ليست المرة الأولى التي يجتاز فيها أردنيون الحدود مع فلسطين المحتلة، وينفذون عمليات مقاومة ضد الاحتلال ومواقعه العسكرية، لكنّ عملية إطلاق النار التي وقعت صباح اليوم الأحد وأدت لمقتل 3 إسرائيليين قرب معبر الكرامة جاءت في وقتٍ حساس، ومكانٍ اعتقدت “إسرائيل” أنها قد حيّدته وعززت وجودها الأمني فيه منذ زمن بعيد.
وصباح اليوم، نفذ سائق شاحنة أردني عملية إطلاق نار قتلت ثلاثة إسرائيليين عند معبر الكرامة الحدودي مع الأردن شرقي الضفة الغربية، وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ المنفذ أطلق النار من مسافة قريبة جدًا على “حراس الأمن” المتواجدين في صالة الشحن، قبل أن يرتقي شهيدًا برصاص شرطة الاحتلال.
ويجمع مراقبون أنّ العملية التي جاءت بعد 11 شهرًا من الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، وتصعيد العدوان على مدن ومخيمات الضفة الغربية، تُمثل فشلًا استخباريًا جديدًا للاحتلال، ودافعًا قويًا لتصرفات مشابهة من بقية الجبهات “فردّة فعل الشعوب ستتجاوز المسيرات التضامنية طالما أن الجرائم بحق الفلسطينيين متواصلة”.
وقال الخبير في الشؤون العسكرية الأردني محمد مقابلة، إنّ عملية معبر الكرامة تمثل “العدوى العاطفية” للشعوب التي لا يُمكن حصرها أو توقعها؛ في ظل استمرار الحرب الوحشية وما خلّفته من أزمة إنسانية غير مسبوقة، دون تحرك عربي فعّال لوقفها.
وأشار مقابلة، إلى أنّ العملية إثبات جديد على أنه “لا يمكن الاستفراد بالضفة وغزة دون ردود من الشعوب العربية، كما أنها رسالة ضاغطة على الأنظمة العربية لاتخاذ مواقف جادة وحقيقية حيال ما يجري في المنطقة”.
وتأتي العملية لتوصل رسالة واضحة مفادها أنّه يستحيل “تذويب الشعوب في اتفاقيات التطبيع، وسخلها عن قضية فلسطين التي لطالما كانت قضية العرب المركزية”، وفق مقابلة.
وأضاف أنّ هذه العملية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، “ستتكرر وهي فعلًا تُشكل تهديدًا للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وستدفع الأنظمة العربية لاتخاذ متغيرات جوهرية في السياسات الداخلية والخارجية بما يضمن إقناع شعوبها بوجود دور فعّال للأنظمة في إدارة الصراع”.
في المقابل، رجح الخبير العسكري أن تتخذ سلطات الاحتلال إجراءات معاكسة تمس الحدود مع الأردن وتغيّير القواعد الأمنية المدرجة في معاهدة السلام مع عمان “وادي عربة” التي لا يلتزم بها أساسًا.
وكان جيش الاحتلال قد فرض في أعقاب العملية، طوقًا أمنيًا واسعًا حول مدينة أريحا وأغلق المعبر أمام حركة المرور، وسط انتشار عسكري واسع في المكان؛ تحسبًا لوجود مقاومين آخرين ينون تنفيذ عمليات مشابهة في الأيام القادمة.
من جانبه، أشاد كبير عشائر الأردن طراد الفايز بعملية إطلاق النار التي وصفها بأنها “عمل بطولي وردّ طبيعي على المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس”.
وأكد الفايز أنّ العملية وإن جاءت متأخرة لكنها “ترجمة لمشاعر الغضب التي تكتنف صدور الشعوب العربية إزاء ما يجري من قتل وتجويع وتشريد لشعب أعزل”، مضيفًا “كما أنّ بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته المتطرفين لم يترددوا في إظهار أطماعهم بالأردن لجعلها بمثابة وطن بديل لفلسطينيي الضفة الغربية وها قد جاء رد الأردنيين عليهم”.
وحذر، من أنّ العربدة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية لن تؤدي في المحصلة إلا لمزيد من اشتعال النيران وتمددها من جبهات لا يتوقعها ولم تكن يومًا في حساباته.
تعبير عن حالة الغضب..
بينما اعتبر الكاتب الأردني حمادة فراعنة العملية أنها “استثنائية من حيث المضمون والتوقيت، فهي خرجت من الساحة التي بقيت آمنة ومستقرة في الغالب، وفي وقتٍ يُظهر الاحتلال نواياه العدوانية اتجاه الأردن؛ ما عاظم شعور القلق والغضب لدى الأردنيين.
وأضاف أنّ العملية “تُظهر حجم الضغط النفسي الذي تعانيه الشعوب العربية، تجاه ما ترتكبه إسرائيل من مآسٍ ومجازر في الأراضي الفلسطينية، كما أنّها تعبر عن حالة الغضب الكامن في النفوس من الموقف العربي الضعيف الذي لم يستطع حتى الآن لوضع حدٍ لجرائم الاحتلال”.
وأكد فراعنة، أنّ جرائم الاحتلال المتصاعدة تُشكل حافزًا قويًا لأي شخص عربي وحر يؤمن بالحالة الكفاحية وتعكس عزيمته القوية في الثأر انتصارًا للمدنيين العُزل.
ورأى أنّ عوامل سياسة عدة قد تكبح جماح أي تصعيد، لكنّ العملية وما تبعها من مباركات شعبية واسعة تشير إلى أنّ حالة الانفجار واردة في أي لحظة.
وبالرغم من استبعاد الكاتب أن تؤثر العملية على العلاقة بين الطرفين رسميًا (إسرائيل والأردن)، إلا أنّه أشار لوجود تخوف إسرائيلي استراتيجي من رمال هذه الجبهة التي تتحرك بسخونة عالية عندما تعصف بها الأجواء.
مست خاصرة “إسرائيل” الرخوة..
في الآونة الأخيرة، تصاعد مؤشر الخطر داخل “إسرائيل” من طول الحدود الأردنية التي تمتد لمئات الكيلومترات، وتهريب الأسلحة والمعدات العسكرية بشكلٍ واسع إلى الضفة الغربية لتنفيذ عمليات مقاومة ضد الاحتلال وآلياته والتصدي لاقتحاماته التي تصاعدت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول الفائت، لكنّ هل كان في الحسابات الإسرائيلية ضربة كالتي نفذها السائق الأردني؟
الجنرال اللبناني المتقاعد أكرم سيروي قال إنّ العملية مسّت الخاصرة الرخوة لدولة الكيان والتي تتمثل في أطول جبهة حدود معها في المنطقة الغربية، وكانت قد همشتّها أمنيًا بفعل الهدوء طيلة العقود الماضية.
ولفت سيروي، إلى أنّ التقديرات الإسرائيلية طوال السنوات الماضية كانت تنادي بأهمية وضع سياج على طول الحدود مع الأردن لزيادة تأمينها، لكنه يُخضعها كما الواقع مع الحدود المصرية على أنها جبهات خاملة ولا تشكل خطرًا استراتيجيًا مقارنة بسخونة الجبهات الأخرى.
وتحمل هذه العملية ثلاثة أبعاد مهمة في الواقع العملياتي بالنسبة لدولة الاحتلال، أولها أنّ الجبهة الخاملة أصبحت فاعلة ونشطة وتمثل حالة قلق حقيقة، وفق سيروي، بينما يتمثل البعد الثاني في صعوبة السيطرة على غضب الشعوب العربية خاصة فلم تعد المسألة مسيرات تضامنية يمكن احتوائها وقمعها.
أما البعد الثالث، فهو الأثر الذي ستتركه العملية في نفوس الشعوب التي تعيش ضمن جبهات خاملة، حيث ستُشكل دافعًا قويًا للانتصار لدماء الفلسطينيين بأساليب وعمليات مشابهة وهذا مثار قلق لـ “إسرائيل”، بحسب ما جاء على لسان سيروي.
من الناحية المعنوية، رأى ضيفنا أنّ هذه العملية ستُذكّر العرب بقضية فلسطين التي لطالما كانت قضيتهم المركزية، مضيفًا: “الخوف من تسرب مقاومين لفلسطين المحتلة، يعني الحاجة لمزيد الكتائب القتالية التي لن تستطيع مواجهة كل الجبهات في آنٍ واحد، وهذا يكشف عن حالة الاستنزاف غير المسبوقة التي تعيشها إسرائيل حاليًا”.