إسرائيلياتالصحافة العبرية

الصحافة العبرية … الملف اليومي الصادر عن المكتب الصحافي التابع للجبهة الديمقراطية

 الصحافة الاسرائيلية – الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

ألون بن مئير: 12/12/2024

سقوط نظام الأسد: احتمالات نجاح الثوار أو فشلهم

من الصعب المبالغة في مدى ابتهاج الشعب السوري عندما سمع نبأ سقوط بشار الأسد، الذي أنهى “سلالة” عمرها 52 عاماً ستظل في الأذهان باعتبارها الفصل الأكثر ظلمة في تاريخ البلاد. إن المدة التي قد تدوم فيها ابتهاجات الشعب، وما إذا كانت الحياة الطبيعية سوف تعود إلى بلد محطم، سوف تعتمد على ما إذا كانت الحكومة الجديدة سوف تفي بوعدها بأن تكون شاملة، وتركز على إعادة بناء البلاد والسعي إلى السلام والمصالحة، أو ببساطة تحل محل الدكتاتورية القاسية بأخرى جديدة.

ربما يكون من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الثوار سيوفون بوعدهم بأن يكونوا شاملين وأن يعاملوا كل مواطن، بغض النظر عن عرقه، على قدم المساواة أمام القانون. ومع ذلك، هناك علامات مهمة وإيجابية تشير إلى أن القادة الجدد من المرجح أن يتبعوا ما كانوا يقولونه لإثبات التزامهم بإقامة حكم مسؤول وشرعي.

ولتحقيق هذه الغاية، دعوا إلى الوحدة الوطنية والانتقال السلمي للسلطة. والتقى زعيم الثوار أبو محمد الجولاني برئيس الوزراء المنتهية ولايته محمد الجلالي لمناقشة انتقال السلطة لإظهار رغبته في العمل مع المسؤولين ذوي الخبرة لضمان انتقال أكثر سلاسة للسلطة والإشراف المؤقت على البيروقراطية. وحدد هادي البحرة، رئيس الائتلاف الوطني السوري، خططاً لفترة انتقالية مدتها 18 شهراً ومد يده للمساعدة في صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات كما يرغب زعماء الثوار.

ولإظهار التزام زعماء الثوار بالعدالة، أقسموا على محاسبة العديد من ضباط الجيش المتورطين في التعذيب والالتزام بإقامة “دولة الحرية والمساواة وسيادة القانون والديمقراطية”، كما قال سفير سوريا لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك. وأصدروا تعليمات لأتباعهم بالحفاظ على مؤسسات الدولة، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة فتح البنوك لضمان الاستقرار الاقتصادي. كما أصدروا توجيهات لقواتهم لمنع تدنيس الأضرحة والمراكز الثقافية للعديد من المجموعات العرقية، بما في ذلك العلويين المؤيدين للأسد، مما جعلهم يشعرون بالطمأنينة والتفاؤل بأنه لن يتم استبعادهم عن الانضمام إلى العملية الانتقالية السياسية.

في ضوء حكم الرعب الذي فرض على الشعب السوري، يبدو أن القادة الجدد ملتزمون ببداية جديدة يتوق إليها الشعب السوري، وليس مجرد استبدال دكتاتورية الأسد القاسية بدكتاتورية جديدة. إنهم يريدون كتابة فصل جديد من شأنه أن ينهي آلام ومعاناة ويأس الشعب السوري، وخاصة على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية منذ اندلاع الربيع العربي، وأن يجلب الأمل في مستقبل أفضل وواعد. وعلى العموم، يبدو الأمر وكأن عصر جديد قد أشرق على سوريا.

ومع ذلك، فإن العلامات الإيجابية المذكورة أعلاه ليست خالية من التحديات العديدة المتمثلة في تغيير النظام، والتي تشمل دمج الجماعات المسلحة في بنية موحدة والحفاظ على جميع مؤسسات الدولة، فضلاً عن المفاوضات الشاقة بين العديد من جماعات المعارضة ذات الإيديولوجيات والولاءات المختلفة. وهناك أيضًا مخاوف من أن التغييرات المتسارعة قد تدعو جماعات مسلحة أخرى إلى الظهور وإغراق البلاد مرة أخرى في حرب أهلية وتدمير ما تبقى تحت حكم الأسد.

وأخيرا، فإن القلق الأكبر يتعلق بالجذور الإسلامية لهيئة تحرير الشام، ويثور السؤال حول ما إذا كان زعيمها أبو محمد الجولاني، الذي كان منتميا سابقا إلى تنظيم القاعدة، سيعود إلى التطرف أم لا. وللتخفيف من هذه المخاوف، أوضح أن قطع علاقاته مع تنظيم القاعدة يعود إلى عدة سنوات وتعهد بالسعي إلى التعددية والمساواة العرقية والتسامح الديني.

إن ما يحدث محليا سوف يؤثر على القوى الأجنبية، وخاصة تركيا وإيران وروسيا، التي لها مصالح جيو-استراتيجية راسخة في سوريا. وسوف يكون للطريقة التي يتنقل بها قادة الثوار بين هذه القوى المتنافسة عواقب وخيمة على سوريا ومكانتها في منطقة غير مستقرة مثقلة بالصراعات والمنافسة على النفوذ الأكبر مع القادة الجدد في دمشق. وبغض النظر عن هذا، فإن الأمر الأكثر إلحاحا الآن هو أن تتخذ الولايات المتحدة وإسرائيل، على وجه الخصوص، عدة إجراءات لتشجيع القيادة السورية الجديدة على متابعة ما وعدت به علناً والحفاظ على الخطوات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأولية التي اتخذتها.

يتعين على الولايات المتحدة أولاً أن تزيل هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب لإرسال رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة لإظهار ثقتها الأولية في أن القيادة الجديدة سوف تتبع بالفعل ما وعدت به. ولأن الشرعية تشكل أهمية بالغة للقيادة الجديدة، فيتعين على الولايات المتحدة أن تقدم اعترافاً دبلوماسياً، مشروطاً بالتزام الثوار بالديمقراطية وسيادة القانون.

بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تشارك في دبلوماسية القنوات الخلفية لمناقشة الأمن الإقليمي وتقديم التعاون. ويمكن للولايات المتحدة أن تقدم المساعدة الاقتصادية من خلال إزالة العقوبات التي يعود تاريخها إلى العام 2012 أولاً، والمساعدة في الجهود الرامية إلى استعادة الأموال التي سرقها الأسد نفسه وحكومته، ودعم جهود إعادة الإعمار، والتي يمكن أن تساعد بشكل كبير في تحسين الظروف المعيشية واستقرار البلاد. وأخيراً، يمكن للولايات المتحدة أن تقدم المعرفة الفنية والتدريب لمنظمات المجتمع المدني وتساعد في تعزيز وسائل الإعلام المستقلة والمؤسسات الديمقراطية.

من خلال اتخاذ هذه التدابير وغيرها، يمكن للولايات المتحدة أن تثبت التزامها بدعم تطلعات الشعب السوري إلى الديمقراطية وآفاق النمو والازدهار مع معالجة مخاوف الولايات المتحدة بشأن الاستقرار الإقليمي.

ولمنع أي اشتعال محتمل مع الحكومة السورية الجديدة، وضعت إسرائيل ثلاثة خطوط حمراء للثوار، وتحدتهم ألا يتجاوزوها. وتشمل هذه الخطوط: 1) عدم السماح بوقوع الأسلحة الكيميائية في أيدي المتمردين الجهاديين؛ 2) منع إيران من نشر قوات إيرانية لإعادة بناء أي منشآت عسكرية على الأراضي السورية؛ و3) عدم نشر أي قوات معادية بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وقد اتخذت إسرائيل بالفعل عدة تدابير احترازية لمنع أي سوء فهم، بما في ذلك الاستيلاء مؤقتًا على منطقة عازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، وقصف مواقع الأسلحة الكيميائية المشتبه بها، وتنفيذ حظر التجول في عدة قرى داخل المنطقة العازلة.

وبعد أن أكدت إسرائيل أن هذه التدابير وقائية، فإنها تستطيع أن تتخذ عدة خطوات لتشجيع العلاقات السلمية مع الحكومة الجديدة في حين تخفف من حدة العداء التقليدي للثوار تجاه إسرائيل. وبادئ ذي بدء، يتعين على إسرائيل أن تنشئ خط اتصال مع الثوار وتمدهم بالمساعدات الإنسانية لتطوير حسن النية. فضلاً عن ذلك، تستطيع إسرائيل أن تعرض حوافز اقتصادية وتثبت اهتمامها بمعالجة المخاوف الأمنية في سوريا. ومن خلال الجمع بين التواصل الدبلوماسي والتدابير الأمنية الاستراتيجية والحوافز المالية، تستطيع إسرائيل أن تطور علاقة مستقرة مع الحكومة السورية الجديدة في حين تحافظ على أمنها.

وهناك العديد من القضايا الحرجة الأخرى التي تفصل إسرائيل عن الثوار؛ وأهمها مستقبل مرتفعات الجولان. ولكن سواء قبلت الحكومة الجديدة الإيماءات الإسرائيلية أم لا، فإن إسرائيل باتخاذ هذه التدابير تستطيع أن تخلق جواً إيجابياً من شأنه أن يسهل المفاوضات البناءة حول أي قضية متضاربة في المستقبل.

إن الانتصار المذهل الذي حققه الثوار السوريون يفتح آفاقاً جديدة لشرق أوسط أكثر سلاماً، أو قد يمهد الطريق لمزيد من العنف والموت والدمار. ويتعين على السلطة السورية الجديدة أن تقرر أي طريق تختار أن تسلكه. ولكن هناك أمر واحد مؤكد وهو انه رغم أن القوى الأخرى، وخاصة تركيا وروسيا وإيران، لديها مصلحة فريدة في مستقبل سوريا، فإن ما تفعله الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون له التأثير الأعظم على المسار الذي سيختاره النظام الجديد في دمشق.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

من نتساريم وحتى قمة جبل الشيخ، نتنياهو يجسد حلم “اسرائيل الكبرى”

بقلم: ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هآرتس

احداث الايام الاخيرة في سوريا ذكرتني بصديق من الطفولة، والده عميد في الاحتياط، كان لديه قرار التعيين الطاريء للحاكم العسكري في دمشق. المنصب الاعلى لم يتحقق في حياة الأب، لكن الجيش الاسرائيلي يقترب الآن من الهدف وضعه لنفسه خلال سنوات كثيرة في خطط الحرب في جبهة الشمال: تثبيت خط على مدخل العاصمة السورية.

دمشق الآن بعيدة عن بندقية الجيش الاسرائيلي، الذي احتل المنطقة العازلة قرب الحدود واعلن أنه لم يتجاوز حدودها. السيطرة على المنطقة العازلة بدون أي معارضة تم عرضها كعملية دفاع لنظرية القاطع الامني ردا على انسحاب الجيش السوري، الذي تخلى عن الحدود. الجيش الاسرائيلي احتفل بصورة انتصار، رفع علم اسرائيل على قمة جبل الشيخ والدبابات في القنيطرة، مع طمس حقيقة أن الامر يتعلق باراضي سوريا وليس منطقة حرام. اسرائيل ابغلت المجتمع الدولي بأن العملية هي مقلصة، وأن الجيش احتل فقط عدة مواقع.

العملية البرية رافقتها موجة هجمات من الجو ومن البحر، دمرت فيها اسرائيل سلاح الجو والاسطول ومنظومة الصواريخ ومركز الابحاث الامنية في سوريا. هذه العمليات تم الاحتفال بها كنجاح كبير للجيش الاسرائيلي منذ حرب الايام الستة، رغم تنفيذها بدون أي مقاومة من الطرف المعتدى عليه. بعد فترة قصيرة سيقومون بطبع البومات انتصار وصور لرئيس الاركان وقائد سلاح الجو من اجل تعليقها في مطاعم البيتزا مثلما حدث في العام 1967. الآن، حيث انتهى الهجوم الخاطف فانه تطرح الاسئلة حول المستقبل. الى متى ستسيطر اسرائيل على هضبة الجولان، وماذا يتوقع أن يحدث اذا غلبت الفوضى في سوريا، وتم توجيه جزء منها نحو اسرائيل؟ هل سيبقى الجيش الاسرائيلي في هذه المواقع أم أنه سيتقدم نحو دمشق لتوسيع القاطع الامني؟.

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نسب لنفسه الفضل في اسقاط نظام الاسد، الذي اعتبر قوة طبيعية في المنطقة. حسب رأيه، الذي وجد الدعم المفاجيء من خصمه زعيم ايران علي خامنئي، فان خطوات اسرائيل ضد ايران وحلفائها في غزة وفي لبنان ساهمت في الانقلاب في سوريا. ولكن نتنياهو ذهب خطوة اخرى واعلن عن الغاء الاتفاقات السياسية في هذه المنطقة. في يوم الاحد وقف نتنياهو في هضبة الجولان واعلن بأن “اتفاق فصل القوات انهار”. هكذا، أنهى الاتفاق الذي تم التوقيع عليه عند انتهاء حرب يوم الغفران والذي تم الحفاظ عليه بحرص مدة خمسين سنة. حسب منطق اسرائيل فانه اذا كان الاتفاق انهار فمن المسموح ازاحة الحدود شرقا، رغم انتقاد الامم المتحدة ودول عربية صديقة.

لكن نتنياهو لم يكتف بمحو الحدود في هضبة الجولان. ففي تقديم شهادته أمس في محاكمة الفساد زاد في ذلك وقال “لقد حدث هنا شيء تكتوني، هزة ارضية لم تكن منذ مئة سنة، منذ اتفاق سايكس بيكو”. نتنياهو يبالغ كالعادة – في المئة سنة الاخيرة حدثت في المنطقة احداث دراماتيكية اكثر من انهيار نظام الاسد – لكن اقواله لها معان سياسية. فذكر الاتفاق من العام 1916 بين الدول العظمى الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا، التي قسمت بينها اراضي الامبراطورية العثمانية في الشرق الاوسط واوجدت منظومة الدول القائمة حتى الآن، لم يهدف الى تعليم التاريخ للقضاة. نتنياهو المح بأن منظومة الحدود في المنطقة انتهت.

خلال معظم سنوات حكمه اعتبر نتنياهو كاره للاخطار ويخشى المعارك، حتى الحرب الحالية. “نتنياهو اظهر أن المقاربة العسكرية بالحد الاقصى تأتي بمكاسب استراتيجية كبيرة وافضلية سياسية داخلية”، هذا ما نشرته الباحثة سوزان ميلوني من معهد بروكينغز في واشنطن، في مجلة “فورين افيرز“. بعد أن تغلب على صدمة غزو حماس لغلاف غزة وأداء الجيش الاسرائيلي البائس في 7 اكتوبر، تهرب نتنياهو من المسؤولية عن هذه الكارثة وتخلص من خوفه وانفتح على المصادقة على عمليات اعتبرت ذات مرة بأنها كارثية، اذا لم تكن انتحارية.

القائمة طويلة: احتلال وتدمير قطاع غزة، قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، تطهير عرقي في شمال القطاع، الاضرار بشكل كبير بحزب الله وقتل آلاف اللبنانيين، غزو جنوب لبنان، تدمير القرى الشيعية، القصف في ايران واليمن، طرد الفلسطينيين من غور الاردن وجنوب جبل الخليل وهجمات جوية في جنين وطولكرم. اضافة الى ذلك فان فكرة الغاء الانفصال واعادة الاستيطان في غزة تحصل على تأييد واسع في الائتلاف وتعتبر هدف عملي، حتى لو كان نتنياهو يتحفظ في هذه الاثناء من تبني هذه الفكرة.

يبدو أن رئيس الحكومة يعمل على تشكيل ارثه كزعيم قام بتوسيع حدود اسرائيل بعد خمسين سنة على الانسحاب والتقلص. الى جانب الانفعال الكبير في اليمين في اسرائيل من التمدد في المنطقة كعقاب رادع لاعداء اسرائيل، يوجد لنتنياهو شريك آخر، الذي تأييده له حاسم، دونالد ترامب. حسب الباحثة ميلوني فان الادارة الجديدة في واشنطن ستظهر بالتأكيد التسامح مع طموحات اسرائيل الجغرافية. في المؤتمر الصحفي لنتنياهو في هذا الاسبوع شكر اصدقاء الرئيس الجديد ترامب على اعترافه في 2019 بضم هضبة الجولان لاسرائيل، الامر الذي تسبب بصدمة وطنية في سوريا. حسب كل الدلائل نتيناهو يريد أن يتم ذكره بأنه مجسد “اسرائيل الكبرى”، ليس فقط كمتهم بالرشوة ومتآمر سياسي، الذي تخلى عن مئة مخطوف في غزة. لذلك هو سيحاول التمسك بسيطرة اسرائيل في شمال قطاع غزة. ولذلك لن يسارع الى الانسحاب من المناطق الجديدة التي احتلت في الجولان، وربما في ظروف ما يزيدها. وحتى لو توقف الجيش الاسرائيلي قبل حصول الحاكم العسكري الحالي في دمشق على تجربة هذا المنصب.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

ما الذي تقوله اسرائيل لسوريا؟ يجب نسيان فتح صفحة جديدة

بقلم: جدعون ليفي

طيور جارحة تحلق الآن في سماء سوريا. فقد شمت الرائحة الكريهة للجثث وجاءت لنهشها: طائرات سلاح الجو تقصف وتدمر الجيش السوري، والجيش البري يحتل مناطق فيها. مثل المياه التي تبحث عن المكان المنخفض فقد وجدت اسرائيل لنفسها فرصة اخرى، في وفرة الفرص التي ظهرت امامها مؤخرا، من اجل تدمير الجيش السوري واقتطاع اراضي من سوريا، في الوقت الذي فيه الدولة المنهكة تستيقظ من كابوس النظام السابق على مستقبل مجهول.

يبدو أن هناك حكمة في خطوة اسرائيل. هذا هو الوقت المناسب لتدمير القدرات العسكرية لعدو آخر. لا أحد يستطيع الآن الوقوف امام اسرائيل في سوريا بعد صدمة الانقلاب. ولكن يجب عدم تجاهل الاضرار المصيرية التي من شأن اعمال النهب القبيحة هذه أن تتسبب بها على المدى البعيد. “الباز” يشعر بسرعة بالغنيمة”، النبي يشعياهو تم أمره بدعوة أحد اولاده. ايضا في حينه كان القصد هو دمار قريب في دمشق و”السامرة”. “الصقر يشعر بسرعة بالغنيمة”، هو ايضا برنامج عمل اسرائيل بعد 3 آلاف سنة.

في سوريا برز الآن أمل. ربما هو أمل عبثي. من شبه المؤكد أنه هكذا. لكن الايام الاولى للنظام الآخذ في التبلور تعزز بشكل قليل هذا الأمل. زعيم المتمردين يبدو في هذه الاثناء شخص حكيم ومتزن. خلافا للانقلاب في العراق فانهم في الانقلاب في سوريا لا يدمرون العالم القديم أو يسفكون دماء الجمهور أو يدمرون البنى التحتية. أبو محمد الجولاني يفعل الآن كل ما في استطاعته من اجل استقرار الوضع واقامة بنى تحتية حكومية. اسرائيل في هذه الاثناء هي آخر همه. ماضيه لا يبشر بالخير، لكن ربما أنه تغير. الشعب السوري يستحق ذلك.

في الوقت الذي فيه سوريا تتلمس الطريق في الظلام فقد دخلت اسرائيل بطريقتها العدوانية والعنيفة، تقصف وتحتل، بطلة على الضعفاء النازفين. ربما هي ستكسب من ذلك، لكن ربما ايضا أن سوريا ستستيقظ ولن تنسى من الذي هاجمها في وقت محنتها بدون أي سبب أو شرعية. نقطة ضعفها كما يبدو هي وجود فرصة للمهاجمة، لكن يمكن أن تكون ايضا فرصة لمد اليد، التي ربما يتضح أنه لا فائدة منها وربما يتم رفضها تماما، لكن عندما تكون الاحداث متسارعة ودراماتيكية جدا فلا أحد يعرف ما هو الصحيح.

اسرائيل كان يجب عليها المحاولة على الاقل. فبدلا من تهديد سوريا ما كان سينقص منها أي شيء لو أنها دعت الى فتح صفحة جديدة. الساخرون سيقولون إن هذا جنون، لكن الجنون الحقيقي هو حتى عدم المحاولة، بالذات الآن. الشعب السوري لن ينسى من يستغل ضعفه ويدمر بلاده الآن. في مظاهرة تأييد للثورة جرت في مجدل شمس في هذا الاسبوع قال لي أحد السكان: “اذا ابقوا مصير سوريا فقط لسكانها، فانه توجد فرصة للامل. ولكن اسرائيل اصبحت تتدخل وتنقب وتبقي الجيش السوري مع الكلاشينكوف والرصاص فقط.

اسرائيل ليس فقط تدمر الجيش السوري، بل هي ايضا تقوم باقتطاع مناطق سيادية سورية بحجم وعمق غير واضح. لنترك جانبا الوقاحة التي لا تصدق، وسحق سيادة دولة اخرى بدون أي سبب والاستخفاف بالقانون الدولي. فقط يجب تخيل أن سوريا قامت باقتطاع كريات شمونة من دولة اسرائيل. الضرر الذي سيصيب اسرائيل من اقتطاع هذه المنطقة مؤكد. هذا القضم الجغرافي سيكون الذريعة للحرب القادمة. مثل مزارع شبعا في الجولان فان هذا الاحتلال المشكوك فيه لاسرائيل لن يكون مؤقت أبدا. لا يوجد ما هو أكثر خلودا منها، ونهايتها هي أنها ستشكل دمل لا يتعافى.

المناطق التي احتلتها اسرائيل الآن لن تسارع الى الانسحاب منها. فهو سيعتبر خضوع، واليمين سيعارض، واليسار ايضا. اسرائيل ستقول لسوريا الجديدة: يجب نسيان فتح صفحة جديدة. نحن سنواصل مقاتلتكم الى الابد. بالاجمال هذا منطقي ويبعث على الأمل.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

اربعة مدنيين اخطأوا في حساب اتجاه الرياح، من هنا بدأت الهستيريا الفاشية

بقلم: اوري مسغاف

أمس قمت بزيارة المحكمة المركزية في حيفا، التي تناقش قضية مطلقي قنابل الصيد المضيئة في سماء قيصاريا. أنا سافرت بشكل تلقائي بعد الحصول في الصباح في الواتس اب على فيلم قصير وثقهم وهم يتم ادخالهم الى سيارة الزنزانة في موقف السيارات في المسكوبية. الاربعة يتم احتجازهم هناك منذ تقرر اتهامهم بعملية ارهابية، وظروفهم هناك تشبه ظروف المعتقلين الامنيين. خرجت وأنا في حالة صدمة من الجلسة، مع خوف سياسي عميق اكثر من أي وقت مضى. قبل يوم كنت في المحكمة المركزية في تل ابيب بمناسبة بدء شهادة نتنياهو. القضاة هناك تعاملوا معه باحترام وأدب مبالغ فيه، وسمحوا لمحاميه بالقاء خطاب افتتاحي مطول لمدة ساعة وربع، وسمحوا لنتنياهو نفسه بقضاء جلسة كاملة في خطاب لا ينتهي عن حياته ونشاطاته وانجازاته ورؤيته والثمن الباهظ والتضحية التي يقتضيها منه هذا المنصب، وعن زوجته واولاده ووالده وجده وعمه. وحتى أنه سمح له التحدث عن الكلبة كايا (وجد صعوبة في تذكر اسمها)، وعن كلب قال إنه كان لديه في طفولته. لم يكن هناك أي شيء يربط بين الخطاب والملفات الجنائية التي بسببها اتهم بالرشوة والتحايل وخيانة الامانة. في بداية الجلسة سمح له القضاة بالحصول على بطاقات اثناء الجلسة، والخروج الى استراحة غير مخطط لها لصالح شؤون الدولة.

مصير المشبوهين الاربعة باطلاق الالعاب النارية تحسن قليلا. وقد مر شهر الآن على وجودهم في المعتقل، وعلى اعتبار أنهم متهمين بالارهاب فانه مسموح لايتمار بن غفير التحكم بظروف اعتقالهم وهوية من يقومون بزيارتهم، باستثناء حفنة من اعضاء الكنيست فان المعارضة لامبالية بمصيرهم، والجمهور الواسع ايضا.

حتى أن بني غانتس ورئيس الدولة اسحق هرتسوغطلبا التعامل معهم بشدة مثلما يتم التعامل مع الارهابيين. ورغم غياب الخطر فان اظهار الندم والتعاون الكامل مع المحققين معهم، بما في ذلك اعادة تمثيل الفعل على الارض، إلا أن الدولة تصمم على اعتقالهم الى حين انتهاء الاجراءات (التقدير هو سنة أو اكثر). وقد وصل الى المحكمة في صباح الجلسة عدد من المواطنين الاخيار الذين ارادوا دعم هؤلاء المعتقلين وعائلاتهم. في ظل غياب المكان فانه لم يسمح لهم بدخول القاعة الصغيرة، الذين معظمهم ينتمون لاحتجاج قيصاريا الذي ارادوا الاشارة الى وجوده، ولأنه تقرر عدم اجراء مظاهرة في قيصاريا في يوم السبت ذاك فقد طلب الاربعة اطلاق قنابل صيد مضيئة فوق كثبان الرمال التي تجري فيها المظاهرات، التي تطل على فيلا عائلة نتنياهو الخاصة. هم اخطأوا في تقديرهم، وحساب اتجاه الرياح والاطلاق، المفرقعات سقطت قرب سور الفيلا الفارغة، هنا بدأت الهستيريا الفاشية.

الشباك دخل الى الصورة. تم اتهامهم بالارهاب. شرطة بن غفير اعترفت بسارة نتنياهو كمتضررة من هذه الجريمة. في المحكمة شاهدت للمرة الاولى في حياتي كيف أن دولة قانون ديمقراطية تتدهور بشكل سهل وبسرعة الى نظام شمولي فاشي. الاربعة الذين لم يحلقوا لحاهم وعيونهم حمراء وذابلة، ذكروني بالصور التاريخية لمتهمين جرت محاكمتهم في محاكم صورية من القرن الماضي في المانيا والاتحاد السوفييتي وتشيلي والارجنتين.

المدعية العامة اللوائية، المحامية شيلي زئيفي بارزيلاي، التي منذ فترة قصيرة كانت زميلة المدعي العام للدولة، عميت ايسمان، قالت بحماس لماذا يجب اعتبارهم نشطاء ارهاب عرضوا حياة اشخاص للخطر. واعلنت ايضا بأن المنزل الخاص في قيصاريا هو رمز من الدرجة الاولى من رموز السلطة. بعد  أن بدأ الدفاع بدحض اقوالها، على مستوى النية والعمل، امام خطورة الادلة، ذكر القاضي زايد فلاح بأنه يجب أن يذهب قبل ساعة على انتهاء الدوام. الدفاع ذكر أن الجلسة بدأت متأخرة. ولكنه صمم، مدة النقاش تقررت حتى الواحدة ظهرا. المعتقلون تم تمديد اعتقالهم لاربعة ايام في المسكوبية.

اذا لم يستيقظ أي أحد في جهاز انفاذ القانون والقضاء فأنا اخشى على مصيرهم. تذكروا اسماءهم، عوفر دورون، غال دورون، ايتاي يافه وامير سديه. اذا لم نستيقظ فأنا وأنتم الذين سنكون في الدور.

———————————————

إسرائيل اليوم 12/12/2024

حلف الاقليات

بقلم: يهودا بلنغا

سوريا 2024 هي ظل شاحب للدولة التي تلقاها بشار الأسد من أبيه، حافظ، في حزيران 2000. تحت قيادة الابن، تحولت سوريا من قوة عظمى إقليمية لملعب لقوى إقليمية – تركيا، ايران وإسرائيل؛ وخارجية – الولايات المتحدة، روسيا والصين، الذين يلعبون فيها كما يشاءون. لكن اكثر مما اصبحت سوريا ساحة صراعات بين قوى اقوى منها – عادت مئة سنة الى الوراء، الى الفترة التي كانت فيها أراضيها منقسمة ومنشقة.

عمليا، لم يسبق ان كان كيان سوري مستقل في منطقة الشرق الأوسط. سوريا اليوم كانت أرضا اقليمة تسيطر عليها امبراطوريات اجنبية، تبنت منها هويات وثقافات مختلفة ومتنوعة. مثلا، في القرون الماضية كان سكان حلب ذوي توجه لجنوب تركيا (وقبلها للامبراطورية العثمانية)، بينما سكان دمشق كانوا مرتبطين ببلاد إسرائيل وشرق الاردن.

كما ان التقسيم الطائفي أدى الى انشقاق المجال. الأقليات، الدروز، الاكراد والعلويين – اقاموا جيوبا منعزلة وتمترسوا لخلايا جغرافية بعيدة، أساسا بسبب الخوف من الاضطهادات الدينية، الامر الذي ابرز عمق الشرخ والانقسام، مثلما ابرز الرغبة في إدارة نمط حياة مستقل. هكذا جعل هذا صعبا على الحكومات السورية المختلفة بلورة السكان في جبلة واحدة.

لا غرو انه منذ نالت سوريا الاستقلال في 1946، وحتى صعود حافظ الاسد الى الحكم في تشرين الثاني 1970 وقع فيها 15 انقلابا ومحاولة انقلاب. القاعدة كانت واضحة: الطريق الى الحكم في الدولة تمر بالجيش. انعدام الاستقرار السياسي ولد لها لقب “الدولة التي لا يمكن حكمها”. وعليه، فحقيقة انه على مدى 54 سنة نجحت عائلة الأسد في ان تقود وتتصدر سوريا هي انجاز بحد ذاته.

الحقيقة هي أنه لا يمكن المقارنة بين الاب والابن، ومع ذلك – بقيت سوريا دولة للقومية فيها دور واضح، والدين يوجد خلف الكواليس. نظام الأسد، في سعيه الدائم للشرعية، سعى لان يعطي لنفسه ولسوريا صورة من يحترم عموم الطوائف، فيما يكون لكل انسان، ولا يهم ما هو اصله، مكانه في الدولة.

كل هذا انقلب في 8 كانون الأول. نظام الأسد انهار كمبنى من ورق ومعه انهارت مؤسسات الدولة، خاصة النسغ الذي يجمع السكان. بدلا من دولة قومية وفوق طائفية، ظهرت في ليل ثوار من طيف واسع من المنظمات، هويات، اسياد وايديولوجيات. من بينهم جميعا يبرز الإسلاميون بقيادة تحرير الشام، من مصنع القاعدة.

لهذه النقطة توجد أهمية هائلة، إذ منذ الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003 وبعده اسقاط أنظمة الطغيان في اطار الربيع العربي، حصلنا على الفوضى التي أدت الى “الشتاء الإسلامي”. بعد 20 سنة من اسقاط نظام الرعب لصدام حسين، لا يزال العراق يحاول إعادة بناء نفسه. بعد 13 سنة من مقتل معمر القذافي في قنوات المجاري، وفقط مؤخرا خرجت ليبيا من حرب أهلية مضرجة بالدماء.

صورة الوضع كما ترتسم الان لا تبشر بالخير لسوريا أيضا. ثوار مسلحون وملتحون يرفعون رموز داعش والقاعدة يدخلون المراكز السكانية الكبرى ويفرضون النظام. في هذا الوقت، فان اغلاق الحسابات مع رجال النظام القديم محدود، لكن انعدام الوحدة في أوساط معسكر المعارضة يشكل مصدر قلق. ومرة أخرى، مثلما في الجولة السابقة من الحرب – عمليا، مثلما علمنا تاريخ المنطقة، فان اول من سيعانون سيكونون الأقليات.

لكن في نقطة الانكسار تكمن أيضا الفرصة. إسرائيل ينبغي لها ويمكنها أن تستخدم الانعزالية في صالح مصالحها. ان تقيم العلاقات مع أبناء الأقليات، الدروز خلف الحدود والاكراد في شمال سوريا وتعيد إقامة حلف المحيط، أي، ان تطور تحالفات استراتيجية مع العناصر الذين هم عرضة للتهديد الأكبر، الذين يحتاجون الى الدعم ويمكنهم أن يساعدونا ضد العدو المشترك المحتمل.

لقد شكل الأسد عنوانا لإسرائيل ووفر استقرارا في منطقة متهالكة. صحيح انه كان شريكا كبيرا في محور الشر الإيراني لكن رحيله المفاجيء يمكنه أن يؤدي الى صعود عناصر إرهابية ليست مدينة لاحد غير الرب الذي باسمه يقاتلون. الوضع الحالي، ثمة من سيستغلون الفوضى في صالح الإسلام المتطرف – وثمة من يمكنهم أن يرسموا عبرها واقعا إقليميا جديدا.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

موت أربعة فلسطينيين وهم لدى الشباك منذ الحرب

بقلم: هاجر شيزاف

على الأقل اربعة فلسطينيين ماتوا اثناء تحقيقات الشباك منذ بداية الحرب، على الأقل في حالة من الحالات وجدت كدمات على جثة المعتقل. هذا ما علمته “هآرتس”. الحالات الاربعة تم فحصها من قبل وحدة شكاوى المحقق معهم في وزارة العدل، التي تفحص الشكاوى ضد رجال الشباك. في حالتين قررت النيابة أنه لا يوجد أي مبرر لفتح تحقيق جنائي ضد محققي الشباك، والحالتين الاخريين قيد الفحص حتى الآن.

الحالة التي تم التحقيق فيها وتقرر عدم فتح تحقيق جنائي ضد محققي الشباك فيها، هي موت اياد الرنتيسي، مدير مستشفى النساء في بيت لاهيا في شمال القطاع، الذي توفي في سجن شكما بعد ستة ايام على اعتقاله في تشرين الثاني السنة الماضية. السلطات في اسرائيل لم تبلغ ابناء عائلته عن موته، وهم اكتشفوا ذلك في اعقاب ما نشر في “هآرتس” في شهر حزيران الماضي.

التحقيق في موته اظهر أنه وجدت على جثته علامات ضرب، الامر الذي زاد الشك في أنه عانى من العنف. السبب الرسمي لموت الرنتيسي الذي كان يعاني من مشاكل صحية هو سكتة قلبية، لكن في التحقيق ثار الشك بأنه ربما الكدمات ساهمت في موته. ورغم أنه تقرر عدم فتح تحقيق ضد محققي الشباك فان نتائج الفحص تم نقلها الى وحدة التحقيق مع السجانين في الشرطة من اجل أن تفحص الادعاءات التي ظهرت تجاه عناصر في الشباك.

في الشباك وفي وحدة شكاوى المحقق معهم في وزارة العدل رفضوا القول اذا كان المعتقلون الثلاثة الآخرين الذين ماتوا اثناء التحقيق من قطاع غزة أو من الضفة الغربية، رغم أنهم في الرد تطرقوا فقط الى موت معتقلين تم اعتقالهم اثناء العملية البرية. أيضا في الشباك وفي وحدة الشكاوى رفضوا تقديم أي تفاصيل حول المنشآت التي مات فيها المعتقلون.

وحدة الشكاوى التابعة لوزارة العدل، لا توجد لها صلاحيات لاجراء تحقيق جنائي، وتحقيقاتها تعتبر فحص في نهايته يتم كتابة رأي. في الحالات التي يثير فيها الفحص الاشتباه بجريمة جنائية فانه يتم نقل الملف الى قسم التحقيق مع رجال الشرطة. وحسب البيانات التي نشرت في السابق في موقع “شومريم” من العام 2014 وحتى تموز 2022، تم فتح فقط تحقيقان جنائيان ضد رجال الشباك فيما يتعلق بالتعامل المحقق معهم، احدهم هو سامر العربيد الذي اعتقل بتهمة قيادة الخلية التي قتلت رينا شنراف في 2019، وتم نقله الى المستشفى وهو في وضع ميؤوس منه بعد التحقيق. بعد سنة ونصف تم اغلاق الملف ضد الذين حققوا معه. ملف آخر نقل الى قسم التحقيق مع رجال الشرطة كان يتعلق بالتفتيش في الاعضاء التناسلية لفلسطينية في العام 2015، وهذا الملف تم اغلاقه بسبب نقص الادلة.

منذ بداية الحرب مات في منشآت الاعتقال للجيش الاسرائيلي 46 معتقل من قطاع غزة. نقص الشفافية فيما يتعلق بموت معتقلين فلسطينيين منذ بداية الحرب ظهر مؤخرا في رد على طلب من قبل حرية المعلومات قدمته جمعية “هتسلحاه” باسم “هآرتس” لمصلحة السجون. في اطار الرد جاء أن 11 معتقل وسجين ماتوا بين 7 اكتوبر وتموز 2024. وقد تم الابلاغ عن موت معتقلين في معتقل كيشون ومعتقل شكما. حيث توجد هناك اقسام تحقيق للشباك، ولم يتم ابلاغ الجمهور في السابق عنها. اضافة الى ذلك تواريخ الموت التي اعطيت لم تتلاءم مع المعطيات التي نشرت قبل ذلك في وسائل الاعلام.  محاولات “هآرتس” فحص ما الذي يقف وراء هذه الفجوة في المعطيات امام مصلحة السجون، كانت بلا فائدة.

بشكل عام، الشباك لا يقوم بالابلاغ عن المعتقلين الذين ماتوا لديه، ومنذ بداية الحرب بقي موت بعض المعتقلين من قطاع غزة، المحتجزين في السجون أو في منشآت عسكرية، غامضا. في بعض الحالات تصدر مصلحة السجون بيانات عن موت معتقلين في السجون التي تديرها. مع ذلك، منذ بضعة اشهر ومصلحة السجون تتبع سياسة بحسبها موت معتقلين من قطاع غزة، الذين هم محتجزون في بعض المنشآت، ليس بمسؤوليتها بل بمسؤولية الجيش. مثلا، بعض المعتقلين الذين تم احضارهم من غزة يتم احتجازهم في منشأة في معسكر عوفر، حيث عدد كبير منهم تم نقلهم الى هناك من سديه تيمان. وفي رد على طلب قدمته “هآرتس” فيما يتعلق بالمعتقلين في معسكر عوفر قالوا في مصلحة السجون مؤخرا بأنهم يوجدون تحت مسؤولية الجيش، في حين أن الجيش ادعى أن مصلحة السجون هي المسؤولة عنهم.

اللجنة العامة ضد التعذيب في اسرائيل قالت في اعقاب ما نشر في الصحيفة بأنه “في ظل غياب تحقيق جدي لمعظم حالات الوفاة، مع التأكيد على الحالات التي يثور حولها اشتباه بأن سبب الوفاة هو التعذيب على يد مندوبي الامن، وتقديم المسؤولين للمحاكمة، تحول كل سلطات القانون الى شريكة في الجريمة التي ابعادها الفظيعة فقط بدأت تتكشف”.

الشباك قال ردا على ذلك بأنه منذ بداية الحرب كان هناك عدد من حالات الوفاة لمعتقلين تم اعتقالهم اثناء العملية البرية وتم نقلهم الى الشباك للتحقيق معهم. المعتقلون المذكورون تم نقلهم الى الشباك للتحقيق معهم للاشتباه بمشاركتهم بشكل مباشر في القتال ضد دولة اسرائيل، أو أن لديهم معلومات تتعلق بنشاطات القتال أو مكان وجود المخطوفين الاسرائيليين في القطاع. في اعقاب موتهم تم نقل فورا تقرير للجهات المختصة في وزارة العدل، شمل اجراءات التحقيق المطلوبة في اعقاب موت المعتقلين، التي قاموا باجرائها وفقا لتقديراتهم.

في وزارة العدل قالوا ردا على ذلك بأنه “من بين حالات الوفاة التي تم التحقيق فيها في وحدة شكاوى المحقق معهم، بخصوص واحدة منها قرر المسؤول عن هذه الوحدة بأنه لا يوجد أي مبرر لفتح تحقيق جنائي ضد محققي الشباك، لذلك فقد تم اغلاق الملف ولم يتم نقله الى وحدة التحقيق مع رجال الشرطة. هكذا كان الامر ايضا بالنسبة لموت الرنتيسي. مع ذلك، نتائج التحقيق في وحدة شكاوى المحقق معهم تم ارسالها الى الشرطة من اجل فحصها، المسؤولة عن فحص الشكاوى ضد عناصر مصلحة السجون. حالتان اخريان توجدان قيد الفحص حتى الآن في المركز الوطني للطب الشرعي كما هو سائد. بعد الحصول على رأيهم سيتقرر اذا كانت الادلة تبرر فتح تحقيق جنائي، وضد أي من المشاركين”.

الشرطة ردت على نقل التحقيق حول موت الرنتيسي الى وحدة التحقيق مع السجانين وقالت: “ملف التحقيق الذي يتضمن مواد تم جمعها من قبل الجهات المختصة في وزارة العدل تم نقلها مؤخرا لفحصها في الشرطة، بعد أن حفظت النيابة العامة الملف بشأن مشبوهين آخرين”.

———————————————

معاريف 12/12/2024

شرطي اقليمي

بقلم: افي اشكنازي

أغلقت إسرائيل في بداية الأسبوع الحساب مع فهمي سلامة، قائد سرية النخبة الذي قاد الاجتياح لاستحكام بيغا في 7 أكتوبر. فمقاتلو الشباك عثروا على مكان اختبائه في شمال القطاع، وبعد دقائق من ذلك رتبت له طائرة حربية من سلاح الجو موعدا مع 72 حورية. كان فهمي قائد القوات التي اجتاحت من حي الزيتون استحكام بيغا قرب كيبوتس بيري، مقاتلو لواء جولاني اداروا معركة بطولة في الاستحكام، في نهايتها سقط 14 مقاتلا.

اتخذت إسرائيل قرارا محقا، صحيحا. كل مخرب، مهما كان صغيرا وحتى اكبر المخربين، ممن شاركوا مشاركة صغيرة ككبيرة في مذبحة 7 أكتوبر – حكمه واحد: الموت. لهذا الغرض اقام رئيس الشباك فريق “نيلي” –مصر إسرائيل لن يكذب.  هذا الأسبوع فقط نجح الفريق في العثور على 35 مخرب من النخبة شاركوا في مذبحة 7 أكتوبر. كلهم رحلوا من العالم في اعمال الجيش الإسرائيلي ضدهم.

منذ قيام الدولة فعّلت إسرائيل ثلاثة طواقم مهمتها الثأر لدولة إسرائيل، دولة اليهود. الأول، كان طاقم عمل من الموساد، لاحق النازيين الذين ارتكبوا الجرائم ضد الشعب اليهودي. الثاني، كان بعد مقتل الرياضيين في الألعاب الأولمبية في ميونخ 1972 حين قررت في حينه حكومة غولدا تنفيذ تصفية المخربين الذين خططوا ونفذوا المذبحة. في حينه اطلق على الحملة التي استمرت لسنوات في ارجاء العالم اسم “غضب الرب”. مقاتلو الشباك هم أناس جديون، جذريون، متمسكون بالهدف. حقيقة ان الشباك يستخدم منظومة استخبارات واسعة في قطاع غزة وفي يهودا والسامرة تسمح لمقاتليه بان يجلبوا أسماء المخربين الذين شاركوا في المذبحة. الضغط الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في ارجاء غزة يساعد الشباك للوصول الى المخربين وتصفيتهم في أماكن الاختباء.

بهدوء تام، تصبح إسرائيل الشرطي المتشدد للشرق الأوسط – وتجبي ثمنا على كل ضرر بامن جنود وسكان إسرائيل. امس، اطلقت حماس أربعة صواريخ من مناطق معسكرات الوسط في قطاع غزة. بعد دقائق من ذلك خرج الناطق العسكري بالعربية العقيد افيحاي أدري ببيان طالب فيه سكان الحي الذي اطلقت منه الصواريخ بان يخرجوا من بيوتهم فورا. بعد دقائق من ذلك لم تتبقى بيوت في الحي.

هذه الرسالة تتسلل الى كل المنطقة. في لبنان يفهمون منذ الان بان إسرائيل جدية في رغبتها انفاذ قواعد اتفاق وقف النار. لشدة المفاجأة فان الجيش اللبناني ينتشر منذ الان في مناطق مختلفة بل ويتصدى بشكل لا بأس به لرجال حزب الله. وسوريا؟ حملة سهم البشان أدت بالجيش الإسرائيلي لان يدمر نحو 80 في المئة من مقدرات الجيش السوري في غضون 48 ساعة، وأوضحت بان إسرائيل لن تسمح لجماعات الثوار ومحافل الإرهاب بالوصول الى الأسلحة.

الأردن، البحرين، السعودية، مصر ودول أخرى تفهم بان الشرق الأوسط يتغير ويعاد تصميمه. تفهم بان الشرطي الإقليمي الجديد هو إسرائيل مع سلاح الجو ومنظومة الاستخبارات الأقوى في المنطقة. حين يتغير الشرق الأوسط ينبغي هنا أيضا الاستعداد للتغيير. في حدود سوريا يبنى عائق يجعل من الصعب على تندراتالتيوتا المحملة بالمخربين اقتحام الحدود والوصول الى بلدات الجولان والجليل. الجيش الإسرائيلي يستخدم القوات في كل ساحة ولا يأخذ مخاطر.

لكن مهم جدا لهذا الشرطي ان يفحص نفسه أيضا، بخاصة في المكان الذي اخفق فيه في 7 أكتوبر. فبعد تصفية رجال الشباك للمخربين في خط 300 ثبتت لجنة التحقيق الرسمية في حينه الجملة التالية: “الجرح يمكن أن يشفى فقط في ضوء الشمس”. ضوء الشمس المطلوب في هذه اللحظة هو تحقيق حقيقي لـ 7 أكتوبر كي نتعلم اين اخطأنا وما الذي ينبغي إصلاحه. كي نكون الشرطي الأقوى في الشرق الأوسط المتغير. لهذا الغرض ينبغي أن تقام لجنة تحقيق رسمية، لا شعبية ولا سياسية. الرئيس السوري فضل الا يسمع النقد والا يصطدم بالواقع. اما هذا الأسبوع فقد التقاه الواقع، وكلنا شهدنا النتيجة.

———————————————

يديعوت احرونوت 12/12/2024 

فرصة محظور تفويتها

بقلم: آفي شيلون

سقوط سوريا، الى جانب وقف النار المحفوظ تجاه حزب الله المهزوم في الشمال، والشائعات عن صفقة – وان كانت جزئية – لتحرير المخطوفين في غزة، يضع إسرائيل، لأول مرة منذ 7 أكتوبر في موقف تفوق استراتيجي. اذاكان يبدو في بداية الحرب بان الحديث يدور تقريبا عن حرب الأيام الستة للعرب، وإسرائيل فقدت من قوتها بعد أن هوجمت من الشمال، الجنوب والشرق – يبدو الان ان الجرة انقلبت رأسا على عقب. السؤال الان هو ما العمل في ضوء التفوق الاستراتيجي.

لقد سبق لإسرائيل ان وقفت امام تفوق مشابه، وفي حينه أيضا لم يستغل كما ينبغي. في 2011 بدأ “الربيع العربي” الذي أدى الى انهيار دول عربية، فيما وجدت إسرائيل نفسها كجزيرة استقرار وقوة في منطقة عاصفة. حزب الله اخذ يغرق في حينه في الحرب الاهلية في سوريا لكن بدلا من استغلال الوضع ومهاجمته فضلت إسرائيل الانتظار حتى تعاظمت قوته وفي النهاية هاجمنا.

الربيع العربي جلب أيضا فرصا سياسية. لكن بدلا من الدفع قدما بتسوية مع الفلسطينيين فيما نحن في موقف تفوق والعالم العربي في ضعفه اختار نتنياهو التباهي في تلك السنين بما اسماه “العصر الذهبي” لإسرائيل واتهم معارضيه بكونهم “مخللين”. المسألة الفلسطينية دحرت بالفعل في حينه الى الزاوية الى أن تفجرت علينا بوحشية في 7 أكتوبر. هكذا حصل بحيث أنه باستثناء اتفاقات إبراهيم، والتي هي الأخرى تحققت بقدر كبير بفضل إدارة ترامب السابقة، إسرائيل لم تستغل الربيع العربي لصالح مستقبلها.

هذه المرة علينا أن نستغل ضعف المحور الشيعي واستعادة قوة الردع لمبادرات تترجم الإنجازات العسكرية لتحولات سياسية. عمليا، الامر الأول الذي ينبغي عمله هو التطلع الى صفقة كاملة في غزة تعيد كل المخطوفين مقابل انهاء الحرب، بالتوازي مع استبدال حكم حماس، المنهار على أي حال، لسلطة فلسطينية خاضعة للرقابة، الى جانب تواجد دول عربية هناك. بالتوازي ينبغي التوجه الى الفلسطينيين بعرض لاستئناف محادثات السلام. نعم، الان بالذات، حين يكون واضحا للفلسطينيين أيضا بان حماس فشلت واعداء إسرائيل في ضعفهم، من المجدي مرة أخرى تحريك المسيرة السياسية. كما ان الامر سيساعد على تحسين صورتنا في العالم.

يمكن التفكير أيضا بمبادرة جريئة تجاه سوريا الجديدة – فمنذ الان الإيرانيون والروس والأتراك والامريكيون يحاولون تحقيق نفوذ على الحكم، فلماذا إذن لا نفاجيء بدعوة الجولاني لزيارة القدس، بما في ذلك الصلاة في الأقصى، مثل زيارة أنور السادات في 1977؟ يبدو هذا خياليا لكن يمكنه ان يكون مبادرة حتى اهم من زيارة السادات، وذلك لانه اذا ما استجاب الجولاني للدعوة فانها يمكنها ان تشكل مصالحة مع العالم الإسلامي وليس فقط مع دولة.

كما لا ينبغي لإسرائيل أن تكتفي بالتشديد على وقف النار مع حزب الله بل ان تعمل على اتفاق سلام مع لبنان، في الوقت الذي يفقد حزب الله هناك قوته وايران نفوذها. في هذا السياق يمكن التفكير أيضا بدعم حكم ذاتي للدروز في سوريا وتعزيز الحلف مع الاكراد.

كل هذا ممكن بخاصة في ضوء دخول ترامب الى البيت الأبيض. التاريخ يشهد بان انتهاء الحروب ينطوي دوما على فرص لتغيير الواقع. ولا يوجد وقت افضل لمحاولة حقيقية لتغيير وجه الشرق الأوسط. لهذا الغرض مطلوب قيادة لا تكتفي بالخطابات عن انجاز استراتيجي عسكري، انجاز لن يبقى منه شيء اذا لم نستغل اللحظة المناسبة التاريخية هذه.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

نتنياهو عرض “عالماً مقلوباً” في بداية شهادته!

بقلم: غيدي فايتس

“لا تقارَن الألعاب النارية في 4 تموز في الولايات المتحدة بما سيحدث هنا”، هذا ما قاله المستشار القضائي السابق للحكومة، أفيخاي ماندلبليت، للمسؤولين الكبار في وحدة “لاهاف 443″ خلال الاجتماع الذي منحهم فيه الضوء الأخضر، بعد تردّد كبير في البدء بالتحقيق في الفضيحة المعروفة بـ”الملف 2000”. لقد عرف المستشار القضائي أنه بذلك سيفتح أبواب جهنم، وقال: “سنشهد هنا فوضى كبيرة جداً”. لكن يبدو أنه، هو أيضاً، لم يكن يتوقع أنه بعد 8 أعوام، وفي اليوم الأول لشهادة نتنياهو أمام المحكمة، ما زال رئيساً للحكومة، وسيحضر الادعاء العام إلى المحكمة بمرافقة حراسة.

مَن يعتقد أن فشل نتنياهو في وقف محاكمته دليل على قوة الديمقراطية الإسرائيلية فهو أسير الأوهام. السلطة هزمت القانون، والشرطة استولى عليها مخلّ بالقانون تمت إدانته، ووزير القضاء يزرع الفوضى ويحلم بديكتاتورية، ولا يوجد رئيس للمحكمة العليا منذ أكثر من عام. إن مسار الانتقام الذي يقوده المتهم أثمر ثماراً سامة. رؤساء الحكومة المقبلون لن يحتاجوا إلى قانون فرنسي للحصول على الحصانة، وبدلاً من ذلك يمكنهم المتاجرة بقوتهم مع رجال الأعمال الذين يملكون الإعلام، أو أن يطلبوا من الأغنياء شراء الهدايا لهم ولزوجاتهم على شكل سيجار وإكسسوارات. في هذه الظروف فإن وقوف نتنياهو أمام محكمة الاستئناف في تل أبيب هو في الأساس صُوري.

في الوقت الذي تظاهر داعمو المتهم خارج المحكمة ضد “المنظمة الإجرامية التابعة للنيابة العامة”، دخلت تالي غوتليب بصوتها المرتفع إلى القاعة 201، وأعلنت أن نتنياهو كان سيوفر على نفسه هذا الموقف، لو استمع إليها واستعمل الحصانة. والجنود أمير أوحانا وميري ريغف وعيديت سيلمان وماي غولان وبوعاز بيسموت فضّلوا الدخول إلى القاعة الموجودة تحت الأرض، بدلاً من مكاتبهم البرلمانية، أو بيوت عائلات المخطوفين، أو المقابر. لم يكن لديهم الجرأة للتصرف على هذا النحو في الأيام التي تلت 7 تشرين الأول، لكن، بعد عودة الحياة، بات يتوجب عليهم المشاركة في جهود عبادة الشخص المخزية، وكجزء من الدين للقاعدة الشعبية. قال أحد الموجودين، إن “وزير الدفاع لم يحضر”، وقال آخر من الذين يلبسون الكمامات، “ولا حتى السابق”، بعد أن تذكّر يوآف غالانت. وعندما دخل نتنياهو إلى القاعة، اقترب من كل الموجودين وألقى عليهم التحية، ولم يتسع المكان لبعض الوزراء وأعضاء الكنيست، ولم تبدأ المحاكمة إلّا بعد أن خرج كلٌّ من نيسيم فاتوري وألموغ كوهين.

في بداية الشهادة، وصف نتنياهو نفسه، كالمعتاد، بأنه ضحية عصابة يسارية إعلامية عدائية، تقوم بما تأمرها به الشرطة والنيابة العامة، وكلاهما كان سيحمله على الأكتاف، لو أنه فقط وافق على العودة إلى حدود سنة 1967. لقد أطال الحديث عن صراعاته مع باراك أوباما وإيران، وادّعى أنه أحد أكثر الأشخاص المحاطين بالحراسة في العالم، إلى جانب رئيس الولايات المتحدة والبابا. هذا التضخيم الذاتي إلى مستوى قائد قوة عظمى لم ينبع فقط من الجانب الشخصي الثابت لديه الذي لا يمكن السيطرة عليه، بل أيضاً لأن هدفه الأساسي كان تقزيم الأحداث الموصوفة في لائحة الاتهام، وطرحها كقضايا هامشية لا تُرى بالعين المجردة. الرجل الذي كان يخرج من اجتماع “الكابينت” عندما يريده أرنون ميلتشين، وخصص عشرات الساعات للمفاوضات السرية مع مالك صحيفة “يديعوت أحرونوت” نوني موزيس، ومئات أُخرى من الساعات، في محاولة للتأثير في الإعلام، أو السيطرة عليه، يقول، إن هذه التهم “أقل من قطرة في البحر”.

لم يكن هذا الصدام الوحيد بين نتنياهو والواقع. فمَن وضع نصب عينيه هدف التخلص من كافة الكوابح والتوازنات وصناعة نظام حُكم الرجل الواحد في إسرائيل، طرح نفسه أمام القضاة على أنه مدافع عن الديمقراطية، وأحد أكبر المعجبين بالآباء المؤسسين للولايات المتحدة. والشخص الذي قام المقربون منه بتسريب وتزييف معلومات سرية بهدف تخريب نضال عائلات المخطوفين من أجل استعادة أبنائهم، وأثنى على “قناة السموم” 14، ووصف الصحافيين بأنهم “مهندسون للوعي”. وعلى الرغم من أن غلاء المعيشة، خلال ولايته، بات في مستويات غير مسبوقة تاريخياً، قال، إنه رفع مكانة الاقتصاد الإسرائيلي. ومَن طلب من هداس كلايين سيجاراً بقطر محدد قال خلال المحاكمة، إنه يأكل خلال العمل. وهو مَن أزعج شاؤول ألوفيتش بشكل مباشر على مدار سنوات للحصول على تغطية إعلامية إيجابية في “واللا”، ووصف الموقع بأن تأثيره صفر.

هذا العالم المقلوب الذي يزدهر فيه نتنياهو سيملأ قاعات المحكمة خلال الأسابيع القريبة، وبعدها سيأتي دور الادعاء العام من أجل قلبه مرة أُخرى. سيكون هذا التحدي مركّباً، لكن المدّعية العامة، يهوديت تيرش، قامت بالخطوة الأولى الصحيحة، أمس، في هذا الاتجاه عندما تجاهلت احتجاجات المحامين، وصممت على مناداة رئيس الحكومة بالـ”متهم”.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

روسيا فقدت موطئ قدمها في الشرق الأوسط

بقلم: كسينيا سفتلوفا

قبل بضعة أيام فقط، وخلال قمة عُقدت في الدوحة، نفى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بغضب، الادعاءات التي تفيد بأن روسيا تُخلي قاعدتها البحرية في طرطوس. كذلك رفض صور الأقمار الصناعية التي أظهرت أن روسيا سحبت سفنها من المنطقة. وأكد لافروف: “هذا مجرد تدريب عسكري، لا أكثر”. لقد استرسل لافروف، الدبلوماسي المحنك الذي يشغل منصب وزير الخارجية منذ سنة 2004 في خدمة بوتين، في الحديث عن التدريبات العسكرية للأسطول الروسي في سورية، بينما كانت طائرات النقل تُعيد من هناك المعدات والأفراد في اتجاه واحد فقط – العودة إلى روسيا.

منذ بدأت عملياتها في سورية في سنة 2015 استثمرت روسيا مئات المليارات من الروبلات في بنيتها العسكرية هناك. لقد أنشأت قواعد واسعة النطاق (قاعدة حميميم التي تبدو مدينة صغيرة)، وأرسلت آلاف الجنود والمرتزقة الذين عملوا هناك حتى وقت قريب. وفقدت نحو 300 جندي ومرتزق (وهو ثمن زهيد نسبياً، مقارنةً بخسائرها الهائلة في أوكرانيا).

لكن في أعقاب هجوم المتمردين الجديد، لم يبقَ أيّ أثر للتدخل الروسي الذي بدأ قبل نحو عقد. وعلى الرغم من أن سلاح الجو الروسي نفّذ عدداً من الغارات في شمال البلد، بعد أن سيطر المتمردون على حلب، وتقدموا نحو حماة، فإنه تبين، الآن، أن الأهداف كانت مدنية، في معظمها، وقليلاً ما استهدفت قواعد للمتمردين. عندما تصاعدت الأمور بدأت وسائل الإعلام الروسية، التي تجاهلت في البداية الأحداث الدرامية في سورية، باستخدام مصطلح “المتمردين”. حتى وقت قريب كانت تصف جماعة “هيئة تحرير الشام” التابعة للجولاني بـ”الإرهابيين”.

رُفع علم المعارضة السورية حتى على مبنى السفارة السورية في موسكو، في اليوم الذي حصل فيه الرئيس بشار الأسد على اللجوء السياسي في روسيا. وحدهم، المدونون العسكريون الروس الذين غطوا الحرب في سورية، عبّروا عن أسفهم لِما وصفوه بـ”هزيمة” بلدهم. لقد لامَ هؤلاء القوات السورية التي فرّت من المعركة، والقيادة العسكرية الروسية التي وصفوها بأنها تفتقر إلى الكفاءة، وبأنها “تخلت عن الأصول الروسية في سورية”.

لماذا تخلت روسيا عن الأسد بهذه السرعة؟ على الأرجح، شعرت موسكو بالدهشة من التقدم السريع للمتمردين والانهيار الكامل للنظام. لكن الضربة القاسية التي تلقاها “حزب الله”، والضعف الكبير لجيش الأسد، وعزم المتمردين، كانت هي العوامل التي رجّحت الكفة، وأدت إلى الإحساس بأن المشروع السوري لم يعد قابلاً للإنقاذ.

أيضاً، أولويات روسيا، اليوم، تختلف عمّا كانت عليه في سنة 2015. فهي غارقة حتى قمة رأسها في الحرب الأوكرانية، وهو ما يؤثر في قوتها، ويحدّ من قدرتها على التحرك في ساحات أُخرى. في ذلك الوقت، كان الجهد العسكري في سورية مدعوماً من “حزب الله” والميليشيات الشيعية، واكتفت روسيا بشن الغارات الجوية. وفقط، في حالات نادرة، مثل المعارك قرب تدمر وحقول الغاز الاستراتيجية على الحدود مع العراق، أرسلت روسيا مرتزقة من مجموعة “فاغنر” نيابةً عنها.

في الواقع، لم تكن روسيا راضيةً عن الأسد منذ فترة طويلة. لقد أدركت موسكو أن الشلل السياسي والاقتصادي في سورية يشكل خطراً على مصالحها، لذلك حاولت الدفع في اتجاه إقامة حوار سياسي بين الأسد وأطراف المعارضة لإنهاء الحرب. لكن الأسد لم يُظهر قط أيّ جدية في هذا الشأن. حتى إن روسيا انتقدت الرئيس السوري بسبب الفساد، في وقت يعاني معظم المواطنين السوريين جرّاء أوضاع اقتصادية سيئة جداً.

إن فقدان روسيا موطئ قدمها في سورية لا يعني فقط خسارة الوصول إلى ميناء في منطقة استراتيجية تتيح لها إسقاط قوتها خارج حدودها. بل إن الوصول إلى المياه الدافئة، الذي يوفر منفذاً جيو – سياسياً مهماً إلى البحر الأبيض المتوسط، كان هدفاً سعت روسيا لتحقيقه منذ عهد القياصرة. أمّا الآن، على سبيل المثال، لن يكون لدى الروس طريق نقل مهمة كانت تخدم توسّعهم في أفريقيا.

ليس سراً القول، إن موسكو منخرطة بشكل كبير بما يجري في دول، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والنيجر والسودان، وأنها تشغّل ميليشيات مدعومة روسياً هناك. كانت الطائرات الروسية، التي تحمل أسلحة إلى هذه الدول، تنطلق من سورية، وتعود إلى قواعدها من دون عوائق. وبالتالي، فإن محاولاتها دفع فرنسا خارج أفريقيا، والتي نجحت أحياناً، لن تكون سهلة الآن، ومن غير المؤكد إذا ما كانت روسيا ستتمكن من تعميق وجودها في القارة.

هناك أمر آخر قد يهدد الروس، وهو النظام الذي سيُقام في سورية مستقبلاً. على الرغم من أن قيادة المتمردين تؤكد أن الوضع تحت السيطرة، فإنه لا شك في أن هؤلاء يشعرون بحماسة كبيرة إثر انتصارهم. في السابق، كانت هذه المخاوف تُثار في الكرملين، ومفادها أن روسيا لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالارتباط بمعقل جهادي قد تكون له تداعيات على المناطق الإسلامية داخل أراضيها. أمّا الآن، فإن الاتجاه الذي قد تسلكه القيادة الجديدة يمكن أن ينعكس أيضاً على روسيا، التي عانت في السنوات الأخيرة جرّاء هجمات إرهابية خطِرة، بما في ذلك الهجوم الذي نفّذه تنظيم “داعش” في قاعة عروض في موسكو، هذا العام.

وهكذا، بعد تورُّط استمر عقداً من الزمن تقريباً، تعود روسيا إلى ديارها، بعد مغامرة خارجية أُخرى غير ناجحة. ولا يزال من غير الواضح إذا ما كانت ستتمكن من الحفاظ على بعض قواعدها في سورية، وربما تحاول تقديم أمر ما للمتمردين في مقابل الحفاظ على أملاكها هناك. لكنها فقدت موطئ قدمها في البلد، ونتيجةً لذلك، فقدت موطئ قدمها في الشرق الأوسط أيضاً. إن الفوائد التي تمكنت روسيا من تحقيقها من سورية، سواء من خلال فرصة توسيع نفوذها، أو اختبار أنواع مختلفة من الأسلحة للحرب في أوكرانيا، قد وصلت إلى نهايتها.

لقد ألحق الانهيار السريع للنظام السوري ضرراً بالغاً بسمعة روسيا، وأظهر عجز موسكو عن حماية حليفتها في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، عند مقارنة الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل بالاستجابة الفاترة من روسيا لاستغاثات الأسد، فإن المقارنة لا تصب في مصلحة موسكو.

من المشكوك فيه إذا ما كانت روسيا قادرة على التصرف بشكل مختلف، بعد أن تحول مركز الثقل من الشرق الأوسط إلى منطقة قريبة منها: فإلى جانب أوكرانيا، هناك أيضاً صراع مستمر ضد الهيمنة الروسية في كلٍّ من مولدوفا وجورجيا. ويضاف الإخفاق الحالي إلى عجز (وربما عدم رغبة) بوتين في الدفاع عن أرمينيا، التي كانت تُعتبر حتى وقت قريب شريكاً في الحرب ضد أذربيجان.

الآن، تجد روسيا نفسها عالقة مع الأسد وأفراد عائلته، الذين حصلوا، هم أيضاً، على اللجوء السياسي. بل إن بعض أعضاء الدوما اقترح منح الأسد الجنسية الروسية، باعتبار أنه “قدّم الكثير من أجل مصالح روسيا”. ربما يدفع هذا الفشل موسكو إلى إعادة النظر في استراتيجياتها على الساحة العالمية، بما في ذلك أوكرانيا، وبصورة خاصة مع اقتراب دخول دونالد ترامب البيت الأبيض.

———————————————

هآرتس 12/12/2024

نظام مستبد يقف في طريق الديمقراطية

بقلم: يوسي كلاين

في الطريق إلى الديمقراطية (نظام مستبد) يتوقفون في حرب أهلية. في الطريق إلى هناك ينتقلون من “معا ننتصر” إلى “وطنيين” و”خونة”. لا يجب الاستخفاف بالألقاب. فهي البنية التحتية للحرب الأهلية. وقد اصبحت الآن في المحيط، تسخن على الخطوط، تنتظر بيانا أننا انتصرنا لمعالجة من منع النصر من أن يكون نصرا مطلقا.

المذنب في النصر غير المطلق هو خائن. يسهل تشخيص الخونة. فهم لا يوافقون على تأجيل محاكمة بنيامين نتنياهو، يعارضون إعطاء أعضاء الكنيست الحصانة من الجرائم الجنائية، يؤيدون منظومة قضاء قوية ويعارضون الكذاب النرجسي. باختصار، الخونة يعارضون نتنياهو الوطني.

النظام الذي يترأسه هذا الوطني هو نظام مصاب بجنون العظمة. الجميع مشبوهون بالخيانة إلى حين إثبات العكس. يجب ملاحقة الجميع والتنصت بالسر. الديكتاتور (الجيد والمستبد) لا يثق بأحد. هو يحيط نفسه بالحراس ويحيط قصره بالحواجز. اذا كنتم لا تحتاجون إلى معرفة من الذي يغرس السكين في ظهر الأمة.

ليس المستشارة القانونية للحكومة فقط. حتى الآن نتنياهو يحذر. الخونة يسمونهم بأدب “رئيس الشباك” و”رئيس الاركان”. الآن هم يسمونهم بالاسماء الصريحة، “الخونة”. هم يريدون “الخونة”؟. ديكتاتورية لحقوق الإنسان والمساواة أمام القانون. وما الذي يريده الوطنيون؟ هم يريدون ديمقراطية احتلال، عزلة، جهل وحروب خالدة لا أمل في انتهائها.

في حكومة نتنياهو يجلس وزراء يسافرون ويستجمون ولا يفعلون أي شيء. ولكن حسب رأيه يسيطر عليها الخونة. حكومة في المعارضة. الخونة يسيطرون على الجيش والشرطة والنيابة العامة ووسائل الإعلام. الخونة يريدون منا أن نكره الحكومة، والضحك على أدائها والاستهزاء بوزرائها. عرض دافيد امسالم كوجه للحكومة، وعرض تالي غوتلب كوجه للكنيست. اذا كانت الكنيست تظهر مثل غوتلب والحكومة مثل امسالم فلماذا نحتاج الديمقراطية؟.

لا تقوموا بإلغاء الديمقراطية، قال يوسف غيبلس، بل قوموا باستخدامها. “لم نقل في أي يوم بأننا نمثل فكرة ديمقراطية، بل قلنا بأننا سنسيطر على الحكم بالوسائل الديمقراطية”. ما هي هذه الوسائل الديمقراطية؟ اتهام العدو بما يتهمك به.

من غير السهل قبول النصيحة من مارق مثير للاشمئزاز. ولكن اذا كانت حاجة لذلك فيجب إغلاق الأنف واتهام الخونة بما يتهمون الوزراء به. هذا ينجح، هو يطمس الحدود التي توجد بين الحقيقة والكذب. هذا يجعل نتنياهو يصرخ من أعماقه: هل نحن نقوم بتدمير الديمقراطية؟ أنتم الذين تقومون بتدميرها! نحن ننتحر من اجلها!. ياريف لفين يدافع عنها بجسده. كرعي يضحي بنفسه من أجلها. بن غفير رضعها مع حليب أمه.

الوطنيون نجحوا في تحسين اقتراح غيبلس، وعرض بيانات متناقضة في جملة واحدة، لكن من الذي ينتبه؟ هل “إسرائيل” و”نتنياهو” كيان واحد. إسرائيل تريد انهاء الحرب ونتنياهو يعارض. إسرائيل تريد تحرير المخطوفين أما نتنياهو فلا. هو تشرتشل هذه الأيام، ايضا مواطن عادي. ضحية منظومة قضاء متوحشة.

من هو الجيش الإسرائيلي؟ هل هو جرائم الحرب أم “اولادنا الأبطال”؟ من هم الخونة؟ هل هم الطيارون الذين يقصفون في لبنان أو الذين يقصفون في كابلان؟ أي معسكر تقصدون في موقع “ميدا” اليميني الوطني المتطرف الديني، عندما يحذر اعضاؤه “المعسكر الذي يقدم لنا المواعظ عن الوحدة لا يتوقف عن التحريض والتقسيم”!.

لكن هذا ما يريده الشعب، يقول الوطنيون، لأن الشعب اختار هذه الحكومة في انتخابات ديمقراطية. الآن اذهب وذكرهم (مرة اخرى!) من الذي انتخب في انتخابات ديمقراطية. هم لن يصدقوا. سيزعمون وجود تحريض وتآمر وسيطلبون الاطلاع على الوثائق.

في نهاية المطاف يوجد تناقض: الوطنيون يدمرون الدولة والخونة يبنونها. توجد اتهامات ولكن لا يوجد حوار. خطوط حمراء تم تجاوزها. إلى أي درجة يمكن مواصلة التحذير؟ حتى الراعي في الأسطورة، الذي حذر من الذئب، اصبح متعبا.

من سلم بالابرتهايد في المناطق سيسلم ايضا بالتطهير العرقي في قطاع غزة. ومن وافق على مجرم ليترأس الشرطة سيتنهد ويندم ويرفع عيونه نحو السماء بيأس، وسينتقل إلى قناة اخرى عند القيام بإقالة المستشارة القانونية للحكومة ورئيس الشباك.

——————انتهت النشرة——————