
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
إسرائيل اليوم 28/3/2025
أمريكا ليست في جيب نتنياهو والمقابلة مع ويتكوف تعكس هذا بوضوح
بقلم: يوسي بيلين
مرّ شهران على ترسيم دونالد ترامب رئيسا للقوة العظمى الأهم في العالم، ومن اعتقد أنه اخذ الوظيفة على عاتقه كي ينفذ تعليمات نتنياهو، رفع هذا الأسبوع حاجبا أو اثنين. مبعوث ترامب الخاص الى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، منح مقابلة صحفية مذهلة، كمسيحٍ بريء لبودكاست تاكر كارلسون، صحافي جمهوري، يشعر في صحبته على ما يبدو انه في بيته تماما. ربما لانه لم يكن هذا استديو تلفزيوني مع كاميرات كثيرة وضوء يزيغ البصر ومحاولة للتصدي للأجهزة المختلفة، قال ويتكوف ما في قلبه. نقده على نتنياهو كان اكثر من دبلوماسي حين قال ان سياسته بالنسبة لغزة لا تنسجم وتطلعات اغلبية الجمهور في إسرائيل ليروا المخطوفين عائدين الى الديار. “أحيانا نحن نتفق الواحد مع الاخر، توجد مرات لا نتفق فيها”، قال وهو يأخذ جانب الحذر من أن يمس بكرامة بيبي ويضيف بان دوافعه “طيبة”. قل من الان فصاعدا: الخلافات التي تنشب بينه وبين رئيس الوزراء لا تنبع من النوايا الشريرة للأخير.
لم يستبعد حل الدولتين، وأعرب عن رأي بان ابعاد حماس عن الحكم في القطاع سيكون ممكنا عمله ربما “من خلال الحوار”. وهو لا يضن بالثناء على قطر ويشدد على أنها حليف لامريكا ويعتقد ان الحديث يدور عن أناس “طيبين وشرفاء”. لعل هذا يشرح لماذا يقل مؤخرا من زياراته عندنا بعد أن اعتقدنا في اعقاب الانتخابات في أمريكا بانه سيشتري شقة في ارئيل.
التصويت بالاجماع في جلسات الحكومة على اقالة رئيس الشباك والمستشارة القانونية للحكومة جعلني اغرق هذا الا سبوع باكتئاب. بعض من المصوتين اعرفهم جيدا. لو كنتم سألتموني، قبل سنتين – ثلاث سنوات كيف سيصوتون في مثل هذه الظروف، ما كنت لاتردد وكنت سأقول انهم سيعارضون مشاريع القرارات هذه، حتى لو كانوا الوحيدين الذين يفعلون ذلك. فكرت، أساسا عما يقولونه لانفسهم عندما يرفعون أيديهم لتأييد توجيه ضربات قاضية لديمقراطيتنا. هذه الوحيدة في الشرق الأوسط والتي لا نزال نعتز بها.
أعرف انه من السهل مطالبتهم بالاستقالة لكن هذا ليس الخيار الوحيد: يمكن التعبير عن مواقف أقلية، التصويت ضد مشاريع قرارات، الامتناع عن التصويت على الأقل، وكبديل للبديل – الخروج من الغرفة عند التصويت. لكن الا يفعلوا شيئا من كل هذه الإمكانيات، والسير كالقطيع؟ عندها أقول لنفسي انهم يواسون أنفسهم بان التصويت، بخلاف تام لرأيهم يمكنهم أن يشرحوه في كتب السيرة الذاتية التي سيكتبونها في المستقبل. هناك سيوضحون كل شيء. بل انهم سيعبرون عن اعتزازهم بانهم صوتوا ضد ما هو متوقع منهم وخاطروا بفقدان عطف الجمهور. سيشرحون بان شيئا سيئا حصل لبيبي. ربما منذ بدأت محاكمته. وبات اعمى بالألوان الوسطى، ويرى كل شيء اسود – ابيض، واذا كنت لا تؤيده فانك تصبح بين ليلة وضحاها عدوه. وانهم لو كانوا صوتوا بخلاف توقعات الزعيم ما كان بوسعهم أن يغيروا القرار ولكنهم سيصبحون هامشيين. وان من الأفضل لاناس مثلهم ان يجلسوا على طاولة الحكومة امام البن غفيريين، فلا تبقى الساحة بدون شخصيتهم سوية العقل.
لن تحظوا بتنزيلات، حتى لو اصبح تاريخ حياتكم كتبا شائعة، فان هذه الجلسات التي صوتم فيها كلكم بالاجماع، وبعضكم حتى بخلاف تام مع مصالحكم الأساسية سيبقى دوما وصمة عار على جبينكم.
——————————————-
هآرتس 28/3/2025
على من تسري “ديمقراطية” المستشارة القانونية للحكومة؟ اليهود أم الفلسطينيين؟
بقلم: حجاي العاد
ذات يوم يجب علينا البت في شأن من اجل ماذا نحن نناضل هنا. يبدو أن هذه اللحظة لا تأتي، وإن كانت قريبة الآن اكثر من أي وقت مضى. ولكن سواء كان الامر قريب أو بعيد إلا أن هناك شرط رئيسي لقول الحقيقة لانفسنا، الذي يجب التمسك به.
إن كشف الحقيقة مؤلم جدا، ولا توجد أي بهجة في العملية المقرفة التي تمر فيها إسرائيل في هذه الاثناء. حيث أنه في نهاية المطاف هذا هو وطني ولا يوجد لي وطن آخر، لكن يوجد، بطريقة معينة، في “الخطوات” الحالية المزيد من الصدق والصراحة. ليس الصدق من خلال الرغبة أو الندم على الخطأ، بل بسبب عدم وجود خيار آخر. هذا الصدق من المهم التعبير عنه ونقله، لأنه في نهاية المطاف اذا اضطر اشخاص رئيسيون في الجهاز النظامي توضيح علنا جوهر هذا النظام الذي هم جزء منه، فعندها من الجيد أن قطع الحقيقة هذه يجب أن تحتل المكان المناسب لها في قلب العاصفة الحالية.
ها هي المستشارة القانونية للحكومة تناضل من اجل الحفاظ على “الديمقراطية الإسرائيلية” في وجه من يريدون أن يسيطر هنا نظام تكون فيه الحكومة “فوق القانون، بدون رقابة وتوازنات”، ومن اجل دحض الادعاءات الموجهة ضدها بأنها مشاكسة وتضر بعمل الحكومة، تفسر المستشارة القانونية للحكومة، “بقدر الإمكان في ورقة غير سرية” المجالات التي ساعدت فيها الحكومة في “تعزيز سياستها”.
عن أي مجالات يدور الحديث؟ بالأساس المجالات المتعلقة بالدفع قدما بنظام تفوق اليهود بين نهر الأردن والبحر المتوسط على حساب الفلسطينيين هنا. المستشارة القانونية تفسر بشأن “مفهوم العملية إزاء قطاع غزة”، “توسيع الاستيطان ودعمه”، “هدم بيوت المخربين”، “الدفاع عن سياسة الحكومة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لغزة”، (أيضا جميع الاقتباسات في رسالة المستشارة القانونية لوزراء الحكومة عشية الجلسة لمناقشة اقالتها في 23/3).
يمكن بالتأكيد تخيل كيف كان سيتم صياغة الأمور لو أن الامر كان يتعلق بورقة “سرية”، لكن نحن نكتفي بما تقوله حارسة العتبة رقم واحد علنا مع ارفاق الترجمة: “مفهوم العملية امام قطاع غزة” يعني قتل عشرات الآلاف بعمليات قصف من الجو والبر والبحر، بما في ذلك إعطاء المصادقة على الاضرار الجانبية، التي تسمح بالقتل الجماعي لعائلات، نساء وأطفال، أو باختصار: إعطاء يد حرة للجيش كي يهدم ويسوي ويقتل.
“توسيع الاستيطان ودعمه” يعني النشاط المبارك للمستشارة القانونية في الضفة الغربية، في خدمة مواصلة السلب العنيف لاراضي الفلسطينيين وطرد تجمعات، إضافة الى بناء المستوطنات و”شرعنة” بؤر استيطانية لليهود، “الدفاع عن سياسة الحكومة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لغزة” يعني سياسة التجويع.
بكلمات أخرى، فيما يتعلق بطريقة عمل النظام في إسرائيل لقمع الفلسطينيين فان طردهم من أراضيهم وقتلهم، أي استخدام عنف دولة منظم ضدهم، سواء بواسطة القنابل والجرافات أو بواسطة أوامر يصدرها قائد المنطقة – المستشارة القانونية بالتأكيد تساعد حكومة نتنياهو – سموتريتش على “الدفع قدما بسياستها” وتتطلع الى مواصلة المساعدة.
الحكومة من ناحيتها لا تكتفي بذلك. وهي لديها أسبابها. ولكن في محاولة الدفاع عن “الديمقراطية” فان المستشارة القانونية للحكومة تقول لها بشكل واضح وفي ورقة مكتوبة بشكل رسمي وصادرة من مكتبها على من بالضبط تسري هذه الديمقراطية وعلى من لا تسري. اليهود – نعم، الفلسطينيون – لا. في نهاية المطاف هذا النظام لا يعتبر نظام ديمقراطي.
الحديث لا يدور عن مجرد موقف رسمي، بل عن موقف أخلاقي تتفاخر به المستشارة: من بداية رسالتها أوضحت بأن الحكومة تتطلع الى تحويل مؤسسة المستشار القانوني الى “مؤسسة مطلوب منها صم الأذن امام النشاطات غير القانونية، وحتى المساعدة في ذلك”. في هذه المرحلة من الجدير التوقف قليلا والتذكر امام أي نشاطات بالتأكيد قامت المستشارة القانونية بصم أذنها، “أو حتى أيدتها”. يجب تذكر آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين يموتون في غزة بصورة قانونية، ورؤية المذابح التي تحدث في القرى الفلسطينية في الضفة، التي يتم تنفيذها حسب القانون، واستيعاب بالفعل سلطة القانون، الذي تؤمن به المستشارة، وهو القانون الذي يجب الالتزام به بشكل حازم.
المستشارة ليست لوحدها. ففي هذه الأوقات الصعبة ليست وحدها التي تضطر الى المناورة في صياغة المواقف العامة التي تعلن بصراحة عن أي نظام وأي قانون تحاول الدفاع عنه. رئيس المحكمة العليا السابق اهارون براك قال في مقابلة مع القناة 13 قبل أسبوع بأنه ناقش مع مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، تشكيل لجنة تحقيق حكومية. لماذا؟ من اجل الغاء مذكرة الاعتقال ضد رئيس الحكومة. هذه كانت محاولة أخرى لتعزيز معضلة براءة الاختراعات الإسرائيلية الدائمة، التي فيها نحن “نفحص” انفسنا لمنع إجراءات قانونية دولية. بهذا الشكل نجحت إسرائيل، حتى الآن على الأقل، في تنظيم اعفاء دولي لنفسها من المحاسبة على الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، سواء في إسرائيل أو في الساحة الدولية.
من الجدير أيضا تذكر خطاب رئيسة المحكمة العليا السابقة، استر حيوت، بعد بضعة أيام من اطلاق وزير العدل ياريف لفين لخطة الانقلاب القانوني. في اقوالها ضد “خطة تدمير جهاز القضاء” عرضت حيوت في حينه ثمانية نماذج قرارات حكم مرحب بها من قبل المحكمة، التي اختارتها لتقديمها للجمهور من اجل تحبيبه بالمحكمة العليا. الأمثلة، التي اختيرت بالتأكيد بحرص، تجاهله كليا الفلسطينيين. حيوت كان يمكنها في حينه الذهاب ابعد من ذلك في محاولة لتسويق المحكمة العليا للجمهور، وعرض على سبيل المثال أيضا الطريقة التي تشرعن بها المحكمة طرد الفلسطينيين وتدمير تجمعاتهم، من منطقة الخان الأحمر وحتى مسافر يطا. هي استطاعت اقتباس من مئات قرارات الحكم التي شرعنت العقاب الجماعي على شكل هدم بيوت عائلات المخربين الفلسطينيين أو المصادقة على سياسة إسرائيل (في حينه) ضد غزة، أو شرعنة قوانين مثل قانون لجان القبول، قانون النكبة، قانون الجنسية، وبالطبع قانون الأساس: القومية.
في نهاية المطاف فانه في كل ما يتعلق بقمع الفلسطينيين، على جانب الخط الأخضر، المحكمة ليست فقط شريكة كاملة، بل هي حجر الزاوية في شرعنة نظام الابرتهايد وتزيينه، أمام انفسنا وامام العالم. حيوت لم تفعل ذلك لأنه في الأيام البعيدة من كانون الثاني 2023 هي كانت تطمح الى الدفاع ليس فقط عن استقلالية المحكمة، بل أيضا عن الصورة الليبرالية، سواء للمحكمة أو للدولة. هذه الصورة لم تكن تتساوق مع الخطاب الذي فيه تسوق رئيسة المحكمة العليا بصوت مرتفع معظم قرارات حكمها المناوئة للفلسطينيين. لذلك، في حينه هي قفزت عن مادتين ولم تقل عنهما أي كلمة، فيما يتعلق بحقوق نصف الاشخاص الذين يعيشون بين النهر والبحر. لقد مرت تقريبا سنتين وها هي المستشارة تتحدث بصوت مرتفع وتؤكد بوضوح بالضبط المجالات التي فضلت حيوت في حينه تجاهلها، “الإجراءات”.
لم تكن هنا ديمقراطية، بل نظام تفوق بقناع شفاف. هذا النظام العفن يواجه الآن تناقضاته الداخلية. لا يوجد أي فرح في الاشمئزاز الذي يفيض به كل ذلك، وبالتأكيد هناك خوف من المستقبل القادم، لكن من الجدير والحاسم الاعتراف بالحقيقة، الحقيقة التي بدونها لن تكون هنا ديمقراطية حقيقية، هي فقط التي يمكن أن تكون القاعدة لحياة مشتركة آمنة وجديرة، حياة للجميع، التي من اجلها يجب مواصلة النضال.
——————————————-
يديعوت 28/3/2025
الاحتجاج في غزة لم يخلق كتلة حرجة، وهو بدون قيادة او اطار تنظيمي أو اجندة
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين
“حكم حماس انتهى. المنظمة دمرتنا. نحن ضد حكم القمع، وبهذه الوتيرة بعد سنتين – ثلاث سنوات الكل هنا سيموت. من ناحيتنا من الأفضل أن يحكمنا سودانيون”، هكذا بوجه مكشوف، اعلن هشام البراوي، مختار احدى العشائر الكبرى في بيت لاهيا شمال القطاع، في شريط انتشر هذا الأسبوع في الشبكات الفلسطينية. ولاحقا منح مقابلة صاغ فيها بشكل أكثر حدة مطالب الغزيين: “نحن نطلب من حماس تحرير كل المخطوفين، وبالمقابل تحرر إسرائيل سجناءنا. نحن لسنا ضد حماس، فهي من لحمنا ودمنا، لكننا لا يمكننا أن نعيش تحت حكمهم ويجب رفع اعلام بيضاء”.
منذ 7 أكتوبر لم تشهد مظاهر احتجاج ضد حماس مثلما كانت هذا الأسبوع في القطاع، ولكن شارك فيها المئات حتى الالاف ممن يطلقون بوجوه مكشوفة شعارات حادة ضد المنظمة، مثل “برا برا يا حماس”، او “شيعة، شيعة”، وهي إهانة شديدة تجاه المنظمة السُنية، شتيمة توازي الاتهام بالكفر. الاحتجاج يتسع بالتدريج. المظاهرات نشبت في بيت لاهيا، وفي غضون يوم واحد انتشرت الى جباليا، الى مدينة غزة، الى المخيمات الوسطى وكذا الى منطقة خانيونس.
“ما بدأ هذا الأسبوع لن يتوقف”، يشرح “ع” صحفي كبير من القطاع. ويواصل معه “س”، رجل فتح كبير من غزة الذي يقول “غزيون كثيرون، بيأسهم، حطموا حاجز الخوف ويعبرون عن مللهم من الكابوس الذي لا ينتهي”. البروفيسور مخيمر أبو سعده، باحث في العلوم السياسية انتقل الى مصر يضيف في حديث معه: “حماس ملزمة هذه المرة أن تفهم بان هذا ليس مجرد احتجاج “بدنا نعيش” الذي كان في الماضي ولم يهددهم حقا. اذا لم يكن استماع للشعب، فستنشأ قريبا صدامات فلسطينية داخلية في غزة”.
ولا يزال، من السابق لاوانه تأبين حماس او الإعلان عن بدء “ربيع غزة”. فالاحتجاج يعبر عن المعاناة المتواصلة لسكان القطاع لكنه لا يصبح مواجهة مباشرة مع حماس التي يتعاطف معها جزء هام من الجمهور. الاحتجاج يبدو في هذه المرحلة كانفجار عفوي لم يجمع كتلة حرجة، بدون قيادة، اطار تنظيمي أو اجندة مرتبة. والاهم من كل ذلك، حماس لم تقل كلمتها بعد. المنظمة تتابع عن كثب التطورات ولن تتردد في اغراقه بالدم اذا ما شعرت بانه يشكل لها تهديدا وجوديا.
في إسرائيل ينظرون برضى على ما يجري في القطاع، بل ويرون فيه تعبيرا عن نجاح السياسة المتبعة. في تصريح اطلقه وزير الدفاع كاتس للجمهور الغزي أول امس كان تشجيع علني: “طالبوا بطرد حماس من غزة والتحرير الفوري لكل المخطوفين. هذا هو الطريق الوحيد لوقف الحرب”. حماس من جهتها بدأت بحملة إدعت فيها بان الاحتجاج تحركه إسرائيل والسلطة وبالتالي فان من يشارك في المظاهرات يساعد في واقع الامر العدو. حتى الان لا تبدو مؤشرات على مرونة من جانب حماس في موضوع الحرب او المفاوضات على المخطوفين، والمنظمة تتمسك برسالتها الثابتة: التحرير فقط مقابل البحث بوقف الحرب والانسحاب من القطاع.
***
يتابع العالم العربي التطورات في غزة لكنه في نفس الوقت قلق من خطوة أخرى عمل عليها وزير الدفاع هذا الأسبوع: إقرار إقامة “مديرية انتقال طوعي” يفترض بها أن تحقق رؤيا ترامب لافراغ القطاع وتحويله الى “ريفييرا شرق أوسطية”. يترافق المشروع ومحاولة لخلق أجواء متفائلة مثلما يظهر من تقارير غير متوازنة حول “مجموعة غزيين كبيرة أولى سافرت الى الخارج” (عمليا، سافر 70 شخصا من ذوي الجنسية الأجنبية كعلاجات طبية في إيطاليا ورومانيا)، او “ارتفاع حاد في عدد المغادرين للقطاع”، فيما عمليا يدور الحديث عن نحو 200 كل أسبوع من اصل عدد سكان بنحو مليوني نسمة.
تفاقم إقامة المديرية الضرر الذي سبق أن لحق بإسرائيل في ضوء الحماسة التي تبديها منذ شهرين لخطة ترامب. وزارة الخارجية السعودية – التي توضح كل الوقت بانه لن يكون تطبيع بدون بحث في الموضوع الفلسطيني – شددت هذا الأسبوع: “نحن نشجب بشدة بيان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن إقامة المديرية”. مصر، الأردن وقطر ساروا في اعقاب الرياض في بيانات مشابهة.
في الخلفية، تنشر في إسرائيل من القطاع تقارير – تبدو أحيانا كاحجية تافهة، عن دول او شبه دول يزعم انها وافقت على استيعاب غزيين. المشترك في كل هذه التقارير هو حقيقة أنه بعد وقت قصير من النشر تنفى نفيا قاطعا. هكذا كان في حالة البانيا التي رئيس وزرائها ايدي راما، ادعى في كانون الثاني الماضي بان هذه انباء ملفقة. لكن أيضا مع السودان، اندونيسيا ومصر، التي قيل في الأسبوع الماضي انها وافقت على أن تستوعب مؤقتا في أراضيها نصف مليون غزي. “القاهرة ترفض رفضا باتا كل محاولة لاقتلاع الغزيين وترى في ذلك تهديدا على امنها القومي. كما جاء في بيان وزارة الاعلام المصرية.
وكانت الذروة في تقارير عن كيانات مثل صومالي لاند وفونت لاند، الاقليمين اللذين انفصلا عن الصومال في التسعينيات. “للتركيز الإسرائيلي والامريكي على صومالي لاند يوجد منطق استراتيجي عميمق”. يشرح الباحث المصري د. راغب سرغالي. “هذه منطقة فقيرة لكنها ذات أهمية جغرافية استراتيجية تقع قرب مضائق البحر الأحمر وتسيطر على الحركة لقناة السويس. وعد بالاعتراف والمساعدة من شأنه ان يشكل اغراء لتنفيذ خطة ترامب في هذه المنطقة”. الباحث الصومالي د. علي كيلاني يدعي “هذا حلم صيف يجسد صفر فهم الصوماليين الذين يعارضون الفكرة معارضة تامة”.
***
الرضى في إسرائيل عظيم لدرجة أنهم لم ينتبهوا الى أن حتى واضعي الخطة بدأوا يفقدون ا لاهتمام بها. فقد اعلن ترامب قبل نحو اسبوعين بانه لا يعتزم طرد فلسطينيين من القطاع، ومبعوثه الى المنطقة ستيف ويتكوف قال قبل أسبوع في مقابلة اثارت أصداء ان واشنطن معنية باعمار غزة لكنه لم يذكر على الاطلاق اخلاء السكان. وقد شرح يقول انه “مطلوب خطوة متداخلة تتضمن استثمارا في البنى التحتية، السكن، العمل، التعليم، الصناعات المتطورة. الغزيون يحتاجون الى الامل ومن الواجب خلق افق لهم في القطاع”.
الفجوة بين إسرائيل والعالم في موضوع خطة ترامب تجسد مرة أخرى – مثلما في مرات عديدة بعد 7 أكتوبر – بان خيالات، اماني وأفكار تسيطر على خطابنا وتصبح اقوى من خطط واعية. هكذا كان مع فكرة نظام العشائر في غزة بدلا من حماس، مع الامل في أن تأتي مصر او الامارات لتحكم غزة وتقوم بدلا منا بالعمل الأسود. ان التمسك بالاحلام يؤدي الى إضاعة الوقت والمقدرات. يوقع اضرارا ويصرف الانتباه عن المواضيع الأساسية وعلى رأسهم المخطوفون.
بين هذا وذاك الإسرائيليون ملزمون بان يتساءلوا في هدف المعركة التي تدور رحاها الان في غزة، الامر الذي تمتنع القيادة السياسية والأمنية عن شرحه للجمهور. على هذه الخلفية يثور الاشتباه بان الغاية عمليا هي احتلال كامل للقطاع الامر الذي معناه التخلي عن المخطوفين، الذين فرصة تحريرهم في ظل حرب إبادة لحماس تقترب من الصفر. هذا أيضا مدخل لتغيير استراتيجي دراماتيكي في ضوء الثمن الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي الجسيم وعديد السنين الذي سيفترضه احتلال غزة والبقاء في المنطقة بلا حدود زمنية. هذه مهمة يبدو أنه لن يكون مفر من تنفيذها في المدى البعيد، لكن مشكوك أن تكون القيادة التي انتجب اخفاق 7 أكتوبر وتفتقر الى الشرعية من الداخل هي من يجب أو تستطيع ان تخوض خطوة تاريخية كهذه.
——————————————-
يديعوت احرونوت 28/3/2025
إسرائيل في حرب بين المفاوضات والهجوم
بقلم: يوسي يهوشع
لا ينقص إسرائيل جبهات، لكن السؤال الذي يقف حاليا في مركز المداولات التي يجريها رئيس الوزراء هذه الأيام هو أي منها هي الأهم والأكثر الحاحا. وحسب مصادر رفيعة المستوى في جهاز الامن، الجواب – الى جانب المعركة ضد حماس التي تواصل اطلاق النار نحو إسرائيل، التهديد التركي على أراضي سوريا، محاولات تعاظم حزب الله في لبنان ونار الحوثيين الى إسرائيل – هو ايران أيضا.
في هذه الاثناء، يشدد الرئيس الأمريكي التهديدات على نظام آيات الله: الى جانب الارتفاع في حدة التصريحات تجاه ايران، أعلن ترامب بان كل هجوم من اليمن سيعد وكأنه انطلق من ايران نفسها، بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى. تجاه الحوثيين أيضا وعد الا يخفف الضغط، ما لا يمنعهم حاليا من ازعاج الجمهور الإسرائيلي بنار متواصلة تشوش مجرى الحياة.
ليس واضحا بعد اذا كان كل هذا يشير الى عمل ما في المدى الزمني الفوري، لكن لا حاجة الى دكتوراة في تخطيط القتال كي نفهم التلميح. يتبقى فقط أن نفهم اذا كان هذا جزء من تكتيك مفاوضات من جانب ترامب قبيل مباحثات متجددة على اتفاق نووي مع ايران أم اننا قبيل خطوة دراماتيكية أخرى في الشرق الأوسط، قد تكون الأكثر دراماتيكية. امس، بالمناسبة، ردت ايران على إمكانية ان تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة وأعلنت بانها تقبل إمكانية المباحثات بواسطة دولة ثالثة.
لكن لا يمكن ان نتجاهل انه على الأرض أيضا تلوح حراكات أمريكية: في الأيام الأخيرة وصل ما لا يقل عن خمس طائرات قصف متملصة من طراز B2 الى قاعدة في جزيرة ما تسمى دييغو غرسيا التي تقع في المحيط الهندي، مكان يعتبر أراض بريطانية لكنه معروف ان الولايات المتحدة تستخدمه كقاعدة انطلقت منها في الماضي طائرات لهجوم في أفغانستان وفي العراق. واغلب الظن فان تيار الطائرات المتملصة الى القاعدة سيستمر والى جانبها ستصل طائرات نقل وشحن للوقود.
مؤشر آخر على تسخين الساحة هو الامر الصادر عن البنتاغون مؤخرا تمديد تواجد حاملة الطائرات هاري ترومان في البحر الأحمر بشهر إضافي وكذا ارسال حاملة الطائرات كارل وينسون الى الشرق الأوسط. واضح أنه يوجد أيضا تنسيق مع إسرائيل: منظومات الدفاع الامريكية، تاد، هي التي اعترضت الصاروخين الباليستيين اللذين اطلقا نحو إسرائيل من اليمن.
غير أن الوضع معقد: أمس نشرت “وول ستريت جورنال” بان الهجوم الذي تراسل حوله في الحوار السري البيت الأبيض والذي انكشف هذا الأسبوع في “اطلنطيك” – نفذ في اعقاب معلومات استخبارية حساسة قدمتها إسرائيل. في إسرائيل قلقون من هذا التسريب وكذا من مجرد القضية التي انكشفت في “سيغنال – غيت” وكذا من المنشورات التي تربطها المرة تلو الأخرى بالقصف في اليمن.
بالتوازي، في الجيش الإسرائيلي يغلقون أسبوعا آخر من الحياة الطبيعية الجديدة أي هجمات واحتكاكات في جملة ساحات: في سوريا هوجمت وسائل قتالية لجيش الأسد سقطت في أيدي الثوار، هجوم يشكل أيضا إشارة لتركيا التي تضرب عينها على المنطقة؛ في لبنان وفي غزة صفي مسؤلون كبار الى هذا الحد او ذاك في منظومات حزب الله وحماس. بالمقابل، في قاطع النشاط البري المتجدد تواصل التدحرج ببطء فيما أن الفكرة هي لا تزال ممارسة الضغط على السكان الغزيين بهدف دفع حماس لقبول الحلول الوسط التي اقترحتها الولايات المتحدة وإسرائيل بدلا من المرحلة الثانية التي تطلب انهاء الحرب. في هذا السياق، فان المظاهرات التي شوهدت هذا الأسبوع في القطاع ضد حماس أثارت اهتماما شديدا لكن من السابق لاوانه استخلاص استنتاجات بعيدة الأثر منها.
وبالفعل، لا يبدو حاليا أن قريبا ستخرج الى حيز التنفيذ عملية واسعة في غزة. فمن غير المتوقع دخول واسع لعدد من الفرق، وفي هذه اللحظة العملية متدرجة جدا. والقوات التي تعمل بالفعل في القطاع تستولي على مزيد فمزيد من الأراضي، وفي هذه اللحظة أيضا لا يوجد مصابون وبالتالي، وان كان العمل بطيء، فانه يمر بهدوء. لكن لاجل تنفيذ وعود “الحسم” توجد حاجة لحجم قوات اكبر بكثير – حقا كثير – ولهذا الغرض توجد حاجة لتجنيد واسع للاحتياط. غير أنه في ضوء التآكل الهائل، الشرخ السياسي المتسع وبخاصة تخليد التملص الحريدي – مشكوك ان يكون هناك من يرغب في ان يحل هذه الأيام محل ضابطات الارتباط في منظومة الاحتياط. وعليه، يجب أن نستمع باهتمام شديد لما قاله اليوم الناطق العسكري المنصرف العميد دانييل هجاري الذي نقل اسم الصولجان الى بديله، العميد ايفي تفرين، حين دعا بان “عموم أجزاء المجمع يجب أن يدخلوا تحت الحمالة”. وشرح هجاري بان هناك “حاجة لمزيد من المقاتلين في الجيش منذ الان. ليس فقط بعد عدة سنوات – فالحرب تجري الان”. لقد ارتكب هجاري اخطاءه وهكذا أصبح علما أحمر في نظر الحكم. لكنه لا يزال محقا في هذا الموضوع.
——————————————-
هآرتس 28/3/2025
زامير ينقل للحكومة استعداده لاحتلال غزة، لكنه يواجه عقبة داخلية كبيرة
بقلم: عاموس هرئيلِ
في الوقت نفسه لا يزال الحب من النظرة الأولى. الوزراء يشعرون بالرهبة من رئيس الأركان الجديد إيال زمير. منذ أكثر من عامين، كان هناك توتر مفتوح بين الحكومة وسلفه هرتزي هاليفي: أولاً على خلفية الانقلاب واحتجاجات جنود الاحتياط، ثم حول محاولة نقل المسؤولية عن مذبحة 7 أكتوبر إلى صفوف المحترفين فقط. وفي قطاع غزة ستهزم حماس هذه المرة حقا.
صحيح أن هذا الأسبوع كان قصيرا بعض الشيء في الاتصالات بين زمير ووزير الدفاع يسرائيل كاتس. حاول الوزير أن يستخدم على رئيس الأركان التمرين الذي نجح عدة مرات ضد سلفه – التوبيخ العلني والمطالبة بتوضيح فوري يوزع على وسائل الإعلام، في موضوع يخص رجال الأعمال اليمينيين ومغرديهم: هذه المرة هو التحقيق مع المقدم احتياط أورن سولومون، عضو حركة “الأمنيين” المشتبه في قيامه بتسريب وثائق سرية من اتحاد غزة دون إذن. ولم يتراجع زامير وأعلن أنه لن يقبل التعليمات عبر وسائل الإعلام. أطلق كاتس توبيخا علنا آخر – ودعا رئيس الأركان إلى اجتماع مصالحة سريع، وبعد ذلك أعلن أن الاثنين سيواصلان العمل معا.
من المأمول أن يعزز هذا الأمر لدى زامير البصيرة التي كان ينبغي أن تكون واضحة: عند عودته إلى الزي العسكري، وبعد أن لم يكن جزءا من عملية صنع القرار ليلة 7 أكتوبر، فإن علاقات القوة بينه وبين الوزراء تختلف عن العلاقات مع سلفه. لن يتمكن كاتس من مضايقته كما فعل مع ليفي. كان رئيس الأركان السابق يشعر بالإهانة أحيانًا من الهجمات البغيضة التي يقوم بها بعض الوزراء، ثم بدأ معهم حوارات طويلة في اجتماعات مجلس الوزراء والحكومة. عندما يحدث هذا مع زامير، فهو يهدر عليهم، ويهدؤن. وفي هذه الأثناء الطريقة ناجحة بالنسبة له. الوزراء يؤيدون ذلك لأنهم يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي سوف يزودهم بالبضائع. ولكن لا يزال من الممكن أن يكون، كما تبين فيما بعد مع هذه المجموعة، سلاحاً ذا حدين.
ما ينقله زامير هو استعداد متجدد للجيش الإسرائيلي لمناورة برية واسعة النطاق قد تشمل احتلال قطاع غزة بأكمله. إنه يقول للوزراء بشكل أساسي: متى شئتم وإلى أي عمق تريدون، سيدخل الجيش الإسرائيلي. تقريبا “تم وسمع”. وأوضح رئيس الأركان للوزراء أنه أحضر لواء جولاني إلى حدود قطاع غزة وعين قائد القيادة الجنوبية، يانيف أسور، “ضابط هجوم” آخر. فصححه أحد الحاضرين: أنت لم تطير بعيدًا، بل طردت السكان بعيدًا بغرض حمايتهم.
النشاط البري في المنطقة آخذ في التوسع، ولكن في الوقت الحالي يقتصر على أجزاء صغيرة: الجيش الإسرائيلي يعمل في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة، في الجزء الشرقي من ممر نتساريم في وسط القطاع، وفي الجنوب في حي الشابورة وتل السلطان في مدينة رفح المدمرة. وفي أحد الاجتماعات تجرأ الوزراء على التساؤل: ما هو هدف الحرب التي جددتها إسرائيل على قطاع غزة في 18 آذار/مارس؟ ما هي الحالة النهائية المطلوبة؟ تمتم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشيء عن رابطة الدول العربية لإدارة القطاع، عندما يكتمل النصر على حماس. أصيبت الوزيرة أوريت شتروك (الصهيونية الدينية) بالصدمة: “لكن غزة لنا، وهي جزء من أرض إسرائيل. هل ستعطيها للعرب؟” أجاب نتنياهو: “عندها ربما تكون هناك حكومة عسكرية. هناك كل أنواع الاحتمالات”.
هذا بالفعل هو خيال اليمين المتطرف، والنقاط الرئيسية لخطة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ليست بعيدة عنه: تعبئة واسعة النطاق لفرق الاحتياط، واستكمال احتلال قطاع غزة، وتقليص المنطقة الإنسانية في منطقة مواسي الصغيرة أيضًا. بل إن هناك أفكارًا لوضع سفن قبالة سواحل غزة، لتشجيع السكان على المغادرة تحت رعاية الحملة العسكرية الإسرائيلية. بل إنهم في وزارة الدفاع ينشئون مديرية «لتشجيع الهجرة»، وكأن هذه فكرة عادية أخرى. وتعقد الجلسات بدون ممثلي مكتب المدعي العام العسكري. حتى لا يتجولوا بين أرجلهم ويحذروا من انتهاكات كثيرة للقانون الدولي. وفي أحد الاجتماعات، سُمع ضابط كبير وهو يشرح أنه “لن يمر جوال طحين” إلى قطاع غزة إذا لم يكن جيش الدفاع الإسرائيلي يسيطر على الإمدادات الإنسانية.
املاءات الضمير
وأمام الخطط الطموحة للحكومة ورئيس الأركان عقبة داخلية كبيرة. ستكون هذه هي المرحلة الأولى من الحرب الحالية التي لا تحظى بإجماع من الدعم الشعبي الكامل. في الاسابيع الاخيرة دارت نقاشات محمومة في هيئة الاركان حول كيفية التعامل مع الظاهرة التي بدأت تتوسع: غياب جنود الاحتياط في مواجهة التحفظات السياسية على سير الحرب. وإلى جانب ذلك هناك “الرفض الرمادي” الذي لا يرافقه بيان سياسي واضح، بل هو متجذر بعمق في العبء المستحيل والموقف المنفر للحكومة.
هناك وحدات احتياطية حيث تتجاوز عتبة التسجيل نصف المجموعة – وكما سبق أن أوضحنا هنا، تقوم الكتائب والألوية بتحديث البيانات إلى حد ما عن طريق التنازل مقدمًا عن استدعاء المترددين، إلى جانب مناشدة المتطوعين الذين ينضمون إلى الوحدات. في بعض وحدات النخبة هناك تخوف من عدم ظهور فريق رديف كامل. “الدافع” الأبرز للتحفظات المتزايدة لدى جنود الاحتياط يتعلق بالخوف الواضح من أن يؤدي تجدد الحرب إلى تعريض حياة المختطفين المتبقين للخطر. ويضاف إلى ذلك الغضب من تجدد الانقلاب، والتشجيع على تهرب الحريديم وتمرير ميزانية مليئة بالغنائم لصالح جماعات المصالح.
وقدم الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع بيانات حول إصدار أوامر التجنيد للحريديم. ومن بين 10000 أمر صدر في بداية العام، حضر 876 شخصًا من اليهود المتشددين – وتم تجنيد 210 منهم فقط. وسيتم إرسال 14000 طلب آخر بين مارس ومايو. حتى الآن معدل التوظيف ضئيل للغاية. ارقص في حفل زفاف على أغنية مناهضة للتجنيد، واعتذر واستقيل من منصب وهمي كوزير في مكتب رئيس الوزراء. عندما يُسأل السياسيون المتدينون عن الغضب تجاههم، بما في ذلك بين شركائهم الحكوميين من الصهيونية الدينية، فإنهم يتظاهرون بعدم فهم ما يدور حوله. في هذه الأثناء، في مجموعات عائلية و”تساب”، يرسل جنود الاحتياط صور الأوامر الجديدة التي تلقوها، لمدة شهرين وحتى ثلاثة في وقت لاحق من هذا العام – وكل هذا قبل إصدار الأوامر لهم إلى قطاع غزة.
كتب أحد جنود الاحتياط في قطاع غزة هذا الأسبوع: “إن جيش الاحتياط يتآكل أكثر فأكثر. وهذا ليس من قبيل الصدفة. الحكومة غير قادرة على أن تشرح للجمهور الخدمة ما هو الغرض من الحرب. وليس من المستغرب أن تكون نسبة أولئك الذين يرتدون القلنسوة أكثر وضوحا، على خلفية نسب التجنيد المنخفضة. وهذا هو تفسيرهم للحرب”.
كما أن سلوك نتنياهو في إقالة رئيس الشاباك رونين بار لم يساهم في تعزيز ثقة الجمهور بالحكومة. ولكن يبدو أن هذا لم يعد يثير اهتمام رئيس الوزراء منذ فترة طويلة. نتنياهو منهمك في ضمان الولاء الشخصي للموظفين العموميين له، كما علمنا منقذنا دونالد ترامب. وعندما ذكر فوكس منع التخريب كأحد أهداف الخدمة، أضاءت عيون نتنياهو. هذا هو بالضبط ما يتحدث عنه. رئيس الشاباك الجديد كان من الممكن أن نعجب به، فهو سيتعامل مع ما هو مهم حقا – الحرب ضد الإرهاب الخارجي والتخريب الداخلي. وأخيرا سيتم العثور على شخص يعرف كيف يعتني بالأعداء الحقيقيين: ايهود باراك وأهرون باراك، يائير جولان ويائير لابيد، مكتب المدعي العام والصحافة.
وأصدرت المحكمة العليا أمرا مؤقتا ضد استكمال إقالة بار، لكن يُسمح لنتنياهو بمقابلة خلفائه. سارع رئيس الوزراء إلى السيطرة على الرواية ونشر قائمة المرشحين: م. النائب السابق لحزب بار الذي أعلن تقاعده من الخدمة قبل بضعة أشهر، وإلى جانبه ثلاثة مسؤولين كبار سابقين أنهوا عملهم في الشاباك قبل بضع سنوات: يائير (رولي) ساغي (الذي ترشح ضد بار في 2021 وخسر)، إيال تسير كوهين وشالوم بن حنان. من روح التسريبات الأخيرة، ليس من الصعب رسم شخصية رئيس الجهاز المقبل، كما يراه نتنياهو: مخلص ومطيع قبل كل شيء. وفي رده على الالتماس المقدم إلى المحكمة العليا، كشف نتنياهو عن نية خفية أخرى. فهو يريد نقل التحقيق في قضية قطر، التي يشتبه فيها ثلاثة من مستشاريه الإعلاميين، من الشاباك إلى الشرطة. يمكنك أن تفهم السبب. يصر رونان بار على إظهار الاستقلالية في التحقيق. وليس لدى المفوض داني ليفي مثل هذه الادعاءات.
مرة أخرى كخطوة بعيدا عن النصر
وبعد إقرار الميزانية يوم الثلاثاء الماضي، احتفل نتنياهو في مقطع فيديو مشترك صوره مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. ربما كان خلف الكاميرا المستشار الأخير غير المشتبه به في قضية قطر. نتنياهو، الذي كان يبتسم من الأذن إلى الأذن، تفاخر بـ “الأهمية الكبيرة” لتمرير الميزانية لاستقرار الائتلاف. وأضاف أن الأعداء في إيران وغزة يشعرون بخيبة أمل، لأنهم كانوا يأملون في سقوط الحكومة، لكن الحكومة الآن نجت، وهي قادرة على استكمال المهمة. النصر المطلق الذي وعدت به. اتضح من الأشياء أننا مرة أخرى على بعد خطوة منه. هذه، على الأقل، هي نسخة نتنياهو. ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي سُئل عن ذلك بعد ساعات قليلة، واضطر للاعتراف بأنه لا يرى نصراً وشيكاً في الأفق. إن حماس تتعافى وتزداد قوة، وسوف يتطلب الأمر بذل جهد كبير لضمان هزيمتها.
الأرقام التي قدمتها المخابرات الإسرائيلية ليست مشجعة. وبعد مقتل نحو 50 ألف من سكان غزة في الحرب ـ بما في ذلك، وفقاً لإسرائيل، نحو 20 ألف إرهابي ـ عادت قوة حماس إلى نحو 20 ألف رجل مسلح، إلى جانب نحو 10 آلاف إرهابي من حركة الجهاد الإسلامي. جزء كبير من الإرهابيين هم من الشباب وأقل خبرة من أسلافهم، كما تضررت سلسلة القيادة مرة أخرى في حماس، ولكن ليس هناك نقص في الأسلحة الشخصية والعبوات الناسفة.
التأثير الرئيسي لنشاط الجيش الإسرائيلي حتى الآن تم تسجيله في اليوم الأول لاستئناف القتال، من خلال غارة جوية واسعة النطاق، قُتل فيها حوالي 400 فلسطيني (بما في ذلك، وفقًا لوسائل الإعلام في قطاع غزة، حوالي مائة طفل). وفي ذلك الهجوم، وفي سلسلة من الاغتيالات منذ ذلك الحين، قُتل العديد من كبار الجناح السياسي للتنظيم، بما في ذلك رئيس الوزراء المدني والرجل المعين ليحل محله. المظاهرات المدنية التي شهدها قطاع غزة في الأيام الأخيرة، التي سمعت فيها الدعوات ضد حكم حماس، لا تبشر في الوقت الحاضر بتغيير جذري. إن المشاعر التي تنعكس في هذه المشاعر حقيقية، ولكن ينبغي الانتباه إلى الجهة التي تعبر عنها: العشائر المرتبطة بتنظيم فتح، وبتشجيع قوي من العديد من أجهزة المخابرات في المنطقة.
ولا يزال على جدول الأعمال اقتراح مصري بالعودة إلى وقف إطلاق النار والتعامل مع المختطفين، ويتضمن إطلاق سراح خمسة مختطفين أحياء وعودة خمس جثث. في هذه اللحظة يبدو أن المفاوضات متوقفة، وذلك أيضاً لأن اهتمام نتنياهو كان منصباً على إقرار الميزانية. وتدعم إدارة ترامب في تصريحاتها بشكل عام الموقف الإسرائيلي وترفض مقترحات الوساطة المصرية والقطرية، بما في ذلك المبادرة العربية لخطة إعمار واسعة النطاق لأضرار الحرب في القطاع.
ورغم أن نتنياهو يواصل بث الوعود إلى قاعدته السياسية بتحقيق نصر سريع على حماس في غزة، فإن الساحة التي تثير اهتمامه أكثر من غيرها، تاريخياً، هي إيران. إن لعبة ترامب في كلا الساحتين متشابهة تماما. وهو لا يستبعد الحل السلمي (وفي حالة إيران يفضله أيضاً)، لكنه يستخدم إمكانية وقوع هجوم إسرائيلي كوسيلة ضغط على الجانب الآخر. بهدف إقناعه بالثني والاستسلام. هذا الأسبوع، بعد إقرار الميزانية، أبدى نتنياهو مرة أخرى ثقة كبيرة في تصرفاته؛ الرجل الذي يعرف كل شيء. وهذه عقلية خطيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمثل هذه القرارات المصيرية. وتوقع شريكه المقرب والمتحدث باسمه، ياكوف باردوغو، قبل بضعة أيام على القناة 14 أن “إسرائيل في طريقها لمهاجمة إيران في أقصر وقت ممكن”.
وفي التقييم السنوي لمجتمع الاستخبارات الأميركي، الذي نشر هذا الأسبوع، لم يتم تسجيل أي تغيير حتى الآن. لقد تمسكت الوكالات الأمريكية بنسختها لأكثر من عشرين عامًا. ولم يعد الإيرانيون إلى تطوير البعد العسكري لبرنامجهم النووي الذي تم تجميده عام 2003 على خلفية الغزو الأميركي لإيران. كما أنهم لا يسعون إلى إنتاج رأس حربي نووي لصاروخ أرض-أرض. لكن، ويشير معدو التقرير إلى أنه من المرجح أن الضغوط تتزايد على المرشد الأعلى علي خامنئي لإعادة إطلاق المشروع النووي العسكري. وفي العام الماضي، تآكل المحظور الذي طال أمده بشأن المناقشة العامة الإيرانية لتطوير الأسلحة النووية. لكنهم يكتبون أن القرار النهائي يظل في يد خامنئي.
الصمت بعد الخراب
خلال زيارة قمت بها إلى جنين قبل بضعة أيام، برز الفرق السحيق بين المدينة ومخيم اللاجئين الموجود فيها. والمخيم الآن خالي تماما، باستثناء جنود الجيش الإسرائيلي وربما عدد قليل من المطلوبين المختبئين في أحد المباني. وفي المدينة، على بعد دقيقة واحدة بالسيارة، تعج الحياة بالنشاط. تتنقل الحشود بين أكشاك السوق للتسوق في شهر رمضان.
ويقع المخيم على سفح جبل يطل على بقية أحياء المدينة. وهي منطقة صغيرة عرضها 800 متر وطولها 800 متر، شديدة الانحدار وعرضة للمعارك. وفي عام 2002، في ذروة الانتفاضة الثانية، وصف الفلسطينيون مخيم جنين بأنه مهد النضال، بعد أن خرج منه العديد من منفذي العمليات الانتحارية في تلك الفترة. وعندما استولى الجيش الإسرائيلي على المخيم، في عملية الدرع، قُتل 23 جنديًا و53 فلسطينيًا في المعركة، من بينهم، بحسب الجيش، خمسة مدنيين. وهذا لم يمنع الفلسطينيين من نشر قصة عن مذبحة يُزعم أن الجيش الإسرائيلي ارتكبها، وأثارت رد فعل دولي واسع النطاق. واليوم، يمكن رؤية مثل هذه الدماء أحيانًا حتى خلال ساعات قليلة من القتال في قطاع غزة.\
عشية الحرب الحالية، كان يعيش حوالي 12 ألف شخص في مخيم جنين، تحت السيطرة الكاملة لـ “الخطيفات”، كتائب جنين، وهي شبكة محلية متعددة التنظيمات تعمل على توحيد المطلوبين من جميع الفصائل الفلسطينية الرئيسية. خلال الحرب، وبعد الغارات المتكررة التي شنها الجيش الإسرائيلي والعملية المطولة التي قامت بها السلطة الفلسطينية، غادر المخيم حوالي 75% من سكانه. وفي الشهرين الأخيرين، عندما عاد الجيش إلى المخيم – ليبقى هذه المرة على ما يبدو – غادر السكان الباقون أيضًا.
لقد ولدت العملية الحالية نتيجة لمجموعة من الأسباب العملياتية والسياسية. أراد الجيش الإسرائيلي والشاباك السيطرة على المخيم، لأن الشبكات أصبحت خطيرة وأنشأت منطقة مستقلة هناك لم تسمع عنها السلطة الفلسطينية. وكان الخوف هو أن تقوم المنظمات الغنية بالسلاح والمال ووسائل الاتصال بـ “تصدير” الإرهاب إلى طرق الضفة الغربية، إلى المستوطنات وخط التماس. في الوقت نفسه، ضغط الناشط سموتريتش على نتنياهو ليرمي له حلوى على شكل العملية، نظرا لموافقته على عدم الاستقالة من الحكومة بسبب إقرار صفقة الرهائن في غزة.
وكان نحو 200 مسلح ينشطون في المعسكر عند بداية العملية. قُتل حوالي خمسين منهم في معارك مع الجيش الإسرائيلي، وتم اعتقال ما يقرب من 60 شخصًا لدى إسرائيل أو السلطة الفلسطينية. ويتصرف الآخرون كما يريدون، ويضطر بعضهم للبحث عن أماكن للاختباء في المدينة أو في القرى المجاورة، خارج منطقة نشاطهم الطبيعية. انخفض عدد الأحداث في المخيم إلى الحد الأدنى، وقام الجيش الإسرائيلي أيضًا بتخفيف قواته هناك وفقًا لذلك. ولا تزال كتيبة نحشون من لواء مشاة كفير متواجدة في المخيم، وتعمل إلى جانبها وحدات خاصة. والآن يتنقل الجنود حول المعسكر سيرا على الأقدام، دون صعوبة، وهو ما لم يكن ممكنا في بداية العملية، بعد أن قام المسلحون بوضع عبوات ضخمة تحت الطرق.
وتمر جولة المشي عبر “الحمام” – وهو تقاطع ضيق للأزقة في المعسكر الذي قتل فيه 12 جندياً احتياطياً في إبريل/نيسان 2002، في أسوأ حادثة “الجدار الواقي”. وتعرض المقاتلون لكمين، وأطلق مسلحون فلسطينيون النار عليهم من طابق أعلى في مبنى مجاور. بعد الحادثة، دمر الجيش الإسرائيلي جزءا كبيرا من وسط المخيم، الذي كان يسمى آنذاك “جراوند زيرو”، نسبة إلى موقع التدمير في نيويورك منذ 11 سبتمبر/أيلول. يبدو المخيم هذا الأسبوع مهجورا وخاليا أكثر مما كان عليه خلال زيارتي هناك إلى “الجدار الواقي”.
وفي عام 2007، عندما زرت هناك مرة أخرى مع قادة الاجهزة الفلسطينية، كانوا فخورين بإعادة الإعمار التي تمت بالمساعدات الدولية. وعندما علقنا بأن الأزقة الجديدة تبدو ضيقة بشكل خاص، أوضح المضيفون أن ذلك يهدف إلى منع حركة ناقلات الجنود المدرعة الإسرائيلية. الفكرة لم تنجح: جزء من الدمار في المخيم ينبع الآن من قرار الجيش الإسرائيلي بتوسيع الممرات للسماح بمرور المركبات المدرعة. وتضم هذه المرة أيضاً دبابتين شوهدتا في جنين للمرة الأولى بعد نحو عقدين من الزمن. إن الدمار الذي لحق بالمخيم واسع النطاق، لكنه لا يصل إلى أبعاد سكان غزة. خلال زيارة إلى مخيم جباليا شمال قطاع غزة، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كان من المستحيل تقريباً رؤية مبنى يقف على طرفه. ولا يزال الأمر بعيدا عن الوضع السائد الآن في مخيم جنين.
——————————————-
هآرتس 28/3/2025
ائتلاف نتنياهو: “لجنة القضاة” باتت في جيوبنا.. لا مهنيّة بعد اليوم ولا مستشارة
بقلم: أسرة التحرير
في استعراض للقطيعة سيسجل في كتب التاريخ أن الائتلاف أقر بالقراءة الثانية والثالثة قانون السيطرة السياسية على لجنة انتخاب القضاة. وقد فعل هذا في إجراء عاجل من طرف واحد لم يسمح لبحث معمق وبلا مراعاة لملاحظات المستشار القانوني.
يغير التعديل شكل انتخاب القضاة. فلم يعد للتعيين في المحكمة العليا حاجة لإجماع بين الائتلاف والقضاة. يكفي تأييد الائتلاف ومندوب واحد من المعارضة من بين الاثنين في اللجنة (نائب أو “مندوب الجمهور من جانب المعارضة”) لتعيين قاضي عليا. بغياب توافق، يعين كل واحد من “الطرفين” بعد سنة قاضي عليا من طرف واحد. والنتيجة تسييس تام لتعيينات المحكمة العليا، وتجاهل لاعتبارات مهنية وجعل قضاة العليا في اللجنة مجرد أص زينة. وتعززت في تعيينات الهيئات الأدنى قوة السياسيين في الإجراء.
ستكون المحكمة العليا ملزمة بقبول الالتماسات التي رفعت وشطب هذا التعديل، رغم أنه تعديل على قانون أساس. ففي كانون الثاني 2024 تقرر في المحكمة بأغلبية حاسمة (12 من أصل 15) بأن للمحكمة الصلاحيات لشطب تعديلات على قانون أساس تخرج عن الصلاحيات التأسيسية للكنيست، إذا كانت تمس بلب هوية دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. فتسييس اللجنة في انتخاب القضاة مس شديد للغاية حتى أكثر من “تعديل المعقولية” الذي شطب السنة الماضية.
لا يوجد في إسرائيل دستور قوي ومحصن، وتكاد لا تكون توازنات وكوابح أخرى (مثل مجلسي نواب، وفصل حقيقي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، نظام فيدرالي). وعليه، فإن لمبدأ استقلالية القضاة أهمية حاسمة: عندما يعرف كل قاضي صلح أو مركزية بأن ترفيعه متعلق بإعجاب السياسيين له، فسيكون مس شديد باستقلالية القضاة، بفصل السلطات وبسلطة القانون. وسيكون كل قاض أيضاً “متماثلاً” مع طرف سياسي معين، وبالتالي ستضرر الثقة بالمحكمة، وعلى أي حال سيختفي نهج الأقدمية بسبب الأغلبية السياسية في اللجنة، ومن هنا فإن قضاة العليا سيكونون أيضاً في منافسة على قلب السياسيين بالنسبة لترفيعهم إلى الرئاسة.
سيكون صعباً إعادة الدولاب إلى الوراء. لن يتخلى السياسيون بسهولة عن قوتهم الجديدة لتعيين عشرات القضاة في السنة كوظائف سياسية. وحدها المحكمة العليا يمكنها انتقاد الديمقراطية من هذا الشر. على الجمهور الوقوف إلى يمين المحكمة وحمايتها.
——————————————-
إسرائيل اليوم 28/3/2025
غزة مثل القدس لم تكن مطروحة للتفاوض
بقلم: يوسي سويد
عندما اقترح الرئيس ترامب، خلال زيارة رئيس الوزراء لواشنطن، أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، عبر «عملية» إسرائيلية فقط، من دون أن يشارك جندي أميركي واحد في القتال هناك، شعرت بعدم ارتياح شديد. هل ضحّى جنودنا الأبطال بأرواحهم من أجل مشروع عقاري أميركي؟
ربما بدأت غزة كمدينة «فلستية» (حسبما ورد وصفها في التوراة)، لكنها بالتأكيد «ليست فلسطينية». يقع في غزة أحد أقدم الكُنُس في البلاد، يعود إلى القرن الخامس، ويحتوي على فسيفساء للملك داود، وكان ذلك قبل الإسلام. لقد أقامت في غزة جماعة يهودية طوال مئات السنين، وعمل فيها حاخامات كبار، مثل الحاخام إسرائيل نجارة، أحد أعظم شعراء الترانيم الدينية.
أثناء المفاوضات بين إسرائيل ومصر، اتخذ بيغن خطوة غير اعتيادية؛ قد أقسم أمام الكاميرات على عدم التنازل قط عن أيّ جزء من «أرض إسرائيل». لذلك، عندما طلب السادات إقامة ممثلية مصرية في غزة، في إطار الاتفاق، رفض بيغن ذلك بشكل قاطع، فبينما لم تكن سيناء، بحسب رأيه، جزءاً من «أرض إسرائيل» التاريخية، وبالتالي كان في الإمكان إعادتها إلى مصر في مقابل اتفاق سلام، فإن غزة، تماماً مثل القدس، لم تكن مطروحة أصلاً على التفاوض. سخر كثيرون من بيغن بسبب تمسُّكه بغزة، وتساءلوا عمّا بدا لهم كأنه حماقة، لماذا لا يسلّمها لمصر؟ لكن في الحقيقة، لم يكن المصريون مهتمين بها قط، إلّا كشوكة في خاصرة الدولة اليهودية، تسبب لها إزعاجاً دائماً.
بشكل عام، يسود غزة وضع غريب للغاية. الفلسطينيون الذين يعيشون في القطاع يعرّفون أنفسهم لاجئين من مدن الساحل، ويطمحون إلى العودة إلى يافا، وعسقلان، وأشدود، أي بمعنى آخر، إلى مغادرة غزة. وفي المقابل، اليهود الذين سكنوا في غزة، يرغبون في العودة إليها، لكن الحكومة الإسرائيلية أعلنت في عهد بايدن أنها لا تنوي تجديد الاستيطان هناك. وهكذا يتكوّن فراغ يسمح لترامب بطرح مقترحاته المصلحية: الغزّيون سيتوزعون في أنحاء العالم، واليهود سيبقون ضمن حدودهم، وترامب سيجني المكاسب من الفوضى.
الآن، تنوي إسرائيل الدخول مجدداً إلى غزة، ومن المتوقع أن تُحتل جباليا للمرة الخامسة منذ اندلاع الحرب، بعد إراقة دماء أفضل أبنائنا هناك، مراراً وتكراراً. لقد حان الوقت لوقف هذه الحماقة، ففي جميع الأحوال، غزة غير صالحة للسكن، وتركُ السكان يعيشون فيها ليس أمراً أخلاقياً. هذه المرة، إذا دخلنا، فمن أجل التحرير.
—————-