الصحافة العبرية … الملف اليوم الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

يديعوت 22/10/2024

ثـــمّــــة حــــدود للتحــالـــف مــع أميركـــــا

بقلم: مايكل أورن

إذا كنتم تتساءلون لماذا يمكن أن تقرر إسرائيل عدم تنسيق العمليات التي تخطط لها ضد إيران مع الولايات المتحدة، اقرؤوا الوثائق الاستخباراتية الأميركية التي تُعتبر سرية للغاية، والتي سُربت، مؤخراً، إلى قناة تيليغرام الموالية لإيران. اعتبرت أطراف أميركية الوثائق صحيحة وموثوقاً بها، وهي تصف المساعي الأميركية في موازاة الاستعدادات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي للرد على الهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيّرات؛ أيضاً ظهرت احتمالات مختلفة تتعلق بالأهداف المحتملة التي ستهاجمها إسرائيل. إن تسريب الوثائق مع مضمونها السري والحساس يقلل من فرص نجاح العملية الإسرائيلية المخطط لها، ويعرّض المكلّفين بتنفيذها للخطر.

يجب ألّا تحول هذه الحادثة دون التعاون الأمني المهم بين إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من خطورتها. ففي النهاية، الإدارة الأميركية منحتنا دعماً دبلوماسياً ومالياً هائلاً، وساعدتنا في التصدي للآلاف من صواريخ العدو بنجاح. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد دفع الرئيس بايدن ثمناً سياسياً باهظاً ومهماً جرّاء تأييده لنا. وعلى الرغم من الخلافات في الآراء وتصدّع الثقة الناشئ بيننا وبين الولايات المتحدة، فإنها تظل أكبر حليفة لنا، ولا بديل منها.

لكن لا يمكننا تجاهُل الفجوات الكبيرة مع حليفتنا المهمة وبين دولة إسرائيل. نسمع في الأخبار جهات أساسية في الولايات المتحدة تعبّر عن مخاوفها من تدهور سريع نحو حرب إقليمية في الشرق الأوسط. كما نسمع في الأخبار أن الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل لكبح عملياتها في غزة ولبنان، وتحثّها على التوصل إلى وقف إطلاق نار كامل، وتشكك في تعهُّد إسرائيل تقليص عدد الضحايا المدنيين الذين يُقتلون جرّاء الحرب. صحيح أن الرئيس بايدن تعهّد بمعاقبة “حماس” بشدة بسبب قتلها المخطوفين الأسرى، وكذلك تعهّد بمعاقبة إيران بسبب المئتَي صاروخ التي أطلقتها على إسرائيل، لكن في نهاية الأمر لم يفعل شيئاً باستثناء زيادة الضغط علينا.

يمكننا أن نفهم عدم رغبة الشعب الأميركي في التورط في مستنقع الشرق الأوسط المحفوف بالمخاطر، ولا سيما لدى العودة إلى الحروب الفاشلة التي خاضتها أميركا في العراق وأفغانستان. كما يمكن أن نفهم معارضة البيت الأبيض الدخول في خضم الحرب من دون تحديد تاريخ معروف لنهايتها مسبقاً، وهو الذي تباهى بأنه وضع حداً “للحروب التي لا نهاية لها”.  أيضاً يمكن أن نفهم الحزب الديمقراطي خصوصاً، الذي يمكن أن يخسر الإدارة الأميركية بسبب سياسته حيال حرب تدور على بُعد آلاف الكيلومترات عنه، ولا تشكل تهديداً مباشراً للقارة الأميركية.

من المؤكد أنه يمكننا فهم هذا كله. لكن هذا الفهم لا يفرض علينا أن ننسى مصالحنا القومية العليا التي يجب علينا المحافظة على وجودها. لا تستطيع دولة إسرائيل إظهار ضعف حيال أعدائها، وألّا تنفّذ التهديدات بالانتقام. نحن لسنا محاطين بمحيطَين كبيرَين يعزلاننا عن المخاطر الوجودية.

كذلك، لا يمكننا تجاهُل المصالح الأميركية والسياسة التي تنتهجها. مع ذلك، إلى جانب احترامنا لها، لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن ننسى، ولو ثانية واحدة، أننا في حرب إقليمية معقدة ودموية، ولا خيار أمامنا سوى خوضها. إن التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة أمر مهم وأغلى من الذهب، ويتعين علينا أن نأخذ في الحسبان مواقف الإدارة الأميركية، لكن أمن دولة إسرائيل وبقاءها أهم كثيراً.

——————————————–

عن “N12” 22/10/2024

الآثــــار المـترتـبــة علــى مقـتــل الســنــوار

بقلم: مئير بن شبات

يُعتبر اغتيال قائد “حماس”، يحيى السنوار، إنجازاً مهماً لإسرائيل، فإلى جانب الأهمية الرمزية للاغتيال من المتوقع أن تؤثر العملية أيضاً في مكانة الحركة وسياساتها ومواقفها وسلوكها. ومع كل ما تقدم لا نستطيع، حتى الآن، إعلان نهاية “حماس” التي أثبتت قدرتها على مواجهة الأزمات الصعبة. على إسرائيل مواصلة جهودها في قطاع غزة حتى استعادة المخطوفين وتحقيق الأهداف التي حددتها بالكامل.

وفي ما يلي الآثار الرئيسة للاغتيال:

ضربة لمحور المقاومة بقيادة إيران

يُعد اغتيال يحيى السنوار، الذي كان يعرف جيداً كيف يقدّر جهود الجمهورية الإسلامية في تعزيز قوة “حماس”، خطوة نحو القضاء على الذراع الغزّية لـ”الأخطبوط” الإيراني. يتزامن الأمر مع الضربة الكبيرة التي تعرضت لها ذراعه الأُخرى على حدودنا الشمالية، ورحيل حسن نصر الله وكبار قادة التنظيم.

ضربة معنوية وتنظيمية لـ”حماس” 

يُضاف السنوار إلى قائمة تضم إسماعيل هنية، ومحمد الضيف، ومروان عيسى، وعددا كبيرا من القادة الذين أداروا “دولة حماس” في غزة وبنوا قوتها العسكرية. يمثل موت هؤلاء بداية انهيار هذا المشروع، ومعه المحاولة الخطِرة لتأسيس كيان شبه دولتي لجماعة “الإخوان المسلمين” في منطقتنا.

نقل مركز صُنع القرار في  

“حماس” إلى القيادة في الخارج

على مدار سنوات، كانت قرارات “حماس” تُتخذ عن طريق التوافق بين قادتها في أربعة مراكز قوة: قطاع غزة، والضفة الغربية، والسجون الأمنية في إسرائيل، والخارج. في العقدين الماضيين، ازدادت تأثيرات قيادات غزة في هذه العمليات على حساب ممثلي الضفة والخارج. وفي ظل الأوضاع الراهنة في غزة، من المتوقع أن ينتقل مركز صُنع القرار إلى القيادة في الخارج، بقيادة خالد مشعل.

تعزيز الجهود في الضفة الغربية

من المحتمل أن يمكّن التغيير في موازين القوى داخل قيادة “حماس” خالد مشعل وشركاءه في القيادة، المتحدرين من الضفة الغربية، من تنفيذ رؤيتهم وتعزيز الجهود الهادفة إلى بناء بنية الحركة في الضفة الغربية. ومن المتوقع أن يحاول هؤلاء استغلال الفرصة لتحقيق تسويات تسمح للحركة بالاندماج في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كنقطة انطلاق للاستحواذ عليهما من الداخل.

مرونة أكبر في المفاوضات 

بشأن المخطوفين ومستقبل غزة

قد يسهّل اغتيال يحيى السنوار ومعظم المقربين منه في قيادة “حماس” في غزة على القيادة في الخارج التنازل عن بعض المطالب التي طرحها السنوار في المفاوضات، والتوصل إلى تفاهمات بشأن قضايا متعلقة بغزة، بما في ذلك قضية إطلاق سراح المخطوفين. ومع ذلك، ما دامت دماء عائلة السنوار حية، وخصوصاً أن شقيقه محمد لا يزال يشغل منصباً رفيعاً في الحركة، فمن المحتمل أن تظل هذه المسألة غير ملموسة في المواقف التي ستُعرَض. بل إن “حماس” قد تتبنى مواقف أكثر صرامة. لكن بمرور الوقت وزيادة الضغط عليها قد تزداد إغراءات القيادة في الخارج للتساهل، وبصورة خاصة إذا لم تعد تضم ممثلين للحركة من غزة. ينطبق الأمر نفسه على مسألة استمرار الحرب، و”اليوم التالي”، والعلاقات مع السلطة الفلسطينية، وبقية القضايا المتعلقة بمستقبل القطاع.

كيف ينبغي لإسرائيل أن تتصرف؟

لم تنتهِ الحرب ضد “حماس”، وهي ليست مقتصرة فقط على حدود غزة. إن أهداف الحرب لم تتحقق بالكامل حتى الآن. واستعادة المخطوفين هي الهدف الذي يُعتبر عنصر الوقت فيه حاسماً. وعلى المستوى الأمني، من الضروري الآن تكثيف الجهود في ثلاثة مجالات:

– تعزيز الضغط العسكري في شمال القطاع، وفي مناطق أُخرى. هذا ضروري لمنع تعافي “حماس”، وتعميق الضربة ضد عناصرها وما تبقى لديها من قدرات، وإفشال محاولاتها بشأن استعادة السيطرة، وقطع رؤوس القيادات التي سيتم تعيينها كبدائل. كما أن تعزيز الضغط سيوفر مبرراً لعناصر في “حماس” – إن وُجد مثل هذه العناصر – للسعي للتسوية بشأن مسألة المخطوفين. أمّا الخطوات التي تطالب بها الولايات المتحدة في المجال الإنساني، فمن الصواب التعامل معها فقط كجزء من التنازلات في المفاوضات.

– زيادة الضغط على دوائر صُنع القرار في مقر قيادة “حماس” في الخارج، وعلى قطر التي تستضيفها على أراضيها. لم يعد في إمكان قطر إلقاء اللوم على السنوار وشركائه فقط.

– تكثيف الجهود لضرب البنية التحتية العسكرية والتنظيمية للحركة في الضفة الغربية، لمنع مدّ قنوات التنسيق بينها وبين القيادة في الخارج، وإفشال القيادات في هذه المقرات المتورطة في تحريك النشاطات “الإرهابية”.

بعد مرور نحو عام على “المجزرة” الرهيبة، تواصل إسرائيل توجيه العالم الغربي نحو الطريقة المثلى للتعامل مع أذرع “الأخطبوط” الإيراني. في غزة، ولبنان، واليمن، والضفة الغربية. نتائج العمل العسكري مثيرة للإعجاب، لكن المهمة لم تنتهِ بعد. لا تزال أمامنا تحديات كبيرة. والأمر يتطلب إزالة كاملة للتهديدات، ومنع تجدّدها، وكذلك مواجهة “رأس الأخطبوط”.

——————————————–

معاريف 22/10/2024

حـتـى لا تكــرّر إسرائيـل سيناريـو الـعـام 2006 فـي جـنـوب لبنــان

بقلم: دورون ماتسا

ماذا نتذكر فعلاً من حرب لبنان الثانية، الحرب التي جرت في صيف 2006، والتي وقعت قبل 18 عاماً، وتحولت إلى أكثر الحروب مرارةً؟

لماذا كانت مريرة؟ لأنها كانت الحرب الأولى التي خاضتها إسرائيل، ولم تنتهِ بحسم مطلق، أو بانتصار واضح على الخصم، بل انتهت بنوع من التعادل (المر). لماذا الأولى؟ لأن هذه الحرب ونتائجها تحولت إلى نوع من نموذج من معارك مختلفة خاضتها إسرائيل في جبهات أُخرى، خصوصاً على الجبهة الجنوبية مع “حماس”. لم تعرّف هذه المعارك بمصطلح الحروب، بل بـ”عمليات”، أو بالاسم الذي اتُّفق عليه “جولات”.

عملية “الجرف الصامد (2014) كانت الأخيرة بين هذه الجولات، وسبقتها، بحسب الترتيب الكرونولوجي، “عمود السحاب” (2012) و”الرصاص المصبوب” (2008)، ومعارك صغيرة أُخرى انتهت كلها مثلما انتهت حرب لبنان الثانية، بنوع من التعادل، بالإضافة إلى ذلك كانت هذه “الجولات” شهدت قتالاً استمر أسابيع، تبادل خلالها الطرفان الضربات المتبادلةـ، وعندما وصل العنف درجة عالية، صرخ الطرفان كفى.

الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد “حزب الله”، قبل 18 عاماً، بدأت بضجة كبيرة لم تكن تنبئ قط بالنهاية المُرة التي وصلت إليها إسرائيل، بعد مرور 30 يوماً على القتال، والتي انتهت بصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن. بدأت الحرب بخطف جنود إسرائيليين، الحادث الذي شكّل إطاراً للحرب، ولقرار إسرائيل بشأن خوض القتال من أجل إعادة الهدوء إلى الشمال، والمخطوفين إلى منازلهم، لكن عملانياً، وهذه النقطة مهمة، بدأت هذه الحرب بنجاح كبير.

لقد نجح سلاح الجو في صنع ما لا يمكن تصديقه خلال 4 ساعات. إذ نجح في تدمير منظومة الصواريخ البعيدة المدى لدى “حزب الله”، الموجهة ضد إسرائيل، من خلال هجوم جوي استباقي. لكن منذ تلك اللحظة تدهور الواقع العملاني، ومعه الواقع الإستراتيجي.

منذ تلك اللحظة لم يعد لدى الجيش تفكير عملاني، بعكس الخصم، بعد مرحلة الصدمة الأولى. دخلت إسرائيل براً إلى الجنوب اللبناني من أجل “تنظيف المحميات الطبيعية” التابعة لـ”حزب الله”، والمقصود منظومات منشورة في القرى الجنوبية التي احتفظ فيها الحزب بأفضل قواته وسلاحه الذي هدد مستوطنات الشمال به.

كان الجيش في سنة 2006 أقل تدريباً على الحرب مما هو عليه في سنة 2024، فتورط في معارك في الجنوب اللبناني أكثر من مرة، جزء منها كان غير مفيد، ولا يقوم على فكرة نظامية ومنهجية. لكن هذا لم يكن الأساس. حسن نصر الله، الذي لم يعد على قيد الحياة، أدرك أنه من أجل الحصول على فكرة انتصار في الحرب هو بحاجة إلى الالتفاف على الإنجاز الإسرائيلي الأول، وبينما كان الجنود يقاتلون في بنت جبيل (حيث ألقى نصر الله خطابه الشهير عن “خيوط العنكبوت”) شغّل “حزب الله” منظومة صواريخه القصيرة والمتوسطة، ليس من خط القتال في “المحميات الطبيعية”، بل من خط يقع أكثر إلى الشمال.

وبدأت هذه الصواريخ تتساقط بانتظام على خط حيفا وشمالها. وفي الواقع، كانت هذه الحرب حرب الصواريخ الأولى التي أصبحت فيما بعد نموذجاً لما ستقوم به “حماس” في قطاع غزة.

فقط قبيل نهاية هذه الحرب فهم الجيش والمستوى السياسي أنه لا يمكن منع إطلاق الصواريخ من خلال سلاح الجو، والمطلوب توسيع المعركة البرية شمالاً من أجل تدمير مُطلقي الصواريخ وقيادات الحزب. لكن اتضح أن هذا الأمر أخرق ومتأخر جداً. وأدى سوء تنفيذ العمليات إلى تكبيد الجيش خسائر، ووصلت المعركة إلى مستوى دفع المستوى السياسي إلى التحرك، والعمل على اتفاق لوقف إطلاق النار، هو القرار 1701.

كانت هذه نهاية الحرب وبداية التبريرات الإسرائيلية التي أدت إلى إنشاء لجنة فينوغراد التي توصلت إلى ما سبق أن تحدثنا عنه أعلاه، ومَن لا يصدق عليه العودة إلى القيام بجولة في صفحات التاريخ.

الحرب الحالية في لبنان ليست حرباً ثنائية، بين إسرائيل و”حزب الله”، بل حرب متعددة المعارك والساحات. لكن في الفترة الحالية، هناك أمور تبدو صدى للمواجهات التي دارت في سنة 2006، والتي لم يعد يتذكرها أحد. كانت بداية هذه الحرب أيضاً مواجهة ناجحة ضد “حزب الله”… عملية تفجير البيجر، واغتيال نصر الله وخليفته، فضلاً عن قتل مزيد من قادة السيطرة في الحزب، وضرب مخازن الأسلحة المهمة (في تقدير مصادر إسرائيلية، جرى تدمير ثلثَي مخازن الصواريخ)، كل هذا أدى إلى بداية العملية البرية في الجنوب اللبناني، التي كان هدفها “تنظيف” القرى الجنوبية من السلاح والناشطين، وضمان عدم تكرار سيناريو 7 تشرين الأول في شمال البلاد.

الآن، وبعد هذا كله، بدأ يصل ردّ “حزب الله”، مع نصر الله، أو من دونه، وما يجري سبق أن شاهدناه (Deja Vu) في حرب لبنان الثانية: إطلاق الصواريخ على خط حيفا وشمالها، وأحياناً جنوبها، نحو منطقة هشارون وغوش دان. ويحدث هذا الإطلاق منذ بداية الحرب، لكنه ازداد وتوسّع في الشهر الأخير، وفي الأيام الأخيرة.

يشن الحزب غارات متواصلة يستنفد فيها مخزونه من السلاح، أو ما تبقى منه، وإسرائيل، مثلما فعلت في حرب لبنان الثانية، تواصل “تنظيف” المنطقة البرية المحاذية لمستوطنات الشمال، واصطياد مُطلقي الصواريخ وإحباط ناشطين ومهاجمة مخازن السلاح، لكنها تفعل كل هذا من دون أن تستطيع وقف إطلاق الصواريخ والقذائف على أراضيها، الأمر الذي يدل على تعافي الحزب من الضربات القاسية التي تعرّض لها.

هذا الواقع، الذي يشبه الحرب الماضية، يضع الجيش والمستوى السياسي أمام معضلة، ويخلق واقعاً يمكن أن يتحول، بمرور الوقت، إلى واقع مزمن ومتواصل، يمكن أن يستمر أسابيع وشهوراً. هل يبني الجيش على استنزاف الطرف الخصم، وعلى واقع استنفاد مخازن السلاح، بحيث تصل إلى حافة “المسّ بالقدرات”، ويمكن أن يدفع القيادات الجديدة في “حزب الله” إلى القول لم نعد نتحمل أكثر؟

من المحتمل أن تكون هذه هي الفكرة، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن الطرف الثاني لا ينوي أن يلعب وفق السيناريو الإسرائيلي، على الرغم من تآكل قدراته والضربات التي تلقاها. في مثل هذا الوضع، ستزداد حدة الوضع العملاني لإسرائيل في لبنان، وستجد نفسها أمام مسارين، هي تواجههما الآن فعلاً.

المسار الأول، توسيع العملية البرية بصورة كبيرة وتحويلها من عملية محدودة لا تتجاوز بُعد 5 كم عن الحدود مع لبنان، حسبما جرى الالتزام أمام الأميركيين، إلى معركة كبيرة وضخمة تشمل مناورة في عمق لبنان، وجهداً لتفكيك وحدات “حزب الله”، التي من الواضح أنها توجهت إلى الشمال، حفاظاً على قدراتها وأرصدتها. المسار الثاني، هو استهداف الدولة اللبنانية وضرب أرصدتها، وليس فقط التابعة لـ”حزب الله”، بل تلك التي تملكها الدولة اللبنانية نفسها، من أجل خلق كرة ثلج مزدوجة. الأولى سياسية في داخل لبنان من خلال الضغط على “حزب الله” للتوصل إلى تسوية، وداخلية شاملة تقليص قوة الحزب داخل الدولة اللبنانية؛ كرة الثلج الثانية سياسية وتتعلق بالمجتمع الدولي الحساس جداً (مثلما هو حساس أكثر إزاء الوضع الإنساني في غزة) حيال ما يحدث للمدنيين في دولة إسرائيل، وكذلك مستقبل لبنان “الدولة التي ليست دولة”.

ينطوي هذان المساران على عدد من المشكلات الصعبة. وهناك تحدٍّ عسكري وإرهاق للجيش حتى الحد الأقصى وخسائر في الأرواح، وكل ما يمكن تصوُّره في مثل هذه المعركة، التي ستكرر فعلاً المعركة التي دامت عاماً كاملاً في القطاع (والتي لم تنتهِ بعد). بينما ينطوي خطر الضغط على إسرائيل ونزع الشرعية عنها من طرف النظام الدولي، خصوصاً النظام الغربي الذي تحتاج إليه إسرائيل كثيراً في حربها ضد العدو الحقيقي من الشرق، إيران.

على الرغم من ذلك، فإن الواقع الحالي يمكن أن يذكّر بالسيناريو السيئ وتكرار تاريخ حرب لبنان الثانية، مع وقت مضاعف وجهد وإرهاق، واستنزاف ومعارك جانبية تجري في جنوب البلاد، وفي شرقه، وفي الميادين العسكرية والسياسية والدولية والاجتماعية – السياسية الداخلية.

إذا كانت إسرائيل تطمح إلى “نظام جديد”، فيجب أن تُحدث في لبنان فوضى وضجة أكبر من أجل أن تتمكن في نهاية الأمر من خلق الظروف لخطوات مهمة تنهي فيها موضوع لبنان بنوع من “تسوية” تتوافق مع أمنها الوطني.

——————————————–

هآرتس 22/10/2024

إسرائيل مُحقّة والعالم كلّه مخطئ..

بقلم: يائير لبيد

سياسي وصحافي إسرائيلي سابق، شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل في العام 2022 بعد استقالة نفتالي بينت، كما شغل منصب وزير الخارجية في العام 2021، وهو رئيس ومؤسس حزب “يوجد مستقبل”.

إليكم حصادنا الدبلوماسي خلال الأسبوع الماضي وحده: تلقينا رسالة غير مسبوقة من واشنطن، موقّعة من جانب كلٍّ من وزيرَي الخارجية والدفاع، وتتضمن تهديداً بفرض حظر أسلحة على إسرائيل، واستمرار المواجهة العلنية مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وإعلان وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أن الأمين العام للأمم المتحدة “شخصية غير مرغوب فيها” في إسرائيل، والرئيسة الإيطالية – وهي الزعيمة الأكثر يمينيةً في أوروبا الغربية – انتقدت إسرائيل بشدة في البرلمان.

طبعاً، إسرائيل على حق في جميع هذه المواجهات. هؤلاء لا يفهمون. وهم غير قادرين على رؤية معركتنا الوجودية، ولا نوع الأعداء الذين نواجههم. المتظاهرون في شوارع هؤلاء يستسلمون للدعاية التي تمولها إيران وتدسّها إلى العالم الغربي. إنهم ينساقون خلف “الغباء المقدس” الذي يمارسه بعض “منظمات حقوق الإنسان” التي تساعد المنظمات “الإرهابية” الراديكالية العنيفة، بدلاً من الدفاع عن “دولة ديمقراطية تكافح من أجل البقاء”.

هذا كلّه صحيح، ومثير للحنق. ومع ذلك، يجب علينا أن نذكّر بأن دور حكومة إسرائيل مختلف عن دور الذين يجلسون خلف الشاشات، ويكتبون التعليقات في الإنترنت. لا يتمثل دور إسرائيل في إشعال النيران لكسب التصفيق من المتابعين، ولا في تصعيد الأزمة، بحيث يُقال لها “واو، لقد تمكنتِ من إفحامهم!” قد يكون هذا ممتعاً، وربما جيداً للانتخابات الداخلية في الأحزاب، لكنه ليس مهمة المسؤولين الإسرائيليين الحقيقية. يجب على إسرائيل أن تتحلى دائماً بالكرامة الوطنية، وتوضح أنه لا يمكن لأحد أن يدوس عليها، لكن يجب على دولتنا أيضاً استخدام الحكمة الدبلوماسية لتحسين مكانتنا باستمرار، فالعلاقات الخارجية تشكل ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي، ودور الحكومة هو تحسين علاقاتنا الدولية، لا جعلها تتدهور. يتمثل دور الحكومة في محاولة حلّ النزاعات، لا تعقيدها.

إيمانويل ماكرون صديقي، لكنني غاضب من تصريحاته الأخيرة. إنها تصريحات خاطئة، ولم يكن ينبغي أن تُقال، وتعلم الحكومة بأنني وضعت اتصالاتي بفرنسا تحت تصرفها في هذا الشأن. لا مكان لحظر الأسلحة على إسرائيل، ولدينا الحق الكامل في الدفاع عن أنفسنا بالقوة. ولم يكن يجب أن نصل إلى هذا الوضع، حيث يدخل رئيس فرنسا في مواجهة علنية مع إسرائيل، ويعلن حظر الأسلحة. لو كان لدينا إدارة جيدة لكان من الممكن تجنُّب ذلك أيضاً.

من شأن إدارة مسؤولة وشاملة للسياسة الخارجية أن تتوقع المشكلة مسبقاً، وتعالجها قبل انفجارها، وتحول دون صدور مثل هذا الإعلان. فإن لم ننجح، علينا الرد بحزم، لكن من دون حرق الجسور. فقد نحتاج، في وقت لاحق، إلى إتاحة الفرصة لماكرون للتراجع. علينا أن نخلق الظروف التي تمكّن من ذلك. فالغضب ليس سياسة. إن فرنسا دولة مهمة لإسرائيل. وهي عضو دائم في مجلس الأمن – الهيئة الوحيدة التي لها تأثير حقيقي في مؤسسة الأمم المتحدة الفاشلة – وفرنسا مهمة لعلاقاتنا بدول مثل المغرب، وهي لاعب رئيسي في أيّ تسوية مستقبلية في لبنان. وباختصار، تقتضي المصلحة الوطنية الإسرائيلية الحد من الخلاف، لا توسيعه.

ومثلما هي حال أيّ مسألة أُخرى تتعلق بشؤون الدولة، سواء أكانت أمناً أم اقتصاداً، فإن السياسة الخارجية هي أيضاً أمر يجب ممارسته بطريقة منظمة، وليس بعشوائية. قبل الانتخابات الأخيرة في فرنسا صرّح الوزير شيكلي (عميحاي شيكلي، وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية- المحرر) أنه “من الرائع أن تصبح مارين لوبان رئيسة فرنسا”. لم يكن في إسرائيل صدى كبير لهذا التصريح، بعكس ما جرى في فرنسا. لقد اعتبروه، وبحق، تدخلاً في حملة انتخابية شديدة التوتر والتقارب، حيث كان للصوت اليهودي دور مهم. في مناسبة أُخرى، صرّح الوزير شيكلي مجدداً، أنه كان سيصوت لترامب، وقد أطلق تصريحه هذا في الوقت الذي كان الدعم العسكري الأميركي الواسع في قيد النقاش، وهو يعتمد على أصوات الديمقراطيين. صحيح أن الأميركيين يفهمون الخريطة السياسية الإسرائيلية أفضل من الفرنسيين، لكنهم أدركوا أيضاً أن هناك غياباً لإدارة مركزية لعلاقاتنا الخارجية. فكل شخص في حكومتنا يفعل ويقول ما يحلو له، واعتبارات السياسة الداخلية تسيطر على كل شيء.

هناك مشكلة أُخرى تتمثل في أن إسرائيل لا تفي بوعودها. لقد جرت المناقشات، مراراً وتكراراً، وأطلقت أعلى المستويات في دولتنا وعوداً بتنفيذ أمور معينة، سواء فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، أو القضايا الأمنية – ثم حدث العكس تماماً. إن العلاقات بين الدول، وكذلك العلاقات الشخصية بين القادة، تقوم على الثقة. وحالياً، تتآكل هذه الثقة بصورة كبيرة لدى الولايات المتحدة، كما هي حالها مع الدول التي وقّعت اتفاقيات أبراهام. إن دولاً مثل ألمانيا، وهي ثاني أكبر مصدّر للأسلحة إلى إسرائيل، وتتعامل بحرص شديد مع مسألة صدقيتها في العلاقات الخارجية، تتوقع أن يتصرف حلفاؤها بالطريقة نفسها.

ما الذي يجب فعله؟ يجب على طواقم فرق العمل في وزارة الخارجية الإسرائيلية المتابعة مع كل دولة من الدول التي توجد معها مشكلات – في إسبانيا، على سبيل المثال، هناك كثير من العمل الذي لم يُنجز، وفي بريطانيا، هناك حرائق يمكن ويجب إخمادها، وهي لا تزال صغيرة. يجب على إسرائيل أن تبذل جهداً خاصاً مع كايا كالاس، التي ستتولى منصب وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، خلفاً لجوزيف بوريل الإشكالي. نحن بحاجة إلى شخص يتولى العمل مع الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، لأن رون ديرمر غير مقبول من كثيرين من الديمقراطيين بسبب علاقته بترامب والحزب الجمهوري. يجب توزيع العمل بين وزارة الخارجية ومكتب رئيس الوزراء بطريقة مختلفة تماماً. كان من الصعب، هذا الأسبوع، تجاهُل أن الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية الأميركي كانت موجهة إلى رون ديرمر. هذا كلّه نتيجة إضعاف منهجي وضار لوزارة الخارجية الإسرائيلية وقدرتها على صوغ السياسات.

يمكن للمرء أن يفصّل أكثر في هذا الشأن، لكن من غير المؤكد أن الأمر يستحق العناء. فالحكومة الحالية لن تفعل ذلك. إنها لا تعرف كيفية القيام بذلك. إن العمل المنهجي هو نتاج ثقافة تنظيمية لا تتوفر في هذه الحكومة، بكل بساطة. إن الإنجازات الدبلوماسية هي نتائج سيرورات مهنية طويلة الأمد تتطلب ضبط النفس الدبلوماسي. هذه الثقافة لن تحظى بكثير من التقدير في القواعد الانتخابية، ولن تحظى بالثناء في برامج القناة 14 [القناة الشعبوية المؤيدة لنتنياهو]، لكنها ستحول دون وقوع الأزمة التالية. تخوض إسرائيل حرباً وجودية. وعليها أن تجنّد جميع القوى الدولية لاستعادة الأسرى وهزيمة “الإرهاب” الإسلامي الراديكالي. وأحياناً، يكون من المفيد التخلي عن نشر مقطع فيديو شعبوي حماسي آخر، في سبيل إتاحة المجال أمام حصول جنود الجيش الإسرائيلي على الأسلحة والذخيرة التي يحتاجون إليها لخوض “حربهم العادلة”.

——————————————–

يديعوت احرونوت 22/10/2024

لنغلق ساحة الجنوب: الأسباب لانهاء الحرب في غزة

بقلم: غيورا آيلند

لاصحاب القرار في الدولة ينبغي أن يكون واضحا الان تماما بانه من الصواب التطلع الى صفقة لاعادة سريعة لكل المخطوفين – مقابل انهاء الحرب. صحيح، قد يكون ممكنا محاولة تحسين شروط الصفقة، واساسا بالنسبة لعدد المخربين الذين ينبغي تحريرهم مقابل كل مخطوف حي، لكن لا ينبغي العناد على الترهات، واساسا ليس على “فيلادلفيا”.

فضلا عن الحاجة الماسة لإنقاذ المخطوفين في الفرصة الأخيرة التي لا تزال قائمة، توجد على الأقل أربعة أسباب أخرى لماذا هي صائبة هذه الخطوة.

أولا، مصابونا. قبل 13 شهرا كان الجمهور الإسرائيلي كله يبكي على مدى أيام على كل جندي قتيل. يبدو أننا فقدنا هذا. قلبنا اصبح غليظا لموت الجنود، من افضل أبنائنا. أما على الإصابات الشديدة فتوقفنا تماما عن التأثر. لكن الحديث يدور عن شبان يفقدون أطرافا أو بصرا وعالمهم يخرب.

ثانيا، العبء المجنون على الجنود، أولئك الذين في الخدمة النظامية، لكن أساسا رجال الاحتياط الذين وضعهم العائلي والاقتصادي معقد في حالات كثيرة. العبء على المقاتلين سيبقى عاليا في كل حال، لكن مرغوب فيه التخفيف منه قدر الإمكان.

ثالثا، العبء الاقتصادي، كل يوم قتال يكلف نحو نصف مليار شيكل! صحيح، الجهد الأساس هو الان في لبنان، لكن كل شيكل نبذره اليوم سينقصنا جدا غدا.

سبب رابع: كل العالم وزوجته يتوقون لانهاء الحرب في غزة. يوجد تفهم اكبر في العالم لماذا تقاتل إسرائيل  في لبنان، وحتى مباشرة حيال ايران، لكن أحدا لا يفهم ما الذي نريد أن نحققه اكثر في غزة.

اذا واصلنا القتال في غزة بنصف سنة أخرى، او سنة، فان الامر لن يغير الواقع هناك. أمران فقط سيحصلان: كل المخطوفين سيموتون وسيقتل مزيد من الجنود. الواقع في القطاع لن يتغير لانه طالما دخلت الى هناك مؤن بكميات كبيرة، طالما توزع هذه حماس على السكان وطالما تفري حماس من هذا العمل وبمعونة الأرباح تجند المزيد من المقاتلين – دوما سيبقى لها مئات المخربين الذين سيواصلون القتال حتى لو لم تكن لهم سلسلة قيادة ناجعة.

في الاتفاق مع حماس يجب المطالبة فقط بإعادة المخطوفين. لكن حيال باقي اللاعبين، مع التشديد على الولايات المتحدة، مصر وقطر يجب الإصرار على امر إضافي: إسرائيل ستسمح باعمار غزة فقط اذا ما تجريدها من السلاح بالتوازي مع المشروع. غزة مدمرة تماما. حماس لا يمكنها ان تبني قوتها من جديد اذا لم يجرِ هناك مشروع ضخم من إعادة البناء، وهذا لن نسمح به دون آلية تدمر بمنهاجية ما تبقى من البنى التحتية العسكرية.

اقدر بانه يحتمل ان تكون صحوة لسكان غزة لدرجة التمرد على حماس، لكن هذا لن يحصل طالما تواصلت الحرب وطالما بقيت قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع. التمرد كفيل بان يحصل عندما يفهم السكان بانه بسبب حماس يمنع اعمار القطاع.

حرب غايتها إزالة التهديد هي حيوية بل وتبرر الاثمان الباهظة التي تنطوي عليها. ليس هذا هو الوضع في غزة. التهديد الحقيقي ازيل. وإعادة المخطوفين لا يمكن تأجيلها، واذا ما تصرفنا على نحو صائب فلن تتمكن حماس من بناء قوتها. وعليه فينبغي التطلع الى انهاء الحرب في غزة. توجد لنا سبع ساحات مفتوحة أخرى (بما فيها حدود الأردن). حان الوقت لان نحاول انهاء الحرب في كل مكان يكون فيه الثمن أعلى من المنفعة.

لشدة الأسف، حكومة إسرائيل لا تعمل حسب هذا المنطق، ولا حتى تعتزم البحث في مضمون القرار بين بديلين: استمرار الحرب في غزة حتى “النصر النهائي”، او الاستعداد لانهاء الحرب في غزة مقابل كل المخطوفين.

——————————————–

هآرتس 22/10/2024

إسرائيل تفحص منحى وقف نار في الشمال يتضمن حرية عمل عسكرية وتعيين رئيس معتدل في لبنان

بقلم: يونتان ليس

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يفحص في الفترة الاخيرة الدفع قدما بخطة لوقف النار في لبنان، وفيها ايضا حرية عمل عسكرية لاسرائيل امام التهديدات قرب الحدود. الى جانب ذلك، حسب اقوال مصادر مطلعة، في اسرائيل يفحصون اشتراط انهاء العمليات البرية ايضا بتعيين رئيس جديد معتدل في لبنان. حسب اقوال هذه المصادر فان المجتمع الدولي يفحص ايضا اقتراح وضع على طول الحدود قوة دولية مع تفويض اوسع مما يوجد لقوة اليونفيل اليوم.

الخطة التي يفحصها المستوى السياسي في اسرائيل اعتبرتها هذه المصادر “اتفاق 1701+”، وهو قرار مجلس الامن الذي دفع قدما بوقف اطلاق النار في حرب لبنان الثانية في 2006. وحسب المصادر فان القرار 1701 قيد قدرة الجيش الاسرائيلي على العمل في سماء لبنان أو ضد المليشيات المسلحة التي تنتشر على طول الحدود، واسرائيل تجد صعوبة في الموافقة على تقييدات مشابهة الآن.

حسب اقوال مصادر مطلعة على تفاصيل النقاشات الاخيرة فانهم في اسرائيل يعتقدون أن تعيين رئيس جديد معتدل في لبنان يمكن أن يساهم في ابعاد حزب الله عن مراكز القوة في الدولة، وحتى تعزيز قدرة النظام على تطبيق القرارات على حزب الله. مع ذلك، في اسرائيل يخشون من أن تعيين الرئيس فقط لن يضمن أنه سيكون قادر على منع من جديد زيادة قوة حزب الله في الدولة. واضافت هذه المصادر بأنهم في اسرائيل حذروا من أن ايران سترسل الاموال الكثيرة لقيادة حزب الله الجديدة في محاولة لترميم قوته، الامر الذي سيمكنه من التأثير على شخصيات مركزية في الحكم الجديد، وهكذا سيحافظ على مكانته ونفوذه.

مصدر اجنبي مطلع على محاولة بلورة هذه المبادرة عبر عن الخوف من أن اسرائيل ستحاول انشاء في داخل لبنان حزام امني على طول خط الحدود والاعلان عن منع الحركة فيه. واضاف المصدر بأن العالم سيعتبر هذه الخطوة “احتلال فعلي لارض سيادية”، حتى لو لم تتواجد هناك قوات اسرائيلية كل يوم وانسحبت الى اسرائيل. 

حسب اقوال هذا المصدر فان المجتمع الدولي يفحص اقتراح وضع على طول الحدود قوة دولية جديدة تشمل جنود لديهم صلاحيات اكثر مما يوجد لجنود قوة اليوفيل الموجودين في المنطقة الآن، لأنه حسب قول المصدر فان قوة اليونفيل في الاطار الموجود لن توفر البضاعة المطلوبة، وهي فشلت في مهمة منع تمركز حزب الله على طول الحدود.

المبعوث الامريكي الخاص للشرق الاوسط، عاموس هوخشتاين، يتوقع أن يصل لبنان اليوم ويناقش مع جهات رفيعة في الدولة الشروط لوقف اطلاق النار مع اسرائيل. ويتوقع أيضا أن يتناقش مع رئيس الحكومة المؤقت نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، الذي قال لقناة “العربية” بأن زيارة هوخشتاين هي الفرصة الاخيرة للتوصل الى وقف لاطلاق النار قبل الانتخابات الامريكية. واضاف بأنه يرفض أي محاولة لادخال المزيد من البنود على القرار 1701، الذي اتفقت عليه كل الاطراف بعد حرب لبنان الثانية في 2006.

——————————————–

يديعوت احرونوت 22/10/2024، 

30 سنة على اتفاق السلام مع الاردن

بقلم: سمدار بيري

ثلاثة مواطنين يرتدون الزي العسكري الأردني تسللوا الى منطقة البحر الميت في إسرائيل قرب القرية الزراعية ناءوت هكيكار. الخطة: تنفيذ عملية باستخدام مسدسات غلوك على موقع عسكري إسرائيلي. لشدة الحظ انكشفت الخطة في توقيت دقيق. اثنان من القتلة اطلقت النار عليهما وصفيا. اما الثالث فنجح في الهرب الى الأردن. جندي ومقاتل احتياط اصيبا في الملاحقة للمخربين.

سارع الناطق العسكري الأردني للإعلان بانهم ليسوا جنودا أردنيين. وفورا بعده، كشف الناطق بلسان حركة الاخوان المسلمين في الأردن هوية اثنين من المخربين والوصيتين اللتين تركاها قبل ان يتسللا الى إسرائيل وذكرتا الثأر لغزة. وهما من أبناء “الجماعة”، كما قال الناطق بلسان الاخوان معاذ الخوالدة.

هذه سنة قاسية في العلاقات الأردنية الإسرائيلية. قبل خمسة أسابيع قتل سائق شاحنة اردني بالرصاص ثلاثة إسرائيليين، من عاملي جسر اللنبي في منطقة فحص وتفتيش الشاحنات الأردنية التي تخرج كل يوم الى قطاع غزة. عضو البرلمان الأردني، عماد العدوان، امسك به مع أسلحة كثيرة وكميات من الذهب اعتزم تهريبها لمنظمات إرهاب في الضفة الغربية. لم تكن هذه هي اول مرة له لكنها المرة التي امسك به متلبسا، اعتقل وحقق معه وبضغط اردني اعيد الى عمان وقدم الى محكمة عسكرية والغيت عضويته في البرلمان.

من الصعب التصديق لكن في السبت القريب ستحيا ذكرى 30 سنة على التوقيع على اتفاقات السلام. من يتذكر المقابلة الأولى التي اختار الملك حسين ان يمنحها لـ “يديعوت احرونوت” واعلن فيها بان “هذا سيكون سلاما فريدا من نوعه”. وفور الحدث تذكر صورة الملك حسين وهو يشعل سيجارة لرئيس الوزراء اسحق رابين الراحل ويوضح بان “الأردن هي دولة مرآة لإسرائيل”.

***

كل الكلمات الطيبة والوعود اللامعة لم تنجح حقا. رابين قتل، الملك حسين مات بالسرطان والصورة تغيرت. الملك عبدالله قال لصحيفة بريطانية ان “الفترة الأصعب عليّ هي بسبب نتنياهو”. العلاقات بردت، حدث سيء لاحق حدثا سيئا. والسفارة الإسرائيلية في حي الرابية في عمان اصبح مركزا لمظاهرات مئات واحيانا الاف الأردنيين الغاضبين. أتذكر جيدا اليوم الذي اطلق فيه رجل امن إسرائيلي النار فقتل أردنيين في شقته. نتنياهو، دون أن يفحص تفاصيل الحدث استدعى السفيرة والحارس الى مكتبه لعناق امام الكاميرات. في الأردن تميزوا غضبا.

اتفاق السلام مع الأردن كان يستهدف تحويل العلاقات السرية بين الدولتين، التي ولدت قبل عشرات السنين من ذلك، الى صيغة الأخت الكبرى والصغرى. منذ الحرب في غزة وفتح الجبهة حيال حزب الله، تبذل ايران جهدا خاصا في الأردن، بهدف اغلاق جبهة ضد إسرائيل. الأردن، كما من المهم جدا التشديد، لا ينثني. وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي، سيء الصيت عندنا بسبب تصريحاته الحادة ضد إسرائيل، بعد هجمة الصواريخ الإيرانية في نيسان، نهض وسافر الى طهران ليوضح لهم “لا تحاولوا 

من 20 سنة من خطر “الهلال الشيعي” على حساب دول المنطقة.

الملك عبدالله يصمت منذ سنة. مكانه تحتله الملك رانيا، ابنة لفلسطينيين، بتصريحات لاذعة تجاه إسرائيل. ينبغي لنا أن نتفهم وضع الأردن، مع الانقسام بين البدو والفلسطينيين، مئات الاف اللاجئين، الوضع الاقتصادي السيء والحرد مع السعودية، كي نستوعب عمق المشكلة. على إسرائيل أن تجري حسابا – هل من الأفضل مواصلة العيش مع مملكة اردنية باردة، ام ترك الفلسطينيين يسيطرون على الضفة الشرقية ليصبحوا جيراننا الجدد على طول الحدود الطويلة.

***

أعود مرة أخرى الى رابين الراحل والى الملك حسين، الله يرحمه، كي اشير الى منظومة علاقات قريبة وخاصة جدا. كان يطيب لرابين أن يتحدث بشغف، سرا عن علاقاته مع الملك. مستشاره الكبير، ايتان هابر الراحل، اقام منظومة علاقات وثيقة مع مدير المكتب الملكي، الجنرال علي شكري. كان صعبا الا يتأثر المرء عندما يشاهد في قصر الملك إسرائيليين يربتون على كتف مسؤولين أردنيين او ولي العهد الأمير عبدالله، يور في أروقة الكريا في تل أبيب. التقيت به “صدفة” وتصافحنا بحرارة.

اهود باراك ونفتالي بينيت أيضا عرفا كيف يقدرا الأهمية الخاصة للسلام مع الأردن، الحدود الطويلة، 308 كيلو متر، التي تفصل بين الدولتين والجنود من الطرفين دون علاقات ودية قريبة على نحو خاص. شاحنات البضائع انتقلت من إسرائيل الى الأردن، ومن الأردن انتقلت البضائع من دول الخليج أيضا. مسار موازٍ تقرر بين الأردن والضفة الغربية في الاتجاهين.

الملك عبدالله، مثل ابيه، حلم بعلاقا وثيقة. لكن عندما جاء نتنياهو توقفت الخطوات دفعة واحدة. هنا وهناك عقدت لقاءات في المستوى العالي، لكن الملك لم يخفِ استياءه. اما نتنياهو، بالمقابل فألمح بنيته لمنح السعودية الرعاية “الأردنية” على المسجد الأقصى في شرقي القدس حيث قتل الملك عبدالله، جد الملك حسين. كما ان محاولة زيارة ولي العهد، الأمير حسين لم تنجح، واضطر لان يعود على اعقابه مع مجموعة الحراس الذين رافقوه وهو يمتلىء غضبا. امر مشابه حصل للسفير الأردني في إسرائيل، غسان المجالي. السفير جاء، أوقف، وبعد عدة أيام عاد مرة أخرى، بعد أن فهمت محافل رفيعة المستوى جدا في إسرائيل حساسية الحدث.

لا توجد اليوم علاقات علنية بين الدولتين. ارتباطات الجيش لا تزال قائمة، لكنها هبطت درجة واحدة على الأقل. حدثان سيتمان قريبا لاحياء 30 سنة على السلام الان. في احداهما، في معهد بحوث الامن القومي، أوضح بانه لن يكون حضور اردني، بامر من فوق من عمان. في الحدث الثاني، في يوم الذكرى لاغتيال رابين لا تزال تدرس إمكانية جلب مجموعة صغيرة للحديث بشغف عما كان عليه السلام. محاولة اجريتها مؤخرا لزيارة المملكة، اصطدمت بوجوه جامدة. لا تأتي، حذرني مصدر اردني كبير جدا، “واذا اصريتي على المجيء فلا تأتي اليّ ولا تهاتفيني لانك ستورطينا نحن الاثنين”.

——————————————–

هآرتس 22/10/2024

اذا كان السنوار شيطانا، فكيف سيصف العالم إسرائيل؟ وكيف سنصف أنفسنا؟

بقلم: جدعون ليفي

وصف العنوان الرئيس في “يديعوت احرونوت” السنوار بانه الشيطان من غزة، وتنافس المذيعون التلفزيونيون فيما بينهم على من سيكون اكثر سفالة بلسانه، الطاغية، القاتل اللعين، عظيم القتلة؛ شبهوه بادولف هتلر، ودعوه بالفأر. عن عرض جثته الممزقة ورأسه المحطم امام الجميع، انفغار فمه وفحص اسنانه وكأنه بهيمة، لا يوجد منذ الان ما يمكن الاستطراد في الحديث، ولا عن السخرية من مظهره وهو يحاول أن يدافع عن نفسه بعصا في احدى يديه التي لم تقطع. كان هذا هو الرجل وهذه هي إسرائيل، لن نحاول تثبيط فرحتها.

لكن شيئا واحدا لا يمكن تجاهله: انعدام الوعي الذاتي والعمى. فلئن كان يحيى السنوار شيطانا، فكيف سنعرف أفعال دولة إسرائيل في السنة الأخيرة؟ وكيف يرونها في العالم؟ اذا كان صوت الجموع الإسرائيلية، داني كوشميرو يقتبس “ثأر دم طفل صغير لم يخلقه الشيطان بعد” في ضوء 22 طفلا قتلوا في 7 أكتوبر ماذا سنقول عن 17 الف طفل قتلوا في قطاع غزة وثأر دمهم؟ لن نقول شيئا. الـ 22 طفلا كانوا أطفالنا، اما الـ 17 الف طفلا فكانوا أطفالهم، وكيف يمكن على الاطلاق ان نقارن. لا ثأر ولا رحمة، ولا حتى تقرير.

السنوار جدير بكل الألقاب التي الصقت به؛ ليست إسرائيل هي التي يحق لها ان تلصق به القابه. دولة غارقة بدماء غزة وبانقاضها على نطاق يصعب وصفه، لا يحق لها أخلاقيا أن تصف عدوها المرير والوحشي كشيطان، قبل أن تنظر الى أفعال يديها. كيف يمكن لإسرائيل أن تتحدث عن وحشية السنوار دون أن يرمش لها جفن. دون أن تتلعثم.

الا يبلغ احد في إسرائيل عن سفك الدماء والدمار الجماعي في غزة، لا يجعلهم اقل وحشية. العكس هو الصحيح، هم يصبحون وحشين اكثر بكثير. لو كانت إسرائيل على الأقل واعية لافعالها، توجه نظرها اليهم وتدعي ادعاءات حق الدفاع الذاتي لها، الذي في نظرها يسمح لها بان تفعل كل شيء، لعله كان ممكنا تفهمها. وبالتأكيد اكثر من التفكير في انه اذا كنا لا نرى الواقع فاه ليس موجودا؛ واذا كنا لا نعرض وحشيتنا فان هذه تعود فقط الى الشيطان من غزة. في نظرنا السنوار كان شيطانا ونحن ملائكة سلام ورحمة.

لا يدور الحديث عن التوحد. فالعمى الإسرائيلي هو الان احد العوائق الأكبر في الطريق الى انهاء هذه الحرب الرهيبة التي لا نهاية لها. فعرض العدو كشيطان، دون القاء نظرة الى المرآة، يسمح بتبرير استمرار الحرب الى الابد. فلئن كانت هذه حرب الاخيار المطلقين ضد الأشرار المطلقين، فمحظور اذن التوقف عنها، كلنا معها. هذا هو الرضى الذاتي، إحساس العدل المطلق واللاخيار الذي يحرك الكثير جدا من الإسرائيليين لمواصلة الحرب. كما أن هذا ما يدفع الكثير جدا من الإسرائيليين الا يفهموا كيف يكون العالم ضدنا بهذا القدر.

عندما نتحدث عن الشيطان، من الصعب أن نعرف من أن نبدأ. هل من تحقيق الـ “نيويورك تايمز” الأسبوع الماضي الذي جاء بشهادات على لسان 65 من السلك الصحي ممن عملوا في غزة، بما في ذلك أدلة على اطلاق النار عن قصد ع لى الأطفال، كل واحدى اقسى من غيرها؛ ربما لمشهد الأطفال الذين اكتووا بالنار الأسبوع الماضي في ساحة مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، والذين نشرت صورهم في كل ارجاء العالم؛ ربما من ا لـ 12 يوما التي لم تدخل فيها أي مساعدة الى القطاع؛ ربما من اقتلاع 50 الف آخرين من سكان جباليا الأسبوع الماضي؛ ربما من قتل 379 فلسطيني آخر الأسبوع الماضي وربما من حقيقة أن 3 ملايين نسمة اقتلعوا حتى الان من بيوتهم في غزة وفي لبنان ويتنقلون من هنا الى هناك برعب وبانعدام كل شيء. إسرائيل لا ترى كل هذا. اما العالم فلا يتوقف عن رؤية هذا.

اذا كان السنوار شيطانا، فكيف سيصف العالم إسرائيل؟ وكيف سنصف أنفسنا؟

——————————————–

هآرتس 22/10/2024

فقط استبدال القيادة السياسية والعسكرية يمكن أن ينقذ الدولة من الانهيار القريب

بقلم: اسحق بريك

أنا أرغب في الافتراض بأن أي شخص سيفعل كل ما في استطاعته كي لا يتعرض لخطر وجودي، لأن هذا الامر مطبوع في الانسان. مواطنو دولة اسرائيل ينقسمون الى قسمين، قسم توجد له نظرية مختلفة من حيث مضمونها فيما يتعلق بالتهديد الوجودي للدولة ومواطنيها. والقسم الثاني يرى ضرورة في تدمير حماس وحزب الله في هذه الحرب لازالة التهديد الوجودي عن مواطني اسرائيل. في المقابل القسم الثاني يعتبر بالحاجة المهمة الى تدمير حماس وحزب الله، ولكنه يقول في هذه المرحلة ليس بامكان الجيش الاسرائيلي تحقيق هذا الانجاز، لذلك يجب العمل على وقف القتال واجراء تسوية لانقاذ الدولة من الانهيار.

هنا يطرح سؤال كبير، أي طرف من الطرفين محق، لأن هذا الامر هام جدا بالنسبة لنا.

من اجل فحص أي طرف هو المحق يجب معرفة الحقائق كما هي. قوانين الطبيعة لا تعمل حسب الأمنيات والرغبات والاوهام والاحلام، بل هي تعمل حسب الحقيقة التي هي واقعية وثابتة.

عندما تكون على حق وتريد تطبيق أحقيتك فان الشيء الاول الذي يجب أن تسأله لنفسك هو هل تستطيع؟ في ظل غياب القدرة (مثلا بسبب تقليص الجيش البري بشكل كبير في العشرين سنة الاخيرة) ليس فقط لن تحقق رغبتك واهدافك، بل بالعكس، أنت يمكن أن تتحطم على صخرة الواقع الذي لم ترغب في الاعتراف بحقيقته.

من يفحص الآن بشكل معمق الوضع الذي وصلنا اليه في الحرب، حيث فقط الوقائع والحقيقة بخصوص قدرة الجيش الاسرائيلي على الانتصار في هذه الحرب هي التي تقف امام ناظريه، فانه سيدرك بسرعة أن الوقائع على الارض مختلفة بشكل مطلق عن رغبة مواطني الدولة في تدمير حماس وحزب الله واجتثاث النظام الايراني. في ظل غياب قدرات الجيش الاسرائيلي، اذا استمرت هذه الحرب، ليس فقط لن ننتصر بل سنتحطم.

مثلما توقعت الكارثة في 7/10/2023 هكذا أنا أتوقع الكارثة المقتربة.

جميع السيناريوهات التي ذكرتها خلال فترة طويلة تحدث أمام ناظرينا، في الحقيقة بقوة أقل مما خطط له حزب الله، نتيجة تصفية حسن نصر الله وأترابه، ومؤخرا تصفية يحيى السنوار، لكن الاتجاه السيء جدا لانهيار الدولة بقي على حاله، طالما أن حرب الاستنزاف مستمرة. للأسف، فيما بعد ايضا قوة التهديد على اسرائيل سترتفع من جديد في الوقت الذي ندخل فيه الى المعادلة ايران ايضا. أنا أتحدث عن الوضع الصعب في الدولة، الآخذ في التفاقم أمام ناظرينا منذ فترة طويلة، على اساس حقائق ثابتة. في الواقع التدهور هو ابطأ قليلا. ولكن في كل ما يتعلق بهذه النتيجة النهائية فانه لا يهم اذا كان ذلك سيستغرق اسابيع، اشهر أو حتى سنوات. يوجد الكثير مما يجب فعله من اجل انقاذ الدولة من الانهيار في كل مجالات الحياة، ويمكن فعل ذلك، لكن لا يوجد أي أحد نتحدث معه الآن في المستوى السياسي والعسكري. فقط استبدال القيادة السياسية والعسكرية يمكن أن يوقف هذه العملية الفظيعة.

بعد كل نجاح للجيش الاسرائيلي يكون في اسرائيل سعادة وشرور وكأننا نجحنا في اجتثاث الارهاب والانتصار في الحرب. ولكن من له عقل في رأسه يمكنه الادراك بأن وضع الدولة الامني في المنطقة آخذ في التعقد والتدهور، ولا يوجد أي زعيم في المستوى السياسي أو الامني يرى للمدى البعيد ويفهم الصورة الاستراتيجية الشاملة.

عن معظم المحللين في وسائل الاعلام من المؤسف الحديث. ففي كل ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بأمن الدولة فان عالمهم ضيق مثل عالم النملة، ناهيك عن غالبية الجمهور، الذي يعيش في حالة نشوة غير مسيطر عليها ولا يعرف ما الذي ينتظره في المستقبل. لا شك لدي بأن مواطني اسرائيل سيستيقظون على الواقع الصعب اذا استمروا في التصفيق بدلا من فهم الواقع كما هو، وأن يعملوا على تغييره، رغم تصفية حسن نصر الله والسنوار. مهم جدا أن يدرك الجمهور ما يحدث لنا حقا. واذا لم نعترف بالحقيقة فنحن ايضا لن نعرف كيفية مواجهتها.

بنيامين نتنياهو وأترابه لا ينوون استغلال الفرصة التي نزلت عليهم، والتوصل الى اتفاق لتحرير المخطوفين. رئيس الحكومة يواصل كالعادة اصدار تصريحات غير عقلانية عن تدمير حماس بشكل مطلق، وتدمير حزب الله واضعاف ايران. وقبل حدوث كل ذلك، هو لا ينوي مناقشة أي اتفاق سياسي. ولأن جميع خططه هي خيالية فان المخطوفين لن يتم اطلاق سراحهم، وحرب الاستنزاف ستستمر ومعها انهيار الدولة في كل مجالات الحياة. كثيرون هنا يتصرفون مثل قطيع هائم ويدعمون رئيس حكومة يقود دولة اسرائيل الى طريق مسدود. وعندما سيستيقظون فان الوقت يمكن أن يكون متأخر جدا.

——————————————–

إسرائيل اليوم 22/10/2024

هكذا اقنعت واشنطن القدس الا تهاجم منشآت نفط في ايران

بقلم: داني زاكين

بالفارسية يسمع هذا على النحو التالي تقريبا: “أن أغتسمد أهمدانا أست” – هذه ترجمة حرة لعبارة “انه الاقتصاد، يا غبي” التي حفرت في الذاكرة من انتخابات 1992 في الولايات المتحدة والتي فاز فيها بيل كلينتون. في السياق الحالي للمواجهة مع طهران، يدور الحديث عن السلاح الاقتصادي الذي يمكن من خلاله الحاق الضرر الشديد بل وربما اسقاط رأس الافعى، النظام الإرهابي – الإسلامي في ايران.

معقول الافتراض ان تنتهي الحرب في لبنان باتفاق يشبه 1701، إضافة الى تعزيزات دولية وتواجد إسرائيلي طفيف. بعد تصفية السنوار الطريق الى التسوية في قطاع غزة قصر، لكن كل الاتفاقات ستكون في فترة محدودة فقط، لانه من خلف معظم منظمات الإرهاب في الشرق الأوسط توجد ايران. اسقاط النظام هناك هو هدف استراتيجي لإسرائيل والعالم الحر، والطريق الى الهدف يمر عبر خنق الاقتصاد المحلي في الدولة.

منذ سنين وانا اتابع معطيات الاقتصاد والتجارة التي تأثيرها على إسرائيل وعلى الشرق الأوسط هائل ويبشر بالمستقبل الذي سيتحقق. هذه المعطيات تتعلق بتصدير النفط الإيراني، الذي تؤثر مداخيله بشكل مباشر وفوري على تقوية او ضعف قوى الإرهاب في المنطقة. هكذا، عقوبات العالم على ايران بسبب برنامجها النووي قللت جدا التحويلات المالية لحزب الله في النصف الثاني من العقد الماضي. بعد الاتفاق النووي، تحرير الأموال وإزالة بعض من العقوبات، ارتفعت مداخيل ايران من النفط الى نحو 50 مليار دولار في السنة، وبما يتناسب مع ذلك – منذ 2016 تعاظمت جدا قوة منظمات الإرهاب التي تعتمد عليها: حزب الله، الميليشيات في العراق، الحوثيين في اليمن وكذا المنظمات الإسلامية الفلسطينية.

انعطافة استثنائية

بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات، وجدت ايران صعوبة في مواصلة تمويل برامجها العسكرية ومنظمات الوكالة، لكن صعود الديمقراطيين الى الحكم في الولايات المتحدة في 2020 جلب معه تخفيفا كبيرا في العقوبات. هذه السنة وصلت مبيعات النفط الإيرانية الى مستويات قصوى، بوتيرة نحو 50 مليار دولار، والزبون الأساس وشبه الحصري هو الصين، التي تتمتع باسعار زهيدة على نحو خاص. هنا في “إسرائيل اليوم” بلغنا عن ذلك غير أن في الشهر الأخير وقعت انعطافة استثنائية.

وزارة المالية الأمريكية أعلنت عن سلسلة عقوبات جديدة على اقتصاد النفط الإيراني، فيما كان التركيز هذه المرة على شركات النقل البحري للنفط والتي تساعد ايران على تجاوز العقوبات. ويتم التجاوز من خلال نقل النفط في قلب البحر من ناقلات إيرانية تخضع للملاحقة والعقوبات الى ناقلات “شرعية” تعود للشركات الدولية هذه، وهكذا يبيض الذهب الأسود الإيراني.

ان انفاذ العقوبات السابقة، والعقوبات الجديدة التي شركات النقل البحري ومنها شركة روسية وشركات من الشرق الأقصى، تسببت بوقف شبه فوري لنقل النفط بهذه الطريقة الى الصين. في السطر الأخير، حسب تقديرات منظمات تتابع التجارة العالمية للنفط، انخفض التصدير الإيراني الى الصين بنحو 4 مليار دولار في آب الى نحو 1.5 مليار دولار في أيلول، والتقدير هو ان في أكتوبر سينخفض الى دون المليار. بمعنى، خسارة مداخيل بنحو 40 مليار دولار على الأقل بتعابير سنوية على الاقتصاد الإيراني. والمعنى هائل – اذا ما استمر هذا الميل، فان ايران كفيلة ليس فقط بتقليص دعمها لمنظمات الإرهاب الإقليمية، بل من شأنها أن تنهار اقتصاديا.

حسب مصادر إسرائيلية وامريكية، فان هذه الخطوة الاقتصادية، بما فيها انفاذ العقوبات التي تشددت مؤخرا، تمت بالتنسيق مع إسرائيل. وقد عرضت المعطيات في المداولات مع القدس، فيما ان الأمريكيين ينقلون رسالة بموجبها هجوم على منشآت النفط لا داعٍ له. الى هذا انضمت توجهات من دول الخليج، وعلى راسها السعودية الى الأمريكيين للامتناع عن الهجوم على منشآت النفط الإيرانية بسبب الخوف من ضربة إيرانية لمثل هذه المنشآت في دول الخليج. إسرائيل، بقدر ما هو معروف، استجابت.

غير ان بالتوازي، وبشكل متضارب نقلت الولايات المتحدة رسائل لإيران عن مبادرتها لاستئناف المفاوضات على اتفاق نووي متجدد. فالسياسة التي بدأت في عهد أوباما، وبموجبها يمكن “تقريب” ايران من الغرب ومنع تحولها الى قوة عظمى نووية بوسائل دبلوماسية، استيقظت من جديد. ومدهش بما يكفي ان هذا يحصل رغم تقرب ايران من روسيا والصين. وشرح دبلوماسي امريكي لـ “إسرائيل اليوم” بان هذا هو فقط احد طرق العمل التي تدرس وانه لن يتحقق اذا ما تبينت البدائل الاخرى كأكثر نجاحا. كما أن دول الخليج قلقة من هذه الامكانية. وحسب تقرير في شبكة “الحرة” الامريكية باللغة العربية، فقد أعربت دول الخليج عن تأييدها لرد إسرائيل قاسٍ على الهجوم الإيراني – باستثناء منشآت النفط.

ما يعقد الصورة هي الانتخابات في الولايات المتحدة. كل رد من كل جانب، وبالتأكيد من إسرائيل، يدرس من هذا المنظور. في ضوء وجود مؤيدي نهج أوباما في مواقع أساسية في السياسة الخارجية للإدارة الامريكية، كثيرون في الخليج وفي إسرائيل يتمنون التغيير. غير أن في الجانب الجمهوري توجد شخصية غير متوقعة، في غير صالحها مسجل “غياب الرد على الهجمة الحوثية – الإيرانية على منشآت النفط السعودية في 2019.

——————————————–

هآرتس 22/10/2024 

يوجد حل للنزاع، لكن اسرائيل غير معنية به

بقلم: مئير امير

هل يوجد أصلا حل للنزاع مع الفلسطينيين؟ هكذا تساءل عوفر اديرت، حيث أن الامر في النهاية يتعلق حسب قوله بموضوع “معقد” (“هآرتس”، 15/10). أولا، الحديث لا يدور أبدا عن موضوع معقد، ويوجد حل للنزاع مثلما تم على مدى السنين حل عدد غير قليل من النزاعات بين الدول. النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين لا يختلف عنها.

تساؤل اديرت يكرر رسائل اليمين التقليدية في اسرائيل، لا يوجد شريك ولن يكون شريك؛ الفلسطينيون يريدون تدمير اسرائيل؛ الفلسطينيون رفضوا كل عروض السلام التي قدمتها اسرائيل لهم وهكذا دواليك.

الفلسطينيون لا يختلفون عن الشعوب الاخرى. مثلما نجحنا في التوقيع على اتفاقات سلام مع مصر والاردن فانه يمكن فعل ذلك ايضا مع الفلسطينيين. ومن اجل ذلك يجب على الطرفين التوصل الى اتفاق حول الثمن، وثمن السلام مع الفلسطينيين معروف منذ عشرات السنين: العودة الى حدود 1967، مع تعديلات متفق عليها، الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ستقام على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا هو الثمن واسرائيل لم توافق على دفعه في أي يوم من الايام. لن يكون سلام بدون هذا الثمن.

ايضا التفسير التاريخي الذي يعطيه اديرت للنزاع مع الفلسطينيين خاطيء. الفلسطينيون حقا رفضوا خطة التقسيم من العام 1947، التي عرض عليهم فيها 45 في المئة من مساحة ارض اسرائيل الانتدابية. وقد حاولوا هم والدول العربية افشال اقامة الدولة اليهودية وفشلوا فشلا ذريعا. دولة اسرائيل اقيمت على 78 في المئة من مساحة ارض اسرائيل الانتدابية داخل حدود الخط الاخضر لسنة 1967، وحصلت على اعتراف بهذه الحدود من الامم المتحدة ومعظم دول العالم. الفلسطينيون والدول العربية لم يسلموا بهذا الواقع، وخلال سنوات استمروا في الايمان بأن ما أخذ بالقوة سيسترد بالقوة.

أول من استيقظ هو انور السادات، الذي في 1971 عرض الاعتراف باسرائيل والتوقيع معها على اتفاق سلام مقابل الانسحاب الى حدود 1967. غولدا مئير وموشيه ديان رفضا ذلك. فهما لم يصدقا أن اتفاق السلام يمكن أن يضمن الامن لاسرائيل، وفضلا ابقاء احتلال شبه جزيرة سيناء على حاله بدون سلام.

هذا كان خطأ كبير أدى الى مأساة حرب يوم الغفران. ديان ادرك حجم الخطأ. بعد تولي الليكود الحكم في 1977 انضم الى مناحيم بيغن من اجل التوصل الى اتفاق سلام تاريخي مع مصر، بعد موافقة اسرائيل على الانسحاب الى حدود 1967. موشيه ديان اعتقد في حينه بأنه يمكن التوصل الى تسوية مشابهة مع الفلسطينيين واعطاءهم حكم ذاتي كامل في الضفة الغربية، الذي ربما سيؤدي فيما بعد الى اقامة الدولة الفلسطينية. بيغن لم يوافق. فقد أراد توطين اليهود في كل ارجاء الضفة الغربية وقطاع غزة. وديان انسحب في اعقاب ذلك من الحكومة في 1980.

في نهاية الثمانينيات ادرك الفلسطينيون بأن اسرائيل هي حقيقة واقعة، وأنها دولة حديثة وقوية ولديها مكانة دولية. هم تنازلوا عن معارضة وجودها داخل حدود الخط الاخضر. هذا التغيير أوصل الى اتفاق اوسلو، الذي رغم أنه لم ينجح إلا أنه رسخ اعتراف الفلسطينيين بوجود اسرائيل. بعد ذلك تم التوقيع على اتفاق السلام مع الاردن، وفي العام 2002 اتخذت الجامعة العربية قرار بحسبه ستعترف باسرائيل واقامة علاقات سلام كاملة معها شريطة انسحابها الى حدود 1967 والاعتراف بالحق في اقامة الدولة الفلسطينية.

هذا هو الموقف الذي كرره بشكل سلس وبسيط وزير الخارجية الاردني، أيمن الصفدي، في الجمعية العمومية للامم المتحدة في شهر ايلول الماضي. “57 دولة اسلامية مستعدة للاعتراف باسرائيل والتوقيع على اتفاق سلام معها مع اعطائها ضمانات أمنية، بعد انسحابها الى حدود 1967 والسماح باقامة الدولة الفلسطينية”، قال الصفدي. ولكن هذا الموقف غير مقبول على نحو 80 في المئة من الجمهور اليهودي في البلاد، وهكذا فقد حكم عليهم بالعيش في دولة بدون حدود معترف بها، وروتين حياتها هو الخوف المستمر من اعمال العنف والارهاب والحروب الدورية، التي تتفاخر اسرائيل في عرضها كـ “ادارة النزاع”. ادارة النزاع بالنسبة للفلسطينيين هي عملية اسرائيلية عنيفة من اجل الحفاظ على الوضع الراهن في القطاع وفي الضفة الغربية، حصار غزة بدون أفق والسلب والاهانة في الضفة.

الاشهر الاخيرة في الحرب الحالية اثبتت قوة اسرائيل العسكرية والتكنولوجية والاستخبارية. ولكن كل ذلك لم يؤد حتى الآن الى الصحوة، والى عملية سياسية تترجم الانجازات العسكرية الى انجازات سياسية تؤدي الى حل النزاع. ما فائدة القوة العسكرية الضخمة والقوة التكنولوجية الكبيرة اذا كنا نخشى خطوة سياسية مطلوبة لا يوجد فيها تقريبا أي خطر أمني؟ من أين الخوف وما هو تفسيره؟ هل نحن نخاف من احداث تشبه احداث 7 اكتوبر بعد اقامة الدولة الفلسطينية؟. في نهاية المطاف هذه الاحداث وقعت في الوقت الذي قمنا فيه بـ “ادارة” النزاع ومنعنا اقامة الدولة الفلسطينية.

الامتناع عن حل المشكلة الفلسطينية هو التهديد الوجودي التي يقف امامنا؛ ويغذي النزاع الدموي مع لبنان وتهديد ايران. عندما سيتم حل القضية الفلسطينية فسيكون بالامكان بالتأكيد التوصل الى اتفاق مع لبنان ومع ايران، والبدء في ادارة حياة طبيعية ومزدهرة في ارض اسرائيل القديمة، الصغيرة والجميلة، في حدود 1967. الآن بقي رؤية متى سيتم استيعاب هذا الفهم، الذي يقف خلفه كل العالم وضمن ذلك الفلسطينيين والدول العربية، من قبل الاغلبية اليهودية في اسرائيل.

عودة الى موشيه ديان. خطاب تأبين ديان على قبر روعي روتبرغ في ناحل عوز في نيسان 1956 يفسره اديرت بشكل خاطيء. ديان القى خطابه المتشائم بعد سبع سنوات على انتهاء حرب التحرير واتفاقات الهدنة. الرأي الذي ساد في اوساط الجمهور في حينه وبحق هو أن العرب لن يسلموا بهزيمتهم في حرب التحرير، وهم سيستعدون لجولة قتال اخرى. ولكن منذ التوقيع على اتفاقات السلام مع مصر والاردن، الفلسطينيون ايضا اعترفوا بحق اسرائيل في الوجود. ديان غير موقفه، وايضا شمعون بيرس واسحق رابين وحتى دافيد بن غوريون قبل وفاته.

فقط نحن بقينا في متلازمة الضحية والخوف الأبدي، ومحكوم علينا العيش في حياة غير آمنة، بدون مستقبل ورضا، وكل ذلك امام ناظري العالم المندهش ازاء سياستنا الهستيرية وغير الاخلاقية.

——————————————–

هآرتس 22/10/2024

نتنياهو في “حربه الخالدة”: علمني ترامب كيف ألصق أذني.. وأحتل العراق

بقلم: ب. ميخائيل

يقولون إن بيبي غاضب وبحق. يقولون حتى أنه فكر بتقديم الجنود للمحاكمة. في نهاية المطاف، خاف قليلاً وقرر توبيخهم فقط.

لقد استدعاهم إلى مكتبه وجعلهم ينتظرون فترة طويلة في الممر، وبعد ذلك وبخهم: من طلب منكم ذلك؟ وكرر أمامهم المقولة المشهورة للنبي يشعياهو.

“من أعطى الأمر لقتل شريكي الأكثر إخلاصاً؟ المس بالشخص الوحيد الذي كان دائماً يمكنني الوثوق بأنه سيقول لي دائما “لا”؟ هذا كان الزعيم الذي بفضله تمكنت من الاستمرار في الحرب ما دمت أرغب فيها. والذي أبعد عني المخطوفين، الانتخابات، لجنة التحقيق والهزيمة السياسية بإخلاص ونجاعة، ومن يعرف ربما أيضاً تقديم الشهادة في المحكمة! من وقف وراء هذه المؤامرة؟”.

نظر الجنود الخائفون إلى بعضهم وهزوا الكتف ولم ينبسوا ببنت شفة. “من؟”، عاد بيبي وزأر.

قال جندي شجاع منهم: “لا أحد، يا سيدي”، تمتم، “لا أحد أعطانا الأمر، بالصدفة، بالخطأ، حسن حظ، ليس بشكل متعمد. لو عرفنا لما فعلنا ذلك…”.

لا تخدعوني، عاد بيبي ورفع صوته.

“هذا غالانت”، قالت الزوجة الجالسة طوال الوقت جانباً. “هذا غالنت والمستشارة القانونية وساعر، كما قلت لك”.

الرائحة النتنة للصفقة كانت تفوح في الهواء. بيبي وعائلته عرفوا: الصفقة هي النهاية. الصفقة تعني أن بن غفير وسموتريتش، الأعمدة الرئيسية للحرب الخالدة، سيكونان في الخارج. الصفقة تعني تبادل المخطوفين، واتفاقاً وإنهاء الحرب، ورائحة مواد التنظيف في سجن “معسياهو” بدأت تتسرب إلى الأنف.

عندها جاء الخلاص. ثمة مسيرة تسقط في قيساريا. ترامب علم بيبي في مكالمة هاتفية كيفية وضع اللاصق على الأذن. عاد رجال سلاح الجو المطيعون ورجال المدفعية المخلصون إلى روتين القتل المعتاد بسرعة (قتل نحو 100 فلسطيني، السبت في الأسبوع المقدس). الحمد لله أن الحرب الأبدية لم تتوقف ولا حتى ليوم واحد. هذا جيد. يمكن العودة إلى خطة العمل التي تقررت في جلسة كابنيت العائلة.

أولاً، سنأخذ لبنان، ثم سوريا التي احتلها الملك داود من قبل، وبالطبع أيضاً “أرام تسوفا” (حلب). ومن هناك إلى العراق، إلى أور، مثل شياطين أبونا إبراهيم، واستئناف الاستيطان اليهودي وتعلم التوراة في مدينة تسورا ومدينة فمبوديتا، التي تقع على الحدود الشمالية، النهر الكبير (نهر الفرات). بعد ذلك، العودة إلى سوريا (التي أصبحت في أيدينا) وإلى ميناء اللاذقية. سينتظرنا هناك سلاح البحرية وسيأخذنا إلى بحر الأدرياتيك وشواطئ مونتنغرو (الجبل الأسود)، الذي هو إرث لأجدادنا.

في نهاية المطاف، النبي عاموس اقتبس الله الذي قال: “أنتم الآن الفلاشا مثل بني إسرائيل بالنسبة لي”. أي أن جبل الزنوج (الجبل الأسود)، مونتنغرو، لنا أيضاً.

يمكن الافتراض أنه إلى حين استكمال كل الاحتلالات المذكورة آنفاً، سيكون بيبي ابن 97 سنة، وسينضم إلى الأجداد، وستحصل إسرائيل أخيراً على بضعة أيام من وقف إطلاق النار. وإذا لم يحدث ذلك، فلا مناص لنا من احتلال أمريكا أيضاً. ففي نهاية المطاف، تعلمنا أن كولومبوس المتوفى كان يهودياً، في الأصل أمريكا أيضاً لنا. لأنه في محادثة عبر “الشاباك” بين يهوشع المحتل وبين الله، يقول له الأخير: “كل مكان تطأه قدمك، أعطيته لكم”. وينفي أن قدم كولومبوس وطئت أمريكا، كلها لنا، لنا فقط. الهنود الحمر مثل الفلسطينيين، لا يُحسب لهم حساب.

——————————————–

هآرتس 22/10/2024

هكذا يصبح القضاء الإسرائيلي مسلسلاً كوميدياً على مسرح “تجنيد الحريديم”

بقلم: أسرة التحرير

يبدو أن وزير البناء والإسكان إسحق غولدكنوف يعيش في كون موازٍ؛ ففي مقابلة صحافية أمس مع راديو “صوت حي”، قال إن قانون الإعفاء من التجنيد هو “الحد الأدنى الذي يستحقه الجمهور الحريدي”. الرجل والأسطورة التي يعيش فيها كان يمكنهما أن يكونا حلقة في مسلسل كوميدي يخفف من وطأة فظائع السنة الأخيرة، لو لم تكن لديه قوة مساومة كبيرة في الاتصالات مع رئيس الوزراء قبيل إقرار ميزانية الدولة للعام 2025.

رسالة رئيس “يهدوت هتوراه” واضحة ولا تقبل التأويل على وجهين: إذا لم تقر الحكومة منحى يسوغ تملص الحريديم من الخدمة فإنهم سينسحبون من الائتلاف ولن تكون لنتنياهو حكومة. في دولة محبة للحياة، ما كان لأي ائتلاف أن يكون مستعداً للتفاوض في هذا الموضوع، خصوصاً في ذروة حرب. في وضع سليم للأمور، كان ينبغي للأحزاب الحريدية أن تصطدم بإجماع من الحائط إلى الحائط يضع حدوداً واضحة: ما كان لن يكون. لو أننا في دولة سليمة، لاصطدمت كل محاولات الأحزاب الحريدية المساومة في هذه المسألة بحائط يتجاوز المعسكرات السياسية، ويعلن بصوت واحد: مسألة التجنيد غير قابلة للمفاوضات. يجب أن تكون متساوية.

غير أنه في جمهورية موز نتنياهو، كل شيء هناك للبيع. وللبقاء في الحكم، هو مستعد لدفع كل ثمن يطلبه الحريديم. غير أن نتنياهو هذه المرة لا يمكن أن يسمح لنفسه بترف إذابة الموضوع كعادته. فقد قضت محكمة العدل العليا في حزيران بأن الدولة لن تعفي الحريديم من التجنيد ولن تمول المدارس والكليات الدينية التي لم يتلقَ تلاميذها إعفاء من التجنيد.

لا هذا ولا ذاك، وجه قضاة المحكمة العليا انتقاداً شديداً للحكومة وقضوا بأن سلوكها مع نفاد قانون خدمة الأمن، يتعارض مع القانون. “في ذروة حرب ضروس، فإن ثقل عدم المساواة في العبء أكثر حدة من أي وقت مضى ويستوجب حلاً دائماً”، كتبوا في قرارهم، وأضافوا بأن “التمييز فيما هو أغلى من كل شيء، الحياة نفسها، هو أقسى أشكال التمييز”.

وماذا تفعل الدولة؟ بدلاً من تجنيد الحريديم لتوسع القوة البشرية في الجيش الإسرائيلي عقب الحرب، يمددون الخدمة الإلزامية لثلاث سنوات ويزيدون العبء على جنود الاحتياط. ولتمويل كل هذا، مع أن تجنيد الحريديم مجدٍ اقتصادياً، يرفعون الضرائب.

ليس هذا بحثاً نظرياً في موضوع المساواة فحسب؛ فتجنيد الحريديم حيوي لأن آلاف الجنود قتلوا وجرحوا وتأذوا في الوقت الذي ارتفعت فيه الاحتياجات الأمنية. غير أنه لا محكمة العدل العليا ولا 7 أكتوبر ولا الحرب المتواصلة لأكثر من سنة بأثمانها الباهظة، قد أثرت في الحريديم أو في نتنياهو. الأوائل متمسكون بمطلبهم بالإعفاء من الخدمة العسكرية، براتب شهري ودعم حكومي لحضانات الأطفال النهارية، والأخير متمسك باستعداده لبيع الدولة للبقاء في الحكم. إذا ما بقي أناس غير وزير الدفاع غالنت في الائتلاف يهمهم مستقبل الدولة، فمن واجبهم إطلاق صوتهم الآن.

——————انتهت النشرة——————