العثور على جثث 12 سوريا وجزائريين اثنين تاهوا في الصحراء الجزائرية

في فاجعة أليمة، عُثر على 12 مواطنا سوريا واثنين من مرافقيهم الجزائريين، موتى بعد تيهانهم، فيما يبدو في الصحراء بولاية إليزي الحدودية مع ليبيا جنوب شرقي البلاد. وكان الضحايا على الأرجح، في طريقهم للعبور إلى الشمال من أجل اللجوء إلى أوروبا، وهو المسلك الوعر الذي يتخذه العديد من المهاجرين في السنوات الأخيرة.

وذكرت “جمعية غوث للبحث والإنقاذ” الجزائرية المتخصصة في عمليات إنقاذ التائهين في الصحراء، أن الضحايا من الأشقاء السوريين تم انتشالهم من منطقة تسمى “بلڨبور” وهي منطقة قاحلة في قلب الصحراء، حيث يرجح أن يكون الضحايا قد ضاعوا في الصحراء وقضوا عطشا.

ونقل الضحايا وفق نفس المصدر إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى برج عمر إدريس ولاية ايليزي. ولاحقا نشرت أسماء المتوفين وهم العليوي ابراهيم، محيمد منذر، محيمد موفق، فتاح عماد، حاج ابراهيم خليل، شريف عيسى، ريان عيسى، العساف فراس، الحسين الدار، الاحمد بشار، قاسم محي الدين، العويد احمد.

وأظهرت بعض الصور وجود أطفال من بين الضحايا، وجوازات سفر تؤكد هوية الضحايا. كما أصدرت السفارة السورية بالجزائر، وفق وثيقة منشورة، تكليفا لأحد المواطنين السوريين “للقيام بكافة الإجراءات المتعلقة بدفن وترحيل جثامين المواطنين السوريين والذين قضوا في الصحراء الجزائرية والبالغ عددهم اثنا عشر مواطنا سوريا”.

ولم تظهر لحد الآن معلومات عن طريقة دخول المهاجرين السوريين للصحراء الجزائرية. لكن وفق تجارب سابقة شبيهة، وإلى جانب ليبيا، باتت دول الساحل مثل مالي وخاصة النيجر اللتان تحدان الجزائر أسهل طريق بالنسبة للسوريين، لدخول الجزائر من الجهة الجنوبية، ومن ثم العبور إما نحو شمال الجزائر او الانعطاف نحو ليبيا التي يزدهر فيها نشاط التهريب عبر البحر باتجاه الشواطئ الإيطالية.

وفي بداية سنة 2019، أثيرت قضية شبيهة لسوريين حاولوا دخول الجزائر عبر الحدود الجنوبية لكن السلطات الجزائرية ألقت عليهم القبض وصدر قرار بترحيلهم إلى النيجر من حيث أتوا. وتحدثت مصادر جزائرية في ذلك أنها اشتبهت في كون هؤلاء ينتمون إلى فصائل مسلحة، وهي قضية أثارت ردود فعل منظمات حقوقية دعت لعدم ترحيلهم.

وتعد الصحراء الكبرى بحكم شساعتها واحدة من أخطر المسالك على الإطلاق، وهو ما يظهر في عدد حالات الموت عطشا بالنسبة للمهاجرين الذين غالبا ما تتركهم جماعات تهريب البشر يواجهون مصيرهم. وكانت جمعية غوث للبحث والإنقاذ قد كشفت عن العثور عن عدة ضحايا من جنسيات إفريقية كانوا يحاولون العبور في الفترة الأخيرة. وطالبت الجمعية بتعزيز وسائل البحث والإغاثة وتخصيص طائرات هيليكوبتر لنجدة التائهين.

وباتت تدفقات المهاجرين غير النظاميين من النيجر نحو الجزائر مصدر توتر بين البلدين. وفي نيسان/أبريل الماضي، أثارت عمليات ترحيل لمهاجرين من النيجر حفيظة السلطات العسكرية في نيامي التي استدعت السفير الجزائري وأبلغته أن هذه العمليات تمت في ظروف عدم احترام للقواعد وبما يمسّ بكرامة وسلامة الرعايا النيجريين وممتلكاتهم”. وتم تحميل السفير الجزائري رسالة إلى سلطات بلاده، تحتج على طريقة تعامل مصالح الأمن الجزائرية مع المهاجرين، وتؤكد بأن تنفيذ عمليات ترحيل الرعايا والمهاجرين غير النظاميين المقررة من قبل السلطات الجزائرية، وضرورة أن يتم ذلك في كنف الاحترام، والأخذ بعين الاعتبار العلاقات الودية بين الشعبين.

لكن الرد الجزائري لم يتأخر، فقد استدعت البلاد بالمثل سفير النيجر لديها، أمينو أمينو مالام مانزو، وذكّرته بـ”وجود إطار ثنائي مخصص لهذه المسألة يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين. كما لفت انتباهه إلى أن هذا الإطار يجب أن يبقى الفضاء المفضل لمناقشة ومعالجة كافة المعطيات وكل التطورات المرتبطة بهذه القضية.”

وأبدت الجزائر تمسكها الراسخ بالقواعد الأساسية لحسن الجوار، وإرادتها في مواصلة التنسيق مع النيجر بشأن هذه القضية المتعلقة بتدفقات الهجرة، وكذا بخصوص أي مسألة أخرى، في إطار الاحترام المتبادل وعلى أساس قيم التعاون والثقة والتضامن، حسب وزارة الخارجية.

ووفق المسؤول السابق في وزارة الداخلية الجزائرية والخبير في حركات الهجرة، حسان قاسيمي فإنّ “السلطات المنبثقة عن الانقلاب العسكري في النيجر أقدمت في الفترة الأخيرة على تعليق العمل بأحكام القانون المصادق عليه من قبل الحكومة الشرعية في نيامي سنة 2015، والقاضي بملاحقة وتجريم شبكات الاتجار وتهريب المهاجرين”، وهو ما يشجّع حسبه على “تنامي نشاط هذه الشبكات الإجرامية عبر الحدود الجزائرية، ويفتح الطريق أمام موجات جديدة لتدفق المهاجرين الأفارقة بالآلاف إلى منطقة شمال أفريقيا وتحديدًا الجزائر”.

وأشار في حديثه مع الإذاعة الجزائرية إلى أن “الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية المتابعة لنشاط هذه الشبكات الإجرامية المختصة في تهريب المهاجرين بالقارة الإفريقية، تفيد بأنّ عائدات عمليات التهريب تفوق المليار دولار سنويًا، وهو ما يجعلها تفوق أحياناً الأرباح الناجمة عن تجارة وتهريب المخدرات”. ومن المحتمل حسب الخبير أن تكون هذه “الشبكات الإجرامية مرتبطة بدوائر قوية وذات نفوذ ضمن السلطات المنبثقة عن الانقلاب العسكري في النيجر، وهو ما يفسّر قرار تعليق العمل بقانون مكافحة العصابات الإجرامية الناشطة في مجال تهريب المهاجرين.”

وباتت قضايا تهريب المهاجرين ومشاكل الأمن والجريمة المنظمة المستفحلة في منطقة الساحل، أبرز التحديات الأمنية التي تواجه الجزائر. وزاد الوضع استفحالا مع الانقلابات التي حدثت في منطقة الساحل خاصة في مالي والنيجر، والتي جاءت بأنظمة تتعامل بشكل غير ودي مع الجزائر في الفترة الأخيرة.