الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

  الصحافة الاسرائيلية– الملف اليوميافتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 3/5/2024

رئيس وزراء أسبق: “إسرائيل لن تخرج منتصرة.. وعلى الملايين ملء الشوارع احتجاجاً

بقلم: إيهود أولمرت

بعد أكثر من نصف سنة على الحرب المندمجة، جواً وبراً وتحت الأرض، يمكن التقدير بأن أساس قوة حماس العسكرية قد تم تدميره. ومعظم الصواريخ ومنصات الإطلاق تدمر. ومنذ أربعة أشهر لا يوجد تقريباً إطلاق صواريخ من القطاع. هذا ليس نتيجة قرار تكتيكي لحماس، الذي استهدف تضليل وتخدير قوات الأمن للعودة ومفاجأتنا بهجوم غير متوقع يؤدي إلى خسائر كبيرة في الجبهة الداخلية والوحدات القتالية، بل الأكثر ترتجيحاً أن حماس بقيت تقريباً بدون صواريخ ومنصات إطلاق وبدون قدرة على تشغيل القليل الذي تبقى لدى رجالها بصورة عملية، بسبب سيطرة إسرائيل على معظم مناطق القطاع، التي كان يمكن أن تستخدم كقواعد لإطلاق الصواريخ على إسرائيل.

عدد كبير من مقاتلي حماس تمت تصفيتهم، هذا إنجاز مهم. لا يدور الحديث فقط عن مقاتلي الصف الأول في حماس، بل أيضاً محيط سلسلة القيادة، بدءاً بكبار القادة وانتهاء بآخر المقاتلين. من شبه المؤكد أن القادة الكبار، وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد ضيف، ما زالوا على قيد الحياة. هم يختبئون في أماكن قد ينطوي اختراقها على ثمن باهظ لنا، ثمن من غير الصحيح دفعه.

إن تصفية السنوار والضيف ستكون محتملة من خلال عمليات مركزة في المستقبل، حتى إذا طال هذا الأمر وليس بالضرورة أن يكون متساوقاً مع الجدول الزمني الخاص لرئيس الحكومة. بالنسبة له فإن تصفية قادة حماس مناسبة لإطلاق مهرجان نصر يستهدف طمس حجم السقوط الذي هو مسؤول عنه، كارثة 7 أكتوبر. ولكن كما قيل، فإنه محظور تسخير عملية الحرب وسلم أولوياتها لأغراض نتنياهو الشخصية. لا شخص في إسرائيل إلا ويتوق لسماع تصفية السنوار والضيف؛ فهما من كبار القتلة ومن أصحاب الأرواح الشريرة وليس لديهما أي موانع أخلاقية، إرهابيان بكل معنى الكلمة. وما دمنا نريد تصفيتهما فعلينا التصرف بضبط النفس والصبر والحكمة.

في حرب لبنان الثانية، رئيس حزب الله حسن نصر الله، كان هدفاً للتصفية. رغبنا في قطع رأس هذه الأفعى الخبيثة، ولكننا لم نسخر الحرب لهذا الهدف فقط. في نهاية المطاف أيضاً، تصريحات نصر الله في قنوات التلفاز اللبنانية بأنه لو كان يعرف حجم رد إسرائيل على اختطاف وقتل إيهود غولدفاسر والداد ريغف وغيرهما من الجنود، وعلى هجوم حزب الله بالصواريخ، لما نفذ هذه الخطوة.

معنى تصريحات حسن نصر الله يساوي تصفيته وعرض جثته كإنجاز عسكري لإسرائيل. الـ 17 سنة التي حذر فيها من المبادرة إلى هجوم واحد حتى على إسرائيل، حتى بالسلاح الخفيف وبالتأكيد ليس بواسطة الصواريخ، هي تعبير مهم على الإنجاز العسكري لحرب لبنان الثانية والردع الذي أوجدته على الحدود الشمالية. وحتى لو كان في أوساطنا من يستمتعون بانتقاد إنجازات هذه الحرب بعد مرور هذه السنوات، فيكفي أن يدرك حسن نصر الله حجم هزيمته كي يعرضها بالحجم الصحيح.

في هذه النقطة الزمنية، نحن في ساحة غزة في نفس مستوى الإنجاز العسكري ومستوى الردع الذي وصلنا إليه في نهاية حرب لبنان الثانية. رئيس الحكومة وضع منذ البدء في العملية البرية هدف غير واقعي، لا توجد طريقة لتحقيقه أو أي إمكانية لقياسه. نتنياهو فعل ذلك، حسب معرفتي، لأسباب تآمرية قبيحة لا يمكن الخطأ فيها. يعرف أن الحديث عن “النصر المطلق” شعار فارغ. لن يتحقق هذا النصر. في ظل غيابه يمكن اتهام الجيش بعدم تحقيقه.

عملياً، هناك نصر واقعي ومؤثر وغير مسبوق. لم يضطر جيش نظامي في أي يوم لمحاربة منظمة إرهابية تختفي في شبكة أنفاق تحت الأرض على عمق عشرات الأمتار وداخل مناطق مأهولة يعيش فيها مئات آلاف المدنيين غير المشاركين. هؤلاء المدنيون تعرضوا بالضرورة إلى القصف من الجو وإطلاق نار خلايا الكوماندوز التي تطارد قادة الإرهاب، وأصبحوا ضحايا مأساويين آخرين للحرب.

في هذه المتاهة المعقدة تحت عيون المجتمع الدولي المنتقدة، حتى أفضل أصدقائها ومؤيدينا، عمل الجيش الإسرائيلي بشكل مثير للانطباع. لا توجد معركة عسكرية معقدة جدا ًبدون أخطاء وبدون إطلاق نار زائدة على جنودنا وأيضاً على مواطنين غير مشاركين. لقد كانت هناك عدة ظواهر مقلقة للإصبع السريعة على الزناد، التي كان من بين ضحاياها أيضاً مخطوفون ومدنيون غزيون وجدوا أنفسهم في مناطق القتال ودفعوا حياتهم ثمناً لذلك. لا يمكن الإنكار بأن جنودنا أظهروا تهوراً زائداً في عدة حالات، لكن يصعب اتهامهم، مع الأخذ في الحسبان الظروف الخاصة لهذا القتال، والفوضى في المعارك في المناطق المأهولة وفوق أنفاق الموت التابعة لحماس.

مع ذلك، يوجد هدف واحد لم يتحقق بعد، وهو إطلاق سراح المخطوفين. هذا الهدف من البداية لم يكن في مركز اهتمام نتنياهو، الذي يبدو أنه في بعض الحالات أفشل احتمالية توسيع البنية التحتية للتفاهمات التي تمت مناقشتها بين إسرائيل وحماس من خلال الوسطاء والتقدم نحو صفقة شاملة لتحرير جميع المخطوفين.

رفح لا تعتبر هدفاً مهماً سيحدد في نهاية المطاف نتيجة المواجهة بين إسرائيل وحماس.

على الرغم من أنه يصعب نفسيا،ً وتقريبًا من غير المحتمل قبول ذلك، فمن المهم الفهم بأن “إسرائيل لن تخرج منتصرة في هذه المواجهة”. الحديث المتبجح عن “النصر المطلق” يعكس الغباء والغطرسة، وبالأساس هو محاولة للهرب من مظاهر عدم الانتصار من أجل التملص من محاكمة الجمهور القاطعة، التي يتوقع مجيئها لاحقاً.

نتنياهو منذ فترة طويلة لا يفكر في مصالح دولة إسرائيل ومستقبلها ومصالحها الاستراتيجية وما يجب فعله، البدء من الآن في تقليص أضرار الضربة الشديدة التي تعرضنا لها، ووضع الأسس لترميم الدولة والجيش وقوات الأمن، وبالأساس المجتمع الإسرائيلي وتكافله الاجتماعي، الذي كان ذات يوم سر قوة دولة إسرائيل الحقيقية. نتنياهو يعيش في فقاعة مقطوعة عن الواقع. وداخل هذه الفقاعة يروي لنفسه ولمحيطه بأنه يحارب على وجود دولة إسرائيل التي يحلق فوقها خطر حقيقي، وأنه ملقاة عليه مهمة تاريخية للوقوف أمام كل العالم والدفاع عنها، بجسده، أمام الذين ينكلون بها ويريدون تدميرها.

لا توجد أي طريقة لتفسير سلوك نتنياهو باستثناء الاستنتاج بأنه يفكر بأن الكثيرين في الدولة الذين يعارضونه يريدون تدمير إسرائيل بشكل متعمد. أنا أخمن أن الذين هم داخل نفق الإنسانية الحساس والمغلق الذي هو يحبس نفسه فيه مع أبناء عائلته وعدد من مؤيديه، يعتقدون أن معظم أصدقاء إسرائيل في العالم، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، وربما أيضاً عدد من الزعماء الأوروبيين، قد يتسببون في تدمير إسرائيل بسبب الضغط الذي يستخدمه عليهم اليساريون والكارهون لإسرائيل في الداخل وشركائهم في العالم.

في النظرة العالمية التي يحملها نتنياهو، فإن أكبر أعداء الدولة هم الأكثر شجاعة في أوساط جنود إسرائيل والأكثر جرأة وأعضاء المعارضة السياسية المنتخبة للكنيست. وفي هذا الصدد أضم أيضاً غانتس وآيزنكوت، اللذين يستغل نتنياهو منطقهم وإخلاصهم للدولة، في حين لا شك في أنه يحتقرهم ويعتبرهم أعداء ومنافسين له.

لقد حان الوقت لوقف نتنياهو وحكومة بن غفير وسموتريتش. وقد حان الوقت لملء شوارع الدولة بملايين المعارضين المصممين. يجب عليهم تطويق مجموعة الهستيريين الذين يقودون دولة إسرائيل نحو الدمار، ووقفها قبل أن يكون الوقت متأخراً جداً.

——————————————–

هآرتس 3/5/2024

في رسائل سرية تحذر إسرائيل من انهيار السلطة: هل سيضطر الأردن للاعتراف بحماس؟

بقلم: تسفي برئيل

الأحد الماضي، ألقت حماس صاروخاً ثقيل الوزن هز المملكة الأردنية: قائد حماس، موسى أبو مرزوق، الذي أطلق مؤخراً تصريحات محل خلاف عندما قال في مقابلة مع شبكة “العالم” الإيرانية بأنه إذا اضطرت قيادة حماس إلى مغادرة قطر فستتوجه إلى المملكة الأردنية. “معظم قادة حماس هم من أبناء الشعب الأردني”، بهذا يكون أبو مرزوق أطلق العبوة الناسفة الصادمة. وأضاف: “مواطنون أردنيون ويحملون جواز السفر الأردني. الشعب الأردني شعب مضياف وكريم ويؤيد المقاومة الفلسطينية. علاقاتنا مع النظام جيدة ولا مشكلة في المكوث في الأردن”.

منذ أسابيع والنظام الأردني يدير معركة معقدة ضد المظاهرات اليومية التي تجري قرب السفارة الإسرائيلية في عمان. تم اعتقال عشرات المتظاهرين، معظمهم أطلق سراحهم، ويحاول الملك السير بحذر بين ضرورة منع المواجهات في الشارع التي قد تمتد إلى أرجاء المملكة، وبين الرغبة في السماح للجمهور بالتنفيس عن توتره والتعبير عن الصدمة مما يحدث في غزة وإظهار تضامنه مع الفلسطينيين الذين يشكلون معظم السكان في الأردن.

هذه رقصة حساسة وخطيرة، من جهة الملك يحصل فيها من إسرائيل على إذن بإلقاء المساعدات الإنسانية للقطاع بالمظلات، وفي المقابل أعاد السفير من تل أبيب. وزير الخارجية أيمن الصفدي، من المنتقدين العرب الأكثر شدة لإسرائيل، ويتهمها بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب. الأردن شارك بشكل نشط وناجع جداً في اعتراض المسيرات التي أطلقتها إيران نحو إسرائيل، وفي الوقت نفسه، حذر أنه سيعمل أيضاً ضد الطائرات الإسرائيلية إذا اخترقت سيادتها وعملت ضد إيران في سمائها.

عندما يتحدث أبو مرزوق عن الأردن كعنوان قادم ستستقر فيه قيادة حماس، فإنه يعرف أن احتمالية ذلك ضعيفة. ولكنه استفزاز فعل فعله وأحرج البلاط الملكي. الأردن أنهى علاقاته مع حماس بالضربة القاضية في العام 1999، وليس لديه نية للسماح لحماس ببناء مركز نشاطات جديد على أراضيه. محللون أردنيون احتجوا ليس فقط على المضمون، بل على أسلوب أبو مرزوق، وكأنه “صاحب البيت الذي يملي على المملكة إذا كانت ستوافق أم لا على رجال حماس”. وكما اقتبس مصدر أردني في صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن أبو مرزوق، الذي نفى في الواقع بأن أحداً ما طلب من حماس مغادرة قطر، يعرض بشكل واضح وقاطع بأن لحماس مشكلة، لا تقتصر على مكان استقرار قيادتها، بل ما هو موقفها ودورها بعد الحرب.

في 21 تشرين الثاني 1999، بعد تسعة أشهر على تتويج الملك عبد الله، أمر رئيس الحكومة في حينه عبد الرؤوف الروابدة، أربعة قادة في حماس هم خالد مشعل وإبراهيم غوشة وعزت الرشق وسامي خاطر، بمغادرة الأردن والانتقال إلى قطر. “لم نطردهم ولم نسحب الجنسية منهم”، أوضح رئيس الحكومة في حينه في مؤتمر صحافي عقده في اليوم التالي. ولكن عندما سئل هل يمكنهم العودة إلى الأردن قال: “سيكون هذا موضوعاً خاضعاً للنقاش”.

لم يكن هناك أي نقاش مباشر، لكن قيادة حركة الإخوان المسلمين في الأردن حاولت بضع مرات التوسط بين الملك وقادة حماس من أجل السماح بعودتهم إلى الأردن. وبعد عشر سنوات، سمح الملك لخالد مشعل بالعودة إلى الأردن في زيارة قصيرة للمشاركة في جنازة والده، وقد مرت 12 سنة تقريباً قبل التقاء الملك عبد الله مع خالد مشعل بشكل شخصي. قبل ذلك بسنة، سمح لإسماعيل هنية وعزت الرشق بالمشاركة في جنازة غوشة الذي توفي عن 85 عاما، وتمت المصادقة على دفنه في الأردن. لذلك، من المهم معرفة إلام يستند أبو مرزوق عندما يتحدث عن “العلاقات الجيدة بين النظام في الأردن وحماس”.

لكن السور الحصين الذي أقامه الملك عبد الله حول حماس لا يحرره من الضغط والتهديدات التي تستخدمها حماس على الدولة بشكل غير مباشر. ففي العام 2006 تم اتهام نشطاء حماس بمحاولة تهريب السلاح من الأردن إلى “المناطق” [الضفة الغربية]. وفي العام 2015 تم اعتقال ومحاكمة 12 مواطناً أردنياً بتهمة العضوية في حماس. وفي الشهر الماضي، هبت المملكة عندما أعلن القائد العسكري لمليشيا “حزب الله العراق” أبو علي العسكري، بأن منظمته مستعدة لتدريب وتسليح 12 ألف مواطن أردني من أجل الانضمام لمحور المقاومة والعمل ضد إسرائيل من الأراضي الأردنية.

في آذار الماضي، في فيديو لمؤتمر نسوي في الأردن، دعا خالد مشعل الجمهور الأردني للخروج إلى مظاهرات حاشدة وثابتة، وشجع “الشعب الأردني على المشاركة في طوفان الأقصى من أجل امتزاج دماء أبناء هذا الشعب مع دماء الفلسطينيين كي يحظوا بالكرامة”. أدان الأردن هذه الأقوال، ووصفتها وسائل إعلام رسمية في الأردن بـ “التحريض المباشر ضد المملكة”. ولكن خوف الأردن الكبير -ليس وحده- هو من غياب خطة سياسية “لليوم التالي” ومن عجز الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن احتمالية أن الفراغ السياسي في المجال الفلسطيني سيخدم حماس ويعطيها مكانة الشريك في عملية اتخاذ القرارات وتحديد مبنى القيادة الفلسطينية، التي سيضطر زعماء الدول العربية، وعلى رأسهم الأردن، إلى التعامل معها.

شخصية رفيعة سابقة في النظام الأردني، التي رغم الحرب تواصل الاتصال والمحادثات مع جهات إسرائيلية رفيعة، عرضت منذ فترة غير بعيدة خارطة الاحتمالات السياسية التي يتوقعها الأردن، إذا لم تسمح إسرائيل للسلطة الفلسطينية بالبدء في إدارة الحياة المدنية في غزة. وحسب مصادر إسرائيلية تحدثت مع هذه الشخصية الأردنية الرفيعة، التي تعكس أقوالها المزاج السائد في البلاط الملكي، فإن الأردن أرسل عدة رسائل للقيادة في إسرائيل، “من غير الواضح إذا ما أرسلت مباشرة لرئيس الحكومة نتنياهو”، حذر فيها من وضع تتحطم فيه السلطة فضلاً عن أنها لن تكون عاملاً مهماً في إدارة غزة.

حسب أقوال هذه الشخصية الرفيعة، فإن “محمود عباس (88 سنة) يعمل بالأساس على تشكيل إرثه التاريخي. يخصص معظم وقته ونشاطاته للساحة الدولية والدفع قدماً بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. هذه رسالة ضرورية وجديرة، لكن لا يمكنها أن تستبدل ضرورة الانشغال بالشؤون المحلية الملحة مثل إقامة جسم سلطوي فلسطيني تستطيع الولايات المتحدة أن تقدمه لإسرائيل كبديل واقعي”، وأضاف بأن محمود عباس في الواقع عيّن محمد مصطفى رئيساً للحكومة، الذي شكّل ما يظهر كأنها “حكومة خبراء”، ولكن منذ ذلك الحين، مر شهرين دون أن يظهر على الأرض أنها حكومة تنوي تحمل المسؤولية عن إدارة القطاع.

استضافت السعودية محمود عباس بداية الأسبوع في إطار المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد بالرياض، والتقى مع ولي العهد محمد بن سلمان، لكن لم تخرج أي بشرى كبيرة من هذا اللقاء. التقارير عن احتمالية أن أمريكا والسعودية تفحصان المضي باتفاق حلف دفاع بينهما، حتى بدون التطبيع بين السعودية وإسرائيل، تدل على أن الرياض، مثلما في واشنطن، تجد صعوبة في تشخيص أي احتمالية بأن السلطة الفلسطينية وإسرائيل يمكنهما الاتفاق حول قضية اليوم التالي، فضلاً عن خطة للحل الدائم، الحل الذي سيمكن السعودية من عرضه كخطوة لا يمكن التراجع عنها من أجل إقامة الدولة الفلسطينية. “المشكلة أننا نشخص كيف أن سلوك محمود عباس يخدم نتنياهو بشكل جيد”، قالت الشخصية الأردنية. “لكن في الوقت نفسه، بدون قصد، يخدم حماس أيضاً”.

صحافي أردني يعمل في صحيفة رسمية، قال هذا الأسبوع لـ “هآرتس” بأنه في الوقت الذي يلعب فيه محمود عباس “بغضب” مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي رفض الالتقاء معه في هذا الأسبوع في رام الله عندما زار إسرائيل، رداً على الفيتو الذي وضعته واشنطن على القرار المقترح في مجلس الأمن- الاعتراف بالدولة الفلسطينية (رغم أنهما التقيا في الرياض)، استمر مسؤولون في حركة فتح في الالتقاء مع قادة في حماس، مرة في موسكو، وهذا الأسبوع في الصين.

“هذه اللقاءات تستهدف الإعداد لليوم التالي”، قال هذا الصحافي الذي يتابع التطورات في الساحة السياسية الفلسطينية منذ سنوات. “التي يطمح فيها أعداء محمود عباس إلى خلق قيادة فلسطينية بمشاركة حماس. عباس يعارض هذه الشراكة رغم تصريحاته لدعم المصالحة الفلسطينية، ولكنه لا يطرح أي بديل عملي يضمن استمرار حكم فتح الحصري. الوضع في هذه الأثناء هو أن الجميع ينتظرون ذهاب عباس ولا يفعلون ما يكفي لاستغلال الفترة التي لم يعد فيها قادراً على اتخاذ قرارات جوهرية لترسيخ مكانة السلطة في قطاع غزة.

وهنا يكمن خوف كبير للأردن، ويتوقع أنه بدون أي تقدم سريع في نقل السيطرة المدنية في غزة إلى يد السلطة الفلسطينية، وتليين مواقف قيادة حماس الخارج أمام مواقف فتح من أجل إقامة “م.ت.ف جديدة”، تكون شريكة رئيسية فيها. منظمة كهذه، التي ستحصل على الشرعية كممثلة حصرية للشعب الفلسطيني، ستلزم الدول العربية بالتعاون معها. “لن يكون للأردن في حينه أي خيار سوى الاعتراف بحماس والتعامل مع النتائج السياسية التي ستكون لمثل هذه الخطوة في داخل المملكة، وعلى سلوكها أمام إسرائيل”، لخص الصحافي الأردني أقواله.

——————————————–

إسرائيل اليوم 3/5/2024

هل تملك الوساطة المصرية القدرة على تقريب الطرفين لإبرام صفقة في اللحظة الأخيرة؟

بقلم: شاحر كلايمن

بينما كان إسماعيل هنية في تركيا، أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل. أعرب عن تقديره لجهود الوساطة التي تقوم بها القاهرة منذ ثمانية أيام، وأوضح له بأن حماس تفحص “بروح إيجابية” اقتراحات اتفاق لوقف النار وتحرير المخطوفين. مشكوك أن يكون الجنرال كامل صدقه. فهو لا يزال يتذكر كيف أنه زار قطاع غزة قبل ثلاث سنوات والتقى السنوار وكيف وعدوه بالحفاظ على الهدوء.

يعرف المصريون بأنه لا بديل أمامهم؛ فالقاهرة تجثم تحت العبء الاقتصادي الجسيم بسبب الحروب من حولها. واكتشف رئيس الوزراء المصري مصطفى المدبولي، هذا الأسبوع بأن بلاد النيل تستضيف في أراضيها تسعة ملايين لاجئ. الكلفة السنوية – 10 مليارات دولار. قسم كبير منهم من دول إفريقيا. في السودان، مثلاً، حرب مضرجة بالدماء مع عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف اللاجئين. الغزيون أيضاً جاؤوا بجموعهم – مائة ألف نسمة.

وتضاف إلى هذا ضربة اقتصادية في قناة السويس، بعد تخريب الحوثيين لمسار الملاحة في البحر الأحمر ما أدى إلى هبوط عشرات في المئة في مداخيل رسوم العبور في القناة. وحتى بدون هذا، الوضع الاقتصادي المصري ليس لامعاً: حسب التقديرات، نحو 60 في المئة من 106 مليون مواطن مصري يعيشون دون خط الفقر أو قريب منه. والآن، مع إمكانية موجة لاجئين إضافية من قطاع غزة، تبذل القاهرة كل ما في وسعها لتحقيق صفقة مخطوفين ومنع اجتياح رفح.

لا يضنون في الوسائل

لا يملك السيسي ترف قطر. فالإمارة قد تسمح لنفسها بإرسال هنية لإقامة طويلة في تركيا. كما أنها غير معنية بفشل إضافي في المفاوضات يسجل على اسمها وانتقادات تتعرض لها لاحقاً – عن حق أو عن غير حق – من سياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل.

المشاكل الاقتصادية لا تقلقها مثلما تقلقها العلاقات مع واشنطن، التي يمكن لإسرائيل أن تخربها. فمنذ زمن بعيد وإسرائيل تكن ضغينة لقطر. ويسهل نسيان أن قيادتها استجابت بسرور لتيار السيولة النقدية التي تعزز الردع المصطنع في غزة. ولهذا تبتعد قطر وتقترب مصر.

المصريون لا يضنون بالوسائل، ويسربون رسائل متفائلة في كل صوب تحرج حماس وتورطها مع الغزيين، الذين يستجدون أي وقف للنار. وأمس، استدعوا إسرائيل وحماس للقاهرة مرة أخرى.

حسب المنشورات العربية، سجل رجال السيسي نجاحاً في ساحة عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهي مسألة قدمت فيها إسرائيل تنازلات. لمنهم لا يزالون ينتظرون بشائر طيبة حول شرط حماس لوقف نار دائم.

يواصلون المفاوضات

علينا أن نعترف: الوضع غير مشجع. على حد قول أحد الناطقين غير الرسميين لحماس، ليس هناك ما يمكن الوصول فيه إلى صفقة حالياً، والضغط الدولي على إسرائيل يتزايد. وبزعمه، سيضطر الجيش الإسرائيلي للخروج من القطاع، فلماذا نوقع على صفقة مع احتمال انسحاب إسرائيل بنفسها؟ كان لمسؤول حماس أسامة حمدان جواب أكثر تعقيداً حين أشار أنهم يتعاطون سلبياً مع الاقتراح الأخير – لكنهم يواصلون المفاوضات.

من الصعب الآن معرفة ما إذا كانت الأطراف في الطريق إلى الانفجار أم إلى صفقة جديدة، لكن يمكن القول إنه إذا لم تقبل حماس الاقتراح الحالي فستعرض نفسها لخطر النزاع مع القاهرة. فلمصر سيطرة على معبر رفح، وكانت شريكاً في السنوات الأخيرة في مشاريع عقارات في القطاع، فهي إذاً لاعب مهم في الإعمار المستقبلي وليس مجدياً التورط معها.

بالقدر ذاته، ثمة خطر مشابه حيال إسرائيل. فقد أوضحت مصادر رسمية في القاهرة بأن اجتياح رفح لن يؤثر على العلاقات مع إسرائيل، لكن من غير المؤكد أن يفوا بوعودهم. في هذا التهديد المزدوج قدرة على تقريب الطرفين لحل وسط في اللحظة الأخيرة.

لكن مثلما قبل 7 أكتوبر، يبدو أن المنطق ليس هو ما سيملي واقعنا، بل الوهم. فقد استندت حماس إلى مساعدة محتملة من الخارج في حينه أيضاً (إيران وحزب الله) واليوم أيضاً (الضغط الدولي). يبدو أنها فرضية تقوم على أساس جولات القتال السابقة.

معظم الإسرائيليين لن يوافقوا على استمرار وجود منظمة الإرهاب الإجرامية في غزة، وعلى أقل من نصر مطلق – حتى لو استغرق هذا سنوات. وقف نار مؤقت وتحرير مخربين لعينين من أجل تحرير إخواننا وأخواتنا، هو كل ما يمكن انتزاعه من الجمهور. رئيس الوزراء نتنياهو يعرف هذا جيداً، وليس له تفويض لإنهاء الحرب.

———————————————

هآرتس 3/5/2024

بن غفير وبيلد.. وزير مجرم يعين فاسداً مفتشاً عاماً وفق مبدأ “خذ وأعط”: دولة أم عصابة؟

بقلم: أسرة التحرير

سلسلة كشوفات “هآرتس” التي موضوعها مرشح وزير الأمن القومي بن غفير في منصب المفتش العام التالي للشرطة لا تدع مكاناً للشك: اللواء افشالوم بيلد لا يمكنه أن يكون المفتش العام التالي.

نشر محاضر المحادثات التي أجراها بيلد في 2015 مع رئيس مجلس هيئة يهودا في إطار قضية فساد أرسل رئيس المجلس في نهايتها لأربع سنوات سجن أمر يجب أن يقضي تماماً على إمكانية وصول بيلد إلى منصب الشرطي رقم 1. فالتنصتات الخفية التي سمع فيها بيلد، الذي يشغل اليوم منصب نائب المفتش العام وهو يطلب من رئيس المجلس تسويغ مخالفات بناء في بيته ويساعده حيال الحكومة الجديدة، إلى جانب وعوده بأن “يخضع” قائداً في الشرطة كي يلبي طلب رئيس المجلس، تنم عنها رائحة كريهة “خذ واعطِ” جنائية. هكذا تسمع محادثات بين مجرمين وليس بين منتخب جمهور وضابط شرطة كبير.

يفترض بالمفتش العام أن يكون قدوة شخصية في الاستقامة، لكن تبين في غرفة التحقيق كمن كذب وانتهك ثقة الشرطة والجمهور. رغم الفعل الشرطي الغني لأمن الدولة، لا يمكن تعيين شخص مثله ليقف على رأس جهاز يفترض أن يحقق في الفساد.

ليس مفاجئاً أن يقرر مجرم مدان بـ 13 إدانة جنائية و79 إدانة في مخالفات سير مثل بن غفير، أن يعين بيلد مفتشاً عاماً. فبعد أن استثمر بيلد في التزلف للوزير ومحيطه، يوشك أن يقطف الثمار ويكون منفذ كلمة الوزير. تعيين شخص كهذا يأتي لإضعاف الشرطة ولحمل قادتها على أن يكونوا خاضعين ومدينين لمن عينهم. وعندما تضاف إلى ذلك تلك المحادثات الفاسدة بينه وبين رئيس المجلس، حينئذ يجب ألا يسمح لهذا التعيين أن ينفذ.

لقد صادقت الحكومة الأسبوع الماضي على تعيين آشر غرونيس، الرئيس السابق للمحكمة العليا، رئيساً للجنة الاستشارات لتعيين كبار المسؤولين في خدمة الدولة. ويفترض باللجنة أن تفحص طهارة المقاييس لدى المرشحين. على حماة الحمى هؤلاء أن يتأكدوا من أن يتولى رأس الشرطة شخص مستقيم ومصداق يكون بوسعه أن يقود الجهاز ويحرص على تأدية مهمته في ظل الحفاظ على المصلحة العامة، وعلى استقلاليته حيال النزوات الخطيرة لبن غفير. أما بيلد فليس هذا الشخص.

———————————————

يديعوت أحرونوت 3/5/2024

قلق في الكابينت: هل يطمح نتنياهو للعثور على “الفردة الأخرى” لحذاء السنوار؟

بقلم: ناحوم برنياع

في ساعة كتابة هذه السطور، ظهر الخميس، لم يكن جواب حماس على الاقتراح المصري قد وصل. عندما تكون دولة كاملة تنتظر أياماً وليالي بطاقة خلاف من أحد ما، هو يحيى السنوار، فثمة ما يشهد على خطورة وضعنا. كل من وزراء كابنيت الحرب ينتظر البطاقة مع أمله الخاص. غالانت، غانتس، آيزنكوت ودرعي يتمنون جواباً إيجابياً؛ رون ديرمر يتردد، إذ يصعب عليه الخروج عن مجال القرار الضيق الذي تركه له سيده. ليس صدفة أنه يسمى “بيبي الصغير”. أما نتنياهو فإذا ما قال أحد ما إنه يتمنى جواباً سلبياً، فسينفي بحزم. يكفي إذا قلنا إن جواباً سلبياً من حماس سيسهل عليه الحال جداً مع سموتريتش وبن غفير، ومع القاعدة، ومع العائلة، مع البيت الأبيض. نتنياهو ولي يحب أن يقوم الآخرون بمهمته.

عندما نسأل نتنياهو لماذا امتنع عن إصدار الأوامر لتقويض حماس، يرد أنه أراد أن يفعل هذا، لكن ما كان يمكنه فرض رأيه بغياب إجماع في الكابنيت والقيادة الأمنية. التفسير أصيل: في إسرائيل صعب جداً على رئيس وزراء أن يأمر بعملية حربية بخلاف رأي قادة الجيش. بن غوريون فعل ذلك في المعركة على القدس في 1948، لكن هذا كان منذ زمن بعيد ولبن غوريون

الخميس الماضي، لقي نتنياهو إجماعاً. كابنيت الحرب اجتمع للبحث في الاقتراح المصري، وأيد تحقيق الاقتراح كل قادة أذرع الأمن: رئيس الأركان، رئيس “الشاباك”، واللواء نيتسان ألون، الذين يمثلون الجيش في المفاوضات، ومثلهم أيضاً رئيس الموساد دادي برنياع؛ أي أعضاء الكابنيت، بمن فيهم ديرمر. أناس كانوا في الغرفة أخذوا انطباعاً بأن نتنياهو فوجئ وقلق. من ناحيته، اصطدم بكمين مخطط، مؤامرة، منذ ذاك اليوم لم يعقد كابنيت الحرب ولا الكابنيت الموسع، الذي يقوده سموتريتش وبن غفير.

رفح الخدعة الإسرائيلية

عناوين الصحف لخصت الجدال في ثلاث كلمات: مخطوفون أو رفح؛ أو، بصياغة توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” الرياض أو رفح. التلخيص لم يجسد للقارئ عمق المعضلة وعرضها. رفح بعيدة عن أن تكون ما درج على الاعتقاد؛ بخلاف الأشهر الأولى من الحرب، المخطوفون في هذه اللحظة على رأس جدول الأعمال، لكنهم ليسوا وحدهم؛ فالرياض أيضاً ليست كما يعزى لها.

سأحاول الشرح: هذا الأسبوع قرر الجيش توسيع المنطقة التي يفترض أن تستوعب المليون نازح فأكثر ممن سيكونون مطالبين بالانتقال من رفح شمالاً، إلى المنطقة التي آوت من قبل بلدات “غوش قطيف”، وبوابتي عبسان الكبرى والصغرى، البلدتين الواقعتين في منطقة خان يونس. في أثناء الحرب، دمرهما الجيش الإسرائيلي حتى الأساس. لا أحد يعرف كم من الوقت سيستغرق نقل السكان: ربما يستغرق أسبوعاً أو شهراً فأكثر.

في هذه الأثناء، قوة من فرقتين تنتظر الدخول إلى رفح. ثمة فجوة كبيرة بين التوقعات التي نشأت في الجمهور ووسائل الإعلام الدولية أيضاً، وبين تقديرات واعية لدى جهاز الأمن. لقد نجح نتنياهو في زرع توقعات في القلوب بأن “النصر المطلق” سيتحقق في رفح. أربع كتائب حماس المتبقية ستباد، سيلقى القبض على السنوار أو يصفى، وسيتحرر عشرات المخطوفين، إن لم يكن كلهم.

الكتائب الأربعة قد تتفكك: بشرى طيبة لكل من هو في الجانب الإيجابي من الحرب، بما في ذلك حكومتا القاهرة وواشنطن. لكن السنوار لن يختفي بالضرورة. ثمة شك أنه في رفح. والمخطوفون، الأحياء والأموات، موزعون في عدة أماكن وتحت سيطرة عدة جهات. وهناك احتمال أكبر في أن يتسبب اجتياح رفح بموت المخطوفين.

الجيش الإسرائيلي دخل إلى شمال غزة، إلى معسكرات الوسط وإلى خان يونس بكل قوته النارية، جواً وبراً. لا يمكن تكرار هذه الحملة في رفح، ليس عندما تعاني إسرائيل من نقص في الرأي العام العالمي، ليس لدينا احتياطات لصور قتل ودمار جماعي آخر؛ كومة أوامر الاعتقال على طاولة المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تتزايد؛ وحكومات أخرى وشركات اقتصادية أخرى تهدد بعقوبات وبقطع علاقات. والأهم، لم يتبقَ لمعظم عائلات المخطوفين قطرة استعداد لمزيد من المخاطرة بحياة أعزائها. بعد احتجاج العائلات سيأتي احتجاج عائلات المقاتلين الذين سيسألون: ماذا ولماذا يقتلون هناك؟

قال لي أحدهم من داخل المنظومة، إن رفح ستكون في النهاية استعراضاً تظاهرياً، شيئاً ما يسمح لمذيعي اليمين أن يصرخوا، احتللنا، انتصرنا، حققنا أهداف الحرب دون تحقيق أي شيء حقاً. مراسلة تلفزيون ستقف على كوم من الأنقاض وتعلن: أمسكنا بالقطعة الأخرى من حذاء السنوار. رفح الخدعة الإسرائيلية.

تحدث نتنياهو عن رفح، لكنه امتنع عن عمل شيء ما كي ينفذه. هو يعرف كيف يجري حساب الكلفة/المنفعة. في الأسبوعين الأخيرين، دفع إلى عملية في رفح، هذا لا يمنع أبواقه من الادعاء بأن من أخر العملية هم أعضاء حكومة آخرون.

إذا كان جواب السنوار سلبياً فستبدأ عملية إخلاء السكان في غضون أيام، وعندها سيصعب وقف الدخول إلى رفح. تقدر إسرائيل بأن السنوار سيرجح القول بـ “نعم، لكن”، ويكرر مطلبه بتعهد إسرائيلي، مسنود بضمانات دولية، لعدم استئناف القتال. السنوار قاتل و”ابن موت”، غير أن له منطقاً خاصاً به. عندما يعود زعماء إسرائيل ويتعهدوا أمام ناخبيهم باستئناف الحرب لاغتياله، لا يتبقى له إلا أن يصدقهم.

المحطة الأخطر

رفح ليست “متسادا فلسطينية”. الصفقة ستبقى على قارعة الطريق، هي حجة أكثر منها هدفاً استراتيجياً. الرئيس بايدن، الذي دعاها بالخطأ “حيفا” (بالإنجليزية يختلط الاسمان الواحد بالآخر)، ربما ينسى اسمها ثانية. لكن الاقتراح المصري يتضمن أثماناً إضافية، جسيمة جداً لكل من يعز عليه أمن إسرائيل، ويكاد يكون متعذراً لنتنياهو السياسي. نحو مائة قاتل فلسطيني “تلطخت أيديهم” سيتحررون مقابل المجندات. إذا ما وصلنا إلى المرحلة الثانية، سيتحرر مئات القتلة الآخرين – أو أسوأ من هذا، قد يتحرر منفذو إرهاب – مقابل الجنود. لهذا نفهم لسبب تهديد سموتريتش وبن غفير ورجالهما للحكومة. لا يدور الحديث فقط عن انغلاق حس واحتقار تشعر به أوريت ستروك وزملاؤها تجاه إسرائيليين ليسوا مثلهم وتجاه معظم المجتمع الإسرائيلي، فقد أملوا أن يؤدي 7 أكتوبر إلى حرب شاملة، يطرد العرب في نهايتها ويعاد تصميم إسرائيل كمملكة مسيحانية بين النهر والبحر. هذا إيمانهم.

نتنياهو لا يشاركهم إيمانهم، لكنه طوعاً أو غصباً، يشاركهم. كنت كتبت هنا أنه يمكن الجدال حول مسؤوليته الشخصية عن إخفاق 7 أكتوبر، لكن لا يمكن إعفاؤه من المسؤولية عما حصل منذئذ. أحد الطرق لمراجعة الحرب هو استعراض القرارات الاستراتيجية التي اتخذت في أثنائها، ابتداء من الإعلان عن الحرب في الأحد:

  • في 11 منه، بخلاف اقتراح غالانت والجيش الإسرائيلي، ثمة قرار بهجوم في الجنوب ودفاع في الشمال، لكن نتنياهو لم يوضح ماذا يريد.
  • المحطة التالية كانت المناورة البرية. عارضها نتنياهو، لكنه لم يقاتل في سبيل رأيه.
  • صفقة المخطوفين الأولى. نتنياهو أجل القرار مرات، وفي النهاية هدده آيزنكوت بالاستقالة، فذعر نتنياهو واستجاب.
  • إنهاء الصفقة واستئناف المناورة البرية. في نظرة إلى الوراء، كان هذا قراراً مغلوطاً من رئيس الأركان.
  • بدء المساعدات الإنسانية. جاءت بتأخير أشهر تحت إملاء أمريكي، بعد أن دفعت إسرائيل ولا تزال تدفع عليها أثماناً سياسية باهظة.
  • المحطة الأخطر هي التي تجاوزها نتنياهو: “اليوم التالي”. كانت الفرصة قبل ثلاثة أشهر فأكثر، حين كان ممكناً استخدام المساعدات الإنسانية كرافعة، حين كان 20 لواء في القطاع أو على حدوده، حين كان السنوار ضعيفاً وملاحقاً، حين كان الإسرائيليون موحدين، حين كان نصر الله جاهزاً للعودة إلى تسوية في لبنان والسماح لمئة ألف إسرائيلي في الشمال والجنوب بالعودة إلى بيوتهم وحياتهم. لكن الخوف من السلطة الفلسطينية ورسلها، والخوف من الكهانيين الذين في حكومته، انتصرا على المنطق.

إن الجدال على استمرار الحرب ليس جدالاً بين الصقور والحمائم، اليمين واليسار، محبي النصر مقابل محبي المخطوفين. من الجانب الآخر، يقف أولئك المستعدون لدفع ثمن باهظ من أجل إعادة المخطوفين إلى الديار، ولقلب الصفحة وإعادة البدء لإسرائيل من جديدة؛ من الجهة الأخرى يقف أولئك الذين يؤمنون بأن 7 أكتوبر كان حلماً سيئاً، رؤية عابرة، والآن جاء الصباح ويمكن مواصلة 6 أكتوبر وكأن شيئاً لم يكن، بما في ذلك الانقلاب النظامي، بما في ذلك السلب والنهب الفئوي. لا يوجد شيء لأنه لم يكن شيء. نتنياهو واحد من كثيرين.

إدارة بايدن تعبت من انتظاره. ليس لبايدن وقت: لم يتبقَ سوى ستة أشهر حتى الانتخابات. أساس زيارة وزير الخارجية بلينكن إلى الرياض هذا الأسبوع كُرس لتحقيق الحلف بين السعودية والولايات المتحدة. كان يفترض أن تكون إسرائيل الشريك الثالث؛ لتسويغ الصفقة مع السعودية في الرأي العام الأمريكي وتعزيز الائتلاف مقابل إيران. وكان الاستنتاج بأن هذا لن ينجح مع نتنياهو. يمكن أيضاً بدون إسرائيل.

“العالم جن جنونه”، قال لي أمريكي زار السعودية هذا الأسبوع. “في السعودية يدخل الحاكم المتطرفين الدينيين إلى السجن. في إسرائيل يسمحون لهم بإدارة الدولة”.

———————————————

عن “هآرتس 3/5/2024

الصفقة أم رفح؟ حسابات نتنياهو والسنوار

بقلم: عاموس هرئيل

في الانتظار الطويل لرد الشخص الذي يقرر وبحق، رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار، من الأفضل أيضا في هذه المرة أن لا نبني توقعات مبالغاً فيها. صحيح أنه حتى أمس السنوار، الموجود في مكان ما في غزة السفلى، ما زال صامتاً. ولكن قادة حماس الخارج، الذين من غير الواضح الى أي درجة يتحدثون باسم الرئيس المختفي، يبثون رسائل متناقضة رداً على اقتراح الوساطة المصري الأخير ويرمزون الى أنه خلف هذا الاقتراح تقف مؤامرة إسرائيلية. فقط خطوة مفاجئة للسنوار، استجابة كاملة للاقتراح وليس الرفض الكامل أو الجزئي (على طريقة “نعم، ولكن”)، يمكن أن تؤدي الى اختراقة. بدونها فان الحرب ستستمر والولايات المتحدة لن تنجح في فرض صفقة عليه وعلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي كما يبدو هو غير معني بها حقاً بالشروط المطروحة.

تفاصيل العرض المصري نُشرت أول من أمس في وسائل الاعلام العربية. توجد فيها صيغ وصيغ ثانوية معقدة، تهدف الى اعادة بالتدريج للـ 133 مخطوفاً تحتجزهم حماس، الأحياء والاموات، مقابل وقف بالتدريج لاطلاق النار الذي في نهايته يكون انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع. ولكن الانتقال بين النبضة الاولى الانسانية، التي سيطلق فيها سراح عدد من المخطوفين (كبار السن والنساء والمرضى والجرحى) وبين النبضة الثانية، التي سيطلق فيها سراح المتبقين، يبدو أنها غير سهلة ومضمونة بما فيه الكفاية حسب رأي السنوار. وكما نشر هنا فان هذا هو الخيار الأول بالنسبة لحماس، تقريباً منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر. المنظمة تريد وقفاً شاملاً لإطلاق النار يضمن بقاء حكمها في القطاع. هذا الأمر نتنياهو يجد صعوبة في تقديمه، على الأقل الآن، لأنه بذلك وكأنه يتنازل عن أهداف الحرب المعلنة ويعرض نفسه لخطر سياسي كبير من قبل اليمين.

من أجل فهم ما يحدث في المفاوضات يجب العودة الى ما حدث في نهاية تشرين الثاني الماضي، في صفقة المخطوفين الأولى التي شملت أيضاً وقفاً لإطلاق النار مدته أسبوع. أيضا في حينه حماس سعت الى إنهاء الحرب. السنوار اعتقد بالخطأ بعد اعادة النساء والاطفال من مجموعة المحررين الاولى أنه سيكون بالامكان كسب الوقت عن طريق التنقيط اليومي أو الاسبوعي لمحررين آخرين من خلال المفاوضات الحازمة التي في نهايتها ستنتهي ايضا الحرب. حتى ذلك الوقت كان يعتقد كما يبدو بأن نتنياهو سيكون موجوداً عميقا في حالة اضطراب وأنه لن يستطيع العودة الى القتال. عملياً، العكس هو ما حدث. فمنذ اللحظة التي أوقفت فيها حماس تلبية شروط الصفقة وعرضت بدلاً من ذلك إعادة عدد أقل من المخطوفين وجثامين، قامت إسرائيل بتحطيم الأدوات. وقف إطلاق النار انهار والجيش الإسرائيلي دخل الى خان يونس. ورداً على ذلك جمدت حماس المفاوضات حول الصفقة.

هذا حدث في كانون الثاني عندما كان من الواضح للسنوار أن إسرائيل لا تنجح في تحقيق هدفها في خان يونس: تصفيته وتصفية قادة “حماس” الكبار (من المجموعة الرائدة قُتل فقط مروان عيسى في هجوم على مخيم النصيرات للاجئين) وإطلاق سراح المخطوفين بالقوة. وزير الدفاع يوآف غالنت تفاخر بأن السنوار يسمع جرافات الجيش الإسرائيلي فوق رأسه وهدد بأنه في القريب سيواجه البنادق الإسرائيلية، ولكن عملياً رئيس حماس نجح في التملص. ايضا عندما تم استئناف المفاوضات تم تبديد وقت طويل عليها. إسرائيل قامت بتأخير ارسال ردها على مقترحات الوسطاء، وفي نفس الوقت وضعت حماس الصعوبات من جانبها. فقط في منتصف شهر نيسان ردت إسرائيل بالايجاب على الاقتراح الجديد الذي شمل تنازلات كبيرة من جانبها، وفي الواقع لم تترك في يدها اوراقا كثيرة للمرحلة الاخيرة في الصفقة. ولكن كما قلنا، في هذه الاثناء لم يكن هذا كافياً لأن السنوار بقي متشككاً وتمسك باهدافه الاصلية.

ليس بسبب أن نتنياهو لا يريد الصفقة، بل هو يريدها بشروطه. ومثل النكتة القديمة – رئيس الحكومة يبحث عن قرض بدون فوائد وبدون دفعات وبدون تسديد الأموال. ولكن في هذه الأثناء لا توجد صفقة كهذه في متناول اليد. وحماس، للأسف الشديد، لا تؤمن بمبدأ حسن النية حسب قانون التعاقد. هذه مجموعة قتلة لديها خطة عمل مرتبة، التي ضائقة شعبها، وبالأحرى المخطوفون الإسرائيليون، لا تهمها أبداً. السنوار حصل على إنجازات كبيرة، احتلال بلدات النقب الغربي ليوم تقريباً وتغيير جدول الأعمال الإقليمي من خلال إعادة القضية الفلسطينية على رأس القائمة (في غضون ذلك هو يتفاخر بإنجاز آخر وهو الفوضى التي لا تصدق في الجامعات الأميركية). في الوقت نفسه، كما كان واضحاً من اليوم الأول، فقد انزل كارثة فظيعة على رأس سكان القطاع.

الآن السنوار يبحث عن حل يمكنه من تكرار لعبة خدعة الكرسي مع ذراعين، التي لعبها في 2020. ففي حينه، بعد انتهاء عملية حارس الأسوار التقط صورة على كرسي مع ذراعين في مكتبه الذي تم تفجيره من اجل الاظهار بأن هجمات إسرائيل لم تكسره ولم تعرض حكمه للخطر. ايضا في هذه المرة هو يريد القول للجماهير العربية: أنا الوحيد الذي وقف امام إسرائيل وجعلها تركع على ركبتيها. ما لم تفعله سبعة جيوش عربية في 1948 وجيشان في 1973، فعلته حماس برئاسته. المخطوفون الإسرائيليون بالنسبة له هم الأداة الاكثر نجاعة من اجل تحقيق الهدف. لذلك، لا يتوقع أي بادرات حسن نية سخية في المستقبل دون الحصول على ثمن مناسب حسب رأيه.

اشارة واضحة

وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، وصف في هذا الأسبوع اقتراح مصر بأنه اقتراح سخي جداً بالنسبة لحماس، وحاول نقل الكرة الى ملعب السنوار. في هذه الأثناء لا توجد أي دلائل على أن رئيس حماس اقتنع. فهو أيضاً يقدر كما يبدو، استناداً الى أقوال بلينكن، بأن الولايات المتحدة ستضع العقبات أمام عملية إسرائيلية واسعة في رفح. لذلك، يبدو أنه لا يسارع في الذهاب الى أي مكان.

ايضا في الجناح اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو يدركون الواقع الحالي ولذلك فانهم يضغطون على نتنياهو كي يأمر الجيش الإسرائيلي باحتلال رفح الآن. صفقة المخطوفين بنبضتين ستضع المفاوضات على المسار وستصعب على إسرائيل الانحراف مرة أخرى نحو اليمين والذهاب بكل القوة الى رفح. وصبر الرئيس الأميركي ليس كما كان في شهر كانون الأول.

في هذه الأثناء تم تطوير مكانة رفح الى نوع ستلينغراد فلسطينية. أساس الصعوبة لا يكمن في قوة حماس هناك. فقد بقيت فيها اربع كتائب ولكنها ليست من كتائب حماس القوية، والكثير من المخربين الذين هربوا من شمال القطاع. المشكلة الأساسية تتعلق بمليون مواطن فلسطيني الذين ما زالوا يتجمعون فيها (حوالي 150 ألف شخص منهم انتقلوا مؤخرا الى شمال القطاع، الى خان يونس المدمرة، عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من المدينة). هذا الأمر هو الذي يقلق الأميركيين الذين يريدون ضمان إخلاء منظم للمدنيين. يبدو أن نتنياهو يلتزم بالدخول الى رفح بسبب وعده العلني وبسبب الضغط الذي يستخدمه عليه الوزير إيتمار بن غفير والوزير بتسلئيل سموتريتش.

الجيش الإسرائيلي قادر على احتلال رفح. لكن السؤال هو ما الذي سيحققه من ذلك. غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي قالا لنتنياهو بأن اقتحام رفح سيضر بالكتائب والبنى التحتية لحماس، لكنه لن يؤدي الى النصر الحاسم على حماس، خلافا لوعده للجمهور. حماس سترمم في هذه الأثناء قدراتها العسكرية والسلطوية في مناطق اخرى في القطاع. وبعد بضعة اشهر، بعد احتلال رفح، سنعود الى نقطة البداية: حماس مضروبة ولكنها نشطة، بدون بديل سلطوي آخر في القطاع (لأن نتنياهو يرفض بشدة مناقشة ذلك مع الأميركيين ومع المجتمع الدولي. لذلك فان الجيش يقترح محاولة عقد الصفقة وبعد ذلك الاستعداد لاحتمالية احتلال رفح).

في ظل غياب الصفقة وازاء معارضة أميركا، ربما أن العملية في رفح ستكون مقلصة اكثر مما يتم الاعتقاد. الجيش الإسرائيلي يمكنه دفع جزء من السكان نحو الخارج، والتمسك بمداخل المدينة وقصفها من الخارج، بدون الاقتحام المباشر واحتلالها بشكل كامل. حتى أن هذه العملية لن تكون عملية نظيفة أو بدون خسائر. فاضافة الى الكثير من القتلى الفلسطينيين، هي أيضا ستجبي حياة الجنود. وقد اصبح من الواضح أن توسيع العملية العسكرية سيعرض للخطر حياة المخطوفين، الذين بعضهم يحتجزون في رفح. في كل الهجمات السابقة للجيش الإسرائيلي قتل بعض المخطوفين الذين بعضهم قتلوا على يد آسريهم وبعضهم قتلوا اثناء الهجمات الإسرائيلية.

تواصل الادارة الأميركية الدفع قدما بالصفقة السعودية الكبيرة وتبقي الباب مفتوحا امام إسرائيل مع احتمالية أن تشمل ايضا وقف الحرب. ولكن جهات أميركية رفيعة اصبحت الآن تنثر اشارات بأنه يحتمل ايضا عقد صفقة محدودة اكثر، في اطارها سيتم الاتفاق على الموافقة على جزء أو جميع طلبات السعودية من الولايات المتحدة (حلف دفاع، سلاح متقدم، مشروع نووي مدني)، دون أن يقترن بذلك على الفور تطبيع كامل بين الرياض والقدس. هذا على خلفية الجمود الذي يلوح في الأفق حاليا في المفاوضات حول المخطوفين وازاء رفض نتنياهو لكل بادرة حسن نية بخصوص استئناف العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية.

الإشارة لإسرائيل واضحة: إذا لم تركبوا في هذا القطار فهو سيسافر بدونكم. ولكن كالعادة للإدارة الأميركية التفكير الإيجابي يقفز في الطريق عن عقبات محتملة. التطبيع هو وبحق محفز لإسرائيل، لكن من المهم ذكر أنه عندما سئل كبار قادة حماس عن أسباب تنفيذ المذبحة في 7 اكتوبر، ذكروا الرغبة في التشويش على الاتفاق بين إسرائيل والسعودية، الذي وقف في حينه على الأجندة. بكلمات أخرى، لا يوجد لحماس أي مصلحة في أن تكون جزءاً صغيراً في صفقة كبيرة، التي ستساعد بشكل غير مباشر على توطيد الحلف المناهض لإيران في المنطقة.

———————————————

لوموند: كيف تعيد إسرائيل تشكيل قطاع غزة؟

باريس- “القدس العربي”: تحت عنوان: “كيف تعيد إسرائيل تشكيل قطاع غزة؟”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تحقيق مطول لها،  إنه بينما تتم مناقشة مستقبل الحكم في قطاع غزة الفلسطيني داخل الحكومة الإسرائيلية، دمرت القوات الإسرائيلية بشكل ممنهج، بعرض كيلومتر واحد على الأقل، المباني على طول الحدود، وتقوم بإنشاء ممر عسكري يعزل مدينة غزة.

فخلال نحو سبعة أشهر من الحرب، أعاد الجيش الإسرائيلي تشكيل غزة وفقاً لاحتياجاته.. فهي تقوم بهدم المباني في “المنطقة الأمنية” التي يبلغ عمقها حوالي كيلومتر واحد على حدودها، ما يهدد بحرمان الشريط الساحلي الضيق بشكل دائم من 16 %  من أراضيه، وخاصة الأراضي الزراعية، وفقًا لبيانات الأقمار الاصطناعية  التي تقول “لوموند” إنها حلّلتها. فقد أجبرت إسرائيل مئات الآلاف من سكان غزة على مغادرة شمال القطاع، وعزّزت طريقاً عسكرياً يمنع عودتهم، بينما يحدّ من مرور المساعدات الإنسانية.

يهدف اليمين الإسرائيلي إلى جعل مدينة غزة المدمرة منطقة عازلة خالية من السكان في الشمال، أو إعادة استعمارها. أما وزراء الوسط، فيستخدمون عودة السكان كورقة في المفاوضات

ويشن الجيش الإسرائيلي غارات من قاعدتين أماميتين أقيمتا على هذا “الممر”، مع قيامه أيضًا ببناء هياكل جديدة على الساحل، من المفترض أن تؤمّن إيصال المساعدات عن طريق البحر، والتي وعد بها الحليف الأمريكي بداية شهر مايو/أيار. ويخشى أحد الدبلوماسيين الغربيين من أن “إسرائيل تقدم هذه الهياكل على أنها مؤقتة، لكنها تمثل أمراً واقعاً يمكن أن يستمر لفترة طويلة”، تضيف “لوموند”.

ويهدف اليمين الإسرائيلي إلى جعل مدينة غزة المدمرة منطقة عازلة خالية من السكان في الشمال، أو إعادة استعمارها. أما الوزراء الإسرائيليون من الوسط، وهم الأقلية، فيستخدمون عودة سكان غزة إلى الشمال كورقة ضغط في المفاوضات الجارية مع “حماس”، لإجبارها على إطلاق سراح الرهائن لديها.

وقد تم طرح اقتراح في هذا الصدد في القاهرة، في نهاية نيسان/أبريل، بحسب صحيفة لبنانية وإذاعة الجيش الإسرائيلي. وقد يؤدي ذلك إلى انسحاب القوات الإسرائيلية، مؤقتاً على الأقل، من الطريق الذي يقطع الجيب في المنتصف، توضح “لوموند”.

ومع ذلك، فإن كافة مكونات الائتلاف الحاكم في إسرائيل تطالب “بحرية العمل” للجيش في غزة على المدى الطويل، ومتفقة على حقيقة أن مرحلة “الاستقرار” يجب أن تستمر لسنوات عديدة بعد الحرب، ما يتطلب غارات منتظمة ضد “حماس” والكتائب المسلحة في غزة، تؤكد الصحيفة الفرنسية.

”منطقة عازلة” على الحدود

دمرت إسرائيل بشكل ممنهج المباني على شريط من الأرض يبلغ عرضه كيلومترًا واحدًا على طول حدود غزة، عن طريق القصف، اعتبارًا من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، ثم بنشر فرق من خبراء المتفجرات اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني. وتمتد هذه “المنطقة الأمنية” إلى حد كبير على الأراضي الزراعية في الجيب، والتي كانت تنتج حوالي %20  من احتياجاته الغذائية قبل الحرب. فهو يمتد إلى المنطقة الحرام- التي يبلغ عرضها حتى ذلك الحين 100 متر- على حدود الجدار الذي عبْرته قوات كوماندوز “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام  2023، لقتل 1200 مدني وجندي في إسرائيل. كما يغطي الممشى القديم ونقاط المراقبة العسكرية التي أقامتها الحركة الإسلامية الفلسطينية أمام الجدار، تتابع “لوموند”، مشيرة إلى أن  السياسيين اليمينيين في إسرائيل تحدّثوا، منذ بداية الحرب، عن ضرورة “معاقبة” غزة من خلال بتر جزء من أراضيها. وقال إيلي كوهين، وزير الخارجية في ذلك الوقت، إن “أراضي غزة سيتم تقليصها أيضًا”. وطرحت الدولة العبرية هذا المشروع لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول عام 2023 مع الدول العربية.

ولكن لم يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن وجوده رسميًا إلا في شهر فبراير/شباط الماضي، من خلال الكشف عن خطة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة. وقال حينها: “إن المنطقة الأمنية التي تم إنشاؤها في قطاع غزة، داخل محيط حدود إسرائيل، ستظل موجودة طالما أن الحاجة إلى الأمن تتطلب ذلك”. وهذا التدمير الهائل للممتلكات المدنية يمكن أن يشكل جريمة حرب، وعلى المدى الطويل، استيلاء على الأراضي، تقول “لوموند”.

وقدّر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في فبراير/ شباط أن “إسرائيل لم تقدم أسباباً واضحة لمثل هذا التدمير الواسع النطاق للبنية التحتية المدنية”. وذكّر “السلطات الإسرائيلية بأن النقل القسري للمدنيين يشكل جريمة حرب”. من جانبها، اعترفت الولايات المتحدة بالضرورات الأمنية التي طرحتها حليفتها، مع التأكيد على أنها يجب أن تظل مؤقتة. وترى الدولة العبرية في ذلك ضرورة لطمأنة السكان حول القطاع، وإعادة إعمار مدنه المهجورة، توضح “لوموند” دائماً في هذا التحقيق.

إخلاء شمال قطاع غزة من سكانه

يبقى القرار الإستراتيجي الرئيسي للجيش الإسرائيلي في هذه الحرب- تواصل “لوموند”- هو التهجير القسري لسكان شمال قطاع غزة، من أجل تفكيك كتائب “حماس” وتدمير جزء من بنيته التحتية.

ومنذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من المدينة، في يناير/ كانون الثاني الماضي، ما يزال نحو 300 ألف فلسطيني معزولين هناك ومهددين بالمجاعة، بحسب الأمم المتحدة. وسمح الجيش الاسرائيلي، تحت ضغط دولي، لـ “شركاء من القطاع الخاص” بتقديم المساعدات، وقد بدأت آثار ذلك تظهر، وفق الصحيفة الفرنسية، مشيرة أيضاً إلى أن الدولة العبرية سمحت أيضاً للأمم المتحدة بفتح مركزين لتوزيع المواد الغذائية في الشمال.

كما أعلنت إسرائيل، في الأول من أيار/مايو الجاري، عن إعادة فتح معبر إيريز القديم للسماح بمرور المساعدات الغذائية عبر أراضيها. لكن الجيش الإسرائيلي يخشى أن يقوم ناشطون من اليمين الديني المتطرف، مؤيدون للتطهير العرقي في غزة، بعرقلة وصول المساعدات، وأن تسهل الشرطة تحركاتهم، تحت سلطة وزير من حركتهم، توضح “لوموند”.

وتابعت “لوموند” التوضيح أن بنيامين نتنياهو استبعد التحدث مع “فتح”، التي تسيطر على السلطة في الضفة الغربية، لمناقشة الحكم المستقبلي في الشمال […] في الوقت نفسه، ترتفع الأصوات في إسرائيل لصالح تشكيل حكومة عسكرية في شمال القطاع. وقام السكرتير العسكري الجديد لرئيس الوزراء، الجنرال رومان جوفمان، بتوزيع وثيقة، في إبريل/نيسان الماضي، تدافع عن هذا الخيار. وقد أوضح الجيش والحكومة أن هذا رأيٌ شخصي.

نتنياهو: إن المنطقة الأمنية التي تم إنشاؤها في قطاع غزة، داخل محيط حدود إسرائيل، ستظل موجودة طالما أن الحاجة إلى الأمن تتطلب ذلك

ومن جانبهم، يشن وزراء الوسط في حكومة الحرب حملة من أجل إنشاء “كيان فلسطيني محلي” مسؤول عن الشؤون المدنية، من دون الإشارة صراحة إلى “فتح” أو السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.

ويهدفون إلى إقناع مصر والأردن بالإشراف على هذه السلطة المحلية مع إسرائيل ونشر قوات في غزة. وما زالت الدول العربية المجاورة الكبرى تعارض هذه الخطة، خوفاً بشكل خاص من أن تجد نفسها تحت نيران “حماس” وإسرائيل، تؤكد “لوموند”.

ويعتزم هؤلاء الوزراء الإسرائيليون على أية حال الحفاظ على الحد الأقصى من “حرية العمل” للجيش في قطاع غزة، حتى يتمكن من القيام، لسنوات عديدة، بغارات تسمح بـ ”تجريد” القطاع من السلاح، بمفرده، أو بالتعاون معه سلطة مدنية فلسطينية.

ممر يقطع المنطقة إلى قسمين

وتظهِر صور الأقمار الصناعية التي حللتها  ”لوموند” أن إسرائيل بدأت، في منتصف شهر فبراير /شباط الماضي، في تطوير “الممر” العسكري الذي يبلغ طوله 6.6 كلم، والذي يعزل مدينة غزة عن بقية القطاع، على طرفه الجنوبي. يتبع هذا التثبيت جزئيًا مسار طريق سابق كان مخصصًا للمستوطنين اليهود من مستوطنة نتساريم، الذين ساهم موقعهم في التقسيم الأمني ​​لقطاع غزة إلى أقسام حتى الانسحاب الإسرائيلي في عام 2005 .

ويثير تعزيز هذه الهياكل مخاوف من أن الجيش “يستعد للبقاء لفترة أطول” في المنطقة، كما يقول القاضي سكوت أندرسون، نائب مدير العمليات في الأونروا، وكالة الأمم المتحدة الرئيسية في غزة.

وتعزز هذه المنشآت الحواجز التي أقامها الجيش، نهاية العام2023 ، على الطريق الساحلي وطريق صلاح الدين، وهما المعبران الوحيدان إلى الجنوب، حيث ما يزال السكان يفرون بسبب الجوع.

وتقوم القوات الإسرائيلية بشن غارات ضد إعادة تشكيل قوات “حماس” في الشمال، مثل العملية التي أدت إلى تدمير مستشفى “الشفاء” في شهر مارس/آذار الماضي، وكذلك في منطقة النصيرات والبريج في الوسط، تقول “لوموند”.

واقترحت إسرائيل، في نهاية إبريل/نيسان، مغادرة هذا الممر بشكل مؤقت على الأقل، في الأسبوع الرابع من وقف إطلاق النار المحتمل، عندما تكون “حماس” قد أطلقت سراح حوالي عشرين رهينة. لكن هذا الممر هو الوسيلة الوحيدة التي يملكها الجيش للسيطرة بشكل آمن على قطاع غزة وتأمين تسليم المساعدات التي وعدت بها الولايات المتحدة عن طريق البحر. وبدون ممر، لن تكون عمليات التسليم هذه ممكنة. وقال الجنرال السابق إسرائيل زيف إن “الجيش سيضطر إلى السيطرة عليها طالما لم تقرر إسرائيل التعاون مع “فتح”، حتى تستعيد السيطرة على غزة، وطالما أننا لا نسعى إلى حل سياسي طويل الأمد”.

وتهدد الدولة العربية، في الوقت نفسه، بشن هجوم على رفح بجنوب قطاع غزة، حيث يوجد 1.4 مليون نازح، من أجل قطع أنفاق تهريب الأسلحة التابعة لـ”حماس” على الحدود المصرية، وفق “لوموند”، موضحة أنه في هذه الحالة، يخطط الجيش الإسرائيلي لفتح “مناطق آمنة” للنازحين في أقرب مكان ممكن من الممر المركزي، في النصيرات والبريج. وقد اشترت الدولة العبرية 40 ألف خيمة مخصصة لإيواء هؤلاء النازحين. وتظهر صور الأقمار الصناعية تركيب صفوف جديدة من الخيام المربعة في الأيام الأخيرة. ويضغط اليمين المتطرف لتنفيذ هذه العملية في رفح. ودعا بتسلئيل سموتريش، وزير المالية، يوم الإثنين، إلى “الإبادة الكاملة” لمدن رفح ودير البلح والنصيرات.

الطوافات على الساحل

وفي نهاية طريق نتساريم، يقيم الجيش منطقة عسكرية لتأمين تفريغ المساعدات الإنسانية الدولية المنقولة بحراً، من المفترض أن تقلل من نقص الغذاء الذي تنظمه إسرائيل، التي تبقي حدودها البرية مغلقة جزئياً، تشير “لوموند”، مضيفة أن صور الأقمار الصناعية، التي التقطت في بداية شهر مارس/آذار، تُظهر الرصيف الجديد الذي بنته منظمة “وورلد سنترال كيتشن” غير الحكومية من الأنقاض. وقبالة الساحل، وعلى بعد 6 أميال بحرية (11.4 كيلومتراً)، تستكمل السفن العسكرية الأمريكية بناء رصيف عائم مؤقت، من المتوقع أن يبدأ تشغيله في الأيام المقبلة. ومن الممكن أن يستمر الأمر حتى سبتمبر/أيلول، طالما أن الظروف في البحر تسمح بذلك.

تقوم شركة أمن أمريكية خاصة بجمع الأموال من الدول من أجل بناء عائم آخر، ولنقل مساعدات الأمم المتحدة إلى هناك من قبرص

وتقوم شركة الأمن الأمريكية الخاصة Fogbow أيضاً بجمع الأموال من الدول من أجل بناء عائم آخر قريب جداً من هذه المنطقة، ولنقل مساعدات الأمم المتحدة إلى هناك من قبرص. لكن السلطات الفرنسية ما تزال تقاوم مشاريع المساعدات هذه عن طريق البحر، معتقدة أنها لا تستطيع التعويض عن عدم إعادة فتح الحدود البرية. ويعد مشروع Fogbow أيضًا جزءًا من منطق أطول، مع طموح المساعدة في نقل المواد الثقيلة لإعادة إعمار الجيب بعد الحرب، تقول “لوموند”.

وضربت قذيفة هاون هذه المنطقة الآمنة الإسرائيلية، في 24 أبريل/نيسان، بينما بدأ العمل الأمريكي في البحر.

وفي اليوم التالي، أشار نائب رئيس المكتب السياسي لـ “حماس”، خليل الحية، إلى أن الحركة ستهاجم أي وجود غير فلسطيني “في البحر أو على الأرض”.

وتواصل إسرائيل أيضًا تقييد تسليم المساعدات عن طريق البر من مصر والأردن. و ما يزال عدد القوافل الأردنية المسموح لها بالمرور عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية ومن قبل إسرائيل رمزياً. ومن المؤكد أن إسرائيل سمحت للمملكة الهاشمية بإسقاط الطعام بالمظلات في الهواء. ولكن هذا يمثل، مرة أخرى، كميات ضئيلة.

ويشير مصدر دبلوماسي غربي آخر إلى أن “هناك رغبة إسرائيلية إستراتيجية في عزل غزة”، ولذلك يُنظر إلى جهود الأردن، التي تدعو إلى عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، على أنها عقبة أمام عزل القطاع، تقول “لوموند”.

———————————————

الانتفاضة الأميركية لغزة: ماذا نتوقع؟

بقلم: رمزي بارود

تواصل إدارة بايدن في تغذية آلة الحرب الإسرائيلية في هجومها الوحشي ضد ملايين الفلسطينيين المدنيين، ويواصل الطلاب في الجامعات الأميركية بالتصرف بشكل مستقل يصنع لحظة مذهلة وفاصلة في تاريخ الولايات المتحدة.

موقع “ذي نت” مقالاً للكاتب والصحفي الفلسطيني رمزي بارود، تحدث فيه عن الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية، وما تظهره من تغيرات في تفكير وتوجهات المجتمع الأميركي.

لا يمكن اختزال الاحتجاجات الطلابية في عشرات الجامعات الأميركية وحشرها غصباً في زاوية مضللة حول معاداة السامية. وآلاف الطلاب من الأميركيين في جميع أنحاء البلاد لا يحتجون ويخاطرون بمستقبلهم وسلامتهم، بسبب بعض الكراهية المرضية للشعب اليهودي، إنّما يقومون بتسجيل موقف غاضب يرفض بالمطلق القتل الجماعي الذي تقوم به “إسرائيل” ضد الفلسطينيين العزل في غزة. وهم غاضبون لأن حمام الدم في قطاع غزة، منذ 7 أشهر، يتم تمويله ودعمه بالكامل من قبل الحكومة الأميركية.

بدأت هذه الاحتجاجات الطلابية والجماهيرية في جامعة كولومبيا في 17 نيسان/أبريل الماضي، قبل أن تتوسع مساحة التظاهرات وتمتد لتغطي كل جغرافيا الولايات المتحدة، من نيويورك إلى تكساس ومن نورث كارولينا إلى كاليفورنيا.

ويقارن البعض الاحتجاجات من حيث صرامة موقفها وشدتها، بالاحتجاجات المناهضة للحرب الأميركية ضد فيتنام في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم. في حين أنّ المقارنة مناسبة، لكن من الأهمية ملاحظة التنوع العرقي والاجتماعية في الاحتجاجات الحالية. ففي العديد من الجامعات يقف الطلاب العرب والمسلمون واليهود والسود والأميركيون الأصليون والبيض جنباً إلى جنب مع أقرانهم الفلسطينيين في موقف موحد ضد الحرب.

لا أحد من المحتجين مدفوع بالخوف من إمكانية تجنيده للقتال في غزة، كما كان الحال بالفعل بالنسبة للعديد من الطلاب الأميركيين خلال حقبة حرب فيتنام. وبدلاً من ذلك، فإنهم متحدون حول مجموعة واضحة من الأولويات: إنهاء الحرب، وإنهاء الدعم الأميركي لـ”إسرائيل”، وإنهاء الاستثمار المباشر لجامعاتهم في “إسرائيل”، والاعتراف بحقهم في الاحتجاج. هذه ليست مثالية فقط، بل الإنسانية في أفضل لحظات تجلياتها.

على الرغم من الاعتقالات الجماعية، بدءاً من جامعة كولومبيا، والعنف المباشر ضد المتظاهرين السلميين في كل مكان، فقد نمت حركة الاحتجاج بشكل أسرع وأقوى، وأخاف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي مع سياسيين من “الحزبين” الحاكمين، لم يتورعوا عن ارتكاب جناية أخرى باتهام المتظاهرين بمعاداة السامية، من دون التفات إلى مطالبهم المحقة والمؤيدة من معظم دول العالم.

مرة أخرى، وقفت المؤسسات “الديمقراطية” و “الجمهورية” معاً في دعم أعمى للاحتلال الإسرائيلي. وعمل كل المسؤولين الأميركيين معاً في جوقة واحدة توزعت الأدوار لإجهاض الاحتجاجات. بايدن يصفها بـ “المستهجنة والخطيرة”، ورئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، زار جامعة كولومبيا تحت حراسة أمنية مشددة، مستخدماً لغة لا تصلح لبلد يزعم اعتناق الديمقراطية واحترام حرية التعبير والحق في التجمع والتظاهر والاحتجاج.

وقال مايك جونسون، “لا يمكننا السماح لهذا النوع من الكراهية ومعاداة السامية بالازدهار في جامعاتنا، وأدعو الرئيسة مينوش شفيق إلى الاستقالة إذا لم تستطع إعادة النظام وإنهاء هذه الفوضى”.

تقريع جونسون لإدارة جامعة كولومبيا غض النظر عن موقف مينوش شفيق المشبوه سياسياً وأخلاقياً، لأنها هي التي دعت شرطة نيويورك إلى قمع المتظاهرين، متهمةً إياهم زوراً بمعاداة السامية.

وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية ساهمت بدورها بنشر المعلومات المضللة حول أسباب الاحتجاج وأهدافه. ومرة أخرى، سمحت صحيفة “وول ستريت جورنال” لكتاب مثل ستيفن ستالينسكي بتشويه سمعة نشطاء العدالة الشباب لجرأتهم على انتقاد الإبادة الجماعية المروعة الإسرائيلية في غزة.

وزعم ستالينسكي أنّ “حماس وحزب الله واليمنيين وآخرين يقومون باستدراج الناشطين في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء الغرب”، وبالتالي يأخذون مرة أخرى محادثة انتقادية حول دعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية في اتجاهات غريبة لا أساس لها.

قد يرغب كتاب المؤسسة الأميركية في الاستمرار في خداع أنفسهم وقرائهم، لكن الحقيقة هي أنّه حزب الله أو حماس لا ينشطان في جامعات النخب الأميركية، حيث في الغالب ما يتم إعداد الطلاب ليصبحوا قادة في الحكومة والشركات الكبرى الأميركية.

كل هذه الانحرافات للطبقة الأوليغارشية الأميركية تهدف إلى تجنب التحول الذي لا يمكن إنكاره في المجتمع الأميركي، وهو التحول الذي يعد بتحول نموذجي طويل الأجل في وجهات النظر الشعبية حول الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وفي الحقيقة، ولسنوات قبل الحرب الحالية، كان الأميركيون يغيرون آراءهم حول “إسرائيل”، وما يسمى بـ “العلاقة الخاصة” لبلادهم مع “تل أبيب”. كذلك قاد “الديمقراطيون” الشباب هذا الاتجاه، والذي يمكن ملاحظته أيضاً بين المستقلّين وإلى حد ما بين “الجمهوريين” الشباب.

تعاطف عدد الأميركيين الآن مع الفلسطينيين أكثر عدد المتعاطفين مع “إسرائيل”. وهذا لم يكن من الممكن تصوره في الماضي. لكن، هذا هو الوضع الطبيعي الجديد وما تشير إليه أحدث استطلاعات الرأي المتعلقة بالموضوع، إلى جانب تضاؤل معدلات تأييد بايدن التي تؤكد هذه الحقيقة.

إنّ الأجيال الأكبر سناً من السياسيين الأميركيين، الذين بنوا وحافظوا على حياتهم المهنية على أساس دعمهم غير المشروط لـ “إسرائيل”، يتخبطون الآن في الواقع الجديد. لغتهم مشوشة ومليئة بالأكاذيب. ومع ذلك، فهم على استعداد للذهاب إلى حد التشهير بجيل كامل من شعبهم، “قادة المستقبل”، لتلبية مطالب الحكومة الإسرائيلية.

في بيان متلفز في 24 نيسان/أبريل الفائت، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتظاهرين بأنّهم “غوغاء معادين للسامية استولوا على جامعات رائدة”، زاعماً أن المتظاهرين السلميين يدعون إلى “إبادة إسرائيل”. كان ينبغي لكلماته أن تثير غضب جميع الأميركيين، بغض النظر عن سياساتهم وأيديولوجيتهم. وبدلاً من ذلك، بدأ المزيد من السياسيين الأميركيين في ترديد كلمات نتنياهو.

لكن الانتهازية السياسية ستولد تأثيراً عكسياً، ليس فقط في المستقبل البعيد، ولكن في الأسابيع والأشهر المقبلة، وخاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية.

من الواضح أنّ الملايين من الأميركيين قد سئموا من الحرب، وولاء حكومتهم لدولة أجنبية، والنزعة العسكرية، وعنف الشرطة، والقيود غير المسبوقة على حرية التعبير. والشباب الأميركي، الذين لا يدين بالفضل للمصالح الذاتية أو الأوهام التاريخية والروحية للأجيال السابقة، يعلنون أنّ “الكيل قد طفح”. إنّهم يفعلون أكثر من مجرد الهتاف وينهضون في انسجام تام مع مطالبهم مطالبين بإجابات ومساءلة أخلاقية وقانونية وإنهاء فوري للحرب.

تواصل إدارة بايدن في تغذية آلة الحرب الإسرائيلية في هجومها الوحشي ضد ملايين الفلسطينيين المدنيين، ويواصل هؤلاء الطلاب الشجعان بالتصرف بشكل مستقل يصنع لحظة مذهلة وفاصلة في تاريخ الولايات المتحدة.

——————انتهت النشرة–