الصحافة العبرية… الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

هآرتس 21/7/2024

اليسار بلومه لليمين: لو كنا في الحكم لاستمر الاحتلال دون قرار “لاهاي اللاسامية”

بقلم: جدعون ليفي

قرار محكمة العدل الدولية بخصوص جرائم الاحتلال، أثار عدداً كبيراً من ردود الفعل المتوقعة والتي تثير السخرية في إسرائيل. لا جدوى من التطرق إلى ردود اليمين؛ فهو أصلاً لا يعترف بقانون دولي يسري على دولة الشعب المختار الذي يقف فوق القوانين كلها. أما ردود اليسار الصهيوني والوسط، على رأسها رد غانتس ورد لبيد، فكانت أيضاً متشابهة إلى درجة الألم، وتثبت للمرة المليون بأنه لا فرق بين اليسار واليمين باستثناء كلام معسول وقناع. كان يجب أن تقدم تلك الفتوى محكمة العدل العليا الإسرائيلية منذ زمن، لو كانت وبحق محكمة عدل، لكنها بسبب الجبن خانت وظيفتها خلال طوال هذه السنوات.

لكن رد المعارضة المحاربة من خارج البرلمان تفوق على جميع الردود، الأبهى في تاريخ إسرائيل: حركة الاحتجاج، و”أخوة السلاح”، والكابلانيون، والمحتجون في الشوارع الذين حاربوا الانقلاب النظامي وسياسة نتنياهو، والآن يحاربون من أجل تحرير المخطوفين وضد نتنياهو. لهذا الاحتجاج وجه، وهو وجه عاد مؤخراً بعد غياب. هذا ما كتبته شكما برسلر، في شبكة “اكس”: “في اختبار النتيجة، لم يكن هناك شيء في استيطان “يهودا والسامرة” أكثر من الوطنيين العنصريين. القرار الصادر عن “لاهاي” لم يأت من فراغ”. هي أصابت الهدف. يوجد معسكر متنور وعادل في إسرائيل، وبرسلر صوته.

كم من السهل على اليسار الصهيوني والوسط إلقاء كل شيء على “العنصريين المتطرفين قومياً. نحن لم نشارك في ذلك، بل هم. فقط هم. “شبيبة التلال” المتوحشون، الذين لا يأكلون بالشوكة والسكين، وليسوا جميلين مثلنا، أو على حق مثلنا. السموتريتشيون والبن غفيريون هم المذنبون في كل ذلك. لم يكن هذا ليحدث عندنا. لو كنا في الحكم لما كان هناك احتلال أو مستوطنات أو أبرتهايد، وبالطبع ولا حكم كهذا من لاهاي”، هذا ما قالته زعيمة الاحتجاج في إسرائيل، هذا هو بديل صهيون. هي بالطبع لا تندم على وجود “الاستيطان”، ومثلما تدعو للجريمة، تعرف من هو المتهم بالمس بها وتتأسف على ذلك جداً.

لم تهبط “لاهاي” في فراغ، هي تعرف. لولا أعمال الشغب في حوارة ومذابح “أفيتار” وسياسة الترانسفير الممنهج في مسافر يطا والتطهير العرقي الجاري في غور الأردن، لكان وضع “الاستيطان” أفضل، ومثله وضع الدولة أيضاً. هؤلاء هم المستوطنون العنيفون، يا غبي. هذا أمر يبعث على اليأس. برسلر المتنورة والمحقة، تعبر بصورة مدهشة عن موقف معسكرها. لو تصرف المستوطنون بصورة جميلة مثل اليسار الصهيوني، يحتلون البرك، ويجردون الناس من ملكيتهم بلطف، وينكلون بلطف، ويطلقون النار ويبكون، لما كانت الدولة تضيع منا بهذه السهولة، ولتمكنا من مواصلة أمسيات الغناء بجمهورنا الجميل وبدون إزعاج.

برسلر، برسلر. اليسار الصهيوني صادق على مشروع الاستيطان وموله وسلحه وشجعه قبل فترة طويلة من اليمين، وأعمال الشغب والمذابح ترافق الجيش الإسرائيلي. هذا الجيش الذي يسجد له الجميع هناك في الاحتجاج. القوميون المتطرفون والعنصريون هم أيضاً أنتم، اليسار الصهيوني والوسط، الذين سمحتم لهذا التضخم الوحشي أن ينمو. العنصريون والمتطرفون القوميون هم جميع الإسرائيليين الذين لم يعارضوا المستوطنات في يوم ما. الأحزاب الصهيونية كلها صوتت بالإجماع في الكنيست ضد إقامة الدولة الفلسطينية.

ماذا بشأن العنف؟ الجيش الإسرائيلي هو المذنب في ذلك. لو لم يكن الجيش معنياً بالمذابح لما جرت مذابح. هل شاهدت ذات مرة مذبحة كهذه، تحدث كل يوم تقريباً؟ يقف وراء كل مذبحة فصيل جنود لا يحرك ساكناً، بل ويشارك فيها أحياناً. من حائط المبكى وحتى مستوطنة النار المقدسة، كلها مناطق محتلة يحظر القانون الدولي الاستيطان فيها. محكمة العدل الدولية في لاهاي، المؤسسة ذات الصلاحية الأكبر في العالم، حتى أكثر من مجلس “يشع”، حكمت بذلك مرة أخرى أول أمس. كان يجب على برسلر وأصدقائها أن يفرحوا بذلك، وأن يناضلوا ضد الجريمة. لقد أضحكتم الاحتلال، حتى بالنسبة له، لاهاي لاسامية.

———————————————

هآرتس 21/7/2024

بعد “الحديدة”.. هل بدأت حرب إقليمية تطل برأسها من خلف “تبادل اللكمات”؟

بقلم: عاموس هرئيل

بعد مرور تسعة أشهر ونصف، انتقلت الحرب في نهاية الأسبوع إلى مرحلة جديدة، يبدو أنها أخطر. المسيرة التي أطلقها الحوثيون من اليمن الجمعة، أصابت تل أبيب وقتلت إسرائيلياً. بعد يوم، هاجمت 20 طائرة لسلاح الجو مدينة الميناء اليمنية الحديدة وتسببت بأضرار كبيرة في مخازن السلاح، ومحطة توليد الطاقة ومنشآت لتكرير النفط. هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل اليمن بعد أن تركت للولايات المتحدة والتحالف الدولي الرد على هجمات الحوثيين السابقة.

نجاح الهجوم على بعد 1700 كم تقريباً عن إسرائيل، يرسل رسالة إلى المنطقة، لا سيما لإيران. في الوقت نفسه، قد يؤدي الآن إلى محاولة رد حوثي ضد أهداف إسرائيلية. بشكل معين، يبدو أن تبادل اللكمات يخفي خطر اندلاع حرب متعددة الساحات وبقوة أكبر.

إن إطلاق المسيرة من اليمن كان مفاجئاً. لم يكن أي إنذار استخباري مسبق، ويبدو أن استعداد الدفاعات كان محدوداتً. حدث هنا خطأ بشري شديد في منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية. فرغم مشاهدة المسيرة وهي تتحرك نحو الشرق خلال بضع دقائق فوق البحر المتوسط باتجاه تل أبيب، فإنه لم يتم تشخيصها كهدف يقتضي اعتراضه. وقع الانفجار قرب مبنى السفارة الأمريكية، وقد قتل مواطناً، يفغيني فيردر (50 سنة)، وصيب ثمانية مواطنين. في ظل غياب تشخيص الهدف كهدف معاد، لم يتم تشغيل صفارات الإنذار أيضاً.

ما زال سلاح الجو يجري تحقيقاً في ظروف هذا الخلل. الحوثيون الذين تحملوا مسؤولية الهجوم استخدموا مسيرة تحمل مواد متفجرة مقلصة تسمح بوصولها إلى أبعد مدى. مسار الاختراق غريب نسبياً، ويبدو أن المسيرة اجتازت الأجواء المصرية. في الظهيرة، عقد رئيس الحكومة ووزير الدفاع عدة مشاورات أمنية، صادق في نهايتها الكابنت السياسي – الأمني في جلسة استثنائية شارك فيها وزراء متدينون، على العملية.

تم تنسيق العملية الإسرائيلية مسبقاً مع الإدارة الأمريكية. وقد سبقت الهجوم الكثيف استعدادات في سلاح الجو، الذي استعد لاحتمالية اضطرار مهاجمة اليمين منذ بدأ الحوثيون بإطلاق المسيرات والصواريخ البالستية على إسرائيل في بداية الحرب. حتى الآن، تم إطلاق 220 هدفاً، كثير منها اعترضته القوات الأمريكية في البحر الأحمر، واعترض بعضها طائرات حربية ومنظومات دفاع جوي إسرائيلية في منطقة خليج إيلات. وبينت البيانات الإسرائيلية أن قصف الحديدة جاء رداً على كل الهجمات، أي لم يقتصر الأمر على إطلاق مسيرة نحو تل أبيب.

شارك في الهجوم الإسرائيلي أكثر من 20 طائرة قتالية من نوع “اف 35″ و”اف15” وطائرات تجسس وطائرات للتزويد بالوقود. الأمريكيون وأعضاء التحالف هاجموا اليمن حتى الآن عشرات المرات رداً على هجمات الحوثيين على إسرائيل وعلى الملاحة البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. مع ذلك، امتنعوا عن مهاجمة ميناء الحديدة لأنه تمر فيه معظم المساعدات الإنسانية لهذه الدولة الفقيرة التي تضررت بشكل كبير في الحرب الأهلية. مع ذلك، قررت إسرائيل ضرب الميناء بذريعة أن معظم إرساليات السلاح الإيرانية تمر من خلاله. إضافة إلى ذلك، اعتبرت منشآت النفط أهدافاً للحوثيين، التي توفر جزءاً كبيراً من مدخولات النظام.

تتوقع إسرائيل أن يرد الحوثيون على هجوم الحديدة، في محاولة لإطلاق الصواريخ والمسيرات نحو جنوب البلاد وربما مرة أخرى نحو منطقة “غوش دان”. وهذا التهديد يحتاج إلى مزيد من التغيير وتحسين منظومات اعتراض المسيرات. ويبدو هذا نقطة ضعف لسلاح الجو في الحرب، وربما تتعلق الفجوة بشكل خاص بإطلاق المسيرات ذات المدى القصير والمتوسط من حدود لبنان نحو منطقة الجليل. يدرك جهاز الأمن أن احتمالية ردع الحوثيين عن القيام بهجمات أخرى ليست عالية.

في السنوات الأخيرة، أدار الحوثيون حرباً أهلية ضد حكومة اليمن وهاجموا بين حين وآخر أهدافاً في السعودية والإمارات على خلفية دعمها للحكومة. عملت هاتان الدولتان على التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد هجمات الحوثيين المنهجية بمساعدة إيران على منشآت النفط فيهما. وثمة سؤال يطرح أيضاً: كيف سيؤثر إطلاق المسيرة من اليمن على تل أبيب على حزب الله، الذي امتنع حتى الآن عن الإطلاق على مركز البلاد، لأنه يعتبر ذلك خطاً أحمر يؤدي بإسرائيل إلى مهاجمة بيروت. تجرأ الحوثيون في المكان الذي كان فيه رئيس حزب الله، حسن نصر الله، حذراً حتى الآن.

الجبهة الأمريكية

الهجوم الإسرائيلي الاستثنائي في اليمن يحدث على خلفية سلسلة أحداث دراماتيكية في الشرق الأوسط. يسافر رئيس الحكومة، نتنياهو، إلى الولايات المتحدة لإلقاء خطاب في الكونغرس والالتقاء مع الرئيس الأمريكي، في حالة أن تعافيه من كورونا. نتنياهو يخطط للالتقاء مع المرشح الجمهوري للرئاسة، ترامب. ستجري زيارة نتنياهو في الوقت الذي يتوجه فيه اهتمام الرئيس وحاشيته إلى مكان آخر: جو بايدن يتعرض لضغط متزايد من أعضاء حزبه كي ينسحب من سباق الرئاسة، إزاء تدهور وضعه الصحي والذهني.

مصادر أمنية إسرائيلية قالت إن الظروف نضجت من أجل التوصل إلى الصفقة بين إسرائيل وحماس، ستشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. ولكن من غير الواضح إلى أي درجة ستستمر أمريكا في التركيز على استخدام الضغط على نتنياهو لعقد الصفقة على خلفية الأزمة في أوساط الديمقراطيين من جهة، والتصعيد الجديد في الشرق الأوسط من جهة أخرى.

أكد متحدثون إسرائيليون على دور إيران في تمويل وتسليح الحوثيين. تبادل اللكمات بين إسرائيل والحوثيين يجري حيث يزداد في الخلفية قلق في الغرب وفي إسرائيل من معلومات استخبارية حول تقدم المشروع النووي الإيراني. وقال وزير الخارجية الأمريكي إن فترة إيران التي تحتاجها لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب بمستوى يمكن استخدامه لإنتاج قنبلة نووية واحدة، هي الآن كما يبدو “أسبوع أو أسبوعان”. هذا هو التقدير الأكثر إقلاقاً، الذي قالته أمريكا حتى الآن، رغم أن إيران تحتاج إلى برنامج لسلاحها (لملاءمة القنبلة مع رأس نووي متفجر على صاروخ بالستي) من أجل الوصول إلى السلاح النووي.

العناوين المتعلقة باليمن أبعدت تطوراً دراماتيكياً آخر عن الاهتمام الجماهيري، وهو الفتوى التي نشرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي نصت على أن المستوطنات في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي، وأن على إسرائيل إنهاء نظام الاحتلال. في غضون ذلك، نشر موقع “أكسيوس” بأن الإدارة الأمريكية تفحص فرض عقوبات شخصية ضد الوزيرين سموتريتش وبن غفير. لدينا هنا أحد الأحداث المتطرفة الأخرى التي تميز الحرب الحالية: اثنان من أعضاء الطاقم الذي تم تفويضه بالمصادقة على الهجوم في اليمن، وربما في المستقبل على عمليات أكثر دراماتيكية، هما على مرمى هدف الإدارة الأمريكية بسبب إسهامهما في ضعضعة الوضع الأمني في الضفة الغربية.

——————————————–

إسرائيل اليوم 21/7/2024

التفكير من خارج الصندوق: بقاء الأسد وحماس في الحكم كمصلحة إسرائيلية

بقلم: ايال زيسر

الظلام الذي يحيطنا منذ 7 أكتوبر هو نتيجة حاصلة ومفهومة للكارثة التي وقعت علينا، كارثة تكمن في القصور والفشل وليس في الخلل. لكن حان الوقت لتبديد هذا الظلام والخروج إلى طريق جديد – قديم سرنا فيه، وبالأساس العودة للتفكير الكبير في طريقة المواجهة للتحديات التي تقف أمامها إسرائيل اليوم.

عشية 7 أكتوبر، كانت إسرائيل ترى نفسها قوة عظمى إقليمية قوية وواثقة وذات الجيش الأقوى في منطقتنا، واستخبارات هي من بين الأقوى في العالم. غير أننا من ذاك المستوى العالي سقطنا إلى الدرك الأسفل. لكن مع مرور الصدمة الأولى، يتبين بأنه رغم أن الكثير من الإسرائيليين يستصعبون الاعتراف بذلك، وبأن إسرائيل لا تزال قوية وذات عظمة وقدرات، ينبغي الافتراض بأنه لو لم تكن تفرض قيود علينا (فرضنا بعضها عن حق على أنفسنا وبعضها فرضه العالم علينا) لكان الحسم في غزة وحيال حزب الله في لبنان سريعاً وساحقاً. هذا ما يعرفه أصدقاؤنا، ولدينا الكثيرون كهؤلاء، وأعداؤنا أيضاً.

لكن التحدي الذي تقف أمامه إسرائيل اليوم ليس فقط تبديد السحابة التي هبطت، علينا ولا حتى التحقيق واستخلاص الاستنتاجات من الفشل ومحاسبة المسؤولين عن القصور، بدءاً برئيس الوزراء وانتهاء بحارس الكتيبة، لكن التحدي هو التحرر من الشلل والجمود الفكري اللذين نعيشهما منذ سنين.

فمع كل الاحترام لتصفية محمد ضيف، مثلما هي أيضاً تصفية قاسم سليماني أو رئيس أركان حزب الله عماد مغنية، فإن لكل إرهابي بديل، وليست التصفيات أو الهجمات الموضعية الخفية في سوريا والعراق وإيران هي التي سترجح الكفة في صراع الأجيال الذي نعيشه.

في حرب الاستقلال، بينما كان قادة الجيش مشبوهين بحماية وتنظيم القوافل للمستوطنات المعزولة، كان لنا رئيس وزراء هو أفضل ما عرفته الدولة، لقد فكر بشكل كبير ولمسافة بعيدة، وبدلاً من الغرق في معارك دفاع عديمة الجدوى، وضع أساساً للخطة “د” بأخذ المبادرة والانتقال من الدفاع اليائس إلى الهجوم واحتلال أراضي العدو، وهكذا حقق النصر في الحرب.

أما في الخمسينيات، بينما كان الجيش الإسرائيلي منشغلاً بالأمن الجاري، وبالرد التكتيكي على هجمات إرهاب الفدائيين من غزة أو من أراضي الأردن، فقد فكر بن غوريون بتعابير عصف المنظومات الإقليمي، وإلى جانب موشيه دايان، رئيس الأركان الذي حول الجيش الإسرائيلي إلى جيش مبادر وقتالي، فكرا معاً بحملة السويس التي قلبت الجرة رأساً على عقب، وأزالت التهديد الذي شكله الرئيس المصري جمال عبد الناصر على إسرائيل، وبهذا ضمنت الهدوء على الحدود سنوات طويلة.

وأخيراً، يمكن انتقاد مناحم بيغن وأرئيل شارون بالخروج إلى حرب لبنان الأولى، في هدف طموح للتغيير من الأساس الواقع الإقليمي الذي كنا نعيشه في حينه؛ إذ تبين في نظرة إلى الوراء أن الجمهور الإسرائيلي لم يكن مستعداً لدفع ثمن الجهد لتغيير الواقع في منطقتنا، الثمن الذي من قد يدفعه بفائدة مضاعفة بعد سنوات من ذلك. لكن لا يمكن التأثر لمحاولة التفكير بعمق وبشكل كبير في مشاكل أمن إسرائيل وإيجاد جواب استراتيجي شامل له.

اليوم أيضاً، رغم الضربة التي تعرضنا لها، فإننا نملك القدرة على المبادرة إلى خطوات استراتيجية، وكل ما نحتاجه هو جرأة ورؤية تركز على الغابة وليس على الأشجار. هكذا مثلاً نسأل: هل يعد استمرار حكم بشار الأسد مصلحة لإسرائيل أم ينبغي العمل، إذا لم نفوت الفرصة، على إسقاطه وبذلك إيقاع ضربة على إيران وعلى حزب الله؛ هل استمرار حكم حماس في القطاع مصلحة إسرائيلية أم علينا احتلال القطاع وحكمه – خطوة ستكون كلفتها أدنى بكثير من استمرار حرب الاستنزاف التي نحن فيها أو من هجوم 7 أكتوبر إضافي.

ينبغي إذن العودة للتفكير مثلما كنا ذات مرة، بشكل كبير، وألا نخاف من المبادرة إلى خطوات استراتيجية تحسن مكانتنا وأمننا، لا أن تكتفي ببقاء سياسي أو خدمة مصالح شخصية، مثلما يحصل اليوم.

——————————————–

هآرتس 21/7/2024

كيف تواجه إسرائيل قرار “العدل الدولية” إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية؟

بقلم: أسرة التحرير

الفتوى التي نشرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي أول أمس القاضية بتعارض وجود المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مع القانون الدولي، وأن على إسرائيل إنهاء نظام الاحتلال الذي تديره في الضفة وفي شرقي القدس في أقرب وقت ممكن، هي فتوى لا تكشف للإسرائيليين شيء يجهلونه.

هذه الفتوى تفجر الكذبة القائلة إن نظام الاحتلال مؤقت، ولا يستهدف إلا احتياطات الأمن. هذه هي الكذبة ذاتها التي رواها الإسرائيليون لأنفسهم طوال عشرات سنوات الاحتلال في الوقت الذي ابتلعوا فيه المزيد من الأراضي الفلسطينية، وسلبوا الفلسطينيين أراضيهم، وبنوا عليها مستوطنات، وكله برعاية الحكومات على أجيالها، من خلال المستوطنين وبإسناد الجيش الإسرائيلي وجهاز القضاء. هذه الفتوى تفجر بالون الكذب هذا وترى في الأفعال المختلفة لحكومة إسرائيل خطوات لضم الأرض.

بعد 57 سنة، ليس هناك أي ذرة أمل بأن فتوى كهذه ستكفي لصحوة إسرائيل دفعة واحدة، فتخلي مستوطنات وتنهي الاحتلال؛ هذه أضغاث أحلام. ونتعرف على هذا من ردود فعل مقلقة في إسرائيل على الفتوى التي كلها – بدءاً من تعقيبات اليمين المتطرف، مروراً بتعقيبات رئيس الوزراء والوزراء، وانتهاء بتعقيبات المعارضة من غانتس ولبيد – يمكن أن نقيمها على طيف الصهيونية الدينية. إذاً، ما الفرق بين “السيادة الآن” التي يدعو بها اليمين المتطرف، وهذر نتنياهو بأنه “لا يمكن التشكيك بقانونية الاستيطان الإسرائيلي في أراضي وطننا كله”، وترهات غانتس عن “تحويل نزاع حزبي – سياسي إلى مسألة قانونية”، والمزايدة الأخلاقية الباطلة من جانب لبيد الذي قضى بأن الفتوى “منقطعة عن الواقع، وأحادية الجانب ومصابة باللاسامية وبسوء فهم الواقع على الأرض”؟

لكن يمكن استخلاص أن ستكون للفتوى تداعيات قد تدفع إسرائيل لإعادة الاحتساب بشأن مشروع الاحتلال والاستيطان. ولا يدور الحديث فقط عن عقوبات على مستوطنين عنيفين أو عن منظمات ترتبط بالمستوطنات. النقطة الأهم في الفتوى عملياً هي الواجب الذي تلقيه على دول العالم والمنظمات الدولية ألا تعترف بالوجود الإسرائيلي في “المناطق” [الضفة الغربية] وألا تساعد في الإبقاء عليه. في أعقاب الفتوى، باتت دول العالم عملياً ملزمة بإجراء استيضاح مسبق لكل تفاعل مع إسرائيل، سواء في “المناطق” أم في إسرائيل كي تتأكد من أنه لا يساهم في وجود إسرائيل في “المناطق”.

فرضية عمل إسرائيل بأن العالم سيظل متجاهلاً الاحتلال، ستتحطم في الأشهر الأخيرة. إذا استمرت إسرائيل بتجاهل ما يقوله العالم فستستيقظ على واقع تكون فيه مقاطعة ومنبوذة مثل جنوب إفريقيا في عهد الأبرتهايد.

——————————————–

معاريف 21/7/2024

بعد استهدافها الحديدة.. إسرائيل مهددة شعوب الشرق الأوسط: أرأيتم؟

بقلم: آفي أشكنازي

هدف الهجوم ميناء الثوار الحوثيين وميناء الحُديدة في اليمن، والرسالة لإيران والشرق الأوسط كله: إسرائيل ستهاجم بعيداً جداً، 1700 كيلومتر عن البيت، في وضح النهار مع جيش وعشرات الطائرات والمروحيات. لقد كان هذا واحداً من الهجومات الدراماتيكية التي تنفذها إسرائيل في السنوات الأخيرة. والجيش يشرح: “الكل انتظر كيف سنرد ومتى وبأي شدة سنرد، وقد رأوا”.

هذا الهجوم بعد تسعة أشهر من إطلاق صواريخ جوالة ومُسيرات نحو إسرائيل. وبالإجمال، أطلق الحوثيون 220 من الصواريخ والمُسيرات. لكن الحدث فجر الجمعة تجاوز الخط الأحمر، إذ تسللت النار للمرة الأولى منظومات الدفاع وتسببت بقتيل وجرحى.

لقد كانت العملية مكثفة وضمت عشرات الطائرات والمروحيات، بينها طائرات اف 35، وطائرات اف 15 التي هي طائرات القصف الثقيل وطائرات قتالية اف 16 لحماية طائرات القصف.

إضافة إلى ذلك، كانت هناك أربع طائرات شحن الوقود وزودت عموم الطائرات بالوقود. وبالتوازي، دفعت إلى المنطقة بمروحيات وحدة 669، احتياطاً لحالة خروج من إحدى الطائرات. وفي الفوق طارت طائرات “نحشون” لتشرف على الهجوم كله. من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل أطلعت الولايات المتحدة عليه قبل الهجوم.

حددت إسرائيل ميناء الحُديدة كالميناء الخاص بالحوثيين. امتنع الأمريكيون عن ضربه لأن الميناء يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى اليمن. أما إسرائيل فتدعي وجود ميناءين آخرين في اليمن، لذا لا مانع من ضرب ميناء الحُديدة. ويقول الجيش إن الميناء تعطل نتيجة الضربة.

بدأت العملية تتدحرج منذ صباح السبت. وبعد تلقي الأذون من وزير الدفاع غالنت ورئيس الوزراء نتنياهو، سارع الجيش الإسرائيلي للاستعداد للهجوم. وبهدوء تام، بقي كل سلاح الجو متحفزاً. معظم القواعد بدأت بإعداد الهجوم. وكان أول من خرج إلى المهمة طائرات “نحشون” ومروحيات 669 باتجاه الخليج الفارسي. بعدها، عند الساعة الثالثة ظهراً، بدأت الطائرات القتالية وأربع طائرات شحن بالوقود بالإقلاع من عدة قواعد لسلاح الجو.

يدور الحديث عن طيران طويل بينما كانت الطائرات مع سلاح كامل. طائرات الهجوم كانت مطالبة بالطيران بمستوى منخفض، ولهذا شاهدها سكان إيلات. وأجرت الطائرات سلسلة من طلعات القصف على 12 هدفاً في ميناء الحُديدة وعادت بسلام.

بين المنشآت التي أصيبت: حاويات الوقود ومنشآت مصافي البترول، التي هي أحد مصادر دخل الحوثيين. في نهاية اليوم، نقلت الضربة صورة نار لكل العالم، مع التشديد على الشرق الأوسط.

——————————————–

  إسرائيل اليوم 21/7/2024

القيادة الإسرائيلية لا  يمكنها أن توافق على تسوية مع حزب الله تفسر كاستسلام

بقلم: اللواء احتياط غيرشون هكوهن

ثلاث علامات طريق حددت في الأيام الأخيرة ميل التصعيد نحو حرب شاملة في الساحة الشمالية. العلامة الأولى كانت البيان عن زيارة الجنرال كوريللا قائد القيادة الوسطى الأمريكية الى قيادة المنطقة الشمالية بمرافقة رئيس الأركان. وحسب التقرير، فرضت عليه الخطط العملياتية لهجوم ضد حزب الله. العلامة الثانية وجدت تعبيرها بلقاءات الوزير ديرمر ورئيس هيئة الامن القومي هنغبي في واشنطن في مساعيهما لبلورة شروط تسوية لوقف نار مع حزب الله. علامة الطريق الثالث صدعت بقوة الهجوم الصاروخي لحزب الله في ليل الثلاثاء – الأربعاء. الى هذا أضيفت تهديدات نصرالله ظهر يوم الأربعاء، للوعد بتوسيع الهجوم الناري ضد إسرائيل الى “بلدات جديدة”.

وحسب تقرير من الأسبوع الماضي في “واشنطن بوست”، سيوافق حزب الله على سحب قواته من خط الحدود شمالا باتجاه نهر الليطاني وإسرائيل من جهتها توافق على تعديلات حدودية حسب مطالبة حزب الله في نقاط الخلاف في خط الحدود. مثل هذه التسوية تبدو سطحيا معقولة. غير أن حزب الله الذي ليس مطالبا بأكثر من ابعاد قواته شمالا يمكنه أن يعود في كل لحظة يختارها الى خط الحدود في حركة سريعة ومفاجئة. من ناحيته، لا يدور الحديث الا عن تغييرات في الانتشار بينما إسرائيل مطالبة بان تدفع ثمنا للأراضي، بانسحاب غير قابل للتراجع. مثل هذه التسوية تؤشر الى إهانة وهزيمة لإسرائيل وهي ستعبر مرة أخرى عن استعداد إسرائيلي لشراء الهدوء مقابل دفع الثمن لاراضي إسرائيلية سيادية، خطوة تفسر كـ “خاوة” وضعف.

في ارض قرية الغجر مثلا، التي اعترفت الأمم المتحدة بان قسمها الشمالي يعود للبنان، فان موافقة إسرائيلية على الانسحاب، وبخاصة في وضع يكون فيه حزب هو الطرف الذي بدأ الحرب، ستضع دولة إسرائيل امام معضلة صعبة من الأذى لدرجة الخيانة، لسكان القرية الذين باتوا منذ زمن بعيد مواطنين إسرائيليين.

يبدو انه حتى بعد تسعة اشهر من القتال مع حزب الله، مثلما في كل سنوات القتال في الحزام الأمني، فان القيادة الإسرائيلية يصعب عليها أن تفهم دعاء نصرالله. وفي السنوات الأخيرة من القتال في الحزام الأمني، لم تفسر القيادة الإسرائيلية على نحو صائب الهوية الفكرية في حزب الله كحامل علم المقاومة. وقد فسر الاصطلاح بسطحية كـ “اعتراض” وهكذا طورت الفرضية بان حزب الله يركز على هدف “تحرير أراضي الوطن”. ومن هنا تبلور التوقع من أن انسحابا إسرائيليا من كل استيلاء على ارضي لبنانية ستؤدي بحزب الله الى انهاء الصراع ضد إسرائيل.

غير أن فكرة المقاومة سعت منذ البداية الى اكثر من هذا بكثير. الصراع لـ “تحرير ارض لبنان” كان مجرد الذريعة: من بداية الصراع ضد إسرائيل، هدف حزب الله كان موجها الى ما لا يقل عن بوابات القدس. في هذا المنطق، علة مزارع شبعا ونقاط الحدود موضع الخلاف يستخدمها حزب الله كذريعة لتبرير استمرار القتال تجاه المعارضة في لبنان وتجاه الساحة اللبنانية. الوسطاء يخطئون بالتفكير لانه فقط لو سويت “الأراضي موضع الخلاف”، فستفتح الطريق لتسوية الاستقرار بين إسرائيل ولبنان. هذا بالطبع وهم.

ان تبجحات نصرالله تتركز على جهد ثابت لاهانة كرامة إسرائيل السيادية. في هذه الأجواء لا يمكن للقيادة الإسرائيلية أن تكتفي بالتوقع الأساس لاعادة السكان الى بيوتهم في ظل ظروف هدوء برائحة تسويات أمنية. في هذه النظرة، محظور على إسرائيل أن توافق على تسوية تفسر في المنطقة كاستسلام للابتزاز. يجدر بالذكر انه في النطاق الثقافي الذي نعيش فيه، فان من لا يستطيع أن يحمي شرفه، مشكوك أن يستطيع ان يحمي وجوده.

——————————————–

هآرتس 21/7/2024

ليس فقط سلب وابرتهايد، المستوطنات هي ايضا مشروع كذب وخداع للذات

بقلم: ايريس ليعال

في يوم الاربعاء الماضي كنت في كفار تفوح، مستوطنة شرق السامرة. الشمس كانت ملتهبة، وامرأة شابة، التي كانت الحياة مثل شوكة في حلق الفلسطينيين وتنغيص حياتهم، تركت الحياة آثارها عليها، مرت بين قاطرتين قبل أن ننطلق، ثلاثة شباب تعرفوا على الاسم “مجدي” الذي كتب على حافلتنا الصغيرة وطاردونا وضربوا على غطاء المحرك وطلبوا امام السائق الخائف معرفة لماذا ادخلوا عربي الى مستوطنتهم.

هم كانوا شباب صغار، لكنهم يعرفون كيف يقومون بالتصنيف العنصري. هذه هي الصورة التي اخذتها معي من جولتي الصحفية التي نظمتها مبادرة جنيف: امرأة وعدد من الشباب يعيشون في فيلم سينمائي بأنه يمكنهم السيطرة على المناطق والاحتفاظ بها بدون ازعاج، لأن ممثليهم في الكنيست لديهم قوة هستيرية. هذا هو الاستيطان الذي يتحدث عنه سموتريتش واوريت ستروك. هذه هي قسمات “المعجزة”، ليس فقط كتل استيطانية، بل عدة كرفانات في كفار تفوح وافيتار، التي تخدم الهدف الاسمى، قتل امكانية حل النزاع بالطرق السلمية.

اضافة الى حقيقة أن المستوطنات هي مشروع للسلب، هي ايضا مشروع ضخم الابعاد من الكذب وخداع النفس، الذي اسرائيل كلها تستسلم له بسعادة. مرت 24 ساعة والكنيست وافقت على مشروع قرار ينص على “الكنيست الاسرائيلية تعارض بشكل قاطع اقامة الدولة الفلسطينية غرب نهر الاردن”. مجموعة من الواهمين الذين يؤمنون بأنه بعد عشرات السنين من النضال الفلسطيني الوطني والدموي سينجحون في اقناع ملايين الاشخاص بأن يكونوا رعايا في اراضيهم، التي لم يتوقفوا للحظة عن رؤيتها كوطن. زئيف الكين غرد مثل عريس في يوم زفافه وقال بأن اقامة دولة فلسطينية في قلب البلاد هو الذي سيديم الصراع، الامر الذي جعلني اتساءل حول نوع المخدرات التي يتعاطاها.

كل سنوات حكم نتنياهو ادار فيها الصراع من خلال الايمان الكاذب بأنه يمكن انساء وجود الفلسطينيين في البلاد وفي العالم، وتجاهل مطالبتهم بدولة. حول اتفاقات ابراهيم قال برضى بأنها الاثبات على وجود سلام مقابل السلام وليس مقابل الارض. 7 تشرين الاول كان تذكير مخيف له بخطئه. والادراك في العالم لضائقة الفلسطينيين، والحاجة الحيوية للعثور على حل سياسي لم تكن في أي يوم اكبر مما هي في الوقت الحالي. ولكن بدلا من اصلاح الخطأ الكنيست قامت بترسيخه.

هذا الامر يقودنا الى قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي أول أمس. من اجل استباق الضربة بتقديم العلاج لها، اعلن سموتريتش بأن الامر يتعلق بجسم سياسي، ليس لاسامي، وأن “مصدر حقنا في كل اجزاء ارض اسرائيل نحن نأخذه من الوعد الالهي”. قضاة المحكمة في لاهاي تأثروا بدرجة أقل بالوعد الالهي وتأثروا اكثر مما يحدث في الواقع وقالوا إن وجود اسرائيل في الضفة وفي شرقي القدس غير قانوني؛ والنشاطات التي تقوم بها اسرائيل في هذه المناطق من بين ذلك بناء المستوطنات وتوسيعها، تصل الى حد ضم اجزاء كبيرة من اراضي الفلسطينيين؛ اسرائيل فشلت في منع اعمال عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين ومعاقبتهم؛ وأنها تقوم بمصادرة الاراضي وتوطن فيها المستوطنين؛ العار الاكثر فداحة منها جميعها هو أن اسرائيل تدير منظومة فصل عنصري وربما هي اوجدت نظام ابرتهايد.

رد اعضاء الصهيونية الدينية على الفتوى ظهر بصيغة موحدة: “الاجابة على لاهاي هي السيادة الآن”. نتنياهو اعلن أنه لا يوجد شعب يحتل بلاده. ويئير لبيد قال إن الفتوى مقطوعة عن الواقع وهي مشوبة باللاسامية. بدءا بسموتريتش وانتهاء بلبيد، وبدءا باليمين المسيحاني وانتهاء بالوسط – يسار، الجميع اختاروا انكار الاحتلال وكونه الموضوع الذي يشكل حياتنا. زعماء عميان وغير شجعان، أبقوا لليسار الراديكالي الانشغال بالواقع، سيواصلون استبعاد أن كلمة ابرتهايد قيلت. ولكن الجميع على جانبي الخط الاخضر الذي قامت اسرائيل بمحوه سيشعرون في الوقت القريب بهزة ارضية ثانوية لقرار لاهاي. اللعبة انتهت.

——————————————–

هآرتس 21/7/2024

فتوى محكمة العدل في لاهاي هي خطوة مهمة في الطريق الى انهاء الاحتلال

بقلم: ايال غروس

اثناء عمله كمستشار قانوني للحكومة قال مئير شمغار (الذي اصبح بعد ذلك رئيس المحكمة العليا) بأن “الاحتلال هو وضع واقعي”، الذي في ظل غياب أي بديل سياسي أو عسكري يمكن من ناحية قانونية أن يستمر بشكل غير محدد بزمن. قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي أول أمس رفض هذا الموقف ومعه الادعاء القانوني الاسرائيلي بشأن “مؤقتية” الاحتلال، التي تسمح له بأن يواصل العثور على تسوية. تجدر الاشارة الى أنه تم التخلي عن هذا الادعاء بدرجة كبيرة، حتى من قبل الحكومة الحالية التي تعبر عن الرغبة في السيطرة على المناطق الى الأبد وليس بشكل مؤقت. ولكن قانونيا كان هذا الاساس لسيطرة اسرائيل على المناطق. الفتوى الاستشارية التي تناولت الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة التي تسمى في القانون الدولي “الاراضي الفلسطينية المحتلة” نصت على أنه في حين عدم وجود قيد زمني على الاحتلال فانه لا يمكن أن يكون صورة من السيطرة غير المحددة زمنيا. “الاحتلال يجب أن يكون مؤقت”، أكدت المحكمة. هذا وضع مؤقت جاء نتيجة احتياجات عسكرية، ولا يعطي السيادة للدولة المحتلة. اضافة الى ذلك يجب على الدولة المحتلة ادارة المنطقة لصالح السكان المحليين.

المحكمة قامت بقلب كل حجر في الطريق من اجل التوصل الى استنتاج بأن اسرائيل تقوم بخرق هذه القوانين. فقد قامت بفحص الطريقة التي فيها سياسة الاستيطان لاسرائيل، التي تخرق الحظر الذي يوجد في ميثاق جنيف على الدولة المحتلة لنقل سكانها الى الاراضي المحتلة، هي جزء من نظام يضم على الاقل جزء من المناطق لاسرائيل. هذا الضم ينعكس في أن اسرائيل تفرض القوانين بصورة جزئية في الضفة الغربية (بالنسبة للمستوطنين والمستوطنات)، وفي شرقي القدس (الذي تعتبره المحكمة جزء من الاراضي الفلسطينية المحتلة). المحكمة قالت إن سياسة الضم تناقض مباديء القانون الدولي التي تطالب بأن يكون الاحتلال مؤقت، وتحظر على الدول السيطرة على مناطق جغرافية بالقوة.

المصادرة الواسعة للاراضي من قبل اسرائيل، وسياسة المياه المميزة، تعتبر سلب للفلسطينيين وتخرق واجب ادارة المنطقة لصالح السكان المحليين. المحكمة تطرقت ايضا الى سياسة التخطيط المميزة لاسرائيل وهدم بيوت الفلسطينيين. وحقيقة أن اسرائيل لا تقوم بمنع أو معاقبة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين احتلت مكانا رئيسيا في تحليل الطريقة التي تخرق فيها اسرائيل واجبها في العمل من اجل السكان المحليين.

المحكمة تطرقت ايضا الى السياسة والتشريعات المميزة لاسرائيل في المناطق. فقد قالت إن سياسة اسرائيل هي تمييز بنيوي وتخرق حظر “التصنيف” (الفصل) أو “الابرتهايد”، كما تم تعريفه في الميثاق الدولي لمنع التمييز العنصري. ولكنها لم تحدد اذا كان الوضع هو “فقط خرق لحظر الفصل أو أنه يصل الى مستوى الابرتهايد”. ربما هذه الضبابية متعمدة وتعكس الرغبة في التوصل الى اتفاق واسع بين القضاة على صيغة القرار.

كل ذلك قاد المحكمة للتقرير بأن استمرار الوجود غير المحدد زمنيا والضم وتمييز اسرائيل في المناطق، يخرق حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويخرق حظر امتلاك منطقة جغرافية بالقوة. لذلك، جوهر القرار واضح جدا وهو أن التواجد المستمر لاسرائيل في المناطق غير قانوني، وأنه يجب عليها العمل على انهاء هذا التواجد “في أسرع وقت” ووقف “على الفور” أي نشاطات استيطانية جديدة. التناقض بين هذين التأكيدين واضح. من جهة، المحكمة رفضت قول أن اسرائيل يمكنها مواصلة السيطرة في المناطق بشكل غير محدد زمنيا، وأن الاحتلال يمكن أن يستمر الى أن يوجد حل سياسي أو عسكري بديل أو التوصل الى اتفاق بين الفلسطينيين واسرائيل. في المقابل، المحكمة لم تأمر اسرائيل بانهاء الاحتلال بشكل فوري، بل “في أسرع وقت”، وهذه صيغة ربما حتى أنها تعكس تسوية بين القضاة.

لكن هذه الضبابية لا يمكنها اخفاء جوهر ما أكدت عليه المحكمة وهو أن الاحتلال ليس “وضع واقعي” فحسب، بل هو ايضا وضع “معياري”. الاحتلال الاسرائيلي الذي يتميز بالمستوطنات وتجريد السكان المحليين من ممتلكاتهم وممارسة الضم وحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير، كل ذلك يخرق المعايير التي توجد في مركز قوانين الاحتلال، لذلك يجب انهاءه. قانونيا اسرائيل لم تعد تستطيع الادعاء بأن “الاحتلال مؤقت” وأنه يمكن أن يستمر الى حين التوصل في المستقبل غير المنظور الى اتفاق. حقيقة أن اسرائيل لا تتصرف في المناطق كما هو مطلوب وأنها تقوم بضمها (على الاقل فعليا) وتجريد السكان المحللين من ممتلكاتهم وطردهم، الذين تخضعهم لنظام تمييزي، هي حقيقة غير جديدة. ولكن الآن اعطيت مصادقة قانونية بأن هذا الوضع غير قانوني ولا يمكن أن يستمر “الى حين التوصل الى اتفاق”.

في العام 1971 عندما قررت المحكمة الدولية بأن استمرار وجود جنوب افريقيا في ناميبيا غير قانوني، كتبت “المحكمة تعترف بأن قول “وضع غير قانوني” لا يؤدي بحد ذاته الى انهائه. هذا القول يمكن أن يكون فقط الخطوة الاولى، الحيوية، في الجهود لانهاء الوضع غير القانوني”. هذه الاقوال تدوي وهي ذات صلة ايضا الآن.

——————————————–

 يديعوت احرونوت 21/7/2024

نتيناهو يسافر الى واشنطن كجزء من حملة انتخابات

بقلم: شمعون شيفر

هذه الليلة سيجلس رئيس الوزراء نتنياهو وعقيلته في الصالون الذي اعد في طائرة “جناح صهيوني”، والاقلاع مع حاشيتهما الى واشنطن. رحلة الطيران الثانية التي تقوم بها الطائرة الى هناك، بعد أن نقلت الى هناك عتاد الوفد. أين تلك الأيام التي كان فيها رؤساء الوزراء ينضمون الى رحلة تجارية عادية. تذكروا الصورة الايقونية لمناحم بيغن وهو يعقد رباط حذاء عقيلته عليزا في طائرة العال في الطريق الى نيويورك.

كنت في رحلات جوية كثيرة لرؤساء الوزراء. في الماضي كان دوما إحساس بالتواضع، بالحذر في استخدام أموال دافع الضرائب. اما في عصر نتنياهو فقد انتهى هذا. وبعامة – لماذا يسافر الان لالقاء خطاب في الكونغرس ولا ينقل منزله الى احدى بلدات الشمال؟ فقط عندنا: في الخارج خراب، وفي الداخل يواصل العازفون العزف ويواصل البيبيون الهتاف: “فقط هو سيريهم في الكونغرس ما هذا”.

مستشار الامن القومي في الإدارة الأمريكية جاك ساليبان اعرب عن الامل في الا يكرر نتنياهو في خطابه في الكونغرس الاقوال الكدية التي القاها ضد أوباما في 2015. يا لها من مفارقة: في نهاية الأسبوع بُشرنا من محافل الاستخبارات في أمريكا بان ايران قريبة الى مسافة أسبوعين من الاقتحام الى السلاح النووي. هذه خلاصة سياسة الهذر التي يتخذها نتنياهو في المسألة الإيرانية.

وبالتالي اذا ما سألتم لماذا يسافر نتنياهو الى واشنطن، فان الجواب يتطابق مع ما رأيناه في الأشهر الأخيرة: رئيس الوزراء يوجد في ذروة حملة انتخابة ترمي لان تضمن له كرسي الحكم لبضع سنوات أخرى. ولا تشوش له العقل بالمطلب المهووس لاخذ المسؤولية عن الكارثة التي شهدناها.

اليوم، ستسلم أوامر أولى لشبان حريديم ويمكن الافتراض باننا سنواجه فوضى ومظاهر تنكر واعتراض. في الدولة السليمة كان يفترض بالحاخامين الرئيسيين – اللذين يتلقيان اجرهما من الدولة، ورغم ذلك أمرا هؤلاء الشبان بتمزيق الأوامر كانا سيدعيان الى الالتزام بالنظام.

وان شئتم ان تغرقوا بدوامة أخرى من الاكتئاب فاقرأوا البحث الذي نشره يوجين كيندل ورون تسور وعنوانه “دولة إسرائيل الى اين”. انتم أيضا لا بد ستصلون الى الاستنتاج بانه اذا لم تقع هنا معجزة تغيير في موقف زعماء الحريديم من المشاركة في العبء الوطني – فقد ضعنا.

كما هو متوقع، في لاهاي قضوا ضدنا وضد التواجد الإسرائيلي في الضفة، في شرقي القدس وفي غزة. في مسألة واحدة اختلف على نحو خاص مع القرار الذي تلاه القاضي اللبناني: لا يوجد عندنا أبرتهايد. اذهبوا الى غرف الطوارئ في كل المستشفيات، في كل مكان في البلاد وستتبينون بان ليس لاحد مشكلة في أن يكون اليهود والعرب معا في الطابور ذاته، في المعالجة ذاتها، في السفريات ذاتها. الكل في مساواة تامة.

وشيء آخر: الإسرائيلي الذي يعلق بالخطأ في طولكرم او قلقيلية، الرب والجيش الإسرائيلي وحدهما يخرجاه من هناك حيا. وبالتالي فليكن بعض التوازن. بعد أن لم نتمكن نحن والفلسطينيون أيضا من ان نخلق منحى لافق مشترك، لا يمكن حل الوضع في اقوال جارفة تلقي المسؤولية على طرف واحد فقط.

الشاعرة ليئا غولدبرغ رفضت التجند في كتاباتها من اجل الحروب. وهكذا كتبت في 1939، حين ضجت المدافع في أوروبا: اؤمن بان الجسد الحي، الحار الذي يحمل في داخله إمكانيات الحب والمعاناة بكل اشكالهما، مهم لهذه الحياة من كل جثث القتلى. وسيكون دوما حقل سنابل طيب وجميل اكثر من القفر الذي مرت عليه الدبابات حتى وان كان هدف تلك الدبابات منشودا اكثر”.

الحرب التي لا نهاية لها في قطاع غزة تلزم كل كاتب ان يتناول هذه المسألة: هل يوجد واجب لتجنيد لوحة مفاتيح الحاسوب من اجلها.

——————————————–

هآرتس 21/7/2024

إسرائيل وكأنها كتبت قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بيديها

بقلم: مردخاي كرمنتسر

فتوى محكمة العدل العليا حول مكانة المناطق التي احتلتها اسرائيل في حرب الايام الستة، الضفة الغربية، قطاع غزة وشرقي القدس، لا تعتبر وثيقة كاملة. فكل الاستنتاجات التي توجد فيها ليست متضمنة بما فيه الكفاية لحقائق مدققة؛ قضية أمن اسرائيل لا تأخذ دائما وزنها الصحيح، مثلا في سياق تقييد الحركة المفروض على السكان وعدم موافقة اسرائيل على الاجراء لا يحظى بمعاملة جيدة. ايضا الاجراء نفسه كان بعيد عن أن يتم بشكل مثالي: الاسئلة التي صاغتها الجمعية العمومية للامم المتحدة كانت متحيزة، ورئيس المحكمة اللبنانية، نواف سلام، الذي توجد له خلفية واضحة من العداء تجاه اسرائيل، كان يجب أن يقدم استقالته.

حيث أن كل هذا قيل فان معظم ما قيل في المحكمة يترسخ جيدا ويعكس كما ينبغي القانون الدولي، كما يفسره معظم الخبراء في هذا المجال. لذلك فان الفتوى تتجاوز امتحان النقد الحاسم ولن يساعد البكاء والعويل الحكومة ومؤيديها. رد بنيامين نتنياهو على الفتوى، الذي بحسبه لا يمكن التشكيك في قانونية الاستيطان خلف الخط الاخضر، هو كالعادة عكس الواقع. لأنه لا يمكن عدم التشكك بقانونية الاستيطان لأنه يعارض بشكل واضح القانون الدولي، الذي يحظر على الدولة المحتلة توطين مواطنيها في المناطق المحتلة. ادعاء بني غانتس أن اسرائيل تعمل في المناطق “مع الحرص على القانون الدولي” يدل على أمر من اثنين. إما أنه تبنى موقف نتنياهو من الحقيقة أو أنه يطور لديه حس دعابة.

الاغلبية الواضحة التي وقفت وراء الفتوى، على الاغلب 7 مقابل 4، يوجد فيها قضاة لا يمكن التشكيك في خبرتهم، استقامتهم وموضوعيتهم. ولا يقل عن ذلك اهمية هو أن ثلاثة من بين القضاة الاربعة في الاقلية أيدوا جزء جوهري في الفتوى، بما في ذلك عدم قانونية سياسة الاستيطان وحق الفلسطينيين في تقرير المصير – هكذا فان النتيجة لم تكن لتكون مختلفة حتى لو أنه ترأس هذه الهيئة ممثل لمنتدى كهيلت.

الرأي الوحيد الساذج لنائبة رئيس المحكمة، جوليا سبودنتا، يتناول “اطار المفاوضات المتفق عليه بين الطرفين” وكأنه حقيقي، وتتجاهل رفض اسرائيل اجراء بحسن نية مفاوضات مع الفلسطينيين. وعلى أي حال، جميع القضاة يؤيدون حل الدولتين، وهو الموقف الذي لا تستريح له الحكومة (ايضا الذين يمكن أن يكونوا معارضة).

الفتوى هي عقوبة لاسرائيل حصلت عليها بجدارة. خلال سنوات كثيرة تعاملت حكومات اسرائيل مع قضية المناطق عن طريق الطمس والاخفاء والخداع. ومهما كانت محمية من ناحية اخلاقية فان هذه السياسة حصلت بالفعل على نجاح لا بأس به. في السنوات الاخيرة رغم التحذيرات المتكررة فانه حل محل هذه التحذيرات الماكرة الغطرسة والوقاحة. مفترق الطرق يمكن رؤيته فيما سمي “قانون التسوية” الذي حتى بني بيغن تعامل معه كـ “قانون السلب”. اسرائيل اعترفت رسميا بأن المستوطنات ليست مبادرة خاصة، بل هي مشروع للدولة، وعملت بصورة حثيثة ومكشوفة لتوسيعه وفرضت قوانين في المناطق وكأنها بملكيتها – هكذا تنصلت من مباديء المؤقتية وامكانية التراجع عنها، وهو خط الدفاع الاكثر فائدة بالنسبة لها. في نفس الوقت تنكرت لحقوق الفلسطينيين في تقرير المصير واستبعدت اجراء المفاوضات معهم. قانون القومية رفع الى اعلى درجة من القانونية الاستيطان اليهودي، وفرض السيادة في المناطق كان احد الخطوط الاساسية للحكومة الحالية، والادارة العسكرية التي يقتضيها القانون الدولي تم استبدالها بالادارة المدنية، تم تعيين لها بتسلئيل سموتريتش. الصورة اكملها التنازل حتى عن الامر الشكلي البسيط لانفاذ القانون تجاه المشاغبين اليهود، الذين حولتهم القوة التي اعطيت لليمين المتطرف الى وكلاء للحكومة من اجل “تطهير” المناطق من العرب. في كل هذه الامور وكأن اسرائيل كتبت بيديها هذه الفتوى ضدها.

الضرر الكبير المتوقع لمكانة اسرائيل الدولية وعلاقاتها مع دول العالم يجب عدم عزوه لصالح المحكمة، بل لصالح الحكومة. لا مفر من الاعتراف بأن هذه تتصرف في هذا الشأن مثلما تتصرف مع حماس، ليس وكأنها تريد مصلحة الدولة، بل في افضل الحالات وكأن الامر اختلط عليها. مقلقة بشكل خاص حقيقة أن البديل السلطوي لنتنياهو، المعسكر الرسمي، انضم عشية نشر الفتوى للائتلاف وأيد التصريح التافه الذي يرفض اقامة الدولة الفلسطينية وينص فعليا على أن حماس هي الزعيم الوحيد للشعب الفلسطيني في هذا السياق، وأن الاختيار بين نتنياهو وغانتس واصدقاءه يبدو وكأنه اختيار بين السل والجذام.

عند قراءة الفتوى لا يمكن عدم المقارنة بين محكمة العدل الدولية في لاهاي وبين المحكمة العليا في اسرائيل، التي فشلت في كل ما يتعلق بالاراضي المحتلة. تملص المحكمة العليا من مناقشة قانونية المستوطنات شرعن فعليا الخرق المنهجي للقانون الدولي، الذي ينطوي على ضرر لا يمكن وصفه ولا يمكن اصلاحه لاسرائيل.

الاستيطان هو عائق اساسي امام التسوية مع الفلسطينيين، ومصدر لمعارضة كل اتفاق كهذا. هو يخلق مكانتين مختلفتين للناس، متفوقون ودون من خلال التنازل المسبق عن المساواة، حتى امام القانون. امام هذه الكارثة كان يجب على المحكمة أن تقف بثبات ولكنها لم تفعل ذلك.

في الوقت الذي يعرف فيه كل طفل بأن جدار الفصل استهدف ضم لاسرائيل فعليا المستوطنات بدرجة لا تقل عن هدف الدفاع عن اسرائيل، فان المحكمة العليا تمسكت بالكذب الفظ للاعتبارات الامنية “النقية” الى أن اضطر جهاز الامن نفسه الى الاعتراف بذلك. المحكمة أيدت الرؤية التي لا اساس لها والتي تقول بأن الاراضي غير المملوكة بملكية خاصة مثل الموارد الطبيعية في المناطق، ليست وديعة في يد الاحتلال لصالح السكان الواقعين تحت الاحتلال، المجموعة السكانية التي كان يجب عليها حمايتها، بل هي مورد مسموح استغلاله لاغراض واحتياجات المستوطنين.

المحكمة العليا لم تقف في وجه سياسة هدم البيوت – هي عقوبة للعرب فقط مفروضة على من لم يخطئوا، التي حتى في جهاز الامن شككوا في نجاعتها. بشكل عام المحكمة تقريبا لم تحرك ساكنا لضمان أن تسود في المناطق سلطة القانون. طوال هذا الوقت سمعتها الجيدة شكلت الدرع لاحتفاظ اسرائيل بالمناطق ومشروع الاستيطان واعمال الظلم لحكومات اسرائيل. لو كان لليمين الاسرائيلي ذرة من النزاهة والحكمة لكان عليه وضع المحكمة فوق رأسه بدلا من تحويلها الى عدو للشعب.

المجال هنا ضيق لتفصيل كل الاضرار التي تسببت سياسة الاستيطان لاسرائيل. أولا، هي اضرت بطابع الدولة الاخلاقي، التي وجدت نفسها في حرب ليست فيها هي الجانب المحق (طالما أن الفلسطينيين يناضلون من اجل حقهم بالدولة وليس من اجل تدمير اسرائيل). والى ذلك يجب اضافة التقليل الكبير في قيم الديمقراطية وحقوق الانسان ازاء الواقع الذي يناقشها تماما؛ التجنيد الواسع للخدمات العامة والقانونية بكل الفروع من اجل سياسة غير قانونية، مع التضحية بمهنيتهم (مثال على ذلك هو انضمام مجلس التعليم العالي لجهود شرعنة الكلية التي اصبحت الآن جامعة في اريئيل). يجب ايضا عدم تجاهل التأثير المفسد للجيش الاسرائيلي واجهزة الامن الاخرى. في واقع الاحتلال، مثلما اوضح المفكر الفرنسي – التونسي البير مامي، بأن الاحتلال يجعل الشعب الواقع تحت الاحتلال في نظر المحتل شعب دون. من هنا جاء الاستخفاف المحتم بالعدو، الذي جبى منا ثمن دموي فظيع، والذي يمكن أن يلحق بنا الدمار التام. تم التحدث كثيرا عن التغيير النظامي الانقلابي الذي تمر فيه اسرائيل، ولم يتم الاهتمام بما فيه الكفاية بالعلاقة بين هذا التغيير وبين سيطرتنا على المناطق وعلى الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، الذي يهدف الى ابعاد الفلسطينيين.

أي دولة لن تستطيع السماح لنفسها بتجاهل الفتوى، وحتى الولايات المتحدة. تأثيرها على الصعيد السياسي وعلى كل مجالات الحياة يمكن أن يكون كارثي، لكن ربما يخرج الخير من الشر. وسيزداد الضغط على اسرائيل من اجل التوصل الى اتفاق سلام، الضغط الذي في ظل غيابه، هذا ما يجب الاعتراف به، ستبقى متخندقة في مواقعها. معنى هذا التخندق هو صراع عنيف ودائم مع الفلسطينيين الذين لن يتنازلوا عما لم يكن حتى الاسرائيليين سيتنازلون عنه، الحرية والكرامة والحقوق كأفراد وشعب. أي ديمقراطية لا يمكنها ادارة الى الابد مثل هذا الصراع، وأن تبقى ديمقراطية.

الفتوى تظهر المعضلة التي تقف امام اسرائيل، بين استمرار السياسة القائمة التي تقود الى هاوية العزلة الدولية وخطر وجودي ملموس وانعطافة حادة والعودة الى المفاوضات، التي هي وحدها ستخرجنا من هذه الضائقة. القضاة يختمون الوثيقة بدعوة لانهاء سريع للنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين ويرسمون حلم لدولتين تعيشان بسلام الى جانب بعضهما، في حدود معترف بها وآمنة. من يحب اسرائيل ومن يعيش في الواقع وليس في الاحلام المسيحانية العبثية يجب أن يقف من وراء هذه الدعوة.

——————انتهت النشرة—————-