تقدير موقف | انتخابات في إسرائيل: السيناريوهات والنتائج المحتمَلة

الاستطلاعات تشير إلى أن نتنياهو لن يتمكّن من تشكيل حكومة جديدة، بل ربّما قد تكون هذه نهاية مشواره السياسيّ. لذا، يتمسّك نتنياهو بحكومته الحاليّة، ويرفض الاستقالة، وهذا ما يفسّر حرصه على إطالة الحرب.

تقدير موقف | انتخابات في إسرائيل: السيناريوهات والنتائج المحتمَلة

الاستطلاعات تشير إلى أن نتنياهو لن يتمكّن من تشكيل حكومة جديدة، بل ربّما قد تكون هذه نهاية مشواره السياسيّ. لذا، يتمسّك نتنياهو بحكومته الحاليّة، ويرفض الاستقالة، وهذا ما يفسّر حرصه على إطالة الحرب.

توسّعت حركة الاحتجاج في إسرائيل التي تطالب باستقالة رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، وتقديم موعد الانتخابات البرلمانيّة (الكنيست)، وذلك في أعقاب إخفاق الحكومة الإسرائيليّة الأمنيّ والاقتصاديّ، وعدم مقدرتها على تحقيق أهداف الحرب العسكريّة، ولا سيّما استعادة الأسرى والرهائن الإسرائيليّين المحتجزين في قِطاع غزّة. وقد تبدّل المطلب في هذا الشأن من الإجماع على تحييد الصراع الحزبيّ لمصلحة المجهود العسكريّ، كما تجلّى في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى زيادة الـمَطالب الشعبيّة بإجراء انتخابات، وإنْ لم تنتهِ الحرب.

مقدّمة

مع اندلاع الحرب على غزّة، كان الإجماع الإسرائيليّ ينطلق من أنّ الحرب هي حالة طوارئ استثنائيّة تُحيَّد فيها السياسة، وأنّ الوحدة هي حاجة وطنيّة في سبيل الانتصار في الحرب، وأنّ الخلافات السياسيّة يجب أن تبقى جانبًا حتّى انتهاء المعارك. لذا، في بداية الحرب عارضت قوائم المعارضة -ولا سيّما القوائم التي شكّلت الحكومة السابقة-إجراء انتخابات، وبدأت بإجراء مباحثات لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة من أجل خوض الحرب بجبهة داخليّة موحَّدة. ومع أنّ المباحثات أفضت -في نهاية المطاف-إلى تشكيل حكومة الطوارئ بانضمام حزب المعسكر الرسميّ برئاسة بِنِي ﭼـانتس إلى الحكومة، فإنّ المطلب بإجراء انتخابات كان هامشيًّا بسبب الحرب والوضع الأمنيّ الخطِر الذي تعيشه إسرائيل؛ حتّى إنّ رئيس المعارضة يائير لـﭘــيد عارض تقديم الانتخابات في بداية الحرب، لكنّه سرعان ما تراجع عن موقفه بعد مرور شهر على بدايتها، مُطالِبًا نتنياهو بالتنحّي عن الحكم، وتشكيل حكومة بديلة، ولكن دون انتخابات. وقد دفع إلى ذاك المطلب إطالةُ أمد الحرب، وعدمُ تحقيق أهدافها، والإخفاقُ الحكوميّ في المجال الاقتصاديّ، الذي ظهر جليًّا في تخفيض تدريج إسرائيل الائتمانيّ، ومعها خمسة بنوك إسرائيليّة، وارتفاع غلاء المعيشة، وإقرار موازَنة الدولة للعام 2023 التي أكدّت استمرار نهج الحكومة الفئويّ، بالإضافة إلى اقتراح ميزانيّة للعام 2024 لا تتعاطى مع الأزمة الاقتصاديّة، بل تمنح القِطاعات الاجتماعيّة المؤيّدة للحكومة (نحو: المتديّنين؛ المستوطنين) ميزانيّات، وتُقلِّص ميزانيّات اجتماعيّة وخدماتيّة أخرى. كلّ ذلك دفع إلى قيام حركة احتجاج اجتماعيّة وسياسيّة تطالب بإجراء الانتخابات، وباختيار قيادة جديدة لإسرائيل تقود المرحلة القادمة.

يبيّن استطلاع أجراه مؤخَّرًا المعهد الإسرائيليّ للديمقراطية[1] أنّ 71% من الإسرائيليّين يؤيّدون إجراء انتخابات للكنيست، وهم ينقسمون إلى 38% يؤيّدون تنظيم الانتخابات بعد انتهاء الحرب، و33% يؤيّدون الإعلان حالًا عن حلّ الكنيست، وإجراء انتخابات بعد ثلاثة أشهر كما ينصّ القانون.[2] خرج نتنياهو ضدّ فكرة الانتخابات، واعتبر أنّ المطالَبة بإجراء انتخابات في إسرائيل تخدم أعداء إسرائيل، وصرّح أنّه لن تكون هنالك انتخابات قبل نيسان عام 2025.[3] يؤكّد هذا التصريح أنّ نتنياهو لن يتوجّه إلى انتخابات حتّى بعد انتهاء الحرب، وسوف يراهن على إخلاص مركِّبات الحكومة له ولبقاء الحكومة؛ فحتّى لو خرج حزب المعسكر الرسميّ، برئاسة ﭼـانتس، من حكومة الطوارئ، فإنّ نتنياهو سيبقى متمسّكًا بالسلطة، ويواجه الضغوط الداخليّة من أجل تنظيم انتخابات، فضلًا عن أنّ من يشكّلون حكومته لن يُسقِطوا الحكومة؛ إذ هم يدركون أنّه إذا جرت انتخابات فسوف تتشكّل حكومة أخرى في إسرائيل، وستُبقيهم في المعارضة، على نحوِ ما سنوضّح في الجزء التالي.

المشهد الحزبيّ المتوقَّع بعد الانتخابات

يعتمد هذا الجزء من الورقة على سلسلة من الاستطلاعات التي أُجرِيتْ في صفوف أبناء المجتمع الإسرائيليّ بشأن تفضيلاتهم الانتخابيّة إن أُجرِيَت الانتخابات. وقد بيّنت أغلب الاستطلاعات حصول قائمة المعسكر الرسميّ، برئاسة بِنِي ﭼـانتس، على تمثيل برلمانيّ يصل إلى 40 مقعدًا؛ وهي نتيجة تُعَدّ غيرَ مسبوقة لقائمة انتخابيّة منذ انتخابات الكنيست التي جرت عام 1992. وقد أعلن مؤخَّرًا حزب “أمل جديد” اليمينيّ برئاسة ﭼـدعون ساعَر (وهو أحد مركِّبات المعسكر الرسميّ) الانفصالَ عن هذا المعسكر. ولكن على الرغم من هذا الانفصال، ما زالت الاستطلاعات تشير إلى المعسكر الرسميّ برئاسة ﭼـانتس على أنّه القائمة الأقوى، إذ حصلت في آخر استطلاع،[4] أُجرِيَ بعد يوم من الانفصال، على 34 مقعدًا، بينما حصل حزب “أمل جديد” على ستّة مقاعد. في المقابل، حزب الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، سوف ينهار انتخابيًّا، وسيحصل على 17 مقعدًا (قبل وبعد إعلان حزب “أمل جديد” الانشقاق عن المعسكر الرسميّ). في المجْمَل، تشير نتائج الاستطلاعات إلى أنّ مركِّبات الحكومة الحاليّة ستحصل على 45 مقعدًا، في حين أنّ مركِّبات الحكومة السابقة، التي كانت برئاسة يائير لـﭘيد، ستحصل على 70 مقعدًا، كما جاء في آخِر استطلاع. تجدر الإشارة أنّه في انتخابات الكنيست التي أُجريت عام 2022 حصلت مركِّبات الحكومة الحاليّة على 64 مقعدًا، ومركِّبات الحكومة السابقة على 51 مقعدًا (انظر الجدول التالي).

يشير الجدول إلى أنّ قوائم الحكومة الحاليّة لن تستطيع تشكيل حكومة إن أُجرِيت انتخابات للكنيست، فهي ستحصل على 46 مقعدًا، أي أقلّ بنحو 18 مقعدًا من النتائج التي حصلت عليها في انتخابات عام 2022. في المقابل، قوائم الحكومة السابقة (باستثناء الجبهة -العربيّة للتغيير) ستحصل على نحو 70 مقعدًا، وهذا يتيح لها تشكيل الحكومة بسهولة برئاسة بِنِي ﭼـانتس؛ وإذا استثنينا مقاعد “أمل جديد” (الذي يقوده ساعَر)، بافتراض أنّه قد ينضمّ إلى الليكود، فسيشكّل ﭼـانتس حكومته من 64 مقعدًا.

تشير الاستطلاعات أنّ مقاعد حزب “الصهيونيّة الدينيّة”، برئاسة وزير المالية سموطرتش، تتراوح بين أربعة مقاعد وعدم اجتياز نسبة الحسم؛ في حين أنّ حزب “عَظَمة يهوديّة”، برئاسة بن ﭼــﭬـير، هو الحزب الوحيد من بين مركّبات الائتلاف الحكوميّ الذي نجح في تعزيز قوّته الانتخابيّة، وهذا نابع بالأساس من حمْلة توزيع السلاح التي انتهجها هذا الوزير خلال الحرب، وخطابه، وسلوكه ضدّ الحكومة، وكأنّه في المعارَضة، فهو يَعزو النجاحات إليه هو، ويحمّل الآخرين مسؤوليّة الإخفاقات تحت ذريعة أنّهم لا يستمعون لكلامه، وهو ما يرفع أسهمه لدى اليمين المتطرّف.

توسّعت حركة الاحتجاج في إسرائيل التي تطالب باستقالة رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، وتقديم موعد الانتخابات البرلمانيّة (الكنيست)، وذلك في أعقاب إخفاق الحكومة الإسرائيليّة الأمنيّ والاقتصاديّ، وعدم مقدرتها على تحقيق أهداف الحرب العسكريّة، ولا سيّما استعادة الأسرى والرهائن الإسرائيليّين المحتجزين في قِطاع غزّة. وقد تبدّل المطلب في هذا الشأن من الإجماع على تحييد الصراع الحزبيّ لمصلحة المجهود العسكريّ، كما تجلّى في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى زيادة الـمَطالب الشعبيّة بإجراء انتخابات، وإنْ لم تنتهِ الحرب.