افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
يديعوت احرونوت 22/7/2024
نتنياهو يصل الى واشنطن في توقيت بائس
بقلم: ناحوم برنياع
جو بايدن، رئيس إسرائيل مدين له بالكثير، قد يكون آخر الصهاينة في البيت الأبيض، اعترف أمس بالمحتم وانسحب من السباق لولاية إضافية. القرار يتحدث في صالحه. فهو يدل على الاحترام الذي يكنه لقواعد اللعب الديمقراطية وعلى استعداده لان يستمع الى أصوات الجمهور. هذا لم يكن سهلا. القرار كان ينطوي على عذابات كبيرة. كان يتعارض مع أمانيه وغرائزه السياسية. لكن أحيانا لا مناص.
الحزب الديمقراطي يقف الان امام تحد غير بسيط. ثلاثة أسابيع فقط حتى مؤتمره في شياغو. وحسب الانباء من يوم أمس، يتبنى بايدن ترشيح نائبته، كمالا هاريس. هاريس هي مرشحة معروفة لكن غير شعبية. أربع سنواتها في ظل بايدن لم تعزز مكانتها في الرأي العام وفي القاعدة الديمقراطية. من جهة أخرى فان القفزة عنها الى مرشح أو مرشحة أخرى له ثمن سياسي لا بأس به.
كل رئيس في أواخر ولايته يعتبر اوزة عرجاء: أمريكا تتعلم أن تدير نفسها بدونه. هذا صحيح أساسا في الساحة الداخلية. فترة الخبو تبدأ في اليوم الذي يختار فيه المؤتمر مرشحا جديدا او عشية الانتخابات في تشرين الثاني والتي بعدها، حسب القانون، يوجد شهران ونصف يستعد فيها الرئيس المنتخب لولايته والرئيس المنصرف يحزم امتعته.
بيان بايدن امس يجعله أوزة عرجاء على مدى ستة أشهر. هذا اكثر مما ينبغي. على هذه الخلفية كان هناك من اقترح امس في وسائل الاعلام الامريكية ان يعتزل بايدن الان، يخلي كرسيه لهاريس، وهكذا يسمح لها ان تبني ترشيحها وان تختار لنفسها نائبا مع قوة جذب خاصة بها. قرار كهذا يتطلب من بايدن سخاء استثنائيا قد يكون غير مسبوق. الكثير متعلق بوضعه الصحي: حتى تفككه في المواجهة مع ترامب أحد لم يتصور إمكانية كهذه.
ما كان ينبغي لبايدن ان يعرض ترشيحه لولاية أخرى. ليس بسبب مؤشرات الشيخوخة التي طلت بقوة اكبر في الأسابيع الأخيرة بل لانه يدعي بانه سيعطي أمريكا رئيسا بوظيفة كاملة حتى في سنة 35. كل ناخب يفهم بان ادعاء كهذا محكوم بالاحتقار. رئيس الولايات المتحدة يفترض به أن يستوعب كل يوم كمية كبيرة من المعلومات ويترجمها الى قرارات مصيرية. وهو مكشوف على عين الجمهور كل وقت. كل تلعثم له، كل وجه نسيه، كل كبوة على الدرج تحدث جلبة سياسية وحزبية وتدهور الأسهم في البورصة. لا توجد حالة يكون فيها شخص ابن 85 يقوم بهذا العمل وينجح فيه.
لكن الدراما حول تردداته لن تكون الا ملاحظة هامشية في حياة سياسية ممتازة بلغت ذروتها في ثلاث سنوات ونصف له في البيت الأبيض. فقد كان رئيسا مشرعا، ذا التزام اجتماعي عميق لشعبه والتزام قيمي لدول أنظمتها ديمقراطية. وقد اخرج الولايات المتحدة من الكورونا، انقذها من الأرض المحروقة التي خلفها ترامب وراءه، فعل كل ما في وسعه لتقليص الاستقطاب الداخلي، ومد اليد، بما فيها المساعدة العسكرية السخية لاوكرانيا وإسرائيل، الدولتين الديمقراطيتين اللتين علقتا في حرب رغم انفهما. لقد كان رئيسا إيجابيا في عصر كله سلبية. معظم الأمريكيين سيشتاقون للعم جو.
يصل نتنياهو الى واشنطن في توقيت بائس. له توجد مصلحة في المدينة؛ اما المدينة فلا مصلحة لها به. عندما سمع نتنياهو أمس الانباء عن انسحاب بايدن من السباق توتر، على أي حال، لقاء كان له مع كلينتون في 1998. كنت هناك. كلينتون بعث نتنياهو ووفده لوجبة غذاء خارج البيت الأبيض ولم يكلف نفسه عناء القول لنتنياهو لماذا: في ذاك الوقت نشبت قضية مونيكا لفنسكي، المتدربة في البيت الأبيض التي اقام كلينتون معها علاقات جنسية. دفعة واحدة إسرائيل شطبت من جدول الاعمال.
هذه طبيعة واشنطن: عندما تنشب دراما سياسية فانها تفرغ كل الاكسجين في المدينة. بيان بايدن امس هو دراما من هذا النوع. هي ليست كبيرة مثل هجمة مؤيدي ترامب على الكونغرس قبل أربع سنوات أو فيتنام، أو بيان انسحاب الرئيس جونسون من السباق في 1968 لكنها كبيرة بما يكفي كي تنسي لبضعة أيام مشاكل الشرق الأوسط.
للقاء بين نتنياهو وبايدن، اذا ما عقد غدا سيكون معنى عملي محدود. بايدن سينظر الى ما وراء كتف نتنياهو، الى القرارات السياسية العاجلة التي تنتظره؛ نتنياهو سينظر الى ما وراء كتف بايدن الى الرئيس، او الرئيسة التاليين. نتنياهو لم يجلب بشرى لواشنطن، لا في موضوع المخطوفين، لا في موضوع اليوم التالي. المسائل التي بدونها لن تقوم جبهة إقليمية واسعة ضد ايران. عشية الرحلة وعد نتنياهو أو رسله الأمريكيين بان في نهاية دورة الكنيست سيكون حرا من ضغط بن غفير وسموتريتش، وسيمدد الحبل الذي يعطيه لطاقم المفاوضات. يحتمل ان يكون حتى هذا الوعد بات الان تاريخا.
عندما سيخرج نتنياهو من اللقاء سيكثرون من سؤاله عن وضع الرئيس، هل كان يقظا، هل تحدث موضوعيا، هي شفي من الكورونا. قلة سيستمعون لرسائله عن غزة، حزب الله، اليمن، ايران، المخطوفين.
هذا صحيح أيضا بالنسبة لخطابه في الكونغرس بعد غد. رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون دعا نتنياهو كي يحرج الديمقراطيين. المجموعة المناهضة لإسرائيل في الجناح اليساري من الحزب الـ “سكوير” الكسندرا اوكسيو بورتو، الهان عمر، رشيدة طليب وخمسة آخرين تعتزم الوصول لمقاطعة الخطاب. الناخبون اليهود سيشاهدون ويتأثرون. إسرائيل ستتخذ صورة الحليف لحزب واحد. هذا ليس جيدا لإسرائيل لكنه جيد للجمهور.
———————————————
هآرتس 22/7/2024
الحكومة ترد على لاهاي: “شعب إسرائيل ليس محتلا في بلاده وفي عاصمته الخالدة القدس”
بقلم: حن معنيت
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قدم أمس للحكومة مشروع قرار يرفض الفتوى التي نشرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي في نهاية الاسبوع فيما يتعلق بقانونية الاحتلال. مشروع القرار هذا كتب بدون اشراك المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا. وعلى الفتوى المرفقة به وقعت القانونية البروفيسورة تاليا اينهورن. “شعب اسرائيل ليس محتلا في بلاده وفي عاصمته الخالدة القدس!”، كتب في مقدمة الوثيقة. وحسب قواعد محكمة العدل العليا فانه فقط المستشارة القانونية هي المخولة بتقديم الاستشارة للحكومة في مواضيع قانونية، وتفسير القانون لها.
في البيان كتب أن “اسرائيل ترفض الفتوى الاستشارة لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، التي تتجاهل بشكل صارخ الحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي في ارض اسرائيل، الذي تم الاعتراف به في القانون الدولي”. وكتب ايضا بأن المحكمة في لاهاي تتجاهل حق مواطني اسرائيل في استيطان كل ارجاء البلاد، و”تتجاهل مباديء قانونية دولية مقبولة بالنسبة للمناطق التي هي غير خاضعة لسيادة اجنبية قانونية”، و”تتجاهل حق وواجب اسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن حدود آمنة”.
الوثيقة التي تم ارفاقها بالبيان والتي صاغتها البروفيسورة اينهورن كتب فيها، ضمن امور اخرى، بأن فتوى محكمة العدل الدولية في لاهاي هي فتوى منحازة وتتجاهل عدة مواضيع منها مباديء القانون المقبولة والحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي في ارض اسرائيل. وحسب قولها فان هذه الفتوى تناقض القانون الدولي والاخلاق. “المطالبة بتطهير عرقي لمئات آلاف اليهود يناقض حقوق اساسية معترف بها في قانون الامم”، كتب في الوثيقة. “لا يجدر بالمحكمة الاوروبية أن تحكم بشكل يجبر على طرد من بيوتهم بالقوة عدد كبير من الرجال والنساء والاطفال”.
الفتوى التي نشرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي في يوم الجمعة الماضي، بناء على طلب من الجمعية العمومية للامم المتحدة، تنص على أن المستوطنات في الضفة الغربية مناقضة للقانون الدولي، وأنه يجب على اسرائيل انهاء الاحتلال في الضفة الغربية وفي شرقي القدس في أسرع وقت. وهذه الفتوى يتوقع ايضا أن تؤثر ايضا على الساحة السياسية.
الدولة ستقدم للمحكمة العليا تحليل لتداعيات فتوى محكمة العدل الدولية على تقديم المساعدات الانسانية لقطاع غزة. هكذا تقرر أمس في نقاشات المحكمة العليا للالتماس الذي قدم من اجل زيادة المساعدات التي تُدخلها اسرائيل لسكان القطاع. ممثل الدولة هو الذي طلب نقل رأيها في هذا الموضوع. القضاة – نائب رئيس المحكمة العليا عوزي فوغلمان، نوعام سولبرغ واسحق عميت – أكدوا على ذلك. احدى القضية التي يجب على المحكمة العليا البت فيها كجزء من الالتماس هي هل سيطرة الجيش في القطاع تغيرت منذ 7 تشرين الاول. قرار الحكم سيكون له تأثير على الواجبات الملقاة على الدولة بالنسبة لسكان القطاع. الدولة تدعي بأن احتلال القطاع انتهى، لكن مع ذلك هناك على اسرائيل واجبات بسبب اعتماد سكان غزة عليها.
في الجلسة قال القاضي عميت بأنه لا يجب مقارنة الوضع في الضفة الغربية مع الوضع في القطاع. ممثلة مقدمي الالتماس اسنات كوهن ليفشتس من جمعية “غيشاه” قالت بأنه “يوجد للاحتلال وجوه كثيرة. اسرائيل تسيطر على مجالات كثيرة في الحياة اليومية في القطاع، في حين أن حماس لا تفعل ذلك”. في الفتوى التي نشرت في نهاية الاسبوع الماضي وتناولت بالاساس قانونية الاحتلال في الضفة الغربية، قالت محكمة العدل الدولية بأن اسرائيل لم تتحرر من واجباتها كقوة محتلة في القطاع رغم أنها انسحبت منه في العام 2005. المحكمة اشارت الى أن المعايير التي بحسبها يمكن القول بأن اسرائيل تحتل القطاع فعليا “ليست مادية، بل هي القدرة على ممارسة الصلاحيات في القطاع، على الحدود البرية والبحرية والجوية، وانتقال البضائع والاشخاص منه واليه”.
القاضي فوغلمان قال إن المحكمة العليا اعطت الاولوية لمناقشة الموضوع بسبب تعقيده في زمن الحرب. “نحن نعطي لذلك افضلية كبيرة لأننا نعتقد بأن هذا أمر مهم للسكان غير المتورطين ولدولة اسرائيل ايضا”، قال. “إن تحدي المراجعة القضائية اثناء الحرب هو حقيقي، وهناك قيود حتى من ناحية قدرة الاطراف بأنه لا يوجد لمقدمي الالتماس أي طريقة مباشرة للحصول على المعلومات، والجيش الاسرائيلي ايضا ليس الجهة التي تدير النشاطات في المنطقة. وتضاف الى ذلك صورة الوضع العملياتي المتغيرة، وهذا يعتبر تحد خاص للمراجعة القانونية”.
في ختام النقاش وجه القاضي سولبرغ انتقاد شديد للمعلومات التي قدمها الملتمسون، وقال لممثلة جمعية “غيشاه”، كوهن ليفشيتس: “أنتم تتلقون البيانات من الخدمات الصحية في غزة التي تسيطر عليها حماس”. ليفشيتس اجابت: “هذه اقوال غير محترمة”. القاضي رد وقال: “لا توجد أي سابقة لالتماس كهذا بدون تصريح مشفوع بالقسم وأي اساس للبيانات التي يمكن التحقق من صحتها”. المحامية اجابت: “اذا كانت المعلومات غير كافية وتدل على أنه لا يوجد اساس وقائعي للالتماس يمكنكم رفضه”. القاضي فوغلمان تدخل وقال: “نحن لم نقرر ما الذي سنفعله بخصوص هذا الالتماس. أنت تشاهدين التعامل الجدي للجيش، ونحن نحاول اجراء نقاش موضوعي”.
مقدمو الالتماس ارفقوا رأي استشاري كتبه الدكتور ماركو لونغبردو، الخبير في القانون الدولي، بحسبه اسرائيل هي دولة عظمى محتلة في القطاع. لذلك فانه تسري عليها واجبات تجاه السكان المحليين. هذا خلافا لتنصل الدولة من المسؤولية بذريعة أنه لا يوجد في القطاع “حكم رسمي” اسرائيلي.
——————————————–
(ميدل إيست أونلاين) 15/7/2024
كيف جعل نتنياهو إنشاء دولة فلسطينية حتميا
بقلم: ألون بن مئير
من المفارقات أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي عارض بشدة إنشاء دولة فلسطينية، جعل من إقامتها أمراً حتمياً لا رجعة فيه بسبب سياساته المضللة ونزعته الأيديولوجية المتطرفة. ولم تؤد الطريقة التي أدار بها حرب غزة إلى حتمية قيام دولة فلسطينية فقط، بل إلى نهايته السياسية أيضًا.
* * *
كان الاعتراف الأخير بالدولة الفلسطينية من قبل إسبانيا وأيرلندا والنرويج هو أحدث ضربة لسياسة نتنياهو المضللة بشكل فظيع تجاه الفلسطينيين، التي اتبعها طوال حياته السياسية لمنعهم من إقامة دولتهم الخاصة خلال فترات حكمه كرئيس للوزراء كما قال مرارًا وتكرارًا. ويأتي هذا الاعتراف ليضيف إلى الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بالدولة الفلسطينية. وفي الحقيقة، لا ينبغي أن يكون أي مما سبق مفاجئاً، إذ كانت الكتابة موجودة على الحائط لعقود من الزمن، وكانت مسألة وقت فقط قبل أن تتكشف هذه الحتمية. وكان القرار الأخير الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو، واتهامه بارتكاب جرائم حرب، بمثابة توبيخ مهين آخر لنتنياهو بسبب قسوته في الطريقة التي يدير بها حرب غزة.
إن الموت والدمار المروع الذي لحق بإسرائيل والفلسطينيين في غزة نتيجة لهجوم حماس في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 الذي أدى إلى مقتل 1.200 إسرائيلي والحرب المستمرة وغير المسبوقة ضد حماس التي قتلت 35.000 فلسطيني، والمعاناة الإنسانية التي لا توصف، قد خلقت نموذجًا جديدًا. لقد أصبح إنشاء دولة فلسطينية، وهو الأمر الذي قاومه نتنياهو بشكل خاص طوال الأعوام الستة عشر الماضية، في مقدمة ومركز البحث عن حل دائم للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ولم يكن هذا الواقع ليكون أوضح مما قاله وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي، عندما قال: “إن حقيقة أن هذه الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، كانت واضحة للغاية لدرجة أنها لا تنوي التفاوض مع الجانب الفلسطيني وكانت متقبلة للغاية، بل وحتى الداعمة للمستوطنات الجديدة غير الشرعية، كل ذلك أسهم في قرار الاعتراف. وبمعنى آخر، إنه رد فعل على ذلك”.
يتمثل البعد المأساوي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في أن غالبية الإسرائيليين صدقوا حجة نتنياهو الكاذبة بأن الدولة الفلسطينية ستشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وبالتالي فإن استمرار الاحتلال ضروري لمنع الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم إلى إقامة دولتهم. ولكن، ما البديل لحل الدولتين؟ بعد 57 عاماً من الاحتلال -حتى الأحمق كان سيستنتج أن الاحتلال غير قابل للاستمرار- كم من الموت والدمار يجب أن يتحمله كلا الشعبين قبل أن يفهم نتنياهو وأتباعه المضللون بشكل أعمى أنه حتى إذا استغرق الأمر مائة عام أخرى وموت مليون فلسطيني، فلن يستسلم الفلسطينيون أو يتنازلوا أبدًا عن إقامة دولة خاصة بهم.
الأمر المحير أكثر أيضًا هو أن العديد من الإسرائيليين اليمينيين يواصلون الشكوى من العنف الفلسطيني. إنهم يتجاهلون الفكرة الأساسية بأن أي شعب يعيش في العبودية لعقود من الزمن في ظل أقسى الظروف سوف ينتفض ضد المحتل، خاصة عندما يكون له حق مشروع في أن تكون له دولة خاصة به، وهو ما يكرسه نفس قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 194 للعام 1947 الذي منح اليهود الحق في إقامة دولتهم المستقلة.
بالنسبة لـ80 في المائة من جميع الإسرائيليين (أولئك الذين ولدوا بعد العام 1967)، أصبح الاحتلال هو حالة وجود طبيعية بغض النظر عن المعاناة اليومية والمعاملة اللاإنسانية في كثير من الأحيان للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تعرضوا لها وما يزالون. وقد كتبتُ في 10 كانون الثاني (يناير) 2024: “للأسف، استغرق الأمر حربًا بين إسرائيل وحماس لإيقاظ الجانبين على واقعهما المأساوي. عليهم أن يدركوا الآن أنها لن تكون هناك عودة إلى الوضع الذي كان قائمًا من قبل. إن الظروف التي أدت إلى الحرب بين إسرائيل وحماس عززت المطلب الذي لا مفر منه لحل الدولتين. ببساطة، لا يوجد خيار آخر قابل للتطبيق سوى مواصلة الصراع الدموي لعقود قادمة”.
ولكن بعد ذلك، ما الذي سيتطلبه الأمر لنتنياهو ووزرائه المسيانيين، وخاصة بن غفير وسموتريتش، ليستيقظوا ويدركوا أن كل يوم يمر من دون حل سيؤدي إلى مقتل المزيد من الإسرائيليين والفلسطينيين عبثًا فحسب، بل أن حل الصراع سوف يصبح أيضًا أكثر صعوبة من أي وقت مضى، وسوف يتطلب الأمر ثمناً متزايداً من الدماء والأموال من كلا الجانبين من دون أي احتمال لتغيير المطلب الذي لا مفر منه لإقامة دولة فلسطينية من أجل التوصل إلى تعايش سلمي مستدام.
إن العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف النبيل هائلة؛ هناك البعد النفسي للصراع الذي يجب تخفيفه، والمطالبات الإقليمية والمطالبات المضادة، والنزاع حول إدارة جبل الهيكل (الحرم الشريف)، والمخاوف المتبادلة بشأن الأمن، والوضع النهائي للقدس، وأكثر من ذلك. ولكن بعد ذلك، وبغض النظر عن مدى تعقيد هذه القضايا المتضاربة، فإنها سوف تصبح أكثر صعوبة وخطورة في غياب السلام القائم على حل الدولتين.
صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، مؤخرًا: “ما يزال الرئيس يؤمن بالوعد وإمكانية التوصل إلى حل الدولتين. إنه يدرك أن الأمر سيستغرق الكثير من العمل الشاق. سيتطلب الأمر الكثير من القيادة الحكيمة هناك في المنطقة، خاصة على جانبي القضية، والولايات المتحدة ملتزمة بشدة برؤية هذه النتيجة في نهاية المطاف”. وبينما أشيد بموقف الرئيس بايدن ومشاعره فيما يتعلق بمتطلبات الدولة الفلسطينية، فإنه يحتاج إلى تحريك الإبرة إلى أبعد من ذلك وتحذير نتنياهو من أنه لم يعد بإمكانه اعتبار الموقف الأميركي المتمثل في أن إنشاء دولة فلسطينية يجب أن يأتي من مفاوضات إسرائيلية-فلسطينية مباشرة.
بينما قد يختار بايدن، لأسباب سياسية، عدم السير على خطى رؤساء وزراء إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إلا أنه يجب، على الأقل، أن يسمح للسلطة الفلسطينية بإعادة تأسيس بعثتها في واشنطن وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية. وإذا كان بايدن ملتزمًا حقا بهذه النتيجة، فعليه إثبات ذلك من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية على الأرض. هذا هو الوقت الذي يحتاج حقا إلى القيادة، ولا يستطيع أي رئيس دولة في جميع أنحاء العالم أن يثبت ذلك في هذه الساعة الحاسمة أكثر من الرئيس بايدن لتقريب حل الدولتين إلى الواقع.
من المؤكد أن بايدن يؤمن بما قاله رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز: “هذا الاعتراف ليس ضد أحد؛ وهو ليس ضد الشعب الإسرائيلي. إنه عمل لصالح السلام والعدالة والاتساق الأخلاقي”. ويمكنني أن أضيف أن هذا واجب أخلاقي قامت عليه إسرائيل نفسها.
لقد حان الوقت لكي يدفع نتنياهو ثمن جر إسرائيل إلى هذا المستنقع المحفوف بالمخاطر. ولكن مرة أخرى، فإن الذي قاوم إنشاء دولة فلسطينية بكل ما أوتي من قوة جعل من احتمال قيامها الآن أكثر من أي وقت مضى.
*ألون بن مئير: صحفي إسرائيلي من أصل عراقي. ولد في بغداد في العام 1937. مختص بسياسات الشرق الأوسط، وخاصة مفاوضات السلام بين إسرائيل والعالم العربي. يعد من داعمي السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومن خصوم اليمين الإسرائيلي المتطرف.
——————————————–
معاريف 22/7/2024
فلنغير الاستراتيجية
بقلم: د. دان شيبون
خبير في العلوم السياسية ومجالات الاستراتيجية، الجيش والامن
الصين ترى في تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها – الموقف الذي حظي باعتراف دولي في 1971، عندما اعترفت الأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية كالممثل الرسمي للشعب الصيني. مؤخرا تشدد الصين الضغط العسكري على تايوان في ظل خرق سيادتها وحدودها الإقليمية في البحر وفي الجو.
بينما توقعت تقديرات سابقة اجتياحا صينيا لتايوان حتى 2035 او في اقصى احد 2049، فان مناهج جديدة تشير الى إمكانية استراتيجية مختلفة. هذه الاستراتيجية المسماة “القتالات الثلاثة”، تتضمن قتالا نفسيا (تجاه الخصم)، قتال الرأي العام (تجاه الداخل)، والقتال القانوني (في الساحة الدولية). وهي تتركز على اعمال في “المجال القاتم” – ضغط عسكري متواصل، حصار متشدد، تلاعبات سياسية وحرب وعي، بهدف تشويش قدرة تايوان على اتخاذ القرارات بشكل تلقائي تجاه الخارج، في الاقتصاد وفي الامن واضعاف تايوان من الداخل.
هذا النهج يعكس أسلوب التفكير الصيني المتعلق بالسياق و “الصبر الاستراتيجي”، القائم على أساس وعي استراتيجي بعيد المدى. ومع ذلك من المهم الإشارة الى ان الصين لا تستبعد إمكانية عمل عسكري مباشر.
في هذا السياق، من المهم التطرق الى اصطلاح (ثقافة استراتيجية)، الذي يصف كيف تفكر دول مختلفة وترد بشكل مختلف على التهديدات والفرص الاستراتيجية. يتضمن هذا الاصطلاح ضمن أمور أخرى قيما ثقافية، مفاهيم تاريخية وتجربة وطنية، مؤسسات سياسية ومبان تنظيمية، ومقدرات ومفاهيم حول وظائف الجيش واستخدام القوة.
يمكن أن نلاحظ أسلوبين أساسيين في التفكير يؤثران على الثقافة الاستراتيجة:
التفكير الشرقي: المتعلقة بالسياق، المرنة، الطاقية، القادرة على احتواء التناقضات والتوترات الداخلية. وهي تحاول استخلاص التفوق من هذه التوترات وإيجاد حل شامل حتى لو لم يكن كامل الاوصاف (تتميز به الصين، روسيا ودول عربية).
التفكير الغربي: متعلق اقل بالسياق، متصلب اكثر، يصعب عليه احتواء التناقضات ويميل الى تفكيك الكامل الى اجزائه. هو يحاول أن يصلح كل جزء على حده ويركبها من جديد بشكل كامل (تتميز به إسرائيل، الولايات المتحدة ودول أوروبا).
المجتمع الإسرائيلي، الذي يتميز بأسلوب تفكير غربي، يصعب عليه ان يفهم أوضاعا مرتبة مثل سلوك حماس، الذي يدمج تطلعا لتحسين شروط المعيشة في القطاع من جهة، مع تخطيط هجمة انتحاريين توقع كارثة بعيدة المدى على غزة.
بشكل مشابه، زعماء إسرائيل في 1973 وجدوا صعوبة في أن يفهموا الاستراتيجية المزدوجة لانور السادات – إدارة اتصالات لمفاوضات سلام الى جانب استعداد للحرب.
في ضوء هذا الفهم لثقافات استراتيجية مختلفة، يمكن أن نقترح نههجا جديدا لمسألة غزة، يميل اكثر للنموذج الصيني تجاه تايوان، الذي يستند الى استراتيجية بعيدة المدى، بدلا من التطلع الى حل سريع. يدور الحديث عن استخدام جملة من الأدوات العسكرية والاقتصادية بشكل مرن، للاضعاف التدريجي للخصم، بدلا من محاولة لحسم سريع. الفكرة هي استغلال مواضع الضعف الداخلية والتوترات في داخل المجتمع لتشويش وضعضعة الخصم من الداخل.
وعليه، فبدلا من احتلال كامل وحكم عسكري طويل المدى نقترح على إسرائيل إدارة استراتيجية حرب في “المجال القاتم” – اقل حدة اكثر استنادا الى وسائل رقيقة. وهذه تتضمن:
اعلان عن انهاء الحرب من طرف واحد واستعداد لإزالة الحصار عن غزة بشروط واضحة تتمثل بتحرير كل المخطوفين ومغادرة قيادة حماس غزة؛ حتى تحقيق هذه الأهداف تواصل إسرائيل التحكم بمحاور استراتيجية مثل محور فيلادلفيا ونتساريم لمنع تهريب السلاح. إسرائيل تفرض حصارا بحريا وحصارا بريا، مع اجتياحات وتصفيات مركزة لرجال حماس لمنع إعادة تعاظم قوتها من جديد؛ إسرائيل تزيد المساعدات الإنسانية للسكان لكنها تمنع ترميم القطاع حتى تنفيذ شروط إسرائيل.
ان تنفيذ هذه الاستراتيجية كفيل بانقاذ إسرائيل من المأزق الذي علقت فيه في محاولة للوصول الى اتفاق مع حماس على تحرير المخطوفين.
——————————————–
هآرتس 22/7/2024
محور فيلادلفيا ليس العائق الأساس
بقلم: عاموس هرئيلِ
في خلفية السفر المخطط له لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في صباح اليوم فانه يتعزز الاجماع في اوساط رؤساء جهاز الامن بأنه يمكن ويجب التوصل الى صفقة التبادل مع حماس في الاسابيع القريبة القادمة. أبناء عائلات المخطوفين سمعوا من كبار قادة جهاز الامن، من بينهم رئيس الشباك رونين بار، بأنه يمكن التوصل الى تفاهمات تضمن رقابة اسرائيلية تمنع تهريب السلاح في معبر رفح ولا تُفشل الصفقة. القصد هو تطوير حلول تكنولوجية لتشخيص الانفاق ومحاولات التهريب بالتعاون مع مصر، التي تناقش اسرائيل معها طبيعة الترتيبات وموعد انسحاب قوات الجيش الاسرائيلي من محور فيلادلفيا. القضية الاكثر حسما تتعلق بطلب نتنياهو عدم تمكين مسلحي حماس من الانتقال من جنوب القطاع الى الشمال عبر ممر نتساريم.
مع ذلك، بعض رؤساء جهاز الامن يعتقدون أن نتنياهو سيجد طريقة لتجاوز هذه المشكلة اذا قرر أنه ينوي التوصل الى اتفاق. رئيس الحكومة يستمر في ارسال رسائل متناقضة في هذا الشأن. وايضا في الائتلاف المواقف منقسمة. رجال الامن تولد لديهم الانطباع بأن نتنياهو يتلاعب بمعسكري الائتلاف، من يؤيدون الصفقة ومن يعارضونها، وفقا لحاجاته، وأنه سيتخذ القرار في نهاية الامر حسب الظروف السياسية. بقي حتى الآن رؤية كيف سيؤثر اعلان الرئيس الامريكي، جو بايدن، الانسحاب من المنافسة على الرئاسة، على المفاوضات. في كل الحالات اذا توصل نتنياهو الى قرار فانه يتوقع أن يتم اتخاذه فقط بعد عودته من القاء الخطاب في الكونغرس وانتهاء الدورة الصيفية للكنيست، لأن نتنياهو يخشى من تعريض للخطر استقرار الحكومة. رئيسا الاحزاب اليمنية المتطرفة، ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يهددان بالانسحاب من الحكومة اذا تم التوقيع على صفقة تشمل تنازلات لا يوافقان عليها. نتنياهو صادق أمس على سفر طاقم المفاوضات لجولة محادثات اخرى مع دول الوساطة في يوم الخميس القادم. في موازاة ذلك نشر مكتب وزير الدفاع، يوآف غالنت، بيان استثنائي قبل سفر نتنياهو، جاء فيه بأنه “على خلفية الانجازات العملياتية في الحرب وجدت الظروف وهناك نافذة فرص محدودة لصفقة تحرير المخطوفين”.
العقيد احتياط ليئور لوتين، المستشار المقرب من غالنت والذي تخصص في العقود الاخيرة بالعمليات التي تتعلق بالاسرى والمفقودين، قال أول أمس في مقابلة اجريت معه في “اخبار 12” بأن “هذا هو الوقت المناسب. توجد فرص خاصة في المفاوضات، لكنها ستمر اذا لم يتم استغلالها. شروط الصفقة تتضمن اخطار يمكن لجهاز الامن احتواءها. هذا ما يقوله كل رؤساء اجهزة الامن. أن تضع امامهم شيء نظري وكأنه يمكن تحقيق اكثر بمزيد من الضغط العسكري، هذا غير صحيح”، قال واضاف. “الهواء في بالون المخطوفين آخذ في النفاد. لقد بقيت طبقة صغيرة من الاوكسجين. حماس قامت بتغيير موقفها. ففي السابق اشترطت الانتقال المرحلي في الصفقة (بين المرحلة الانسانية والمرحلة الثانية) في نهاية الحرب. الآن هذا غير موجود. فالضغط على رئيس حماس، يحيى السنوار، من قبل حماس نفسها ازداد بشكل كبير”.
التغيير في موقف حماس تمت ملاحظته في 3 تموز عندما ردت للمرة الاخيرة على اقتراح بايدن – نتنياهو للصفقة. رئيس الـ سي.آي.ايه، وليام بيرنز، قال في الاسبوع الماضي بأن قادة حماس في الميدان يطلبون من السنوار التوصل الى وقف لاطلاق النار وتحرير المخطوفين الاسرائيليين من اجل ذلك. يمكن الافتراض بأن محمد ضيف بالذات، رقم 2 في الذراع العسكري والذي كما يبدو قتل في عملية الاغتيال الاسرائيلية في 13 تموز، كان من بين الاشخاص في منظومة القوة الداخلية في حماس، الذي انتقل مؤخرا الى تأييد الصفقة. هذا ازاء علاقته الوثيقة مع المستويات الميدانية في الذراع العسكري.
الانعطافة في موقف حماس حدثت لعدة اسباب. بشكل جزئي يقولون في جهاز الاستخبارات بأن تفسير هذه الانعطافة يكمن في زيادة نجاعة الضغط العسكري. هذه النجاعة وجدت التعبير في تصفية محمد الضيف وفي الهجمات الجوية الكثيرة التي قتل فيها بضع عشرات من المخربين والقادة الميدانيين في حماس. سبب محتمل آخر يتعلق بالتغير في الرأي العام الدولي بالنسبة للحرب. في الاشهر الاولى من السنة اظهرت الدول الغربية الاهتمام الكبير بما يحدث في غزة، مع وجود انتقاد متزايد لاسرائيل ازاء قتل المدنيين والمشكلات في ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع. الآن الولايات المتحدة تنشغل بالدراما التي تحدث حول الانتخابات الرئاسية وانسحاب الرئيس الامريكي من المنافسة. الاحتجاج في الغرب ضد اسرائيل بسبب افعالها في القطاع تقلص، وفي حماس اصبحوا لا يعتقدون أن المنظمة تنجح في املاء جدول الاعمال الدولي، ووضع القضية الفلسطينية على رأسه.
في نفس الوقت دعم الجيش الاسرائيلي للصفقة يرتبط ايضا بسلم الاولويات الاستراتيجية. في الجيش آخذة في التبلور فكرة أن التحديات في جبهات اخرى، حزب الله، الحوثيين وخلفهم التوجيه من ايران، تزداد وتقتضي متابعة أكثر يقظة والاستعداد وتخصيص الموارد. في الجيش الاسرائيلي معنيون بمواصلة العمليات ضد حماس كلما كانت حاجة اذا انهار وقف اطلاق النار. ولكنهم يريدون تقليص حجم القوات الموجودة في القطاع من اجل الاستعداد لاحتمالية تصعيد آخر في لبنان.
ليس نهاية المطاف
يستمر في سلاح الجو وفي قيادة الجبهة الداخلية التأهب خوفا من هجمات اخرى بالصواريخ والمسيرات من قبل الحوثيين في اليمن. جزء من قرار مهاجمة اليمن في يوم السبت الماضي كان ينبع من الضغط الذي استخدمه الجيش. الجيش الاسرائيلي وسلاح الجو بشكل خاص يخططون منذ فترة طويلة لاحتمالية مهاجمة اليمن، رغم المسافة البعيدة، بسبب ازدياد العمليات الاستفزازية للحوثيين منذ بداية الحرب. حقيقة أن اطلاق المسيرة في فجر يوم الجمعة الماضي تسبب باصابات، قتيل وثمانية مصابين، زادت الضغط من اجل العمل.
نتنياهو نفسه لم يكن متحمس للرد. خلال الحرب حرص على القول في النقاشات الامنية بأن الحوثيين لا يعتبرون مشكلة بالنسبة لاسرائيل. وقد برر ذلك بأن العالم هو الملزم بالعمل على حماية الملاحة البحرية. عندما تشكل التحالف البحري ضد الحوثيين برئاسة الولايات المتحدة، قال نتنياهو بأن تشكيله اثبت صحة رأيه. لكن الهجمات الكثيرة لدول الغرب لم تزحزح الحوثيين عن موقفهم ولم تعزز أمن الملاحة في البحر الاحمر. قناة السويس وميناء ايلات تكبدا ضربة اقتصادية قاسية من الهجمات على السفن في البحر الاحمر وفي المحيط الهندي. في المنظومة السياسية قالوا إن هجوم الحوثيين في تل ابيب، ورد اسرائيل القاسي في ميناء الحديدية في اليمن، تقدم الدليل على أن نتنياهو اخطأ في قراءة الوضع. عقد الكابنت في يوم السبت الماضي بشكل استثنائي نبع ايضا من أنه لم تعرض عليه في السابق خطة هجوم في اليمن، لأن رئيس الحكومة لم ير أي حاجة اليها. صباح أمس اطلق الحوثيون صاروخ بالستي نحو ايلات. الصاروخ تم اعتراضه بصاروخ “حيتس 3” الاسرائيلي، الذي تم اطلاقه من جنوب اسرائيل. ولكن في منطقة ايلات سمعت صفارات الانذار خشية سقوط شظايا بسبب الاعتراض. لم تكن أي اصابات، والنجاح في الاعتراض اعتبر أمر مفهوم ضمنا، رغم أنه تم استخدام منظومة “حيتس” بصورة جارية للمرة الاولى فقط الحرب الحالية. في اسرائيل يعتقدون أن هذا ليس نهاية المطاف وأن الحوثيين سيواصلون محاولة ضرب اهداف اسرائيلية. المتحدثون الحوثيون هددوا في الاشهر الاخيرة بتشويش حركة الملاحة حتى في موانيء اسرائيل على البحر المتوسط، حيفا واسدود، كما فعلوا لحركة الملاحة البحرية في ميناء ايلات. المليشيات الشيعية في العراق تفاخرت عدة مرات منذ بداية الحرب بأنها قامت بمهاجمة هذه الموانيء، رغم أنه لم يتم تشخيص أي مسيرات قربها.
——————————————–
هآرتس 22/7/2024
“ليس فيه بنى تحتية كثيرة لتدميرها”.. لقادة إسرائيل: اهزموا الحوثيين بقطعهم عن إيران
بقلم: كسانيا سفتلوفا
هجوم إسرائيل السبت في الحديدة وجه لبنى تحتية مهمة تخدم الحوثيين، مثل مخازن للنفط ومخازن للسلاح ومخازن للذخيرة. قبل سنتين، في آذار 2022، قام التحالف السعودي، الذي كان يحارب المتمردين في اليمن منذ العام 2015، بقصف مدينة الميناء الاستراتيجية رداً على مهاجمة الحوثيين في جدة. هذا الهجوم أضر بالبنى التحتية النفطية، وقلب اقتصاد السعودية. ولكن الرياض عرفت بأنهم لن ينجحوا في تحقيق الهدف الأساسي المتمثل بإسقاط نظام الحوثيين في أجزاء في اليمن، من أجل تمكين قوات معتدلة أكثر من إعادة السيطرة على الدولة الأكثر فقراً في العالم العربي.
بدأ الحوثيون كقبيلة شيعية – زيدية في شمال اليمن، التي عانى أبناؤها من الاضطهاد والتمييز لسنوات كثيرة. ولكنهم بالتدريج، راكموا القوة ووسعوا نفوذهم في مناطق واسعة في اليمن، على حساب قوى أخرى كانت لها علاقات مع دول الخليج. راقب السعوديون من كثب وفقدوا الهدوء. فقد عرفوا أن كل خططهم الطموحة، مثل عدم الاعتماد على أموال النفط وتطوير السياحة والعثور على مستقبل آخر، ترتبط بالاستقرار الإقليمي. وقبل أي شيء آخر، الاستقرار في منطقة الخليج.
في الهزة التي أحدثها الربيع العربي في بداية العقد السابق، صعد نجم الحوثيين، الذين نقشوا على رايتهم تعبيرات الكراهية مثل “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل” و”الخزي لليهود”، وقد حصلوا على احتضان دافئ ومتعاطف من إيران. السعودية والإمارات راهنتا على الحكومة الرسمية في اليمن، التي تم تشكيلها من الأعداء السياسيين للحوثيين. ولكن عندما دخل الحوثيون بصرخات الفرح إلى العاصمة صنعاء وميناء الحديدة وسيطروا على الحكم هناك، في الرياض وفي أبو ظبي قرروا العمل.
منذ العام 2015 وحتى نهاية 2022 حارب تحالف برئاسة السعودية المتمردين الذين كانوا أضعف منه بكثير. العالم اتهم الرياض وحلفاءها بخرق حقوق الإنسان والتجويع الجماعي عندما حاولوا إغلاق ميناء الحديدة ووقف إرساليات السلاح من طهران. وقالت السعودية إنها تحارب بأيد مكبلة، في حين أن منتقديهم يتهمونهم باستراتيجية فاشلة وغياب تصميم.
لم يظهر معظم أرجاء العالم أي اهتمام بهذه الحرب، ولم يعرف الكثير عن تفاصيلها. في كانون الأول الماضي، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار آخر بين الطرفين، بعد أربع سنوات على انسحاب الإمارات من التحالف. ولكنها استمرت في تطوير قواعد القوة في جنوب اليمن، لا سيما في جزيرة سقطرى، بعد تسعة أشهر على توقيع السعودية وإيران على اتفاق للتعاون الاستراتيجي. وقررت الرياض التنازل عن الهدف الرئيسي الذي يتمثل بهزيمة نظام الحوثيين وإعادة النظام الذي يؤيد السعودية إلى الحكم في صنعاء. وقد فعلوا ذلك لتحقيق الاستقرار والهدوء، وهي الأمور المطلوبة من أجل تطبيق البرنامج الطموح، “السعودية 2030″، من رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لم يظهر معظم الإسرائيليين أي اهتمام بالحرب في اليمن حتى فترة متأخرة. ولكن هناك من أدرك الإمكانية التدميرية الكامنة للحركة المتطرفة التي تقف في مفترق طرق استراتيجي في البحر الأحمر. وتم بذل الجهود لكبح الحوثيين، وحتى إسقاط حكمهم، ولكنها جهود فشلت. ثمة تشابه بين الوضع في اليمن والوضع في قطاع غزة، الآخذ في التدهور منذ سيطرت حماس على الحكم في القطاع في 2007.
اليمن دولة سيادية منذ 1962، وقطاع غزة جزء من حكم ذاتي فلسطيني ومنطقة جغرافية ما زالت تناضل من أجل الاستقلال؛ القاسم المشترك بينهما هو سيطرة منظمات أصولية تؤيد أجندة أيديولوجية متطرفة وتحصل على دعم من دولة تمنح الرعاية لمنظمات إرهابية في أرجاء العالم، إيران.
لاعب مارق في دول فاشلة
خلال 17 سنة حاول العالم العربي إجراء مصالحة بين حماس وفتح، لكن بدون نجاح. وخلال 17 سنة حاولت إسرائيل التخلص من حماس (بشكل رسمي على الأقل) بطرق مختلفة، بدءاً بالحصار وحتى العمليات العسكرية. خلال 7 سنوات، حاولت السعودية القضاء على نظام الحوثيين في اليمن (في حين كانت تحظى بمساعدة عربية وأمريكية)، لكن بدون نجاح. والأمم المتحدة لم تدفع قدماً بتحقيق أهدافها، مثل إحلال السلام ووقف دائم لإطلاق النار، سواء في غزة أو اليمن.
يبدو أن العالم غير قادر على مواجهة لاعب “مارق” مثل حماس وحزب الله والحوثيين، الذين يسيطرون على مناطق جغرافية أو على دول فاشلة. بسبب شلل الأمم المتحدة، لا قدرة على اتخاذ قرارات جريئة حيوية لسحب السيطرة على مجموعات سكانية في هذه المناطق من يد هؤلاء اللاعبين الخبيثين، مثلما حدث في كمبوديا في بداية التسعينيات.
في حينه، أخذت قوة للأمم المتحدة السيطرة من يد اللاعبين المحليين، وشكلت حكومة مؤقتة لإدارة الشؤون السياسية والقانونية والاقتصادية في كمبوديا. ربما كان هذا الحل المناسب أيضاً في دول أخرى ومناطق أخرى كانت فاشلة مثل الصومال ولبنان. الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بطرس غالي، كتب في بداية التسعينيات بأن النظام العالمي بدأ في تقديس مفهوم السيادة، بدون أي حاجة، حتى عندما كان واضحاً للجميع بأنه لا الدول والمجتمعات المدمرة تفقد القدرة على مواجهة التحديات الكثيرة وعزل الحكام الفاسدين ومنع استمرار الكارثة.
يعتبر اليمن مثالاً كلاسيكياً على الدولة الفاشلة. الحرب الأهلية سائدة فيه منذ سنوات كثيرة، تقريباً من اللحظة التي أعلن فيها عن استقلاله. حتى قبل صعود الحوثيين إلى سدة الحكم، كانت أجزاء واسعة فيه تسيطر فيها القاعدة ومنظمات جهادية أخرى. وكان لهذا دور في جعل الحوثيين الشيعة يحملون السلاح ويدافعون عن أنفسهم أمام صعود الإسلام السني الراديكالي.
في السابق، تدخلت مصر في اليمن من جهة، والسعودية من جهة أخرى. الآن القوة الأكثر هيمنة والتي تدفع الحوثيين للمواجهة مع إسرائيل هي إيران. خلال سنوات، كان اليمن “ثقباً أسود” في الشرق الأوسط، وقلائل اهتموا بما يحدث فيه. هذا إلى أن أصبح الحوثيون تهديداً بحجم إقليمي وحتى عالمي.
عانت إسرائيل من أعمال الحوثيين عشرة أشهر تقريباً، ومن الجيد أنها ردت على إطلاق المسيرة نحو تل أبيب. لكن قدرة إسرائيل وحدها لا تكفي لهزيمة الحوثيين. فهذه منظمة إرهابية تدعمها طهران، وتسيطر على سكان فقراء وجائعين، يعتمدون بصورة شبه مطلقة على المساعدات الإنسانية. لا يوجد في اليمن بنى تحتية كثيرة مثل التي تم ضربها السبت. وحتى لو تم تدمير ميناء الحديدة فسيكون للمجتمع الدولي بالتأكيد ما يقوله عن ذلك كما فعل إزاء عمليات قصف التحالف السعودي، إلا أنه مشكوك فيه أنها خطوة ستشل نشاطات الحوثيين لفترة طويلة بشكل كامل.
لهزيمة نظام رعب الحوثيين لا يجب هزيمته عسكرياً فحسب، بل قطعه أيضاً عن السفينة الأم، إيران، من خلال فرض الحصار البحري الوثيق وإيجاد بديل للنظام. وهذا لن يأتي بالضرورة من الساحة السياسية المتفككة في اليمن، بما يشبه الوضع في كمبوديا قبل ثلاثين سنة. وعندها سيكون بالإمكان توفير الأمن لمدن السعودية وإسرائيل، وحماية حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
لذا، المطلوب هو تحالف دولي يشمل إسرائيل ودولاً عربية أيضاً. من الواضح أن ذلك لن يحدث ما دام القتال مستمراً في غزة. ولن يكون الحل في القطاع بالضرورة محلياً، بل سيكون دولياً وإقليمياً أيضاً. كل من يسعى إلى “النصر المطلق” في جميع الساحات فعليه التركيز على التساوق مع اللاعبين الإقليميين والدوليين الرائدين، من أجل بلورة بنية هندسية إقليمية جديدة ومستقرة. هكذا يمكن التغلب على اللاعبين “المارقين” وعلى من تعطيهم الرعاية الكبيرة، إيران.
——————————————–
إسرائيل اليوم 22/7/2024
بدعم واشنطن.. كيف سيغير “التطبيع” قواعد اللعب في الشرق الأوسط؟
بقلم: د. يوآف هيلر
ثمة احتمال حقيقي للوصول إلى توقيع مع السعودية. هكذا قال الرئيس الأمريكي بايدن الأسبوع الماضي، في مقابلة مع مجلة “كومفليكت” الأمريكية بعد لحظة من إعلانه بأنه صهيوني ويؤمن بحق شعب إسرائيل على أرض إسرائيل.
لئن كان الاتفاق موضوعاً حقاً في هذا الوقت على الطاولة، فالحديث يدور عن تحول استراتيجي ذي معان بعيدة الأثر على دولة إسرائيل. كان هذا يحصل عشية الحرب، والآن يعلن الرئيس الأمريكي مرة أخرى عن استعداد ملموس من جانب السعودية للاعتراف بدولة إسرائيل بشكل كامل، وتعقد حلف دفاع مع الولايات المتحدة.
يشار إلى أن السعودية تطالب في إطار الاتفاق بسلاح وإقامة مشروع نووي مدني.
نحن ملزمون بأن نفهم: حلف دفاع إقليمي مستمر من إسرائيل وحتى دول الخليج. تفضلوا بإعطائي مكرمة بفتح خريطة والنظر إليها. تواصل جغرافي سياسي يمتد 3 آلاف كيلومتر من البحر المتوسط وحتى بحر العرب، فلئن شعرنا بعظمة التغيير التاريخي باتفاقات إبراهيم، فقد بات الحديث يدور هنا عن خطوة استراتيجية مهمة وصلت إلى أعتابنا في العشرين سنة الأخيرة، وهذا دون الحديث عن المعاني الاقتصادية.
هذا هو الطريق الوحيد للانتصار على محور الإبادة الذي تعد إيران رأس حربته. فنحن نشعر بهذا المحور في إطار عمله منذ تسعة أشهر. ولهذا، حان الوقت للتذكير بأن الناس ينتصرون في ميدان المعركة، ويستحسن ساعة مبكرة أكثر، لكن التاريخ يثبت بأن الانتصارات الحقيقية لا تتحقق إلا بدمج الدبلوماسية والتحالفات الاستراتيجية التي تسمح بنصر دائم على مدى الزمن. وهذا ثبت في اتفاقات إبراهيم التي جلبها نتنياهو مع دول الخليج، وسيثبت بقوة أكبر إذا ما اتسعت الخطوة بشكل كبير ودراماتيكي في دولة مثل السعودية.
صحيح أن الحديث عن التطبيع مع السعودية ليس جديداً، لكن تجدده مهم الآن، في وقت تشهد فيه الحرب على احتمال اتفاق كهذا بوساطة أمريكية.
في إسرائيل، حسب استطلاع أجريناه، فإن 75 في المئة من الجمهور يؤيدون مثل هذا الاتفاق. يمكن الحديث عن رحلات إلى الرياض، وإبحار في خليج إيلات، لكن القصة هنا أكثر أهمية وحرجاً بكثير. السعودية – مكان ولادة الإسلام، الدولة الكبيرة في شبه الجزيرة العربية، مصدرة النفط الأكبر في العالم وإحدى الدول ذات السيولة النقدية الأكبر في العالم – ناضجة للاعتراف بدولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية وإقامة حلف إقليمي جغرافي سياسي بدعم كامل من الولايات المتحدة.
من المهم أن نفهم شيئاً إضافياً: ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود، مع زعماء آخرين في دول الخليج والمغرب، يعرض نموذجاً واحداً من الإسلام المعتدل ويمد اليد لباقي العالم. وتكمن في هذا النموذج مصالح، لكن لا يزال الحديث يدور عن مسيرة عميقة وواسعة. والدليل، يكفي الانتباه لتغييرات في مناهج التعليم وجهاز التعليم في هذه الدولة أجريت في السنوات الأخيرة باتجاه ليبرالي ومفتوح كي نفهم الاتجاه الذي تسعى للسير فيه.
جزء من انتصارنا على محور الإبادة الإيرانية سيكون بالخروج من هذه الحرب مع اتفاق إقليمي برئاسة السعودية والدعم الأمريكي.
هذا مغير لقواعد اللعب في الشرق الأوسط بكل معنى الكلمة.
——————————————–
هآرتس 22/7/2024
تجنيد الحريديم: الجيش يستجدي بسبب ضائقته البشرية.. والحاخامات “إن قبلنا فبشروطنا”
بقلم: أسرة التحرير
قبل أسبوع أقرت الحكومة تمديد الخدمة الإلزامية للرجال في الجيش الإسرائيلي بأربعة أشهر، في محاولة للتصدي لضائقة القوى البشرية لدى الجيش عقب الحرب في قطاع غزة وقبيل مواجهات أخرى. وبينما لا يعرف الجنود في “النظامي” متى سيسرحون، خصوصاً مع تراكم أوامر 8 وتبدد وعود بمنحة يتلقاها طلاب يخدمون في “الاحتياط”، يتمتع قطاع واحد بمعاملة متسامحة على نحو خاص من جانب سلطات الدولة.
الجيش الإسرائيلي لم يخلق تملص الحريديم من الخدمة، لكنه سلم بها. غير أن قادة الجيش بعد 7 أكتوبر باتوا مطالبين بفرض قانون الخدمة الإلزامية: بدون غمزات وبدون مساعي إقناع لدى الحاخامات أو وعود بمجال نقي من كل تلميح بوجود نسائي.
أمس، بعث الجيش الإسرائيلي بنحو ألف أمر أول للحريديم أبناء 18 – 26؛ معدل طفيف من أصل 64 ألفاً من ملزمي التجنيد. في الأسابيع القادمة سترسل دفعتان أخريان، يتقرر حجمهما وطابعهما وفقاً لنزوات زعماء الحريديم. هؤلاء يخافون فقدان السيطرة على تلاميذهم، لكن ليس في ذلك ما يشكل ذريعة لسلوك غير متساو.
حسب الجيش، فإن استمرار الحرب ومدى الإصابات يستدعيان تجنيد 10 آلاف شرطي للخدمة النظامية، والدائمة، والاحتياط. ومثلما قضت محكمة العدل العليا مؤخراً، فإن التمييز بين دم العلمانيين ودم الحريديم لن يستمر. كما أنه لا معنى أو سبب قانوني لانتظار الحكومة. “على الجيش الإسرائيلي أن يعطي الرأي إزاء التحديات التي تقف على أعتابه هذه الأيام، مثلما لاحتياجات الأمن الملموسة. قرار القائد (الجيش الإسرائيلي) لن يكون منقطعاً عما قيل آنفاً، وعليه أن يعكس الواقع الأمني الذي نعيشه هذه الأيام”، قضى قضاة المحكمة العليا.
لم تشر محكمة العدل العليا إلى هدف التجنيد، بل إلى عدم وجود أساس قانوني لمنح إعفاء الحريديم من الخدمة. فلماذا إذن يخطط الجيش الإسرائيلي لإرسال 3 آلاف أمر فقط إلى الحريديم؟ على الجيش الإسرائيلي ألا يراعي التوترات السياسية في الحكومة. تجنيد الحريديم مجال قرر الجيش أن يظهر فيه تسامحاً اعتدالاً وحساسية. الجيش، الذي لا يسأل أبناء 18 العلمانيين إذا كانوا يريدون الخدمة، يستجدي زعماء الحريديم بالتفضل بطيبة أن يوقفوا تملص تلاميذهم من الخدمة.
إن وعود كبار رجالات الجيش للحاخامات بعدم تلقي الحريديم المزمع تجنيدهم نساء في أثناء خدمتهم، هي وعود لا يقبلها العقل. فالجيش لا يفترض أن يتعاون مع الفكرة التي ترى في النساء موبئة. المساواة، في التجنيد وفي الخدمة، هي مبدأ أساس محظور التآكل فيها. كل “مرونة” ستزيد مطالب الفصل بين الجنسين في باقي مجالات الحياة. على الجيش الإسرائيلي أن يحترم القانون.
——————————————–
هآرتس 22/7/2024
بايدن لنتنياهو: “لا تفعل”
بقلم: نوعا ليمونا
هذه دعوة يائسة للرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي أعلن أول من أمس عن انسحابه من المنافسة على الرئاسة. في الحقيقة هذا هو وقتك القاسي، وربما أن إسرائيل لا توجد على رأس اهتماماتك. ينشرون بأنك معزول ومهان. أيضا أنك فحصت تأخير الإعلان إلى ما بعد زيارة نتنياهو في واشنطن. أنت لم ترغب في إعطائه هذه المتعة.
اضافة اعلان
هناك طريقة أخرى لغرس إبرة في بالون غطرسة نتنياهو. أنت تعرف ما هو السيرك المتوقع أن يتم عرضه في الأيام المقبلة. هو سيلقي خطابا في الكونغرس، وسيعبر عن الشكر المنافق لإسهام أميركا، وسيعطي إشارات على أنه كان يمكنكم أن تفعلوا المزيد، وسيحظى بالتصفيق من الجمهوريين، وربما حتى الوقوف “تقديرا” على حسابك. هو يأمل الالتقاء معك، وأكثر من ذلك مع دونالد ترامب، الذي تعول الحكومة الأكثر تهديدا في تاريخنا على عودته إلى البيت الأبيض. الزيارة يتم تسويقها هنا على أنها فرصة للتأثير على الشعب الأميركي ومنتخبيه من أجل مصالح إسرائيل. ولكن نحن نعرف أن جمهور الهدف الأساسي في هذا الاحتفال هو نحن، وأن الهدف هو تحسين صورته المهتزة وعرضه كزعيم عالمي له تأثير دولي.
نتنياهو سافر وترك وراءه دولة مشتعلة. حرب في جبهات عدة، حزب الله، الحوثيون، إيران، حماس في قطاع غزة، وصفقة تبادل توجد في أفضل حالاتها، على بعد خطوة من التوقيع عليها، وهي لا تتقدم كما يبدو بسبب دوافعه السياسية – الشخصية. ولكننا نعرف جيدا أسلوبه المتحايل. منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) رغم الضغوط عليه للدفع قدما بصفقة التبادل للمخطوفين، الذين يبدو أن إعادتهم لا تهمه أكثر من الوزراء في حكومته.
رغم ما يقال من تراجع ذهني لبايدن إلا أنه عاقل ومنطقي وإنساني حتى أكثر من نتنياهو وترامب.
المحاولة الأخيرة، الإعلان عن اتفاق مع لجنة على الخطوط العريضة لنتنياهو من أجل إجباره على التقدم، هي التي ستحرك المفاوضات من جديد. يمكن لنتنياهو أن يستمر في الحديث عن الضغط العسكري، لكن من الواضح لنا أن هذا الإنجاز تحقق بفضلك. ولكن هذا الإنجاز ايضا نجح نتنياهو في تفجيره.
خلافا للمعاملة الدافئة والأصيلة تجاه عائلات المخطوفين، فإن نتنياهو، ومبعوثيه، يظهرون تجاههم الاستخفاف المؤلم. “المخطوفون يعانون، لكنهم لا يموتون”، قال مؤخرا. عائلاتهم قلقة جدا. معظم الإسرائيليين يؤيدون إعادتهم، وواضح أنه فقط صفقة هي التي ستعطي الأمل لتغيير الديناميكية الدموية، التي تبعث على اليأس، التي نوجد فيها منذ أشهر، وهي التي ستدفع بالتهدئة على كل الجبهات وتحرك عملية كان من المفروض أن تحدث منذ فترة، التوصل إلى اتفاق دائم مع الفلسطينيين. إذا لم تتحقق هذه الاحتمالية، فإن مستقبلنا هنا سيكون حزينا بدرجة لا يمكن تخيلها. العيش على حد السيف، عزلة دولية، وإسرائيل ستفرغ من قوتها الديمقراطية ومن مواطنيها الليبراليين الذين يريدون الحياة، وستبقى في يد المتطرفين في الطرفين.
بالتحديد الآن، لأنه لم يعد لديك ما تخسره، يجب أن تقف أمام نتنياهو بحزم أكثر من أي وقت مضى، وتطلب منه التوقيع على الصفقة. لا تسمح له بخداعك بالكلام المعسول، أو نشر بيانات كاذبة للصحافة، وإذا فعل ذلك يجب عليك الخروج والقول لوسائل الإعلام بصوت مرتفع وواضح: “إن نتنياهو لا يريد الصفقة بسبب دوافعه الشخصية. يجب عليك الوقوف إلى جانب إسرائيل كما وقفت في بداية الحرب. هذه المرة يجب عليك أن تقول لنتنياهو “لا تفعل”.
——————انتهت النشرة—————-