتنياهو قد صادق على عقد الاجتماع، فيما رفض مكتبه العليق على التقرير. وذكرت أنه “خلال اللقاء، ناقش المسؤولان الإسرائيليان مع المسؤول الفلسطيني إمكانية مشاركة أعضاء حركة فتح في إدارة القطاع على المديين القصير والطويل”.

وأضات أن المسؤول في فتح قال خلال اللقاء: “طالما أن حماس تسيطر عسكريا ومدنيا، فإن أيدينا مقيدة. لدينا القدرة على تجنيد أشخاص ليكونوا جزءا من خطة تجريبية نتولى بموجبها تسليم المساعدات الإنسانية. سنكون قادرين على رصد وتحديد مسؤولين محليين يقودون شاحنات المساعدات إلى الأماكن التي سيحددها الجيش الإسرائيلي وإلى الأماكن التي لا تسيطر عليها حماس”.

وفي تعليق على التقرير، تساءل وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إذا ما كان الاجتماع الذي عقد مع المسؤول في فتح، وفقا للتقرير، قد تم بعلم نتنياهو أو دون علمه، مشيرا إلى أن “الكابينيت قرر بشكل لا لبس فيه أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست خيارا لليوم التالي للحرب في غزة”.

وتابع “إذا كانت الاجتماعات المذكورة قد عقدت دون تكليف من المستوى السياسي، فهذا عمل خطير من الدرجة الأولى. وإذا علم رئيس الحكومة بها وقام بذلك خلافاً لقرار الكابينيت، فهذا عمل خطير من الدرجة الأولى؛ وفي كلتا الحالتين، هناك حاجة ماسة إلى تقديم توضيحات للجمهور الإسرائيلي”.

وتعمل سلطات الاحتلال على استغلال ملف توزيع المساعدات في قطاع غزة لخلق سلطة جديدة وعزل حركة حماس، بحسب ما أوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير صدر عنها في وقت سابق، الخميس.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين وعرب لم تسمهم أن جهات أمنية في إسرائيل تعمل بهدوء على تطوير خطة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى إنشاء سلطة حكم بقيادة فلسطينية.

وقالت مصادر الصحيفة إن مسؤولًا إسرائيليًا كبيرًا أجرى محادثات مع مصر والإمارات والأردن لحشد دعم إقليمي يستهدف تجنيد قادة فلسطينيين ورجال أعمال، ليست لهم صلات بحركة حماس، لاستلام ملف توزيع المساعدات.

وأضافت المصادر أن السلطات الإسرائيلية ستوكل لجهات فلسطينية توزيع المساعدات بعد إدخالها إلى غزة، وعندما تنتهي الحرب سيتولى المسؤولون عن المساعدات سلطة الحكم بدعم من قوات الأمن التي تمولها الحكومات العربية الثرية، وفق تعبير الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين أن دولة الاحتلال تواصلت مع العديد من الفلسطينيين البارزين للمشاركة في إدارة ملف التوزيع، بما في ذلك مسؤول المخابرات الأعلى في السلطة الفلسطينية، ماجد فرج؛ ورجل الأعمال في الضفة الغربية، بشار المصري، بالإضافة إلى المسؤول السابق في فتح، محمد دحلان.

——————انتهت النشرة——————