دوافع “إسرائيل” لحظر “الأونروا” قد تمتد إلى ما هو أبعد من الحرب الحالية في غزة.
المسار : مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة فوهرا أنكال، تحدثت فيه عن السبب الحقيقي وراء حظر “إسرائيل” لعمل وكالة “الأونروا” في فلسطين المحتلة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” هي المؤسسة الرائدة المخصصة للاحتياجات الإنسانية للشعب المحاصر في قطاع غزة وسط الحرب الإسرائيلية المدمّرة، والتي خلفت أكثر من 43 ألف قتيل، ونصف هذا العدد تقريباً هم الآن أيتام، وأكثر من 100 ألف جريح.
ومع ذلك، قالت “إسرائيل” مراراً وتكراراً إنها ترغب في حظر “الأونروا”. وزعمت الحكومة الإسرائيلية إن عُشر موظفي “الأونروا” مرتبطون بحركة حماس، وأنّ بعضهم شارك في هجوم 7 أكتوبر 2023، والذي قُتل فيه أكثر من ألف إسرائيلي واختُطف أكثر من 250.
لكن السبب الأكبر وراء الدفع الإسرائيلي للتخلص من الوكالة يبدو أنه شيء آخر. يتفق الإسرائيليون الذين يؤيدون الحظر وأولئك الذين يعارضونه على أنّ أحد دوافعه الرئيسية هو أنّ “الأونروا” تسمح بنقل وضع اللاجئ من جيل من الفلسطينيين إلى جيل آخر. وبالتالي، فإنّ إلغاء الوكالة من شأنه أن يساعد في القضاء على مطالبات الفلسطينيين بحق العودة إلى أرضهم.
لعقود من الزمان، كانت “الأونروا” مسؤولة عن المساعدات الطارئة والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وكذلك في البلدان المجاورة. ولفترة طويلة تقريباً، أرادت “إسرائيل” تفكيك المجموعة.
في وقت سابق من هذا الشهر، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانونين تشريعيين بأغلبية ساحقة يحظران عمل “الأونروا” على الأراضي الإسرائيلية. وفي حين حظر أحدهما “الأونروا” من القيام بأنشطتها داخل “إسرائيل”، منع الثاني السلطات الإسرائيلية من أي نوع من التنسيق مع الوكالة. وإذا تم تنفيذهما، فقد تمنع فعلياً جميع المساعدات المقدمة إلى غزة، حتى من خلال المعبر الحدودي مع مصر الذي يخضع لسيطرة “الجيش” الإسرائيلي.
ستكون هناك فترة انتقالية مدتها 90 يوماً قبل أن تدخل القوانين حيز التنفيذ، ولكن بالنظر إلى الدعم الحزبي لكلا المشروعين والإدارة الداعمة التي تستعد لتولي المسؤولية في واشنطن، فإن التراجع أو إعادة التفكير أمر غير متوقع.
وُلدت “الأونروا” في عام 1949 لتوفير برامج الإغاثة مؤقتاً للفلسطينيين النازحين في الحرب العربية- الإسرائيلية في العام السابق، ولكن نظراً إلى عدم وجود حل للصراع ولم تتم إعادة توطين اللاجئين في دولة فلسطينية مستقلة، فقد اضطرت “الأونروا” إلى توفير احتياجات أجيال من الفلسطينيين. ومن نحو 700 ألف شخص في بداية النزوح، نما عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يطالبون بحق العودة إلى ما يقرب من 6 ملايين.
قال إران ليرمان، نائب مستشار “الأمن القومي” الإسرائيلي السابق: “إنهم يعلمون الأطفال الفلسطينيين أنه يمكنهم العودة”. ويقول آخرون إنّ “إسرائيل تحاول في الأساس دفن حل الدولتين عندما تحاول حظر الأونروا وتصويرها على أنها متحيزة تجاه حماس”.
وتقول مايا روزنفيلد، عالمة الاجتماع والأنثروبولوجيا التي تدرس في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، والتي كانت تبحث في شؤون الأونروا منذ تسعينيات القرن العشرين، إنّ “إسرائيل من خلال حظر الأونروا تقوض شرعيتها كدولة حيث تم تشكيل كليهما بموجب قرارات الأمم المتحدة”.
وتضيف أنّ “المشكلة هي أن الأونروا بدأت كوكالة إغاثة طارئة ووكالة مؤقتة، فقط حتى يتم إيجاد حل لمشكلة اللاجئين. ولكن لأن إسرائيل رفضت قبول حقهم في العودة واستمرت مشكلة اللاجئين، فقد اضطرت إلى رعاية أجيال من اللاجئين”.
وتضيف روزنفيلد: “الحقيقة هي أن إسرائيل هي التي كانت تتلكأ في حق الفلسطينيين في أن يكون لهم دولتهم الخاصة. ومن خلال حظر الأونروا، فإنها تريد في الأساس هدم قضية حل الدولتين”.
ويعتقد العديد من المسؤولين الغربيين ومسؤولي الأمم المتحدة أنّه لا يوجد بديل للأونروا، على الأقل في الأمد القريب إلى المتوسط، حيث لا توجد منظمة أخرى تضاهي حالياً بنيتها التحتية وخبرتها في المساعدات.
قبل الحرب، كانت الأونروا تدير أكثر من 300 مدرسة ومستودع ومركز صحي ومرافق أخرى في غزة وكان لديها 13 ألف موظف هناك في غزّة، وأكثر من 30 ألف موظف عندما يتم تضمين الموظفين في البلدان المجاورة. وتفيد الوكالة أنّ ما يقرب من نصف سكان غزة – أي مليون شخص – لجأوا إلى منشآت الأونروا في نقاط الصراع الأخير.
وقالت روزنفيلد إنّ “الحاجة إلى وجود وكالة الأونروا، تزايدت بمرور الوقت حيث شهد الإسرائيليون والفلسطينيون دورات من العنف ولم يتم التوصل إلى حل للصراع، موضحةً أنّه “منذ أن انغمست الأونروا في المنطقة بالمدارس والعيادات والمستودعات، تحولت هذه المباني إلى ملاجئ طوارئ، وكلما تبادلت إسرائيل وحماس إطلاق النار، كان المجتمع الدولي هو الذي أراد من الأونروا أن تفعل المزيد”.
في جوهرها، تدور الحرب من أجل بقاء “الأونروا” بين “إسرائيل” والأمم المتحدة، التي تمثل المجتمع الدولي. تريد الأمم المتحدة الوفاء بوعدها للاجئين الفلسطينيين – ليس فقط في ما يتعلق بتوفير المساعدات الطارئة، ولكن أيضاً في ما يتعلق بمستقبل ودولة خاصة بهم. وفي الوقت نفسه، حتى بين الإسرائيليين الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية مستقلة، هناك شعور بأنّ السلام لا يمكن تحقيقه إذا طالب الملايين من الفلسطينيين بحق العودة إلى حيث يعيش الإسرائيليون.
وفي الأثناء، يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي وافق على التفسير الإسرائيلي لـ”الأونروا” وخفّض المساعدات للوكالة في عام 2018، والآن اختار رجلاً قال في عام 2008 أنه “لا يوجد شيء اسمه فلسطيني”، ليكون السفير الأميركي الجديد في “إسرائيل”.
المصدر : الميادين