الصحافة الإسرائيليةالملف اليومي الصادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية

صالح شوكة
50 Min Read

 

أخطار جدّية كامنة في السيطرة على معبر رفح

بقلم: تسفي برئيل

“تصعيد خطير”، هكذا عرفت وزارة الخارجية المصرية دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح والسيطرة على معبر الحدود في المدينة.

وأضافت الوزارة إن “العملية تهدد جهود وقف إطلاق النار وتعرض للخطر حياة مليون فلسطيني، الذين يعتمدون على عبور المساعدات الإنسانية والطريق الآمن إلى الخارج للجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج”.

في الحقيقة مصر تسلمت في السابق بلاغاً عن نية إسرائيل دخول رفح، لكن وراء الرد الدبلوماسي المنضبط هناك غضب كبير وقلق أكبر.

في القاهرة يخشون من أن هذه العملية ليس فقط ستحبط المفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين، بل نية إسرائيل هي توسيع العملية في رفح، وبالتالي دفع مئات آلاف الغزيين لاجتياز الحدود مع مصر.

الدكتور مفيد شهاب، وزير التعليم العالي السابق ورئيس جامعة القاهرة السابق، حذر أمس في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية من أن الجيش المصري لم يرد على العملية الإسرائيلية “لأنها لم تكن داخل أراضي مصر. ولكن إذا قامت إسرائيل بالمهاجمة داخل مصر فإن القاهرة لا يمكنها السماح بذلك، وعندها ستدخل إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل”.

إسرائيل لا تنوي اجتياز الحدود، لكن خط التماس القريب بين القوات يزيد خطر الاحتكاك العسكري غير المتعمد، ما يمكن أن يؤدي إلى التصعيد.

في هذه الأثناء يفحصون في مصر أيضاً المعنى القانوني لدخول قوات كبيرة من الجيش إلى المنطقة، التي حسب اتفاق كامب ديفيد، يجب أن تكون خالية من القوات العسكرية. وحتى الآن مصر امتنعت عن إجراء نقاش دبلوماسي علني في قضية خرق اتفاق كامب ديفيد، ليس فقط لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تشوش على المفاوضات التي أصبحت فيها مصر الوسيط الأول بعد أن قللت قطر حضورها.

في السنوات الأخيرة طلبت مصر نفسها وحصلت من إسرائيل على مصادقة لإدخال إلى شبه جزيرة سيناء قوات عسكرية كبيرة مزودة بالسلاح الثقيل في إطار الحرب ضد التنظيمات الإرهابية الإسلامية، وحتى استخدام سلاح الجو هناك. وحتى أن التقارير التي نشرت في حينه في إسرائيل تحدثت عن تدخل عسكري إسرائيلي في حرب مصر وعن تعاون استخباري وثيق ساعد في العثور على وتدمير قواعد التنظيمات الإرهابية.

في الوقت نفسه تحيّد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني في معبر رفح بشكل كبير أداة الضغط الأساسية التي كانت لمصر على حماس. قبل الحرب عندما كان المعبر يستخدم كممر مفتوح للبضائع والأشخاص فقد منح حماس وسيلة سيطرة قوية على حياة السكان في غزة، إلى جانب أنه مصدر دخل بفضل الرسوم التي كانت تجبيها حماس مقابل كل تصريح خروج ودخول.

تهديد مصر بإغلاق المعبر، وحتى أنه تم إغلاقه بالفعل، كان له وزن ثقيل حتى على سلوك حماس أمام إسرائيل.

تنسيق العملية بين مصر وحماس أثمر مكاسب كبيرة لأجهزة المخابرات المصرية التي تسيطر على الجانب المصري للمعبر. السكان الذين كانوا يريدون الخروج إلى مصر اضطروا إلى دفع مبلغ كبير، 5 – 10 آلاف دولار، كـ “رسوم عبور” لجهات مصرية وبالأساس لشركة “هلا” المصرية التي يمتلكها إبراهيم العرجاني، المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي حصل على امتياز تشغيل نقل السكان من غزة إلى مصر، وشاحنات النقل التي أدخلت البضائع إلى القطاع.

منذ بداية الحرب رفعت الشركة بشكل دراماتيكي الرسوم التي تجبيها مقابل الخدمات.

وحسب تقرير “ميدل ايست آي”، الموقع البريطاني الذي يتناول شؤون الشرق الأوسط، فان الشركة حصلت في الأشهر الثلاثة الأخيرة على 120 مليون دولار مقابل الخدمات التي تقدمها.

من غير الواضح كيف ستجري من الآن فصاعداً ترتيبات نقل المساعدات الإنسانية في معبر رفح، وبالأساس ماذا ستكون إجراءات خروج الجرحى والمرضى إلى مصر.

دور معبر رفح كأداة ضغط مصرية على حماس في الحقيقة توقف عن أن يكون ذا صلة بعد سيطرة إسرائيل على المعبر. لكن هذه العملية جعلت إسرائيل المسؤولة المباشرة عن إدارة جزء من الحياة المدنية في القطاع على الأقل.

في يوم الثلاثاء الماضي قال جون كيربي، المتحدث بلسان مجلس الأمن القومي الأميركي، إن “العملية في رفح لها طابع محدود من حيث الحجم والمدة، والهدف منها هو القضاء على قدرات حماس على نقل السلاح عبر الحدود مع مصر”. ولكن هناك فجوة تكتيكية تفصل بين إعلان كيربي وبين أهداف إسرائيل. فهي لا يمكنها السيطرة على معبر رفح كجيب معزول دون السيطرة على شرق محور فيلادلفيا إلا إذا وجدت البديل المتفق عليه، جهة تقوم بإدارة المعبر.

إسرائيل التي لا تثق بمصر كـ “حامية للحدود” تعتبر وبحق السيطرة على محور فيلادلفيا عملية حيوية لمنع نقل السلاح لحماس. لكن منذ بداية الحرب المعبر نفسه لا يعتبر جزءا من هذا التهديد، حيث إن أي شاحنة نقل تمر في المعبر تخضع لفحص دقيق من قبل الجيش الإسرائيلي قبل دخولها إلى القطاع.

مصر من ناحيتها اقترحت مؤخراً السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة الطرف الغزي في معبر رفح أو إحياء اتفاق المعابر من العام 2005، الذي بحسبه كان يمكن لموظفين من غزة ومراقبين أجانب إدارة المعبر، وإسرائيل تحتفظ بصلاحية المصادقة على أو رفض دخول وخروج الأشخاص والبضائع.

لكن إسرائيل ترفض أي اقتراح يعطي السلطة الفلسطينية موطئ قدم في غزة، والسلطة الفلسطينية نفسها أيضاً تشترط تدخلها في غزة بعملية سياسية واسعة، تكون نهايتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

في هذا الأسبوع نشر ينيف كوفوفيتش أن مصر وإسرائيل والولايات المتحدة اتفقوا على أنه عند انتهاء العملية العسكرية فإن من سيراقب إدارة الحركة في المعبر هي شركة مدنية مسلحة، يبدو أميركية.

هذه الفكرة غير جديدة، وشركات حراسة خاصة تعمل الآن في القطاع، كجزء من جهود الحماية التي تستخدمها منظمات الإغاثة، وحتى أنها دفعت مقابل ذلك ثمناً باهظاً.

في شهر نيسان الماضي قتل ثلاثة عاملين في شركة الحماية البريطانية “سوليس غلوبل” في هجوم جوي إسرائيلي على قافلة مساعدات كان فيها عاملون من “المطبخ المركزي العالمي”.

شركات الحماية هذه تعمل في عشرات الدول، الكثير منها كمقاول من الباطن لحكومات محلية أو حكومات أجنبية مثل الولايات المتحدة التي استخدمت مثل هذه الشركات في أفغانستان والعراق.

المشكلة هي أنه باستثناء التكلفة الكبيرة التي تنطوي على تشغيل شركة حماية خاصة فإنه من غير الواضح من سيكون المشغل الرسمي للشركة التي يتم الحديث عنها، هل هي إسرائيل أو الولايات المتحدة.

هذا القرار توجد له أهمية لأنه سيحدد المسؤول الرسمي عن تشغيل معبر رفح، ومن سيضع سياسة التشغيل، ولا يقل عن ذلك أهمية ماذا ستكون أوامر فتح النار في حالة هجوم لحماس أو مواجهات مع السكان المحليين.

يبدو أنه إلى حين العثور على حل متفق عليه حول قضية المسؤولية وتشغيل المعبر فإن إسرائيل تقوم بتوسيع مكانتها كمحتلة لغزة، بكل معنى الكلمة حسب القانون الدولي.

——————————————–

هآرتس 10/5/2024

أي مستقبل ينتظرنا هنا في دولة إسرائيل؟

بقلم: يوسي كلاين

أي عيد استقلال نحتفل فيه؟ التحرر من الطاغية البريطاني، المحتل الذي أقام هنا بنية تحتية للمواصلات والقضاء والشرطة والجيش.

نحن نحتفل باليوم الذي فيه قبل 76 سنة تحررنا من العسكري الذي في ثلاثين سنة من الاحتلال المتوحش أقام شركة كهرباء وميناء حيفا ومطار اللد.

من غير السهل هدم مبنى قديم، لكن هذا ممكن. ما تم بناؤه في 76 سنة يمكن هدمه في أقل من سنة. ليس مرة واحدة، طابقاً تلو آخر، جزءا تلو آخر، مخطوفاً تلو آخر.

نحن نقوم بتدمير الدولة التي أقمناها بالإكراه. الكارثة أجبرتنا على ذلك، وليس الوعد الإلهي لإبراهيم أو نبوءة هرتسل.

الآن بعد 76 سنة ما زلنا نتساءل إذا ما كنا سنكون هنا في السنة القادمة. نحن ظاهرة: لا توجد دولة في العالم، التي بعد 76 سنة على استقلالها يتساءل مواطنوها إذا كانت هي نفسها ستبقى قائمة.

لقد قمنا ببناء بيت فاخر بمواد سيئة. التشققات انكشفت. الجدران تهتز. مياه المجاري تدفقت. البناء لم يكن سهلا. الجيران سيئون وعمال البناء ليست لديهم خبرة.

الكتلة المهتزة، الشعب اليهودي، لم ننجح في إدخالها إلى إطار “دولة ديمقراطية”.

نحن قمنا بإقامة دولة بروحية المدن التي جاء منها آباؤنا. مع التسهيلات للمقربين والغمز للقضاة والنقاشات حول مراتب الشرف.

قرارات سيئة تم اتخاذها بتسرع مثل قرار عدم تجنيد الحريديين من أجل “الحفاظ على الجمرة”.

هذه الجمرة تطورت وتضخمت وأصبحت وحشاً. في حينه تم الحديث عن 400 من طلاب المدارس الدينية، الآن يوجد 145 ألف طالب ديني.

هرتسل كتب: “لن نسمح لرجال الدين برفع الرأس. نحن سنعرف كيفية حصرهم في الكنس”. هرتسل أخطأ، هم رفعوا رؤوسهم.

لقد اندفعوا مثل المارد من القمقم نحو كل مجالات الحياة. في أقسام الولادة وحتى المقابر. الدولة التي هي منظمة وفيها قواعد وقوانين، قاموا بإلباسها القبعة والأهداب وجعلوها يهودية. وقد اخترعوا ديناً له دولة، ديناً في ظله مسموح قتل الفلسطينيين وسرقة أراضيهم وقطعانهم. بدلاً من القومية الإسرائيلية حصلنا على القبلية اليهودية.

نحن عدنا لنكون قبيلتين. قبيلة تؤمن بالوعد الإلهي لإبراهيم، وقبيلة ترفض ذلك وتؤمن بالحرية والعدل والسلام والمساواة في الحقوق مثلما هو مكتوب في وثيقة الاستقلال.

هاتان الرؤيتان لا تلتقيان. لا يوجد حوار. وثيقة الاستقلال تم رميها في القمامة. محاولة ربط القبيلتين فشلت. القبائل تتناقش، لكن هذا ليس نقاشاً بين آراء، بل بين مواطنين يدافعون عن أنفسهم وبين عملاء أجانب مصممين.

يجب ألا تضللكم القبعة الكبيرة واللحية الخفيفة. بن غفير وسموتريتش هما عميلان لأيديولوجيا غريبة.

هدفهما هو السيطرة على البلاد وسن دستور لا يكشفان عن مضمونه. هما يعملان بطريقة العملاء الأجانب نفسها: التسلل إلى الحكومة والشرطة والجيش وزرع الدمار والكراهية. الفوضى تخدمهما والحرب الإقليمية هي قمة أحلامهما.

هما لا ينتميان إلى هنا، أو للشرق الأوسط، أيضاً نحن لسنا كذلك.

نحن أيضاً، مهما كنا متنورين فإننا لا نريد أن نكون متماهين كأبناء هذه المنطقة.

نحن في الشرق وقلوبنا في الغرب. جميعنا أوروبيون لطيفون. لا نريد السلام، نريد أوروبا. نريد الأورفزيون. نريد إقامة برلين جديدة هنا.

نحن سائحون في بلادنا. لا نندمج. مترفعون (هناك أيضاً من يسمون أنفسهم “ليطائيين”). نعرف خمس شتائم باللغة العربية، ومن يعرف أكثر من ذلك يضع وسام نجمة داود بحجم أذن الفيل كي لا يطلقوا النار عليه.

يوم عيد ميلاد الدولة يلخص إنجازات كل حياتها. في هذا اليوم تعد الدولة السليمة مواطنيها بفعل كل شيء كي يكون مستقبلهم أفضل.

أي مستقبل ينتظرنا هنا؟ رئيس الحكومة في “يد واسم” كان لديه الجواب: “كارثة 2”.

أو حسب أقوال حانوخ ليفين: “دون أي أمل ستستمرون في العيش/ كلمتي ليست كلمة/ إذا قلت إنكم ستستمرون في العيش/ عندها كم وبحق ستستمرون في العيش/ لكن لا تسألوا من أجل ماذا”.

في هذه الأثناء هو يقوم بإرسال أبنائنا (ليس أبناءه)، إلى رفح من أجل كرامته وترسيخ حكمه، لا يوجد أي ضابط يرفض ولا يوجد أي محلل يثور.

76 سنة حاربنا فيها وقُتلنا من أجل الوصول إلى هذه اللحظة. انظروا إلى أين وصلنا.

——————————————–

هآرتس 10/5/2024

بـ”أسلوب كاتشي”.. هكذا هدمت حماس منظومة إسرائيل الاستخباراتية وعقيدتها الأمنية في 7 أكتوبر

بقلم: ينيف كوفوفيتش

الزمان: الجمعة 6 تشرين الأول الماضي، فرقة غزة، الساعة: 23:00 ليلاً: مساء عادي في غرفة العمليات. في حينه سمع صراخ: “عليّ كاتشي يتصرف بصورة مشبوهة”. اندفع نحو غرفة العمليات جندي نظامي في الاستخبارات. كاتشي أحد نشطاء حماس من جباليا، وهو برتبة تعادل رتبة قائد فصيل. المراقبات أصبحن يعرفنه من بعيد. وحسب قول هذا الجندي، هو وعدد آخر من النشطاء كانوا يتصرفون بشكل مثير للشك. “هذا يشير إلى أنه يستعد للاقتحام مع رجاله”. هذه المعلومة قفزت بسرعة إلى سلسلة القيادة ووصلت حسب المصادر التي تحدثت مع “هآرتس”، إلى ضابط الاستخبارات في فرقة غزة، الذي أصدر حكمه وقال إن الأمر يتعلق بتدريب عادي لحماس.

بعد 8 ساعات حيث كانوا في غرفة العمليات للفرقة، خرجت معظم كاميرات المراقبة عن العمل، وكان مخربو حماس وراء البوابة مباشرة. رأوا نفس هذا الكاتشي على الشاشة من الكاميرا الوحيدة التي ظلت تعمل. قاد عشرات المسلحين إلى معبر إيرز بدون إزعاج. بعد بضع دقائق أخرى، في الساعة 7:25 شاهدوا كيف أن قائد الفصيل من جباليا يجر ورجاله العريف أول ميك بايزر والشاويش رون شيرمان والعريف تمير نمرودي وأيديهم مرفوعة إلى داخل قطاع غزة. بايزر وشيرمان قتلا بعد ذلك، كما يبدو بهجوم لسلاح الجو على أنفاق حماس.

هذه الحادثة مثال على النظرية التي تسببت بفشل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي في الفترة ما قبل 7 أكتوبر. يرتكز تقرير “هآرتس” على محادثات كثيرة أجريت مع عدة مصادر في الجيش وجهاز الأمن، سابقة وحالية، ويرسم خطوطاً لصورة الفشل الاستخباري في 7 أكتوبر والعمى الذي عانت منه إسرائيل فيما يتعلق بما يحدث في القطاع.

أساسات التقرير الذي سينشر هنا، حسب مصادر رفيعة، هي أساس فحص الجيش للفشل الاستخباري، الذي ما زال في مراحله الأولى. وهو يشمل إخفاقات على طول القطاع الأمني، سواء في “الشاباك” أو الجيش الإسرائيلي. وقد ارتكز على تغيير صارخ في النظرية، التي بحسبها لا توجد احتمالية أنه بإمكان حماس اقتحام إسرائيل من البر، وأن قدرتها الأساسية على إدارة معركة ضد إسرائيل هي إطلاق الصواريخ حادة المسار.

تناول التقرير أيضاً -حسب بعض القادة- أنه بعد عملية “حارس الأسوار” تقرر وقف جمع المعلومات الاستخبارية عن منظومة حماس التكتيكية وعن المستوى الأوسط في ذراعها العسكري، وصب التركيز على عدد من الشخصيات فقط. لذا، تم تحويل مصادر جمع المعلومات للانشغال بالصواريخ، وابتعد المجهر عن رجال حماس. “لم يتم تناول إمكانية اقتحام بلدات”، قال مصدر. “ظهر هذا هناك في سيناريوهات لم يؤمن بها ولم ينشغل بها أحد”.

يتبين من المحادثات أن هذا كان إيماناً أعمى ومطلق، لذلك فإن مواقف مناقضة تم إسكاتها ولم تعط الفرصة للتعبير عن ذاتها، بدءاً من الاستخبارات في المنطقة الجنوبية وفرقة غزة وحتى منتدى هيئة الأركان. وقام الجيش بتجفيف وتقليص منظومات أقسام ووحدات، وفي النهاية لم يبق سوى وحدة ضئيلة الموارد فيها ثلاثة ضباط، هدفها مراقبة قادة كبار لحماس في الذراع العسكري. “كان الشعور شعور استخفاف من قبل الجهات الرفيعة في المستوى السياسي والمستوى الأمني”، قال الضابط المطلع على هذه الأمور. “الاستخفاف بالمنظمة التي لم نعرفها قط”.

إلى أي مستوى كان الاستخفاف كبيراً؟ يتبين من المحادثات أن رأي هؤلاء الضباط الثلاثة لم يرغب أحد بسماعه. وبالتأكيد عندما حاولوا طرح أسماء لم تكن في قائمة المهمات المقلصة مثل كاتشي. “ليس مؤكداً أن لو كانوا عملوا ضد كاتشي لمنع ذلك هجوم حماس”، قالت ضابطة احتياط في الاستخبارات مطلعة على الموضوع، “لكن قصته تجسد في أعماقها كل تصور متغطرس وصراعات غرور شخصية لدى الجيش الإسرائيلي بشكل عام وفي قسم الاستخبارات وقيادة المنطقة الجنوبية بشكل خاص”.

فشل في نهاية النفق

تكمن نقطة بداية الفشل الاستخباري زمنياً في 21 أيار 2021، الساعة الثانية فجراً؛ موعد دخول وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ بعد انتهاء عملية “حارس الأسوار”. من هنا بدأت نظرية الاستخبارات الجديدة فيما يتعلق بقطاع غزة تتحول من نظرية إلى تطبيق. عند انتهاء الجولة المناوبة، اعتقد رئيس الأركان في حينه، أفيف كوخافي، ورئيس الاستخبارات العسكرية القادم، أهارون حاليفا (الذي كان آنذاك في نهاية منصبه كرئيس لقسم العمليات)، بأن العائق تحت الأرض الذي أقيم على حدود القطاع، إضافة إلى الجدار، سلبا حماس قدرتها على التسلل إلى داخل إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، قدر الجيش أن بإمكانه قصف مخربي حماس الذين سيهربون إلى داخل الأنفاق من الجو. وكل ما بقي هو “سحب الصواريخ، مثل عنوان مقال حاليفا، الذي نشر في المجلة العسكرية “بين الأقطاب”، وفي موقع الجيش الإسرائيلي. بعد كل ذلك، اعتقد الجيش أن حماس لا تملك إمكانية إدارة معركة ضد إسرائيل، وأكثر ما يمكنها فعله هو التهديد بسلسلة عمليات نوعية”. لم يكن هذا مقال رأي، بل حلم أصبح حقيقة. وفي 7 أكتوبر تبين أنه كان مقدمة لكابوس. “منذ تلك اللحظة”، قال ضابط استخبارات رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية في حينه، “لم يهتم الجيش الإسرائيلي في جمع المعلومات الاستخبارية عن قوات حماس وقادتها الكبار والبارزين فيها أو عن تدريباتهم”.

عملياً، كانت هناك ثلاثة افتراضات: الأول يبدو أنه صحيح، وهو أنه “لا يمكن اجتياز الحاجز التحت أرضي”. ولكن الافتراضات الأخرى كانت خاطئة. فالقدرة على المس بمترو حماس كانت محدودة جداً، وتبين أن الجدار الأمني سور شبه موجود. في 7 أكتوبر نجح مخربو حماس في اختراقه في 44 نقطة. قبل سنتين، في احتفال افتتاح العائق الذي شمل أيضاً الجدار فوق الأرض، أعلن وزير الدفاع في حينه بني غانتس، بأن الإضافة الجديدة لمشهد الغلاف هي “مشروع تكنولوجي وإبداعي، فريد في نوعه، ويحرم حماس إحدى قدراتها التي حاولت تطويرها، ويضع جداراً فولاذياً بينها وبين سكان الجنوب”. العميد عيران أوفير رئيس إدارة الحدود، قال إنه “لا يمكن التسلل إلى أراضي إسرائيل”.

هذه أقوال لم تكن صحيحة، بل ولم يأخذ الجيش الإسرائيلي بالاعتبار إمكانية أن يكون الجدار الجديد يكون أقل إحكاماً مما هو متوقع، أي ما الذي سنفعله إذا نجحت قوات حماس في اختراقه. هذا السيناريو تم طرحه، على الأقل في مناورتين أجريتا في السنوات قبل استكمال الجدار الجديد.

المناورة الأولى في العام 2016، في حينه قدر الضباط الذين أشرفوا على المناورة برئاسة الجنرال احتياط ميكي أدلشتاين، أن حماس لا يمكنها تنفيذ هجوم واسع بواسطة الأنفاق. وهذه يمكن استخدامها لعمليات محدودة مثل الاختطاف، لذلك سيتم التدرب على الاقتحام بواسطة السيارات والدراجات والطائرات الشراعية، واقتحام الجدار، ثم التحرك نحو بلدات الغلاف التي كان حولها جنود الجيش الإسرائيلي. لم يتم الحديث عن آلاف، بل عن بضع عشرات. “بعد فترة قصيرة، كان من الواضح أنه لم تكن هناك أي خطة للدفاع والهجوم لهذا السيناريو”، قال مصدر أمني شارك في المناورة. “بعد بضع ساعات، قرر أدلشتاين وقف المناورة عندما وصل العدو إلى مفترق “عاد هالوم” شمالاً، ثم إلى “كريات غات” جنوباً، دون أن تتمكن قيادة المنطقة الجنوبية وفرقة غزة من إعطاء رد”.

ثمة مناورة أخرى كان يجب إجراؤها في 2019. في حينه، أراد قادة المناورة تقليد اختراق الجدار، لكن القادة الكبار عارضوا ذلك وصمموا التدرب فقط على اختراق الأنفاق. في نهاية المطاف، تمت الموافقة على رأيهم، ولم يفحص خيار اختراق الجدار قط. في الوقت الذي جرت فيه هذه التدريبات، أصبح معروفاً بأنه سيتم بناء جدار، ويبدو أنهم وثقوا به إلى درجة أنهم لم يروا حاجة لفحص إمكانية عدم صموده أمام التوقعات.

الفشل المكمل هو الافتراض بأن إسرائيل يمكنها قتل المخربين في الأنفاق، ما سمي بـ “شرك الموت”. وقد ارتكز هذا إلى عملية “الضربة الخاطفة” في “حارس الأسوار”، التي حاول فيها الجيش الإسرائيلي تضليل حماس وجعلها تعتقد أن الجيش يخطط لعملية برية لتجعل رجالها يهربون إلى الأنفاق قبل لحظة من قصف سلاح الجو بقنابل ثقيلة الوزن. بعد تلاشي الدخان، سارع المستويان السياسي والأمني إلى مدح العملية. “لم تعد حماس تستطيع مواصلة الاختباء”، أعلن رئيس الحكومة نتنياهو. وأضاف كوخافي: “وجهنا ضربة شديدة إلى شبكة الأنفاق تحت الأرض، التي أعدت لتكون البعد القتالي الرئيسي لحماس”.

“بسرعة كبيرة”، قال ضابط استخبارات كان في غرفة العملية، “تبين أن العملية فشلت، وأن حماس فهمت تضليل الجيش الإسرائيلي، لذا لم يدخل رجالها إلى الأنفاق”. ولكن كل ذلك لم يزعج المستوى الأمني والسياسي في مواصلة حملة الأكاذيب. وقال الضابط نفسه إن “الحملة التي كشف فيها الجيش الإسرائيلي عن شبكة أنفاق حماس كانت مجرد كذبة عرضت على وسائل الإعلام والجمهور بشكل متعمد”. بعد ذلك، تبين أن هذا لم يكن الفشل الوحيد؛ فالجيش الإسرائيلي لم يعرف في الوقت الحقيقي أن هناك الكثير من الأنفاق المتشعبة بكل الأعماق، التي لا يستطيع الجيش أن يدمرها من الجو أو قتل من فيها. ولكن عدم المعرفة أوجد معرفة خاطئة لدى المستويين السياسي والأمني وكأن لدى الجيش الإسرائيلي قدرة على قتل كل من هو تحت الأرض في القطاع وفي أي وقت. “بسبب ذلك، قال ضابط استخبارات مطلع على التفاصيل، “غيروا نظرية الاستخبارات فيما يتعلق بغزة وحماس”. المكانة المركزية التي حصل فيها هذا المفهوم على كثير من الثناء، هي الخطة متعددة السنوات “تنوفا 2007″، التي صاغها كوخافي عندما تولى منصبه، ووافق عليها رئيس الوزراء نتنياهو.

“مبادئ هذه الخطة ومركباتها وطرق القتال الجديدة فيها، استهدفت حرمان العدو من قدرته على القتال حتى هزيمته”، كتب رئيس الأركان في مجلة “بين الأقطاب” في آب 2020. “أولاً، مطلوب القضاء على قدرة العدو على إطلاق النار، الموجه لهجوم واسع النطاق وفعال على الجبهة الداخلية والبنى التحتية للدولة وللجيش الإسرائيلي وللقوات القتالية”. حلم كوخافي هذا خلق عقيدة جديدة في قيادة المنطقة الجنوبية، تتمثل في جمع المعلومات الاستخبارية المحدودة. “خلافاً للمنطقة الجنوبية، تقرر الحفاظ على جمع المعلومات عن تكتيك حزب الله في المنطقة الشمالية”، قال ضابط رفيع. “أما منطقة الجنوب فكان التفكير فيها مختلفاً، لأنهم لم يعتقدوا بأن حماس يمكنها تنفيذ اقتحام داخل إسرائيل، وبالتأكيد ليس بأبعاد 7 أكتوبر”.

——————————————–

يديعوت أحرونوت 10/5/2024

كيف تبدو “نعم” حماس أشبه بـ 7 أكتوبر في تأثيرها على تل أبيب؟

بقلم: ناحوم برنياع

في الأسبوع القادم سنحيي عيد الاستقلال الأكثر مرارة في تاريخ الدولة. فالحزن على القبور التي أضيفت هذه السنة في المقابر العسكرية والمدنية سيلتقي الغضب على ما يبدو كفقدان للطريق. ولعله أسوأ من هذا: اندفاع نحو الهوة. ظاهراً، العالم يسير كالعادة: ستوضع الأكاليل وترفع المشاعل وينكس حرس الشرف سلاحه، وستملأ رائحة المناقل أحراش الصندوق القومي. لكن يقين أيام الاستقلال السابقة لن يكون هناك. شيء ما أساسي تشوش.

الأضرار الهائلة التي ألحقتها أحداث 7 أكتوبر تغرينا للغوص عميقاً إلى أسئلة وجود الدولة. لكن هذا ترف، وانشغال بأيام أكثر راحة، ففي هذه الأثناء تدور رحى حرب ترفض الانتهاء. الحرب عادلة، لا شك في هذا، لكن حتى الحروب العادلة ينبغي أن تدار بعقل. لدى الجيش الإسرائيلي وفرة من السلاح، وثمة دافع، لكن من تحت كل هذا الخير يعتمل انعدام وسيلة عضال. سبعة أشهر في غزة، وحماس لا تزال تحتجز المخطوفين، وتطلق الصواريخ، وتوزع الغذاء، سبعة أشهر في الجليل وحزب الله لا يزال يطلق النار إلى حيث يروقه ومتى يروقه؛ سبعة أشهر ونحو 100 ألف إسرائيلي منقطعون عن بيوتهم دون تاريخ موعد، دون أفق أمني. لم يسبق أن كان أمر كهذا.

الهدف الأسمى الآن هو رفح: في رفح ستنقذ دولة اليهود. يصعب على العالم فهم الأهمية الاستراتيجية لرفح. كانت رفح شعار معركة جيداً لقنوات البث البيبية، سلاحاً يضرب به كل من تساءل أين تسير الحرب. لكن الشعار الذي على الطاولة في المعركة الأولى يصبح خطة عملياتية في المعركة الثالثة. أقر الكابنت للجيش تنفيذ المرحلة الأولى في الخطة – السيطرة على معبر رفح والأراضي قليلة السكان شرق المعبر.

اجتاز نتنياهو الكابنيت بسهولة. كان يمكنه أن يذكر غادي آيزنكوت، الوزير الذي يكثر من تحديه، بأنه هو، آيزنكوت، سأل بنفسه قبل ثلاثة أشهر: لماذا لا نسيطر على المعبر؟ ها نحن نسيطر؛ ما المشكلة. عرف الوزراء بأن أعمال الاحتلال لا تنتهي في المرحلة الأولى. فثم حاجة لحراسة المحاور وتصفية التهديدات ومنع المراوحة في المكان. عملية الاحتلال مثلها مثل تناول علبة حلاوة: نقتطع خطاً يليه خط. وقد عرفوا بأن احتمال التورط كبير، والمنفعة قليلة. لكن وقع عليهم خوف مذيعي اليمين أولئك الذين يثرثرون حتى الجنون في القناة 14 وفي القنوات الموازية. فأقروا، بالإجماع.

المحطة التالية كانت إدارة بايدن. فقد قيل للأمريكيين بأن لا علاقة بين معبر رفح ورفح: يدور الحديث عن مكانين منفصلين تماماً. معبر رفح كان القشة الأخيرة: بعد أسابيع طويلة من المداولات في البيت الأبيض على وقف التوريد العسكري لإسرائيل، حسم الأمر.

بتعابير كمية، يتعلق القرار بـ 3500 قنبلة من نوعين و6500 جهاز يجعل القنابل دقيقة. ثمة ضرر، لكن ليس بحجوم تهدد قدرات سلاح الجو. لكن الكمية تبدو هامشياً: الدراما تكمن في القرار نفسه. البيروقراطية الأمريكية منضبطة: قرار يؤخذ في البيت الأبيض يضرب موجات على طول الإدارة وعرضها.

ما من شيء نحققه باحتلال رفح يساوي الحفاظ على الحلف مع أمريكا. هذا لا يعني أن إسرائيل ملزمة بأن تطيع واشنطن بكل طلب من أو تفزع من كل نقد يأتي من هناك، لكنها ملزمة بأن تفهم بأن الأمر سينجح دوماً. مشوق وجه الشبه بين رابين ونتنياهو. رابين، الذي استقبل كبطل في واشنطن، بعد أن وصل إليها إثر نصر في حرب الأيام الستة، اعتقد انه مسموح له؛ أما نتنياهو فيعتقد هذا حتى اليوم. كل منهما بدوره تعامل مع الرئيس الأمريكي مثل فتى مراهق يعمد إلى إهانة أبيه.

العلاقات الشخصية، الحميمة، القيم المشتركة، مضللة. ففي النهاية، يدور الحديث عن قوة عظمى وعن دولة تسير في المدار. عندما تتضارب المصالح، تنتصر المصالح. لا تفهم واشنطن لماذا يعد مصير أربع كتائب لحماس مهماً بهذا القدر لحكومة إسرائيل. فللمس بحياة مليون ونصف نازح ثمن سياسي؛ وللمس بالائتلاف الذي بناه بايدن مع الدول السنية حيال إيران ثمن استراتيجي وسياسي. بلغ السيل الزبى. يمكن تحليل القرار على النحو التالي أيضاً: حرصت الإدارة على الفصل بين إسرائيل ونتنياهو – نتنياهو شجبوه بل وبعثوا حتى بتشك شومير اليهودي، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ في الدعوة إلى تنحيته؛ أما إسرائيل، الدولة والشعب، فقد حظيت بثناء فقط. الآن، مع التجميد، هم يعاقبون إسرائيل كلها والجيش الإسرائيلي، ببؤبؤ عينهم. دراما عظيمة.

وقف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ورئيس القوات المشتركة الجنرال تشارلز براون هذا الأسبوع أمام لجنة مجلس الشيوخ. أخذ أوستن على عاتقه الإعلان رسمياً عن التجميد أمام الكاميرات. أول أمس، أضاف وزير الخارجية بلينكن حجراً من جانبه: طاقم من وزارة الخارجية الأمريكية يفحص إذا كانت دول أجنبية تخرق حقوق الإنسان بالسلاح الذي تشتريه من الولايات المتحدة. وأشار الطاقم إلى انتهاكات وأوصى بالعمل. فحصت إسرائيل الحالات وقدمت أجوبة. أول أمس، كان يفترض ببلينكن أن يبلغ الكونغرس بأن الموضوع قد عولج: طهرنا إسرائيل. لكنه أجل البلاغ دون تحديد موعد جديد.

نتنياهو يشكو

قوة مشتركة من لواء “جفعاتي” ولواء المدرعات 401 وصل في سفرية إلى معبر رفح. بدلاً من الإيضاح للمقاتلين ما يحظر عليهم عمله عندما يسيطرون على الهدف، جلبوا لهم حاخاماً تلا لهم آيات الاحتلال. شريط ظهرت فيه دبابة كاسحة لأحرف يافطة غزة، أغرق الشبكات الاجتماعية. واختلط بأشرطة بكاء نساء فلسطينيات اضطررن للنزوح مرة أخرى، هذه المرة من الجنوب إلى الشمال. إذا ما أقرت المرحلة الثانية في احتلال رفح، فسيضطر مئات الآلاف للانتقال شمالاً.

إسرائيل الكاسحة؛ إسرائيل الطاردة؛ إسرائيل المحتلة؛ الضرر كان ولا يزال جسيماً.

إسرائيل “طلقت” العالم أيضاً في قصة صفقة المخطوفين. رجال حماس تصرفوا هذه المرة بحكمة: عندما جلبوا الوثيقة التي تفصّل شروطهم إلى القاهرة، أعلنوا: “حماس تقول نعم للصفقة”، هذا هو العنوان، وهذه هي الرواية دون صلة بالجوهر.

أما إسرائيل ففعلت العكس؛ مكتب رئيس الوزراء الذي تلقى الوثيقة من الموساد، لم يشرك آخرين بها. مرت نحو ساعتين ضربت فيها رواية حماس جذورها في وسائل الإعلام العالمية وفي ردود الفعل الحكومية. كان نتنياهو منشغلاً في ذاك الوقت بخلق روايته، رواية تقول إن الحكومة كلها، بالإجماع، ترفض مقترح حماس بتاتاً. الوزراء، الذين لم يعرفوا ما الذي تقترحه حماس، استقبلوا “إجماعهم” من وسائل الإعلام.

أما الحقيقة فهي أن حماس لم تقل نعم، وحكومة إسرائيل لم ترفض المقترح بالإجماع، لكن كل طرف تمترس بالصورة التي نشأت له. مر يومان، والروايتان لا تزالان تسيطران في وسائل الإعلام. رغم الرفض المطلق، اجتمع كابينت الحرب للبحث في المقترح. في الكابنيت وزير واحد على الأقل يرى في مقترح حماس أساساً للبحث. الوفد الذي بعثت به إسرائيل إلى القاهرة (رؤساء أقسام في الأجهزة وعمداء من الجيش بدلاً من رؤساء الأجهزة ولواء) تلقى أمراً بالبقاء ليومين آخرين؛ للاستماع والصمت. لم يعطَ له أي تفويض. وفد حماس أيضاً بقي، بضغط المصريين. أمس كان يفترض بالوفدين أن يغادرا، بخفي حنين.

مواطن أجنبي التقى نتنياهو مؤخراً، وسمع منه شكاوى قاسية على إدارة بايدن، على وقف التوريد العسكري وعلى النقد الموجه ضده وضد حكومته. طلب المواطن أن يعرف ما هو تفكيره الاستراتيجي، رؤيته، السعودية، إيران، ماذا عن لبنان، ماذا عن أمريكا، تصفية حماس، أجاب نتنياهو.

في ليل 14 نيسان، أطلقت إيران 110 صواريخ باليستية، و36 صاروخاً جوالاً و185 مُسيرة نحو إسرائيل. أجهزة دفاع وطائرات أمريكية أوقفت قسماً كبيراً من الهجوم في سماء العراق. دول عربية سُنية ساهمت بنصيبها في الصد. فهل سيتجند كل هؤلاء للدفاع عن إسرائيل في الهجوم القادم؟ ليس مؤكداً. أخذ الجيش الإسرائيلي بيان تجميد الإرساليات على محمل الجد. معقول الافتراض أن إيران أخذت البيان الأمريكي على محمل الجد.

——————————————–

هآرتس 10/5/2024

هكذا تعرضنا للهزيمة الأكبر في تاريخنا

بقلم: زئيف معوز

الحرب في غزة سيتم ذكرها إلى أبد الآبدين، على اعتبار أنها الهزيمة الأكثر خزيا في تاريخنا، دون أخذ العار العسكري في الحسبان الذي كان في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

سنبدأ بنسبة القوات. التقدير حول نسبة القوات القتالية في حماس هو 30-50 ألف مقاتل، حتى لو اعتمدنا الحد الأعلى في هذا التقدير، فإن منظومة قوات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الاحتياط، وصلت إلى 300 ألف في بداية القتال. أي ستة أضعاف قوة حماس. الحاجة إلى تركيز القوات في شمال البلاد إزاء خطر مواجهة شاملة مع حزب الله، ما تزال تبقي في قطاع غزة نسبة من منظومة القوات أعلى من النسبة التي اعتبرت حيوية للنجاح في العملية البرية، 1: 3 (لا نريد الحديث هنا عن تحريك القوات بسرعة من ساحة إلى أخرى).

سنواصل المقارنة من حيث النوعية وحجم المعدات التي توجد لدى الطرفين. حماس لا يوجد لها سلاح جو أو مدرعات أو مدفعية. هي محدودة جدا في مجال الحماية الشخصية والجماعية ومعدات الرؤية الليلية والمعلومات الإلكترونية والتنبؤ والمساعدة على اكتشاف الأهداف ومنظومة الاتصال اللوجستية. صحيح أنه يوجد لرجال حماس تفوق محدد: إمكانية الاختباء ومعرفة الأرض ومساعدة السكان، لكن كل ذلك يتقزم إزاء الفجوة بين الطرفين من ناحية نسبة القوة ونوعية وحجم المعدات.

على خلفية ذلك، فإن المعطيات في بداية الحرب كانت تميل بشكل كبير لصالحنا. ولو أنه كان يجب التنبؤ بالوقت والسرعة للحسم العسكري المطلق، لكان من المرجح بالتأكيد التوقع بأن الحرب ستنتهي في غضون أسبوع أو اثنين. بدلا من ذلك، الآن بعد سبعة أشهر على الحرب، نحن لم نحقق أي حسم ولم نحرر المخطوفين وما نزال نراوح في المكان في وحل غزة أمام رأي عام دولي معاد ومظاهر المقاطعة والعزلة المتزايدة، والتسبب بضرر إنساني كبير جعل كثيرين في العالم يطلقون على ما يحدث في قطاع غزة “إبادة جماعية”.

ماذا كانت استراتيجية إسرائيل؟ في الأسابيع الثلاثة الأولى للقتال، لم تكن أي عملية برية تقريبا. سلاح الجو وسلاح المدفعية والمدرعات قامت بسحق المناطق المكتظة بالسكان في القطاع، وتسببت بالقتل الجماعي بالمدنيين. الصدمة من أحداث 7 تشرين الأول (اكتوبر) استدعت ردود التأييد من قبل معظم زعماء العالم والرأي العام العالمي. ولكن هذه الردود تراجعت وغيرت الاتجاه إزاء أعمال القتل والدمار في القطاع، التي ازدادت مع الاستمرار في الحرب. إضافة إلى ذلك، فإن القصف من الجو وقصف المدفعية منحا حماس الوقت للانتظام، وفي هذه الفترة، استمرت في إطلاق الصواريخ على الجنوب والوسط وتشويش روتين الحياة هناك. لأنه كان من الواضح لكل عاقل يفهم في الاستراتيجية العسكرية أنه لا يمكن تحقيق الأهداف العسكرية التي تتمثل في القضاء على حماس بالقصف من الجو أو بالمدفعية فقط. لذلك يجدر السؤال، ما المنطق في أساس هذه الاستراتيجية البدائية للقتال؟

التفسير الوحيد الذي يناسب هذا السلوك للجيش الإسرائيلي هو دمج الاعتبارات السياسية وافتراض أساسي عسكري استراتيجي خاطئ.

الاعتبارات السياسية واضحة، وهي أن استمرار القتال يخدم حكم نتنياهو وعصابته. وبهذا المعنى، فإن بني غانتس وغادي ايزنكوت هما مساعدان مخطئان لهم. ولكن الاعتبارات العسكرية في سياسة القصف كانت مختلفة: الاعتقاد الساذج، الذي ثبت مرة تلو الأخرى بأنه خاطئ في التاريخ العسكري الحديث -أن القصف المستمر للمدنيين سيجعل سكان القطاع يثورون ضد حماس. وحتى لو كان يوجد غضب كبير على حماس في القطاع (لا أحد يعرف حجمه بالضبط)، فإنه توجد صعوبة في ترجمة هذا الغضب إلى نشاطات سياسية جماعية تؤدي إلى إسقاط حكم حماس. إضافة إلى ذلك، فإن سياسة قصف المدنيين من أجل الوصول إلى انقلاب سياسي فشلت مرة تلو أخرى في الحروب. ففي الحرب العالمية الثانية، واصل الألمان القتال حتى تم احتلال برلين على يد الحلفاء؛ اليابان واصلت القتال إلى أن قرر القيصر الاستسلام بعد إلقاء القنبلتين النوويتين؛ في حرب فيتنام الشمال واصل القتال رغم القصف الشديد لمناطقه من قبل الولايات المتحدة؛ وفي الحرب الحالية في أوكرانيا، يواصل الأوكرانيون القتال رغم القصف الكثيف على التجمعات السكانية من قبل الروس.

العملية البرية بدأت إزاء سلسلة ضغوط سياسية، وجرت بصورة غبية تستحق التقدير. بدلا من اقتحام القطاع من كل الجهات بهدف قطع مسارات الهرب أمام مقاتلي حماس والتشويش على الوضع اللوجستي لحماس، بما في ذلك القدرة على نقل المخطوفين من مكان إلى آخر، زحف الجيش الإسرائيلي على مراحل من الشمال إلى الجنوب، إلى أن غرق في الوحل على مداخل رفح. أثناء ذلك، لم ينجح بشكل كامل في ترسيخ السيطرة على أي منطقة في القطاع. المنطق في أساس هذا التكتيك هو تقليص، بقدر الإمكان، الخسائر في أوساط الجنود. ولكن الثمن العسكري والدبلوماسي الذي تسببت به هذه السياسة باهظ جدا ويفوق أي إنجاز لتكتيك القتال الزاحف. بالطبع الاحتلال الزاحف لأجزاء من القطاع لم يتسبب بالضغط على حماس وتحرير المخطوفين. من المرجح الافتراض أن العكس هو الصحيح، والمزيد من المخطوفين يقتلون بسبب استمرار القتال.

نحن نقف بعد سبعة أشهر على بدء القتال في رفح، التي يوجد فيها الكثير من المدنيين ومعظم القوات والسلاح التي بقيت لحماس. نحن بعيدون جدا عن تحقيق الأهداف العسكرية للحرب، ومسؤولون عن كارثة إنسانية شديدة، وفي عزلة دولية آخذة في الازدياد، بما في ذلك الخطر الحقيقي من فقدان آخر الأصدقاء إذا قمنا بتعميق الغزو لرفح. الإنجاز الوحيد الذي يمكن ملاحظته هو استمرار حكم نتنياهو وعصابته، والانزلاق المستمر لأصوات محتملة في المعارضة إلى الائتلاف. من ناحية عسكرية، فإنه تقريبا لا يهم متى وكيف ستنتهي الحرب. نحن هزمنا هزيمة شديدة.

هذه الهزيمة يوجد لها الكثير من الآباء، بعضهم يرتدي البدلات وبعضهم يرتدي الزي العسكري ووسم السيوف المتصالبة مع غصن الزيتون على الأكتاف. خلال سنوات، إسرائيل قامت ببناء جيشين منفصلين. الأول هو جيش تكنولوجي من أكثر الجيوش حداثة في العالم. دور هذا الجيش شاهدنا في 13 نيسان (أبريل) عندما أحبط تقريبا بشكل كامل هجوم الصواريخ والمسيرات الإيرانية. اسم الجيش الثاني من الجدير تغييره باسم “جيش مستوطني إسرائيل”، الذي منذ عشرات السنين هدفه هو إدارة الاحتلال. في العقد الأخير عمل هذا الجيش كمساعد بالفعل في استراتيجية ملاحقة وتخويف الفلسطينيين في الضفة الغربية من قبل المستوطنين. جميع رؤساء الأركان الذين عملوا في عهد نتنياهو يجب أن يحصلوا على التقدير بسبب بناء الجيش التكنولوجي. ولكن في المقابل، هم يستحقون الانتقاد الشديد على دورهم في العمل المهين للسياسيين وتشويه نظرية أمن إسرائيل التي خدمتنا بإخلاص في السنوات الستين الأولى لاستقلالنا.

لا يوجد في هذه الأمور ما يمكن أن يقلل من قدرة أداء المقاتلين في الميدان. هذه القدرة التي تآكلت قليلا في السنوات الطويلة من العمل كجيش احتلال، لكن في الأساس جوهر القتال على مستوى الوحدات الميدانية بقي مرتفع نسبيا. أيضا القيادة الدنيا بقيت ذات جودة عالية. المشكلة تكمن في القيادة العليا التي كانت مخلصة لإدارة الاحتلال، وهو الإخلاص الذي أدى إلى عدم التصميم وعدم الإبداع التخطيطي والتنفيذي. هذا التآكل لاحظه عدد غير قليل من الأشخاص. والتحذيرات المستمرة (مثلا ليغيل ليفي أو الجنرال احتياط اسحق بريك) تم تجاهلها من قبل السياسيين أو قادة الجيش.

نحن شاهدنا الفشل العسكري منذ انتفاضة الأقصى وفي العملية البرية في نهاية حرب لبنان الثانية. التركيز على التصفيات المركزة والعقاب الجماعي والتأييد المستمر لإرهاب المستوطنين، كل ذلك عمل على تآكل قدرة وسيطرة الجيش، وجعل القادة الكبار يكرسون معظم وقتهم لخدمة السياسيين الفاسدين، وحولوا قدرات الجيش البري إلى مسارات ليس لها أي صلة بأمن إسرائيل.

إن استبدال المستوى السياسي أمر حيوي لأمن الدولة ومستقبلها. مسؤولية المستوى السياسي من ناحية استراتيجية تفوق بكثير الإخفاقات والتضليل التي أدت إلى كارثة 7 تشرين الأول (أكتوبر). المستوى السياسي، بما في ذلك أشخاص مثل نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان ويئير لبيد، أخطأ لسنوات في وهم أنه يمكن (ويجب) تنويم القضية الفلسطينية، وأنه يمكن إشغال الجيش بمهمات شرطية في الضفة الغربية وحماية المستوطنات. دماء القتلى في هذه الحرب هي في المقام الأول على أيدي بنيامين نتنياهو، لكن السياسيين الآخرين ليسوا أيضا أبرياء من هذه التهمة. يجب على دولة إسرائيل العودة إلى المفاوضات الجدية مع السلطة الفلسطينية، ليس فقط لمعالجة موضوع “اليوم التالي” في قطاع غزة، بل من أجل استثمار الجهود الحقيقية في إنهاء النزاع. ولن يكون لإسرائيل أي مخرج من هذه العزلة الدولية الآخذة في التعمق إذا لم يتم إعطاء فرصة حقيقية لعملية سياسية مع الفلسطينيين.

في موازاة ذلك، إعادة ترميم الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء القتال، يلزم في المقام الأول بإعادة تحديد بؤر انشغاله. من دون أي صلة بمستقبل الضفة الغربية، فإن الجيش الإسرائيلي لا يمكن أن يكون ولا يجب أن يكون جيش شرطة. هو يجب عليه الاستعداد للقتال أمام تحديات كثيرة، بدءا من القتال مع تنظيمات ليست دولة وانتهاء بالقتال من مسافة بعيدة مع جيوش تقليدية وتهديد الصواريخ وسلاح الدمار الشامل. القدرة على التآزر بين كل مركبات الجو، سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح البر والاستخبارات، تحتاج إلى إعادة التفكير خارج الصندوق، وأيضا داخل صندوق جديد. الأشخاص الذين أداروا جيش الاحتلال وفضيحة حرب غزة، سواء في المستوى السياسي أو في المستوى الأمني، يجب استبدالهم في أسرع وقت كي يكون هناك نهوض لدولة إسرائيل.

———————————————

هآرتس 10/5/2024

إسرائيل تهدد الطواقم الطبية في أرزاقها وأرواحها لتغطي على جرائمها في “غوانتانامو الشرق الأوسط”

بقلم: طبيب هويته محفوظة في أسرة التحرير

بصفتي طبيباً فقد اطلعت على ظروف العلاج في المستشفى الميداني بمنشأة الاعتقال “سديه تيمان”. وبصفتي طبيباً في جهاز الصحة، شاهدت الصعوبة في استيعاب المعتقلين في المستشفيات وتطبيق سياسة إطلاق سراح مبكر، والتي كان هذا الأمر يضر بنوعية العلاج والمعالجين فيها ويناقض المنطق الطبي الأساسي. مؤخراً، نشرت شهادات كثيرة عن البدء في حوار مهم حول الأخلاقيات الطبية بشكل عام، وعن تعامل إسرائيل مع المعتقلين الفلسطينيين.

منذ فترة غير بعيدة، نشر الدكتور يوسف وولفيش، رئيس مكتب الأخلاقيات المهنية في “الهستدروت الطبية” الإسرائيلية، للمرة الأولى، مقالين تطرق فيهما إلى هذه الادعاءات: رسالة رسمية للأطباء في إسرائيل (الهستدروت الطبية في إسرائيل)، ومقال في موقع “أطباء فقط” (21/4). متابعة وولفيش للحوار أمر حيوي، لكن يثور خوف من أنه بدلاً من أن يتطرق لهذه الأمور بشكل معمق ومهني، كما هو متوقع من رئيس مجال الأخلاقيات في الهستدروت الطبية في إسرائيل، اختار الدفاع ورفض الادعاءات بشكل سطحي.

وولفيش يذكر الأطباء بأن حتى مخربي حماس لهم حق في العلاج المتساوي والمنطقي، ويدعم ذلك باقتباس بيانات دولية حول حق أي شخص في الحصول على العلاج وواجب احترام كل مريض دون صلة بانتمائه السياسي. إزاء المناخ العام وتصريحات جهات رفيعة في جهاز الصحة، بما في ذلك وزير الصحة، بأنهم يعارضون إرسال المعتقلين إلى المستشفيات العامة، فإن أقواله تذكير مهم. ولكن حتى هنا انتهى الجزء الإيجابي؛ فإضافة إلى التزامه بالمبادئ الأساسية للأخلاقيات الطبية، فإن ما قاله وولفيش لوصف واقع العلاج يعكس الانحراف عن هذه المبادئ التي اقتبسها في رسالته.

في الواقع المعقد داخل “سديه تيمان” وفي المستشفيات العامة، لا يكفي توجيه “يجب علاج الجميع بشكل متساو”. في الرسالة الرسمية التي نشرها مكتبه، لم يستخدم وولفيش قط كلمة “معالجين” في تطرقه للمعتقلين الفلسطينيين. وأطلق عليهم بدلاً من ذلك (مخربو حماس). وهذا يدينهم فعلياً، وكأنه قد تمت محاكمتهم وإدانتهم. في خلاف مطلق مع القاعدة الأساسية للأخلاقيات الطبية، “الواجب هو الحفاظ على الحياد الطبي. ويمنع إن يكون للاتهامات، حتى للإدانات، أي تأثير على طبيعة العلاج وتوفيره، حتى لو تم الأمر بالإشارة”.

المقال الذي نشره وولفيش في مجلة “أطباء فقط” والذي توجه فيه إلى الأطباء في إسرائيل، وبدأه بتصريح سياسي، بصفته شخصاً عادياً، فإن من حق وولفيش أن يكون له موقف. ولكن في الوقت الذي يفعل فيه ذلك ويرتدي قبعة رئيس مكتب الأخلاقيات في الهستدروت الطبية، فإنه يمس بالحيادية الطبية التي يجب أن يمثلها.

لا يدور الحديث فقط عن دلالات، بل إن لموقف وولفيش تداعيات عملياتية. فقد تطرق المقال إلى استخدام زائد “للتكبيل المبالغ فيها”. التكبيل الذي أدى حتى إلى بتر الأطراف. حسب تعليمات وزارة الصحة، فإن “المعتقلين يجب تكبيلهم طوال الوقت، وعيونهم معصوبة طوال الوقت”، وشهادات الطواقم الطبية التي تم نشرها أكدت ذلك. في الحالات التي شاهدتها في “سديه تيمان” وفي المستشفى، كانت كل أطراف المعتقلين مكبلة، وهكذا لا تسمح لهم حركة. حسب شهادات أخرى، كان يتم تغذية المعتقلين بواسطة أنابيب، ويقضون الحاجة في الحفاضة. يؤيد وولفيش هذا الاستخدام في مقاله؛ لأن “لجنة الأخلاقيات المهنية وجهت الطاقم الطبي وأعطته تأكيداً على أن سلامة الطاقم فوق أي اعتبار أخلاقي آخر”.

كان من الواضح لنا أيضاً، نحن في الطواقم الطبية، ضرورة سلامة الطاقم، لأن تأييد هذه الرسائل للتكبيل يعبر عن قرار كاسح، يتجاهل بدائل أقل ضرراً ولا يأخذ في الحسبان إمكانية فحص حقيقي وفقاً لخطورة المعتقل ووضعه الصحي. إضافة إلى ذلك، فإنه فيما يتعلق بعصب العيون، الذي يظهر في بروتوكول وزارة الصحة، فإن منظمة الصحة العالمية وجهت الأطباء إلى أنه “يجب عدم الموافقة في أي وقت على فحص المعالجين وهم معصوبو العيون. وتؤكد التوجيهات السابقة للجنة الأخلاق المهنية على الحاجة لوضع قيود على عملية التكبيل. في المقال الذي نشر قبل سنة بالتعاون مع مكتب أخلاقيات المهنة، تم اقتراح خطة عمل لتقليص هذه الظاهرة، طريقة التكبيل حسب خطورة المعتقل الذي يتم علاجه. لكن وولفيش تجاهل كل ذلك.

مقاربة وولفيش تجبي ثمناً باهظاً من الطواقم الطبية المتطوعة في “سديه تيمان”، التي تواجه تحديات مهنية صعبة وخاصة. فهي من جهة تتعرض للخطر على اعتبار أنها متعاونة مع التعذيب وحتى مع جرائم الحرب. ومن جهة، تهاجَم إسرائيلياً لمجرد تقديم العلاج للمعتقلين. في هذا السياق، يجب عدم اعتبار التقارير عن التنكيل والتعذيب في “سديه تيمان” تهمة، وأسوأ من ذلك خيانة. يجب اعتبارها دعوة للعمل وطلب للتوجيه – لأنها الهدف الذي من أجله وجدت لجنة الأخلاق المهنية.

حتى الآن، تم نشر عدة شهادات لمعتقلين تم إطلاق سراحهم عن أعمال التنكيل والتعذيب التي نفذت في “سديه تيمان”. إضافة إلى ذلك، كما قلنا، ثمة أطباء تحدثوا عن سياسة إطلاق السراح المبكر والعلاج بشكل متدن للمعتقلين الذين تم نقلهم للعلاج في المستشفيات العامة. أحد الأطباء الذي شهد على مثل هذه الأمور، يجب عليه الشعور بأنه حر وآمن في الإبلاغ عن ذلك، فهذا واجبه كطبيب. ولكن للأسف، في واقع خطاب عام وسياسي متجرد من الإنسانية لكل موقف لا يتساوق مع الإجماع، طواقم طبية كثيرة لا تشعر بواجب الإبلاغ عن ذلك، والأخطر أن الكثير منها تمتنع عن الإبلاغ بشكل متعمد خوفاً من الإضرار بمكانتهم ومصدر رزقهم.

في هذا الوضع أهمية كبيرة لتصريحات ممثلي “الهستدروت الطبية” بصفتها مؤسسة تمثل الأطباء. اتحاد الأطباء الدولي يطالب النقابات الطبية الوطنية والأطباء بدعم الطبيب وعائلته إذا تعرضوا للتهديد نتيجة رفض التعاون مع التعذيب أو أشكال أخرى للعلاج الوحشي وغير الإنساني أو المهين (جمعية الطب الدولية، إعلانات طوكيو، وإعلان هامبورغ).

إضافة إلى ذلك، لـ “الهستدروت الطبية” دور أساسي في طرح طلب السماح بزيارة الصليب الأحمر، وهي خطوة إنسانية لها أهمية طبية في بعض الحالات. وما دام الصليب الأحمر لا يسمح له بزيارة “سديه تيمان”، فإن مكتب الأخلاق المهنية التابع لـ “الهستدروت الطبية”، أحد حراس العتبة الوحيد في هذه الساحة، كان يجب عليه إسماع صوته بشكل واضح في هذا الشأن. عدم التطرق الجدي للشهادات لا يعتبر رداً مقبولاً. المطلوب الآن ليس محاولة تفسير أو تبرير موافقة لجنة الأخلاق المهنية على الظروف الاستثنائية للتكبيل في “سديه تيمان”. القول بأنه “في حالة وجود تجاوز يطلب من الطاقم الطبي التحذير من التكبيل الذي قد يضر بصحة المعالج، وبشكل عام السعي إلى الحد الأدنى من تكبيل المعالجين في المنشأة”.

لقد مرت سبعة أشهر على 7 أكتوبر. والخيمة التي في الصحراء لن تكون الحل الأخلاقي أو المهني للوضع، خصوصاً في دولة فيها مستوى طبي عال، مثل إسرائيل. إذا كان الهدف هو التخفيف عن المنظومة العامة، فإن “سديه تيمان” تعدّ رداً مأساوياً وغير كاف. بدلاً من محاولة لجنة الأخلاق المهنية التعامل مع الظروف التي حسب التعريف، تناقض الأخلاقيات الطبية، يجدر الاستثمار في حلول تمكن من تقديم العلاج المناسب للمعتقلين في المنظومة العامة مع الحرص على الفصل الجسدي بينهم وبين المدنيين. هكذا سيتم توفير الحماية للطواقم الطبية وسيتم الحفاظ على قواعد الأخلاق المهنية العالمية وطبيعتها ونزاهة الطواقم الطبية عندنا.

——————انتهت النشرة——————

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share This Article