الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

رباح
48 Min Read

 

هآرتس/ ذي ماركر 28/7/2025

إسرائيل.. الدولة التي تكافئ الفاسدين والراشين والمغتصبين: سبقنا البرازيل والهند

بقلم: عيدو باوم

نعيش تحت حكومة فاسدة؛ فساد ليس أخلاقياً وقيمياً فحسب، بل عام بالمعنى البسيط جداً: منتخبو الجمهور يستغلون قوتهم من أجل مصالحهم الشخصية والقطاعية. الفساد وخرق القانون أصبحا معياراً سائداً، وتحول ائتلاف نتنياهو إلى نادي نخبة لمشتبه فيهم، لمتهمين بالفعل أو بالإمكان، وسياسيين فاسدين.

هاكم قائمة غير شاملة لمسيرة من تم التحقيق معهم: نبدأ بالوزيرة ماي غولان. في الأسبوع الماضي، صادقت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، على التحقيق مع غولان للاشتباه بتوجيه الأموال العامة بواسطة تعيين وهمية لجمعية مقربة منها.

في وقت سابق في هذا الشهر، قررت النيابة العامة تقديم المفتش العام لمصلحة السجون، كوبي يعقوبي، للمحاكمة بسبب أعمال قام بها أثناء كونه السكرتير الأمني لوزير الأمن الوطني بن غفير. يعقوب متهم بتسريب معلومات سرية وتشويش التحقيق مع ضابط كبير في شرطة لواء “شاي”، الذي حاول الحصول على ترقية من بن غفير. الوزير بالمناسبة، قرر المصادقة ليعقوبي على البقاء في منصبه رغم لائحة الاتهام ضده.

في نهاية الأسبوع الماضي، تم التحقيق مع عضو الكنيست حانوخ ملفتسكي، الرئيس المرشح للجنة المالية، بتهمة الاغتصاب. إضافة إلى ذلك، المستشارة القانونية للحكومة قررت مؤخرا تقديم لائحة اتهام ضد عضوة الكنيست تالي غوتلب، لأنها كشفت اسم شخصية رفيعة في “الشاباك”. غوتلب لم تمتثل لحضور جلسة الاستماع. وحسب منشورات في الأيام الأخيرة، ستوصي الشرطة بإغلاق ملف التحقيق مع الوزيرة ميري ريغف في قضية “المجوهرات”، التي في إطارها نسب لريغف تفضيل سياسي في الموارد العامة. حتى لو لم يكن هناك أساس للأدلة للتقديم للمحاكمة، فإن محسوبية ريغف هي فساد حكومي في أبهى صورة.

مؤخراً، تم اتخاذ قرار بتقديم لوائح اتهام خاضعة لجلسة استماع ضد بعض المقربين من رئيس الحكومة، مثل يونتان اوريخ وايلي فيلدشتاين. وفي كلتيهما، ارتبط الخوف من المس بمصالح أمنية وطنية بفساد في الدوائر المقربة جدا ًمن نتنياهو. مقربون مثل شرولك اينهورن، الذي يعيش في صربيا، ما زالوا مشتبهاً فيهم.

يجب عدم نسيان عضو الكنيست دافيد بيتان، رئيس اللجنة المالية والمتهم بتلقي الرشوة. في الفترة الأخيرة تبين أن محاولة التجسير في هذا الإجراء القانوني فشلت، وسيقدم بيتان شهادة الدفاع عن نفسه بعد عطلة المحاكم الصيفية. لإثبات الصعوبة في تطبيق القانون: التحقيق في القضية بدأ في 2017، وقدمت لائحة الاتهام في تموز 2021. مرت أربع سنوات أخرى والمحاكمة لم تنته.

في 2021 تم تقديم لائحة اتهام ضد جهات رفيعة في جهاز الأمن في قضية شراء سفن وغواصات من ألمانيا (الملف 3000)، وهي محاكمة أخرى بعيدة عن النهاية. نتنياهو تملص من لائحة الاتهام في هذه القضية، لكنه تسلم قبل سنة تقريباً رسالة تحذير من لجنة التحقيق الرسمية، برئاسة رئيس المحكمة العليا المتقاعد آشر غرونس، وهو إشارة إلى أن النتائج تشير إلى مسؤولية شخصية لنتنياهو. ويضاف إلى ذلك الملفات الأخرى لنتنياهو.

نهاية السلوك الرسمي

فساد الائتلاف الحالي أصبح مؤسساتياً. مثلاً، انسحاب الأحزاب الحريدية من الائتلاف هو حالة متطورة من الفساد: وزراء الأحزاب الحريدية في الواقع استقالوا، لكنهم بقوا على رأس الوزارات التي تركها مديروهم العامون.

على وزارة حكومية في إسرائيل السيطرة تبدو وسيلة للاستمتاع بالموارد والأموال والتعيينات لقطاعات ومقربين، لا رسمية، ولا مهنية ولا قيم سامية. المدراء العامون في الوزارات الحكومية هم الذراع التنفيذي للفساد، ليسوا بحاجة إلى الوزير لتتحول للمقربين أموال دافعي الضرائب، الذين يخدمون في الاحتياط والمواطنين المستقيمين الذين بقوا هنا.

إن تفكيك أجهزة إنفاذ القانون يعتبر من أكبر نجاحات حكومة نتنياهو. فهو يجعل مكافحة الفساد في أوساط المسؤولين المنتخبين شبه مستحيلة. الفساد في إسرائيل بدأ يشبه الفساد في دول مثل البرازيل والهند. في السنوات الأخيرة، سجل رقم مدهش في البرازيل. فقد دين 60 في المئة تقريباً من أعضاء البرلمان الفيدرالي أو تم توجيه لوائح اتهام جنائية لهم. وفي الهند، الدولة الديمقراطية الأكبر في العالم، بلغت النسبة 30 في المئة.

من جهة، عدد لوائح الاتهام ضد منتخبي الجمهور والشخصيات الرفيعة في هذه الدول، أعلى بكثير من المتوسط في السكان العام. من جهة أخرى، نسبة إدانة منتخبي الجمهور هؤلاء منخفضة جداً عن المتوسط في السكان.

تظهر البيانات أن الفساد يتفشى في المعسكرات السياسية. ما حدث في البرازيل والهند يحدث الآن في إسرائيل: حكومة فاسدة تعمل على حل أجهزة إنفاذ القانون من الداخل – والفاسدون يحتفلون.

حملة ائتلافية من أجل خارقي القانون

كيف تضعف الحكومة مكافحة الفساد في أوساط منتخبي الجمهور والمخلصين لهم في الخدمة العامة؟ عن طريق هجوم شامل على منظومات القانون كلها.

قمع المحققين وحراس العتبة. بن غفير يقمع الشرطة، ويسيطر على الميزانيات، ويتصادم مع المستشارة القانونية للحكومة، ويعطي إشارة تفيد بأن من هو غير مخلص له أو للائتلاف سيدفع الثمن.

ينكل بالمحققين في الفساد. في هذا الشهر، كشفت “هآرتس” أنه رفض التوقيع على ترقية ضابطة في قسم التحقيقات، التي كانت جزءاً من طاقم التحقيق في ملف 2000، والتي قدمت شهادتها في محاكمة نتنياهو. ما هي الرسالة لرجال “الشاباك” الذين يحققون مع المقربين من نتنياهو في قضية قطر غيت، ويعرفون أن رئيس “الشاباك” المرشح، الجنرال دافيد زينيه، قد تم اختياره من قبله؟ أضيفوا إلى ذلك مهاجمة المستشارة القانونية للحكومة من قبل سياسيين وآلة السم في الشبكات الاجتماعية.

——————————————

هآرتس 28/7/2025

كيف يبدو اعتراف ماكرون بالدولة الفلسطينية سبيل نهضة لإسرائيل؟

بقلم: ديمتري شومسكي

إعلان ماكرون اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول القادم، أثار غضب اليمين الإسرائيلي. قال نتنياهو إن “إنها خطوة تكافئ الإرهاب، وستستخدم كنقطة انطلاق لتدمير إسرائيل”. وقال وزير العدل ياريف لفين: “الأمر يتعلق بوصمة سوداء في تاريخ فرنسا”. وقال رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت: “إعلان ماكرون قرار مخجل، وسيرمى في سلة قمامة التاريخ. الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد مذبحة 7 أكتوبر هو تدهور أخلاقي وهدية للقتل الجماعي”.

لكن إعلان ماكرون سياسياً وأخلاقياً يبدو عكس ذلك تماماً. فالحلم السياسي الشامل الذي يطمح ماكرون إلى الدفع به قدماً يرتكز إلى مبدأ تقسيم المكان بين البحر والنهر إلى دولتين قوميتين، على أساس اعتراف متبادل بحق تقرير المصير القومي لليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين.

في المقابل، الحلم الديني – السياسي، الإسلامي – القومي، لحماس، الذي باسمه خرج قتلتها لذبح الإسرائيليين في 7 أكتوبر، هو القضاء على دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية بدلاً منها. سياسة ماكرون لا “تكافئ” حماس على المذبحة فحسب، بل تتعارض مع رؤية هذه المنظمة القاتلة والعبثية.

وفي حين أن تدمير إسرائيل هو هدف حماس النهائي، فهدفها المتوسط هو الحرب الدينية اللانهائية ضد إسرائيل، وفيها رسالة رمزية وثابتة للمجتمع الدولي، التي ترتكز على أن “وجود دولة إسرائيل في أرض فلسطين المقدسة، وعاصمتها القدس” هو أمر غير شرعي.

في هذه النظرة تشابه ديني – سياسي بين حماس واليمين القومي المتطرف – الديني اليهودي: مثل حماس، ها هم نتنياهو ولفين وبينيت وأمثالهم، يتمسكون بنهج المواجهة الدينية السياسية المستمرة، على أساس مبدأ نزع الشرعية عن الحقوق السياسية والقومية للشعب الجار شريطة أن حل تقسيم الوطن لا يتحقق ذات يوم. لذلك، فإن إعلان ماكرون يبدو تحدياً مزدوجاً، سواء لرؤية حماس القاتلة أو رؤية اليمين الإسرائيلي الظلامية، ولهذا السبب يبدو إعلان ماكرون السياسي يصيب اليمين بالجنون.

ولأن خطاب اليمين اليهودي الأيديولوجي وصل إلى نقطة الغليان عقب إعلان ماكرون، فإن الردود عليه في أوساط دوائر نشطاء السلام تتراوح بين التثاؤب وهز الكتف المتشكك. إزاء الكارثة الوطنية والإقليمية التي تحيط بنا، يبدو أنه تشكك مفهوم، لكن يجب عدم التوافق معه لأسباب رئيسية:

السبب الأول، أنه إذا انضمت بريطانيا لفرنسا فستزداد احتمالية أن تتحول حقوق الفلسطينيين في المستقبل القريب إلى نوع من “المسألة اليهودية” في أواخر عصر الحداثة. مسألة قومية ودولية من الدرجة الأولى تحتاج إلى حل فوري وملح وينقذ الحياة، على شاكلة إقامة دولة قومية مستقلة.

السبب الثاني، أنه كلما وقفت دول غربية عظمى أخرى خلف الحقوق الوطنية والسياسية للفلسطينيين، فإن ذلك سيساعد القضية الفلسطينية في رفع أهمية قيم ومفاهيم التنور والإنسانية والمساواة سيتشكل في المجتمع الدولي. من الآن فصاعداً معسكران، لكل منهما صورة سياسية وأخلاقية واضحة، الأول هو المعسكر الليبرالي والإنساني الذي يثني على قيمة المساواة بين الشعوب التي تتمثل بمبدأ الدولتين لشعبين، إسرائيل وفلسطين. والثاني هو المعسكر الدولي المسيحاني، الذي تتحالف أجزاؤه معاً بالسر وتشمل إسرائيل المسيحانية والولايات المتحدة الإفنغيلية، وهذا رغم التناقض الذي يبدو ظاهرياً، والذي سيشمل حماس وإيران، وجميعهم على موقف انتحاري مفاده أن حل الدولتين غير محتمل لأسباب لاهوتية مقدسة.

انقسام هذين المعسكرين لا يضمن انتصار معسكر المساواة والعقلانية في هذه المعركة. مع ذلك، التمييز السياسي والأخلاقي الواضح بين الموقف الوطني، المساواتي والمتنور، والموقف اللاهوتي الظلامي الذي يمثل تحالفاً دولياً من “آكلي الموتى” في سبيل الله، هو شرط ضروري على طريق تعزيز حل الدولتين. وهو حل ضروري الآن ليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين، بل أيضاً لإعادة تأهيل أخلاقي للمجتمع الدولي.

بهذا المعنى، فإن إعلان ماكرون قد يشكل وبحق “نقطة انطلاق”، ولكن ليس لـ “تدمير إسرائيل”، بل لنهضة إسرائيل الجديدة، الشرعية، إلى جانب دولة فلسطين وفي إطار مجتمع دولي أفضل وأكثر عدلاً.

——————————————-

هآرتس 28/7/2025

بعد قراءة لردودهم على ماكرون.. لقادة المعارضة: كلكم نتنياهو بل أدنى

بقلم: روغل الفر

 لا بديل حقيقياً لحكم نتنياهو بدون الاعتراف بالدولة الفلسطينية. “تدهور أخلاقي”، هكذا سمى المرشح الأقوى لإسقاط نتنياهو، بينيت، قرار الرئيس الفرنسي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، “هدية للقتل الجماعي ورسالة إلى المنظمات الإرهابية الإسلامية”، اقتلوا اليهود وستحصلون على الدولة. هذا القرار المخجل سيلقى في سلة قمامة التاريخ. هذا غير مفاجئ. ففي كل ما قيل بالنسبة للفلسطينيين، بينيت هو بيبي متعصب وليس ليبرالياً.

 “خطأ قيمي”، هكذا سمى رئيس المعارضة يئير لبيد القرار، وقال: “الحكومة السليمة كان يمكنها منع هذا الإعلان الضار”. لذلك، من حسن الحظ أن لبيد ليس رئيس الحكومة. الحكومة التي تعارض الاعتراف بالدولة الفلسطينية تطبق سياسة نتنياهو. غانتس صرح بأن إعلان ماكرون “مزيف ومتخيل، ويخدم المتطرفين بدل المعتدلين”. هو يعتقد أنه معتدل، لكنه ليس كذلك. هو معارض متطرف للاعتراف بالدولة الفلسطينية. هو نتنياهو بكل معنى الكلمة. وصف قرار ماكرون بـ “هدية للإرهاب” أنت لست بحاجة إلى “معارضين مزيفين”، نتنياهو يجيد ذلك أكثر منه.

قال يئير غولان: “الاعتراف الفرنسي أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية هو فشل معروف مسبقاً لنتنياهو… هذه ليست طريقة صحيحة للمضي بعملية سياسية في المنطقة”، نصح ماكرون، وقال: “الخطوة أحادية الجانب ستؤدي إلى التمترس والتخندق”. أي أن حكومة تحت تأثير غولان كانت ستحبط اعتراف ماكرون بالدولة الفلسطينية. هذا ليس البديل الليبرالي المناسب لنتنياهو. الاحتلال والأبرتهايد في الضفة هما جذر كل شر، والبديل هو عالم غربي يعترف بالدولة الفلسطينية ويضغط على إسرائيل سياسياً واقتصادياً لوقف الضم.

ماذا بشأن الأمل الليبرالي الكبير، غادي آيزنكوت؟ في مقابلة مع دانا فايس، التي بثتها السبت القناة 12، تفاخر وقال: “لن تجدي أي مكان قلت فيه “دولتان لشعبين”. هذا هو تفاخره. هذا هو “البديل الحكومي – الصهيوني – الرسمي – القومي” الذي يعد بإقامته. هذا هو “الإصلاح العميق للمجتمع الإسرائيلي” الذي يراه بروحه، دولة واحدة لليهود.

ماذا عن الفلسطينيين؟ هو يعارض ضمهم ويعلن: “أؤيد الاستيطان اليهودي في “يهودا والسامرة”، شريطة أن يكون ذلك حسب المصالح الوطنية وبحسب القانون”. وماذا يعرض على الفلسطينيين؟ “وضع دائم” مجرد، “يمكن أن يستغرق جيلاً أو جيلين أو ثلاثة أجيال من أجل التوصل إليه”. من الواضح أن “الوضع الدائم” ليس دولة (“تصريح سيئ جداً كان من الأفضل أن يمتنع عنه”، قال عن قرار ماكرون)، وليس ضم الفلسطينيين. ما الذي بقي؟ هجرة طوعية؟ ومثله آيزنكوت، الذي لا يعتبر بديلاً حقيقياً لنتنياهو وسموتريتش. هو يشعر بأنه أصبح ناضجاً ليكون رئيس حكومة يعلن أن الفلسطينيين غير ناضجين للحصول على الدول

لا يوجد زعيم “معارضة” في إسرائيل يعلن بوضوح أنه قريب من ماكرون أكثر مما هو قريب من نتنياهو في القضية الفلسطينية، العكس هو الصحيح؛ فبدلاً من التنافس بينهم على طرح بديل أفضل لنتنياهو، يتنافسون على من هو الأقرب شبهاً في الموضوع الأهم لمستقبل المجتمع الإسرائيلي. لا أحد منهم، حتى غولان، يملك الشجاعة للاعتراف مع ماكرون بالدولة الفلسطينية. حلمهم هو إقامة حكومة تمنع الاعتراف الغربي الجارف بالدولة الفلسطينية. كما يبدو “الدولة الفلسطينية هدية للإرهاب”، بدلاً من هدية لحقوق الإنسان الأساسية والأخلاق العالمية والحكمة السياسية.

قرار ماكرون ورقة عباد الشمس التي تكشف غياب البديل لنتنياهو وحلم الاحتلال البيبي.

——————————————-

هآرتس 28/7/2025

“شرطة بن غفير” في حدثين.. تعتقل المتظاهرين ضد الحرب وتشجع “سراً” على المس بأيمن عودة

بقلم: أسرة التحرير

 الخميس الماضي، جرت مظاهرة في حيفا ضد الحرب في قطاع غزة. وجرت المظاهرة في ظل أنباء ومشاهد قاسية عن الجوع في القطاع. الدولة الليبرالية لا ترى مفاهيم مثل “الديمقراطية” و”حقوق المواطن” بمثابة قشرة تافهة، فمثل هذه المظاهرة كانت ستحظى بحماية من جانب شرطة إسرائيل بصفتها المسؤول عن سلامة المتظاهرين. لكن اعتقل هنا 24 متظاهراً بعد أن أعلنت الشرطة بأن المظاهرة غير قانونية.

سبقت المظاهرة منشورات تحريضية لـ شاي جليك ومنظمة “بتسلمو” (على صورته)، وفيها إعلان يقول إن “حيفا ليست مدينة فلسطينية” ودعت المنظمة مؤيديها للتظاهر أمام “آلاف المحرضين الفلسطينيين”. يتبين أن أعمال التحريض من جانب جليك ورفاقه نجحت. فقد قررت الشرطة تفريق المظاهرة واعتقال عشرات المشاركين فيها، وكأنها كانت فرعاً لـ “بتسلمو”.

لقد عملت الشرطة هكذا في نيسان من هذه السنة عندما اعتقلت 23 متظاهراً من حيفا ضد الحرب في قطاع غزة. في الحالتين، قيل إن أعمال المتظاهرين “قد تخل بسلامة الجمهور”. غير أن سلامة الجمهور لم تخل بسبب تجسيد حقوق ديمقراطية أساسية، بل بسبب المس بهذه الحقوق الأساسية. عملياً، الشرطة هي التي تمس بسلامة الجمهور، وتفعل هذا بإسناد من وزير الأمن القومي، بن غفير، وكذا في ظل صمت معيب لرئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، الذي يسمح بسلوك أزعر ومناهض للديمقراطية في أراضي المدينة.

 في الوقت الذي تستعرض فيه الشرطة “عضلاتها” على المتظاهرين ضد الحرب، فهي تغمض عينها عندما يتعلق الأمر بمشاغبين عنيفين حاولوا المس بالنائب أيمن عودة في المظاهرة في “نس تسيونا” السبت الماضي. كما يذكر، عشرات من المشاغبين وصلوا إلى مركز التسوق في المدينة، اقتربوا من سيارة عودة، خبطوها وبصقوا عليها، وألقوا زجاجات وأكياس قمامة نحو عودة حين كان يخطب على المنصة، ونزعوا ميكروفونه، وحاولوا إيقاع الأذى به بعصا، كل هذا إلى جانب الشتائم وهتافات “الموت للعرب”.

وها هي، رغم وجود أشرطة مسجلة عديدة توثق ما حصل، بل ويمكن تشخيص الكثيرون ممن التقطت لهم الصور، رغم ذلك لم توقف الشرطة إلا ثلاثة أشخاص، وحتى هؤلاء أطلق سراحهم لغياب الأدلة ضدهم. إضافة إلى ذلك، لم يرفع الملف إلى وحدة اللواء كما هو دارج في ملفات تحقيق ذات مغزى، وبقي في أيدي الشرطة المحلية فقط.

بين أحداث حيفا وتلك التي في “نس تسيونا” يمكن رسم خط حاد وواضح: الشرطة تعمل بوحشية حين يدور الحديث عن مظاهرات معارضة لموقف الوزير المسؤول والحكومة؛ أما حين يدور الحديث عن متظاهرين ينتمون إلى قاعدة “الزعيم”، فإنها تغض النظر. فهل تحرص على سلامة الجمهور؟ يبدو أنها أكثر حرصاً على سلامة الوزير.

——————————————-

يديعوت أحرونوت 28/7/2025

في غزة ينقلب السحر على الساحر: سنأكل السمك الفاسد

بقلم: ناحوم برنياع

عُلقت في محلات أدوات منزلية في الولايات المتحدة يافطة تحذير لا تقبل أي تأويل: If you break it, you own it (إذا كسرتها فهي لك). في كل ما يتعلق بغزة، كان هذا التحذير أمام أصحاب القرار منذ 7 أكتوبر. إذا دمرت غزة فهي لك. غانتس وآيزنكوت يلذعان نتنياهو بين الحين والآخر على أنه تخوف من فتح عملية برية في القطاع فور المذبحة. شجعاه لكنه أخّر. في نظرة إلى الوراء، يمكن إبداء تفهم أكبر للمخاوف.

في غضون أسابيع، أنجر نتنياهو إلى التطرف الثاني: لم يدخل دخولاً برياً فحسب، بل دخول بري حتى النصر المطلق؛ ولم يرد حسم المعركة مع إطار حماس العسكري، بل إبادة حماس حتى النفق الأخير، حتى المخرب الأخير. عرفت قيادة الجيش بأن هذه أهداف غير قابلة للتحقق، لا في إطار زمني يتناسب والتوقعات، ولا لثمن معقول، ولا حين تتعلق حياة عشرات المخطوفين بشعرة. لكن الجيش يسير على عادته: تولى قيادة المنطقة الجنوبية في بئر السبع ضباط تمتلئ أكتافهم بالرتب العسكرية وأصدروا خططاً؛ فرق تدخل؛ فرق تخرج؛ كل جولة حظيت بلقبها البطولي، بادعاءاتها بالنصر، رغم أن البحر بقي البحر ذاته، والرمل ذاته، وغزة هي ذاتها، والنتائج ذاتها.

انقضت 22 شهراً منذئذ حيال ما رأيت على الأرض، حيال أنباء قاسية تخرج يومياً من هناك، أتمزق إلى شطرين: القلب يتمنى نجاحاً صاخباً، وإنجازاً عسكرياً ينهي هذه القصة المتواصلة إلى الأبد، لكن الرأس يرى انعدام جدوى، وفقدان طريق، وثمناً.

بعد المذبحة كان ينبغي ضرب حماس، بكل قوة، حتى ولو بثمن ألم بالمدنيين. هكذا فكرت في حينه، وهكذا أفكر اليوم. لكن بعد سنة، في الواقع قبل ذلك، كان يجب على الحكومة والجيش أن يفهموا بأن الوضع في غزة انقلب: المنفعة المستمدة من قتال خمس فرق، أكثر من كمية الجنود الذين انتصروا على الجيش المصري في حرب يوم الغفران، تبدو منفعة صغيرة حتى هامشية. أما الضرر بفقدان المقاتلين وبمكانة إسرائيل والمس بالمدنيين فهو آخذ في التفاقم. حماس مذنبة لكن إسرائيل مسؤولة.

أغلبية ساحقة من المقاتلين في غزة ليسوا على اتصال مع مدنيين غزيين ولا مع مخربين أيضاً. هم لا يتعرفون على ضائقة الأطفال وصرخة النساء ولا يشاهدون أشرطة الفوضى. لكن الصور قاسية، والشهادات صادمة. حتى لو كان العالم يسره رؤية أطفال يموتون جوعاً في غزة وحتى لو كانت الشهادات صحيحة جزئياً فقط، فقد كان محظوراً السماح لهذا الوضع أن يستمر. فهو لا يجدي إلا حماس.

تتضح النتيجة من يوم إلى يوم. ضُربنا بشدة، أكلنا السمك الفاسد، وأصدقاؤنا في العالم يريدون طردنا من المدينة، كله معاً. الكارثة عظيمة لدرجة أن اضطر نتنياهو لطي الإعلام والتوقف وإطفاء النور على الأقل، والاستسلام لمطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وإنزال الغذاء بالمظلات (الإنزال لا يجلب سوى القليل جداً من الغذاء، لكن صورته تلتقط جيداً؛ وإضافة الشاحنات ذات مغزى أكبر). خوفاً من رد فعل سموتريتش وبن غفير، استسلم في الخفاء، كآخر الأرانب.

يمكن الجدال في حجوم مسؤولية نتنياهو عن إخفاق 7 أكتوبر؛ ولا يمكن إعفاؤه من مسؤولية ما حصل منذئذ. هو لا يمكنه ادعاء أنهم لم يوقظوه، وأنه كان مصاباً بمغص معدة، أو أن المستشارة قيدت يديه: غزة كلها له.

لكن نتنياهو ليس وحيداً؛ فتفكك هجمة الضغط في غزة يجب أن يعلّم قيادة الجيش الإسرائيلي بضعة أمور.

أولاً، ألا يستمع الجيش لأفكار غير مسؤولة، خصوصاً عندما تأتي من جنرالات الحكومة مثل غيورا آيلند. إسرائيل لا يمكنها طرد السكان وتجويعهم؛ أعتقد أن آيلند يفهم اليوم مدى خطئه.

ثانياً، للجيش دور حيوي في الخطاب مع المستوى السياسي. فلئن كان لرئيس الأركان ملاحظات مهنية على استمرار الحرب -أعتقد أنه كانت له- فقد كان ملزماً بأن يكافح في سبيلها في كل المحافل. أيال زامير جندي، بالمعنى الأفضل للكلمة: الكابنيت يقرر وهو ينفذ. لكنه يعرف أكثر من الجميع ما يمكن لرئيس الأركان أن يفعله قبل إصدار الأمر. المقاتلون يتطلعون إليه؛ وعائلاتهم أيضاً؛ وعائلات المخطوفين. لا أحد يعتمدون عليه سوى الجيش.

في بداية الحرب، برواق قاعدة عسكرية، سمعت جملة على لسان ضابط احتياط قديم، يعتمر “الكيبا”، وهي جملة ترافقني. “سؤال كيف ستخرج حماس من الحرب سؤال لا يقلقني”، قال. “السؤال الذي يقلقني هو: كيف سيخرج المجتمع الإسرائيلي من الحرب”.

——————————————-

هآرتس 28/7/2025

نتنياهو فزع وحماس تتحسن… هل يستنجد بترامب مرة أخرى؟

بقلم: عاموس هرئيل

خطورة الوضع الإنساني في قطاع غزة والرد الدولي الشديد تجاهها تجلى أول أمس في خطوات إسرائيلية متسرعة. في الوقت الذي أرسل فيه ضباط الجيش الإسرائيلي إلى وسائل الإعلام نافين موضوع الجوع في القطاع، نفذ نتنياهو انعطافة كاملة في سياسته. سلاح الجو ألقى رزم مساعدات بالمظلات للمرة الأولى، وأعلن الجيش الإسرائيلي عن هدنة إنسانية في القتال، وسيسمح بوجود ممرات آمنة لقوافل الأمم المتحدة. القرارات اتخذت. بذعر وبسرعة، خلال السبت – دون إطلاع رؤساء أحزاب اليمين المسيحانية في الحكومة. بعد أكثر من أربعة أشهر على خرق وقف إطلاق النار مع حماس والعودة إلى القتال، تضطر إسرائيل للاعتراف بوضع نفسها في طريق مسدود. فزيادة الضغط العسكري أو السيطرة على المساعدات الإنسانية لم تقربها من صفقة لإعادة المخطوفين. وللمفارقة، وضع حماس تحسن.

في هذه المرة، كان الأمر واضحاً تماماً. ببساطة، أغلقت الحكومة عيونها كي لا ترى، وأغلقت أذنها كي لا تسمع. في “هآرتس” وفي وسائل إعلام أخرى، كتب في آذار الماضي في الوقت الحقيقي بأن استئناف الحرب يستهدف إعادة قائمة “قوة يهودية” إلى الائتلاف، بعد انسحابها منه عقب صفقة المخطوفين الأخيرة في كانون الثاني الماضي، وأنه من غير المتوقع تحقيق أي تغيير في سير الحرب. بعد ذلك، وصفت عبثية الخطوات العسكرية وأبعاد القتل والدمار، وأيضاً عجز صندوق المساعدات الأمريكي (الذي وراءه تدخل إسرائيلي واضح) عن تحقيق الأهداف الطموحة التي وضعت بشأن توفير الغذاء للسكان. في الأسبوع الماضي، تدهورت الأمور إلى كارثة فعلية وفي صورة إسرائيل.

ظاهرة الجوع أو مشهد سكان على شفا الجو أخذت تنتشر في أرجاء العالم. ورغم عدم الوثوق بكل التقارير موثوقة، وأن حماس تستخدم الأزمة دعائياً لأغراضها، فثمة شك في أن يكون وزن لذلك. أبعاد الكارثة كبيرة بما فيه الكفاية لإثارة الاهتمام الدولي من جديد بمعاناة أكثر من 2 مليون غزي. ليس فقط في أوروبا والعالم العربي، بل حتى الرئيس الصديق في البيت الأبيض لم يعد بإمكانه البقاء غير مبال إزاء التطورات.

المفاوضات حول الصفقة التي هي في الأصل عالقة، تشوشت كلياً. فهمت حماس أن فرصة ثمينة وقعت في يديها إزاء غضب العالم من إسرائيل، واستغلت ذلك للتمترس في مواقفها في المحادثات. إسرائيل والولايات المتحدة أعلنتا عن وقف المفاوضات في قطر، والرئيس الأمريكي اتهم حماس بإفشال المفاوضات، وأضاف تفسيراً لذلك: ربما يريد رؤساء حماس الموت. ولكن لم ينبت أي شيء عملي حتى الآن من وعود إسرائيلية وأمريكية بفحص طرق أخرى للمضي بالمفاوضات. في هذه الأثناء، ينشغل المجتمع الدولي في البحث عن وسائل سريعة لتخفيف المعاناة في غزة والضغط على إسرائيل لوقف القتال. وربما تدرك حكومة نتنياهو أن هذا ليس الوقت المناسب للانقضاض العسكري.

المسؤول الرئيسي

في لحظة بائسة كهذه، من الجدير تذكر الأشخاص الذين قادوا إسرائيل إلى الوضع الحالي في القطاع. حدث هذا بالتحديد بعد أن ضرب الجيش الإسرائيلي حماس خلال السنة الماضية، وكان يبدو أن جهود ترامب قد وضعت الطرفين في كانون الثاني على مسار عقد صفقة لإنهاء الحرب، حتى لو كانت مليئة بالعيوب والنواقص. الوزير المصاب بجنون العظمة الصبياني، وزير المالية سموتريتش، اقترح على متابعيه في اكس (تويتر سابقاً) قبل شهرين بالضبط: “تذكروا هذا اليوم (البدء في توزيع المساعدات من خلال الشركة الأمريكية مباشرة إلى المواطنين وبشكل لا يسمح لحماس بالسيطرة على المساعدات)، هذه انعطافة في الحرب ستجلب، بعون الله، النصر وتدمير حماس. يفضل أن تأتي بشكل متأخر أفضل من ألا تأتي أبدا”.

سموتريتش، شأنه شأن أبواق نتنياهو الإعلامية، تجاهل التحذيرات بشأن عدم قدرة صندوق المساعدة لغزة على تحقيق الأهداف الطموحة، حيث مراكز توزيع قليلة في جنوب القطاع. عرفوا أن الطريق إليها خطيرة، وأن في المنطقة فوضى كبيرة، الكثير منها نابع من عمليات الجيش الإسرائيلي، لكنهم ركزوا على تخيل سيطرة إسرائيلية كاملة على المنطقة وعلى المساعدات، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى “هجرة طوعية” للفلسطينيين من غزة عبر شبه جزيرة سيناء.

حتى الآن، المسؤول الرئيسي هو نتنياهو. رئيس الحكومة يعرف أنه لا طريقة عسكرية لإنقاذ المخطوفين وهم على قيد الحياة، وأن حماس لا تشعر بالمسؤولية عن مصير السكان، وأن الخطوات الحالية لا فائدة منها سوى أنها تطيل الحرب بدون هدف وبلا جدوى. كانت أمام إسرائيل فرص لإنهاء الحرب منذ بداية السنة. تجاهل نتنياهو هذه الفرص لأن مصير الائتلاف كان أهم كما يرى. وقد خشي من انسحاب سموتريتش وبن غفير من الحكومة وفرض انتخابات مبكرة عليه. الآن، يرتجل رئيس الحكومة تحت ضغط دولي متزايد. ربما أصبح الوقت متأخراً جداً للتصحيح: حماس ستتخندق في مواقفها، مع دعم دولي للفلسطينيين، وستقف الحكومة أمام معضلة بين عار خطوات عسكرية وبين الاستسلام لإملاء وقف قسري لإطلاق النار بدون نجاح في إعادة العشرين مخطوفاً الأحياء والثلاثين جثة.

التوقعات والآمال موجهة نحو ترامب. إذا تحرر الرئيس الأمريكي من تشتيت الانتباه، وركز، ربما يتمكن من فرض اتفاق معين على الأطراف. مع ذلك، ما زال يسعى للفوز بجائزة نوبل للسلام في هذه السنة، ويواجه صعوبة في تقديم إنجازات دبلوماسية مدهشة في ساحات أخرى. في هذه الأثناء، يستمر سقوط القتلى والجرحى من الجنود في قطاع غزة، ولا يعرف الكثير من الجمهور الهدف الحالي للقتال. لقد توفي جندي (مهندس في الاحتياط) متأثراً بجروحه بعد إصابته بانفجار عبوة ناسفة في الأسبوع الماضي. صباح أمس، نشرت تقارير عن قتل جنديين من لواء “غولاني” بانفجار عبوة ناسفة أُلصقت بناقلة جنود مدرعة (النمر).

——————————————

معاريف 28/7/2025

بعد بايدن وغالانت وهليفي.. إسرائيل و”كبش الفداء” التالي: “إعلام لاسامي” يخدم حماس

بقلم: ليلاخ سيغان

نقاتل في غزة منذ نحو سنتين، وخطابنا في موضوع المساعدات الإنسانية يدور في حلقة مفرغة. حتى بعد أن جردنا كل شيء، تنطلق المرة تلو الأخرى عبارة “ما المشكلة؟ ينبغي نقل كل السكان في القطاع جنوباً، وفرض حصار على كل من هو في شمال غزة، الذين هم حماس، وهي خطوة سيقبلها القانون الدولي”.

لا يزال هناك من يسأل “ما المشكلة” ولم يفهم بعد أن المشكلة تكمن بعدم النجاح في الأمر. نحن نتحدث عن هذا منذ تشرين الثاني 2023. في البداية، اتهموا بايدن بالحاجة إلى إدخال المساعدات إلى غزة. استبدل بايدن. ثم اتهموا غالانت. أقيل غالنت. ثم اتهموا هرتسي هليفي. وهاليفي جرى تنحيته. بعد ذلك، اتهموا رئيس “الشاباك”، وقد اعتزل. أما الآن فحان دور “الإعلام” الذي زعم أنه لا ينبغي له بث صور من غزة؛ لأن هذا يساعد حماس في حملة التجويع الدعائية، وكل شيء بذنبه. لكن إيجاد كبش الفداء الدوري مجرد تنفس في نظرية المؤامرة. متى نفهم بأن نظريتهم تلك في موضوع المساعدات غير قابلة للتطبيق؟

المفهوم الإنساني مليء بالثقوب. فهل يمكن التفريق بين مقاتلي حماس والمدنيين؟ ففي كل لحظة يتجند “مقاتلون” جدد أبناء 15 – 16، يتعلمون استخدام آر.بي.جي أو يزرعون عبوة، وعندما يقتلون – يتهمون إسرائيل بقتل الأطفال. فهل يمكن للفتيان الانتقال إلى تلك “المنطقة الإنسانية” الوهمية، التي يزعمون أنها ستفرق بين المدنيين والمقاتلين؟

ما كان يمكن تطبيقه بعد شهر من الحرب، عندما كان لإسرائيل ائتمان دولي، لم يعد ممكناً تطبيقه اليوم، فيما نحن في الموجة المناهضة لإسرائيل الأكثر تعكراً في تاريخنا. فلا يمر يوم دون حادثة دولية عنيفة تجاه يهود وإسرائيليين، ممن يتهمون بـ “الإبادة الجماعية”.

تعالوا نستوعب: “مجرد الأحاديث عن وقف المساعدات يضر بإسرائيل. هذه حقيقة، وهي تشعل أوار الحملة الدولية (الناجحة جداً)، الهادفة للتضحية بسكان غزة من أجل إدانة إسرائيل. الترهات اليومية عن منع المساعدات غير قابلة للتطبيق، بل وتضاف إلى الحملة التي تتهم إسرائيل بانعدام الإنسانية. الخليط بين أقوال الوزراء المتطرفين في الحكومة وبين غياب الإعلام الإسرائيلي الرسمي يخلق نصراً فكرياً مطلقاً، لكن ليس لنا بل لحماس. يا للعار.

حان الوقت لنفهم ما يحصل في الواقع، خارج نظريات “ما المشكلة”. حماس خدعت إسرائيل والوسطاء للمرة التي لا ندري كم. وسائل الإعلام الدولية تعربد مع عناوين عن إسرائيل المجوعة، وهذا يؤثر على زعماء بلا عمود فقري مثل ماكرون، كما أن الإسرائيليين أيضاً باتوا مستنزفين في حرب لا تنتهي. وبالتالي، لماذا لا تصلب حماس مواقفها؟

تخيلوا أننا كنا نخصص 1 في المئة من مقدراتنا لجمع المعلومات الاستخبارية وجمع الذخيرة الإعلامية لإثبات ادعاءاتنا. الفلسطينيون يخلقون باستمرار مادة؛ لأن وسائل الإعلام تبحث عن هذه المادة، ولأن الشبكات الاجتماعية عطشى للمادة. وأين مادتنا. يمكننا أن نصور، نحرر، نخلق إثباتات بأن حماس تنكل بالغزيين، ونخلق وننشر سردية، لكننا لم نفعل هذا. كم مرة يمكن أن نهدد بفتح بوابات الجحيم وألا نعمل في الساحات الضرورية. هذا ليس مجرد مفهوم، بل غباء استراتيجي. في النهاية، تدخل إسرائيل مساعدات ثم تتهم بالتجويع. مرة أخرى، أعلنا عن هدن إنسانية يومية تتلقاها حماس بلا مقابل. مع هذه الحكومة، تنجح حماس إلى ما يتجاوز الضربة العسكرية التي تلقتها، لأنها تشخص تهديدات كالرمل، إلى جانب انعدام فهم إسرائيلي للخطوات والتداعيات.

——————————————-

معاريف 28/7/2025 

العاب الجوع

بقلم: آنا برسكي 

مثل أسطوانة مشروخة، تجد إسرائيل نفسها مرة أخرى في مركز حملة وعي فتاكة ومرة أخرى في وضعية الخاسرة الدائمة. صور أطفال غزيين، مياه عكرة وفتات خبز تحتل عناوين الصحف في العالم، لكن من خلف الصور يوجد صراع آخر، اعمق، يجري ليس فقط على ارض غزة بل في قلب الاجماع الأخلاقي الإسرائيلي – صراع تلعب فيه حماس الشطرنج وإسرائيل ترد وكأنها تلعب الداما.  

النقاش المتعاظم عن التجويع في غزة يحظى بحضور بارز وسائد جدا في الساحة الدولية لكنه يبقي خارج الصورة نقطة المخرج – حماس لا تزال تحتجز 50 مخطوفا، اقتطفوا بوحشية من بيوتهم في 7 أكتوبر. وبدلا من أن يدور الحديث حول مطلب تحريرهم الفوري، يتركز على الوضع الإنساني في غزة – وضع تعمل حماس على إخراجه لأغراض الدعاية. 

هذا ليس قدرا. هذا ليس وضع “لا يوجد ما يمكن عمله، الأغلبية ضدها”. هذا قصور فكري واعلامي صارخ. حماس تستغل معاناة السكان التي خلقتها وتبقيها هي نفسها كي تحرف الاهتمام عن الجرائم التي تنفذها بمنهاجية. والنتيجة – إسرائيل تعرض كمسؤولة حصرية عن الضائقة. اما المخطوفون، السبب الحقيقي للحرب فيختفون عن الخطاب الجماهيري.

ظاهرا، كان يمكن لهذا ان يبدو بشكل مختلف. فقد حسمت إسرائيل المعركة ضد حماس كقوة عسكرية للمنظمة. الزعماء لذين قاموا بالمذبحة في أكتوبر صفوا. حماس في غزة لم تعد تحكم بحجوم وبقوى مثلما كانت تريد ومثلما تحاول أن تعرض. ماذا تفعل اسرائيل في هذا الوضع؟ هي لا تفعل. 

بدلا من بلورة سياسة واضحة لليوم التالي – بالاعمار، بالاعلام، بالسعي الى تسوية سياسية او بوقف النار – إسرائيل اختارت ان تغرق في نوع من الغيهب الاستراتيجي، الذي تجري فيه الخطوات بقوة القصور الذاتي والضغوط السياسية وليس انطلاقا من الرؤيا.  هذا ادعاء يبدو كنسخ مخيف للانباء من يوم أمس. هذا بالضبط ما كتبناه قبل سنة، قبل نصف سنة – واليوم أيضا. لم يتغير شيء. ولماذا يتغير، اذا كانت هذه هي السياسة التي تأتي من فوق. 

البيت الأبيض أيضا، وعلى رأسه الرئيس دونالد ترامب، ليس معفيا من المسؤولية، رغم أنه اعرب بضع مرات عن رغبته في انهاء الحرب في غزة اختار ترامب ان يصدق وعود نتنياهو بان “حماس بعد لحظة تنهار”. ان الفهم بان حماس مستعدة لان تدفع ثمنا دمويا هائلا كي تبقي على حكمها، ببساطة لم يتغلغل عميقا حتى الأيام الأخيرة، مع تفجر الاتصالات في قطر. 

لقد فهمت حماس منذ زمن بعيد نقطة ضعف الغرب – الاخلاق والرحمة. وهي تستغلهما ليس كي تحمي شعبها بل كي تمارس الضغط على إسرائيل. كل صورة رضيع يبكي او عجوز مجوعة هي صاروخ وعي يخترق الرأي العام العالمي. هذه استراتيجية معروفة، وهي تنجح. لا يهم كم مرة يعرض فيها الناطقون العسكريون شاحنات المساعدات التي تنتظر على الحدود – حين تكون الصورة هي صورة جوع، تكون القصة قد رويت. 

في عالم سليم، الطلب الاولي كان ينبغي أن يكون واضحا – تحرير المخطوفين، وفقط بعد ذلك مساعدات إنسانية كاملة وتحسين الوضع الإنساني في القطاع. عمليا، الترتيب معاكس. إسرائيل تعرض كمن ينبغي لها أن تشرح مجرد وجودها، وحماس – منظمة إرهاب تحتجز مدنيين كرهائن تصبح الضحية. النتيجة خطيرة ليس فقط على المستوى الإعلامي بل أيضا على المستوى العملي. حماس تحصل على مزيد من الوقت. على مزيد من ريح الاسناد. مزيد من الحوافز لمواصلة النهج إياه. والمخطوفون – يدحرون جانبا. فما الغرو انه رغم الجوع في غزة، رد حماس يبدو كصفعة اكثر مما هو رد من منظمة تشم الهزيمة. 

اذا كانت إسرائيل تريد ان تعيد نفسها الى المسار السياسي والإعلامي، فان عليها أن تتوقف عن الرد والبدء للمبادرة الى حملة إعلامية جدية، ومرغوب فيه أيضا منحى لصفقة بلا مراحل، يضع حدا للحرب التي تواصلت لزمن اكثر مما ينبغي. طالما كان هذا لا يحصل سنواصل دفع الثمن في صورتنا والغرق في مستنقع العزلة الدولية.

المستوى السياسي في إسرائيل لا يزيح عن موقفه. إحساس الحماية السياسية الذي يعتقد بان “ترامب معنا” هو وهم خطير. بالفعل، ترامب مع إسرائيل ومع نتنياهو، لكن الرئيس الأمريكي لا يعيش في جزيرة منعزلة. هو ورجاله أيضا يرون ويسمعون الجوع في غزة وتأثيره على الرأي العام بما في ذلك في داخل الولايات المتحدة.

توجد طرق عديدة للرد على حملة التجويع في غزة باستثناء الإعلان عن التأييد لدولة فلسطينية. بغياب استراتيجية دبلوماسية إعلامية واضحة، حادة وعملية – ذات يوم من شأننا ان نكتشف ان العالم انتقل من الاقوال الى الأفعال وعندها حقا سيكون فات الأوان. 

——————————————-

هآرتس 28/7/2025  

استراتيجية؟ نتنياهو يفضل القفز من هدف الى آخر.. هكذا قرأ في احد الكتب عندما كان ابن 17 سنة

بقلم: رفيف دروكر

بنيامين نتنياهو تعود على الاستهزاء بكلمة “استراتيجية”. حتى ان رئيس الحكومة يقوم بتقليد يانون ميغل ويقول باستهزاء “استراتيجية”. نتنياهو يحب التحدث عن كتاب اشتراه له والده عندما كان عمره 17 سنة، الذي كتبه بروفيسور من هارفارد، وحسب هذا الكتاب لا يجب تحديد اهداف. الكتاب اثر عليه بشكل عميق.

هذا ينطبق على كل حياته السياسية ويبرز بشكل خاص منذ 7 اكتوبر. يضعون اهداف للحرب، والمخطوفون خارجها، بعد ذلك اضيف هدف “خلق ظروف لاعادة المخطوفين”، قد مرت سنة واضيف هدف “تسوية الشمال”. بالنسبة لنتنياهو بماذا يهم المكتوب، “شعب كالاسد”، العملية التي يصفها بانها عملية مصغرة لغزو النورماندي، هي بشكل عام هدف ثانوي. وهكذا ايضا “عربات جدعون” الفاشلة. 

نتنياهو يقفز من هدف الى آخر، من فكرة الى اخرى. الجانب الثاني “كراهية الاستراتيجية” هو انفتاح فكري حقيقي. لا توجد طريقة صحيحة اكثر لبيع لنتنياهو فكرة من ان تشرح له بان الجميع على خطأ وانه يمكنه ان يسلك طريق لم يفكر فيها احد. هو يعشق الابداع والارتجال. هكذا اقنع الادارة الامريكية فكرة تبني ميناء عائم في غزة، الامر الذي جعل الادارة الامريكية تصب مئات ملايين الدولارات على فشل ذريع. بين حين وآخر فحص نتنياهو فكرة الحكم العسكري، وحتى انه طلب من الجيش فحصها. في احيان اخرى احب فكرة العشائر. هناك من يقولون بان جزء من تصميمه على عرض كبير بشكل خاص في اطار صفقة المخطوفين الحالية ينبع من الرغبة في دفع عشيرة أبو شباب الى المنطقة الموجودة تحت السيطرة الاسرائيلية، والا فان حماس ستذبحهم جميعا وستشير بذلك الى ما سيحدث لمن يتعاون مع اسرائيل. 

في احد النقاشات اقترح ادخال رجال هذه العشيرة الى اسرائيل (من اجل ماذا قمنا بتسليحهم من البداية؟). في لحظة معينة يكون ضد المساعدات الانسانية بشكل عام، ويقول لرجال الادارة الامريكية بانه لا يوجد أي اسرائيلي سيوافق على ذلك. وعلى الفور بعد ذلك يشرح بانه بدون المساعدات الانسانية لا يمكن الاستمرار في القتال. عندما يبدأ الضغط السياسي الداخلي هو يقوم بوقف المساعدات الانسانية ويشرح بان ذلك سيكسر حماس وسيؤدي الى صفقة تبادل مريحة. بعد بضعة اشهر يقوم بانزال المساعدات الانسانية في القطاع بواسطة المظلات ويفتح ممرات انسانية ويعلن عن هدنة لوقف النار في مناطق معينة. في لحظة واحدة يشكل جهاز مساعدة مستقل اسرائيلي – امريكي، يموله دافع الضرائب الاسرائيلي ويتدهور الى فشل ذريع، قتل جماعي، تجويع وسقوط سياسي، وعندها يستكمل الدائرة ويعود الى المساعدات الانسانية بواسطة منظمات الامم المتحدة، التي للتو شرح بان المساعدات بواسطتها هي بالفعل اعادة ترميم لحماس.

هكذا هو الامر عندما لا توجد استراتيجية. يؤمنون بان الواقع مرن ومتغير، وأنه لا حاجة الى التمسك بأي هدف أو مبدأ، بل يجب توجيه نفسك من يوم لآخر وان تستغل الفرص، وبالاساس تركيز اساس الطاقات في الاعلام والدعاية. ماذا يهم ما يحدث على الارض؟ ما يهم هو ما يقولونه في القناة 14. أن لا تفقد القاعدة.

ايضا في لبنان لم تكن هناك استراتيجية، ومع ذلك كان هناك نجاح كبير. فقد تدحرجوا من فرصة الى عملية، من تصفية الى نجاح، وهذا الامر كان مجديا. بالنسبة لنتنياهو هذا بالتاكيد اكد على النظرية التي توجد في الكتاب الذي قرأه عندما كان عمره 17 سنة. من المثير لماذا مهم بالنسبة له اعادة كتابة التاريخ الآن وطرح عرض يقول بان كل شيء كان جزء من خطة منظمة كما يبدو.

في الصيف الماضي عمل رون ديرمر عشرات الساعات كمبعوث لنتنياهو على خطة اخرى لقطاع غزة، بالتعاون مع دولة الامارات. خطة جدية حصلت على تاييد الادارة الامريكية وبعض الدول العربية. فقد تعهدوا بضخ الكثير من الاموال وحتى ارسال اشخاص، أي بناء قوة منافسة لحماس. هل ربما بعد ان يتم استنفاد كل الفرص الاخرى سيحاول نتنياهو ايضا فعل الامر الصحيح؟.

——————————————-

شاحر سيغال: “الإسرائيلي الكول” مجسدا

إيتان نيخين* – (هآرتس بالعربي) 2025/7/20

مع تزايد إدراك الإسرائيليين لحجم الفظائع المرتكبة في غزة ودور “مؤسسة غزة الإنسانية” فيها، يواجه مالك المطاعم الشهير شاحَر سيغال انتقادات لاذعة في الأوساط الثقافية المعارضة للحرب في تل أبيب، وتعرّض لتوبيخ علني من قِبل شركائه في الحانة الرئيسية التي يملكها.

روابط إعلانية بواسطة Project Agora

ما هي قيمة منزلك؟ اكتشف الآن

قيمة العقار | إعلانات البحث

تكلفة زراعة الأسنان لكبار السن ممكن تبهرك

زراعة الأسنان | إعلانات البحث

*   *   *

في السادس من تموز (يوليو)، أعلن شاحَر سيغال؛ رجل الأعمال ومالك سلسلة مطاعم شهيرة، بهدوء، استقالته من منصبه كمتحدث باسم “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF)، عبر منشور مقتضب نشره على تطبيق “إنستغرام”، جاء فيه: “لطالما كان عملي متجذرًا في الرغبة في دعم المتضررين من الحرب المستمرة. هذا الدور التطوعي كان مؤقتًا منذ بدايته، وقد انتهى الآن”.

لكن لغة الاعتزال المتأنقة اصطدمت سريعًا بالواقع؛ لم تنجح في تبديد الغضب الشعبي المتصاعد ضد دوره في مشروع يزداد ارتباطه بمشاهد الموت والإبادة في قطاع غزة.

قبل ساعات من إعلان الاستقالة، كان أحد فروع سلسلة مطاعمه الشهيرة “ميزنون” في مدينة ملبورن الأسترالية، هدفًا لاحتجاج غاضب. وقد اقتحم محتجون غاضبون المطعم، وحطموا واجهاته وألقوا الطعام والكراسي على الأرض، احتجاجًا على علاقة سيغال بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، وهو ما أشعل لاحقًا دعوات إلى مقاطعة مطاعمه الأخرى التي يديرها أيضًا مع الشيف إيال شاني.

بينما أصبحت “مؤسسة غزة الإنسانية” مرادفًا للسمعة السيئة، بدأ شركاء سيغال التجاريون في إسرائيل يتلمّسون أصداء الفضيحة. في بار “تِيدر” الثقافي الشهير في تل أبيب، حيث يملك سيغال حصة، نُشر بيان على “إنستغرام” عبر عن “الدهشة” من انكشاف صلته بمنظمة وصفها القائمون على المكان بأنها “مشبوهة” -وهو وصف لا يفي بحقيقة دورها السيئ. وأوضح البيان أن “تيدر” لا تربطه علاقة مباشرة بـ”المؤسسة”، بل يعارض وجودها.

لكن البيان لم يتضمن قطعًا مباشرًا للعلاقات مع سيغال -ربما لأسباب تجارية معقدة. ومع ذلك، لم تتردد منظمة “ثقافة التضامن”، التي اتخذت من بار “تِيدر” مقرًا لنشاطها لسنوات، في الإعلان عن انسحابها الكامل من المكان بعد دقائق فقط من نشر البيان، مؤكدة أن الصورة العامة لسيغال لا يمكن فصلها عن تورطه في “مؤسسة غزة الإنسانية”.

لم تعد الضغوط محصورة في ملبورن أو بين النشطاء؛ وحملة المقاطعة آخذة في التوسع. كما أن المشهد الثقافي في تل أبيب بدأ يشهد انقسامات علنية بشأنه. ولكن ثمة سؤال أكبر يكمن خلف ذلك كله: ما الذي دفع سيغال إلى الارتباط بمؤسسة مثيرة للجدل مثل “مؤسسة غزة الإنسانية”؟

اليوم، أصبح يُنظر إلى “المؤسسة”، التي روجت لنفسها كمبادرة إنسانية بدعم أميركي-إسرائيلي، باعتبارها أداة للتحكم والإبادة وليس للإغاثة. منذ بداية عملها، قامت باختزال شبكة تتكون من أكثر من 400 نقطة توزيع تابعة للأمم المتحدة إلى أربعة مراكز توزيع محصنة وذات طابع عسكري، والتي سرعان ما تحولت لاحقًا إلى “حقول قتل”، بحسب تقارير ميدانية. وكشف تحقيق أجرته صحيفة “هآرتس” أن جنودًا إسرائيليين تلقوا أوامر بإطلاق النار على مدنيين عزل بالقرب من تلك المواقع، من دون أن يُشكلوا تهديدًا فعليًا.

كانت العلامات التحذيرية قد ظهرت مبكرًا: استقال المدير التنفيذي للمؤسسة قبيل انطلاق نشاطها، وشارك مستشارون أميركيون في وضع مخططات ترانسفيرية، في حين تسابق المستثمرون إلى اقتناص فرص الربح من عمليات النقل والإمداد. وهكذا، لم تعد “مؤسسة غزة الإنسانية” تبدو كجهة إغاثة، بل كذراع لتنفيذ سياسات التجويع والتهجير والمحو المنهجي في غزة.

على مدار العقد الماضي، أسهم سيغال وشريكه، إيال شاني، في تشكيل الصورة العالمية لـ”الإسرائيلي الكول”، من خلال تسويق جمالية “الأكل الشرق أوسطي الموثوق” في شكل أكثر الأطعمة بساطة، وعلى رأسها خبز البيتا المتواضع الذي أعيد تخيله ليكون بمثابة إعلان ثقافي. وكانت أطباقه تروي سردية الانتماء للأرض، وطقوس الأكل باليدين، وصخب الموسيقا والمزاج العام، في شكل مقتبس من مطابخ الطبقة العاملة البرجوازية، موجه خصيصًا لاقتصاد تل أبيب القائم على التقنية العالية و”إنستغرام”.

كما أعاد سيغال إحياء شركة “أتا” الإسرائيلية للملابس العملية من إنتاج “أزرق-أبيض”، محولًا إياها إلى علامة تجارية باهظة تروج للحنين نفسه البسيط والخشونة المصطنعة “التسابارية” التي ميزت مطاعمه. لكن ما كُشف مؤخرًا عن صلاته بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” يكشف إلى أي حد كانت تلك “الأصالة” مزيفة ومصمَّمة بعناية لتبدو كذلك.

اليوم، لا تُقرأ استقالة سيغال كفعل نابع من صحوة الضمير، بل كمناورة علاقات عامة لإخماد الحريق وصرف الأنظار عن حقيقة مشاريعه. لكنه فشل في قراءة اللحظة: توقيتًا ونبرة. وبينما يبدأ المزيد من الإسرائيليين في استيعاب حجم الفظائع في غزة، تتضاءل الشهية لنسخة سيغال من “الأصالة المعلبة” -حتى في حتى داخل إسرائيل نفسها.

وقد يكتشف كثيرون قريبًا أن سيغال ليس انحرافًا عن صورة إسرائيل المعاصرة، وإنما انعكاسها الأكثر صدقًا.

*إيتان نيخين Etan Nechin: صحفي وكاتب مقالات بارز في النسخة الإنجليزية من صحيفة “هآرتس”، معروف بتناوله قضايا مهمة تتعلق بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي وتحليله السياسي والثقافي بأسلوب نقدي معمّق. تظهر مقالاته باستمرار في منافذ إعلامية دولية، مثل “نيويورك تايمز” و”الإندبندنت” و”مجلة تايم”؛ حيث يسهم بتقديم رؤية متوازنة حول التوترات الإسرائيلية الفلسطينية، ويتابع أهم تطورات المنطقة في ظل النزاعات والصراعات الراهنة.

Share This Article